روايات

رواية أسد مشكى الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم رحمة نبيل

رواية أسد مشكى الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم رحمة نبيل

رواية أسد مشكى البارت الخامس والثلاثون

رواية أسد مشكى الجزء الخامس والثلاثون

أسد مشكى
أسد مشكى

رواية أسد مشكى الحلقة الخامسة والثلاثون

(قال النبيﷺ: مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ)
افضل العبادات في شهر ذي الحجة:
– صوم الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة
– الاكثار من التكبير والتهليل والاستغفار
– صوم يوم عرفة (اليوم التاسع من ذي الحجة)
– الصدقة. قال تعالى: ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
عيدكم مبارك وتنعاد عليكم الأيام بالخير.
صلوا على نبي الرحمة .
واستمتعوا بآخر الفصول الهادئة قبل فتح أبواب الـ…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يسير معها في الطرقات الخاصة بمشكى والتي كان المعتصم قد أمنّها بالفعل بنفسه سابقًا، لكن دون أن يشعر به أحدهم بذلك، ليظهر كما لو أنه كان من البراعة ليهرب وحده .
والآن يدعي نزار أنه يتبع توبة وهي من ترشده صوب بوابة الخروج من المكان وتوصله للخارج بأمان.
مرشدته الساحرة التي أخرجته من أسوار مشكى المتينة…….
_ هيا اتبعني، لا أحد في هذا الممر .
ابتسم لها نزار يتحدث بشرود وهو يسير خلفها :
_ آه الحمدلله أن الهمني طلب مساعدتك، الله وحده يعلم ما كان سيحدث لي لو خرجت من هنا وحدي، او قابلت أحدهم .
استدارت له توبة تنظر له ببسمة داعمة، وهي تجيب ببساطة رغم القلق والضيق لما تفعل، فهي الآن تساعده في الهروب مجددًا وتساهم للمرة الثانية في إبعاده عن توبته، وتلقيه بين التهلكة ليبحث بنفسه عن غفرانه .
توقفت فجأة في أحد الممرات وهي تنظر له ثواني قبل أن تردد بجدية :
_ نزار ….لِمَ لا …. أرجوك تراجع عما تخطط له، أنا قلقه ألا نخرج سالمًا هذه المرة، صدقني سأتوسط لك لدي أبي والجميع واخبرهم أنك من ساعدني و…
توقفت عن الحديث ثواني قبل أن تندفع تردد بجدية:
_ وسأخبر أرسلان أنك أنت من ساعدني لندله على مكان زوجته حين اختطفها أنمار، عد معي رجاءً، ساعدني لأساعدك ..
نظر لها نزار ببسمة صغيرة يتابع كلماتها، ويسعده الخوف الذي يبصره على وجهها في هذه اللحظة، ولو كان الأمر بيده وتوقف عند حدود غفران يطلبه لنفسه، لتخلى عن غفرانه لأجل توبته، يقسم لو أن الهروب للجحر كان لأجله وبإرادته لتخلى عن كل ذلك لأجل تلك النظرة وهذه الكلمات .
_ الله خير حافظ سمو الأميرة، فقط تذكريني بالخير دائمًا و…انتظريني توبة .
_ أنت لا تساعد في طمئنتي نزار، ما الذي تنتوي له ؟؟
ابتسم لها وهو يشير بعيونه صوب الطريق :
_ الخير بإذن الله، دعينا نكمل الطريق كي لا نتأخر فيكشفنا أحدهم، اسبقيني لتأمني لي الطريق.
ولو كانت توبة تفكر قليلًا فيما يحدث حولها، لأدركت في هذه اللحظة أن هذا الهدوء واليسر كان مريبًا ومرعبًا أكثر من وجود حراس في هذا الوقت وفي هذا المكان .
لكن يبدو أن خوفها على نزار في هذه اللحظة لغى كل عقلانية قد تتسم بها .
ونزار ذلك العاشق يسير خلفها هائمًا، كما لو كانت تجذبه ملقية عليه تعويذة سحرية، الفتاة لم تكن تبذل أي جهد حتى لتبهره، يكفيه أن تبتسم لتلتمع عيناه .
نعم تمامًا كما تفعل الآن بمجرد أن أبصرت نفسها تقف معه على بوابة القصر الخلفية دون أن يحيل أحدهم بينهم وبين الحرية.
استدارت بسعادة كبيرة وهي تهتف دون تصديق :
_ لقد …فعلناها…يا ويلي نزار فعلناها، لقد …لقد ساعدتك في الهرب من حصون مشكى، هذا …..شيء يُخلد في التاريخ .
ونزار رغم معرفته أن خروجهم بسلام الآن كان في المقام الأول بتخطيط ومباركة من أرسلان نفسه، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتوبة، فليحترق أرسلان:
_ نعم وكل هذا بفضل الله أولًا، وفطنتك ثانيًا، لولا وجودك معي الله وحده يعلم ما كان سيحدث، ربما فاجئني أحدهم دون توقع وسقطت بين ايديهم مجددًا .
اتسعت عيون توبة وهي تتخيل ما كان سيحدث لو تحقق ما قاله :
_ لا قدر الله، جيد أنني كنت معك وساعدتك .
جاراها نزار بالكلمات :
_ الحمدلله .
نظرت حولها وهي تطمئن أن كل شيء آمن :
_ اعتقد أن بوابة الخروج من جدار القلعة هناك من هذه الجهة، هل ارشدك لها لأطمئن أكثر.
اوقفها نزار عن التحرك وهو يمد ذراعه يقطع طريقها صوب الجدار الخاص بالقلعة :
_ إلى هنا وانتهى دورك سمو الأميرة، أنا سأباشر من هنا وحدي، ولا تقلقي كل شيء مُخطط له .
توقفت ونظرت لذراعه ثواني قبل أن ترفع عيونها له تنظر له بتردد كبير :
_ هل …ستكون بخير ؟؟
_ سأكون .
_ عدني ؟؟
_ لا أعد بما لا أطيق حمله سمو الأميرة، يكفيني وعدًا واحدًا معلقًا في رقبتي والله وحده يعلم كيف سأنفذه .
كان الخوف يرعد داخل صدرها وهي تنظر له من خلف لثامها، تتحدث دون وعي :
_ أي وعد تقصد ؟؟
_وعد قطعته على نفسي، عسى الله يمنحني القوة لأن انفذه .
_ كن بخير نزار رجاءً.
ابتسم لها بسمة صغيرة:
_ عساني أكون بخير كي أعود واطالبك بدينك .
ضيقت ما بين حاجبيها بعدم فهم لكلماته :
_ دين ؟!
_ تدينين لي بحياتك، لي طلب لا يُرد … تتذكرين ؟؟
فجأة لمعت في عقلها ذكرى قريبة تشعر بها بعيدة لتبتسم بسمة صغيرة :
_ فقط عد بسلامة ولك مني طلبًا لا يُرد سائله نزار .
_ أرى أنكِ بدأتي تتواضعين معي هذه الفترة، هل هذا لأجل الوداع ؟؟
_ عساه ألا يكون وداعًا، لعلّ الله يكتب لنا لقاء آخر..
ابتسم لها وهو يرفع اللثام وأخيرًا فوق وجهه يتجهز للرحيل :
_ إذن هل أجدك في انتظاري إن كان لنا لقاء ؟؟
كان يتحدث وهو يتحرك بعيدًا ينظر لها منتظرًا أن تمُنّ عليه بكلمات تروي ظمأه وتشدد من عوده وتقويه على ما سيلقي به نفسه .
_ فقط عد بخير نزار .
_ هذا ليس جوابًا سمو الأميرة.
امتلئت عيون توبة بدموع منعتها بصعوبة وهي ترسم بسمة واسعة على فمها:
_ جوابي سأمنحه لك حينما تعود سمو الأمير.
_ سأعتبر هذه إجابة بنعم، وأنكِ ستنتظريني توبة .
قاومت توبة حتى آخر لحظة الاعتراف باهتمامها به، هذا إن تواضعت مشاعرها واكتفت بوصفها بكلمة فقيرة كـ ” اهتمام” ليته كانت اهتمامًا، فتفقده، ويا ليت كان شغف فيبهت .
يا ليت ويا ليت، لكن ما الأماني إلا رغبات مكبوتة مقيدة بالحياة، تنتظر الخلاص .
سقطت دمعة فشلت في كبتها كما فعلت بمثيلاتها :
_ فقط…. أنا….كن بخير نزار…. لأجلي ارجوك.
كانت كلماتها الأخيرة خافتة فلم تصل له، أما عنه ابتسم بسمة واسعة وهو يرفع يده يضعها على قلبه في بادرة بدت كما لو أنه يؤدي لها تحية، لكنه في الحقيقة كان يوصيها بقلبه .
_ السلام عليكم سمو الاميرة .
ومن بعد هذه الكلمات تلاشى خيال نزار بين الظلمات تاركًا توبة تتابعه بعيون دامعة، تحاول الابتسام وعدم الركض خلفه تترجاه البقاء والعودة :
_ وعليكم السلام…نزار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ الصبر ليس فقط مفتاح الفرج يا عزيزي، بل هو دليلك للوصول إلى قمة النصر، لذلك كانت نهاية كل من سبقني هي الدفن في التراب .
ختم أصلان كلماته وهو يعتدل ينظر لوجه أحد رجاله يتحدث بجدية كبيرة وهو يراقب جرحه الذي عالجه منذ ساعات بعدما نجى بصعوبة من طعنة سالار:
_ نحن لم نخسر دزرينة من جيوشنا لأجل تحطيم كل شيء في غمضة عين، لأن البعض منكم لا يطيق صبرًا لرؤية ما اخطط له .
نظر الرجال لبعضهم البعض وقد بدأ الضيق يحتل النفوس من كل ذلك الانتظار فمنذ لحظة اقتحام الممالك والجميع يترقب لخطة أصلان التي يدفنها داخل نفسه ولا يدركها سواه هو وعدد ضئيل للغاية من رجاله .
فجاة أبصر الجميع الوليد يتحرك صوب الحجرة بملامح سوداء وما تزال بقايا أثر المعركة مرسوم على وجهه .
يجلس في ركن الحجرة دون كلمة واحدة، ليبتسم له أصلان يضيق عيونه :
_ أراك تعيسًا يا الوليد، كل هذا لأن صديقك لم يعد معنا .
رفع له الوليد عيونه بغضب شديد :
_ صديقي هذا هو نفسه الشخص الذي ضحيت بالكثير من رجالي في الممالك لأجله أصلان فلا تنس ذلك .
_ وإلا ماذا يا الوليد ؟؟
نظر له الوليد بعدم فهم لثواني من انحراف الحديث لجهة أخرى، هو فقط كان يذكر أصلان بما عاد لأجله، لكن يبدو أن أصلان كان يمحي كل من يشتم منه رائحة عصيان ولو كانت بعيدة، هو ليس باحمق ليغامر بما وصل له، ليس قبل أن يبصر الممالك رماد …
_ عما تتحدث أنت ؟!
ابتسم له أصلان يجيب ببساطة:
_ أخبرتني أنك جئت لأجل إنقاذ رفيقك فقط، وأنا أخبرك ماذا لو لم أفعل ؟!
اشتعل وجه الوليد في ثواني وهو يقترب خطوات سريعة من أصلان يهتف بصوت قوي غاضب :
_ وإلا كما انقلبت عليهم لأجل رفيقي سأفعل لأجله مرة ثانية وهذه المرة لن يكون انقلابًا على الممالك أصلان.
صمت يهتف بصوت خافت محذر لا يصل سوى له وقد بدأت نبرته تتحول بشكل مخيف :
_ ماذا تظن أنت ها ؟؟ تعتقد أن اليومين اللذين قضيتهما هنا سيؤهلانك لتفرض سيطرتك على هؤلاء الخنازير ؟؟ عزيزي أنا هنا قبل أن تدرك أنت أن هناك ما يُسمى منبوذين، نجوت من كل إبادة حصلت للمنبوذين، أتظن أنك قد تمسني بسوء .
اشتعلت عيون أصلان وقد أبصر أمام عيونه ما يخشاه، الوليد لم يكن بالهين، كان ثعبانًا استطاع إيقاع من حوله دون أن يُمس سوى بخدوش قليلة فقط .
تنفس أصلان بصوت عالي، وهو يبصر ابتعاد الوليد مبتسمًا بشر :
_ وللعلم ما ضاع في الهجوم الأخير مجرد عدد قليل ممن اتحكم أنا بهم، لم افني سنوات عمري داخل المستنقع هباءً عزيزي، يلزمك سنوات طويلة لتصل لما وصلت أنا له .
ختم حديثه وهو يشير له بإصبعه محذرًا :
_ تذكر ما اخبرتك به، فكما مكنتك من دخول الممالك بجيوشي بكل يسر، سأجعلك تدخل قبرك بيسر أكبر.
ابتسم وهو يتحرك مبتعدًا عنه مرددًا :
_ فقط تضرع لربك أن يعود ذلك الرجل مع رفيقي سالمًا، وإلا لن تضمن ردة فعلي، فأنا لا اغامر برجالي هباءً أصلان.
راقب أصلان ابتعاد الوليد ببطء وهو يدرك في هذه اللحظة أن المنافس الأول له في الجحر لم يكن ذلك الاحمق أنمار بأي شكل من الأشكال، بل كان أصلان تلك الحية التي تختبأ في جحر صغير تنتظر اللحظة المناسبة لتخرج وتلدعك .
وهو ما سمح يومًا بوجود يد عليا عليه في أي مكان، ولن يسمح الآن كذلك …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحرك خارج منزلها بملامح جامدة وبشدة، وجه قد اشتد شره، وبدا كما لو كان لوحًا صخريًا لا روح به، يسير دون كلمة، وقد حدث ما خشى منه، فاطمة تركته للمرة الثانية ..
اغمض عيونه بقوة يحاول أن يتمالك نفسه وهو يتحرك صوب حصانه، ومن ثم انطلق للقصر بجمود كبير وقد اصبحت الحياة أمامه باهته.
_ ليتني لم اقابلك يومًا فاطمة، على الأقل لم أكن سأتذوق حياتي معكِ فأفتقدها حين رحيلك، ليتكِ تركتني جاهلًا معنى النعيم في وجودك والجحيم في غيابك .
ظل شاخص الأبصار أمامه دون كلمة إضافية، حتى وصل للقصر بهدوء شديد، يقود حصانه بكل بساطة صوب الاسطبل، ومن ثم وكأن لا شيء حدث تحرك بكل يسر داخل القصر وهو يشمر اكمامه ينتوي تغيير ملابسه والذهاب للتدرب عله ينسى ما يحدث معه .
لكن في طريقه توقف حينما سمع صوتًا خلفه يهتف :
_ المعتصم…
توقف قلبه وتوقف جسده بالكامل وهو يهتف داخل عقله أنها ليست هي، ليست هي فاطمة، وياليتها كانت .
استدار ببطء يرسم بسمة صغيرة محترمة على فمه يميل برأسه نصف ميلة :
_ جلالة الملكة .
_ لقد بحثت عن فاطمة في غرفتها لأجل طعامها، لكنني لم أجدها، هل كانت معك في الخارج، فقط أعطها هذا الطعام و…
قاطعها المعتصم ببساطة شديدة ينفي برأسه ومايزال يحمل نفس البسمة :
_ لا لم تكن، كنت وحدي .
اتسعت عيون سلمى بعدم فهم وقلق :
_ ماذا ؟؟ كيف ؟! لقد بحثت عنها في كل مكان وليست هنا، وأنت سألتني عنها وظننت أنك وجدتها و….هل يعقل أنها في غرفتك، هل يمكنك التأكد رجاءً و…
قاطعها المعتصم بهدوء شديد ونبرة ثابتة بشكل مريب :
_ لا ليست في غرفتي، هي ليست في القصر بأكمله، وليست في مكان، لقد …رحلت، ولولا أنكِ تقفين أمامي الآن تسألين عنها لظننت أنها سراب ابتدعه عقلي فقط ليمرر أيامي التي أحياها وحيدًا .
اتسعت بسمته بقوة :
_ جيد أنني مازلت احتفظ بعقلي بعد كل شيء .
كانت سلمى تتابع ما يقول وهي ترى نظراته الغريبة وحركات جسده الأغرب وكلماته المريبة :
_ هل …هل أنت بخير ؟؟ ما الذي تتحدث عنه ؟؟ كيف تتحدث بهذه البساطة وزوجتك مفقودة و…
وللمرة الثانية قاطعها المعتصم ببساطة شديدة:
_ هل كانت حقًا ؟؟
نظرت له سلمى بعدم فهم وخوف من حالته ليبتسم وهو يفسر مقصده :
_ هل كانت زوجتي حتى ؟؟ لا أعتقد..
تنهد بصوت مرتفع وهو يراقب المكان حوله :
_ لا أعتقد أن وقوفنا بهذا الشكل في هذا الوقت لائقًا، لذا استأذنك مولاتي، تصبحين على خير .
ختم كلماته يتحرك بكل بساطة من أمام سلمى التي كانت تراقبه بصدمة كبيرة وهي تحاول إدراك ما يحدث حولها في هذا المكان .
أما عن المعتصم فدخل غرفته ببساطة وهو يخلع عنه معطفه يلقيه جانبًا، ومن ثم تحرك يخرج ثوب القتال مقررًا التدرب طوال الليل وقد أهمل الأمر مؤخرًا، ربما لأنه أصبح حرًا من ربط فاطمة له، الآن يمكنه ممارسة حياته بشكل طبيعي قبل وجود فاطـــ
عند هذه النقطة من الأفكار أنهار المعتصم ارضًا، أنهار وقد كبت مشاعره بشكل ولد إنفجارًا مدويًا، أنهار يصرخ ويبكي بوجع كبير .
يستوعب ببطء أن حياته أصبحت خالية من فاطمة، بل إنه لم يعد يمتلك حياة من الأساس.
رحلت فاطمة ورحلت معها روح المعتصم ……
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غادر أراضي قلعة مشكى أخيرًا وبدأت رحلته في التوجه لحدود سبز، يودع القصر بأعين مشتاقة وقبل حتى التحرك، تنفس بلوعة من مفارقتها، ولم يكد يستدير ليواصل مسيرته .
حتى انتفض جسده للخلف بصدمة وخوف بسبب إنطلاق صوت في الاجواء بشكل غير متوقع، يضع يده على قلبه بصدمة يراقب ذلك الجسد المستند على الشجرة أمامه يضم يديه لصدره بكل برود ويبتسم باستفزاز :
_ لم اعهدك رقيق المشاعر بهذه الطريقة، والله يا بني كدت أبكي لنظرتك التي تودع بها جدران مشكى هذه، لم أكن أدرك أنك تحمل هذه المشاعر العميقة لمشكى .
كان نزار ما يزال في مرحلة الاستيعاب يحاول التنفس بشكل طبيعي بعدما كاد أرسلان يوقف قلبه منذ ثواني .
في حين أن الأخير يبتسم له بشكل مريب :
_ أفكر في منحك مكانة كبيرة داخل مشكى بعد عودتك كي لا تفارقها مجددًا..
صمت ثواني ثم أكمل:
_ سجين دائم.
نفخ نزار بضيق شديد وهو يتحرك بعيدًا عن أرسلان ومشكى وقد أدرك أن أرسلان أبى ألا تمر ليلته على خير، وأن يكون آخر وجه يبصره هو وجهها .
_ اشكرك افضل أن أكون جثة متعفنة في الجحر على أن أكون سجينًا في مملكة تحكمها أنت.
_ بالتفكير في الأمر فأنت محق، من اعتاد الوحل يصعب عليه العيش في الحدائق.
توقفت أقدام نزار عن التحرك وهو يستدير ببطء صوب أرسلان يرمقه بشر :
_ ألا يمكنك تمرير الليلة أرسلان، لا تفسد مزاجي برؤية وجهك هذا، هيا عد لقصرك ودعني اقضي ما تبقي من ليلتي الأخيرة حرًا بمزاج صافي لا يفسد وجودي .
_ هذا جزائي لأنني الوحيد الذي فكر في توديعك ؟؟ والدك لم يفعلها يا فتى .
_ وأنت تأخذ مكانة والدي الآن ؟!
اتسعت عيون أرسلان بفزع من تلك الفكرة :
_ معاذ الله أن أنجب فتى مثلك، لا ينقصني أن يكون ولدي مثلك .
_ أنا أشفق عليه منذ الآن أرسلان، أن يمتلك الشخص والدًا مثلك لهو شيء مثير للحزن والشفقة والله .
اتسعت بسمة أرسلان بقوة قبل أن يطلق ضحكة صاخبة بددت سكون الليل من حولهم :
_ أنت تفعل بالفعل، والدك الملك آزار تتذكر ؟؟
صمت نزار فجأة يدرك ما قال أرسلان قبل أن يضحك بقلة حيلة :
_ لحظة إدراك، أنني هذا الشخص المثير للحزن والشفقة، إذن سيكون هناك ما اتشاركه مع ولدك .
_ لا تجمع صغيري في جملة واحدة أشعر أنك تلوث براءته لطفلي قبل حضوره حتى .
_ براءة ؟؟ لا أعتقد أن هذه كلمة قد ترتبط بك أو بنسلك بأي شكل من الأشكال، حتى أطفالك سيكونون مثلك أرسلان.
اتسعت بسمة أرسلان بقوة يهتف بجدية:
_ محظوظون هؤلاء الأطفال .
_ لن ننتهي الليلة، أنا سأرحل من هنا فلدي طريق طويل صوب الجحر .
ولم يكد يتحرك خطوة حتى تراجع للخلف بسبب إلقاء أرسلان حقيبة متوسطة الحجم عليه، ليؤدي ذلك لإسقاطه ارضًا بقوة يتأوه بصوت مرتفع .
_ هذه حقيبة طعام للطريق، وضعت لك قارورة مياه كذلك وبعض الاعشاب للجروح .
نهض نزار بصعوبة بسبب وجع ظهره، يفركه وهو يرفع نظره لأرسلان يتحدث من بين تأوهاته:
_ كم أنت أرسلان طيب القلب حقًا ..
_ لا بأس بتدليل الخراف قبل الذبح عزيزي .
اتسعت عيون نزار وهو ينهض بصعوبة يهمس من بين أسنانه وانفاسه قد بدأت ترتفع بقوة :
_ تبًا للذاعة لسانك .
تحرك أرسلان دون اهتمام به، يفك عقدة الحصان الذي يربطه على الشجرة خلفه، يسلم اللجام لنزار الذي نظر له بعدم فهم ليبتسم له أرسلان:
_ بالطبع لن اتركك تذهب للجحر سيرًا نزار .
التمعت عيون نزار وهو يتنفس بقوة، يرفع عيونه بامتنان لأرسلان الذي أكمل حديثه قبل أن يشكره نزار حتى :
_ هذا سيؤخرك ويؤخرنا مما يؤدي لتأخير زفافي، لذا لا بأس بمساعدتك لننتهي من هؤلاء الخنازير، لأجل الورد يُسقى العُليق .
ضغط نزار على اللجام بين قبضته يتمتم بغضب شديد :
_ عُليق ؟؟ إن كنت عليقًا فأنت صبار أرسلان.
ختم حديثه وهو يرميه بنظرة مغتاظة يتحرك بقوة بعيدًا عن المكان يحمل حقيبة الطعام ويجر حصانه، وقبل أن يختفي من أمام أرسلان توقف ثواني يهتف بجدية وهو ينظر لوجه أرسلان الذي كان يتابعه باهتمام:
_ رغم كل ما حدث لك، ورغم كل ما فعلته، ورغم جميع محاولاتك، فلن تستطيع أن تدفن حنانك أرسلان، بدليل أنك الوحيد الذي اهتممت بمساعدتي الآن، ولا تظن أنني صدقت حججك حول تدليل الخراف أو تعجيل زواجك يا أخي.
ختم حديثه بكلمات بسيطة :
_ ألقاك بخير حال إن كتب الله لي النجاة أرسلان، السلام عليكم .
رحل دون أن ينتظر ردًا تاركًا أرسلان ينظر لأثره يهتف بصوت خافت شارد :
_ تصحبك السلامة نزار ……
ــــــــــــــــــــــــــ
ومن بعد اليل الاسود الذي مر على الجميع، كلٌ بحالٍ غير الآخر، أعلن الصباح وجوده بفرض سطوته على السماء وقد انتشر النور في الإرجاء..
تحرك بين الممرات وهو يراقب الجميع ويتحدث معه بعض المستشارين له بجدية:
_ جيد إذن نحن نتقدم، أريد بحلول الاسبوع القادم أن ننتهي من إصلاح جميع الاراضي الشمالية لأجل زراعتها.
ابتسم له المستشار وهو يومأ برأسه، بينما أرسلان أكمل سيره يتحدث بجدية :
_ المحصول الأول تم حصده صحيح ؟؟
هز الرجل رأسه مجددًا ولم يكد يتحدث بكلمة واحدة حتى سمع صوت أرسلان يردد ببساطة :
_ إذن انشر نصفه في الاسواق بنصف سعره، وخصص ربعه لأجل بيت المسلمين، وربع قم بتخزينه حتى ينفذ ما بالأسواق.
توقف الرجل وهو ينظر لأرسلان بعجز :
_ لكن مولاي، هكذا سيكون هناك عجز في المحصول القادم، فنحن إن بعناه بنصف السعر لن نتمكن من تحصيل المبلغ المطلوب لأجل زراعه المحصول القادم و…
توقف أرسلان كذلك ينظر للرجل ببساطة:
_ لا تقلق لن يحدث عجز، هم يدفعون نصف السعر أو ما يقدرون عليه، والنصف الثاني ادفعه من مالي الخاص، فقط أفعل ما أمرتك به حسان.
ابتسم له المستشار بسمة مقدرة :
_ حسنًا، لك ذلك مولاي .
وقبل أن ينسحب حسان ليتولى أمور الزراعة كما أمره الملك، اوقفه أرسلان بنبرة جادة محذرة :
_ حسان … أريدك المرور بنفسك على الاسواق لتتأكد أن لا تاجر سيتاجر بأرواح الشعب، وأن الاسعار التي ستُعرض لهم هي ما أبلغتك بها، الحرب والجوع قد يفسدا النفوس، اعطوا التجار المحاصيل بربع الثمن وتباع بنصف الثمن، ومن لا يستطيع بيت المسلمين مفتوح للجميع.
_ حسنًا أنا فقط أفكر في حل صغير، لماذا لا نوزع النصف على الجميع وبهذا نتجنب كل هذا .
تنهد أرسلان بصوت مرتفع وهو يشرح وجهة نظره لحسان والتي قد يعارضه بها البعض، لكنها خطة النجاة التي خرج بها من الظلمات سابقًا وستبعها مجددًا :
_ نحن يا حسان نحاول النهوض بالشعب والبلاد وإعمارها، إن اعطينا الشعب كل شيء مجانًا هذا سيدفع البعض للتواكل، الأمر كدائرة، رجل يعمل ويشتري ليحيا، عمله هذا إعمار للبلاد، تخيل أن نعطيه ما يريد دون الحاجة لبذل جهد ؟؟ نحن بهذا الشكل نخبره بشكل غير مباشر أن أجلس في منزلك ونحن سنحضر لك ما تريد دون أن ترهق نفسك، وإن جلسوا هم في المنازل ؟! البلاد من يعمرها ؟؟
التمعت عيون حسان بإعجاب شديد بما يفكر به أرسلان، والأخير أكمل ببساطة :
_ لا نزيل الاحمال عنهم فيتواكلوا، ولا نزيدها عليهم فيقنطوا، نحن نخففها عنهم، علّ الله يخفف عنا يوم الحشر يا صديقي، ومن لا يقدر يأخذها مجانًا، هل الأمر واضح لك ؟؟
_ أنت عبقري مولاي، سياستك منطقية بشكل مرعب ..
_ الحياة تعلم الكثير يا صديقي .
ختم حديثه يربت على كتف حسان يتحرك بعيدًا عنه صوب جناح زوجته بعدما انتهى مما يجب فعله في هذه الساعات يفكر في استغلال الساعة التي يتفرغها في محاولة فتح حديث معها وجعل المياه الراكدة بينهما تعود لصفوها .
طرق الباب ينتظر ردها وهو يستعد ليتحدث معها بلطف لا يدري من أين سيحضره، لكنه سيفعل، وهدوء لا يدرك كيف يدعيه، لكنه سيفعل، سمع صوت الباب يُفتح، ليسحب نفس عميق وهو يرفع وجهه بهدوء:
_ سليمى نحتاج للتحد…..
فجأة توقفت كلماته في حلقه وهو يبصر أمامه خالد يفرك عيونه بنعاس ويتثائب بكسل شديد :
_ هل جهز الفطور ؟؟
رمش أرسلان لا يستوعب مايرى أمامه :
_ ماذا… ماذا تفعل أنت هنا، وأين هي زوجتي ؟؟
استند خالد بكسل على الباب يجيبه ببساطة مستفزة :
_ ماذا أفعل هنا؟؟ كنت نائمًا، وأين هي زوجتك؟؟ لقد رحلت منذ الصباح، والآن أجبني على اسئلتي، أين هو الفطـــ….
فجأة قطع أرسلان كلماته وهو يجذبه من ثوبه صوبه يهمس بصوت مرعب خافت :
_ حدد بالضبط ما تقصد بكلمة ” رحلت “، أين رحلت يا هذا ؟؟ أين زوجتي ؟؟
نظر له خالد بصدمة وعدم فهم لتلك الملامح التي تعلو وجهه :
_ هييه أنت دعني، اخبرتك أنها راحلة ولا أدري لأين، لقد استيقظت على صوتها في الصباح وهي تردد أنها ستترك القصر لبضعة أيام حتى تؤدبك .
اشتعل وجه أرسلان بقوة وقد شعر بغضبه يكاد يفجر المكان حوله، يترك خالد بعنف ليتراجع الأخير للخلف يتماسك بصعوبة لئلا يسقط أرضًا.
بينما أرسلان شعر بنيران تشتعل بصدره وقد أسود وجهه بشكل مرعب حتى أنه لم يدرك لشدة غضبه أن خالد كان نائمًا بجناح زوجته.
همس بصوت مخيف يتحرك صوب الحراس الذين كانوا يناوبون على البوابات طوال اليوم :
_ الويل لكم جميعًا إن مسّ زوجتي سوءًا …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ إذن يا …تاج صحيح ؟؟
ابتسم تاج بسمة واسعة، وهو يحدق في تلك المرأة المختلفة بانهبار شديد واحترام أكبر:
_ نعم سيدتي اسمي تاج الدين، أنا قائد الحرس في هذه المنطقة .
اتسعت بسمة سلمى وهي تسير معه بهدوء تراقب الاسواق حولها :
_ لي الشرف في السير معك سيد تاج، أخبرني إذن هل اقتربنا من المنزل ؟؟
_ نعم اقتربنا كثيرًا من هنا لو سمحتي سيدتي .
ابتسمت سلمى وهي تسير خلفه تراقب رجل راقي في هيئة مراهق، الأمر الذي أثار تعجبها، إذ يبدو لها الصبي ناضج أكثر من الكثير من الرجال في عالمها من الأساس.
كانت تراقب الاسواق بهدوء شديد وهي تسير مرتدية ثوبها المعتاد منها مع حجاب بسيط وفوقهم ترتدي معطف أرسلان تخفي به نصف وجهها .
تتعجب لماذا يحدق بها الجميع بهذا الشكل، ويبدو أن تاج لم يكن فقط ناضجًا، بل فطن كذلك، إذ قال ببسمة:
_ معطف الملك.
نظرت له بعدم فهم ليوضح ما يقصد :
_ الجميع يحدق فيكِ بفضول لأنكِ ترتدين معطف الملك، من المتعارف هنا، أن الرجل لا يمنح معطفه أو عباءته إلا لمن يقع تحت حمايته وأهل منزله، يمكنك القول أنها بمثابة إشارة واضحة للجميع أن هذه المرأة تنتمي بشكل أو بآخر للرجل الذي منحها عباءته .
توقفت أقدام سلمى بصدمة كبيرة وهي تحدق في ظهر الصغير بعدم فهم، تحاول ترجمة كلماته، تنظر لمعطف أرسلان بأعين زائغة.
أرسلان منحها المعطف منذ أول مرة ابصرها بها، وقبل حتى أن يفكر في الزواج بها، هل …ربما كان مضطرًا بسبب ثوبها، لكن بعد ذلك؟! كان يمكنه ببساطة أن يدفعها صوب غرفتها لتغطي نفسها، لكنه كان يكتفي بمنحها معطفه في كل فرصة .
همست بصوت منخفض دون شعور :
_ لقد ….البسني أرسلان معطفه الملكي ذات مرة، يوم عقد القرآن.
توقفت أقدام تاج وهو يستدير لها بانبهار :
_ ارتديتي المعطف الملكي ؟؟ هذا …رائع، يبدو أنكِ تعنين الكثير للملك ليمنحك معطفه الملكي، لم يسبق أن فعل أحد الملوك هذا الأمر مسبقًا سوى الملك آزار حسب ما أخبرني أبي، سبق ومنح معطفه ذات مرة لزوجته لشدة حبه لها فالمعطف الملكي لا يُزين أكتاف أحدهم سوى الملوك، ولا يُنزع منهم إلا حينما يتنحون عن العرش تاركين مكانتهم لمن يتبعهم، فوصف البعض الأمر بأن من يمنحه الملك معطفه وكأنما يمنحه مكانته وأكثر بشكل ضمني .
تجمد جسد سلمى وهي تفكر في كلماته برأس يدور من الصدمة، تفكر كل هذا يقبع خلف فعل بسيط ؟!
ختم تاج كلماته وهو يتحرك أمام سلمى وهو يلقي التحية على كل من يقابله، وهي تسير خلفها تستكشف الكثير مما جهلت من هذا المراهق.
التي لم تستطع الصمت أكثر تتساءل للحصول على المزيد من المعلومات:
_ وهل هذا الأمر يختلف عن ارتداء المعطف العادي ؟؟
ضحك تاج الدين وهو ينحرف بها في شارع ضيق صغير :
_ بالطبع أن يمنحك رجل معطفه هو إشارة منه على أنه يحيطك بحمايته كما اخبرتك، وكما يفعل الملك الآن بوضعه معطفه الخاص عليكِ، لكن أن يمنحك ملكٌ معطفه الملكي لهو أمر اكبر بكثير في تاريخنا حيث تناقل الجميع حكايات عن هذا الأمر كما أخبرتك.
فتحت سلمى فمها للتحدث، لكن فجأة توقفت وهي تشعر بجسد يصطدم بها بقوة كبيرة، مسقطًا إياها ارضًا دون اهتمام، رفعت عيونها لصاحب ذلك الجسد ترمقه بحدة، لتبصر فتاة شابة في منتصف عقدها الثالث تقريبًا ترمقها بنظرات غريبة، ولم تعتذر حتى، بل اكتفت بأن تشملها بنظرة سوداء، ومن ثم تحركت بعيدًا وهي تتم ببعض الكلمات :
_ هذا ما ينقص البلاد، بالإضافة للدمار، تأوي المفسدين كذلك .
اتسعت عيون سلمى تبتسم بعدم تصديق لما سمعت، تستدير صوب الفتاة التي رمتها بنظرة ساخرة وكأن سلمى تسير بخمسة أذرع، بينما الأخيرة تتابعها بعدم فهم .
_ هيييه أنتِ ما بكِ توقفي هنا وتحدثي بصوت مسموع.
زفر تاج الدين بحنق وهو يحدق بظهر الفتاة :
_ لا عليكِ منها جلالة الملكة، اتبعيني كدنا نصل لمنزل فاطمة.
سارت خلفه سلمى وهي ما تزال ترمق أثر الفتاة بعدم فهم، فهذه المرة الأولى التي تبصرها، ثم كيف تعرفت عليها أنها غريبة عن هذا المكان، حاولت أن تتناسى تلك الفتاة وهي تتحرك خلف تاج الدين تنظر للمكان حولها وقد كانت البلاد في حالة إعمار، إذ استقامت العديد من المنازل التي كانت قد ابصرتها مهدمة آخر مرة، ابتسمت وهي ترى أن مشكى تعود واخيرًا للحياة …
_ وصلنا، هذا هو منزل فاطمة.
ختم حديثه يشير لمنزل فاطمة، نفسه المنزل الذي جائته مسبقًا لكنها نست الطريق، والآن تبصره مجددًا، لكن اسوء من المرة الاولى، فقد كانت آثار الحروق ظاهرة أكثر وأشد وطئًا .
_ ما الذي حدث هنا تاج، هل …يبدو المنزل اسوء مما أبصرته مسبقًا .
_ نعم فقد تعرض المنزل منذ فترة قصيرة لحريق آخر، هذه الفتاة فاطمة مسكينة حقًا .
شعرت سلمى بقلبها يغور في صدرها وهي تقترب من المكان بتردد تشكر تاج بهدوء لمساعدتها، ليرحل الأخير مبتسمًا :
_ إن احتجتي لشيء، تعلمين مكان محل والدتي، أنا هناك اراقب الاوضاع طوال الوقت، وداعًا .
ختم حديثه يهرول بعيدًا عن سلمى التي كانت شاردة بجدران المنزل دون وعي، تقترب منه شيئًا فشيء تحاول أن تتنفس بشكل طبيعي .
_ أعان الله قلبك فاطمة .
دخلت المنزل بأقدام مترددة وهي تبحث في كل مكان عن فاطمة على أمل أن تكون قد عادت البارحة، قلبها يضرب صدرها بخوف :
_ فاطمة صغيرتي، أنتِ هنا ؟!
لكن لم يصلها سوى صمت خانق في الإرجاء، وبعد دقائق طويلة من البحث في المنزل، تراجعت للخارج وقد قررت البحث في الجوار عنها .
خرجت وهي ترفع القلنسوة الخاصة بمعطف أرسلان، لكن فجأة توقفت يدها حين أبصرت جسد يتحرك أمامها، جسد تدرك أنها رأته مسبقًا، حاولت تذكر أين أبصرت هذه الفتاة سابقًا، لكن ذاكرتها لم تسعفها في الأمر، ورغم ذلك لم تهتم وهي تتحرك بعيدًا عن المنزل وكل ما تهتم له في هذه اللحظة هو إيجاد فاطمة حتى اضطرت لطرق جميع الأبواب بحثًا عنها …
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
_ اليوم سيُقام عزاء زوجة أخيكِ قبل زفافها .
زجرت كهرمان زمرد بأعين محذرة وهي تراقب الوضع في الأسفل، حيث ساحة القصر، إذ كان أخوها يتجهز ليحتل مملكة أو يحيلها لرماد بحثًا عن زوجته المتمردة .
_ أوليس هذا متأخرًا بعض الشيء ؟!
نظرت كهرمان بعدم فهم لزمرد، لتكمل الأخيرة موضحة :
_ أعني أن تهرب ويذهب للبحث عنها، ويعاندون ويصرخون وبلا بلا بلا، كل هذه الأفعال متأخرة على علاقتهم، أعتقد أن الأمر كان ليكون منطقيًا لو أقبلت سلمى على الهروب منذ اللحظة الأولى التي أدركت فيها أنها مقدرة لأخيكِ، لكن لا بأس أن تهرب متأخرًا، خير من ألا تهرب .
تنفست كهرمان بصوت مرتفع تحاول أن تتمالك نفسها قدر الإمكان فما يحدث الآن مريب، وغير مفهوم، البارحة فقط كان كل شيء بخير بينهما وكانت سلمى تنتوي تعلم الكثير لأجل أخيها والآن…
_ أفتحــــــوا البوابــــــــــات .
قاطعتها صرخة أرسلان لتنتفض من مكانها بشكل مخيف وهي تنظر صوب الأسفل تدعو الله أن يمرر ما يحدث دون أي مشاكل .
_ يا ويلي من ثورتك أرسلان، ليمرر الله ما يحدث على خير .
_ هذا سيكون ممتعًا نوعًا ما، إلا إن قرر أخوكِ إفساد المتعة والعثور على سلمى بسرعة قبل أن يتلظى بنيران شوقها .
نظرت لها كهرمان من أسفل رموشها بقلة حيلة :
_ يتلظى بنيران شوقها؟! بل سلمى هي من ستحمص بنيران غضبه، فقد لينجدنا الله منه ……..
ـــــــــــــــــــــــــ
مع بداية الصباح وصل واخيرًا إلى حدود الجحر بعد قضاء ساعات الليل بأكمله في رحلته بين مشكى وسبز، وصل واخيرًا ليكون أول ما استقبله وجه أصلان والذي وصله أخبار وجوده قبل حتى أن يصل هو .
ابتسم أصلان بسمة جانبية وهو يضم يديه لصدره يراقب اقتراب نزار منهم، حتى توقف حصانه أمامهم.
ردد الأخير بسخرية وهو يراقبه:
_ مات في الجحر خنزيرًا فاستراح الناس من أذاه، فخلف الخنزير وسخًا فاق في القذارة أباه.
_ حسب ما أتذكر أنك كنت طبيبًا نزار ولست حكيمًا .
_ حسنًا يمكنك القول أن هذه إحدى مميزاتي الكثيرة، أنني فنان شامل من جميع النواحي.
ابتسم له أصلان وهو ينظر حوله ثم تحدث ببساطة دون اهتمام بكلماته :
_ أراك وقد عدت مجددًا، خير ؟!
_ صدقني لم يدفعني لهذا المكان، سوى أن لا مكان لي سواه، ليس حبًا فيه وبالطبع ليس شوقًا لقاطنيه، بل إن سمح لي الزمان لهربت لآخر العالم من رؤيتكم..
رفع له أصلان حاجبه بسخرية، هذا بالتحديد ما يثير ريبته، كيف يعود باقدامه وهو لا يطيق حتى النظر في وجوههم ؟!
_ تمتلك من الشجاعة ما يجعلك تأتيني بأقدامك وتتجرأ على اهانتي، شجاع أكثر مما توقعت نزار، ظننتك لم ترث من والدك سوى عيونه، اتضح أنك تمتلك نفس التهور .
_ نعم نحن عائلة لا قيود تحجمها، والآن ستدعني أدخل أم أعود لأبحث لي عن مكانِ آخر بعيد عن مكب النفايات هذا ؟؟
وقبل أن يجيبه أصلان بكلمة وقد كان الشك يساوره حول وجوده في هذا المكان خاصة بعد أسره من قبل جيش مشكى، لكن قطع كل ذلك اندفاع الوليد والذي ما إن بلغه خبر تواجد نزار حتى هرول يستقبله بالاحضان .
هبط نزار عن حصانه يستقبل الوليد ببسمة صغيرة، بينما الاخير يضمه بسعادة كبيرة :
_ الحمدلله أنك بخير، خفت ألا تصل سالمًا، أرسلت لك أحد الرجال لكي يخرجك أرى أنه نجح .
هز له نزار رأسه:
_ نعم استطاع استغلال انشغال الجميع بصد الهجمات واخرجني، لكن في الطريق للخروج كدنا نكشف فطلب مني الذهاب وهو سيضللهم، ولا أدري إن كان حيًا أم لا .
ردد الوليد براحة لرؤية نزار بخير :
_ لا يهم المهم أنك بخير و…
توقف حين أبصر نظرات أصلان، ليمسك بمرفق نزار وهو يجذبه معه للداخل :
_ تعال سنتحدث في منزلي .
ومن بعد هذا سحبه دون اهتمام بمن حوله، ونزار لا يفهم ما يحدث هنا، ولا ما الذي يدور بين الوليد واصلان، إذ أنه لو كان يمتلك أصلان أي نية صغيرة في طرده شر طردة، فقد تلاشت هذه النية بعدما أبصر الوليد وهذا شيء عجيب سيكون سعيدًا بمعرفة سببه.
تحرك معه ينظر لظهر أصلان يفكر بالقادم والذي يخفي له مستقبل مجهول والسؤال الذي يدور في عقله الآن.
كيف سيعلم خطتهم من الأساس واصلان يثق بالذئاب الضالة، ولا يثق به ؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ساعات تدور بين الاسواق لا تدري لها من مخرج وكأنها دخلت متاهة دون أن تشعر، أين هي وماذا تفعل وماذا ستفعل، لا تعلم، حتى لا تستطيع الوصول للنقطة التي التقت فيها قبلًا بتاج .
توقفت في المنتصف وقد قررت أن توقف أي عربة وتسألها أن تقلها صوب القصر، لكن ببساطة لا أحد توقف إذ كانت جميع العربات خاصة بالتجارة وحمل البضائع .
زفرت بصوت مرتفع وهي تتحرك صوب أحد البائعين تسأله بثوت خافت ولطف :
– مرحبًا، إذا سمحت كيف أصل للقصر هنا ؟!
نظر لها الرجل ببسمة صغيرة وهو يهتف بلطف رغم التعجب البادي على ملامح وجهه إلا أنه لم يتدخل في المرأة أمامه يجيبها ببساطة :
_ عليكم السلام يا ابنتي، منطقة القصر ؟؟ نعم هو قريب من هنا مسافة عشر دقائق تقريبًا من هذا الإتجاه .
ختم حديثه يشير صوب أحد الاتجاهات، لتبتسم بشكر وامتنان، تتحرك حيث أشار الرجل، تتنهد براحة وقد قررت أنها اكتفت لليوم، ويبدو أن أرسلان كذلك قد تأدب فهي منذ ساعات وهي خارج القصر، ستعود الآن ويكفيه ما غابته منذ الصباح .
تحركت لجهة القصر كما وصف لها الرجل .
وبعد لحظات من اختفائها، عمت الفوضى في السوق بسبب انتشار حراس الملك وقد تحرك أرسلان بين الجميع يبحث عنها بأعين مشتعلة بالغضب يخفي خلفه أمواج من الرعب، يدعو الله أن تكون بخير .
_ هددت ونفذت ما قالته، هذه المرأة…
كتم صرخة غاضبة كادت تخرج من فمه وقد بدأ يسأل عنها جميع الباعة في السوق .
أما عنها فقد تحركت صوب الجهة التي وصفها العجوز وهي تتنهد بحزن تفكر في مكان فاطمة تتمنى أن تعود للقصر وتجدها هناك .
ظلت تسير دقائق طويلة حتى اصطدمت وأخيرًا بمبنى شاهق الارتفاع في غاية الرقي والفخامة تنطق كل حجارة به بالبزخ، قصر كبير ضخم يحتل حيزًا كبيرًا من الأرض أمامها، كان رائعًا نعم، لكنه لم يكن المقصود البتة .
_ مهلًا هذا ليس قصر أرسلان ؟؟ هل ارشدني الرجل لمكان خاطئ .
تراجعت وهي ترى أن العجوز أخطأ في الوصف واوصلها لقصر غير الذي كانت تبحث عنه .
وما ادراه أنها تسأل عن قلعة مشكى ؟؟
خطت للخلف كي تبتعد عن ذلك القصر وتعود للسوق مجددًا، لكن لم تكد تفعل حتى تجمدت أقدامها بصدمة وصوت صرخات مدوية تنطلق من داخل ذلك القصر .
ونعم ربما لو كانت حمقاء فضولية لكانت هرولت الأن صوب القصر بخوف كي تستكشف وتعلم سبب الصرخات، لكن لا هي ليست كذلك وقد علمها عملها أن الجهل احيانًا يكون ابسط الطرق للنجاة، وهي في هذه اللحظة اختارت الجهل سبيلًا، تهرول بعيدًا قبل أن يطالها أذى لم تطلبه.
_ حسنًا كنت سأكون سعيدة باستكشاف ما يحدث، لكنني لا أفضل الموت في هذا الوقت من العام..
تحركت مبتعدة عن الأذى، والاذى أبى الابتعاد عنها، إذ فجأة سمعت صوتًا صاخبًا خلفها يصرخ بصوت مرتفع بكلمات كثيرة غير مفهوم منها شيئًا سوى اسم واحد استطاعت التقاطه من بين كل الكلمات ” أرسلان” .
ابتسمت سلمى بسمة حانقة وهي تستدير ببطء صوب القصر، تراقبه بأعين ملتمعة وصوت الفضول والخوف على أرسلان يحثها على الاقتراب من القصر واستكشاف ما يحدث، لكن صوت العقل بها اوقفها :
_ أوه هل سنرضخ الآن للمصائب ونركض خلفها كأي بطل غبي لفيلم سخيف يلقي بنفسه بين المشاكل لأجل فضوله، ظننت أننا اذكى من هذا سول.
صمتت ثواني وهي تراقب القصر، ومن ثم تحركت صوبه بسرعة كبيرة وهي تتحدث بصوت خافت :
_ نعم أذكى من هذا، لكن ليعلنهم الله إن أرادوا بأرسلان سوءًا، سيفقدون الرجل عقله بسبب الاعيبهم، ماذا سأعالج أنا به وهم يستمرون في إنتاج أمراض نفسية كل ثانية داخله .
ختمت حديثها تتحرك بمهارة للقصر وهي تبحث لها عن مدخل، لكن يبدو أنه كان محصنًا بشكل جيد، ولم تستطع الدخول، تراجعت للخلف تنظر لجدرانه بغضب شديد، لكن من بين موجة غضبها أبصرت فجأة ما جعل عيونها تتسع وهي تختبأ بسرعة خلف أحد جدران القصر بعيدًا عن الأعين تراقب ما يحدث بأعين متسعة وقد أبصرت العديد من الرجال يتحركون خارج القصر بأوجه مغطاه يحملون حقائب كبيرو بعض الشيء .
وقد بدأ أحدهم يتحدث بالفارسية لتعجز عن فهم الكثير من كلماتهم عدا القليل فقط والذي لم يكن مبشرًا بالمرة .
ابتلعت ريقها وهي تحاول جاهدة ترجمة ما تسمع منهم، لكن القليل فقط ادركته والباقي لم تفهم منه شيئًا لتهتف بالبرتغالية حانقة:
_ ليتني استمعت لأبي وتعلمت الفارسية كذلك، تبًا لكم تحدثوا بالعربية حتى ..
فجأة توقف أحد الرجال وردد العديد من الكلمات لم تفهم منها شيئًا عدا شيء واحد جعل جميع حواسها تنتبه بقوة وهي تردد بصوت خافت وعدم فهم :
_ منتصف هذا الشهر ؟!
وعند هذه النقطة أبصرت سلمى الرجال يتحركون بعيدًا عن القصر لتبتعد هي عن الأبصار وهي تراقبهم حتى اختفوا بشكل تام من المكان، وهي ظلت مكانها تتنفس بعنف شديد تحاول أن تتماسك، مدركة أن وجود هؤلاء الاشخاص في هذا المكان وهذه الصرخات، ليست نذير خير البتة .
_ ما الذي يحدث في هذه البلاد ومن هؤلاء وما غرضهم الخفي، وما هذا القصر المريب ؟! أشعر أنني تم الإلقاء بي داخل أحد افلام الغموض والمغامرة .
ابتعدت عن القصر وهي ترميه بنظرة غامضة، تتحرك بعيدًا عنه بسرعة قبل أن يحدث ما لا يُحمد عقباه، تهرول في الاتجاه الذي ظنت أنها جاءت منه، لتكتشف في نهاية المطاف وبعد هرولة لدقائق أنها….
_ مرحى يا سول، يبدو أن أرسلان لن يكون الوحيد الذي سيتأدب من هروبك اليوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
استيقظت على صوت ضوضاء حولها تحاول إبصار مصدر ذلك الصوت والذي كان غريبًا عليها، رفعت رأسها بصعوبة وقد شعرت بها تيبست بسبب جلستها غير المعتدلة، أو ربما لم تكن جلسة .
تأوهت بوجع وقد أدركت أن ما تسبب في ألم عظامها لم يكن جلستها، هي لم تنم جالسة كما ظنت، بل كانت مكبلة في عربة قديمة .
عند هذه الحقيقة انتفض جسد فاطمة وهي تحاول الصراخ، تحرك جسدها بقوة حركات تسببت في إعلام السائق بأستيقاظها .
فجأة شعرت بحركة العربة تتوقف، وصوت يهدر من الجزء الامامي لها بصوت سعيد :
_ فاطمة جيد أنك استيقظتي، لقد كدنا نصل لوجهتنا عزيزتي، ها نحن ذا .
اتسعت عيون فاطمة بقوة وحاولت أن تتحدث، لكن خاب رجائها وقد كانت القماشة أعلى فمها تمنعها، سقطت دموعها بضعف وهي تلقي رأسها على أرضية العربة مجددًا تناجي ربها، تنادي المعتصم بعجز وصوت الرجل في الأمام يصفر ويغني بسعادة.
_ لا تقلقي فاطمة حبيبتي كدنا نصل لسفيد، اقسم لكِ أنني سأحسن التعامل معكِ ولن أدع أي سوء يمسك عزيزتي .
سقطت دموع فاطمة أكثر وأكثر وهي تضرب العربة بقدمها تحاول الفكاك، لكن لا حياة لمن تنادي، لم يتحرك الرجل في الأمام خطوة واحدة.
وبعد حركات كثيرة مزعجة توقف واخيرًا بعربته على جانب الطريق، ومن ثم تحرك صوب العربة بغضب شديد يفتح بابها لتبصر اخيرًا صاحب الصوت، وتتسع عيونها وقد تعرفت عليه، حاولت التحرك وهي تصرخ صرخات مكتومة، بينما الرجل تحرك صوبها يجذب جسدها له بشكل جعل الأخيرة تتلوى بين يديه وقد أحمر وجهها بشكل مرعب لشدة البكاء والمقاومة وقد بدأت انفاسها تتلاشى .
لكنه لم يهتم ولم يبصر سوى مستقبله الذي رتب له يقترب منه، يراقبها بحب شديد وجنون تمكن من كل ذرة بجسده :
_ توقفي عن المقاومة فاطمة انتهينا، انتهينا من ذلك الفصل في حياتك، تبقى فقط أنا وأنتِ، فاطمة وإلياس.
اشتد بكاء فاطمة وهي تحاول الإفلات منه، لكنه أجبرها عن التوقف وهو يجذب رأسها له يطيل النظر في عيونها لا يبصر خوفها أو يشعر بارتجاف جسدها، بل ما ابصره كان انعاكس حبه لها، لم يرى الهلع الذي كاد يفقدها الوعي، بل فقط أبصر مستقبلًا مشرقًا تمامًا كما خطط .
مستقبل لا يفسده وجود دخيل .
_ اششس لا تقلقي حبيبتي، سوف يكون كل شيء بخير فاطمة، كل شيء سيكون بخير، حينما نصل للمنزل سأريكِ غرفتك، غرفتنا سويًا ها ؟؟ وسأحضر لكِ كل ما تتمنين، أقسم أنني عملت لسنوات بلا توقف لأجل أن اعوضك كل ما تطلبين .
ارتعش جسد فاطمة وقد اوشكت على السقوط في حالة من اللاوعي وقد بدأ عقلها يمارس لعبته المفضلة ..
الهروب من الواقع..
اقترب منها إلياس يستند برأسه على خاصتها يهمس بنبرة تملك وعشق :
_ لن يستطيع أحدهم أن يفرق بيننا ما تبقى من حياتنا، انتهى كل شيء واصبحتي لي ومعي ..
رفعت له فاطمة عيون مرتجفة وقد اشتد احمرارها بسبب البكاء، تراقبه برعب تدعو الله في صدرها أن ينقذها من ذلك المجنون .
فجأة ومن بين كل ما يحدث انتفض جسد إلياس على غرار جسد فاطمة حينما سمع الإثنين صوت قوي جهوري يهتف :
_ لماذا تقف هذه العربة على الحدود بهذا الشـــكل ؟؟
اتسعت عيون فاطمة بقوة وهي تصدر اصواتًا مكتومة تحاول أن تصدر حركة كي ينقذها أحدهم، لكن لم تكد حتى تحرك جزء واحد من جسدها حتى شعرت برأسها تصطدم بقوة في جدار العربة، لتسقط من فورها ارضًا ويلقي عليها إلياس بعض الأغطية والصناديق الفارغة مما تسبب في إخفاء جسدها بالكامل.
ومن ثم استقام يبتسم بسمة واسعة في وجه رجال الحدود في سفيد يهمس بجدية وهو يشير للعربة ويده تفرك رأسه يتأوه بشكل مصطنع وكأنه هو من اصطدم :
_ لا شيء سيدي فقط سقطت الصناديق الخاصة بي فكنت احاول ترتيبها .
نظر له الحارس بشك وهو يشير بيده :
_ أعطني تصريح الدخول رجاءً.
ابتلع إلياس ريقه وهو يحاول أبعاد الرجل عن العربة مشيرًا بيده إلى مقدمة العربة :
_ أنها…. أنها في الأمام سيدي اتبعني رجاءً.
وبالفعل تحرك معه الحارس بعدما أغلق إلياس بوابة العربة وهو يتنفس الصعداء مبتسمًا بسمة واسعة وعيونه تنطق بالخبث، يمني نفسه بمستقبلًا مشرقًا له ولفاطمة واخيرًا ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل من أبواب القصر والجمود هو ما يمكن أن تبصره على عيونه، انتهى لتوه من جولته لتفقد أمور البلاد والحدود .
وهذا ما كان يظهر للجميع، لكن ما كان يبطنه هو، أنها كانت محاولة أخيرة ليبصر طيفها ويراها، تنهد بصوت مرتفع وقد بدأ يشعر بالعجز واليأس يقيدان كلتا يديه، أين يمكن أن تذهب، قلب العاصمة رأسًا على عقب ولا أثر لها، سأل كل من يمكن أن يكون قد أبصرها ولو صدفة، والنتيجة واحدة …
لا أثر لفاطمة، اختفت زوجته وهو لا شيء يفعله .
الغضب كان كل ما يشعر به داخله، غضب وعجز يجعله يرغب في إشعال قرية كاملة .
_ يا المعتصم، ها أنت ذا …
توقف المعتصم بحصانه وهبط منه بهدوء يشير لأحد الجنود بأخذه، ومن ثم تحرك صوب دانيار بابتسامة غريبة بعض الشيء :
_ السلام عليكم دانيار .
_ عليكم السلام، بحثت عنك بكل مكان لأسلمك الرجال، لقد انتهيت من معسكر التدريب الذي اقمته لهم، وحان وقت رحيلي الآن.
_ ستعود لسفيد ؟!
هز رأسه يردد ببسمة صغيرة :
_ بل سنعود جميعًا، لقد انتهى دورنا هنا …مؤقتًا على الأقل، والآن حان الوقت ليعود كلٌ لبلاده حتى تحين اللحظة المنشودة، وايضًا لننقذ ما تبقى من سفيد من بين يدي تميم .
ابتسم له المعتصم بسمة واسعة وهو يربت على كتفه :
_ أتمنى لكم رحلة موفقة، نلتقي على خير بإذن الله .
_ إن شاء الله، سأتحرك أنا في البداية مع بعض الرجال والملك سيبقى هنا حتى يطمئن على الملك أرسلان ومن ثم سيلحق بنا .
_ يطمئن على الملك أرسلان ؟! ما الذي تتحدث عنه ؟؟
_ أوه يبدو أنك لم تكن واعيًا لما يحدث هنا، لقد جن جنون الملك أرسلان منذ الصباح بسبب اختفاء زوجته، لقد أقام الدنيا وحتى الآن لم تقعد، فقط لنأمل أن سوءًا لم يمسها حتى لا يخرب البلاد فوق خرابها خرابًا .
اتسعت عيون المعتصم بقوة وهو يهمس بعدم فهم :
_ جلالة الملكة اختفت ؟؟ ما الذي يحدث هنا هذه الأيام؟؟؟؟
صمت ثواني ومن ثم خمن بصوت مرتفع :
_ هل يعقل أن اختفاء النساء أمر مدبر ؟؟؟
_ ماذا لا أفهم ما تقول ؟!
نظر له المعتصم ثواني قبل أن يهز رأسه بشكل غريب ومن ثم هرول بعيدًا عنه داخل القصر يهتف يكلمات غير مفهومة تاركًا دانيار يراقبه بعدم فهم …
ــــــــــــــــــــ
في الوقت ذاته كان يسير آخر حاملًا زوجته متحركًا بها داخل منزله مبتسمًا بسعادة يردد كلما أبصر أحدهم يرمقه وبكل فخر وسعادة :
_ هذه فاطمة قريبتي وزوجتي .
ومن ثم تنهال عليه المباركات لتزيد سعادته أكثر وأكثر وكأن تلك المباركات ما هي إلا اعتراف من المجتمع، أنها اضحت كذلك بالفعل .
دخل المنزل وهو يضمها بين يديه بحنان حتى وصل بها للفراش يضعها عليه برقة شديد خوفًا أن تتأذى، ومن ثم مال عليها يبعد حجابها كي يتركها ترتاح في نومتها، لكن بمجرد أن لمس حجابها انتفض جسده مبتعدًا بصدمة حينما أطلقت فاطمة صرخة عالية آتية من عمق روحها، تنتفض كالملسوعة على الفراش بشكل جعل إلياس يخشى عليها أن تضر نفسها، وانطلق يحاول تهدئتها، لكن ما كاد يصل لها حتى وجدها فجأة تهب واقفة عن الفراش وهي تصرخ وتبكي تنادي اسماء عدة، لكن جميع شياطينه تراقصت أمامه حنيما رددت بكل قهر اسم غريمه .
_ يالمعتصـــــــــــــــــــم .
وعند هذه النقطة ودون وعي منه أو شعور حتى رفع كفه وهو يهبط على وجنتها بصفعة رنّ صداها في الإمكان بأكمله، لتترك الصفعة فاطمة، فاقدة لكل إشارات الحياة ………
ــــــــــــــــــــــ
كان يجلس أمام الوليد وهو يحاول الوصول لأي معلومة قد تساعده فيما جاء لأجله، لكن الوليد لم يكن يفعل سوى أنه يدفع الطعام أمامه كلما تحدث بكلمة وكأنه دجاجة تغذي صغارها .
زفر نزار بصوت مرتفع يتناول بعض اللقيمات يخفف بها اصرار الوليد على اطعامه ويعين بها جسده على القادم، يتحدث بكلمات حاول إخراجها بنبرة طبيعية :
_ لم أتوقع أن أخرج من بين يدي أرسلان ظننت أنني سأقضي المتبقي من حياته بين سجون مشكى.
_ وعدتك أن اخرجك أخي، ولم أكن لأحنث بوعدي ولو عني ذلك أن اضحي بالكثير من رجالي واساعد الحقير أصلان في خطته .
ابتلع نزار الطعام في فمه وهو ينظر له بجدية وقد ضاقت عيونه بعض الشيء :
_ أي خطة هذه ؟! ما الذي ينتوي عليه أصلان ؟!
ونعم كانت المباشرة خير وسيلة لمعرفة ما يدور حوله، فلا هو يمتلك الصبر الكافي ليمهد الأمر للوليد ولا الوليد يمتلك الوعي الكافي لإلتقاط فضوله المريب .
رفع له الوليد رأسه ومن ثم حرك كتفه في إشارة لجهله ما يحدث، ليعقد نزار حاجبيه بعدم فهم :
– لم افهمك ؟!
_ لا اعرف، لا أحد هنا يعلم ما يخطط له هذا الرجل سواه هو .
_ ماذا ؟! أتخبرني أنك خاطرت بكل شيء لأجل خطة لا تعلمها من الأساس .
ردد الوليد بصدق شديد جعل ملامح نزار تتشنج بصدمة :
_ بل فعلته لأجل تحريرك، تعهدت له ببعض رجالي في الممالك وأخبرته عن بعض الثغرات مقابل تحرير وهو تولى الباقي .
_ أيها الأحمـــــــــــق، هل تخبرني الآن أنك ساعدت الرجل وضحيت بكل رجالك لأجل لا شيء؟؟ ماذا إن كانت خطته التي تساعده بها تشمل التخلص منك ليها الغبي .
رمقه الوليد بتفكير وكأن هذه الفكرة لم تخطر بباله، ونعم الوليد يكون متسرعًا غبيًا في كثير من الأحيان، لكنه في هذه الحياة يضحي بكل ما يمتلك لأجل من يحب، ونزار كان آخر من تبقى له من عائلة وأصدقاء.
_ أردت فقط انقاذك بأي ثمن ..
_ تبــــــــًا لك يا الوليد .
تنفس بعنف وهو يبعد خصلاته عن عيونه يفكر في طريقة للوصول بها إلى ما يخطط له أصلان بأي ثمن.
_ أخبرتني أنك اقتحمت الممالك بسبب بعض الثغرات، أي ثغرات تلك ؟؟
نظر له الوليد ثواني قبل أن يزفر بصوت مرتفع:
_ نفسها الثغرات التي أخبرتها سابقًا لبافل.
تجمد نزار وشحب وجهه، ما تزال أثر فعلته يطارده، وسيظل يطارده حتى الممات، كانت لحظة والندم عمرًا.
الثغرات التي استغلها بافل لدخول مشكى سابقًا، كانت هي نفسها المعاون لأقتحام الممالك، ورغم محاولات الملوك والجميع لسد هذه الثغرات، إلا أنهم يجدون بشكل أو بآخر طريقة لأقتحامها .
_ أوه إذن الفضل لي في هذه الضربات ؟!
نظر له الوليد طويلًا ولم يتحدث بكلمة، يدرك مقدار مقت نزار لما يحدث وقد كان طوال الوقت يحاول الانسلاخ عن هذه القذارة التي تحيط به، لكنها تأبى تركه .
استفاق نزار على صوت الوليد وهو يردد بجدية :
_ لم ادرك خطته لكنني أعلم أنه يحضر لضربة ستسقط الاربعة ممالك وبحركة واحدة، ضربة واحدة سيشتت بها صفوفهم ومن ثم يستغل كل ذلك ليفرض سطوته، وهذا قريب … أقرب مما تتوقع .
_ أخبرتني أن لا أحد هنا يدرك خطته ؟!
_ لا أحد باستثناء من نفذ الجزء الأول بها، والذي تتوقف حدود معرفته على النصف الأول من الخطة.
_ وهذا الشخص هو ….
صمت وهو ينتظر رد الوليد الذي هز رأسه يتحدث بصوت هادئ بعض الشيء :
_ حربيّ اليد اليمنى لأصلان وابن عمه والذي بالمناسبة لم يعد حتى الآن من تلك المهمة .
_ أي أنه….
ترك نزار كلماته معلقة ينتظر إجابة الوليد والذي لم يخيب ظنه وهو يردد بجدية:
_ ما يزال طليقًا في الممالك بانتظار إشارة بالتنفيذ …..
ــــــــــــــــــــــــ
_ فقط ارشدني للطريق وأنا سأكمل وحدي .
رفع الرجل عيونه لها يبتسم بسمة واسعة لا تدري ما يخفي هو خلفها، أو ربما أدركت الأمر إذ سرعان ما تحولت عيونها بشكل غريب وهي تهمس بصوت هادئ وبسمة غريبة:
_ سؤال بسيط لا يستدعي منك أن تدور بعيونك بهذا الشكل .
_ ربما كان السؤال بسيطًا، لكن صاحبته لم تكن بسيطة بأي شكل من الأشكال.
رفعت سلمى قدمها قليلًا عن الأرض، ثم وبخفة ودون أن يتوقع الرجل أصابت ضربتها ساقه بقوة ليختل توازنه بسرعة وهو يطلق تأوهًا شبه مرتفع، يمسك قدمه بسرعة، وسلمى تنظر له من الأعلى ببساطة مبتسمة بسمة صغيرة :
_ ليتني استطيع قول الشيء نفسه عن عقلك .
زفرت وهي تبعد عيونها عنه بنفور تتحرك بعيدًا عنه دون إنتظار أي كلمة منه، بينما الأخير حرك عيونه معها بانتباه شديد ينهض بسرعة كبيرة وقد حرك جسده خلفها ولم يكد يخطو خطوة إضافية حتى شعر بيد تمسك به وشخص يتحدث بجدية :
_ إلى أين ؟!
_ ماذا ؟!
_ ماذا أنت هل نسيت ما جئنا لأجله ؟؟
_ نعم لكن لا بأس ببعض الغنائم .
حذره الرجل بعيونه بقوة وهو يتهف من أسفل أسنانه يجذب الشاب له بضيق وغضب :
_ الغنائم تفوز بها بعد حربٍ أيها الحقير ونحن لم ننتهي بعض، فلا يسيل لعابك على كل امرأة تبصرها .
نظر الشاب صوب ظهر سلمى التي ابتعدت عنه بشغف كبير مبتسمًا :
_ لكن حربيّ هذه ليست أي امرأة، هذه …
_ امرأة كأي امرأة، لذا كف عن الحديث وتحرك صوب موقعك .
زفر الشاب بضيق شديد يتحرك بعيدًا عن حربي الذي رماه بحنق، وسرعان ما حرك عيونه صوب الجهة التي سلكتها سلمى يشرد في طيفها قبل أن ترتسم بسمة غريبة أعلى فمه ….
ــــــــــــــــــــ
_ مولاي لا شيء هنا لقد قلبنا الأسواق والعاصمة رأسًا على عقب ولا شيء .
كان الجندي يتحدث بصوت هادئ جاد وهو ينظر لظهر أرسلان الذي لم تتحرك شعرة واحدة في جسده يراقب المكان أمامه بأعين مظلمة ظلام ينافس الظلام الذي بدأ ينتشر في المكان، ونعم هو قضى ساعات النهار تقريبًا يبحث عنها ولم يصل لطرفها حتى .
حرك رأسه للجندي وهو يرفض الرحيل تاركًا إياها وحدها بين الطرقات في مدينة لا تفقه عنها شيئًا، يغمض عيونه بضيق شديد وهو يرفع يده يشير للجنود :
_ عودوا للقصر إذن واستريحوا، فعلتم ما استطعتم.
_ نحن لم نتعب مولاي، نحن فقط نتساءل إن كانت هناك اركان أخرى تطلب منا البحث بها أو…
_ لا بأس أعلم كل ذلك، اشكركم لجهودكم، لكن انتهى دوركم، ليعد كلٌ لأسرته، أنا سألحق بكم .
نظر له الجندي بتردد ورفض للرحيل، لكنه الملك أمر وانتهى الأمر، عاد صوب الجنود يخبرهم بأوامر الملك وقد بدأ البعض يتحرك بالفعل مبتعدين عنه تاركين أرسلان ما يزال يقف على جانب الطريق يراقبه بأعين مشتعلة .
وقد اشتعل صدره بالجنون من فكرة أن تكون قد تأذت وأنه كل ذلك الوقت لم يصل لنتيجة بسبب أنه يبحث في الإتجاه الخطأ، هل يعقل أن أحد المندسين داخل بلاده ابصرها وتعرف عيها و…
عند هذه الفكرة وقبل أن تكتمل الخطة داخل عقله انتفض جسده وهو يستدير للمتبقي من جنوده بسرعة وقد أحمر وجهه بغضب شديد :
_ انتظروا لا ترحلوا .
توقف من تبقى من الجيش برعب وهم ينظرون صوب الملك الذي كان غضبه في هذه اللحظة مرعبًا يحاولون معرفة ما حدث فجأة بعدما أمرهم بالرحيل .
أما عنه تحرك صوبهم بلهفة يردد وقد أصابته الفكرة الأخيرة بالجنون، واحتمالية اختطاف زوجته قطع الشعرة التي تربط بين تعقله وتهوره .
_ لا ترحلوا وتجهزوا الآن، سوف نتحرك صوب الحدود بسرعة لمنع أي عربة أو شخص من الخروج، الملكة قد أُختطفت ر…..
_ لن اختلف معك بالأجرة يا عم فقط اوصلني حيث أريد وسأجعل زوجي يمنحك ما تطلب هو يمتلك الكثير من الأموال على ما أتذكر.
توقفت كلمات أرسلان بسبب انطلاق الجملة الأخيرة في الارجاء والتي ربما لم يسمعها الكثيرون، لكنها وصلت له واضحة بشكل كبير، يسمع صوتها المميز يصطدم بأذنه، فتح عيونه ببطء وهو يستدير صوب الخلف، يراقبها تصعد على ظهر عربة نقل بضائع تجرها بعض الأحصنة، تتحدث مع السائق وهي ترشده بهدوء شديد ليس وكأنها لا تعلم أين يقع القصر .
والوضع كان كالتالي .
سلمى تركب عربة بضائع بلا سقف تجرها العديد من الأحصنة وتتهادى على الارضية الترابية أمامهم، وتمر بأرسلان وجنوده الذين كانوا يتابعون ما يحدث بأعين متسعة وملامح الفهم تعلو وجوه الجميع…
مرت العربة من أمام الجميع وقد تحركت كل الأعين معها تباعًا، حتى أن صاحب العربة ألقى السلام على الجميع بهدوء شديد، وسلمى تجلس بكل اريحية تتناول بعض الفواكه التي اشترتها منذ قليل بعد خروجها من تلك المتاهة التي كانت بها.
ترفع عيونها بعدم اهتمام صوب الجميع تحرك رأسها لهم بتحية كما فعل السائق، لكن فجأة توقفت الفاكهة في منتصف حلقها حتى كادت تختنق وهي تراقب الجميع بصدمة .
وسريعًا اعتدلت في جلستها بفزع تنزل الغطاء على وجهها في تخفي متأخر بعض الشيء، تنظر أمامها بسرعة تدعي الجهل وهي تشير لسائق العربة :
_ أسرع يا عم، أسرع قليلًا وسأجعل زوجي يزيد لك من اجرتك، أسرع أكرمك الله .
نظر لها الرجل بعدم فهم ولم يكد يتحدث بكلمة حتى أبصر جنود المملكة يركضون خلف العربة بشكل مرعب وقد صعد الملك على حصانه يلحق بهم بشكل مخيف ليشحب وجه الرجل :
– يا رحيم يا الله، ما الذي يحدث هنا ؟! لماذا يركض الجنود خلف العربة بهذا الشكل ؟؟ ما الذي يحدث من هؤلاء ؟!
نظرت سلمى خلفها لتلمح نظرات أرسلان التي تكاد تحرقها هي والعم والعربة والاحصنة كذلك :
_ هذا ؟! هذا زوجي وجنوده…
نظر الرجل لسلمى بعدم فهم يهتف برعب :
_ زوجك…زوجك كيف هل …. أنتِ زوجة الملك؟! أنتِ الملكة ؟؟
ابتسمت له سلمى وهي تراه يبطأ العربة بسرعة وهي تشعر أن النهاية اقتربت :
_ لم تخبريني أنكِ زوجة الملك، ظننتك زوجة أحد الحنود أو العاملين بالقلعة ؟!
_ حسنًا أحب أن اتواضع مع الجميع.
توقف الرجل بالعربة في الوقت الذي توقف جواره أرسلان بحصانه يهبط منه بشكل مخيف جعل الاخيرة تهبط عن العربة بسرعة وهي تركض صوبه، وقبل تقدم أرسلان خطوة واحدة منها وجدها تهرول صوبه وهي تزفر براحة تحرك يديها في الهواء ببساطة :
-أرسلان الحمدلله أنك هنا، لن تصدق ما حدث لي اليوم، شيء يفوق الخيال، جيد أنك عثرت عليّ، دعنا نعود للقصر الأن، أحضرت لك بعض الفاكهة الطازجة معي.
ختمت كلماتها ترفع حقيبة الفاكهة وهي تتحرك صوب حصان أرسلان، بينما الاخير ما يزال ثابتًا مكانه جامد الملامح يراقب ما يحدث أمامه بعدم فهم .
توقفت سلمى بعد خطوات قليلة وهي تشير صوب الرجل صاحب العربة :
_ نعم واعطي العم أجرته فأنا أخبرته أنك غني ستمنحه أجرًا سخيًا، فلا تخجلني .
توقفت أمام الحصان وهي تنظر له بعجز، ثم استدارت لأرسلان تهتف ببسمة وجدية :
_ هلًا ساعدتني في الصعود رجاءً ؟؟
استدار أرسلان صوبها وهو ما يزال يمنحها نظرات عدم فهم متتالية، قبل أن يكبت كلماته وهو ينظر لجنوده يشير لهم بعيونه أن يتحركوا، ومن ثم تحرك صوب الرجل صاحب العربة وأعطاه الكثير العملات كي لا يخجل زوجته العزيزة التي وعدته بمبلغ سخي .
واخيرًا تبقت هي، آخر مصائبه لهذا اليوم ……..
اقترب منها بهدوء ودون كلمة واحدة يساعدها في الصعود على صهوة حصانه، ومن ثم تبعها يصعد خلفها بهدوء شديد، لتتململ هي بحنق مصطنع رافضة وجوده على نفس الحصان معها ومازال غضبها منه يطفو :
_ الأحصنة كثيرة، ألا يمكنك أن تجد لك حصانًا آخر و…
قاطع كلماتها اشتداد يده على خصرها وهو يمسك اللجام هامسًا بصوت منخفض بدا مخيفًا كالفحيح، مما جعل جسدها يرتجف قليلًا وقد شعرت أن جحيمها على يد أرسلان قد بدأ والآن :
_ هش فقط اهدأي لم يحن وقت التحدث بعد سليمى ………
ــــــــــــــــــــــــــ
الكوارث تعلن عن نفسها بصرخة، لكن الفواجع تباغتك قبل حتى أن تفكر في الصراخ .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أسد مشكى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *