رواية صرخات أنثى الفصل التاسع والسبعون 79 بقلم آية محمد رفعت
رواية صرخات أنثى الفصل التاسع والسبعون 79 بقلم آية محمد رفعت
رواية صرخات أنثى البارت التاسع والسبعون
رواية صرخات أنثى الجزء التاسع والسبعون

رواية صرخات أنثى الحلقة التاسعة والسبعون
غيابه القصير أجج شوقها إليه، ظنت بأن غياب اثنان وسبعون ساعة عنها لن يحيل بها، ربما ستنزعج دونه قليلًا ولكنها ستصمد، ولكن ما صدمها هو احتراق روحها منذ لحظة رحيله حتى سماع صوته بتلك اللحظة بالتحديد!
أضرم الحب النيران بوتيرة العشق وباتت عاشقة حد النخاع لذاك الإرهابي المتدين كما ظنته، فأقسمت أن شخص يحفظ الكرم بأصوله ليس سوى رجلًا نبيلًا، يملك من سمات دينه ما يجعله ملكًا، وبالرغم من أن قلبها مال له الا أنها لم تشاركه بالتتويج الملكي الا حينما اعتنقت دينه!
استدارت بلهفتها إليه وخصلاتها الصفراء تلامس وجنتها التي ألهبتها العاطفة بجمرتها، فباتت كحبات الكرز، ولسانها يسبق خفقاتها المسموعه:
_آيـوب.
ارتخت تعابير وجهه القاسية فور أن تلاقت عينيه بخاصتها، سحرته بندائها الذي أدمى مشاعره فانتصر عليه ساحقًا انتصاره الزائف، تناسى كل شيء حتى السبب الذي دفع غضبه للظهور، اقترب منها فوجدها تبتسم إليه برقتها المعتادة، فاستكملت غزوها القاسٍ بقولها:
_وحشتيني كتير آيوب.
ابتسم رغمًا عنه وقال بهيامٍ:
_وانتِ كمان وحشتيني يا سدن، بس بردو ده مكنش موضوعنا.
واستطرد في محاولةٍ لاستدعاء جديته الصارمة:
_أيه اللي مطلعك من غير حجابك، افرضي إن إيثان أو يونس طلعوا بأي وقت!
اتسعت ضحكتها الماكرة وببراءة داهية تساءلت:
_بتغيري عليا؟
قهقه ضاحكًا ومازحها:
_الغيرة وبتغيري!! الاتنين مع بعض مينسجموش، نفسي تتعلمي تفصلي بين المذكر والمؤنث بس للأسف شكله حلم بعيد وصعب المنال.
ووضع يديه بجيوب جاكيته هادرًا بسخرية:
_كويس إنك لقطتي العربي فالمفروض إني مطمعش في اكتر من كده، ولكن ده ميمنعش إني أتعشم تظبطي اللغة.
وزعت نظراتها بين يديه الموضوعة بجاكيته وعينيه بعدائية شديدة، تلفظتها باندفاعها المضحك:
_إنتي كمان محتاجة تتعلمي تتعامل مع زوجة ازاي، إنت مش بتحضن سدن بعد غياب زي الزوج الرومانسي!
عبث بحاجبيه بدهشة ما تفوهت به، وكأنه بدى أحمقًا فجأة، فرنا إليها يهتف ببلاهة:
_ليه دول كلهم تلات أيام!!
لوت شفتيها بسخطٍ، فابتسم وهو يتساءل بمكر:
_إنتِ عايزة تتحضني يا سدن؟
ازدادت نظراتها غلظة، وكأنها ستصيبه بسهامٍ نافذة تستهدف منتصف صدره، وفجأة حملت طرف وشاحها ووضعته فوق رأسها، رافعة رأسها بكل كبرياء وغرور، تتقدم للخروج من البرج، وقبل أن تطيء قدمها الباب استدارت تواجهه بجراءةٍ:
_منذ تلك اللحظة لن أرتدي حجابي أمام إيثان ويونس فحسب، ستكون أنت ثالثهما أيها الأحمق.
غادرت من أمامه بينما تتعالى ضحكات آيوب دون توقف، فلحق بها بعدما اغلق باب البرج، وهو يتمتم بسخرية:
_هو أنا كان المفروض أحضن قبل دخلة المخبرين دي!!
******
عاد يطرق على الباب لمرته الثامنة وهو يصيح بانفعال:
_يا يـــــــــــــــونس، إنت يا بني آدم، بقالي ساعتين بخبــــــــط على الباب أفتح بدل ما أكسره على دمـــــــاغك.
وتابع بغيظ وهو يعيد الطرق:
_هموت وأعرف إنت بتهبب أيه من ساعة ما كلمتك! مش متفق معاك تلبس بدري عشان نلحق الافتتاح من أوله!!
لم يصل إليه أي رد، فرفع إيثان يديه معًا يطرق بهما وصوته المنفعل يعلو:
_فارس لسه نازل ومأكدلي إنك جوه، افتح بدل ما أطربقها على نفوخــــــــك.
طرقات تتالى ونداء متتالي:
_يــــــــــــــــونس!!!
تحرر مقبض الباب واندفع من خلفه يونس، يسحب الاخير من تلباب قميصه، ومن ثم دفعه للحائط المقابل، صارخًا بعصبية:
_مش قادر تصبر عشر دقايق عما أستر نفسي يا حيوان، أيـــــــــــه القيامة قامت!
جحظت عينيه في صدمة حقيقية، فأخذ يتجول ببطءٍ على جسد يونس الملفوف بثلاثةٍ من المَنَاشِفُ، احدهما تحد جزءه السفلي، والاخرى موضوعه فوق كتفيه بينما تحتل واحدة منهم شعره الذي يقطر بالمياه، تحرر صوت إيثان أخيرًا وسأله ببلاهة:
_إنت إزاي تخرج كده؟
زم شفتيه ساخطًا:
_أصل الجو حار في الشقة فقولت أطلع أتمشى يمكن تطري بره!
ابتلع ريقه الهادر بصعوبة من شدة اختناق يدي يونس القويتيان حول عنقه، فهتف بحنقٍ:
_طيب ابعد ايدك وخش إلبس بسرعه، خلينا نشوف الخواجة ده ناويلها على أيه النهاردة.
وتابع بضيق:
_وهي حبكت يعني تستحمى الوقتي، ما انا مكلمك ومأكد عليك إني جاي.
مازال يونس يتابعه بصمت يستحضر فيه كافة الطرق المتاحة لقتل ذلك الأبله، بينما الاخير يجوبه بنظرة تقيمية ختمها بقوله:
_ابقى استحمى مرة كل عيد أهو هتكون نضفت مرتين في السنة.
منح رقبته لطمة جعلته يتمدد أرضًا وقوله اللازع يختتمه:
_فاكرني أجرب زيك يالا، اظبط كده واعقل عشان ما أقلبش عليك، وبعد كده تقف على باب بيتي باحترامك، كلها كام يوم وهتتحرم عليك دخولها في اللحظة اللي هتسكن فيها ست البنات.
برع في تمثيل دور المنصدم مما يُقال، فوضع يده على صدره وصاح بدرامية مضحكة:
_هتبيع صاحبك عشان الحتة الطرية يا يونس!! اخص عليك!! مكنتش العشرة والصحوبية والعيش والطعمية السخنه وصواني الجلاش بالمكسرات، مكنتش آآ..
_إقفل باب أكلاتك المفضلة اللي طلقتها عليا دي، كلها شهر ورمضان داخل وربي لأكدرك فيه يا إيثان، لو لمحت في ايدك اكل ولا شرب يا ويلك مني!
قالها بعدما انحنى إليه فسقطت المنشفة العلوية فوق رأس إيثان المنصعق محله، فابتلع ريقه بصعوبة وهدر بقلق:
_لسه شهرين بس؟
ارتسمت ابتسامة شامته على وجه يونس، وأكد له:
_شهر واحد وهتصوم معانا يا حبيبي، مش أنت صاحب صاحبك وداعم الوحدة الوطنية بردو ولا أنا فقدت ذاكرتي ورا الحبس؟
اعتدل بجلسته يستند على درابزين الدرج حتى استقام بوقفته يجيبه:
_هو ده بالظبط، إنت شكلك فقدت الذاكرة أنا مسيحي يا حبيبي.
بابتسامة واسعة قال:
_هتصوم يعني هتصوم، ولو قليت بعقلك ورجعت لحوار الزينة والصواريخ وقت التراويح هيبقى صيام في رمضان والعيد.
اتسعت مقلتيه في هلع وراح يردد:
_العيد!! والكحك والبيتفور والغريبة يا يـــــــــــــــونس!!
أكد عليه مجددًا:
_ولا هتطول حتى حبة ترمس فتلم نفسك من أولها كده عشان قلبتي وحشة.
وتابع بحدة:
_وميل بقي من طريقي خليني أستر نفسي قبل ما يجيني برد بسبب رزالتك.
وقبل أن يتحرك من محله أتاه صوت صرخات تعلو الدرج المجاور لهما، فاتجهت الأعين إلى سدن التي تراقب يونس الذي يقف بالمنشفة وكأنه يطل على مياه المسبح الخاص به، كبت ايثان ضحكاته وانحنى يجذب المنشفة، يضعها على صدر يونس وهو يلكزه بتشفي:
_استري نفسك يا حلوة، قبل ما يطلبولنا بوليس الاداب، ووقتها لو هيتحكم عليا بالاعدام شنقًا مستحيل اتجوزك يا بايرة عشان بس نكون على نور من البداية
أسرع آيوب للاسفل فور سماعه صوت صراخ سدن ومن خلفهما خديجة التي خرجت من شقتها بفزعٍ، حتى سكان بعض الطوابق العلوية، التف بالدرج عدد من الناس ويونس من شدة صدمته شعر وكأن قدمه التصقت بسطح الأرض.
اندفع إليه آيوب يحركه بعنف وهو يسأله:
_أيه اللي مخرجك بالشكل ده؟؟
كان بموقف لا يحسد عليه أحد، وخاصة بتجمع السكان من حوله، فردد بحرجٍ:
_آآ… أنا… إيثان كان آ…
اتجهت الاعين لايثان، وكأنهم يلقونه بتهمة مريبة، فقال بمبالغة:
_السخان ولع فاقتحمت الشقة وخرجته هنا بعيد عن النار بدل ما يتسلخ وعفريته يلبس حمامات عمارة الشيخ مهران كلها، وساعتها هيمنع السكان من استخدام حقوقهم البسيطة ويا عالم الحقوق دي هتترفع برمضان ولا الحظر للعيد الكبير!
مال إليه آيوب يهدر، من بين اصكاك أسنانه:
_أيه اللي بتقوله ده!!
اجابه ايثان بصوت منخفض:
_هعملك أيه بحاول ألم الدنيا قبل ما تظيط ايدك معايا!
وجد أنه أمام خياران كلاهما يصبان بنفس المحل، لذا وبدون تفكير مال يساند يونس ويدفع المنشفة إليه قائلًا:
_جيت بسيطة الحمدلله، يلا يا جماعه ملهاش لزمة الواقفة دي.
انفض الجمع من حوله ولم يتبقى سوى سدن التي منحت يونس نظرة منفرة ورددت قبل هبوطها:
_عيب تخرجي كده يونس، في أنسات عايش معاكي هنا!
قالتها واتجهت للاسفل، بينما تطالع خديجة بعينين تدمعان من فرط الضحك وخاصة حينما ردد ايثان:
_طول عمرك جايبلنا الكلام!
******
زفر بضيق وهو يراقب أخيه الذي أنهى نصف الكتاب الذي بيده، ومازال يصر على استكمال المتبقي، فقال بضيق:
_وبعدين يا علي هنقضي اليوم كله هنا!!
أشار بيده إليه ومازال يجلس أرضًا جوار خزانة المسجد الصغيرة، حيث كان ينظم الكتب داخل أضرفها إلى أن قابله كتاب خصص لأحد علماء الأزهر عن تفسير بعض الآيات عن القرآن الكريم، فجلس يقرأ أول صفحاته وها هو يستحوذ، عليه حتى بات بالمنتصف.
التقط عُمران الكتاب منه وقال:
_خلاص اعتبره هدية مني وإبقى اقراه بالبيت.
انتزاعه علي من يده وقال باعتراض:
_إنت جبته مع بقيت الحاجة للمسجد، فمش هيخرج من هنا.
كز على أسنانه بغيظٍ ونطق فور، أن منع أي لفظ قد يتحرر عنه:
_خلاص هجبلك تؤامه بس قوم خلينا نتحرك، الله يهديك يا حبيبي.
ترك الكتاب باحدى الأرفف، ونهض يقابله بسخط:
_ابن أختك انا!
ابتسم بسخرية:
_لا مش هتلحق تخلف، لاني هفشكلها من برة برة.
نصب عوده بعدما انتهى من وضع باقي الكتب، جذب جاكيت بذلته يرتديه ورماديته لا تحيل عن أخيه:
_عُمران خف شوية عن شمس وآدهم بدل ما أقلب عليك انا.
منحه نظرة مشككة انهاها بقوله:
_هتقلب عليا عشان حضرة الظابط يا علي!!
انحنى يجذب جاكيت أخيه واتجه اليه يعاونه على ارتدائه وهو يهمهم بخبث:
_بالظبط، فاكسبني لصفك بدل ما تلاقيني اول واحد واقف في وشك!
ارتدى الجاكيت واتجه برفقته للخارج بصمت مريب، يطمس داخله خبثه اللامنتاهي، وما ان صعد علي بسيارته حتى اشار، له من المرآة:
_خليك ورايا يا دكتور ورانا مشوار سريع.
*******
وضعت جزء من الكريم على وجهها وأخذت تفرك برفق، ومن ثم وضعت القماش الاسود حول عينيها في استعداد للنوم والاسترخاء.
اغلق أحمد حاسوبه وسألها حينما وجدها تتمدد بالفراش:
_هتنامي يا فريدة؟
أجابته بعدما توسدت وسادتها:
_أيوه، من وقت ما رجعت من القصر وأنا مرهقة، بس كان لازم اروح عشان أشرف على التجهيزات بنفسي، أنت متعرفش انا متحمسة اد أيه أني هرجع وهعيش فيه من تاني.
ابتسم وقال:
_لو أعرف إنك هتكوني سعيدة بالشكل ده كنت خليتك نزلتي مصر من تاني يوم جوازنا على قصر الغرباوي فورًا.
كادت بأن تجيبه ولكن قطعها صوت طرقات باب الغرفة، وما أن سمح أحمد للطارق بالدخول حتى ظهرت شمس قبالتهما تردد على استحياء:
_هو أنا ممكن أقعد هنا النهاردة بس!
ازاحت فريدة عصبتها، وراقبتها باسترابة:
_إنتِ كويسة؟؟؟
اتجهت أليها مسرعة، ترافقها بالفراش، وقالت:
_لا، مش كويسة نهائي، أنا مرعوبة من لحظة رجوع عمران بعد اللي عملناه فيه، فالاحسن إني أكون هنا النهاردة ده لو أحمد باشا ممنعش وجودي.
اغلق حاسوبه وحمله بين يديه، قائلًا بعتاب:
_أيه اللي، بتقوليه ده يا شمس، الاوضه كلها تحت أمرك.
شكرته بحرج:
_ميرسي يا أنكل.
منحها ابتسامة جذابة، واتجه ليغادر الغرفة، فما ان فتح الباب حتى تفاجئ بمايا قبالته، تطالعه بارتباكٍ جعل احمد يقول ضاحكًا:
_مالك إنتِ التانية يا مايا، هربانه من عمران على هنا إنتي كمان ولا ده سوء ظن مني؟
هزت رأسها ترفض وتؤكد حديثه،وهي تردف:
_هربانة يا أحمد باشا وطالبة حمايتك!!!
أتاها صوت شمس من الداخل تشير لها:
_ضمي جنب أخواتك!
*****
جلس على مقدمة سيارته يراقب ساعته باهتمام، يود أن يلتقي به ويتجه سريعًا ليجتمع مع الشباب بافتتاح الجيم الخاص بايثان، وإلى الآن يحمل من آيوب سبعة مكالمات ورسالة يستعلم منها عن سبب تأخيره.
وضع آدهم الهاتف بجيب جاكيته وأخذ يراقب جرف المياه المنهمر قبالته على بعد سفح الصخور العالية بحزن، وبينما ينغمس بشروده فإذا بصوت مقبض يحوم من حوله:
_مليت من قبل ما تستقبل تفاصيل مهمتك يا حضره الظابط؟
استدار، للخلف سريعًا فوجد الاسطورة يقف قبالته بكل كبرياء وعنجهية، أدى تحيته بكل احترام وقال:
_أنا جاهز لكل اللي تؤمر بيه يا باشا.
ابتسامة رضا شقت الطريق على وجه رحيم، واتبعها قوله الغامض:
_وده اللي أنا عايزه، شخص مطيع وجريء في نفس الوقت.
وأخرج من جيب معطفه البني فلاشة صغيرة قدمها إليه، وبابتسامته المخيفة قال:
_اجهز للي جاي يا آآ..يا عريس!
التقط منه الفلاشة وعينيه لا تفارقها، وكأن مصيره بأكمله ختم داخلها، بينما تنحل كافة الأربطة وتدفعه لبوح الحقيقة إلى أيوب قبل أن يسافر لتلقي ذاك المصير المقبض!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صرخات أنثى)
j
n
l