Uncategorized
رواية أنا والمجنونة الفصل الحادي عشر 11 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم
رواية أنا والمجنونة الفصل الحادي عشر 11 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم
![]() |
رواية أنا والمجنونة الفصل الحادي عشر 11 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم |
رواية أنا والمجنونة الفصل الحادي عشر 11 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم
وصلت سيارة عادل متأخرة بجوار بيت الطالبات ، وترجلت منها ولاء وهي خائفة ، فالوقت متأخر وإذا شاهدها أحداً ما سيكون عقابها شديد هذه المرة .
وخصوصاً إذا وصل الخبر إلى أهلها ، ستكون هذه نهايتها ، هبط خلفها عادل قائلاً : هتوحشيني لغاية ما انتقابل تاني .
فابتسمت له بخوف وقالت له : وانت كمان يا عادل ، فأمسك بيدها وقبلها بها برقة ، جعلتها ترتجف من الداخل .
وهمست هي تقول بارتباك : عن إذنك يا عادل مع السلامة ، أشار لها بيده ليودعها قائلاً لها بخفوت : تصبحي على خير يا حياتي .
وصلت ولاء إلى باب الغرفة وفتحتها بهدوء شديد بمفتاحها ، خوفاً من أن يشاهدها أحداً ما .
دلفت ولاء إلى الداخل وقلبها خائف من تساؤلات مريم ، وجدت الحجرة مظلمة ، للغاية ، فأغلقت خلفها الباب بنفس الهدوء قائلة لنفسها بارتياح : الحمد لله إنها نايمة .
لكن فجأة إرتياحها هذا ذهب أدراج الرياح ، عندما أنارت مريم ضوء الغرفة بغتةً وهي تقف على مقربةً منها وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها تقول بتساؤل غامض : كنتي فين لدلوك يا ست لولو .
شحب وجه ولاء ولم تستطيع الرد عليها وبأي شىء ستجيب فقالت لها مريم بغضب : إنطجي وجولي كنتي فين ….؟
تنهدت ولاء مفكرة ، كيف سترد عليها فقالت لها بضيق : مالكيش صالح بيه …..فقاطعتها مريم وهي تمسكها من معصمها قائلة بحدة : وده من ميته يا ست ولاء ، ها إنطجي وجولي كنتي فين .
شعرت ولاء بالضيق والقلق معاً ، وكيف ستخبرها بهذه السهولة أين كانت ، فأجابتها بحده غاضبة متعمدة : من دلوك يا مريم ، ومالكيش صالح بيه واصل ، وأعمل إللي آني عايزاه ، وخصوصاً إنك لساتك مجاطعاني ومخصماني مش إكده .
شعرت مريم بالإهانة بداخلها قائلة لها باضطراب : بس آني بعمل إكده لمصلحتك يا ولاء ،ثم صمتت برهةً تتأمل ملامحها وأردفت قائلة بعدم تصديق : ياه يا ده إنتي إتغيرتي كتيرجوي .
أشاحت ببصرها بعيداً عنها وقالت لها بضيق : وليه متجوليش إني فوجت متأخرة ، من الأنبوبة اللي عايشين ومتحاصرين جواتها .
واجهتها مريم تقول لها بدهشة : بس إنتي مكنتيش إكده ، ودي مش ولاء اللي عرفتها من سنين طويلة وخابراها زين ، دي واحده تانية بتلبس توب غير توبها .
تنهدت ولاء بحزن شديد متذكرة ما تعيشه في وسط عائلتها المتزمتة والمتعصبة لتقاليد عفى عليها الدهر ، قائلة لها بيأس : والله دي حياتي آني ، وكان نفسي فيها من زمان ، عجبك العيشة إللي إحنا عيشينها آني وإنتي ، ها ….. عجبك الحبسة في الدوار طول النهار بين أربع حيطان ، وممنوع إنك تضحكي وتتحدتتي حتى ، زي بجيت الخلج ، هيه دي العيشة اللي عايزاني أكمل عيشتي فيها مع أب معندوش أي رحمة بيه وأخ كل لما يشوفني كأنه شاف عفريت جدامه ، حتى أمي بجت تعاملني على إني مصيبة وجاية لها في الدنيا وكأن الدنيا فنت من كل المصايب واتجمعت فيه آني .
صمتت مريم مفكرة في حديثها ، فحياتها هي أيضاً قريبةً من حياتها كثيراً ، وبالرغم من ذلك ، تحاول أن تتماشى مع مبادىء أهلها ، حتى لا تخسر حياتها الضائعة بدونها ، امسكتها مريم من ذراعيها وقالت لها متأثرة : ولاء حتى لو زي ما بتجولي كل دول أرحم من اللي إنتي فيه دلوك ، شوفي نفسك إكده ، مش دي ولاء اللي كانت بتضحك وتتحدت إمعاي ، في كل حاجه مضايجاها زي زمان ، لكن اللي جدامي واحدة تانية خالص ، ممكن تودي نفسيها في طريج متعرفش ترجع منه .
شعرت ولاء بأن مريم تضغط عليها كثيراً وعلى أعصابها فأزاحتها ولاء بضيق قائلة بعصبية : كفاياك يا مريم حكم ومواعظ عاد ، مأخدتش منها غير جلة الجيمة ، جدام نفسي ، وجدام الخلج ، روحي شوفي الناس براة بلدنا عايشين إزاي .
ابتعدت مريم عنها غير مصدقة ما وصل حال ولاء ، صديقة عمرها ، وهي تشيح بيديها بيأس قائلة لها باستنكار : آني مخبراش أجولك إيه تاني ، غير ربنا يسترها عليكي يا ولاء ، لأنك ماشية في سكة اللي بيروح ما بيرجعش .
شعر جلال بالغضب بداخله وهو يراها تقسط أمامه مغشياً عليها فأسندها بالرغم عنه بين ذراعيه ، متأملاً لها بضيق وغيظ قائلاً لنفسه بحنق : جبت لنفسيك مصيبة يا جلال ، بجى دي هتساعدك في مهمتك ، ربنا يستر منيكي عاد .
حملها بين ذراعيه ووضعها على الفراش بهدوء ، وجلس بجوارها ، شاعراً بالسخط يستشري بداخله .
إلتفت جلال حوله باحثاً ببصره عن أي شيء يجعلها تفيق من إغماءتها ، فوجد أمام المرآة زجاجة من العطر ، أخذها وقربها من أنفها ، بدأت تستجيب له بعد عدة دقائق .
أثناء ذلك طرقت عليه الخادمة الباب تقول له : الجهوة يا سعات البيه ، زفر جلال بضيق وخلع عن نفسه سترته الذي يرتديها ، لكي يبدو زوج طبيعي أمام الخادمة ، وألا يبدو بكامل ثيابه أمامها .
فتح لها الباب موارباً إياه ، أخذ منها فنجان القهوة ، مغلقاً الباب على الفور ، وراءها ، حتى لا تراها الخادمة بهذا الشكل في الفراش .
أقترب منها جلال مرةً أخرى وقد جلس بجوارها وهو يراها تستعيد وعيها قائلاً لها بغضب : آني نفسي أعرف ، إيـــه حكايتك إمعاي ، كل ما آجي أتحدت وياكي ، آلاجيكي سجطتي من طولك .
حدقت به بصمت ، ولا تعرف بأي شىء تجيبه ، هي لا تعرف لماذا يغمى عليها كثيراً هذه الأيام ، غير أنها تخشاه ، غير ذلك لا تدري لماذا يحدث لها ذلك .
أغمضت عينيها بقوة خوفاً من عيناه التي تحدقان بها ، فلما وجدها لم تجيبه عن تساؤله شعر بالغيظ أكثر ، مستغرباً لماذا لا تجادله مثل كل مرة يحدثها بها .
قائلاً لها بسخط : ما تنطجي وجولي ، ليه إخرسيتي دلوك يعني ، فين لسانك الطويل اللي عايز يتجص .
تنهدت مهجة بتوتر وشعرت بارتباك لأنها لاحظت أنها مازالت بنفس ثيابها فجذبت الفراش على نفسها ولم ترد عليه مرةً أخرى .
تجاهل جلال فعلتها وهو غاضب ، ثم هب واقفاً ، مبتعداً عنها ممسكاً بفنجان القهوة .
ارتشف منه القليل ، لعله يرتاح ، لكن تفكيره في مهمته لم يكن يجعله يستريح .
لاحظت مهجة عليه الشرود ، قائلة لنفسها : يا ترى بتفكر في إيه يا جلال باشا ، ومخليك كإني مش موجوده جدامك .
أولاها ظهره وقد قرر أن يخبرها بما عليها فعله ، قائلاً لها بغضب مكتوم : جدامك تلاتة أيام بس على الفرح ، وهاخدك من إهنه وهنعيش في وسط أهلي .
فقالت له بقلق : طب ما نعيش إهنه يا سعات البيه ….. قاطعها بقسوة قائلاً لها : مش بمزاجك ، آني بس لوحدي إللي أجرر إهنه ولساته ما تخلج إللي يعارضني في أوامري مفهوم ، ثم آني ليه شجتي في البيت هناك .
شعرت بفزع بداخلها فعدلت من الغطاء على جسدها قائلة له : مفهوم يا سعات الباشا .
زفر بقوة وهو يخطو بخطواته ناحية الباب قائلاً بحزم : زي ما جلتلك جبل إكده أوامري تتنفذ وبس من غير معارضه ، وهاخدك يوم الفرح من إهنه ، جبل المغرب تكوني جاهزة ، وإياكي تغلطي جدامي ولا جدام أهلي في اللهجة ، وعلشان تبجي عاملة حسابك ، الفرح هيحضروا ناس كتيرة جوي علشان ده طبعاً فرح كبيرهم ، فامنيش عايزك تتفاجئي ويغمى عليكي جدامهم ، بدل ما انتي خابرة زين في إللي أجدر أعمله وياكي .
انصرف جلال من الغرفة بعد أن ألقى بأوامره الحازمة لها ، تنهدت بطريقتها المضحكة والغير مستوعبة لكل ما يحدث لها ، قائلة بصوت مسموع متردد : يا مُرك يا مهجة يا مُرك ، ده بينه هيبقى مرار طافح ، إيه إللي إنتي فيه ده ، حتى انه يغمى عليه من الخضة ده ممنوع ، وفرح كبير وبيقولي ميغماش عليه ، ده كتير عليه والله ، يا ترى يا مهجة أهله هيتقبلوكي إزاي في وسطيهم .
دلف جلال إلى مكتبة في الطابق الأول ، وأخذ يُهدأ من غضبه الذي يشتد بداخله وهو مجبر على المضي في خطته معها .
دلفت إليه نعيمة تقول له : فيه واحد برة بيجول إنه اسمه مجدي ، عايز يجابلك يا سعات البيه .
فقال لها بضيق مكتوم : دخليه بسرعة ، دخل إليه مجدي قائلاً له : أنا جبت كل الطلبات اللي حضرتك كنت قايلي عليها من يومين ، تنهد جلال قائلاً له : طب كويس أوي .
ضغط على زر فوق مكتبه ، فجاءته نعيمة مهرولة قائلة لها : نعم يا بيه ، فقال لها بلهجة آمرة : روحي يالا مع مجدي خدي منه الحاجات اللي هيدهالك دلوك وطلعيها فوج عند الست مهجة .
فقالت له : حاضر يا بيه
دلف شريف إلى مكتب اللواء ، وجلس أمامه فقال له بتساؤل : ها إيه آخر الأخبار ، أجابه قائلاً له : الخطة ماشية تمام لغاية دلوقتي وجلال هيبقى عمدة البلد ، وخلاص فرحه يوم الخميس الجاي قدام الكل .
تنهد قائلاً له : عظيم …. طب والبنت ….!!!! فقال له باهتمام : بصراحة أنا معرفش عنها حاجه ، غير إن جلال مسيطر عليها وبس لأن حضرتك عارف طبعه مقدرش أسأله عنها من بعد ما كتب كتابه عليها .
حك اللواء يده تحت ذقنه قائلاً له : ومصطفى محرم عرف بكل حاجه ولا لسه .
هز كتفيه قائلاً له : أكيد وصلتله الأخبار زي باقى أهل البلد ،
زفر بقوة قائلاً له بحزم : طب على العموم تابع معاه على طول ، وخلي بالك كويس ، وأي خبر جديد لازم تخبرني بيه أول بأول .
أجابه شريف قائلاً له : إن شاء الله حضرتك .
صدمت مهجة من الأشياء الكثيرة ، التي أتت بها الخادمة للتو وقالت لها بذهول : مين اللي جاب الحاجات دي كلاتها يا نعيمة .
فقالت لها : سيدي جلال بيه ، قالي أطلعهملك إهنه .
فقالت لنفسها بقلق : يا ترى هيعمل إيه تاني فيكي ومنيش قادرة انطق واسأله .
أخرجتها نعيمة من شرودها ، قائلةً لها : ها يا ستي عايزة مني أي حاجه تانية ، هزت رأسها بصمت ، فانصرفت نعيمة من أمامها .
وقفت مهجة تتأمل كل الطلبات التي أتت بها نعيمة ، ووجدت عبوة كبيرة لفتت نظرها ، اقتربت منها وفتحتها بقلبٍ ويداٍ مرتجفة ، ووجدت بداخلها فستان أبيض كبير ، تأملته وهي غير مصدقة وقالت لنفسها بعدم استيعاب : بقى معقوله ، الفستان الفخم ده علشانك يا مهجة ، ده شكله غالي أوي ، وميقدرش على تمنه غير الباشا .
أمسكته وحملته بين يديها ووقفت به أمام المرآه وهي تضعه على جسدها تتأمله بانبهار قائلة لنفسها : الله يا مهجة ، إنتي لو عيشتي العمر كله إنك تحلمي بفستان زي ده عمرك ما كنتي هتتخيليه حتى يكون بنفس الشكل .
تأملت نفسها مرةً أخرى متخيلة أنها ترتديه فعلاً فابتسمت وقالت لنفسها مشجعة: إلبسيه يا مهجة وشوفيه هيبقي على مقاسك ولا لأ ، بس لأ ده شكله من منظره كده إنه على مقاسي مظبوط .
بسرعة إرتدته وهي تشعر بثقله على جسدها ، وقفت به أمام المرآة تتأمل نفسها وهي ترتديه .
ابتسمت لنفسها بإعجاب وانبهار قائلة : ما شاء الله عليكي ، إيه الحلاوة دي يا مهجة ، وبسرعة صمتت وعادت تقول لنفسها بلوم : إيه يا مهجة إنتي إتجننتي واقفة معجبة بنفسك وبتعاكسيها كمان .
ضحكت قائلة بصوت مسموع : وفيها إيه يعني طالما مش هسمعها من الباشا أقولها لنفسي أحسن .
وقفت تتأمل نفسها بصمت وتمثلت أمامها صورة نوال كأنها تحدق بها بإعجاب هي الأخرى .
همست لنفسها بتأثر : ياريت يا نوال كنتي معايا ، ده اليوم اللي بتتمناه أي بنت ، بس عمري ما اتخيلت إن هيبقى ليه فرح ، وانتي مش هتكوني معايا فيه .
أغمضت عينيها وذرفت دمعة واحدة ، مسحتها بسرعة عندما فوجئت بمن يحدق بها من خلال المرآه .
كاد قلبها أن يتوقف عن الخفقان من ذهولها ، عندما فوجئت بجلال ينظر لها ، التفتت إليه سريعاً ، وقلبها ينبض بقوة وعنف حتى أنها خيت من سقوطها مغشياً عليها مرةً أخرى .
خشيت من نظراته المملؤةً بالغموض ، فلم تستطع أن تتحرك من مكانها .
قالت له بصوت متحشرج : آني آسفه يا سعات البيه ….أصل …. أصل عجبني الفستان بصراحة …. فقلت …. فقلت أقيسه .
تجهم وجه جلال وهو يحدق بها ، تمسكت بيدها في الفستان قائلة لنفسها : هوه ماله كده مش بينطق ليه ، ولا بيكون بيجهزلي عقاب على مزاجه كمان المرادي .
اقتربت منه بتلقائية قائلة له : الله لا يسيئك يا بيه ، إوعي تكون بدبرلي عقاب من إياهم ، آني آسفه مش هعملها تاني وبصراحة أكتر مبقتش حمل عقابك يا باشا .
شعر بالضيق من كلماتها ، فخرج من الغرفة ، أسرعت وراؤه تقول له برجاء مضحك : إنت ما بتردش عليه ليه يابيه ، إنت لا مؤاخذة يعني مخاصمني .
ضم شفتيه بغيظ وتركها دون أن يتفوة بكلمةٍ أخرى ، داخلاً إلى حجرة أخرى .
وقفت مكانها حائرة ، كيف يتركها هكذا دون ولا كلمة وبنفس غموضه التي إعتادت عليه ، عادت إلى حجرتها ، وبسرعة قامت بتبديل الفستان .
في اليوم التالي إستيقظ جلال من نومه مبكراً ، ذاهباً إلى دار والده ، ما أن دلف إلى الداخل حتى وجد يحيى كان جالساً في غرفة المعيشة بمفرده ومن الواضح عليه علامات الإجهاد .
التفت يحيي ناحية شقيقه الذي دخل عليه من الخارج والذي ما أن رآه ، حتى بادره بقوله باستغراب : صباح الخير يا جناب العمدة ، غريبة يعني صاحي بدري وكنت فين دلوك .
تنهد جلال قائلاً له : أبداً كنت بتمشى برة بعنتر من زمان ما ركبتوش .
ابتسم يحيي قائلاً له : طبعاً تلاجيه مبسوط بيك ، جلس جلال بجوار أخيه قائلاً له بجدية : أكيد ولساته فاكرني زين ثم صمت برهةً وقال له بتساؤل : واضح عليك التعب ، خير ….؟
زفر يحيي بقوة قائلاً له : أبداً كان عندي نبطشية في المستشفى ولسه جاي دلوك ، ومنمتش طول الليل .
ربت جلال على كتفه قائلاً له : طب جوم نام ، علشان تستريح ، أحسن من جعدتك إكده .
فقال له : هجوم أنام أهوه ، وهبّ بالفعل واقفاً وكاد أن ينصرف ولكنه توقف والتفت إليه قائلاً له بتساؤل : ألا صحيح يا عمدة إنت فرحك بسرعة إكده يوم الخميس .
زفر بقوة وهو يذم شفتيه قائلاً له : أيوة يوم الخميس ، وعادي طالما أني جاهز ، فليه التأخير .
هز رأسه بعدم فهم وقال له : لكن تبجى بالسرعة دي يا جناب العمدة ، شرد جلال بذهنه ، كيف سيجيب أخيه على تساؤله قائلاً له : إنتوا مش كان نفسيكم أتجوز وخلاص ، هنفذ رغبتكم
اقترب منه يحيي قائلاً له : بالرغم من إني مش فاهم حاجات كتيرة يا أخوي إلا إني مجدرش أعارضك و أتجاوز أسئلتي أكتر من إكده مش هجولك إلا حاجه واحده ألف مبروك يا اخوي يارافع راسنا .
ابتسم له جلال واختصر قائلاً له : الله يبارك فيك يا دكتور يحيي ، تركه يحيى وانصرف إلى غرفته .
تنفس جلال بعمق بعد إنصراف أخيه ، قائلاً لنفسه : آني خابر زين باللي بتفكر فيه يا يحيي ولولا إني كلمتي مسموعة ، مكنتش سكت زي دلوك ، ربنا يستر من اللي جاي ومنيكي يا مهجة .
فتحت مهجة عينيها وهي تتساءل أين هي ، لكنها تذكرت أين هي ، فهي تعتبر نفسها في منزلِ مجهول لديها إلى الآن ، وإلى أن تتزوج ، حدقت في ساعة معلقة على الحائط عن التوقيت .
وجدتها الساعة الثامنة صباحاً ، تنهدت مهجة مستسلمة لقدرها معه ، دلفت إلى المرحاض وقد أخذت حماماً دافئاً في المغطس .
خرجت بعد قليل ، مرتدية منامةً خفيفة ، وشعرها مازال يهبط منه المياه ، وقفت بالقرب من الفراش موليةً ظهرها للباب ، تبحث عن منشفةً أخرى غير التي استخدمتها بالمرحاض ، كانت أخرجتها مهجة مع ثيابها.
أثناء ذلك استمعت إلى صوت طرقات على الباب فقالت بهدوء : إدخلي يا نعيمة بسرعة وهاتيلي فوطة بسرعة ، علشان شعري .
امتدت يداً تناولها المنشفة من وراء ظهرها ، أخذتها منها مهجة ، وضعتها على شعرها بسرعة وهي تلتفت وراءها إلى نعيمة مبتسمة وتقول لها : كويس إنك جبتيها بسرعة دنا ….. بترت باقي كلماتها سريعاً وابتلعتها في فمها ، عندما رفعت بصرها ، حدقت بعينين حادتين ، غامضتين لا تعرف ما وراءهما من خبايا .
هرب الدم من وجهها وابيضت شفتيها التي ترتجف وكادت أن تسقط على الأرض ، عندما فوجئت بأنه هو .
حاولت أن تبتعد عنه بخطوات متعثرة بالرغم منها إلى الوراء ، فخطت خطوة واحدة ، ووجدت نفسها ، ستسقط على الفراش وراءها فقد حجزها الفراش بألا تخطو مرة أخرى .
أسندها بذراعه الأيمن من خصرها ، فابتلعت ريقها بصعوبة وهي تستند بيدها على صدره قائلة بعفوية : أيوه كده اسندني يا سعات الباشا الله لا يسيئك ، دنا كنت هقع من طولي لما شفتك .
حدجها بعينين غاضبتين ، وهو يتأمل وجهها وعينيها المذهولة ترمقانه وهي تستند إلى صدره، تركها جلال فجأة منصرفاً ناحية الباب وهو يقول بجدية : خمس دجايج وتبجي في مكتبي دلوك .
اتسعت عينيها بذهول وهي تسقط على الفراش خلفها ، جالسة بصدمة مما فعله الآن بها قائلة بتلقائية مضحكة : شكلك إتجوزتي مصنع تلج بحاله يا مهجة .
دلف إلى مكتبه ووراءه الخادمة يقول لها : جهزي فطار بسرعة دلوك ، واعمليلي فنجان جهوة ضروري .
أسرعت الخادمة في تلبية طلبه ، أتت بعدها مهجة مسرعة تقول : نعم يا سعات الباشا ، فحدجها بغضب فارتبكت ، فسألته بتلقائية :مالك يا سعات البيه بتبصلي كده ليه .
اقترب منها بخطوات واسعة وقال لها بخشونة : آني جولت إيــــه جبل إكده ، ضمت حاجبيها بطريقة مضحكة قائلة له : والله يا بيه إنت قولتلي حاجات كتيرة بس منيش فاكرة كتير منها .
أمسكها من رسغها بقوة ، جاذباً إياها ناحيته قائلاً لها بقسوة : آني مش جُلت جبل إكده تتحدتي صعيدي وخصوصاً إننا مش لوحدينا إهنه وفيه نعيمة ، وفيه كمان السواج برة والبواب .
شحب وجهها فأسرعت تقول له باحترام : حاضر يا سعات البيه هتتحدت صعيدي ، ومنيش هتحدت غيرها ، فلما وجدته مازال ناظراً لها بغضب وممسكاً برسغها سألته بعفويه : مش كده صعيدي يا بيه بردو .
فلما لم ينطق بأي حرف ولم يجيبها فقالت له بتساؤل مضحك : لما آني بتحدت صعيدي يا باشا ، أومال لساتك ماسكني ليه إكده زي ما تكون ماسك حرامي ، متخافيش يا بيه منيش ههرب منيك .
كاد أن يخرج سلاحه من غمده من تحت سترته ليُنهي عليها ؛ ولكن الخادمة نعيمة قد أقبلت ناحية باب المكتب المفتوح .
تركها بسرعة قائلاً لها بغضب مكتوم : إياك تتحدتي جدام نعيمة فاهمة ، هزت رأسها بسرعة بالموافقة .
دلفت نعيمة عليهم المكتب وقالت له : الأكل جاهز يا سعات البيه ، فقال لها جلال : طب خلاص يا نعيمة روحي انتي .
رمقها بضيق قائلاً لها : تعالي إفطري وياي وإياكي تتحدتي بأي حرف وإحنا بنفطروا سوا جدام نعيمة إلا لما أوجهلك كلام .
هزت رأسها بالموافقة مرةً أخرى ؛ دون أن تستطع التحدث ، اقترب جلال من مائدة الطعام وجلس ، على رأس المائدة ، وأشار لمهجة بيده قائلاً لها بجدية : إجعدي إهنه .
جلست مهجة بالقرب منه ، تركته يبدأ طعامه ، وبعدها بدأت هي في تناول طعامها ، وبدأت تأكل على مهلٍ ، خوفاً من نظراته لها ، بالرغم من شعورها بالجوع .
بعد قليل كان جلال قد انتهى من طعامه وكانت مهجه معه في داخل مكتبه ، وقد أمسك بعبوة من القطيفة الزرقاء وهو جالس خلف مكتبه قائلاً لها بهدوء غامض : جربي جنبي إهنه .
استغربت بداخلها لما يطلب منها ذلك فقالت له بعفوية : بس إهنه مرتاحة يا باشا ، تنهد جلال بضيق وغيظ قائلاً لها بحدة : مهجة جربي مني إهنه .
كانت مهجة تجلس على مسافة ثلاثة أمتار من مكتبه ، فاقتربت من مكتبه قليلاً بخطوات بطيئة من خوفها منه ، وأصبحت المسافة مترين .
صرخ بها بصوت هادر : إنتي مبتسمعيش ولا إيه ، بجولك جربي مني إهنه ، اقتربت منه بخطوات بطيئة لكنها أسرع بعض الشىء قائلة لنفسها بفزع : شكله هيقوم يخبطك قلم خدامين محترم ، يخليكي مبتسمعيش بعدها يا مهجة .
بالفعل لما وجدها تقترب منه بخطوات بطيئة ، هب من مكانه سريعاً وهو يشعر بالسخط بداخله وجذبها من يدها بسرعة فارتطمت بصدره قائلاً بغضب : لما أجول كلمة تتسمع ، أنا بجول جربي يبجى تجربي ، صدمت مهجة مما فعله فاستندت بيدها على كتفه متأملةً له بدهشة .
وارتجف قلبها من الصدمة المباغتة ، قائلة بتلعثم مضحك : ح اضر يا بيه… بس … بس دلوك آني …..في حضنك مش مجربة بس .
انتقلت صدمتها إليه واتسعت عينيه مستغرباً أنها بالفعل ، ملتصقةً به وهي الآن تستند إلى صدره .
أبعدها عنه قليلاً ثم هتف بها قائلاً : ما إنتي السبب في إكده ، ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة له : آني أسفه ، أصل بخاف من السلاح والمجص يا سعات الباشا .
شعر أنه يريد التخلص منها بأي طريقة من كلماتها المستفذة له ، حاول ضبط أعصابه وجذبها من يدها ، مقرباً لها من مكتبه ، وتناول العبوة التي كانت بين يديه ، على مكتبه .
استغربت مهجة ، متسائلة في نفسها عن ما الذي تحتويه هذه العبوة ، فتحها جلال أمامها قائلاً بضيق : ده خاتم جوازنا لازم تلبسيه من دلوك .
اتسعت عينيها بذهول تام ،شاعرة بجفاف في حلقها قائلة بصوت متحشرج : علشاني آني يا سعات الباشا .
أخذ جلال نفساً عميقاً قائلاً لها بنفاذ صبر : أيوة يا مهجة هتلبسية فترة جوازانا وهتخلعيه من يدك ، لما نطلجوا سوا بعد مهمتي ما تخلص .
ضمت قبضة يدها ، وهي تشعر بغصةً في حلقها من أثر كلماته الصادمة له ، فهي تشعر أنها لا تريد تركه أبداً ، لكنه كلما قابلها ذكرها بأن زواجهم من أجل مهمةً ما .
وأنه سيطلقها بعد إنتهاؤه من مهمته ، وهذا يشعرها تارةً بالحرمان وتارةً أخرى بالحيرة ، كإنها الآن وهي تتأمله تشعر بداخل قلبها ، بمشاعر شتى ولن تستطيع أن تعبر عنها بأي كلمة .
يكفيها النظر فقط إلى عينيه الحادة ، والتي تشعرانها دائماً ، بأنها دائماً أحقر من أن تصل لمستواه .
أخرجها من شرودها قائلاً : سمعاني يا مهجة في اللي جولته ، ارتبكت وقالت له بتوتر : أيوة يا سعات البيه سامعه زين
تنهد قائلاً لها : طب إلبسي الخاتم إكده وشوفيه على مجاسك ولا لأ ، تمنت وهو يعطيها الخاتم ، أن يقوم هو بتلبسيها إياه .
لكن وجهه المتجهم هذا ، لن يشجعها على قول ما تتمناه ، وكادت أن تأخذه منه وترتديه ، لكنها تظاهرت فجأة بعد تناولها للعبوة ، بسقوطها منها على الأرض بعفوية.
رمقها جلال بعينين تقدحان من الشرر قائلاً لها بصوت هادر : حتى الخاتم مش عارفه تمسكي علبته ، ابتسمت لنفسها قائلة لها : ولا يهمك يا مهجة هيلبسهولك يعني هيلبسهولك .
أسرعت تقول له بعفوية : أصل بصراحة يعني يا باشا منيش واخدة على لبس الخواتم ولا أي حاجه من لبس البنات دي .
فقال لها ساخطاً : ليه عمرك ما شفتي خاتم جبل إكده ، سارعت بقولها بطريقة مضحكة : لأ شفته يا بيه في التليفزيون .
شعر بأنه يريد أن يجذبها من لسانها هذا ويقطعه لها لعله يستريح ويريح البشرية كلها ، من لسانها السليط .
ولكي ينهي كل هذا انحنى هو وسارع إلى أخذ العبوة من الأرض ولكنه وجدها فارغة ، فلقد أطاحت بالعبوة وهي مفتوحة ، فانحدر الخاتم مبتعداً عن العبوة متدحرجاً بالقرب من مقعده
فلمحه جلال فانهنى وأخذه بسخط ، مقترباً منها بخطواته السريعة ، قائلاً لها بحنق : هاتي يدك بسرعة ، سارعت بالفعل بإعطائه يدها ، فهي تعرف بأنه سيلبسها إياه بنفسه .
تناول يدها بغيظ وأمسكها بقبضته وألبسها إياه ، تجمدت يدها في يده ، لكن قلبها كان له رأي آخر فقد أخذت نبضاته تتسارع من أثر لمسات يده على يدها .
تلاقت أبصارهم بصمت عجيب ، كلاهما يشعران بشعور مختلف ، وعينيهما تنطقان بشىء أيضاً مختلف .
ولكي ينهي جلال كل هذا الصمت ، ترك يدها مسرعاً قائلاً له بضيق : إطلعي على إوضتك يا مهجة بسرعة .
لم تكن تريد تركه أبداً ، فقد كانت تتمنى سماع كلمةً واحدة رقيقة بعد أن ألبسها خاتم زواجهم ، مثلما تشاهدهم في التلفاز .
لكنها هتفت بداخلها بحزن : إنتي فاكرة نفسك متجوزك علشان سواد عينيكي لأ فوقي يا مهجة ، ده متجوزك بس على الورق علشان مصلحته .
دلف فهمي إلى مكتب يحيي بالمشفى قائلاً له : الساعة بجت واحدة مش هتروح بجى ، تثاءب يحيي من شدة النعاس قائلاً له : أعمل إيـــه بس ، كان عندي حالة مستعجلة وإتأخرت في العمليات .
فقال له فهمي : طب يالا هتمشي دلوك ولا هتبات إهنه للصبح ، ابتسم بإرهاق قائلاً له : لع همشي وياك ، مجدرش أبات اليومين دول وفرح جناب العمدة أخوي بعد يومين تنين .
ابتسم له فهمي قائلاً له : أخيراً جلال بيه هيتجوز فقال له : أيوة وإوعاك متجيش الفرح عاد .
فقال له فهمي : إستحالة مجيش ، لأ هاجي إن شاء الله ، ثم صمت برهة وقال له : طب يالا أنا هنتظرك في عربيتي لغاية ما تجهز .
فقال له يحيي : طب وعربيتي أسيبها للصبح إهنه فقال له بهدوء : وماله ما تسيبها ، وتعالى إركب وياي .
فقال له يحيي : مش هينفع آني محتاجها الصبح ضروري ، خد مفاتيح عربيتي إفتحها واجعد فيها وانتظرني لغاية ما أجهز يافهمي منيش هتأخر .
زفر بقوة قائلاً له : حاضر الأمر لله ، هات المفاتيح ، قام يحيي بتجهيز نفسه سريعاً وخرج من مكتبه إلى حيث توجد سيارته .
ركب يحيي سيارته وبجواره فهمي الذي بدأ هو الآخر يشعر بالنعاس ، قائلاً له : دنا ما هصدج أوصل ، دنا جعان نوم ، ضحك يحيي قائلاً له : ومين سمعك وآني كمان …….. بتر جملته عندما لمح سيارة.ٍ مسرعة من جواره ووراءها سيارة أخرى بنفس سرعتها العالية .
ضيق يحيي حاجبيه قائلاً له باستغراب : شايف يا فهمي العربيتين دول فقال له بدهشة : آه شفتهم بس غريبة كأنهم بيجروا ورا بعض مش إكده ، تنهد بضيق والقلق جعله يضم حاجبيه بتساؤل قائلاً له : من الواضح عليهم إكده بس يا ترى جايين منين دلوك في الوجت المتأخر ده .
مط فهمي شفتيه قائلاً له بعدم فهم : الله أعلم يايحيي ربنا يستر ، شىء ما جعل يحيي هو الآخر يسرع في سيره وراءهم فقال له فهمي باستغراب : إنت بتزود السرعة ليه إكده .
فقال له بغموض : هتشوف دلوك .
سارع يحيي بالفعل وراءهم ، وفجأة توقفت سيارته عندما تناهى إلى سمعه صوت إرتطام سيارة منهم في أحد الأشجار الضخمة على جانب الطريق .
ترجل كل من يحيي وفهمي من السيارة عندما رأو ما حدث أمامهم للتو ، واستمعوا معاً إلى صوت صرخات أنثى تستغيث وتقول بصوت عالي : إلحجوني ….. إلحجوني …. حد يلحجنا يا خلج ……
يتبع..
لقراءة الفصل الثاني عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حبيبة بالخطأ للكاتبة سهير علي