رواية غير قابل للحب الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم منال سالم
رواية غير قابل للحب الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم منال سالم
رواية غير قابل للحب البارت الثالث والثلاثون
رواية غير قابل للحب الجزء الثالث والثلاثون
رواية غير قابل للحب الحلقة الثالثة والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
في هذه الآونة المتواترة علي، بدت مشاعري متضخمة إلى حدٍ غير مقبول، مثير للمتاعب والقلق، فالبسيط لدي أصبح كبيرًا، والطبيعي تحول إلى خارق، ولا أجد إلى الآن تفسيرًا لذلك، يبدو أن رغبتي في سماع ما يثلج صدري قد بات مستحيلًا وموجعًا في نفس الوقت.
لماذا الوقوع في حب الشخص الخطأ مؤلمًا لهذه الدرجة؟ ألا يمكن تجاوز تلك المشاعر الخانقة بسهولة؟ توقفت عن إرهاق عقلي بما يؤرقه من أسئلة لا إجابات لها، ونهضت من على الفراش لأهرع ناحية الحمام. بالطبع التأنق وارتداء الملائم من الثياب الرسمية في هذه الساعة المتأخرة لم يكن شرطًا أساسيًا للخروج، لكون الأمر غير معدٍ مسبقًا، اكتفيت فقط بارتداء زيًا رياضيًا مريحًا من اللون الأبيض بعد أن تحممت في تعجل، خرجت من غرفة تبديل الثياب، ووقفت أمام تسريحة المرآة لأمشط خصلاتي سريعًا دون أن أهتم بتجفيفها، جمعتها معًا في عقدة واحدة لتنساب على ظهري في شكل ذيل حصان رطب. نفضة خفيفة عصفت ببدني و”فيجو” يهتف من عند باب الغرفة:
-لا تتأخري، أنتظرك بالأسفل.
التفتت برأسي لأنظر إليه وأنا أخبره:
-سألحق بك في التو…
رأيته يرمقني بهذه النظرة المطولة الغريبة، لم تكن قاسية، ولا تحوي كرهًا، بل مختلفة إلى حدٍ كبير، تدفعني لإبقاء عيني عليه طوال الوقت، لعل في تحديقي أكشف السر الذي يناضل لإبقائه مدفونًا في أعماقه. قبل أن يهم بالانصراف رفعت من نبرتي لأكرر عليه سؤالي الحائر:
-أين سنذهب؟
ما زال الغموض يحاوطه كليًا وهو يجيبني:
-ستعرفين بعد قليل.
لم أسعَ للإلحاح عليه، فهززت رأسي مرددة:
-حسنًا.
ثم رسمت بسمة لطيفة على محياي؛ لكنه غادر قبل أن يراها، أحسست حينئذ بالندم لتلفظي بمثل هذه الحماقات المرتبطة بالمشاعر والعاطفة، لماذا أواصل محاصرته بشيء لا ولن يفقه ماهيته مهما حاولت؟! تنهدت مليًا وخاطبت نفسي:
-من الأفضل أن أتوخى الحذر فيما أفوه به معه.
ترددت في تقرير إن كنت بحاجة لأخذ إحدى حقائبي أم الذهاب خالية الوفاض؛ لكني أثرت أن تكون معي واحدة كبيرة الحجم نسبيًا، إذ ربما أتخذها كدرعٍ في حالة نشوب أي شجار بيننا، وهذا كان متوقعًا بعد ليلة مليئة بالتوترات المتفاوتة، ما لبث أن تذكرت شيئًا هامًا، منذ أن تزوجت بـ “فيجو” لم يقم مرة واحدة بالاعتداء بالضرب العنيف علي، مثلما يحدث مع باقي الزوجات، حين يقوم أزواجهن بتلقينهن دروسًا قاسية تترك آثارها المكدومة على أجسادهن لأسابيع وأشهر، بل على العكس كانت له طريقته المتفردة في التعامل معي، وبما يجعلني أظهر ضعفي وحاجتي إليه. توقفت عن تفكيري التحليلي، وهرعت إلى الخارج لألحق به، وكل ما في يرجو أن تمر هذه الليلة المشحونة على خير.
…………………………………………….
استغرق الأمر بعد أن ركبت السيارة إلى جوار “فيجو” حوالي النصف ساعة من القيادة السريعة، ولم نصل إلى وجهة محددة بعد. ابتعدنا عن الطرق المألوفة المحاوطة للمؤدية للقصر في ذهابنا وإيابنا المعتاد، وبدأنا في أخرى خالية من السيارات، تودي –بالنسبة لي- للمجهول، انحرفنا بعد برهة نحو طريق تم شقه بين مساحات من الأشجار فارهة الطول، لم أكن قد عرجت به من قبل، انتابتني الحيرة الممزوجة بالقلق، وحاولت التغلب على مخاوفي بادعاء عدم اكتراثي؛ لكني تطلعت إليه بين الفنية والأخرى متوقعة أن يبادر معي بالكلام، ورغم هذا ظل ساكتًا، لا يحدق سوى في الطريق المظلم الممتد أمامه، زفرت في ضجرٍ، واستطردت قائلة ويدي تعبث بحقيبتي المطابقة للون ثيابي:
-لم تقل لي بعد أين سنذهب.
بدا متكلفًا للغاية وهو يعقب:
-ستعرفين حين نصل.
التففت للجانب قليلًا بجسدي، وسطلت أنظاري المنزعجة عليه، ثم خاطبته في تذمرٍ:
-لما كل هذا الغموض؟ أخبرني.
أبقى على صمته المغيظ، فتابعت بانفعالٍ طفيف:
-لم تكن بضعة كلمات أثرتها فقط لأشعرك بالضيق، وأنا أعترف لك بذلك.
أدار رأسه لينظر تجاهي بجمودٍ، وقال في تهكمٍ:
-ألا تتوقفين عن الثرثرة أبدًا؟!
استفزني تعليقه، فهتفت بعنادٍ:
-أريد أن أفهم.
عاود التحديق أمامه وأوجز:
-لاحقًا.
كززت على أسناني مدمدمة في صوتٍ بالكاد يستطيع سماعه:
-أنت حقًا تجيد إشعال غضب الغير بهدوئك اللعين.
هذه المرة لم يتكلم بل رفع سبابته أمام وجهي محذرًا إياي بالتزام الصمت، فأومأت برأسي في طاعة، وأوليته كتفي لأنظر عبر نافذتي إلى الخيالات الراكضة للأشجار على طول الطريق، ثم سرعان ما أرحت رأسي على المقعد، وبدأت أشعر بالنعاس يثقل جفني؛ لكن قبل أن أغفو تقريبًا، شعرت بسرعة السيارة تتباطأ، فتحفزت في جلستي واعتدلت، ألقيت نظرة سريعة أشمل بها تفاصيل المنطقة التي عجت بالإضاءات المتفرقة وأنا أتساءل:
-أين نحن؟
لم يمنحني الجواب، فرمقته بنظرة مزعوجة، ثم واصلت تأمل المكان المجهول الذي جاء بي إليه، كان يحوي عدة مبانٍ متشابهة في تصميمها، تحاصر كل مجموعة منها السياج الحديدية، ويحيط بها عشرات الأشخاص المدججين بالسلاح. لدهشتي شعرت بأني رأيت ما يشبهه في وقتٍ سابق؛ لكن ذاكرتي لم تسعفني لتذكر التفاصيل بعد. من تلقاء نفسي أخبرته وأنا أشعر بانقباضة غير مريحة في قلبي:
-يبدو ذلك مألوفًا لي.
أمرني وهو ينحرف بالسيارة نحو زقاقٍ ضيق:
-استعدي، لقد وصلنا.
وكأني لم أسمع ما قاله، رحت أردد بلا وعي، وقد شرد ذهني إلى حيث ما يحجب ذاكرتي ويعقيها عن العمل بكفاءة:
-أشعر أني كنت هنا.
علق علي “فيجو” في صوته الهادئ:
-تحلي بالصبر.
نظرت إليه باسترابةٍ قبل أن أمعن النظر في تأمل ما يوجد بالزقاق من صناديق معدنية للنفايات، وأخرى خشبية خاصة بزجاجات الكحول والخمر. بدأت أنفاسي تضطرب، وشعرت بدقات قلبي تتسارع، بلعت ريقي وتشبثت بحقيبتي وأنا أسأله في صوت خائف:
-لماذا نحن هنا؟
…………………………………………..
المماطلة، الكلام القليل، وإحراق أعصاب الغير بالتجاهل المتعمد كانت من سماته المعهودة؛ لكنها لم تكن لتجدي نفعًا معي الآن، خاصة وموجات الرهبة تجتاحني. رفضت الترجل من السيارة، وصحت به معيدة سؤالي عليه:
-أخبرني، لماذا جئت بي إلى هذا المجهول؟
ترجل من السيارة، ودار حولها دون أن ينظر تجاهي، ثم انتقل إلى جانبي، قام بفتح الباب لي، وأمرني:
-انزلي.
سحبت الباب ناحيتي لأغلق وأنا أرفض صراحةً:
-لن أفعل إلا حينما تجاوبني.
اشتدت قبضته على إطار الباب المعدني، جذبه بقوة تفوقني، فانتزعه من يدي، وحدجني بهذه النظرة الجليدية قبل أن يخاطبني في لهجته الآمرة:
-“ريانا” اهبطي منها الآن، وستعرفين كل شيء بعد لحظات.
لم أجد بدًا من المقاومة والاحتجاج، خاصة وقد دورت ببصري في المكان شبه المعتم ووجدت الوجوه المألوفة لأفراد الحراسة تحيط بنا، تنهدت بعمقٍ، وقلت في استسلامٍ:
-حسنًا.
ترجلت من السيارة بخطواتٍ شبه متلكئة، وعيناي تمسحان المكان بنظراتٍ جمعت بين الارتعاب والقلق، زاد إحساسي بانطباق صدري، فاقتربت من “فيجو”، وهمست له:
-الجو خانق هنا، لا أشعر أني بخير.
رد ببرود أصابني بالقشعريرة:
-تحملي.
اندهشت من هذه الحالة الجامدة المسيطرة عليه، لطالما كان مراعيًا لأمري حين أعبر له عن مخاوفي؛ لكن اليوم وللغرابة كان مختلف الطباع كليًا. حاولت التماسك لأستوعب ما يحدث من حولي بقدرٍ من التركيز، دققت النظر في هيئة ما يحاوطنا. إلى حدٍ ما انتابني هذا الهاجس المريب أني رأيت تفاصيل هذا المكان من قبل، تحولت أنظاري نحو باب معدني أشار إليه “فيجو” وهو يكلمني:
-من هنا.
قبل أن أفكر في سؤاله طوقني من خصري ليدفعني للأمام بدفعات خفيفة؛ كأنما يمنع بطريقة غير مباشرة محاولتي للاعتراض والمناص من أوامره، كنت مرغمة على الانسياق وراء ما يريد لكشف ستار الغموض المغلف لهذه الليلة العجيبة. ما إن فتح الباب حتى عبق صدري رائحة نفاذة خانقة، سعلت قليلًا، وهتفت بصوتٍ مرتعش:
-أظن أن هذا المكان رأيته…
الإضاءة الحمراء المرهقة للعين جعلت حواسي تتيقظ، وعقلي يتنشط بقدرٍ كبير، رددت في التو مصححة ما توهمته برجفة بائنة في صوتي قبل أن تستبد ببدني:
-بل.. كنت محتجزة فيه.
لم يعلق “فيجو”، وظل يسوقني للداخل عبر الرواق الضيق، تثاقلت خطواتي، وكذلك أنفاسي وأنا أتساءل بصعوبةٍ:
-إنه يتبع جماعة الروس؟ أليس كذلك؟
أبقى على صمته المستفز، فرفضت التقدم أكثر، تسمرت في مكاني، نازحة ذراعه بعيدًا عني، وصحت في انفعالٍ آخذ في التزايد:
-لن أسير معك ما لم تجاوبني…
نظرت في عينيه متسائلة، والرعب يكسو تقاسيم وجهي:
-أهو ذاك النادي المملوك للروس؟
نطق أخيرًا بما جعل قلبي يقذف هلعًا:
-نعم.
أحسست بغيمة من الدوار تغلف رأسي، فاختل اتزاني قليلًا، حاول “فيجو” أن يمد يد العون لي؛ لكني رفضت مسكته، وارتكنت بظهري على الحائط ولهاثي المضطرب شبه مسموع، سرعان ما زحفت الدموع إلى مقلتي وهذا السيل من الذكريات المخيفة راح يقتحم عقلي ليذكرني بمدى المعاناة الممزوجة بالإذلال والإهانة التي عايشتها بداخل إحدى غرف هذا النادي الشنيع. بالكاد كنت أتنفس وأنا أخبره:
-لقد تم تعذيبي هنا…
سكوته المريب ضاعف من هواجسي، فعادة كان ينطق بشيء ليطمئنني؛ لكنه ما زال كالجماد معي، لا يفصح عن أي شيء، حينئذ جال بخاطري أمر ما جعلني أجفل وأزداد ارتعابًا، خاصة مع قلة حديثه، وطريقته الغامضة. سلطت ناظري عليه، وسألته في الحال دون أن أدع شكوكي تحيرني:
-لماذا جئت بي إلى ذلك المكان اللعين؟
راحت ومضات من مشاهد الألم تسطع في مخيلتي، أكاد أجزم لحظتها أني سمعت صوت هذا اللعين المجنون الذي تولى مهمة إلحاق الأذى بي يتردد في أذني، بل إن حواسي استعادت مدى السوء الذي كنت عليه وأنا أقع في قبضته، حتى أنفاسه الكريهة كانت حاضرة بقوة، كما لو كانت قد اختلطت بهواء المكان المخنوق، مما أصاب معدتي بالغثيان. انتفضت بالكامل عندما حاول “فيجو” الاقتراب مني، انكمشت على نفسي، وجاهدت لابتعد عنه وكل ما في يرتجف، شحب وجهي كثيرًا فبدا أقرب للموتى بعدما هربت الدماء من عروقي، سألته في فزعٍ أكبر:
-هل ستقوم بذلك معي؟
ظل متسمرًا في موضعه، يطالعني بنظراته التي لم أعد أفهم ماهيتها، استحوذ علي كل الذعر، متوقعة حدوث الأسوأ في أي لحظة، غريزيًا انطلقت مني صرخات مفزوعة، وسعيت للفكاك منه قبل أن يأسرني، لم أركض سوى بضعة أمتار قبل أن ينجح في الإمساك بي، طوقني من خصري، وحملني عن الأرضية وهو يخاطبني في أذني بهدوءٍ:
-اهدئي.
لم أصغِ إليه، وواصلت الصراخ والمقاومة واللكز بأطرافي هنا وهناك، ورغم هذا سار بي إلى نهاية الممر، ثم أنزلني على قدمي، وقبل أن أفكر في الركض ألصق ظهري بالحائط، ثم رفع ذراعي أعلى رأسي، ضم معصمي معًا وثبتهما وهو ينظر إلى بهذه النظرة الفاحصة، بكيت من شدة خوفي، وتوسلته:
-أرجوك، لا تفعل بي هذا.
اغرورق كامل وجهي بالعبرات، وأصبحت ملامحه القريبة مني ضبابية من كثافة دموعي، تقطع صوتي وأنا أستعطفه:
-لم أقصد .. التفوه بحماقات، أنا .. نادمة حقًا.
سحت دموعي أكثر وصوتي امتزج بالنحيب عندما تابعت:
-أنت لا تؤمن بالحب، وأنا لن أجبرك على شيء.
قال لي بهدوءٍ لم أفهمه:
-لا تخافي.
حاولت تلمس الجانب الإنساني –إن وجد- فيه ورجوته:
-من فضلك اتركني أذهب، لا أريد البقاء هنا.
تحسس بيده الأخرى الطليقة جانب وجنتي المبللة، فارتعشت أسفل لمساته الحنون، والتي لا تتفق مع حدية الموقف. همس لي في صيغة متسائلة بأنفاسه الحارة:
-ألا تريدين معرفة سبب إحضارك إلى هنا؟
في التو أخبرته:
-لم أعد راغبة في شيء، فقط دعني أذهب.
رفض تحريري، فارتج جسدي في هياجٍ، وحاولت دفعه بكامل طاقتي المتحفزة للهروب من براثنه، ظللت أتلوى في كل اتجاه، وصراخي المستغيث يصدح في الرواق شبه المعتم:
-النجـــــدة.
حينما ارتفعت وتيرة صراخي، وضع يده على فمي ليكممه، ثم قال من بين أنفاسه المزعوجة:
-اهدئي، لن أفعل بكِ سوءًا.
نظرت له بتشكك من بين دموعي، فأمرني:
-لا تصرخي هكذا، أنتِ في أمانٍ معي.
هززت رأسي في طاعة، فأكمل بهدوءٍ:
-سأزيح يدي.
ببطءٍ واضح أبعد كفه عن فمي، وأنا لازلت أنظر إليه في خوفٍ ذاهل، حقًا أجاد “فيجو” التلاعب بأعصابي وأتلفها حتى كدت أنهار أمامه، بعد هنيهة حين وجد مني تجاوبًا معه أرخى قبضته عن رسغي، وتابع في جدية:
-أريد منك التحرك معي للداخل.
تعلقت في ذراعه بيدي، وأخبرته بهذه النظرة الكسيرة وأنا أتسول عاطفته:
-أنا أعرف أنك لا تحبني، ومضطرًا لتحملي؛ لكن أرجوك لا تؤذيني.
رأيت ملامحه تشتد بشكلٍ غريب قبل أن أشعر به يربت على كتفي، نظرت إلى موضع يده، ثم إليه مرة ثانية بترقبٍ، كانت نبرته صادقة –وأيضًا نظراته وهي تحتويني- للحد الذي جعل قلبي يخفق عندما أكد لي:
-ثقي بي “ريانا”، لن أسمح لشيء أن يمسك…
أوغل من نظراته إلي وهو يختتم جملته:
-أنتِ لكِ مكانتك عندي.
تطاير كل منطق من رأسي وهو يفوه بما جعلني متأرجحة بين الخوف واليقين، ففي لحظاتٍ أرى شعاع الأمل ينبثق في علاقتنا، وفي أوقات أخرى أجد ما بيننا يقف على المحك، وهذا ما يوترني كثيرًا! لما ما يقوم به من تصرفاتٍ اعتاد عليها يترك كل هذا الأثر الهائل في نفسي؟!!
………………………………………….
اكتساب الثقة الكاملة في أحدهم يتطلب منك خوض عدة مواقف حيوية معه، يسعى خلالها لإظهار الدعم والسند والتحيز لما في صالحك؛ لكن أن تأتي هذه الثقة بين عشية وضحاها فإنها تعد مجازفة كبيرة، غير محسوبة العواقب! ملت لتصديق “فيجو” رغم كل شيء، وسرت إلى جواره نحو الداخل وأنا شبه حابسة لأنفاسي. ما زالت الغرفة على وضعها الذي أذكره: إضاءتها متوسطة، مملوءة بأسِّرة فردية، ينتشر بها السلاسل الحديدية ، وهناك طاولة منفردة، أيضًا بعض الأشياء المهملة، بالإضافة إلى الأقفاص المعدنية المعلقة في الهواء بالحلقات المعدنية الضخمة. خفضت من بصري سريعًا حين لاحت الذكرى المؤلمة المرتبطة بها في مخيلتي، بدأ دبيب قلبي المذعور في الازدياد، فأطبقت على جفني رافضة النظر إلى ما بها.
شعرت بذراع “فيجو” تلتف حول خاصرتي، ألصق جانبي بصدره قائلًا بصوته الآمر:
-انظري…
رددت بصوتٍ خافت مهتز:
-لا أريد.
كرر علي أمره بتصميم:
-انظري.. هناك فقط.
لم أنصع إليه، وأبقيت رأسي منحنية، وعيناي مغلقتان. فما كان منه إلا أن احتضن طرف ذقني براحته، شعرت بأصابعه على بشرتي تضغط عليها، وصوته الهامس يطلب مني بحزمٍ:
-“ريانا”، انظري.
فتحت عيناي ببطءٍ والدموع تترقرق فيهما، فأشار لي بنظرة نافذة أن أنتقل ببصري لجهة بعينها، في الركن المنزوي من الغرفة، تحولت إلى حيث أرشدني، فوجدت واحدًا من الأقفاص معزولًا عن البقية، ومشغولًا، الأدق في التعبير أن أقول أن أحدهم ما زال محتجزًا به، سألته وأنا أشيح بناظري بعيدًا عن موضعه المخزي:
-من هذا؟
بادلني السؤال بآخر أصابني بالحيرة والتخبط:
-ألم تتعرفي إليه؟
أومأت برأسي نافية، فقال:
-إذًا اقتربي منه لتريه بوضوح.
ترددت في فعل ذلك، فشجعني قائلًا:
-لن يمسك بسوء، أنا معكِ.
سحبت نفسًا عميقًا لأهدئ به الاضطراب الذي اعترى أسفل معدتي؛ لكنه لم يجدِ نفعًا، فأحشائي كانت تتمزق بشكلٍ موحش. تغلبت على الألم الداخلي، وبدأت أسير تجاه القفص، ونظراتي مرتكزة على من به، رأيت كيف كان متكومًا على نفسه، ومجردًا من كامل ثيابه إلا من قطعة يتيمة تستر ما بين سرته وركبتيه، أما أطرافه فهي مكبلة بالأصفاد الحديدية وراء ظهره، اضطررت للدوران حوله حتى استطعت تبين ملامح وجه الشخص المحبوس من خلف القبضان المعدنية. ارتدت للخلف فورًا، كما خرجت مني شهقة مسموعة، قبل أن أصيح في ذهولٍ يشوبه الرعب وأنا أشير بسبابتي إليه:
-إنه.. إنه كان مع خاطفي.
أيد كلامي بتأكيده:
-نعم، اللعين “ريمون”.
هدر الرجل المحتجز بفحيحٍ متألم وهو يبصق اللعاب من فمه:
-لو كنت أعلم أن “ألكسي” سيغدر بي لكنت تركت رفيقي يجهز عليها.
افترت شفتاي على صدمة مرتاعة، ووجدت قبضة “فيجو” تدفعني للخلف ليقف أمامي، كأنما يشكل بجسده درعًا لحمايتي، نظرت من فوق كتفه وهو يصيح بنبرة اخشوشنت على الأخير:
-اصمت!
ثم أتبع ذلك ملامسته لجسد “ريمون” بالصاعق الكهربي، ليصرخ الأخير من الوجع الرهيب الذي سرى في بدنه العاري، قبل أن تتحول أصوات صرخاته لضحكات هيسترية مستفزة، وكأنه بذلك يظهر عدم مهابته مما يحدث معه. لم أتحمل رؤية مشهد التعذيب الذي أنعش ذاكرتي بكل ما هو مؤلم، فاستدرت للجانب دافنة وجهي بين راحتي. انتفضت شاهقة عندما وضع “فيجو” قبضته على كتفي، ليخبرني بعدها في برودٍ:
-يستحق العقاب كغيره.
سألته دون أن أبعد يدي عن وجهي:
-لماذا وضعته في قفص؟
لحظة من الصمت عمت في الأرجاء قبل أن يقطعها بأمره وهو يخفض قبضتي للأسفل لأتمكن من رؤية وجهه:
-انظري إلي أولًا.
رمشت بعيني وأنا أنظر إليه، فأوضح لي مستفيضًا:
-أردتكِ أن تنتقمي من كل من فعل بكِ السوء؛ لكني وقتها أرديت خاطفك الحقير قتيلًا، وفعلت المثل مع من تورط في عملية خطفك…
في داخلي وبلا صوت رددت مع نفسي:
-من بينهم خالي “رومير”.
انتبهت له مجددًا وهو يكمل مشيرًا بيده تجاه من بالقفص:
-فلم يتبقَ إلا هذا القذر.
كان وجهه مسترخيًا، ويده تداعب شعري المعقود كذيل حصان وهو يخاطبني بتوددٍ غريب:
-لذا قطعة السكر…
ترك شعري ينساب من أصابعه، ووضع قبضتيه على جانبي ذراعي قائلًا:
-لكِ مطلق الحرية في الانتقام منه.
أيمزح معي؟ من تقتل من؟ أهذه وسيلته للتسلية الليلة؟ حملقت فيه بعينين متسعتين، ورددت كالخرقاء:
-ماذا؟ أنا؟ أنتقم؟
رفضت في الحال بإصرارٍ شديد:
-لا، لن أفعل شيئًا كهذا، لست من هواة الانتقام أو القتل.
تعمدت النطق بآخر كلمة بوضوحٍ لأؤكد له أني غير جديرة للقيام بهذه الأمور الشنيعة، ما زالت بي بقايا من حياتي السابقة: المسالمة، والوداعة.
…………………………………….
ليس من الجيد اعتبار وسائل تعذيب الآخرين من المتع التي يمكن أن يلجأ إليها أحدهم للتنفيس عن شعوره بالملل والضجر؛ لكن يبدو أن الوضع يختلف هنا، التفت كلانا في نفس الآن وقد هدر “ريمون” ينعتني بوقاحةٍ أصابتني بالذهول:
-يا لك من رجل شجاع، لقد أتيت بعاهرتك لتتباهى أمامها…
لم تكن مجرد تلميحات مبطنة لاستثارة حنقه، بل إهانة صريحة وفجة موجهة لشخصي على مرأى ومسمع من “فيجو”، وضعت يدي على فمي مستنكرة ما سمعت، واختطفت نظرة سريعة نحو زوجي، وجدت سحنته قد انقلبت وتحولت لشيء مخيف، لا أعرف كيف أصفه؛ لكني شعرت بالمزيد من الخوف يجتاحني. واصل “ريمون” إهانتي بجراءة منقطعة النظير:
-أتعلم كانت مثيرة وهي راقدة هنا كالكلاب، ليتنا التقطنا لها بضعة صور أرسلناها لمحبي ممارسة الفُحش ليستمتعوا.
لم يستغرق ما حدث لاحقًا سوى بضعة ثوانٍ، حيث انطلق “فيجو” تجاهه لينقض على عنقه، ضغط بأصابعه على مجرى تنفسه جاعلًا فمه ينفرج على الأخير محاولًا التقاط أنفاسه، ثم بيده الطليقة استل خنجره من غمده، وقطع به طرف لسانه، فصرخت من هول ما فعل. سألته وكلي يرتجف:
-ماذا فعلت؟
انكتمت صرخات “ريمون” وامتزجت بدمائه النازفة التي تفجرت في كل مكان، ومع ذلك لم يتركه “فيجو” ظل قابضًا على رقبته يزيد من ضغطه العنيف على أوردته وهو يكلمه بهسيس غاضب:
-هذا درس صغير لك، أما البقية فستكون أروع.
اهتز كامل جسدي عندما سمعت نباح كلاب شرسة يأتي من الخارج، أصواتهم كانت كفيلة بدب الرعب في قلوب أي فرد، انتقلت من فوري نحو الزاوية بعدما رأيت أتباع “فيجو” يلجون للغرفة وهم ممسكون بثلاثة من الكلاب المتوحشة، تلك التي لا تفرق بين اللحم الحيواني أو البشري. ارتفع أنين “ريمون” وهو يرى مثلي أشكالهم المخيفة وأنيابهم القاطعة. أخبره “فيجو” وهو يتحرك صوب الحائط ليخفض من مستوى القفص حتى يضعه أرضًا:
-لنرى كيف ستصمد مع هؤلاء.
وضعت كلتا يدي على فمي مرددة في ارتعاب حقيقي:
-يا إلهي!
تحولت نظراتي نحو “فيجو” عندما تكلم وهو يزيح المزلاج المعدني ليفتح الباب:
-لنجعلهم يتذوقون اللحم، فهم جائعون منذ باكر.
أغمضت عيني بقوةٍ، وصرخت في ذعرٍ وقد التصقت بالحائط:
-لا أريد أن أرى.
انفلتت من صرخة مبررة حين وضع “فيجو” يده على ذراعي، ظننت أن أحد الكلاب قد حل قيده، وركض ناحيتي لينهشني، تداركت خوفي وكررت رجائي إليه:
-أرجوك، دعني أذهب، لا أريد رؤية ذلك.
لدهشتي كان مترفقًا بي، فقال متفهمًا خوفي:
-معكِ حق، فهو لا يستحق المشاهدة.
لم يرسل رجاله بعيدًا، بل تركهم يكملون المهمة التي جاءوا من أجلها، وسحبني إلى الخارج، شعرت بارتفاع آلام معدتي، بزئير إعيائها، فانحنيت للأمام قائلة في خوارٍ:
-أريد أن أتقيأ.
حاوطني من ظهري بقبضتيه، ودفعني بتمهلٍ عبر الرواق وهو يخاطبني:
-تعالي بعيدًا عن هنا.
بالكاد كنت أحاول منع نفسي من التقيؤ وأنا أسير، وحبست أنفاسي إلى أن توقف بي عند أحد الأركان، وهناك أفرغت السائل الحامض في معدتي، لم يبدُ “فيجو” متأففًا مني، رغم كون حالتي تدعو للاشمئزاز والنفور، ظل مجاورًا لي حتى انتهيت، ناولني منشفة من جيبه، مسحت بها فمي، وألقيتها جانبًا، انتظرت للحظاتٍ قبل أن أرفع وجهي إليه لأخاطبه:
-كان من الأسهل لك أن تقتله.
جاء رده بسيطًا بالنسبة له، وذاهلًا في نفس الآن لي:
-وهل في ذلك متعة؟
امتنعت عن التعليق، فأكمل بجدية كانت باعثة للشكوك في نفسي:
-أريده أن يعاني طالما أنه تجرأ على عائلتي.
استقمت واقفة ونظرت إليه متسائلة بملامحٍ باتت مثله جادة:
-لماذا تفعل ذلك “فيجو”؟
سألني في نوعٍ من المراوغة:
-أفعل ماذا؟
أشرت بيدي قائلة:
-هذا..
طالعني بهذه النظرة المتعجبة لما أقول، فحاولت أن أكون هادئة، وأنا استطردت متسائلة بشكلٍ مباشر:
-هل بذلك تخبرني أنك تهتم لأمري؟
لفظ كتلة من الهواء، وتهرب من إجابتي بقوله:
-هيا، لنذهب من هنا.
حاول سحبي؛ لكني رفضت الاستجابة له، وصممت على الحصول على مبتغاي قائلة بعنادٍ:
-لن أتحرك قبل أن أسمع منك.
فرك طرف ذقنه قبل أن يعلق وهو يثبت ناظريه علي:
-“ريانا” أنتِ من العائلة الآن، وأنا مسئول عن حماية كل فرد فيها، لهذا من الطبيعي أن أنتقم ممن تسببوا في إيذاء عائلتي.
يبدو أن كل محاولاتي للحصول على ما يرضيني من كلمات محدودة تشير إلى اهتمامه الحقيقي بي، والنابع من شخصه لا من القيود المفروضة على علاقتنا، قد نفدت، لذا رمقته بهذه النظرة المتعطشة لمعرفة حقيقة مشاعره ناحيتي كوسيلة أخيرة، واسترققت قلبه إن كان يملك واحدًا بسؤالي اليائس:
-هذا فقط؟ متأكد؟
دون ترددٍ قال موجزًا:
-نعم.
أحسست حينها بوخزة تطعن في قلبي، فقلت بجمودٍ، وأنا أقاتل لئلا أذرف الدمع تأثرًا:
-حسنًا، لنذهب.
اشتدت قبضته على يدي ليستوقفني آمرًا:
-انتظري.
تنفست بعمقٍ، ونظرت إليه متسائلة وأنا أزيح العبرات العالقة في أهدابي بأناملي:
-ماذا تريد أيضًا؟
وجدت يده تتخذ مكانها خلف عنقي، تحسسه في نعومةٍ، وأخبرني مباشرة بهذه النظرة الدافئة التي تنطلق من عينيه:
-أريدك.
سئمت من حالة الكر والفر في المشاعر بيننا، فقلت في صوتٍ يعبر عن انهزامي:
-أنت تفعل ذلك لأنك زوجي، مرغم على هذا، وليس عن إرادتك.
جذبني إليه برفقٍ، ومال على جبيني يمرغ شفتيه فيه، قبل أن يقول:
-لم أضاجع إلا من أشتهي.
أيظن أنه بهذا الحديث يُريحني؟ بل يزيد من عذابي لكون غيري يشاركني فيه، وأنا لا أحب هذا النوع من المشاركة الوضيعة. شتت أفكاري بقبلة عميقة اختطفها من علي شفتي جعلت فؤادي يحترق من الرغبة والألم. ابتعد قليلًا وأراح أنفه على أرنبة أنفي، ثم همس لي:
-وأنتِ كنت من أبغي.
أحسست أن فرحتي منقوصة، يشوبها الحزن، فتساءلت بلسانٍ يلهج:
-وماذا عن عشيقاتك؟
تراجع برأسه لينظر إلي مستفهمًا، فسألته بمرارةٍ:
-هل لهن نفس المكانة؟
رمقني بنظرة معاتبة ويده تمسح على منحنى عنقي، ثم خاطبني:
-لماذا تفسدين اللحظة بهذه الثرثرة الفارغة؟
قلت في حمئة:
-لأني دومًا موضوعة في مقارنة معهن.
ضاقت نظراته ناحيتي، فتابعت بنبرة شبه هجومية:
-الزوجة الساذجة عديمة الخبرة، مع محترفات السعادة.
احتضن وجهي بكفيه، وعلق:
-أرى أن نرجئ النقاش لوقت آخر، ونستمتع بهذه اللحظات.
أبعدت يديه عني رافضة مداعباته اللطيفة، ثم تراجعت عنه قائلة بجمودٍ:
-من الأفضل أن نذهب، فأنا لست بخير.
يبدو أن تمنعي عليه قد مس كبريائه، فاقتضب في رده:
-كما تشائين.
سرنا معًا حتى الخارج، فأشار لأعوانه ليقتربوا، أعطاهم عدة أوامر صارمة، ثم استقل السيارة، وأنا إلى جواره. لم أنطق بشيء طوال طريق العودة، ولم يحاول اجتذاب أطراف الحديث معي، ولو حاول لكنت تحججت بتلف أعصابي مما عايشته؛ لكنه لم يفعل، بدا لحظتها قاصيًا ومتباعدًا، وتركني في عزلة قد تبدو اختيارية. ارتضيت بها، وهربت من واقعي المرير إلى النوم التعيس، لعلي أجد في غفوتي -وبين أحلامي الواهية- ما كنت أصبو إليه.
……………………………………….
ليت النعاس يأتيني سريعًا حينما أشاء؛ لكنه كغيره أبى أن يريحني! توقعت في الليلة التالية عندما بتنا بمفردنا أن يتجدد اللقاء بيننا، أن يتودد إلي بأساليبه الخبيرة التي يجيدها، ويظهر لي هذا القدر الذي أدمنته من الاهتمام، فيتولد مع التحام أجسادنا شرارات العواطف والمشاعر المحمومة، ويبوح لي بما يريد القلب سماعه ليستريح، للغرابة لم يقربني “فيجو”، وهجرني في الفراش، فقضيت ساعات الليل ساهدة، ساهرة، لا أقدر على النوم، ولا أطيق البُعاد. وحين أغفل وأستفيق لا أجده جواري! ما قام به ليس ليومٍ، بل امتد لعدة أيام حتى أصبح ذلك جليًا. كنت على وشك سؤاله هذا اليوم، عندما عاد متأخرًا من العمل؛ لكنه ألقى علي نظرة ملية وأنا استلقي بثيابي الكاشفة على السرير، قبل أن يُعلمني بذهابه المفاجئ:
-طرأ لي عمل هام، لا تنتظري حضوري.
وكأنه توقع أن أنهال عليه بأسئلتي فبادر بالفرار، رفعت ظهري عن الفراش، وحملقت فيه باستنكارٍ وأنا أسأله:
-الآن؟ لقد جئت لتوك.
قال ساخرًا:
-مهامي ليست مقيدة بمواعيد.
حل الخوف الممزوج بالقلق على محياي وأنا أتساءل:
-هل هناك خطب ما؟ أخبرني.
همَّ بالتحرك بعدما أشاح بوجهه بعيدًا، ومنحني إشارة من يده معقبًا في نبرة جليدية تماشت مع تعابير وجهه:
-عودي إلى النوم.
ناديته بصوتٍ دافئ مليء بالرجاء:
-“فيجو”.
توقف عن السير ليستدير ناحيتي، بادلني نظرة لم أفهمها، وتكلم في أنفاس شعرت بثقلها قليلًا:
-قد أغيب لبضعة أيام إن تتطلب الوضع هذا.
نهضت عن الفراش وهرعت صوبه متسائلة، ويدي تمسك بذراعه:
-ما الذي حدث؟ هل هناك هجوم ما؟
تفرست في ملامحه القريبة لعلي أفهم سبب رحيله المريب؛ لكنه أجاد وضع هذا القناع على ملامحه، وقال بلهجته الآمرة:
-اذهبي للنوم.
بدت خيبة الأمل جلية على وجهي، فاكتفيت بهز رأسي، وانسحبت عائدة للفراش لأسمع وقع خطواته وهو يرحل. ارتميت على جانبي أبكي تعلقي بوهم الحب، وخصوصًا معه، آخر من ظننت أن يميل القلب إليه برغم كل مساوئه ونواقصه، سألت نفسي في مرارة:
-لماذا لم أبقَ على كرهي الدائم له؟
والأكثر إيلامًا على قلبي أني في أعماقي غفرت له ما اقترف من جرائم في حق عائلتي، تركت العنان لبكائي الصامت، فابتلت وسادتي، ورأسي يكاد ينفجر من حيرته، أيفعل بنا الحب هذا؟ يجعلنا نمنح الصفح لمن لا يستحق لأن القلب قد نبض لأجله؟ إن فعل فيا له من حب لعين! أصبحت الحقيقة التي لا مجال للشك فيها أني انجذبت لمن لا يجب الانجذاب إليه، وتعثرت في خطاي لأقع –بإرادتي- في بئر ويلات عشقٍ غير مرغوب فيه ………………………………………….
………………………………………
يتبع
- لقراءة الفصل التالي: اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية غير قابل للحب)
تم