رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) البارت الحادي والعشرون
رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الجزء الحادي والعشرون
رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الحلقة الحادية والعشرون
وسط ترحيب الجيران والمعارف وتساؤلات عن الصحة وكلمات ود تخرج من القلب لها وكأنها غابت شهور وليس عدد من الأيام، وهي تبادلهم الرد بابتسامة ممتنة، ورزانة اعتادت عليها، خطواتها تبطئها بقصد، وتتوقف عن السير عدة مرات حتى لا تغفل عن إجابة أحد، بصحبة شقيقتها المؤازرة لها دائمًا، رؤى.
– حمد الله ع السلامة يا شهد، ربنا ما يجيب حاجة وحشة أبدًا
– الله يخليكي يا ام كريم.
– احنا كنا بنسأل عليكي دايما الست نرجس، وكان بودنا نيجي ونزورك بس منعرفش العنوان.
– تسلم يا عم عادل، دا العشم فيكم والله.
– لا بس انتي وحشتينا اوي والبت رؤي دي عايزة قرص في ودانها عشان مفيش مرة ريحتنا بكلمة.
– انا يا ام حسين، الله يسامحك.
– هيسامحني يا ختي، عندًا فيكي هيسامحني.
قالتها المرأة وانطلقت الضحكات ليتبعها بعض المزاح والتفكه بالعبارات، ليشيع جوًا من المرح، ويزيد من تعطليهم، وفي الأعلى كانت أمنية تراقب من الشرفة والهاتف على أذنها تتحدث إليه:
– بقولك وصلت يا عم، والجيران ولاد الكلب، عاملينها استقبال ملوكي، ولا اكنها ملكة بين راعاياها وهترش عليهم بالدنانير والدراهم…….. ايه؟ عايزانى انا كمان استقبلها واكلمها؟……. ليه يا حبيبي؟ هو انت ناسي ان الخناقة كانت عشانك؟ وانا بدافع عندك…….. ما تقولش حمارة يا ابراهيم………
هتفت بالأخيرة محتدة، وهي تدلف لداخل غرفة نومها وتترك الشرفة وتابعت بالرد
– لأ يا ابراهيم، البت دي هتشوف نفسها عليها، أنا عارفاها مش هترضى ترد وهتكسفني…….. تاني يا ابراهيم هتزعق فيا؟……. خلاص يا سيدي سكت وهسمعك…… اممم…….. سياسة!……… حاضر هجرب واما اشوف هتعمل ايه انت كمان، في الاستراتيجية الجديدة الي بتقول عليها دي……… سلام .
❈❈-❈
– شهد انتي وصلتي؟ حمد الله على سلامتك يا بنتي.
تفوهت بها نرجس فور ان وقعت عينيها عليها وهي تلج لداخل المنزل، وخلفها رؤى كانت تحمل حقيبتها وبعض الكتب المدرسية على يديها، والتي تكفلت هي بالرد مع صمت الأخرى:
– لا موصلناش لسة يا ماما، استني لما نيجي وبعدها سلمي.
عبست نرجس تهتف حانقة نحو ابنتها:
– عنك ما جيتي، بنت قليلة الحيا بصحيح.
كانت قد وصلت إلى شهد لتجذبها من ذراعيها وتقبلها على خديها بمداهنة تردد:
– نورتي بيتك يا حبيبتي، نورتي بيتك يا أحلى شهد.
ابتسامة باهتة اغتصبتها شهد بصعوبة لتوميء لها بهز رأسها حتى تتركها لتدخل غرفتها، قبل أن تفاجئها أمنية بقولها:
– الف سلامة عليكي يا شهد.
قالتها وقد ظهرت إليها من العدم، متصنعة الأدب والمسكنة، قطبت شهد تطالعها بريبة صامتة، لتتابع الأخرى:
– انا كان نفسي اجيلك عند صاحبتك، بس خوفت لا تطرديني ولا متقبليش بزيارتي، ساعتها كان هيبقى شكلي وحش اوي في بيوت الناس.
– وانا، وانا كمان يا شهد كان نفسي اجيلك، بس البت رؤى اختك مرضيتش .
قالتها نرجس متلهفة لرد فعل شهد والتي طالعت وجهها وهذه البلاهة المرتسمة على ملامحها، وكأن ما تتكلم عنه هو بالهين، أن تجد الغريب هو من يهمه أمر صحتها ورعايتها، ولا تجد من أفنت حياتها من أجلهم بجوارها وكأنه شيء عادي.
هل هي من تغيرت أم انها كانت معمية عن رؤية واضحة لهذه الوشوش، نقلت بأنظاراها نحو أمنية التي تتصنع دورًا لا تجيده، ليخرج صوتها:
– كتر خيركم، فيكم الخير.
استدارت نحو الذهاب إلى غرفتها ولكنها وما أن تحركت خطوتين حتى توقفت تتابع وقد أعطتهم ظهرها:
– بدل الحجج والقصص دي كلها، كان يكفي اتصال او حتى رسالة ع الفون. دا اضعف الإيمان.
– أه بس انتي مكنتيش هترودي.
هتفت بها أمنية وكان رد شهد ابتسامة ساخرة لم تصل لعينيها، بعد أن التفت إليها برأسها، لتختم بتنهيدة مطولة خرجت من عمق جرحها.
