رواية سلانديرا الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم اسماعيل موسى
رواية سلانديرا الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم اسماعيل موسى
رواية سلانديرا البارت الرابع والعشرون
رواية سلانديرا الجزء الرابع والعشرون

رواية سلانديرا الحلقة الرابعة والعشرون
عندما ينهار الجحيم
الريح حملت صوته… كما حملت اسمه.
كان يعرف.
كان يعرف أنه، بمجرد أن يُنطق اسمه، لا يمكن للقدر أن يبقى على حاله.
خاطر وصل.
شَقَّ طريقه بين صفوف الجان مثل الطوفان، مثل الإعصار، مثل كارثة لا يمكن إيقافها.
وفي لحظةٍ واحدة… لم يعد هذا زفافًا.
بل صار حربًا.
التحطيم.
الدمار.
الانفجار.
البوابة العظيمة التي كان من المفترض أن تحمي القصر تحولت إلى كومةٍ من الحطام، جنود الجان طاروا كأنهم دُمى خشبية هشّة، والساحة بأكملها اهتزّت تحت وقع خطوات القادم من الجحيم.
خاطر.
وقف هناك، عند مدخل القصر، سيفه يقطر بدماء الحراس، وجهه لا يعكس أي أثرٍ للرحمة، عينيه مثبتتين على شيءٍ واحد فقط…
زافيرا.
لكن قبل أن يتحرك، قبل أن يخطو خطوةً أخرى، اهتزّت الأرض مجددًا.
لم يكن وحده.
بتروس قد وصل.
—
الأسطورة التي ابتلعت أساطير الجان نفسها.
الضباب الكثيف اندفع إلى القصر كالأمواج، ومعه ظهر الوحش.
كان كابوسًا متجسدًا.
جسدٌ أسود، كأنه مصنوعٌ من ظلالٍ متشابكة، أجنحةٌ ضخمة تخفق في الهواء، وعينان تحترقان بضوءٍ جهنميّ لا يرحم.
بتروس.
الوحش الذي لا تمسه سيوف الجان، ولا تؤثر فيه تعاويذهم.
وها هو الآن يبتلعهم.
الجنود، أولئك الذين كانوا أشداء لا يخشون شيئًا، رأوه ينقضّ عليهم، يبتلعهم بين أنيابه دون أن يترك أثرًا، يضرب بذيله ليحطم الجدران، ويطلق زئيره ليزلزل الهواء نفسه.
كانوا يهاجمونه…
وكان يضحك.
حرابهم؟ لا شيء.
سيوفهم؟ لا شيء.
تعويذاتهم؟ مجرد همسات تافهة.
بتروس… كان أكثر من مجرد مخلوق.
كان لعنة.
والآن، كانت اللعنة تسحق مملكة الجان.
—
لكن شيفان لم يكن ينظر إلى بتروس.
كان ينظر إلى شيءٍ آخر.
إلى خاطر.
الرجل الذي وقف الآن أمامه، أمام عرشه، أمام زفافه، أمام قوّته، وكأنه لا شيء.
كأنه لم يكن ملكًا.
كأنه مجرد عقبة…
عقبة يجب إزالتها.
وفي اللحظة التي فتح فيها خاطر فمه وقال بصوته القاتل:
“أظن أن اسمي قد ذُكر هنا؟”
كان شيفان قد تحرك بالفعل.
—
الضوء الأسود اشتعل.
السيف السحري، المُحصَّن بالتعويذة السوداء، ارتفع في الهواء.
ثم، في غمضة عين…
شيفان قفز.
كان مثل رمحٍ مظلمٍ انطلق من قلب الجحيم، عيناه مشتعلة بالغضب، بالسواد، بالقوة التي لم يعرف الجان مثلها من قبل.
كان يعرف من هو خاطر.
كان يعرف قوته.
لكنه لم يهتم.
لأنه كان، ببساطة…
أقوى.
وانطلق السيف في الهواء، مباشرةً نحو عنق خاطر.
حين ينفجر السماء والجحيم معًا
السيف المشحون بالسحر الأسود انقضّ بسرعة لم تمنح خاطر فرصةً للمراوغة بالكامل.
كان يعرف أن لمسةً واحدة من هذا السيف يمكن أن تكون قاتلة، لكنه لم يكن بحاجةٍ إلا للحظة، لحظةٍ واحدة فقط ليرى مدى قوة خصمه.
انفجر الشرر بينهما.
حين التقت الحواف المعدنية، انطلق وميض أسود أعمى كل من كان حولهما، ومع ذلك… شعر خاطر بالجرح.
جرحٌ بسيط… شقّ كتفه اليمنى، ترك خطًا أحمر على جلده، لكنه كان أكثر من مجرد جرح.
شيفان ابتسم.
ابتسامةً بطيئة، واثقة، ابتسامة رجلٍ أدرك أن الدم قد سال، وأن القتل قد بدأ.
لكنه لم يكن يعلم أن الوقت قد نفد.
—
راجمات السماء.
كان الصوت أشبه بطوفانٍ قادم من الأعالي، صوتٌ جعل الجميع يرفعون رؤوسهم إلى السماء.
هناك، بين السحب الداكنة، تجمعت دوائر سحرية ضخمة، كل واحدةٍ منها تشتعل بوميضٍ أزرق متفجر، كل واحدةٍ منها مشحونة بالقوة البدائية للبرق والنار.
ثم سقطت النيران.
سقط الجحيم.
السماء أمطرت الموت.
كانت القذائف تنفجر فوق رؤوس الجميع، تحطم الجدران، تحرق الساحات، تدمر التماثيل والأعمدة والجنود دون تمييز.
كان شيفان قد وضع في حسبانه كل شيء…
كل شيء عدا هذا.
“زافيرا!”
صوت خاطر اخترق الفوضى.
التفتت نحوه، رأت الجرح على كتفه، الدم الذي سال، لكنه كان واقفًا، كان ينظر إليها بحدة، كأنه كان ينتظر هذه اللحظة بالذات.
“تعالي معي.”
لم تسأل. لم تتردد.
ركضت.
—
الهروب عبر الممر المحرّم.
في ظل الدمار، وسط اللهب، وسط الجثث المتناثرة وصراخ الجان الذين تحولوا إلى رماد تحت ضربات السماء، كان هناك طريقٌ واحدٌ فقط للخروج.
طريق لم يكن ليُفتح إلا بفضل شخصٍ واحد.
الدارون مستشار ملك الصقيع.
في زاويةٍ معزولةٍ من القصر، عند حافة الممرات السفلية حيث لم تصل النيران بعد، كان الباب الحجري العملاق قد فُتح.
كان ممرًا قديمًا، طريقًا لا يعرفه سوى القلّة، يؤدّي مباشرةً إلى أعماق الجبال، ومن هناك… إلى مملكة البراري والصقيع.
وحين وصلا إلى العتبة، حين شعرت زافيرا بالهواء البارد القادم من أعماق الأرض، التفتت إلى خاطر وسألته:
“إلى أين؟”
فنظر إليها، نظرةً كانت نصفها وعد… والنصف الآخر لعنة.
“إلى المكان الوحيد الذي لا يستطيع شيفان لمسك فيه.”
وسط العاصفة الثلجية التي اجتاحت السهول البيضاء، كان خاطر يقود زافيرا عبر الممر السري الذي فتحه لهم الدارون. الرياح كانت تعصف بشعورهم، والصقيع يلتهم أنفاسهم، لكنهما لم يتوقفا. كان هدفهما واضحًا—الوصول إلى قصر الريح، حيث يقيم ملك الصقيع، إيريديون.
عند بوابة القصر، وقفت حراسة من العمالقة الجليديين، دروعهم كانت تلمع تحت وهج المشاعل الباردة، وعيونهم بلون السماء في يومٍ مثلج. لكن بمجرد أن رأوا خاطر وزافيرا برفقة الدارون، انحنوا دون كلمة، وفتحوا البوابة الضخمة التي أطلقت زئير الرياح وهي تفسح الطريق للوافدين.
داخل القصر، كان كل شيء يبدو وكأنه نُحت من الجليد نفسه. الأعمدة العملاقة ارتفعت كأنها امتدادٌ للسماء، وأضواء زرقاء خافتة تنبعث من البلورات المتجمدة التي زينت الجدران. عند العرش، جلس إيريديون—ملك الصقيع، رجل ذو حضور لا يشبه أي مخلوق آخر.
كان طويلاً، ذو بشرة شاحبة كالرخام، وعينين تتوهجان كنجمتين في ليلة قطبية. معطفه المصنوع من فرو الذئاب الجليدية انسدل على كتفيه، وسيفه المصنوع من نصل الجليد الأبدي استند إلى العرش بجانبه.
حين اقترب خاطر وزافيرا، نظر إليهما مليًا، ثم تحدث بصوتٍ هادئ، لكنه حمل في طياته قوة العواصف:
“جئتَ إلى أرضي تحمل معك حربًا، يا ابن البشر.”
رفع خاطر رأسه، رغم الإرهاق، رغم الجراح، ثم أجاب بثقة:
“جئتُ طلبًا للحماية، لا الحرب. لكنني لن أهرب إذا لحقتني الحرب.” وانت منحتتى وعدك
سكنت القاعة للحظة، ثم التفت إيريديون إلى زافيرا، التي كانت تحمل في عينيها تعبًا وألمًا، لكنه لم يستطع أن يطمس القوة التي لا تزال تحترق بداخلها.
“وأنتِ، أميرة الجان، هل اخترتِ طريقك؟”
نظرت إليه، ثم إلى خاطر، وشدت على يده ببطء.
“اخترتُ قدري.”
ساد الصمت للحظات، ثم ارتسمت ابتسامة بالكاد تُرى على شفتي ملك الصقيع. أشار بيده إلى أحد الخدم:
“جهّزوا لهم جناح الرياح الشمالية. سيكونان ضيفيّ حتى يحين الوقت.”
ثم نظر إلى خاطر نظرة غامضة، وكأنه يزن شيئًا في عقله، قبل أن يضيف:
مملكة الصقيع تفى بعهودها للبشر والجان سواء، لن يمسك مكروه من خارج أرض مملكة الصقيع ما دمت حى
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سلانديرا)