روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل العاشر 10 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل العاشر 10 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت العاشر

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء العاشر

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة العاشر

~… قافلة…ومشاكسين…~
في العينين فقط….لا يستطع التظاهر بالنسيان أن يملأ مكان الحب أبدًا…..سيتسرب الشوق من ثقوب الحنين ….. رغما عن كل شيء يخبرنا أن نبتعد !
تلك نظرة متسائلة من عينيها ….إلى أين يريد الوصول بعدما مد يده بقطعة حلوى لتأكلها ؟!
عينيه مفترق طرق ….بها زهور تسقي نفسها بالأمل لتحيا …وبها شوك يتوعد بالخدش والجروح !!
بماذا تجابهه تحدي ؟!
أم غادرها شغف التمرد؟!
يضعها بقلب البين ؟!
لأول مرة لا تستطع ترجمة أفعاله !
ضمت ابنتها بين ذراعيها أكثر وكأنها تحتمي بها ….وهزت رأسها بالرفض ….بينما ظلت يده ممدوده في ثبات ….. بقطعة الحلوى ….فارتبكت ليلى وهربت بنظراتها منه …..وفي بادرة غير متوقعة منه …أخذ يد الصغيرة ولامس أصبعها بمعلقة الحلوى المقترب لفم أمها ….. فابتسمت ريميه ودفعت يده بالمعلقة وحمست أمها قائلة :
_ كليها هم النم
استخدم حماس الصغيرة في كسب اللعبة ! وربح بالفعل عندما ابتلعت ليلى جزء من القطعة وذابت الحلوى بفمها ….. وذاب مع الحلوى …نبعة من الحنان …. وللآن لم تفهم السبب خلف ما يفعله الآن ….فقال وجيه بغموض :
_ يمكن طعم الشيكولاته يضيع احساس المرارة اللي باين في عنيكِ ….. حاسس أنك بتتعذبي !
بدت عينيه قوية في الترقب ….وفي رد الألم بالألم …!
إذن لم يكن الأمر خلفه حسن النوايا !!
بل ارتضاء تعذيبها أكثر !! وابتسامته الساخرة بغضب مُقيد تفسر ذلك ….أجابت ودفعت بعينيها جميع بقايا القوة :
_ يمكن أنت اللي عايز تحس بكده ؟! …. لو ده هيرضيك … أعتبرني بتعذب !
مكر حواء !!
لا يهجرها حتى لو كانت عظام نخرة ببقايا أنفاس !!
فهمت اللعبة …وحركت النرد بضربة أنهت خبث المراوغة بدربٍ يسلكه.. !
وللعجب…. ابتسم من فهمها له ولم يتعجب منها…لو لم تفهمه لما تركت أثر بداخله…وقال بمكر :
_ بيهمك ترضيني !! ….. لافته هفتكرها كتير …..خصوصا في اللي جاي ….
يبدو أنه يتوعد لها بهدية مغلفة بالدموع ! ….مع الآت …حتى مع الابتسامات ..!
ردت في ثبات صوت ….. وحدة حزن بعينيها :
_ أنا مش من ضمن اللي جاي ! ….. وجودي في المشهد كان في ثواني التعديل …. الصورة مش هتطلع بيا…. صدقني …..
تابع وجيه اطعام الطفلة التي انغمست بمذاق الشيكولاته بشهية ولم تتابع الحديث ولم تفهم منه شيء حتى…..أجاب عليها بنظرة بها شيء عنيف …. بنظرة ك اليد التي تقبض على شيء تخاف ضياعه :
_ خلي اللي جاي لبكرة …مش يمكن الأدوار تتبدل ؟! ….. مش يمكن تكوني لوحدك في الصورة أو بطلة القصة كلها؟!
شيء يتوارى خلف الكلمات يشير انها بطلة العمر أيضا…بطلة كل لحظة اشتياق….وحنين …وحب …كنّه رجل ليس يسيرًا عليه أن يحب !
أضاف بشيء أخبرها أنه صادق :
_ اقتنعت بجملة …. أترك الشيء الذي تريده بشدة …فإن عاد إليك فهو لك ….. وإن لم يعد فلم يكن لك من البداية ……
ابتلعت ريقها بخوف وهي تنظر له …تتساءل عن معنى جملة وخلف مقصده معانٍ كثيرة….فقال لها بصوتِ حاد به تصميم غريب :
_ لو من البداية الشيء ده كان ليا …. يبقى هيرجعلي تاني ….. مش دايمًا الحل في التمسك … أحنا مش بنعرف قيمة الحياة إلا لما بنشوف لحظاتنا الأخيرة ….
تابع صوت آخر …..قالت جيهان التي انتبهت لأختفائه من التجمع بالمشفى حولهم….ونظرت لكلاهما في ضيق :
_ بيسألوا عليك يا وجيه …..
مرر وجيه يده على رأس الصغيرة بحنان… فابتسمت أمامها بنظراتها البطيئة المصوبة بزاوية قائمة دائمًا ….. ترك طبق الحلوى على مقعد بجانب ليلى وقال إلى ليلى :
_ اكليها ده وهبعتلها تاني…..
استدار ليغادر المكان فأستوقفته ريميه بصوتٍ عال :
_ بابا وجيه ؟
ابتسم بنظرة دافئة لقول الصغيرة القريبة جدًا لقلبه والتفت لها مرةً أخرى….فتابعت ريميه بابتسامة مشاكسة :
_ تعالى تاني …..
هز رأسه بابتسامة صادقة وأشار لها بوداع مؤقت ….. اللعنة على كل شيء يعثر الطريق لتلك الطفلتين التي من بينهنا حبيبته والأخرى أبنتها …ومع ذلك يراهما طفلتين ….!
لفت جيهان يديها حولها بحركة عصبية ….. عذرتها ليلى في عصبيتها فلها كل الحق في ذلك ….. لتقل الأخرى بحدة :
_ لو سمحتي …. اللي شوفته ده ما يتكررش تاني ……….
قالت ليلى بهدوء وشعور يصفعها بتأنيب ضمير :
_ أنا أسفة …..بس أنا …..
قاطعتها جيهان في غضب :
_ أنا مش مستنية مبررات ! ….. أنا مش هسمح لحد يسرق مني جوزي …لو ده اتكرر تاني هطردك من هنا ….. أنتِ فاهمة