لتكمل سيرها بعد ذلك حتى دلفت داخل غرفتها، لتباغتها دمعة خائنة سقطت على خدها مسحتها سريعًا، حتى لا تترك نفسها فريسة للحزن أو التحسر على ما ضحت به من أجل أشخاص لا يستحقون، لا بل يوجد فيهم من يستحق، شقيقتها رؤى، تتمنى من الله الا تتغير هي الأخرى وتصبح صورة منهن
من جيب بنطالها أخرجت هاتفها لتعود إلى حياتها الطبيعية وتمارس عملها المنقطعة عنه منذ مدة:
– الوو يا عبد الرحيم، إيه الأخبار؟
❈❈-❈
في زيارة لشقيقها مروان، الوحيد المتبقي لها من أفراد عائلتها، وقد كان الفراق خيارها معهم، من أجل مصلحتها، بتحدي غبي منها، خسرتهم، ولم يبقى سوى هذا الفرد الوحيد، لتنزع عنها قشرة الجمود معه، وتفتح قلبها إليه، وقد فاض بها:
– انا تعبت يا مروان، وعايزة اشوفلي حل معاه، اتخقنت وقرفت، ودا عامل زي العمل الأسود، مفيش منه مهرب، اخاف اكلمه ولا حتى افاتحه في موضوع الانفصال، ليقتلني ولا يعمل فيا حاجة وحشة، دا غير كمان ابني، مش بعيد يحرمني منه.
كان يسمع منها صامتًا وهو يخرج لها عبوة عصير طازجة من البراد ليفتحها ويضعها أمامها، على سطح الطاولة الفاصلة بين الصالة والمطبخ المفتوح، ليتخذ وضعه ويجلس على المقعد المجاور ليرد اَخيرًا بنبرة هادئة:
– ما هو دا طبعه من الأول، ودي عيشتك معاه من بداية ما اتجوزتيه، ايه اللي جد بقى لدا كله؟
– اللي جد هو الخيانة.
هتفت بها بانفعال ثم تابعت بحرقة:
– الخيانة صعبة أوي يا مروان، خصوصًا وانا عارفة اني ما ملكش الجرأة حتى اني افاتحه، عشان عارفة ومتأكدة، انه هيحاسبني على المعرفة، معرفة الشقة ومعرفة الست اللي خاني معاها، دا جبار وانا عارفاه.
– ولما انت عارفاه لزومو ايه كل اللي انتي عملاه ده؟ دا كارم ودا طبعه، اللي اخت……
قطع بعد أن اجفلته بنظرتها المحذرة، تقول بعصبية:
– اياك تكمل…… انا فيا اللي مكفيني،
زفر بضيق ليردد مذعنُا لطلبها:
– خلاص يا ستي مش هكمل، بس انا قصدي افكرك، بطبيعة البني أدم اللي انتي متجوزاه
وكأنها لم تسمعه، وجدت نفسها تعود بذاكراتها للحفل، فقالت رغم تحذيرها لشيقيقها بعدم الفتح في هذا الموضوع:
– انا بحسدها يا مروان.
– تحسدي مين؟
سألها بعدم فهم، فتابعت تجيبه بصراحة نادرًا ما تصدر منها:
– بحسد كاميليا….. لو شوفتها في حفلة الفندق، والأستاذ طارق بيحاوط عليها ويدعمها بشكل واضح للجميع، بدون خجل ولا كسوف، اكيد كنت هتقول انه قاصد يعمل كدة قدامنا، بس انا عارفة ومتأكدة ان ده إحساسه الطبيعي ناحيتها، ودا اللي وجعني اوي، اني مش لاقية ربع الإهتمام ده.
ظل شقيقها صامتًا وهي تردف:
– حتى كارم، وبرغم كل العنجهية اللي فيه، كان بيخطف كل شوية نظرة سريعة بطرف عينه ناحيتهم، انا فاهمامها، عشان فاهماه كويس، ودا اللي قهرني.
بنفاذ صبر قال مروان لينهي حديثًا يعلم بعقم الجدال فيه:
– رباب… اصحي وفوقي لنفسك، التفكير ده هيزيد من تعبك، وانتي اساسًا عارفة نهايتها، جوزك مُتسلط ومعندوش تهاون، عيشي حياتك يا حبيبتي واتدلعي، اشتري كل اللي يخطر في بالك واصرفي على كيفك، ناغشي المتابعين عندك، وخليهم يسمعوكي كلام حلو عن جمالك وسحرك، دي حياتك، وانا واثق ان ناس كتير تتمنى نصها.
– عشان معاشوش الحقيقة ع الواقع، لو عاشو الواقع هيعرفوا ان كل دا فيك، وقشرة مزيفة.
قالتها لتتكتف بذراعيها ناظرة للأمام بيقين تام وصلت إليه عن تجربة مريرة تعيشها وتتعايش معها مرغمة، لتدفع ثمن اختيارها الخاطيء، تداركت تتذكر فجأة لتسأله:
– اه صحيح يا مروان، انتي ما قولتليش عملت ايه في موضوع المجهول اللي بيتصل بيا ده؟ عرفت صاحب النمرة ولا جيبت حسابه؟
– بحثت لقيت الحساب مقفول، والنمرة كمان، حاولت اتصل، لقيت الرقم غير متاح، بس ايه لزوم القلق يعني؟ دا أكيد عيل معجب وتافه .
صاحت به بانفعال:
– أو ممكن يكون مهووس، ولا انت مسمعتش عن الحوادث اللي بتحصل احيانا مع النجمات؟ اضمن منين انا انه ميكونش واحد منهم؟
تغضنت ملامحه بسأم لينهض من جوارها قائلا:
– ياا رباب، متكبريش الموضوع بقى، انتي اخترتي طريق الشهرة ودا شيء عادي بيحصل مع النجوم، اشربي العصير وفكي كدة، بلاش التنشنة دي…. انا هسخن اكل عشان تاكلي معايا.
راقبته بيأس مغمغمة داخلها:
– انا كنت واثقة اني مفيش فايدة منك يا مروان، دا غير اني مقدرش اكلم كارم، وانا مضمنش رد فعله، دا مش بعيد يجيب اللوم عليه وانول عقابه، اللي انا عارفة كويس انه هيكون حازم وقاسي في نفس الوقت…. طب اعمل ايه بس؟
❈❈-❈
بغرفة المعيشة وقد خلا المنزل عليهن، بعد مغادرة شهد ورؤى، وذهاب لينا إلى عملها، كانت الجلسة التي جمعت بين السيدتين، فقالت مجيدة بعد أن ارتشفت قليلًا من فنجان القهوة الذي كانت تمسكه بيدها:
– ها يا ست أنيسة، إيه رأيك في اللي بقولهولك؟ واوعي تعملي نفسك مش واخدة بالك ، جيبي من الاخر اللي يرضى عنك عشان انتي عارفة اني فاهماكي زي ما انتي فهماني:
تبسمت المرأة التي كانت جالسة على نفس الاَريكة معها تقول:
– لأ طبعًا واخدة بالي، دي حاجة واضحة زي عين الشمس، البشمهندس حسن ربنا يخليهولك، طيب ومشاعره فاضحاه.
– اه يا اختي انتي هتقولي.
عقبت بها مجيدة متمتمة، لتتبادل مع أنيسة الضحكات قبل أن تستدرك الاَخيرة بتفكير لتقول:
– انا لو عليا اجوزهاولوا الليلة ومن غير ما اخد شورتها كمان، دي زي بنتي وأغلى كمان، بس المشكلة فيها هي، شهد مسنكرة على قلبها وقافلة على موضوع المشاعر ده بضبة ومفتاح، جواها رفض للإرتباط، كتومة زيادة عن اللزوم، طب اقولك على حاجة، انا نفسي حاسة انها ميالة له، بس المهم هي تعرف كدة، وتحس وتدي نفسها فرصة.
– الله عليكي.
تفوهت بها مجيدة بإعجاب تتابع :
– اهو انتي كدة قصرتي عليا نص المشوار، انا بقى عايزاكي تفكري معايا عشان نلاقي حل، الواد عايزها والبت أكيد كمان عايزاه، لكن بقى محتاجة اللي يفك السنكرة والقفلة دي، عايزة اللي يفوقها لنفسها.
تمتمت أنيسة معها بتأثر:
– أه والله عندك حق، حبيبتي بقت ناسية نفسها، ونسيت الفرح نفسه، وهي تستاهل العوض، تستاهل واحد زي البشمهندس.
ردت مجيدة براحة تتسرب إلى قلبها :
– الله ينور عليكي، يالا بقى فكري معايا نشوف طريقة نوفق بيها راسين في الحلال، انا شايفاها مرات ابني ومش هستريح ولا يهدالي بال غير لما اجوزهم لبعض، كان ممكن اخدها من قاصرها وادخل البيت من بابه زي ما بيقولوا في الأمثال، بس بقى مكدبش عليكي ، الست مرات ابوها دي مبستريحش معاها ، قلبي مش مطمن لها، خصوصًا بعد المشكلة الاَخيرة دي، ست غريبة، لا تعرفيها طيبة ولا هي غبية، مش فاهماها بصراحة.
بسخرية تخلو من الابتسام عقبت أنيسة :
– يعني انتي عايزة تعرفيها من يدوب مقابلة ولا اتنين، دا انا ذات نفسي بقالي عمر اهو بعرف شهد وكذا مرة اشوفها معاها، ومع ذلك عمري ما فهمتها.
– ياختي عننا ما فهمناها، احنا المهم عندنا دلوقت البت، عندك استعداد تساعديني ادخلها عصابتي؟
قالتها مجيدة لتنطلق ضحكة مرحة من أنيسة قائلة:
– معاكي يا ستي في كل اللي تقوليه.
– حلو أوي
تمتمت بها مجيدة لتتابع داخلها وهي تعود للارتشاف من فنجانها:
– يالا بقى عشان أفضى كمان لجوز المجانين التانين، أكيد برضوا هلاقيلك دور معايا يا أنيسة.
❈❈-❈
– انت هنا وانا بدور عليك.
هتفت بها ليلتف بجسده نحوها، ثم يظل يتابعها وهي تقترب منه بخطواتها إليه، وقد كان واقفًا أسفل شجرة السدر خلف الموقع الذي كان السبب في لقاءه بها، وقد استعادت حيوتها الاَن، وعادت إليه وإلى عملها، ابتسامة جميلة تعتلي قسماتها، متوردة وقد ساهم عدد الايام التي قضتهم في راحة مع طعام السيدة أنيسة ورعايتها لها، لإظهار النضارة التي كانت مخفية خلف الهيئة الرجالية والشقاء في متابعة العمال تحت حرارة الشمس، جميلة هي، وياليتها تعلم بذلك عن حق:
– ايه يا عم بكلمك، ساكت ليه؟
قالتها وهي قد وصلت لتقف أمامه لاهثة، فخرج صوته بالرد:
– كنت مستنيكي تقربي عشان اقولك، ايه الحلاوة دي؟
هل ما سمعته من غزل كان حقيقيًا؟ أم انها كانت تتوهم؟ لا تعلم، ولكنه أربكها لتتمتم بخجل وعينيها تتهرب منه:
– حلاوة ايه بس يا بشمهندس؟ ربنا يجبر بخاطرك.
ردد خلفها بقصد:
– يارب، وادعيلي كمان انول اللي في بالي.
قطبت في البداية باستغراب ولكنها استجابت لطلبه مرددة خلفه:
– يارب يا سيدي تنول إلي في بالك، المهم بقى انا كنت سألت عليك عبد الرحيم، وقالي ان لسة عندك ملاحظات على المبنى، وعايزها تتنفذ قبل ما تستلم، ايه بقى؟ هي ايه الملاحظات دي اللي انت مصمم تقولهالي بنفسك.
كانت مندمجة في استرسالها، غافلة عن شروده في النظر إليها بدون تركيز، وقد اشتاق إليها وإلى حديثها، حتى جديتها الصارمة في العمل، تعقد خطي الوسط بين حاجبيها المعبرة عن اندهاش لأمر ما أو حتى غضب ، اشراق وجهها حينما تردف بحماس عن موضوع يخصها، ياالله، هل يصلها ما يشعر به، أم تكون غفوة التي استيقظت منها حديثها، اثرت على قلبها وحاسة الإحساس أيضًا.
– انت سرحان وانا بكلمك؟
قالتها باستدراك حينما طال صمته، سمع منها ليرد بابتسامة:
– بقولك ايه، ما تسيبك من الشغل وقرفه، هي طارت يعني؟
– لما اسيبني من الشغل المطلوب، امال هنتكلم في ايه؟
قالتها لتجده يباغتها فجأة بأن ارتد سريعًا للخلف ، ليرفع ذراعه بعصا خشبية كان ممسكًا بها، وبضربة واحدة أوقع اعددًا مهولة من الثمر الطازج، لتجده افترش الأرض أسفلها وبدون ارداتها خرجت شهقتها بإجفال لتتبعها ضحكة مرحة مرددة:
– يا نهار ابيض ايه ده؟ ايه اللي انت عملته ده؟
بزهو امتزج ببهجته المسيطرة الاَن على كل خلية بجسده، مع سماعه لضحكتها الشقية، بدون افتعال منها أو قصد ، قال وهو يدنو ليلتقط من على الأرض الثمار:
– اقعدي يا برنسيسة وانا انقيلك زي المرة اللي فاتت.
ضحكت لتجلس على الحجر الكبير كالمرة السابقة كما قال، لتردد:
– برنسيسة كمان، يا اخويا ما انا قولتلك، ربنا بجبر بخاطرك.
رد يجيبها:
– وانا برضوا بقولك كمليها، وقولي ربنا يناولني اللي في بالي .
– يا سيدي ربنا يناولك اللي في بالك.
قالتها ضاحكة ليتمتم من قلبه:
– يااارب
❈❈-❈
بعد أن انهت زيارتها لشقيقها فخرجت من المبنى إلى السيارة التي تقلها بالسائق والحارس الذي فتح لها الباب لكي تدلف سريعًا داخلها، وفور أن تحرك السائق يدير المحرك ليلتف بالسيارة حتى تفاجأت باهتزاز الهاتف بصوت رسالة واردة، فتحت لتفاجأ بصاحب الرقم المجهول يخبرها:
– (( حلو اوي الطقم الجديد ده، لون التيشيرت الكموني وهو لازق على……. عليكي، فوق البنطلون اللي عامل وكأنه جلد تاني، الرحمة شوية بقى بمتابعينك، حرااام، حرام اللي بتعمليه فينا ده يا جميلة الجميلات ))
قرأتها ليزحف الزعز بجسدها، لتلتف برأسها يمينًا ويسارًا وإلى الأمام وفي الخلف من خلال زجاج السيارة، متوسعة العينان بجزع، كي تبحث عن هذا الملعون، كيف يراقبها بهذا القرب، وهي لا تراه؟ لما يترصدها بهذا الشكل المزعج، هل هو إعجاب حقًا؟ لا ، أبدًا لم ترى أو تسمع عن معجب بهذه الصورة نحو إحدى الفنانات إلا إن كان مهوسًا.
– يا نهار اسود.
غمغمت بها بصوت وصل إلى سائقها؛ والذي انتبه على هيئتها من خلال مراَته الأمامية، ليخاطبها سائلًا بقلق:
– في حاجة يا هانم؟ ولا تكوني عايزانا نلف ونرجع تاني؟
اضاف على قوله الحارس ايضًا:
– اه صحيح مالك يا هانم؟
باضطراب مكشوف ومقلتيها لا تثبت على حال، خرج صوتها المرتعش:
– ممش عارفة، بس انا جاني احساس ان في حد هيدخل فينا بعربيته، أكيد بيتهيألي، ولا إيه؟
قطب الرجل العجوز حاجبيه ليرد باستغراب:
– لا يا هانم، مفيش حد زنق ولا قرب حتى بعرببته مننا.
بصوت منفعل بحمائية اضاف على قوله الحارس:
– ولا حد يقدر يا هانم، دا احنا نساويه بالأرض لو عملها.
بأنفاس لاهثة من الرعب، تطلعت بالحارس الذي يخاطبها ليبث بقلبها الأمان، رغم عدم علمه بالسبب الحقيقي لخوفها، لتجيبه بامتنان لفعله؛
– شكرا يا حامد، الف شكر .
❈❈-❈
– عدي باشا، حمد الله ع السلامة يا كبير.
هتف بها كارم، بعد ان اقتحم الغرفة على شريكه العائد من سفرة عمل خارج البلاد استمرت لأيام.
انتفض الاخر واقفًا يتقبل العناق الرجولي بترحاب:
– الله يسلمك يا عم كارم، عامل ايه انت بقى؟
رد كارم وهو يتركه ليجلس على المقعد المقابل لمكتب الاَخر:
– انا كويس يا باشا، انت بقى قولي ايه اخبارك؟ احكيلي عن اليونان وستات اليونان، عملت ايه معاهم هناك؟
ختم بضحكة مجلجلة استجاب على اثرها الاَخر يبادله المزاح:
– خلاص، انت دماغك مبقاش فيها غير النسوان والتفكير في النسوان، طب افتكر اني رايح في مهمة عمل، اسألني عملت ايه في العقود الجديدة مع العملاء.
امتعض وجه الاَخر بقرف يقول:
– وهو الشغل طار يعني؟ ما انا عارف بإنجازاتك في الشغل وبتوصلني الأخبار أول بأول، المهم يا شقي انجازاتك مع الجنس الناعم، دا الأهم .
دوى عدي بضحكة رجولية حتى مالت رأسه للخلف يردد:
– مفيش فايدة فيك انت يا كارم، مفيش فايدة، اخلاقك انحرفت اوي من ساعة ما سيبت جاسر الريان، يا راجل دا انت كنت ماشية زي الساعة معاه.
– كنت ماشي يا زي الساعة، بس برضوا كنت بعمل اللي على مزاجي، انا عمري ما حد قدر يوقفني عن حاجة عايزها.
وكأن كلماته جاءت على جرح الاَخر، تغضن وجهه وذهب عنه المرح ليقول بعبوس:
– انا بقى الحاجة اللي عايزها مش قادر اوصلها، نفسي بجد الاقي الطريقة عشان اتكلم بثقة زيك كدة.
قلب كارم مقلتيه بسأم، وقد فهم مقصد الاَخر، فقال مستنكرًا:
– تاني يا عدي، تاني برضوا حكاية البنت دي، يا حبيب قلبي شيلها من دماغك، انا مش فاهمك صراحة، بتلف وتدور حاولين نفسك ليه؟ خش دوغري مع البت دي وخلص، واللي ما يجيش بالفلوس يجي بالضغط، ان شالله حتى تقطع عيشها من الفندق خالص، واهي تبقى عملت جميلة.
– ارجوك يا كارم متقولش كدة، دي غلطتي ان بتكلم معاك يعني
هتف بها عدي باستهجان وعدم تقبل لفكرة البعد من الأساس، فصاح الاخر:
– أمال عايزني اقول ايه بس؟ انا بجيبلك من الاَخر، اقطع عرق وسيح دم، انت باشا كبير، وهي شرف ليها انك بصيت لها من الأساس، حطها دي قاعدة في مخك.
صمت محدقًا به، يعيد برأسه الكلمات يستوعبها، وقد راقه فكرة الحصول على ما يبتغيه، ان لم يكن بالمال ، يكن بالضغط، ولكن تبقى الطريقة، الطريقة في تنفيذ ذلك، وقد مر وانتهى عهد الحلم والصبر .
❈❈-❈
– يا صبا ، يا صبا، ما تردي بقى يا زفتة انتي، انا هفضل احايل فيكي يعني لحد امتى؟
قالتها مودة وهي تتبعها من موقع إلى آخر داخل حديقة الفندق، وقت استراحة الموظفين، لتلتف أخيرًا لها بنظرة صامتة كعادة اتخذتها منذ أيام، من وقت انتهاء حفل عيد الميلاد البائس، وجلستها مع عدي عزام، فذكائها الحاد جعلها تستنتج تعمد تأخرهن عليها، ورغم الأيمان الغليظة التي حلفت بها مودة لتثبت عكس فكرتها، إلا أنها لم تتهاون معها، أما ميرنا فقد تركتها دون عتاب ودون لوم، واكتفت بتجاهلها وذلك لظنها الأكيد بها.
– هتفضلي بصالي كدة كتير؟ طب وربنا حرام عليكي، عشان انا قربت ابوس على رجلك تسامحيني على ذنب معملتوش وانتي برضوا مفيش فايدة
– يعني عايزني اعمل ايه؟
هتفت بها صبا بوجه صارم، لتتابع بحزم:
– أحلفي زي ما انتي عايزه يا مودة، برضوا مش هعفيكي من الذنب، ما هو مش معقول يعني، حركة كب العصير المكشوفة ولا التأخير المقصود عشان تسيبوني لوحدي مع عدي عزام، وانتوا اساسًا جايبني مقصود في مطعمه، دا كله صدف! طب اعقلها ازاي؟ فهميني .
مودة والتي تغضنت ملامحها باسف حتى أشفقت عليها، خرج صوتها ببحة حزينة:
– انا بصراحة تعبت يا صبا من التبرير والحلفان اني معرف اي حاجة م اللي انتي بتقوليها دي، بس انتي مصممة تشيليني ذنب، وانا ربنا وحده اللي عالم بيا، دا انا فضلت محبوسة في الحمام ببلوزة من غير جيبة يجي اكتر من نص ساعة، بعد الدقايق والثواني في انتظار الجيبة، حاطة ايدي على قلبي لحد يفتح باب الحمام ويكشف ستري، وظنون في عقلي بتدور، ليكون دا مقلب معمول فيا، طبعا انتي كل الحاجات دي مفكرتيش فيها، عشان كل اللي هامك هو نفسك
– انا برضوا يا مودة، كل همي هو نفسي!
قالتها صبا باستهجان وقد رق قلبها إليها، يبدوا انها زادت بالقرص عليها، هي تعلم ببرائتها منذ البداية، ولكن لا تعفيها من الذنب لسذاجتها المفرطة مع واحدة مثل ميرنا، لقد تأكدت بفطنتها بسوء نية هذه المرأة ولذلك لن تترك صديقتها لها، وردها العنيف جاء من أجل ذلك.
– بقولك ايه يا مودة، اسمعي مني كويس اللي هقوله، لو عايزة صداقتنا تستمر يا بنت الناس، ابعدي عن الست دي، أنا مش بفرض عليكي تسيبيها بتسلط مني، انا بتكلم عشان مصلحتك، الست دي مريبة وانا قلبي مش مستريح لها، لو انتي شايفة غير كدة، انتي حرة.
بهتت مودة وتجمدت بملامح مخطوفة ازعجت صبا، لتردف بترجي وكأنها تدافع عن فرصة جيدة لها:
– يا صبا هو انتي ليه معقداها كدة؟ يعني حتى لو كانت زي ما بتقولي عنها، هي برضوا عملت ايه؟ دي قعدتنا مع عدي عزام، يعني عندها معارف وممكن تفتح لنا أبواب منحلمش بيها…..
– يخرب بيتك.
هتفت بها صبا مقاطعة بحدة، وعصبية جعلت وجهها يصطبغ بحمرة احتقان وغيظ، لا تصدق غباء ما تردف به، هذه الفتاة أصبحت كعلة فوق ظهرها، مؤلمة بحمل همها الثقيل في حمايتها من نفسها، تود نزعها وتركها وشأنها، ولكن ضميرها يمنعها من ذلك.
زفرت بعنف لتسحب شهيقًا مطولا، عله يساعد في تهدئتها قليلًا، ثم خرج صوتها بحزم لهجتها الجنوبية، وقد تلبستها روح أبو ليلة والدها:
– بجولك ايه يا مودة، الله يرضى عنك يعني، ياريت يا بت الناس، تفكري كويس وتوزني الأمور، ما تخليش عجلك التخين ده، يشطح بخيالات تودي في داهية، وافتكري كويس يا حبيبتي، ان المعارف اللي زي دي والابواب اللي نفسك تتفتح جدامك دي، لازملها تمن يدفع، مفيش باب بيتفتح من غير تمن يا ست مودة، ياريت تفهمي الكلام ده كويس.
قالتها وتحركت مغادرة على الفور، تاركتها تتطلع في أثرها بانشداه، متسائلة:
– هل ما تقصده صبا صحيح؟ أم هو الاحتراس المبالغ فيه، نظرا لطبيعتها الصعيدية المتحفظة لدرجة القسوة.
❈❈-❈
بتجهم غريب عن طبيعتها، ولجت صبا عائدة لمقر عملها بالقسم الذي تعمل به مع شادي؛ والذي رفع رأسه عما كان يعمل به، يتبعها حتى جلست لتتسمر بجمود وعينيها توقفت في نقطة ما في الفراغ، لتشرد بها وكأنها تحمل هم قضية في مجلس الأمن.
– مالك يا صبا؟
سألها لتنتبه إليه وتناظره صامتة لحظات قبل أن تجيبه بتنهيدة، وهزة خفيفة برأسها:
– لا مفيش حاجة، متشغلش نفسك انت.
– مشغلش نفسي ازاي يعني؟ هو انت مش شايفة خلقتك مقلوبة ازاي؟ حد زعلك يا صبا؟ ولا ضايقك بكلمة؟ قولي.
قالها غاضبًا بحمائية، جعلت ثغرها يفتر بابتسامة لفعله الدائم في رعايتها والدفاع عنها دائمًا، منذ أن استلمت وظيفتها بقسمه، وكأنها أصبحت من ضمن مسؤلياته، كرحمة شقيقته ووالدته، لذلك هي لم تعترض ولو مرة واحدة على تسلطه احيانا معها، وفرض رأيه، وتدخله المبالغ به في شئونها، مع علمها بصدق نيته، وقالت بملامح مرتخية قليلًا عما سبق:
– محدش زعلني والحمد لله، انا بس…. مضايجة كدة يعني، من موقف حصل معايا مع واحدة عزيزة عليا، ويهمني أمرها.
بفراسة وسرعة بديهة، فاجئها شادي برده:
– مودة صح؟
همت لتنفي، ولكنه قطع عليها متابعًا:
– ما تحاوليش تكدبي، انا اصلا عرفت الاجابة من قبل ما تقولي، ثم يعني بالعقل كدة، هي اقرب واحدة ليكي في الفندق، ولا يكون التانية!
طالعته باستفهام مرددة:
– تانية مين؟
– ميرنا مثلا.
قالها بخبث لتعترض على الفور بغضب مرددة:
– ميرنا دا إيه؟ دي لا صاحبتي ولا اعرفها اساسًا، دي مجرد واحدة زميلة ليا، معرفتي بيها مزيدتش عن صباح الخير يا جاري، انت في حالك وانا في حالي.
– ازاي بقى؟ دا انتي حضرتي عيد ميلادها؟
جادلها بمكر حتى يصل لهدفه، فكان ردها بعنف مستنكرة:
– هو يوم وكانت غلطة اساسًا، او بمعنى أصح، كانت ليلة وعدت على كدة، لكن عمرها ما هتبقى صاحبتي.
قالتها وانتظرت منه رد ولكن ظل صامتُا، يربكها بتحديقه بها قبل ان يتكلم اخيرًا:
– على فكرة يا صبا، انا كان ممكن امنعك عن الحفلة، خصوصًا بعد ما عرفت باسم المطعم اللي عزماكم فيه، دا سبع نجوم، يعني مش أي حد يدخله، انا سيبتك تروحي معاها وتقرري انتي بعد كدة من نفسك، واحدة زي دي، تجيب منين المبلغ الخيالي لفاتورة عزومة وعيد ميلاد في حتة زي؟ وانتي بتقولي يتيمة وملهاش حد كمان، دا ربنا عرفوه بالعقل.
اطرقت رأسها بفعل اظهر تفهما لكلماته، فقال متابعًا:
– انا مش هسألك يا صبا، ايه اللي مضايقك منها ومن مودة وخلاكي تقلبي عليهم كدة مباشرة بعد الحفلة، اللي الظاهر ان كان ليها دور جامد في انها تغيرك طول الأيام اللي فاتت.
– ليه مش هتسألني؟
– عشان واثق فيكي.
تلفظ بها كجملة عابرة، ثم عاد لعمله على الحاسوب، غافلًا عن وقع الكلمات عليها، وقد ظلت لمدة من الوقت تحدق به وكأنها تكتشفه من جديد، أن تجد الأنثى رجلا يقدرها شيء جميل، ولكن أن يعطيها ثقته الكاملة وبلا حدود، هذا أكبر من كل شيء، حتى لو كان ما يجمعهم لم يتعدى بعد الجيرة أو زمالة العمل.
❈❈-❈
– ودي ايه اللي جابها هنا؟
تمتمت بها ميرنا، بعد أن وجدت مودة اخير وقد بحثت عنها في كل الأماكن التي تتواجد بها، أو حتى المكلفة بالعمل داخلها، لتفاجأ بها الاَن هنا، جالسة على عتبة السلم الخلفي لمبنى العاملات بشرود، مريحة خدها على قبضتها المستندة بها على ركبتها، اقتربت لتشاكسها رغم اندهاشها من هذه الحالة التي تبدو عليها:
– زرعتيها منجة وطلعت ملوخية.
انتبهت إليها مودة لتعتدل بجلستها، غير مستجيبة للدعابة، مما زاد من اندهاش الأخرى:
– ايه يا ست مودة، حتى الضحكة مقدراش تردي بيها، هو انتي زعلانة مني يا بت ولا إيه؟
بصوت متردد ردت مودة وهي تتهرب من النظر إليها:
– لا طبعًا يا ميرنا، مين اللي قال الكلام ده؟
نصف شهقة خرجت منها وقد تبدلت ملامح المرح إلى اخرى عابسة مستنكرة تقول:
– افعالك يا حبيبتي هي اللي قالت، واخدة جمب مني ليه يا مودة؟ اللي حصل يا عنيا عشان وشك يتغير كدة، وعينك تهرب من عيني؟
بكذب مكشوف حاولت مودة الإنكار:
– مبقولك مفيش حاجة حصلت، انا بس مضايقة حبتين وقولت استفرد بنفسي.
ختمت تتلاعب في جيبتها، تتجنب المواجهة معها، وضيقت ميرنا عينيها، لتطالعها بتفكير عميق، هذه ليست مودة التي تعرفها، مودة التي نتقرب منها، ويشرق وجهها بالانبهار على أقل فعل تفعله لها، وهذا معناه أن مودة أصبحت تتسرب من بين يديها، بضربة عنيفة بكفها على قاعدة الحائط المجاور لمودة، هتفت وراسها دنت واقتربت من رأس الأخرى:
– هي صبا قالتلك ايه بالظبط عني؟
أجفلت مودة شاهقة بخضة لتردد باضطراب وفزع:
– ايه في ايه يا ميرنا خضتيني؟ مالها صبا ؟ وايه اللي جاب سيرتها اساسًا؟
بملامح تنضح بالشراسة، رددت ميرنا خلفها بعدم تصديق:
– ايه جاب سيرتها؟…. بتدافعي عنها يا مودة، وهي سايباكي زي الكلبة تراضي فيها بقالك ايام، عشان بس سيبتيها كام دقيقة مع عدي باشا في المطعم، وروحتي تصلحي جيبتك، كنتي مشيتي معاها بهدومك المبلولة يا بت، طبعا عشان تبقي زي العبيطة وانتي ماشية معاها، وهي البرنسيسة اللي بتخطف عيون الرجالة.
كلماتها السامة التي خرجت من عمق حقدها، لتفقدها ميزة التحكم المعتادة منها في مثل هذه المواقف، كانت من الغباء لتجعل مودة تنتبه لها ولفعلها، لتتغضن ملامحها على الفور أمامها، باحتقان جعلها ترفع الحرج عنها في الرد بقوة وهي تنهض عن جلستها بحدة:
– عندك حق، هي فعلا بتمشي زي البرنسيسة وانا بمشي جمبها زي الخدامة، بس برضوا بحبها، عشان هي بتحبني من قلبها وبتخاف عليا وعلى مصلحتي، بتشخت فيا وتزعقلي، بس عمرها ما جرحتني.
قالتها وتحركت مغادرة بدون استئذان، لتتركها تتفتت من الغيظ، ونار بغليل تحرقها، لتدب على الأرض بقدميها، قبل أن تتناول هاتفها وتتصل بالرقم المعروف، تخاطبه بانفعال:
– الوو…. أيوة باشا، معلش بقى اعذرني، عشان انا فاض بيا من الموضوع ده وتعبت………. اقولك يا باشا موضوع ايه، البت مودة اللي انت عارفها، اه.
خرج منها تأوه مفاجيء وهي تجلس على نفس الدرجة التي كانت جالسة عليها الأخرى، تزحزحت قليلًا لتجد السبب، وهو عبوة عطر فاخرة، من ماركة عالمية، لا يملكها سوى المحظوظين من الأغنياء، ورأتها هي قبل ذلك في الأجنحة الفاخرة بالفندق هنا، نثرت قليلًا منها في الهواء لتتنشق رائحتها بابتسامة منتشية جعلتها تنسي الطرف الاَخر على الهاتف، حتى هتف بها صائحًا بصوت عالي جعلها تعود إليه.
– ايوة يا باشا انا معاك اهو………… اه انت عايزني اكمل اللي بقوله، لا خلاص يا باشا، متشلش هم بقى، أنا لقيت الحل!
قالت الاخيرة بابتسامة متوسعة، وقد فكرت سريعا واتخذت القرار!
❈❈-❈
على مائدة السفرة التي أوشكت على الإنتهاء منها، هتفت مجيدة على ابنها بصوتها العالي وهي تتخذ مكانها على المقعد الخاص بها:
– يالا بقى يا حضرة الظابط، خلص يا خويا، انا ما صدقت خلصت، لو برد الأكل مليش دعوة……… اخلص يا واد.
خرج إليها أمين من غرفته يردد خلفها ساخرًا
– اخلص يا واد، وبتزعقي فيها كمان بعلو صوتك عشان العمارة كلها تسمع، هو انتي ليه يا أمي مصممة تضيعي هيبتي وقيمتي قدام الناس؟
– عشان انت اساسًا ملكاش قيمة يا حبيبي، امشي يا واد هات طبق الخضرة من فوق الرخامة جوا.
قالتها مجيدة غير مبالية بتجمد ابنها الذي كان يتصنع البوس، لتتابع بصيحة:
– اخلص يا واد اتحرك، هو انت هتفضل واقف كدة اليوم كله.
انتفض أمين مذعنًا لأمرها ليعدوا نحو المطبخ سريعًا يتمتم بصوت عالي:
– ست جبارة حقيقي، ربنا ع المفتري.
غمغمت خلفه بعدم اكتراث
– ايوة يا اخويا مفترية، ما انتو صنف نمرود مينفعش معاكم غير كدة
دوت ضحكة عالية من جهة أخرى، وقد كان ابنها الاَخر يدلف لداخل المنزل عائدًا من عمله يردد:
– الله الله يا ست الكل، دا ايه الغل والتسلط دا كله، دا حتى عيالك غلابة.
قال امين خلفه وهو يضغ مجموعة من اوراق الجرجير يتسلى بتناولها قبل أن يصل وينضم معها:
– قولها يا حسن يا خويا، قولها، دا بدل ما تطبطب عليا وانا راجل بيطلع عيني م اللي بشوفه من المجرمين والسوابق، وتدوقني حنان الأم.
بابتسامة صفراء تجعدت ملامحها بامتعاض تقارعه رغم انشغالها بتناول الطعام:
– خلاص بطلنا يا حبيبي، عايز حنان روح عند ام حنان .
قالتها وانطلقت الضحكات المرحة من الشقيقين بصوت عالي، حتى قبلها حسن فوق راسها قائلًا:
– عليا النعمة انتي ست عسل، ربنا يخليكي لينا يارب.
قالها وهم أن يتحرك ولكنها أوقفته بقولها:
– استنى هنا رايح فين؟
– رايح اغير هدومي، عشان اجي اَكل معاكم انا كمان.
– طب استنى انا عايزاك.
– عايزانى في إيه؟
سألها باستغراب، مع شقيقه الذي انتبه هو الاَخر ليتوقف عن الطعام يتابعها وهي تقول:
– الكلام ده ليكم انتو الاتنين، تعملوا حسابكم على مبلغ محترم، انا عاملة عزومة بكرة، وعايزة اعمل حسابي من دلوقتي.
سألها أمين باستفهام:
– عزومة ايه يا ماما ولمين؟
– عزومة لشهد بمناسبة ان ربنا عفى عنها وقامت بالسلامة، وهجيب معاها اختها رؤى.
– ينصر دينك.
خرجت من حسن على الفور مهللا، لتستطرد هي بنظرها نحو شقيقه:
– ومعاها لينا ووالدتها.
سمع منها امين ليهتف معترضًا:
– ودي ان شاء الله هتعزميها بمناسبة إيه؟ لتهزيقها لابنك؟ ولا عشان بتخانق دبان وشها كل ما تشوفه؟
كتمت مجيدة ابتسامة متسلية لتزيد من غيظه بقولها:
– وانت مالك يا بارد، واحدة عازمة صاحبتها وبنت صاحبتها، ايه دخلك؟ انت عليك تطلع الفلوس وبس.
بكف يده ضرب على سطح المائدة باعتراض وهو ينهض عنها مغادرًا:
– يبقى تنقي وقت مكنش انا فيه، عشان لو شوفتها هسيب البيت وامشي.
– تمام، بس اياك تحط ايدك على أي صنف من الحلويات اللي هتجيبها والدتها:
هتفت بها من خلف ظهره ليلتف إليها على الفور قائلًا متراجعًا عن حدته:
– ليه؟ هي الست أنيسة قالتلك انها هتجيب حلويات معاها؟
بابتسامة منتصرة ردت مجيدة:
– طبعًا يا حبيبي، دا اتفاق ما بينا، انا عليا الأكل وهي عليها الحلويات.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2))