رواية ضروب العشق الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق البارت الثامن والثلاثون
رواية ضروب العشق الجزء الثامن والثلاثون
رواية ضروب العشق الحلقة الثامنة والثلاثون
استقامت شفق واقفة وقررت الخروج لتطمئن عليه فقلبها يأكلها من القلق ، وتداهمها نغزة مؤلمة في قلبها .
قادت خطواتها للخارج وهي تتلفت حولها باحثة عنه ، حتى وصلت إلى باب المطعم الرئيسي ، فتصلبت بأرضها وكأن صاعقة قد أصابتها ، سرت رجفة عنيفة في جسدها مع صراعات بدأت في عقلها ترفض تصديق عيناها ، هذا لا يمكن أن يكون زوجها .. تحركت تجاهه بخطوات متعثرة كالذي فقد عقله ولا يدرك ما يراه أمامه ، جثت أمامه على الأرض وامسكت بوجهه تهتف في صوت مرتجف وأعين دامعة :
_ كرم قوم إنت بتهزر معايا مش كدا !!!
اكملت همسها المرتعش وانسابت دموعها بغزارة :
_ كرم رد عليا .. كرم .. كـــرم
رفعت يدها ونظرت إلى دمائه التي لطختها فعادت تنظر له وانفجرت باكية مع صرخة مدوية اطلقتها رغم الموسيقى إلا أن الجميع سمعها ، فهرلوا راكضين إلى الخارج على أثر الصرخة وبمجرد ما وقع نظرهم عليه توالت الصرخات من كل من هدى ورفيف ، التفوا جميعهم حولها وهي تحتضنه وتبكي بهستيريا ، انحنى كل من زين وحسن على أخيهم .. هزه زين بيد مرتعشة هاتفًا :
_ كرم إنت سامعنا كرم
وضع يده على رقبته يقيس النبض فوجده طبيعي ، صاح حسن بانفعال ورعب باديء على محياه :
_ يلا هنوديه للمستفشى يازين اكيد مش هنستني الإسعاف
استقام زين وابعدت ملاذ شفق عنه بصعوبة ليحمله كل من حسن وزين ويضعوه في السيارة ، وهرولت شفق لتستقل بجواره ، والباقية لحقوهم بسيارة حسن التي تولت قيادتها يسر والباقي بسيارة إسلام …..
***
داخل المستفشى …….
الجميع في حالة مزرية ، هدى لا تتوقف عن النحيب والبكاء وكذلك رفيف ، أما شفق فكانت تجلس على أحد المقاعد وقدماها تهتز بشدة وتقرض أظافرها بعنف هامسة لنفسها ودموعها لا تتوقف عن السقوط :
_ لا هو عارف إني مليش غيره .. عارف إني مقدرش أعيش من غيره ومقدرش اخسره ، هو وعدني إنه مس هسيبني وهو مستحيل يخلف وعده لأنه عمر ما خلف وعده معايا قبل كدا ، أنا واثقة إنه كويس
كانت يسر بجانب رفيف تارة تحاول مواستها وتارة تحتاج هي إلى من يواسيها ، أما ملاذ فقد لاحظت حالة تلك المسكينة فاشفقت عليها وادمعت عيناها لتنهض وتذهب فتجلس بجوارها وتضع كفها على قدمها هامسة بأعين دامعة :
_ ادعيله وهو هيبقى كويس إن شاء الله صدقيني وربنا هيقومه بالسلامة
نظرت لها وقالت بنظرات قوية وطريقة تدل على فرط بعثرتها الداخلية وأنها ليست بوعيها :
_ هو كويس أصلًا .. أنا عارفة هو بس بيحب يهزر هزار بايخ كدا دايمًا معايا ، مع إنه عارف إني مليش في الدنيا دي غيره .. بس هو لما يطلع مش هسيبه وهتخانق معاه
انهمرت دموع ملاذ بألم وحزن لتفرد ذراعيها وتضمها لصدرها مرتبة على ظهرها بحنو ومتمتمة بصوت باكي :
_ هيطلع بإذن الله متخافيش .. هيطلع
انهارت شفق بين ذراعيها في نوبة بكاء حارة وعنيفة وهي لا تهمس سوى بشيء واحد من بين بكائها ” كــرم .. كـــرم ” .
كان زين يقف بأحد الأركان وساكنًا كالصنم الذي لا حياة فيه .. يكتم جميع حزنه وخوفه بداخله ، حتى مشاعر الغضب لا يظهرها لكنه يتوعد لمن فعل ذلك بأخيه أنه لن يدعه يرى للرحمة عنوان ، على عكس حسن الذي كان واضح عليه السخط والقلق ولم يتمكن من منع نفسه حيث هتف بوعيد حقيقي وأعين حمراء كالدم وهو يجوب أمام غرفة العمليات :
_ هشرب من دمك ياكمال الحسيني .. وحياة أمي ما هسيبك تتهنى في حياتك يوم واحد
انتبه الجميع لما قاله وبالأخص زين وشفق ، اقترب زين من أخيه وهتف بنظرات كلها شر وجديدة عليه :
_ كمال الحسيني اللي عمل كدا ياحسن ؟
_ مفيش غيره .. بس هيروح مني فين
كور زين قبضة يده بقوة يحاول تمالك أعصابه مؤقتًا إلى أن يخرج أخيهم من العمليات ، وأخيرًا بعد ساعات من الانتظار خرج الطبيب فكان كل من حسن وزين هم الأقرب إلي الطبيب والباقي لحقوا به .
الطبيب بوجه بائس :
_ والله احنا عملنا اللي علينا بس الطعنتين كانوا في أماكن خطرة جدًا .. وحالته حتى الآن خطرة فهيفضل تحت العناية المشددة لغاية ما حالته تتحسن ، بس هو أخد طعنة في الظهر وممكن تأثر عليه بعد ما يفوق إنه ممكن ياخد فترة مش بيمشي للأسف
تعالى بكاء هدى التي كانت تهتف ببكاء حاد :
_ ياحبيبي يابني ربنا ينتقم من اللي كان السبب .. يارب قومه بالسلامة لينا
ثبتت شفق نظرها على الخلاء .. واستقرت نظرة نارية في عيناها لا تبشر بالخير ، ثم همت بالرحيل فقبضت على ذراعها ملاذ وهتفت بتساءل :
_ رايحة فين ياشفق ؟
شفق بنظرة مريبة :
_ رايحة الحمام وراجعة
_ آجي معاكي طيب
أجابتها بالرفض وبلهجة صارمة استغربتها منها :
_ لا هروح وحدي
اندفعت من أمامهم ولم ينتبهوا لها لانشغالهم بحزنهم علي كرم … وإذا بالدقائق تمر حتى اقترب زين من ملاذ وهتف :
_ شفق فين ياملاذ
وثبت واقفة بزعر وقالت بارتيعاد :
_ دي قالتلي رايحة الحمام وراجعة ولغاية دلوقتي مرجعتش أنا إزاي نسيتها !!
زين بدهشة وقلق :
_ إزاي سبتيها وحديها ياملاذ
ملاذ بنبرة متلقلقة :
_ هي مرضتش تخليني اروح معاها والله
انضم إليهم حسن عندما لاحظ هو الآخر اختفاء زوجة أخيه من الوسط فقال زين بحزم :
_ حسن شفق مش موجودة أنا هدور عليها في المستشفى وإنت أطلع دور عليها برا
صمت لبرهة ولاحت بعقله فكرة جعلته يزداد غضبًا وخوفًا :
_ معقول يكون عمها خطفها !!!
رمقه زين مرتعدًا ثم اندفع يبحث عنها في الأرجاء أما حسن فاندفع لخارج المستشفى بأكملها …….
***
ترجلت من سيارة الأجرة أمام البناية التي يوجد بها شقة والدها ، رفعت نظرها للطابق العلوي ثم قادت خطواتها شبه ركضًا إلى الداخل واستقلت بالمصعد الكهربائي ليقف بها أمام طابق شقتهم ، فخرجت وهرولت إلى الباب ، ثم اخرجت المفتاح ووضعته في القفل وفتحت ثم دخلت واغلقت الباب خلفها ، ألقت نظرة فاحصة على المنزل ومرت أمام عيناها ذكرياتها كلها مع أخيها وأمها .. حتى الأيام الذي كان يأتي فيها ” كرم ” لزيارتهم مرت أمام عيناها .. سالت دموعها بألم وحزن ثم قادت خطواتها إلى غرفتها حتى لا تتغافل عن السبب الذي اتى بها إلى هنا .
فتحت باب غرفتها واضاءت النور وإذا بصرخة مرتفعة تصدر منها عندما رأت ذلك ” الجاسر ” يجلس على مقعد وينتظرها بإبتسامة شيطانية وشرانية .. رفع جاسر أمامها SD ليقول بلؤم مبتسمًا :
_ جاية تدوري على ده مش كدا !!
الخطأ خطأها فشيء كهذه كان يجب عليها أن تخفيه بمكان لا يتمكنوا من توقعه ، والآن فشلت خطتها التي كانت تنوي فعلها لتنتقم لزوجها ، ووقعت أثيرة لشرور عمها وابنه .
تلفتت حولها فالاحظت عيناها الفاظة الموضوعة فوق المنضدة ، فاسرعت والتقطتها وكانت على وشك أن تضربه بها ولكنه سبقها وأخذها منها ليكبلها بذراعيه ويهتف ببرود :
_ ينفع برضوا تضربي جوزك المستقبلي ياحبيبتي
رمقته باشمئزاز وتقرف وبدون أي خوف أي تردد بصقت في وجهه ، وصاحت بنبرة أنوثية قوية :
_ ورحمة سيف وماما ماهسيبك إنت وأبوك ياجاسر وحق كرم أنا اللي هاخده ، ومش بس حق جوزي بس لا ده حقي وحق أخويا كمان ، هنهيكم نهائي وخليك فاكر كلامي ده
جذبها من ذراعها بغضب بعدما نجحت في إثارة جموحه :
_ طيب يلا عشان توريني هتاخدي حقك إزاي
حاولت نزع قبضته عنها وهي تصرخ :
_ ابعد سيبني ياحيوان .. أنا مش هروح معاك مكان
صرخة عارمة خرجت منه اخافتها حقًا :
_ هتاجي ياشفق وإلا المرة دي هبعت حد واخليه ينهي على البيه بتاعك خالص هو وفي المستشفى وأقدر اعملها وإنتي عارفة ، الاختيار ليكي
قد يفعلها حقًا هو لا يكذب .. أجبرت على السير معه للخارج حتى وصلا أمام المطبخ فلاحت في ذهنها فكرة ، لتوقفه وتقول بنبرة عادية مصتنعة :
_ طيب ممكن اروح أشرب
نظر لها بشك ولكنه فعل كما رغبت حيث ذهب بها إلى المطبخ ووقف خلفها ينتظرها حتى تنتهي وبعدما انتهت جذبها من ذراعها يجرها خلفه ، وقد سنحت لها الفرصة فالتقطت سكين بسرعة دون أن ينتبه لها واخفتها خلفها ، سارت معه حتى غادروا البناية وأصعدها بسيارة كانت تنتظرهم واستقل هو بجوارها ، وهي كانت تحاول بقدر الإمكان إخفاء السكين عن أنظاره ……….
***
توقف حسن أمام المستشفى يلتقط أنفاسه بعدما بحث عنها بكل مكان ، رأى أخيه يتجه نحوه وهو يسأله بغلظة :
_ ملقتهاش برضوا
هز رأسه بالنفي وهو يمسح على وجهه متأففًا بخنق ليقول باستياء :
_ أنا هروحله الـ *****
اوقفه زين بصرامة وقال في أعين قاتمة :
_ لا خليك إنت هنا في المستشفى معاهم وعينك متغفلش عن حد فيهم ياحسن وأنا هتصرف ولو في أي جديد بخصوص كرم اتصل بيا
ثلاثتهم حين يتطلب الأمر إظهار عدم الرحمة لا يترددوا في إخراج الوحوش الخامدة في أعماقهم ، وقد يكون كل من زين وكرم أسوء من حسن حين يخرج ذلك الوحش الكامن داخلهم ، وربما اليوم لأول مرة سيخرج وحش الزين !! .
استقل زين بسيارته وانطلق بها يشق الطرق بجنونية وبعد دقائق طويلة من القيادة توقف أمام منزل ” كمال الحسيني ” ، فترجل من سيارته وسار إلى الداخل بخطواط سريعة وساخطة حتى وصل إلى الباب وطرق عدة طرقات عنيفة ففتحت له ريماس التي رمقته بريبة من منظره وسمعته يهتف بصوت رجولي مرعب :
_ أبوكي وأخوكي فين ؟
ريماس بارتيعاد :
_ مش موجدين ليه هو حصل إيه ؟!!
لم يطل في الوقوف حيث رمقها بنظرة مميتة وهتف منذرًا :
_ بس صدقيني لو مخبينهم جوا هعرف
ثم استدار وذهب عائدًا إلى سيارته بينما الفتاة فبقيت بمكانها تحدق على أثره بتفكير ودهشة ، إلى أن اقتربت منها أمها وسألت :
_ مين اللي كان على الباب ياريماس
التفتت برأسها إلى أمها وقالت بنظرات خائفة :
_ ده زين العمايري كان بيسأل عن بابا وجاسر وشكله يخوف .. هو بابا وجاسر عملوا إيه ياماما ؟!
تصنعت الأم الجهل وأجابتها بعدم اكتراث بعدما استقامت وسارت إلى المطبخ :
_ هيكونوا عملوا إيه يعني .. معملوش حاجة هما بس من كرهم لأبوكي وأخوكي عايزين يأذونا بأي شكل
استقرت نظرات ريماس على الفراغ وهي تفكر بالجريمة التي ارتكبوها هذه المرة ، فبالتأكيد لن يأتي زين بنفسه ليسأل عنهم إلا إذا حدث أمر ليس بهين .. اتسعت مقلتي عيناها عندما حدثها عقلها يطرح عليها سؤال ذكي ” إذا حدثت مشكلة فلماذا لم يأتي كرم وجاء أخيه .. هل يعقل أن يكونوا قد فعلوا شيء له ؟!! ” ….
***
وصلا إلى منزل أرضى معزول عن المساكن وبمنطقة شبه مهجورة ، فتح جاسر الباب وهو ممسكًا بذراعها في عنف ويجرها خلفه ، وصل بها إلى غرفة داخلية ودفعها للداخل بعدم شفقة واغلق الباب عليها ، ظلت تضرب على الباب بقدمها ويديها صارخة :
_ افتح الباب ياجاسر
أجابها بغلظة صوت :
_ مفيش باب هيتفتح ياشفق واعملي حسابك إنك هتطلقي من كرم .. لإني مش هسمحلك تكوني لحد غيري
صاحت به من خلف الباب بشجاعة وعدم خوف :
_ نجوم السما اقربلك من اللي بتفكر فيه ده .. أنا ممكن اقتلك ومش هيهمني
استفزته كلماتها فأخرج المفتاح من جيبه ووضعه في قفل الباب ليفتحه ويدخل لها ، وبحركة مفاجأة جذبها من خصرها إليه وقال أمام وجهها بنظرات شيطانية :
_ إنتي ليا .. كنتي ليا وهتفضلي ليا
حدجته بشراسة واشمئزاز ثم دفعته بعيدًا عنها بقوة وبصقت في وجهه ، أغمض عيناه بقوة وقد تمكن منه الجموح فرفع يده إلى وجهه يمسحه وهي يجز على أسنانه ، ثم فتح عيناه ورمقها شرزًا وإذا بكفه يرفعه ويهوى به على وجنتها فاصدرت هي شهقة مرتفعة ووضعت كفها على وجنتها موضع صفعته ، لتهتف وهي تنظر له بوعيد حقيقي :
_ مش هتنفد بعملتك إنت وعمي واللي عملتوه مع جوزي هدفعكم تمنه غالي أوي ، وخليك فاكر كلامي ده كويس
لم يبالي بكلماتها وابتسم مستهزئًا ثم استدار وغادر وأغلق الباب بالمفتاح مجددًا ، سالت دموعها غزيرة على وجنتيها وجثت على الأرض تضم ساقيها إلى صدرها وتدفن وجهها إلى الأسفل ، تأخذ وضعية الجنين وببكاء حار همست من بين بكائها :
_ كرم أنا محتجاك ياحبيبي .. يارب قومه بالسلامة ، أنا مليش غيره ولو جرتله حاجة مش هقدر استحمل .. يارب إنت العالم بحالي وحالنا كلنا
***
داخل المستشفى ….
اقترب حسن من أمه التي تجلس بسكون ، دموعها تسقط في صمت وحالتها مزرية .. جثي على ركبتيه أمامها والتقط كفها يقبله بحنو ويهمس في صوت مهموم :
_ قومي ياماما عشان تروحوا البيت .. إنتي شوفتي الدكتور قال إيه مينفعش الكل يفضل هنا ، أنا هقعد مع كرم هنا أنا وإسلام
هتفت هدى بحدة وأعين مليئة بالدموع :
_ أنا مش هسيب ابني وامشي .. مش هتحرك من هنا غير لما اشوفه واسمع صوته واطمن عليه
تمالك نفسه بصعوبة أمامها فهو يحترق ألمًا على أخيه ولا يظهر ذلك بالضبط كزين الذي يتصنع الثبات أمام الجميع .
استقام وانحنى على رأسها يقبلها بلطف ويهمس في دفء محاولًا اقناعها ومسايستها بالكلام :
_ ياماما كرم لغاية دلوقتي حالته كويسة ومش خطرة أوي ، وقعادكم هنا مش هيفيد بحاجة .. روحي البيت وارتاحي وتعالي بكرا الصبح وأنا أهو موجود ولو في أي حاجة هتصل بيكي
هتفت بعناد وغضب :
_ قولتلك لا ياحسن مش همشي
تنهد الصعداء بألم ونظر لها بنظرات موجوعة وهو يتوسلها :
_ يا أمي بالله عليكي متتعبنيش .. هنا مش آمان ليكم لكن البيت آمن اكتر ، روحي وصلي في البيت وادعيله ربنا يقومه لينا بالسلامة
انسابت دموعها بحرقة وذعنت بالأخير لرغبته فأمسكت بها ملاذ وسندتها ليسيروا معًا للخارج ، أما رفيف فنظرت لأخيها وكأنها تتوسله أن يتركها تبقى معهم ، فضمها لصدره مقبلًا جبهتها بحنو هامسًا في حزن :
_ مينفعش يارفيف .. روحي غيري فستانك ياحبيبتي وريحي في البيت معاهم
_ بس اوعدني إنك هتتصل بيا تقولي لو حصل أي حاجة
_ حاضر اوعدك يلا روحي معاهم وهتلاقوا مسعد مستنيكم برا
أماءت له بالموافقة وسارت خلف أمها وزوجة أخيها وهي تجفف دموعها التي تتساقط باستمرار .. وقفت يسر أخيرًا واقتربت منه تحتضن كفه بين كفيها مهمهمة بنظرة مهتمة ومشفقة :
_ خليني جمبك ياحبيبي ، هفضل قلقانة عليك لو سبتك وحدك
رفع أنامله وملس على وجنتها بنعومة هامسًا :
_ متقلقيش عليا أنا كويس ، علاء هيقعد الليلة معاكم في البيت هناك لغاية ما الوضع يهدى ونمسك اللي عمل كدا
أماءت له بالإيجاب ثم سألت باهتمام وخوف :
_ لسا ملقتوش حاجة عن شفق
_ لا زين راح يدور عليها ولسا متصلش بيا لغاية دلوقتي
يسر بجدية تامة :
_ بلغوا البوليس ياحسن اللي بيحصل ده مينفعش
قال بأعين كلها نقم ووعيد بالأنتقام :
_ هنبلغ بس بعد ما نمسكه احنا الأول
تأففت بعدم حيلة ولم تجادل معه كثيرًا حيث ابتعدت عنه ولحقت بالباقية ……
***
توقفت السيارة أمام أحد المنازل الصغيرة ، فترجل زين من السيارة وقاد خطواته الساخطة نحو الباب ، طرق عدة طرقات عنيفة كادت أن تكسر الباب ، ليفتح له كمال الذي اندهش به .. لم يمهله زين اللحظات لكي يندهش حتى حيث وجه له لكمة قوية كادت أن تطيح بذلك العجوز أرضًا ، ودخل وأغلق الباب خلف هاتفًا في صوت مريب :
_ كان نفسي أقول ده راجل كبير وميصحش بس شكلك مش بتاجي غير بكدا ووصلت بيك إنك تحاول تقتل أخويا
انتصب كمال في وقفته وقال بشجاعة مزيفة يدافع عن نفسه :
_ اخوك إيه وقتل إيه !! .. أنا مش فاهم إنت بتتكلم عن إيه ؟!
لمعت عيني زين بوميض شراني مخيف حيث جذبه من لياقة قميصه ووجه له لكمة أخرى وتمتم بنبرة أشبح بصوت فحيح الأفعى تحمل في طياتها كل معاني الغضب والشر :
_ كلنا عارفين إنك اللي عملت كدا في كرم وأنا مش جاي هنا عشان أسألك عملت كدا ولا لا ، لأن ده أمر مش محتاج سؤال وعقابه هيكون تقيل أوي عليك يعني جهز نفسك عشان لو نزلت سابع أرض هجيبك وهدفعك تمن اللي عملته في أخويا ومش هيكون عقاب عادي .. والسؤال الأهم دلوقتي هو شفق فين ياكمال ؟
صوته ونظرته يتحدثان بالثأر لأخيه ، لم يبدو له أبدًا أنه يحاول إخافته أو تهديده فقط بالكلام بل سينفذ بالأفعال .. ركز على آخر جملة وهي سؤاله عن زوجة أخيه فأجابه بخفوت تام :
_ معرفش حاجة عنها ، ثم أن متنساش إن اللي بتسألني عنها دي بنت أخويا وأكيد مش هأذيها يعني !!
زين بلهجة تحذيرية :
_ لآخر مرة هسألك شفق فـــيــــن ؟
دفع كمال يده عن لياقة قميصه وصاح به مندفعًا :
_ قولتلك معرفش فينها .. إنت جاي بتهددني في بيتي بمحاولة قتل أخوك وعايزني أسكت ، أنا هتصل بالشرطة دلوقتي حالًا وابلغ عن اللي بيحصل ده
_ بلغ بس متنساش الأول إني ماسكك من إيدك اللي بتوجعك .. أعتقد إنت من أيام سيف الله يرحمه وجربت مين هو زين العمايري ويقدر يعمل إيه ، فأنا هديك مهلة لغاية بكرا الصبح
حدجه كمال برهبة وفضول لمعرفة أي مهلة هذه ولماذا ، ليسترسل زين حديثة ولكن بخفوت مخيف به لمسة التهديد :
_ أنا مش هوسخ إيدي سواء بيك أو بأبنك الحقير ده .. شفق هترجع في خلال ساعة ومعاك لغاية الصبح تجهز نفسك وتروح تعترف إنك إنت اللي حاولت تقتل كرم ، ومحاولة قتل أهون ما اروح اعترف أنا وأقولهم على كل بلاويك .. ساعة واحدة ولو شفق مرجعتش يبقى إنت اللي جنيت على روحك
ثم استدار وانصرف وتركه يفكر في حل للمعضلة التي وقع بها ، يجب عليه الاعتراف أنه أخطأ عندما خطط لمحاول التخلص من ” كرم ” قبل أن يهتم بشقيقه الأكبر !! ……
***
جالسًا على أريكة طويلة وبيده مفتاح الغرفة يعبث به يمينًا ويسارًا ونظره معلق عليه ، تستحوذ على تفكيره ويخطط كيف سيطلقها من زوجها ليجتمع بها وتصبح له للأبد …
مايسميه البعض عشق قد لا يكون يحمل أي ضرب من ضروبه ، هو فقط هلاوس تعلقت بالذهن لتقنعه بأنه يعشق فتتحول الهلاوس إلى هوس وجنون ، قد لا تجني سوى الشر والأذي للطرفين ، بل وبمعنى أدق هو شعور بالنقص فيلجأ إلى مشاعر الحب ليكي تعوض ذلك النقص وحين يفشل يفرض نفسه على العشق وأما أن أحصل عليه أنا أو لا أحد يحصل عليه مطلقًا !! ….
انتشله صوت رنين هاتفه فالتقطه وأجاب بهدوء :
_ أيوة يابابا
كمال بعصبية ولهجة آمرة :
_ سيب شفق تمشي ياجاسر دلوقتي حالًا
_ نعم .. أسيبها ده إيه !! ، أنا ماصدقت إنها بقت معايا خلاص
صرخ به في صوت جهوري :
_ بقولك سيبها وإلا هنروح في داهية وجهز نفسك عشان هنحجز تذكرتين وهنمشي من مصر نهائي قبل الصبح
استقام وصاح بأبيه منفعلًا :
_ أنا مش هسيب شفق يابابا .. لو إنت خايف على نفسك احجز التذاكر ليك إنت وماما وريماس وأمشوا وملكمش دعوة بيا
_ إنت مبتفهمش .. بقولك هتحبس ومش بعيد يكون فيها مؤبد ده لو مكنش إعدام ، زين اداني مهلة ساعة ترجع فيها شفق ولو مرجعتش هيبلغ بكل حاجة .. اسمع الكلام ياجاسر وسيبها تمشي
صمت لبرهة من الوقت دون أن يتحدث ثم أنزل الهاتف والقاه على الأريكة وسط صيحات أبيه به المتكررة وهو يصيح في الهاتف :
_ جاسر .. جـــاســـر رد عليا
وصل إلى باب الغرفة وفتحه ثم دخله فوجدها جالسة على الأرض وتضم ساقيها إلى صدرها كمحاولة بائسة منها لتدفئة نفسها في ذلك البرد القارص ، جذبها من ذراعها فوقفت وهو يجرها خلفه وهي تصيح به محاولة الإفلات منه :
_ سيب إيدي إنت واخدني على فين ؟!
جاسر بنظرات مشتعلة :
_ هنروح على مكان محدش هيعرف يوصلنا فيه أبدًا .. مش هسمح لحد ياخدك مني
صاحت وهي تبكي بعنف وخوف :
_ إنت مريض نفسيًا لا يمكن تكون طبيعي
صرخة جهورية صدرت منه نفضتها نفض :
_ اسكتي خالص
اكمل سيره وهو يجرها خلفه وهي لا تزال تحاول الهرب منه ولكن دون فائدة ، حتى وصلا إلى السيارة وجعلها تركب عنوة ثم استقل هو بمقعده المخصص للقيادة وانطلق بالسيارة يشق الطرقات لمكان لن يتمكن أحد فيه من الوصول إليهم !!! …..
***
انفجر حسن بأخيه غاضبًا وهو يصيح :
_ يعني إيه يسلم نفسه .. إنت هتسيبه يسلم نفسه بالسهولة كدا
زين بنبرة رجولية صارمة :
_ حق كرم مش هناخد بالطريقة اللي إنت عايزها دي .. مش هنروح نقتله مثلًا ، بالنسبالي ده أكبر عقاب إنه يقضي بقية حياته في السجن وأنا عارف إنه مش هيروح يعترف على نفسه وعشان كدا عملت حسابي وبلغت البوليس بكل حاجة عنه .. ولما يفوق كرم بإذن الله يختار هو يكمل حقه بأي شكل يحب
_ طاب كمال وفهمنا لكن جاسر أنا مش هسيبه
هتف زين مندفعًا :
_ حسن مش وقته دلوقتي .. الاهم دلوقتي مرات أخوك ترجع وأخوك يقوم بالسلامة بعدين نشوف هنعمل فيهم إيه
حسن ساخرًا بعصبية :
_ وإنت فكرك إن لو شفق معاهم هيسبوها .. أنا مش هفضل قاعد كدا ومستني هروح أحل الموضوع ده بنفسي ، بس أنا معنديش قلب ولو وقعوا تحت إيدي مش هرحمهم
ثم اندفع مغادرًا المستشفى بأكملها لينظر إسلام إلى زين ويقول بجدية :
_ روح وراه يازين وأنا هفضل هنا اطمن
استقام وهرول راكضًا خلف أخيه وهو يصيح مناديًا عليه ولكنه يتجاهله تمامًا ولا يجيب عليه ، حتى وصل إلى سيارته واستقل بها لينطلق بها كالسهم فلحقه زين بسيارته !!! …….
***
بينما كان كمال يغرفته يجمع ملابسه داخل حقيبة السفر التي جهزها ؛ لكي يهرب قبل أن ينفذ ” زين ” تهديده .. وإذا به يسمع بطرق عنيف على باب المنزل ، التفت برأسه للخلف وجحظت عيناه بصدمة امتزجت بالرعب من أن يكون الطارق هو الذي يتوقعه ، الطرق مستمر وأصبح أشد عنفًا فحسم قراره وقاد خطواته المرتجفة إلى الباب ، ليمسك بالمقبض ويفتح ولم يخطأ توقعه ، حيث وجد الضابط أمامه وثلاثة من العساكر معه .. ابنلع ريقه بخوف وحدج بالضابط في ارتيعاد وبالأخص عندما سأله في غلظة :
_ إنت كمال الحسيني مش كدا ؟
هز رأسه بالإيجاب في أعين مضطربة فعاد الضابط للمرة الثانية يسأله في سخط ونظرات ثاقبة :
_ ابنك فين ؟!
التزم الصمت لثلاث ثواني يفكر في كذبة يخترعها ولكن عقله لم يسعفه فهتف متلعثمًا :
_ مش موجود ياحضرة الظابط ، ليه هو في حاجة ؟
قبض الضابط على ذراعه هاتفًا بنبرة رجولية صارمة :
_ في القسم هتعرف في إيه .. اتفضل معانا يلا
خدعه واوهمه بأنه لن يسلمه للشرطة مقابل أن يترك شفق .. ولكنه فعل وأخبر الشرطة بكل جرائمة وهاهو قد وقع أثيرًا لأخطائه بالنهاية !! ………
***
ساعات مرت من البحث كل من زين وحسن يبحثوا بطرق مختلفة في محاولات بائسة لإيجاد ذلك الوغد المدعو بـ ” جاسر ” وحتى الآن لم تصل أخبار من الشرطة أنهم عثروا على مكانه ، الجميع مابين لحظات الخوف والرعب على مريضهم ( كرم ) الذي لا يزال تحت العناية المشددة ولم يستعد وعيه ، وبين القلق والرهبة على تلك المسكينة المفقودة التي استغلها عمها وابنه لأطماعهم الجشعة !! .
أذان الفجر ارتفع في مآذن المساجد ولا يوجد خبر حتى الآن ، وأخيرًا وصل اتصال على هاتف حسن الذي أجاب بتلهف :
_ أيوة ياحسام عرفتوة مكانهم
_ أيوة ياحسن عرفنا المكان هبعتهولك في رسالة وتعالي ورايا
انهي معه الاتصال وانتظر للحظات حتى بعت له الموقع في رسالة لينطلق بالسيارة في سرعة البرق ومن ثم يجري اتصال بزين ليخبره بأن يلحق بهم على هذا المكان …….
على الجانب الآخر تمكنت بصعوبة من فك الأحبال التي قيدها بها على كرسي خشب في هذا المخزن المهجور في منطقة شبه صحراوية ، كانت على وشك أن تقف وتركض هربًا ولكنها رأته يتجه نحوها فبقت كما هي في مقعدها وحاولت أن لا تظهر له أنها فكت قيد الحبال ، والسكين الذي أخذتها من منزلهم مازالت محتفظة بها وقد حان وقت استخدامها .
انحنى جاسر وجلس القرفصاء أمامها يهمس في هيام ونظرات مغرمة :
_ أنا أضطريت اربطك عشان متحاوليش تهربي متي ياشفق لكن صدقيني أنا مستحيل أذيكي والله ، كل اللي عايزه تكوني معايا بس
ضغطت على أسنانها وأجابت بصوت مكتوم وبه لمسة شرسة :
_ سيبني امشي ياجاسر بالذوق
تلاشت ابتسامته وحل محلها الغضب والقسوة ليقول بلا رحمة :
_ قولتلك مليون مرة مش هتمشي ياشفق انسي إنك ترجعيله تاني
لقد اعطته أكثر من فرصة لكي يتركها بالحسنى دون أن تأذيه ولكنه أصر على أن تنفذ ما ينغز به الشيطان عقلها منذ أن أخذت السكين من منزلها .
اخرجت يدها من خلف ظهرها وغرزت السكين في فخذه فأطلق صرخة متألمة جلجلت المكان ، لتثب هي واقفة وتركض مسرعة للخارج ، ورغم إصابته تحامل على نفسه عندما رآها تهرب وهب واقفًا ليسرع خلفها حتى يلحق بها ، جذبها من ذراعها فصرخت هي بأعلى قوة لديها وهي تحاول الفرار منه ودفعه بعيدًا عنها حتى نجحت وأكملت ركضها ولسوء حظها أن المكان كان مليء بالحجارة بعضها كبير والبعض الآخر صغير ، فتعثرت في أحدهم وسقطت لتصطدم رأسها بأحد الحجارة الكبيرة وتفقد وعيها في الحال وتبدأ الدماء في السيلان من رأسها !!! ……..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ضروب العشق)