 

 

!
رمتها جيهان بنظرة محتقرة شرسة …. كأن تلك المخلوقة التي حدثتها قبلًا تبدلت كليًا الآن !
ومع ذلك أعترفت ليلى أن جيهان محقة في غضبها ….لو كانت بموقفها لفعلت ما فعلت دون تروي… ويشتعل بقلبها النيران …..
قالت ليلى بثبات :
_ أنا لسه عند كلامي ….. لما أبويا يقوم بالسلامة هبعد عن هنا ….. لو في نيتي أتقرب لدكتور وجيه كان في إيدي حاجات كتير اعملها في الساعات اللي فاتت ….واعتقد أن لسه في إيدي برضو ….. ومع ذلك ماينفعش حتى أفكر اقرب أو افكر في حد ……
جزت جيهان على أسنانها بغيظ وكره ….من تلك التي تتحداها بهذا الشكل !! الأمر ليس عراك على رجل !
المرأة تأخذ اهتمام زوجها أو حبيبها بامرأة أخرى هو اعتراف صريح أنها ليست أنثى تلفت نظر أي رجل ….
ضيقت جيهان عينيها وهي تجيب :
_ أنا حذرتك …. ولو عايزة فعلًا تثبتي حسن نيتك …عندي اقتراح يرضي جميع الاطراف …… والدك هيتنقل مستشفى تانية …تكاليف علاجه كلها على حسابي …ده غير أني اقدر أشغلك في شركة كبيرة بتاعت حد من معارفي …. ولو معندكيش مكان تسكني فيه الشركة هتتكلف بالأمر وده عرض حصري جدًا مش لأي حد ….أظن لو رفضتي تبقي بتأكدي ظنوني !
تاهت ليلى في حيرة كبيرة ….ليس لشيء سوى أنها تريد بالفعل أن تبعد عنه الخطر…أن بقيت هنا سيظل الماضي يتردد أمام عينيها حتى لم تستطع ألا تخبره بكل شيء …..وماذا بعد الأعتراف ؟
كثيرًا من الحب ….كثيرًا من الأمال والحلام التي ستتحقق امام عينيها ….وكثيرًا من الخطر والخوف بكل لحظة ستمر !! وربما تضع بطريق النهاية لحياته غدرًا …
قالت جيهان بمكر وهي ترها تفكر :
_ هسيبك تفكري يا ليلى براحتك ….بس صدقيني أنا مش هسيب حد يبعدني عنه …ومصلحتك أنك ماتتحدانيش ….. وبأكدلك تاني …أنا مش وحشة أو شريرة …انا بحافظ على بيتي وأظن من حقي !! ….وأنتِ اللي بتحاولي تخربي البيت ده ….لو ده حصل عمري ما هسامحك …..
التمعت عين جيهان بدمعة كتمتها ثم تركتها وغادرت ……فأمتلأت عين ليلى بالألم ….يكفي ما تعانيه … سيكن الأمر شاق أن انعكس شعورها بالظلم إلى ظالمة …!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبالطريق إلى القرية الريفية …..
اسرعت الحافلة التي تحمل الفريق الطبي في الطريق ….. جلس جاسر بجانب النافذة وشرد قليلٌا ….. رمقه آسر بنظرة سريعة وهو جالس بجانبه وتساءل :
_ سرحان كده ليه يا جاسر ؟ ….أنت لسه مضايق من حكاية القافلة برضو ؟! ….يا عم هنتعود وبصراحة جو الريف أصلًا يجنن …هينسيك زعلك وممكن جدًا تغير رأيك كمان …..
نفى جاسر الأمر وفسر سبب ضيقه :
_ مش موضوع قافلة ولا ده سبب كافي يضايقني اساسا….. عمي مش مبسوط بجوازته يا آسر ! ….من امبارح وأنا بسأل نفسي هو ليه رجع لطليقته طالما اصلًا مش بيحبها !! ….. أنا بضايق لما بشوفه كده ….
تنهد آسر وقال موافقا رأيه :
_ عندك حق …أنا فعلًا حسيت بكده بس مش في إيدينا حاجة ….أتمنى أني أشوفه فرحان بجد من قلبه قريب …. بس أنا مقتنع تمامًا أن السعادة الحقيقية هي اللي بنصنعها لنفسنا ….مش بظهور حد في حياتنا !
رفض جاسر الأمر وقال ببعض الشرود :
_ لأ…أنا مقتنع أن الانسان مش بيفرح بجد غير لما يلاقي نصه التاني اللي بيكمله …. أحنا محتاجين نحب ونتحب ….محتاجين حد جنبنا يبقى عنده استعداد يكون السند لو وقعنا ….
شرد آسر في قصة حبه أيام الجامعة…قصة تتكرر كثيرًا بين الطلاب …. شاب خجول يحب فتاة ويحاول الأقتراب منها بحذر …ولكنها أخيرًا تختار بسعادة من ينشر نظرات الأعجاب لجميع الفتيات حوله …. كأن قلبه للجميع !
قال بغصة حارقة مرت بحلقه :
_ الحب !! ….. مش دايما نظرتنا بتبقى صادقة في بعض الناس …. اسوأ شيء لما نختار غلط …ونحاول نقنع نفسنا أنه صح …!!
نظر له جاسر ولمح نظرة عينيه الحزينة وقال :
_ أنت لسه فاكرها ؟!
رد آسر بصدق :
_ مش فاكرها هي تحديدًا …..بس بيبقى شيء صعب أنك تتعاقب عشان كنت محترم وبتحب بصدق !
عشان حبيت ومالفتش وعملت حوارات !
عشان كنت عايز أحبها براحتي بس بالحلال !
قال جاسر بتأكيد :
_ اللي تكره الحلال ….تستحق الحرام !
يعني هي معجبهاش أنك محترم ! ….بس كسبت إيه من ابو عين زايغة ؟ ….ما هي اتطلقت يا آسر !!
غير آسر دفة الحديث وقال :
_ أنت جبت السيرة ….بما أنك شايف أن ابو عين زايغة نهايته سودة كده ….ليه بتعرف بنات كتيرة كده ؟! ده غلط !
أجاب جاسر موافقا :
_ بصراحة عارف أنه غلط ….صدقني حاولت أبقى ملتزم بس مش بعرف ! ….أنا علاقتي بيهم مجرد خروجات بسيطة مش اللي في دماغك والله بس بقيت بحس أن البنات كلها بنت واحدة !! ….بنت شايفة واحد حلو وأمور وغني …بتجري وراه وشيفاه كنز علي بابا اللي هيحققلها أحلامها !!
شرد جاسر بابتسامة وقال :
_ تعرف أنا نفسي بجد الاقي بنت أبقى متأكد أني لو فقدت كل شيء هتفضل تحبني بنفس الدرجة…..ابص في وشها ارتاح كده وأحس أني مش عايز حاجة تاني من الدنيا !!
في ظل حديثه وقع على كتف جاسر قطعة من “الخيار المخلل” فقطبت ملامحه ونظر للأعلى فوجد يوسف يستند على رأس المقعدين ويبدو أنه كان بستمع للحوار بأنسجام وهو يأكل من “ساندوتش الفول ”
أشار لهم يوسف وقال وهو يحرك فمه بالطعام:
_ كملوا ….كملوا …انتوا مسليين جدًا …
أشار له جاسر بقبضته بتهديد وقال وشيء من المرح يمر بعينيه :
_ هتقعد ولا ؟!
جلس يوسف على مقعده ثانيةً دون نقاش…..

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
في القرية الريفية…..
وسط الحقول والمراعي …يوجد فرن لطهي الخبز مصنوع من الطين الأسود مخلوط بـ قشرة نبات القمح “التبن” …. يتوسطه لوح من معدن الحديد يوقد أسفل اللوح الأخشاب وقش الأرز والروث الجاف للماشية …
غذت سما الفرن بفروع الأشجار الخشبية فتعالت السنة الدخان منه ….قالت وهي جالسة أمامه على قالب من الطوب الأبيض يديها تفرد عجين “الفطير” على صينية فضية واسعة :
_ الحمد لله أن الجو رايق النهاردة من الشتا وعرفنا نقعد قدام الفرن يابت يا حميدة …
رققت حميدة بين يديها خبز الفطير لتصبح دائرة واسعة وقالت وهي تبتسم بابتسامة واسعة :
_ والله الواد نعناعة كان نفسه في الفطير بقاله شهر …. يلا بالهنا والشفا على قلبه ….. ونخلص بقى عشان ورانا غسيل ياختي ….
ضحكت سما بمرح ثم تساءلت بعد قليل :
_ هي جميلة ورضوى فين ؟! اختفوا فجأة !!
ردت حميدة عليها وهي ترمي ما بيدها على الصينية الفضية لتشير بها لسما حتى تدسها بالفرن لتنضج:
_ قالتلي الصبح أنها رايحة تجيب التموين من عند عمك حامد في أول البلد …..زمانتها في الطريق ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بهذا اليوم كانت عنايات تطوف بغرف الطابق بالمشفى طوفا ….وعينيها على ليلى كأنها تنتظر أن تشاهد اي شيء خطأ لتعلق عليه ….. لاحظت ليلى ذلك ولكن عرض جيهان كان يشغل تفكيرها …… اقتربت منها بثينة وهي تجلس بجانبها بوقت الراحة في منتصف اليوم :
_ عنايات النهاردة ناوية جزا شكلها كده !! خلي بالك يا ليلى وتجنبيها خالص….
تعجبت ليلى وطرحت سؤال شغلها تفكيرها كثيرًا :
_ هي ليه عنايات بتعاملني كده رغم أنها عارفة أن دكتور وجيه هو اللي شغلني ؟! …..يعني بما أنه ليه نسبة في المستشفى وكده ؟!
ابتسمت بثينة وقالت بسخرية :
_ عنايات تبع مدام جيهان …. هي اللي شغلتها ….يعني زي ما دكتور وجيه محدش يقدر يكلمه …هي كمان محدش يقدر يكلم حد هي شغلته …. عشان كده عنايات متفرعنة….وحاسة أنها خايفة تاخدي مكانها ….بالذات أنك خريجة كلية وتعليمك عالي ….ابعدي عنها يا ليلى دي مؤذية…
تنهدت ليلى وهي تفكر جديًا بعرض جيهان ….يبدو أن القادم ليس سهلًا…..لما طريقها كله يملأه الشوك بهذا الشكل !!
كلما ذهبت …وكلما وطأت قدميها في أي مكان …..

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وقفت الحافلة في مقدمة دخول البلدة الريفية وترجل منها الفريق الطبي …… وقف أحد عاملي الوحدة البيطرية امام الحافلة وقال :
_ معلش يا دكاترة….الوحدة الصحية غرقانة من الشتا ….هنخلي الخيمة في مبنى الوحدة البيطرية عشان صرفها اتصلح السنة اللي فاتت وكانت غرقانة برضو…. على ما نصلح الصرف بس ونجهز الوحدة بكل شيء …..
لم يكن الأمر بالفارق الشديد مع الاطباء فالأهم أداء واجبهم أينما كانوا …..ولأن مظاهر الريف مستوطنة في كل شيء …..
سأل أحد الأطباء وهو يحمل حقيبته :
_ طب الوحدة البيطرية فين ؟!
أشار العامل لمكان قريب على يساره وقال :
_ اللي هناك دي يا دكتور …..تعالى اما أوصلكم لهناك …..
اتجه الأطباء للخيم الكبيرة التي كانت تضم أجهزة طبية نظيفة معقمة بشكل مقبول …. دخل جاسر أحد الخيم وتبعه آسر …القوا نظرة رضا عن المكان وقال جاسر :
_ احسن مما توقعت …. بس الشتا برضو ممكن يطولنا هنا ولا ايه ؟
رد عليه احد العمال بالمكان وأشار لسقف خرساني أعلى الخيم وقال :
_ لأ الشتا مش هيطولكم لأن الاستراحة دي سقفها صبة خرسان ….حطينا بس الخيم عشان الترابة والساقعة ….كام يوم وهنضبط كل حاجة بأذن الله …..
اجاب العامل أيضا على عدة اسئلة ثم تركهم ودخل المبنى الجانبي يباشر عمله …..دخل رعد على الخيمة الذي اختارها جاسر وآسر وقال بغيظ :
_ نفسي أعرف هشتغل هنا إيه ؟!
سمعه يوسف وهو يبتلع مشروب “الكوكاولا” وأجاب :
_ اكيد هتلاقي حاجة تضيع وقتك بيها …انت بصراحة مالكش لازمة هنا ..
كاد يلكمه رعد بغيظ فأوقفه يوسف بضحكة :
_ أقضد تخصصك يعني ….يابني الناس هنا بسيطة وعلى الطبيعة والفطرة أوي …مش هتلاقي هنا مرضى نفسيين …. شامم ريحة الخبيز تحفة أزاي ! ….حاجة منعشة جدًا
ابتسم جاسر بمرح وقال :
_ همك دايمًا على بطنك !
وكز يوسف بمشاكسة ثم اه لفاتحة الخيمة ليخرج فسأله يوسف :
_ رايح فين ؟!
أجاب جاسر وهو ينظر لاتجاهات كثيرة :
_ عايز اكتشف المكان ….هتمشى شوية في الأراضي الزراعية دي ….
وافقة يوسف قائلًا بحماس:
_ استنى هاجي معاك ….
هتف جاسر باعتراض:
_ لأ …عايز اتمشى لوحدي ماتبقاش غتت بقى !!
عبس وجه يوسف وقال لنفسه بتمتمة:
_ أنت اللي غتت…!
أخذ آسر يتفحص الاجهزة المرتبة بنظام ودقة وتحدث مع رعد في بعض الأشياء…..تسلل يوسف من بينهنا وخرج أيضا ليستكشف البلدة التي ورغم بساطتها ولكن كأنها تحمل عبق الأصالة وبعث الراحة للنفس …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
خرجت جميلة ورضوى من “دكانة” العم حامد موزع التموين بالبلدة …تشاركا الأحاديث والضحكات وهم يسيرون بالطريق ويحملون صندوق ورقي به علب الزيت وأكياس السكر والشاي…مرا الفتاتان بجانب الترعة التي تبسط على طول المراعي والحقول الواسعة الخضراء ….أشارت رضوى لأحد الاراضي وقالت :
_ جوافة عمك ابو الحسن زي السكر يا جميلة …نفسي هفاني عليها …. هو هناك اهو في أرضه …تعالي نستأذن منه ونقطف لنا شوية ….
ضحكت جميلة بعفوية وقالت :
_ والله الراجل ده طيب أوي…المرة اللي فاتت قال للبت سمكة تيجي تاخد اللي عايزاه في أي وقت ومن غير ما نستأذن منه ….بس تعالي نقوله برضو …
بعد خطوتين تعثرت قدم جميلة والتوى كاحلها بثرى الأرض الموحل ….تألمت بشدة وهي تنحني وتمسد كاحلها بألم وتوترت رضوى لحالتها …..قالت بقلق :
_ سلامتك يا جميلة…هتعرفي تمشي عليها ولا اجري على البيت اجيب الواد نعناعة ….
وقفت جميلة وهي تحرك قدميها قليلا وتحاول أن تتحرك …استطاعت بعض الشيء فقالت لرضوى :
_ خدي التموين وروحي أنتِ….أنا هروح لعمك ابو الحسن وهخليه يقطفلي جوافة …شوية ووجع رجلي هيروح ما تتوغوشيش عليا…
ترددت رضوى ولكنها انصاعت للأمر بالأخير وذهبت …..
تحركت جميلة اتجاه الأرض الزراعية التي يلتف أسوارها بأشجار الجوافة والموز والكافور العالي…..استأذنت صاحب الأرض ورحب الرجل بطيبة ولكنه لم يلحظ وهن قدميها وغادر عائدًا لمنزله جالسا على عربة خشبية يجرها حمارًا أبيض….
نظرت جميلة للشجرة القصيرة التي لولا الم قدميها لكانت استطاعت تسلقها بسهولة …..وقفت تنظر للأعلى في ضيق وحيرة ….وكلما حاولت الوقوف على أطراف أصابعها للتسلق يشتد الألم بها …..
كررت المحاولة واستطاعت بعد محاولات عدة أن تجلس على أقرب فرع وجذب ثمار الجوافة الناضجة منها
وريقاتها …..
جمعت الكثير من الثمار والقته للأسفل على نبات “البرسيم ” المنتشر بالأرض الزراعية ثم عادت حيرتها الأولى ….كيف

 

 

ستهبط !
أخذت قرارها بأن تدفع نفسها على الأرض وفعلت ذلك …..سقطت بين نبات البرسيم وهي تتأوه بألم عندما خدشت قدميها بجروح أخرى !
جلست على الأرض ورفعت عبائتها السوداء لتكشف عن نصف قدميها وتكتشف الجروح ….نظرت حولها جيدًا قبل ذلك ولم تلمح أحدًا …..تأوهت بألم مرة أخرى وهي تلمس الخدوش بساقيها …..
سار جاسر بالطريق الحقول وهو يحرك هاتفه بغيظ ويحاول ايجاد شبكة اتصال لا سلكية …ولكن الشبكة كانت ضعيفة جدًا بالحقول ….. زفر بغيظ حتى استمع لصوت آنين يصدر من الأرض الذي يسير من أمامها الآن وعلى يساره ……
تقدم للصوت حتى لاحظ أنه يصدر من اتجاه شجرة الجوافة فأقترب لها بحذر ……
فغر فاه وهو يرى ساق يظهر منها ما يقرب الربع متر ورغم ذلك تبدو صاحبتها فتاة يافعة …صبية ….
اقترب والابتسامة الماكرة تظهر على شفتيه ببطء ……
لم تره جميلة الا عندما وجدت رجل يأتي فجاة وكأنه أتى من المجهول !
اتسعت عينيها بذهول بالمحدق فيها بدهشة وكانه رأى شبحا !!
كان اطراف شعرها الأسود ظاهرة من الحجاب الذي ارتخى تحكمه بعد السقوط من الشجرة …..ورغم بساطة المشهد ولكن أخذه ووقف ناظرا لعينيها بثبات وصمت ….ثم قال :
_ الريف جميل جميل جميل …. جامد
انتفضت جميلة واقفة وهي تعدل ملابسها وحجابها بعصبية :
_ أنت مين يا بغل أنت ؟!
اطرف عينيه عليها بدهشة …لم يستطع أن يصدق أنها تشتمه هكذا فقال مشيرا لنفسه ليتأكد :
_ أنتِ بتشتميني أنا…. ؟!
أخذ منها العصبية أن تدفعه بالترعة التي تمد الأرض الشرقى بالماء وتروي ظمأها …..وصاحت :
_ عشان تبقى تبحلق في الحريم يا قليل الرباية ….أنت مش من بلدنا ولو كنت من بلدنا كانوا قطعوا راسك يا مدفوس الراس أنت …
لم يصدق جاسر أنه يسبح بمياه الترعة الممزوجة بالثرى وهو من كان يسبح بمياه المسبح النظيفة في استمتاع ….رشها بالمياه وهو يصيح بعصبية وتوعد :
_ لو أنتِ فعلًا اد كلامك استنيني لما اطلع …وبعدين أنا مدفوس الراس ؟! يعني ايه مدفوس دي أصلًا !
جمعت جميلة الثمار سريعا وتعجبت أن قدميها خف وجعها بعض الشيء….. كاد جاسر ان يخرج فألقت عليه ثمرة جوافة وقالت ضاحكة :
_ أغرق تاني يا مدفوس ….
اسرعت من الأرض وهي تكتم ضحكتها …ولكن تحديقه لقدميها العارية جعلها تغضب لهذا الحد……
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وقفت سما أمام الفرن وهي تنفض ملابسها ثم قالت لحميدة :
_ هسبقك على الدار بقى يا حميدة عايزة اتشطف واروح أشوف الواد مهند صالح نور أزاي ….. ده وقعها على السلم المعفن ! ….بس رومانسي …. المسلسل شكله عواطفي أوي
ضحكت حميدة بصوتٍ عالِ وقالت :
_ طب روحي وأنا هطفي الفرن وأجيب الفطير والحقك ….
غادرت سما وتركت حميدة تطفئ نيران الفرن ثم وبعد دقائق لاحظت حميدة نقص في عدد الفطائر ….احتارت بالأمر ولكنها اعتقدت أن شقيقتها لربما أخذت واحدة لتأكلها بالمنزل حتى وقت العشاء ……
استدارت للفرن مرةً أخرى وتأكدت من اطفاء نيرانه وكادت أن تستدير حتى لاحظت أن الفطائر نقصت بشكل ملحوظ ….
سمت باسم الله في خوف وهي تنظر حولها ….وركزت بصرها بدقة رغم خوفها الشديد حتى رأت يد تمتد من ثقب واسع أسفل العشة الملحق بها الفرن …
ضمت حميدة يديها بغيظ وانقضت على اليد المليئة بالشعيرات السوداء ليأتي وجه يوسف من الثقب الواسع ….
نظرا لبعضهما في دقيقة صامته ….ابتسم يوسف معتذرا وقال :
_ بصراحة كان نفسي في فطير من زمان أوي…أسف والله …..ممكن أعرف تمنه كام ؟
شعرت حميدة بابتسامة اتت فجأة على شفتيها فأخفتها سريعا وتظاهرت بالقوة وهي تترك يده …..دلف يوسف للعشة وقال بابتسامة معتذرة:
_ أنا مش حرامي والله …صدقيني…..
تعجبت حميدة من مظهره الذي لا يبدو عليه أي فقر أو حرمان حتى يسرق الفطائر !! …قالت ببعض اللوم :
_ شكلك غريب عن البلد ….لو كنت قولتلي كنت اديتك اللي يكفيك وزيادة ومن غير فلوس …. ولا أنت مجربتش كرم الفلاحين

 

؟!
قال يوسف بابتسامة وهو يبتلع ما بفمه :
_ تسلم ايدك ….بصراحة الفطير يجنن …. مش هعرف أنسى طعمه بسهولة ….
ابتسمت حميدة بحياء ثم انحنت وسحبت أثنين من الفطائر الكبيرة وقالت له :
_ بالهنا والشفا ……
ود يوسف أن يضمها حتى على هذه الهدية الثمينة بنظره ….قال بشكر وامتنان :
_ تسلمي….بصي يا ……
لم تجب حميدة وتخضب وجهها بالخجل فتابع يوسف غير مكترث وقال :
_ أنا من ضمن القافلة الطبية اللي جت…لو احتاجتي أي استشارة أنا موجود …..
قالت بتساءل وهي حقا لا تعرف أمر القافلة:
_ قافلة ..؟ …..فين القافلة دي ؟!
أجاب يوسف وهو يقطع قطعة من الفطير:
_ في الوحدة البيطرية …..
اتسعت عين حميدة بصدمة وتلونت عينيها بالغضب ودفعته بعصبية …..ثم حملت صينية الفطائر وذهبت بنظرة غاضبة منفعلة منه ……
لم يفهم يوسف لما غضبت ولما دفعته ولما تغير هدوئها إلى الغضب !!…….احتار ثم ابتسم وهو ينظر للفطائر بيده !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *