رواية الأربعيني الأعزب الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية محمد رفعت
رواية الأربعيني الأعزب الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية محمد رفعت
رواية الأربعيني الأعزب البارت الحادي عشر
رواية الأربعيني الأعزب الجزء الحادي عشر
رواية الأربعيني الأعزب الحلقة الحادية عشر
كرهها إليه ليس نابع بعد قرار حاسم، بل تعدى ذلك وحتى صوته كان بغيض بالنسبةٍ إليها، استجمعت رباطة جأشها وابتلعت اهانته اللاذعة ثم قالت:
_قصدك تقول رجعت لسجاني وبرجلي.
تجهمت معالمه، فاحتلهما حدة وعصبية خطيرة، وقلص المسافة بينهما حتى بات مقابلها:
_سجان! تعرفي إنك غبية لدرجة مخلياكي عامية ومبتشوفيش أنا بعمل عشانك وعشان أهلك أيه!
وتعمد كسرها حينما قال:
_لولا مساعدتي ليكم أنتي وأبوكي وأختك كان زمانكم نايمين على الرصيف في الشوارع.
تقهقرت دمعاتها التي كانت على حافة الهبوط، لترد عليه بكبرياءٍ عجيب:
_المساعدة اللي بتتكلم عنها دي تبقى حق يا قاسم بيه، حق أبويا في الميراث والتركة اللي أبوك مسيطر عليه بالقوة.
ضحك باستهزاءٍ، ثم كف عن الضحك فجأة ليبدو مخيفاً وهو يدعس سيجاره بحقدٍ:
_ولما هو صاحب حق، مبيرفعش قضية ليه ويأخد حقه بالقانون.
ضغطت على شفتيها السفلية بعنفٍ في محاولةٍ بائسة لكبت موجة غضبها:
_القانون اللي أنت واخده تحت جناحاتك بشهاداتك المزورة وبالرشاوي!
خرج عن طور هدوئه الزائف حينما اقترب منها، فتراجعت للخلف بخوفٍ كسر قناعها المصطنع، اصطدم جسدها بالحائط من خلفها فلم يعد هناك مفر من مواجهته، فقرب وجهه منها متعمداً أن يلفح صوته وجهها عله ينجح تلك المرة في زرع الخوف بداخلها:
_ومستعد أعمل أكتر من كده عشان بس أطولك.
استجمعت دوافع الكره بداخلها لتقذفه بنظرةٍ حملت استحقار عظيم:
_يبقى هتستنى كتير، لإني عمري ما هحب واحد ملزق ومدلوق زيك.
ودفعته بيدها بعيداً عنها، لتستكمل طريقها للأعلى وهي تتجاهله عن عمدٍ، وكأنها تؤكد له بإن هذا الزواج لن يؤثر على طبيعة العلاقة بينهما، لكم بيديه المقعد فسقط أرضاً، وهو يهدر بعصبيةٍ:
_هنشوف أخرة عنادك ده أيه يا لوجين.
********
ما أن إطمئن قلبها لمكانٍ سيمنحها الأمان لبضعة ساعات، أزالت قناع القوة الزائف مع انغلاق باب غرفتها، لتهوى أرضاً خلفه، باكية، محطمة، مذبذبة، تلوم نفسها على هروبها الذي زاد من عذابها عذباً، فإن لم تلتقي “بعاصي” ربما لم يصل بها الألم لذاك الحد، ربما كانت ستتقبل “قاسم” مع مرور الوقت، ضمت “لوجين” ساقيها لجسدها الذي يرتجف من أثر بكائها الهيستري، قلبها وعقلها هائم التفكير به وبحالته الصحية، فكم كانت تود الرحيل بعد أن يسترد وعيه، ولكنها خشيت من أن تزداد الأمور سوءٍ برحيلها، توقفت عن البكاء فجأة حينما تذكرت صلاتها بالمسجد اليوم فكم أزاحت ما بها من همومٍ، لذا لم تتردد في الاستعداد للصلاة مجدداً علها بها تجد مخرج من تلك المصيدة المحكمة الغلق، وفي كل سجدة كانت تزيد من دعواتها بحفظ عاصي وشفائه العاجل، لم تطلب شيء لنفسها أو لارتواء قلبها المتعطش لغرامه، بل أرادت أن يكون بصحة جيدة فحسب، أم هي فقررت مواجهة مصيرها القاسي حتى وإن كانت ستلقى حتفها بمفردها، نعم هي بمفردها تواجه هذا اللعين بعدما أرسل والدها وعائلتها الصغيرة لأسبانيا، للعمل على إحدى المشروعات، رغب بابعاده حتى يستفرض بها، وكأنه بوجوده سيمنع شيء!
********
وصل “غيث” للمشفى بعد نصف ساعة، فهرول تجاه قسم النسا والتوليد، وبعد أن استعلم عن اسمها، أخبروه في قسم الاستقبال بأنها خرجت من العمليات منذ ما يقرب الخمسة دقائق، وأعطوه رقم غرفتها فصعد للطابق العلوي بخوفٍ يكاد يوقف ضربات قلبه المتسرعة، فما أن فتح الباب حتى وجدها تغفو على السرير الذي يحتل الغرفة المزين طلائها باللون السماوي وبعض البلايين التي كان معظمها من نفس اللون وخليط أخر من الأبيض، ولجوار السرير وجد والدته تجلس على مقعد قريب من زوجته، فتحرك تجاهها وهو يسألها بنبرةٍ جافة قليلًا:
_أيه اللي حصل؟
مجرد سماعها لصوته، تخدر تعبها ففتحت عينيها بلهفةٍ لقاء عينيه الحنونة، ولسانها يهمس:
_غيث.
كادت “سمية” بإجابته، ولكن استوقفتها “عائشة” التي بدأت باسترداد وعيها، أسرع “غيث” إليها، لينحني بجسده تجاهها، ومن ثم وضع كف يديه الخشن ليحتضن صدغيها وهو يردد بحنان:
_انتي كويسة يا عمري؟
أومأت برأسها بإبتسامةٍ صغيرة، وهي تخبره بصوتها الواهن:
_الحمد لله، أنا كنت هكلمك الصبح لإني كنت حاسة بتعب فظيع، بس الحمد لله إن ربنا بعتلي ماما في الوقت ده، لولاها مكنش حد حس بيا.
نقطة إيجابية كانت لصفها، حتى وإن كان مازال هناك مشاحنات بينهما، ولكن راق لها ما قالته زوجة ابنها في حقها، التفت “غيث” برأسه تجاه والدته وهو يمنحها نظرة ممتنة، فقالت الاخيرة بتغطرسٍ:
_أي حد مكاني كان هيعمل كده على فكرة، بس ده ميمنعش إن اللي بينا عمره ما هيتغير.
هز رأسه بقلة حيلة واستسلام بأن والدته قد تتغير يوماً، فضيق عينيه باستغرابٍ حينما تحولت معالمها لحنانٍ عظيم فور رؤية ابنه الذي تحمله الممرضة بين يدها، فكانت بطريقها إليهما، ولكن استوقفتها “سمية” حينما حملته بين ذراعيها بتلقائيةٍ، أزدهر وجهها بابتسامةٍ اصطحبتها دموع فاضت بحنين لحمل صغير بين يدها، ناهيك إن كان هذا الطفل حفيدها، فقشعر بدنها بشعورٍ غريب اجتاحها، فضمته لصدرها وهي تطبع قبلة صغيرة على خديه الناعم، فاتجهت به لمقعدها ثم حملته بين يدها لدقائقٍ مطولة، شعرت بها وكأنها معزولة عن العالم بأكمله، ونظرات “غيث” و”عائشة” تراقبنها بدهشةٍ وفرح، ربما كانت تقسم بمعاملةٍ جافة لعائشة ولما تحمله بين أحشائها، ولكن ذاك الشعور الذي سيطر عليها كان فريدًا من نوعه، وكأن رباط العائلة المندث بالدماء اتصل بها ليؤكد لها بأنه حفيدها، لمعت دمعة خائنة بعينٍ “غيث” وهو يراها هائمة بولده الذي لم يراه بعد هكذا، فأبعد زوجته المستندة برأسها على صدره وتراقب ما يحدث، ثم وضع الوسادة من خلفها ليتجه إليها، فما أن شعرت والدته باقترابه منها، حتى رفعت رأسها تجاهه لتخبره بفرحةٍ مغموسة بدمعات السعادة:
_شكلك بالظبط يا غيث، نفس البوق والملامح.
واسترسلت بحماسٍ:
_أنا عندي صورة ليك وأنت صغير، هتلاقيه شبهك بالظبط.
ابتسم وهو يجيبها بذكاء كمن بلهجته الحنونة:
_طبعاً يا أمي مش ابني أكيد هيبقى شبهي!
كانت رسالة صريحة لها بأنها أخطئت بحقه وبحق زوجته، فلم يكن بحاجة للشبه ولزمردة الدم المتطابقة إليهما، ولكن ربما هذا الأمر يجعلها تثق فيما قال، أعادت “سمية” فرد الغطاء الرقيق على جسد الصغير، ثم حملته واتجهت للسرير، فجلست جوار “عائشة” تتطلع لها لدقائقٍ بحرجٍ، انتهت منها حينما قالت بحزنٍ:
_متزعليش مني يا بنتي، أنا كنت سخيفة معاكي أوي.
وزعت نظراتها المنصدمة بينها وبين “غيث” الذي منحها ابتسامة صافية، واشارة لها بأن تحتضنها، فلم تتردد عائشة في ذلك، ثم قالت باحترامٍ:
_مفيش بنت بتزعل من والدتها يا ماما، أنا بالعكس نسيت كل حاجة في الوقت اللي شوفت فيه فرحتك بابني.
انسدلت الدموع من عينيها على مسامحتها لها بعد ما فعلته، كانت تعلم بأن الأمر سيتطلب طلب السماح والغفران أكثر من مرة لما فعلته، ولكنها لم ترد تعكير صفوهما في تلك اللحظة بحديثها عما مضى لذا منحتها ابتسامة صغيرة قبل أن تعود لتأمل الصغير من جديدٍ لتسأله بفضولٍ:
_هتسميه أيه يا غيث؟
قال بعد فترة من الصمت:
_أكيد هسميه على إسم بابا الله يرحمه.
رددت والدته إسمه بسرورٍ:
_يزيـد!
**********
أعاد هاتفه للوضع الصامت للمرة الخامسة بعدما تلقى بها مكالمة من زوجته، فخرج “عمر” من الغرفة، ثم أجابها بصوتٍ شبه مسموع:
_أيوه يا حبيبتي..
أتاه صوتها المتعصب:
_أنت لسه فاكر ترد بعد كل المكالمات دي!
_مسمعتش الموبيل لإنه صامت.
_إنت فين أنا كلمتك أكتر من مرة على تليفون العيادة الممرضة قالتلي إنك مجتش النهارده!
بدى مرتبكاً، فكيف سيخبرها بما حدث مع أخيها وهي بتلك الحالة الغير مستقرة، فقال بعد صمت استحضر به خطة بديلة تخرجه من مأزقه لذا قال:
_أنا مع “غيث” بالمستشفى، “عائشة” بتولد.
قالت في صدمةٍ:
_ازاي ده بس، لسه عن معادها كتير.
ثم استحضرت سؤالًا هام يبعدها عن هذا القلق المميت:
_طب طمني قامت بالسلامة ولا أيه؟
أجابها على الفور، بفضل مداومة اتصاله بغيث:
_الحمد لله ربنا رزقهم بيزيد.
قالت ببسمةٍ مشرقة:
_ما شاء الله ربنا يباركلهم فيه.
ثم قالت بلهفةٍ:
_طب اديني أكلمها أطمن عليها.
مرر يديه على طول شعره بتوترٍ، تعداه حينما قال بحياديةٍ:
_شوية وهخليها تكلمك لإنها لسه طالعه من العمليات.
وأغلق معها الهاتف على ذلك الاتفاق الذي أنقذه في ذلك الوقت، فما أن أغلق معها حتى عاد تنفسه لمجراه الطبيعي، فمازال يخشى أن تعلم بما حدث لعاصي فحينها ستتدهور حالتها، فهو بالنسبة إليها ليس مجرد أخاً بل أبيها الذي تكفل بتربيتها ومساندتها بكل ما يمتلكه من مشاعر تعوضها عن فقدان والدتها وأبيها، لذا عليه التعامل مع الأمر بمفرده لحين أن يستعيد “عاصي” صحته، وقد بدى ذلك إليه حينما استعاد وعيه، ولكنه الآن يعفو بفعل الأدوية، فخلع “عمر” معطفه ثم تمدد على الأريكة الصغيرة، ليسمح لنفسه بنيل قسطاً من الراحة بعدما هاجره النوم لساعاتٍ طويلة، تمكن بها القلق والخوف من السيطرة عليه..
********
بزغت الشمس كقبلةٍ في ثغرٍ الصباح المشرق؛ فأندفعت حزمة من أشعتها الذهبية على أوراقٍ الأشجار المحاطة بالمشفى الخاص وأصوات العصافير تنساب شجية من بين أغصانها وكأن هناك إحتفالًا مهيب بصحبتهم؛ فخلقت أصواتهم جواً مثالي يطرب الآذان لسماعه، فبدأ “عاصي” بمهاجمة النوم العابس الذي يغلبه كل دقيقة، وتلك المرة حفزته عزيمته على النهوض، فإتكأ بمعصم يديه الأيسر حتى نهض عن الفراش، فرى يديه الأخرى محمولة برباطٍ طبي يتعلق برقبته، بدى منزعج مما تقيد به، ولكنه حمد الله بأنه على الأقل مازال على قيد الحياة، فاستكمل خطاه الثقيل تجاه الشرفة المقابلة للسرير، فوقف يتأمل المنظر المحاط به بنظرةٍ غامضة، كان على وشك خسارة حياته من تلك البقعة التي كانت ستعد نهاية إليه، أغلق “عاصي” عينيه بقوةٍ، يشعر بنسيم تلك اللفحات الباردة التي تجدد شعوره بالحياةٍ، ومن ثم استدار ليتأمل أروع ما يبدأ به عودته للحياة، أضاءت عينيه بوميضٍ مصاحب لفرحةٍ وفخر لاختياره لإصدقاء لم يخون أي منهما العهد، “غيث” يغفو لجواره على المقعد، و”عمر” على الأريكةٍ القريبة منه، كلًا منهما تناسى مشاغله الخاصة لأجل صديقه المقرب، فما الذي سيسعده أكثر من ذلك، دنا “عاصي” منهما، فهز “غيث” برفقٍ، ليفتح نصف عين بانزعاجٍ، فوجده يقف أمامه ويخبره بشفقةٍ:
_نام على السرير بدل من نومة الكرسي ده، مش مريحة.
فتح عينيه على مصرعيه ثم قال بفرحةٍ:
_حمدلله على سلامتك يا عاصي.
واحتضنه بهلعٍ:
_أنت متعرفش قلقتنا إزاي!
رفع “عاصي” يديه على ذراعيه المصاب بألمٍ سيطر على معالمه، فابتعد الأخر عنه وهو يقول ساخراً:
_لامواخذة نسينا إنك متجبس ولسه مش في حالتك الطبيعية.
منحه نظرة شرسة، فضحك بصوته الرجولي وهو يشير إليه:
_لا مش عايزك تضايق كده، لسه في استقبال للمولود ودنيا.
رفع حاجبيه وهو يتساءل بدهشةٍ:
_مولود مين، هي مراتك ولدت؟
أجابه بفرحةٍ:
_أيوه ولدت إمبارح ومش هتصدق مين كان معاها!
سأله بفضول بعدما رواده شك بالأجابة:
_مين؟
رضى فضوله بإجابته السريعة:
_خالتك بنفسها، وتقريباً كده لما شافت الولد اتحولت 180درجة، كأن اللي حصل محصلش من الأساس، ده أنا حتى سايبهم مع بعض قبل ما أجيلك.
ارتاح باله لما استمع إليه، ليخبره بثقةٍ :
_كنت عارف إن ده هيحصل.
وركن جسده على المقعد، ليسأله بصوتٍ واهن:
_”لوجين” فين، عمر كان قايل إنه هيجيبها!
نمت معالمه عن تكشيرة عظيمة، ليتبعها لهجة حادة وعنيفة:
_أكيد مش قادرة تواجهك بعد اللي حصلك بسبب الحيوان ده.
رد عليه بنظرةٍ غامضة:
_لعبه معايا بقى على المكشوف، مدام هو اللي بدأ يستحمل التقيل.
ظن أنه على فراشه الوثير، فتقلب بنومته حتى بات بأحضان الأرض، فتمتم بنومٍ:
_لسه بدري على معاد العيادة طفي النور واطلعي.
اقترب منه “غيث” ليلكزه بقسوةٍ:
_ومش عايز قهوة محوجة بالمرة!
فزعت نظراته حينما استمع لصوت “غيث” يأتي من غرفة نومه، ففتح عينيه ليجد ذاته مازال بالمشفى، فعبث بأصابعه بعينيه ليعاتبه بضيقٍ:
_وهو عيب لما تعملي قهوة ياخويا!.
ثم نهض عن الأرض ليجلس على الأريكة، ليعبث بعينيه بنومٍ:
_الساعة كام؟
رفع غيث ساعة يديه ليجيبه بعد تفحصها:
_10.. بتسأل ليه وراك معاد مهم ولا أيه؟
جحظت عينيه في صدمةٍ حقيقية، فجذب معطفه الملقي أرضاً ثم ركض تجاه الباب وهو يعنف ذاته:
_إزاي فضلت هنا لحد دلوقتي، أكيد إيمان هتستناني ببوليس الأداب.
وركض من أمام أعينهم، ليترك الضحك يغرد بينهما، فجذب “عاصي” هاتفه، ثم طلب مدبرة منزله يسألها عن “لوجين”، فاستشاط غضباً حينما أخبرته بأنها لم تعود منذ أمس، ألقى هاتفه أرضاً وهو يصيح بإنفعالٍ:
_إزاي ده! ، عمر قالي إنها كانت هنا!
صمت”غيث” كان مصدر شك إليه، فتطلع إليه مطولاً إلى أن كسر الأخر قاعدة الصمت الغير مستحب لعاصي في أمرٍ جادي كذلك:
_معرفش هي فين بس هي من إمبارح وكلامها بيأكد شعورها بالذنب باللي حصلك من قاسم، وأكيد أخدت خطوة من وجهة نظرها الخلاص ليك من اللي هتواجهه.
عبست ملامحه، فباتت كمن أشعلها بحطبٍ صلب، ففقد إتزانه لأول مرة وصرخ بالمجنون:
_غبية إزاي تعمل كده؟
وجاب الغرفة ذهاباً وإياباً، وكأنه وحشاً يزأر خلف عرينه ويستعد لمهاجمة فريسته، ولكن ربما الوحش يختلف تفكيره كلياً عن ذلك الذي يلجئ للبلطجة، فكان عليه استغلال عقله جيداً ليجعله يعض أنامله ندماً على ما إقترفه بحقه وحقها، لذا استدار تجاه غيث وهو يخبره بجدية صارمة:
_اسمعني كويس يا “غيث”، اللي هقولهولك يتنفذ بالحرف الواحد.
صغى إليه جيداً، ومن ثم أخرج هاتفه لينفذ ضربته التجارية التي ستستهدف تجارته الذي يفتخر بها، سيجعله الآن يئن حينما يصبح تحت ضرس”عاصي سويلم”، الذي سيفعل المحال لتحقيق وعده بحمايتها الدائمة.
*********
استيقظت من نومها على صوت دقات متتالية على غرفتها، ففتحت الباب وهي تجاهد لفتح عينيها بعدما ظلت الليل بأكمله مستيقظة، شلت أطرافها حينما رأت الخادمة تقف من أمامها بفستان زفاف بسيط التصميم، لا يتدلى طرفه للأرض مثلما حلمت به، فبدى إليها فستاناً عادياً ، ولكن باللون الأبيض، لم تنتظر الخادمة سماع إذنها بالدخول وكأنها تعلم هذا مسبقاً، فوضعت ما تحمله على الفراش ثم أبلغتها برسالةٍ”قاسم” حينما قالت:
_قاسم بيه مستنيكي تحت هو والمأذون.
تجمعت هالاتها الدامعة في عينيها، فقد شعرت بأن وقتها قد انتهى، لم يعد هناك تمنيات بالنجاة من ذلك المأزق، لذا لم تهدر طاقتها في محاربة شيئاً لن يحدث بالأساس، فحملت الفستان ثم دخلت لحمام الغرفة لتبدأ بارتداءٍ ثوب نعشها الأخير، فالقت نظرة متفحصة على نفسها حينما انتهت منه، رفعت “لوجين” أصابعها المرتجفة على موضع قلبها وهي تردد بعذابٍ نبع من داخلها:
_متتخلاش عني يا عاصي، أنا مش قادرة أتخيل نفسي لحد غيرك.. أنا بأحبك وعارفة إنك مستحيل هتحبني، بس على الأقل أنت جنبي!
وترقرقت دمعاتها تباعاً، وأصابعها هي من تزيحها مثلما اعتادت منذ طفولتها، ازدحم قلبها بنبضاته الغير متزنة حينما عادت نفس الدقات المتتالية على باب الغرفة من جديدٍ، ولكن تلك المرة فتح الطارق الباب ليوفر عليها فتحه، فوجدته يقف أمامها بحلى سوداء جعلتها ترى الظلام الدامس الذي على وشك عيشه كل ثانية من عمرها، وإزداد حينما ابتسم وهو يخبرها بفحيحٍ صوته الخبيث:
_يالا عشان منتأخرش على المأذون يا عروسة!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الأربعيني الأعزب)