روايات

رواية شبح حياتي الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نورهان محسن

رواية شبح حياتي الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نورهان محسن

رواية شبح حياتي البارت السادس والعشرون

رواية شبح حياتي الجزء السادس والعشرون

شبح حياتي
شبح حياتي

رواية شبح حياتي الحلقة السادسة والعشرون

لا يحدث نسيان إلا لمن يعشق بعينيه ، أما من يحب بالروح والقلب فلا يوجد بقاموسه هذه الكلمة إطلاقاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أدار المفتاح في الباب ، وفتحه بسهولة ، ودخل المنزل بخطوات هادئة ، وثمة مزيجًا مؤرقاً من التعب والضيق على وجهه.
عقد حاجبيه تعجبًا من إضاءة أنوار الصالة والتلفزيون ، وما زاد من دهشته وجود المفتاح الآخر للمنزل على المنضدة في مدخل الرواق.
خلع سترته السوداء الطويلة ، ورماها على أحد الكراسي.
لم يمض وقت طويل حتى ظهرت علامات الصدمة على وجهه ، بمجرد أن وصل إلى أذنيه صوت أنثوي ناعم قادم من المطبخ لتأخذه قدميه صوبه ، لكنه توقف عن الحركة عندما رآها تخرج منه ، بينما هي تتحدث إلى قطهُ الصغير.
: والمصحف هتاكل معايا يا طفس .. اهمد شوية يا ميجو هتوقع الكوباية من ايد…
بترت باقي كلامها بصدمة يشوبها ذعر ، وعيناها مثبتتان على حذاء أسود ، وهناك صرخة ماتت في مهدها عندما ارتفع رأسها تدريجيًا نحو الذي يرتدي بنطال أسود و كنزة زرقاء داكنة ، وعيناه البنيتان الغامقتان مليئتان بالأسئلة ، يقف شامخًا أمامها ، على بعد متر واحد فقط.
تجمدت في مكانها بتفاجئ ، ولم تمر وهلة حتى سقط الكوب منها على الأرض بعد أن انزلق من يدها المرتعشة ، لتتناثر قطراته على قدمها وساقها ، بينما كان الصحن في يدها الأخرى معلقًا في الهواء.
ثبتت عيناها فى ذهول وعدم تصديق علي بدر الذي لم تقل صدمته عنها شيئًا ، لكنه بدا وكأنه محافظًا على اتزانه ، أو بالأحرى توقف عقله عن العمل لوهلة من الزمن.
نظر كلاهما إلى بعضهما البعض لبضع لحظات ، ظهرت خلالهم العديد من الأسئلة والمشاعر في أعينهما.
قفز قلبها من قفصها الصدري بفعل قوة النبض ، بينما كان عقلها غير قادر على التفكير بشكل سليم.
: انتي مين .. ودخلتي هنا ازاي؟
اتسعت عيناها بسبب الصدمة ، وتضاعفت خفقات قلبها بينما نظراتها تبدلت من اللهفة إلى العذاب ، حينما باغتها بنفس السؤال الذي طرحته من قبل في أول لقاء جمعا بينهما ، لتقول لنفسها كلمات لم يسمعها هو : مجرد طيف..
افاقت على نفسها فور أن دحرجت عينيها بعيدًا عنه للأسفل باتجاه القط الذى يلعق العصير المسكوب.
رمقت الفوضى التي سببتها بسبب المفاجأة غير المتوقعة ، لتتفوه بتقطع : انا .. انا مش حرامية .. اسفة ماكنش قصدي اوقع ال…
لم تكمل الجملة ، لأنها هبطت على الفور إلى القط ، والتقطته بخفة ، ثم دخلته المطبخ مع الصحن ، وأحضرت أدوات التنظيف ، ثم أغلقت الباب خوفًا من مغادرته وإيذاء نفسه بسبب الزجاج المهشم تحت أنظاره المراقبة لأفعالها.
خطت خطوات بطيئة صوبه ، محاولة أن تأخذ نفساً عميقاً لتهدأ قليلاً من ضربات قلبها السريعة ، ولكن كيف لها أن تتحكم في توازنها وهو يحدق بها بهذا التركيز ، متخللاً أعماق روحها ، وهو يقول بجدية : ممكن تسيبي اللي في ايدك و تجاوبيني ؟
هزت رأسها رافضة ، دون أن تتجرأ على النظر إليه بسبب ارتباكها ، وكل ما يخطر ببالها هو الهروب من المكان.
لا يجب أن تضيع المزيد من الوقت ، لأنها ليست مستعدة للمواجهة معه.
نظرت إلى ما كان في يدها ، لتبدأ التنظيف بشكل عشوائي ، لكنها ضغطت دون وعي على إحدى القطع الزجاجية المتناثرة حولها بقدمها العارية.
فر أنين متألم من فمها ، لكنه لا يقارن بما في قلبها.
أغلقت عينيها بإحكام ، فخطى بدر خطوة لتقديم المساعدة وقال محذرًا ، يحاول تهدئة روعها ، مبتلعًا لعابه ويجاهد التحلي بالصبر حتى يفهم ، وعيناه تتبعان لمحة حزن غشت عسليتها عندما رفعتها له : علي مهلك .. مفيش داعي…
وجهت راحة يدها نحوه لمنعه من المضي قدمًا بعد أن أنهت عملها بالفعل ، وهمست بنبرة حاولت أن تبدو ثابتة ، لكنها خرجت ممزقة مثل قلبها : انا كويسة .. مفيش حاجة .. انا جارتك اللي حضرتك قلبت شقتها مخزن من غير معرفتها و اضطريت اقعد هنا لحد ما تقوم من الحادثة..
قطعت كلماتها تزامنًا مع ترك ما كانت تحمله في يدها ، وهي تنوي المغادرة في أسرع وقت ممكن قبل أن تنهار بالبكاء كونه ينظر إليها بجمود مميت ، لكن كان عليها أن تمر بجانبه لتتمكن من الوصول إلى غرفة النوم حتى تبدل ملابسها لأخرى نظيفة بعد أن أدركت بإحراج أنها كانت تقف أمامه مع بنطالها الجينز الباهت عليه بقع العصير ، أما شعرها الأشعث حدث ولا حرج.
سارت متخطية اياه ، لتشعر بأصابعه تلتف حول معصمها ، مانعًا اياها من الفرار ، حيث ومضت عيناه بنظرة غريبة حالما استنشق عطرها المميز ، وتحولت علامات الاستفهام داخل عقله إلى هدوء من نوع خاص ، دفعه ليقول بكلمات عفوية بصوت عميق أجش : عيب لما نكسر حاجة مش بتاعتنا .. وعيب أكبر لما تعلقي روحي بيكي و تبقي عايزة تبعدي يا مانجتى
سرت قشعريرة بجسدها من لمسة يده ، وأدارت رأسها جانبًا لمواجهته ، بفم منفرج قليلا بدهشة ، من تلك الجملة التى أعاد قولها للمرة الثانية ، حيث كانت هذه الجملة أول ما قاله لها مسبقًا ، وهذا اللقب الأخير قد سمعته من قبل ، لتهمس في عدم تصديق ونبرة متقطعة منذهلة : يعني .. انت فاكر!!
ارتفعت ابتسامة جانبية على حافة شفته ، أقرب إلى الغموض ، وهو يحني رأسه تجاهها ، لتصبح ثمة بضع بوصات فقط بينهما ، وأصابعه لا تزال تآسر معصمها دون أن يؤلمها : قولتلك قبل كدا مش هنساكي تاني
حدقت في بنيتاه الجذابة ، بينما تتصارع مئات التحليلات فى خلايا عقلها ، لتهمس بسؤال خافت : يعني لما صحيت من الغيبوبة عملت نفسك ماتعرفنيش؟
رمشت عيناه عدة مرات متتالية ، مزدردًا لعابه ، ثم قال بنبرة هادئة ، عكس نبضه العالي في صدره من سيل المشاعر المتأججة في قلبه : كنت لسه فايق من ساعة لما دخلتي وقولتي انك ممرضة .. ماكنتش مركز .. كان بقالي اسابيع جوه شرنقة يا حياة .. بس لما عيونك اللي كانت بتضحك بقي كلها دموع وخرجتي جري .. حسيت ان في حاجة بتحصلي مش فاهمها .. كأنك سرقتي حاجة من جوايا وانتي ماشية..
استرسل حديثه دون انتظار ردها على ما قاله ، وعيناه مثبته على تعابير وجهها ، بينما عيناها تبعته بصدمة : اسمك اتكرر كتير وهما بيحققو معايا حاولت افهم من جاسر بس ماجاوبش .. كل اللي سمعتو ماكنتش مستغربو كأني شوفته وانا نايم .. وحدة وحدة افتكرت المجنونة اللي نورت بيتي و حياتي و روحي
ختم كلامه ، قارصًا خدها بخفة ، فأسبلت رموشها من الخجل والفرح الذي تغلغل في قلبها بعد كلماته الحانية المليئة بالمشاعر الجميلة ، ولكن سرعان ما تحول شعورها للغضب ، لتقول بسخط بعد أن عادت لتنظر إليه دافعة يده بعيدًا عنها ، وتتراجع خطوة إلى الوراء : قال وانا اللي خوفت احاول افكرك لا ماتصدقنيش و تتهمني بالنصب عليك .. وابقي انا وبس اللي عشت في وهم صدقته و ان اي احساس حسيته نحيتي…
صمتت عندما خطا خطوة ، ووضع سبابته على شفتيها وأردف بصوته المتحشرج : حقيقي يا حياة .. كل حاجة عيشتها وحسيت بيها معاكي حقيقية .. مجرد ماكنت بسمع إسمك قلبي ماكنش بيبطل دق .. عشانك انتي رجعت للدنيا دي تاني..
توقف للحظة ، أحاط وجهها بكلتا يديه ، ثم رفعه نحوه ، متأملاً ملامحها بشوق وشغف ، ثم استأنف حديثه : طب انتي فاكرة اخر حاجة اكلمنا فيها .. كان في حاجة عايز اعترفلك بيها بس مالحقتش يا مانجتي مش كدا!!
نطق بدر بكلماته الأخيرة بابتسامة جانبية جعلت وجهها يتورد خجلاً ، ثم ما لبث أن حدجته بنظرات نارية وهي تصرخ فيه معنفة إياه ، بينما تحرك رأسها للخلف حتى يطلق سراح وجهها القريب من وجهه بشكل خطير : لا مش فاكرة حاجة و اوعي ايدك دي..
أردفت بينما لكزته بقوة في صدره ، ليترنح أثر ضربتها المفاجئة مع بعض الألم ، لكنه سرعان ما استعاد توازنه وحدق فيها بنظرة غامضة : ودمك مش خفيف ابدا بالعكس يلطش و تقيل و سخيف و…
شهقت بتفاجئ مع وقف سيل من الشتائم التي أغدقته به ، حيث أعماها غضبها منه ، ممَ جعلها تتفوه بما يجول في ذهنها المرتبك والخجول دون انتقاء ، حالما أمسك بذراعيها ، وجذبها نحوه ، واحتضنها بلهفة بين ضلوعه ، بقلب يرتجف من مقدار المشاعر التى تعترى صدره ، محاولًا بث اشتياقه العارم لتلك اللحظة ، وهو يتمتم بنبرة مفعمة بالعشق : بحبك بجنون يا حياة .. عارف ان ممكن هتقومي حرب عشان بحضنك .. بس انا محتاج اتأكد ان المرة دي مابحلمش و اني عايش و ضامك بين ايدي
أنهى كلماته بتنهيدة حارة خرجت من قلبه ، مشتعلة بنار الحب ، لتلفح جلد رقبتها الرقيقة.
هدأت حركتها تمامًا بمجرد سماعها كلماته الصادقة ، ولا شعوريا رفعت يدها حول خصره وغمست رأسها أكثر في صدره لتغلق عينيها.
من دون تمهيد ، تسللت الدموع تشق طريقها لتتدفق مثل الشلال على خديها ، وكأن ببكائها الذى قمعته كثيرًا ، تطرد آخر ما يربطها بالحزن والترقب والحيرة ، لتغمغم من أعماق قلبها المتيم بهذا الرجل : وانا كمان بحبك اوي يا بدر
ابتسامة تتوق خافتة ، مليئة بكل الشوق في صدره لها ، اعتلت فمه حينما التقطت أذناه ما قالته ، بينما ارتفع كف يده يمسد به فى نعومة على خصلاتها البرتقالية.
: وانا عايز اتجوزك انهاردة مش بكرا و لو اعترضتي هدخلك القفص غصب عنك
قال بنبرة خافتة مازحا ، لتخرج من حضنه ثم أطرقت رأسها للأسفل بخجل منه ، لتهتف ضاحكة وسط دموعها : بدر..
ابتسم بلطف لابتسامتها ، وهو يعانق وجهها مرة أخرى بكفيه ويمسح دموعها ، هامسًا بنبرة مشبعة بالحب : حياة بدر ملك ايديكي يا مانجتي
تلاشت ابتسامتها واتسعت مقل عينيها بصدمة ، وهي تحاول أن تفلت من ذراعيه التى ما زالت تطوقها ، حالما سمعت صوتًا يقول بمرح من خلفهم بعد أن أطلق صافرة شعرية : الله الله وانا اللي طالع متوقع اشوف دم في كل حته و معارك .. بس شايف ان الحب ولع في الدرة خالص
رفع بدر رأسه ، ناظرا بضيق إلى أخيه ، بالتزامن مع حياة التى ادارت رقبتها إليه ، تحدق فيه بعيون ضيقة ونظرات خجولة ، ليوزع بصره بينهما حينما لاذوا بالصمت ، ليوجه حديثه نحو حياة ببراءة : ماتبصليش كدا مافتحتش بوقي ولا قولت حاجة
أخفت حياة ضحكاتها ، ووضعت يدها في كف بدر ، لتقول بهدوء مفعم بالبهجة : خلاص مش مهم اي حاجة .. المهم انه قدامي دلوقتي وبخير
نظر إليهما جاسر بعبث غامزًا بطرف عينه ، واستكمل مبتسمًا بعد أن وضع يده في جيب بنطاله وأشار بيده الأخرى نحوهما : ايوه طبعا انا مش محتاج اسأل عن اي حاجة .. الاجابة باينه علي وشكم
حدق به بدر بابتسامة صفراء ، وهو يرفع حاجبه الأيمن قائلاً بغيظ مكتوم : لماح زي اخوك و بتفهم
دوى ضحكة جاسر في المكان وهو يشاهد عيني بدر تشتعل ، ليقول بسماجة بين ضحكاته : تشكر يا متر
تنهد قبل أن يهز كتفيه و أردف بقلة حيلة : لا مؤاخدة اضطريت افتح بالمفتاح اللي معايا من كتر القلق اللي شحنتني بيه شذي الله يباركلها
: مساء الخير يا جماعة
عرجت أعينهم تجاه الواقف عند مدخل الصالة بحرج ونوعًا من التردد ، ليهتف جاسر بصوت عالٍ مرحبًا به : مساء النور يا دكتور
تقدم مازن خطوتين إلى الأمام وقال بابتسامة هادئة : معلش لاقيت الباب مفتوح و سمعت صوتكم فدخلت .. حمدلله علي سلامتك يا بدر
ابتسم بدر له وهو يصافحه بهدوء مشيرا إلى اليمين ، قائلا ببحته المميزة : الله يسلمك يا مازن .. اتفضل البيت بيتك
تمتم مازن بصوت هادئ : الله يحفظك..
جلس مازن على مقعد ، وجاوره جاسر في الكرسي الآخر ، مقابلهما بدر وحياة على كنبتين ، يفصل بينهما زاوية صغيرة فقط.
تحدث مازن بابتسامة ، مستديرًا نحو حياة : عاملة ايه يا حياة؟ علي فكرة مروة لسه راجعة من السفر هي وجوزها انهاردة وكانت بتسالني عليكي
أومأت إليه باسمة الثغر ، قائلة بنبرة هادئة : انا الحمدلله .. هكلمها في اقرب وقت ان شاء الله
استأنف مازن حديثه بنبرة عملية ، ناظرا إلى بدر : طمني عليك اخبار صحتك ايه دلوقتي يا بدر؟
رفع حاجبه ، ملاحظًا أن نظرته مليئة بالإشراق اتجاه حياة ، لكنه أجاب بنبرة باردة وساخرة في نفس الوقت : الحمدلله بقيت احسن كتير
نظر إليه جاسر بقلق ، وقال بامتنان ، محاولًا تلطيف الأجواء وهو ينظر إلى مازن : احنا بنشكرك جدا يا دكتور علي وقفتك معانا وقت الازمة دي
هز رأسه نفيًا وقال بأدب : لا شكر علي واجب .. احنا جيران
تحركت نظراته عفويًا نحو حياة التي لم تهتم بهذا الحديث بالمعنى الحرفي للكلمة ، لأنها تحملق في بدر بعمق ، ليقطب مازن حاجبيه وقال بضيق : الحمدلله اننا اطمنا عليك يا بدر ربنا يديك الصحة و العافية
حدجه بدر وعيناه تلمعان نظرة غريبة ، ثم تكلم بابتسامة جانبية : الله يخليك يا دوك و ياريت تقولي مبروك كمان
تابع بدر بصوت حازم ونبرة ذات مغزى ، بينما كان لا يزال يحدق به بنظراته الجادة ، أما الآخر فقد استقبلها مثل السهم ، محطمًا فيه شعورًا لم يكتب له نصيبًا ليكون متبادلاً : انا و حياة هنتخطب قريب اوي ان شاء الله
ختم كلماته بابتسامة عذبة مليئة بالحب ، موجهة إلى حياة ، التي غرقت في خجلها ولم تعقب ، بينما ألجمت الصدمة لسان مازن عن الرد لبعض الوقت ، أما جاسر فقد جاهد لإخفاء ابتسامته المدهوشة ، كونه يعلم أن أخيه الرصين يفكر مليًا قبل اتخاذ القرارات ، ليضع يده خلف رأسه ، ويفرك رقبته بخفة.
خرج صوت مازن بنبرة لبقة ، محاولا رسم ابتسامة على فمه : الف مبروك
رد عليه بدر بينما خفضت الأخرى بصرها بإبتسامة خجولة في صمت ، وهي تقضم خدها من الداخل : الله يبارك فيك يا دكتور عقبالك .. و شكرا علي كل حاجة
اختتم حديثه بابتسامة شكر ليستاذن مازن بالمغادرة ، موضحًا أن لديه عمل في عيادته الخاصة ، مقررًا أنه سيطفئ بسرعة شرارة هذا الإعجاب من داخله.
يقال أن كل ممنوع مرغوب فيه ، قد تتوهم أن هذا هو الحب ، ولكنها مجرد مشاعر الافتتان وحب الفضول لمعرفة ما يخفيه هذا الشخص في أعماقه الغامضة ، وهذا بالضبط ما جعل مازن ينجذب إلى حياة.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد نص ساعة
خرجت حياة من الغرفة مرتدية سروالًا أبيض وكنزة من نفس اللون ، وفوقها سترة من القطن السماوي ، وشعرها البرتقالي يتدفق بنعومة على كتفيها.
نظرت في الردهة بحثًا عنه ، لتجده جالسًا ومرفقيه على الأريكة ، يضع قبضته أمام فمه ، يداعب لحيته ، مطرقًا عيناه للأسفل.
عرفت أنه مشغول بالتفكير العميق ، فتوجهت نحوه بخطوات مترددة إلى حد ما ، بينما كان بدر شاردًا في بحر واسع من الأفكار ، وعلى رأس القائمة ذلك المازن الذي كان عليه أن يجعله يستيقظ من أوهامه ناحية حياة ، واثقًا من أنه قدم له المساعدة مسبقًا فقط من أجل الاقتراب منها ، فهو لم يكن على وفاق معه منذ سنوات.
: بدر!!
انبسطت أساريره فور سماع اسمه من بين شفتيها الرقيقة ، فالتفت نحوها وهو يشير إليها للجلوس بجانبه.
أومأت بالموافقة أثناء جلوسها وثني ركبتها تحتها ، ليقلد هو طريقة جلوسها تلقائيًا حتى يتمكن من رؤيتها بشكل مريح.
ظل محملقًا بها ، سارحًا بملامحها الجميلة ، قبل أن يحمحم بخشونة ، واضعا يده فوق كفها الدافئ على الأريكة بينهما ، قائلا بتنهيدة عميقة : مش عايزك تزعلي من اللي قولته قدام مازن .. بس انا مانسيتش عزومته ليكي علي الغذاء وحركاته من الأول .. فكان لازم اوقفه عند حده
أنهى كلماته بنبرة منزعجة مشددًا على كلماته ، بينما هي تنظر إليه مبللة شفتيها ، لتنبس بصوت منخفض خجول من تحديقه بها مطولاً : مين قالك اني زعلت؟
اتسعت عيناه متفاجئًا ، وكاد يشعر أن قلبه سيخرج من مكانه ويعانقها بشدة ، لكنه سيطر على عواطفه ، مبررا ذلك بنبرة خافتة رجولية : يعني .. عشان قولت كدا من غير ما اعرف رأيك .. بس دلوقتي هسألك .. موافقة تتجوزيني يا حياة؟
ارتسمت ابتسامة سعيدة داخل قلبها بسبب رغبته في توطيد العلاقة معها بشكل جاد ، و أيضًا بسبب احترامه واهتمامه بما تريد ، لكنها حاولت التماسك ثم ردت بجدية : بدر .. انا وانت مشينا طريق صعب مع بعض وانا حبيتك وانت حبتني دي خطوة مهمة في طريقنا .. بس لسه في حاجات كتير قدامنا قبل ما نقرر نخلي الارتباط رسمي
أجابها بابتسامة ، مفتونًا بكلماتها العقلانية ، وتابعت عيناه كل حركة منها بتدقيق عفوي : عندك حق وانا مش بستعجلك في الرد عليا .. خدي وقتك براحتك وانا هستني .. بس لازم تعرفي اني علي قلبك مكان ماهتروحي
ضحكت حياة بمرح وقالت بصوت ناعم : واضح انك مش ناوي تأثر عليا ابدا يا متر
أمسك بدر بكفها ورفعه نحو فمه ، ملثمًا إياه برقة ، مما أدى إلى ارتجافة بسيطة بجسدها.
ازدردت لعابها في ارتباك ، وهي تسحب يدها إلى جانبها بخجل ، ليقول بابتسامة ملتوية : المتر عنده كلام كتير محتاج يتكلم فيه معاكي
ردت حياة بصوت مرتجف ، بعد أن خفضت رموشها ، وتوردت وجنتيها خجلاً : و وانا كمان .. بس الوقت جري بسرعة وانا لازم الم حاجاتي و اروح عند شذي
رفع بدر حاجبيه باستنكار وتمتم بسخط طفيف : ليه يعني؟
نسيت خجلها للحظة وهي ترمقه بتعجب ، ثم استطردت حديثها بحرج : بدر .. اكيد مش هنبات انا وانت هنا .. كمان انت لسه خارج من المستشفي ومحتاج تستريح .. انا بقالي اسبوع قاعدة عندها وبكرا هنروح انا وهي نشوف شقة ليا في مكان قريب من هنا
لوى بدر ثغره قائلا بإعتراض : الغي الكلام دا كله مش هيحصل
حدجته حياة فاغرة فمها وتسارعت دقات قلبها ، لتسأل بغرابة : ازاي بقي؟
زفر بدر الهواء من فمه ، ثم نظر بعمق في عينيها محاولاً التحدث بنبرة هادئة : شوفي انا مش عايز اقلقلك .. بس ماينفعش تكوني بعيد عني يا حياة خالص الفترة الجاية .. ماتنسيش كريم هربان وانا ماضمنش ممكن يعمل ايه؟
جعدت حاجبيها بدهشة وفتحت فمها للمجادلة ، لكنها كبت اعتراضها حينما أكمل حديثه قائلا بحزم أعجبها : انتي هتفضلي هنا و شقتك من بكرا هرتب نقل العفش اللي فيها مكان تاني .. و اتفقت مع شركة حارسة هيكونو هنا من بكرا عشان العمارة ومعهم بتوع صيانة الاسانسير كمان
هزت حياة رأسها بعدم تصديق اقرنته بنبرتها المنذهلة : حيلك حيلك عليا انت لسه تعبان يا بدر لحقت ترتب كل دا امتي؟
ابتسم بدر بثقة ، يميل نحوها قليلاً ليقول بهمس : اسبوع كامل في المستشفي يا مانجتي .. حاجات كتير حصلت فيه .. اما بالنسبالي هقعد في شقة جاسر في الدور اللي تحتك علي طول يعني كل شوية هتلاقيني بنط عندك اطمن عليكي
حدقت في غمازاته الجميلة دون أن تعى على حالها ، ثم تمتمت بإعجاب صادق : باين عليك شعلة نشاط يا متر عيني عليك باردة
غمز لها بطرفة عينه دون تعقيب ، فابتسمت له بعذوبة وبراءة ، ليواصل حديثه بجدية : عارف ان ممكن تضايقي من الوضع الملبش دا .. بس صدقيني انا مايهمنيش حاجة اكتر من اني اكون مطمن عليكي
رمقته بنظرة تفيض بالحب والامتنان ، لتهمس بصوتها الرقيق : وانا مش مضايقة بالعكس انا مبسوطة يا بدر
كلاهما حدق في عيون الأخر لبضع ثوان ، ليهمس لها : وانا مبسوط بيكي ..
خفض بصره إلى ساعة يده و أردف : لازم هنزل دلوقتي والصبح هعدي عليكي اوصلك المدرسة و بعديها هروح اشوف اميرة
جفلت حياة وشعرت بقشعريرة تسري في عروقها وضربات عنيفة اجتاحت قلبها عند ذكر تلك المخلوقة ، لتتمتم بتردد : متأكد من الخطوة دي؟
أومأ بدر برأسه ناظرًا إليها بحسم ، وتابع بنبرة مستاءة : ايوه لازم اعمل كدا .. حسابات الماضي اللي بينا لازم اصفيها .. عشان اقدر ابدأ من اول وجديد
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد مرور يومين
داخل النيابة العامة
دخلت أميرة وجهها شاحب وبعض الكدمات تزين خدها ، لتتسع عيناها بصدمة فور أن رأت بدر جالسًا على الكرسي واضعًا قدم فوق الأخرى فى هدوء.
غمغم بدر ساخرًا حالما خرج المدعي العام بعد أن سمح له بالتحدث معها على انفراد : مالك كأنك شوفتي عفريت قدامك .. مش هتقوليلي حمدلله علي السلامه
أنهى كلماته بابتسامة ساخرة جعلتها ترتعد داخليًا ، وهو يستقيم شامخًا ويمشي نحوها بخطوات واثقة ، واقفًا أمامها يحدق بها بنظرات مظلمة ، مباغتًا اياها بصفعة قوية سقطت على خدها ، مما جعل رأسها يطيح إلى الجانب الآخر.
تخدرت أطرافها من الألم حاد في فكها ، والدم ينزف من أنفها ، لتنظر إليه بخوف عندما قال لها بحقد : دي اخرت اشكالك .. قسما بالله ما هرتاح غير وانا متأكد انك مش طالعة من هنا غير علي قبرك انتي و الحيوان التاني
حدجها بنظرات نارية ، فلم تستطع النظر إليه مطرقة رأسها نحو الأسفل ، لتسمع صوته الهامس المليء بالكراهية و الغضب بجانب أذنها : تعرفي انكو محظوظين .. يمكن حكم المحكمة هيبقى ارحم من العذاب اللي كنت ناوي اعملو فيكو ..
رفع ذقنها بخشونة حتى نظرت إليه بالقوة ، محتجزا فكها بين كفه بقسوة ، متابعًا حديثه بحدة وغل دفين : لو عليا ادفنكو صحيين او اولع فيكو بجاز .. بس انا راجل قانون و اعرف اخد حقي بيه كويس اوي .. مش هضيع عمري و مستقبلي واجرم بحق نفسي عشان شوية او*اخ زيكو
اهتزت حدقتيها بخوف سرى في عروقها وهي تهمس بإضطراب : بدر انا عارفة ان حقك تقول وتعمل اكتر من كدا .. بس صدقني كريم هو اللي خطط لكل حاجة هو اللي اجبرني ادخل شريكة معه
نفض فكها و يدها متراجعًا خطوتين إلى الوراء ، وشعور بالاشمئزاز منها واضح في ملامحه : لا انتي اللي سيبتي باب الشيطان موارب ماقفلتيهوش ولا حاولتي تنبهيني عشان اخد حذري واحميكي منه .. واحدة واحدة قدر بسمو يتسرب جواكي خلاكي تطمعي اكتر واكتر لحد لما لاقيتي نفسك في الغلط من غير ماتحسي
استمرت الدموع تنهمر في عينيها وهي تفرك يدها برفق ، وتجيبه تبريرًا : انا معترفة اني ضعفت قدام الفلوس كان نفسي اعيش في مستوي احسن و انقذ امي من الفضيحة يا بدر…
رمقها بنظرات مخيفة جعلتها تبتلع بقية حديثها ، ليهتف بصوت عالٍ حاد : عذر اقبح من ذنب انتي طمعتي .. استحملت منك كتير اوي طول الفترة اللي عشتها معاكي .. حتي لما رفضتي نجيب اطفال اول جوازنا رغم ان دا ابسط حقوقي احترمت رغبتك .. بس مستحيل هغفرلك خداعك واستغفالك ليا
قطبت حاجبيها للحظة ، وفكرت قبل أن تصرخ في وجهه بحنق يشوبه الارتباك : انا اللي استغفلتك تقدر تقولي حياة دي عرفتها امتي عليا ؟ انت كمان خدعتني يا بدر واول ما جتلك الفرصة بقيت عايز تخلص مني من غير ماتسمعني..
جفلت عندما قاطع استرسال كلماتها بعد أن ضاق ذرعًا ، ليهدر فيها بانفعال غاضب ، لذا تراجعت خطوتين إلى الوراء برعب : اسمعك!! ايه البجاحة دي ؟ ليكي عين تكلمي بعد كل اللي جرالي منك وكنتي عايزة تقتليني مرتين .. دا غير البلاوي اللي عملتيها ووصلتك لهنا؟
قوس بدر ثغره معللاً بفتور : بلاش تبرري لنفسك خيانتك و خداعك .. الوفي لا يخون الخاين .. مش طبعي ولا مبدأي .. انا عشان مقتنع باللي موجود في حياتي كنت مانع نفسي عن اي حاجة توقعني في الغلط .. من يوم ماتجوزتك و انا مقفل كل الابواب ومكتفي بيكي وبتقي ربنا اللي ماتعرفهوش فيكي
لجأت إلى السلاح الوحيد الذي تملكه الآن البكاء قائلةً بيأس تستعطفه : صدقني احلفلك بإيه اني ندمت علي اللي عملته ؟
ابعد يده في الحال بنفور ، وشبكهما خلف ظهره عندما لمسته ، وحدق بها بصمت لبضع لحظات قبل أن أومأ برأسه ، قائلاً بجمود : يمكن دا يكون دليل علي ان في حته في ضميرك صاحية .. بس للاسف فات اوان الندم يا اميرة
استشعرت السخرية في عمق نظراته إليها ، لكنها لم تهتم وواصلت حديثها بنبرة اكثر الحاحًا : ارجوك سامحني يا بدر .. انا عارفة ان دا صعب عليك .. بس انت دايما كنت طيب و بتسامحني .. انا معرفش ليه وصلت لكدا ارجوك ساعدني وطلعني من هنا يا بدر
لوي شفتيه بابتسامة باردة لا تمت للمرح بأي صلة ، وفهم خدعتها التي لجأت إليها لإثارة شفقته عليها ، لكنه هز رأسه سلبًا ثم قال بنبرة جافة : دي كمان فات أوانها .. محدش بياخد كل حاجة من الدنيا و غلطاتك كانت فظيعة و مايتغفرش.
أنهى كلامه متجاوزًا إياها ، وهو يتجه نحو باب الحجرة ، ثم توقف للحظة ، وقال بصوت بارد : بالمناسبة انا طلقتك رسمي امبارح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية شبح حياتي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *