روايات
رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثالث عشر 13 بقلم مريم محمد غريب
رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثالث عشر 13 بقلم مريم محمد غريب
رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت الثالث عشر
رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء الثالث عشر
رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة الثالثة عشر
_ موروثات ! _
ملأت الزغاريد الدار و الصيحات المهللة في كل مكانٍ، كان كل هذا بمثابة طعناتٍ تنفذ إلى بدنها، لحظة وقوع الخبر على مسامعها، لم تتحمل و هرعت راكضة إلى شقة أبيها
ظنَّها الجميع خجلة.. إلا إنها في الحقيقة كانت مصدومة، مرعوبة، بالطبع، ما المتوقع منها ؟
بعد أن علمت بأن عمها
الزعيم الكبير
و قد قرر أن يزوجها من إبنه بعد أيامٍ قليلة !!!
أيعقل بأن يكون زفافها هي خلال تلك الفترة القصيرة و على أكثر إنسان تمقته في حياتها !
لا و الأدهى، الأقسى على الإطلاق كان علمها بخبر زواج الرجل الذي أحبته من صميم قلبها من أخرى، عذابٌ طافح يكاد يخنقها حتى الموت
إرتمت فوق الأريكة تصك أذنيها بيديها و هي تذرف الدموع بصمتٍ، لا تستطيع تقبل هذا، لا تتحمل سماع صوت الأفراح و الاحتفالات.. إنها ليست زيجة كما يعتقدون، بل جنازة !!!!
-بطة !
كان هذا صوت أمها، السيدة “نجوى” قد لحقت بها و ها هي تلج عبر باب الشقة بابتسامة من الأذن للأذن، أغلقت الباب خلفها بسرعة و هي تقول مستديرة ناحية إبنتها :
-يا فرحة عمري.. الليلة نازلين نجبلك أحلى شبكة يا قلب أمـ …
بترت جملتها حين وقعت عينيها على فتاتها التي بدت في حالة شنيعة من البؤس و الحزن الشديد
إنطلقت صوبها و هي تهتف بجزعٍ ملتاع :
-مالك يا فاطمة.. مالك يابنتي فيكي إيه ؟!!!
و جلست على طرف الأريكة بجوارها، أحاطتها بذراعيها و ضمت جمسها المرتعش إلى أحضانها الحنونة متمتمة بقلقٍ :
-إيه إللي صابك يا قلب أمك. جرالك إيه بس يا بطة.. ردي عليا يا حبيبتي إيه إللي فيكي !!!
-أما ! .. نطقت “فاطمة” بصعوبة من بين دموعها
نجوى بتلهفٍ : عين أمك ياختي !
أرخت ذراعيها من حولها عندما شعرت بأنها تريد الارتداد للخلف قليلًا، بينما تتطلع “فاطمة” إلى والدتها و الدموع ملء عيناها.. تنتظر هنيهة، ثم تقول بلهجةٍ مرتجفة :
-آنا.. أنا مش عايزة أتجوز مصطفى !!!
حملقت “نجوى” فيها ببلاهةٍ بادئ الأمر، ثم ما لبثت أن سألتها مذهولة :
-مش عايزة تتجوزي مصطفى ؟ ليه يا بطة ؟؟!!
هزت رأسها للجانبين مغمغمة بمرارةٍ :
-مابحبوش ياما.. عمري ما حبيته. أنا كنت مفكرة الكلام إللي بسمعه من صغري ده لعب عيال.. بس لما توصل لجواز و بالسرعة دي. لأ.. لأ ياما ونبي. شوفيلي حل
عمدت “نجوى” إلى تهدئتها في الحال و هي تربت على كتفها قائلة باقتضابٍ :
-طيب بس إهدي. إهدي يابنتي.. دي أكيد عين و صابتك. هو إنتي حظك شوية. ده إنتي فاطمة بنت إمام الجزار و كمان جمعة هاتبقي على ذمة مصطفى إبن عمك سالم الجزار كبير الجزارين و الحي كله بتاعه. هاتبقي ست الستات يا حبيبة أمك …
-مش عايزة أبقى ست الستات أنا !!!! .. إنفعلت “فاطمة” بشدة مقاطعة كلام أمها
إنتفضت مبتعدة عنها نهائيًا و هي تصيح بعصبيةٍ مفرطة :
-أنا مابحبش مصطفى.. بكرهه. سامعة ياما. و لو إتجوزته هموت نفسي …
قامت “نجوى” واقفة قبالتها و قد تملكها الغضب و هي تهتف بها زاجرة :
-إيه يا بت الفجر إللي بقيتي فيه مرة واحدة ده. هتموتي نفسك يعني إيه.. هاتلوي دراعنا. يابنت الموكوسة إنتي تطولي ضفر مصطفى أصلًا. لأ ده أنا أندهلك أبوكي يشوفله صرفة معاكي. كمان شوية رايحين نجيب شبكتك يابنت الـ**** !!
فاطمة بصراخٍ جهوري :
-مش هـاتجوووووززززززه !!!
-إيه ده في إيه ؟!!
ينضم لهما صوت “إمام” في هذه اللحظة، نظرتا معًا، فإذا به يلج عبر باب الشقة و أخيه الكبير في إثره.. كانت نظرة مريبة تعتلي محياه
ظل يتبع شقيقه إلى الداخل و هو يحرك مسبحته بين أنامله و نظراته لا تحيد عن إبنة أخيه، بينما ترد “نجوى” بتوترٍ ملحوظ و هي توزع نظراتها بين الجميع :
-مافيش حاجة يا سي إمام سلامتك. ده أنا قاعدة بحايل في بطة بس.. أصلها زعلانة أوي و متعصبة !
يخرج “سالم” عن صمته المدروس في هذه اللحظة قائلًا بصوته الرصين :
-كفى الله الشر.. مالها عروستنا الحلوة. إيه إللي ممكن يزعلها و عمها سالم الجزار موجود على وش الدنيا ؟
إبتسمت “نجوى” مغطية على ارتباكها و هي ترد عليه :
-نعمة و فضل وجودك فوق راسنا يا سي سالم. هي بس ماكانتش عاملة حسابها على شرى الدهب الليلة.. ماعندهاش حاجة يعني عليها القيمة تلبسها و هي ماشية معانا و مع خطيبها !
و ألقت نحو إبنتها نظرة متوسلة ملؤها الهلع مما قد تتفوّه به …
على الطرف الآخر، يقترب “سالم” بضعة خطوات من إبنة أخيه و هو يقول مبتسمًا :
-يا سلام ! بقى هو ده إللي معكنن عليكي و مطلع صوتك كده يا ست البنات.. بصي يا بطة. إنتي لو لبستي خيش هاتبقي أحلى بت شافتها المنطقة دي كلها. مع ذلك عمك مش هايحرمك من حاجة. و لا تحملي هم.. هابعت معاكي الولا بندق بعربيتي شخصيًا و تنزلي تنقي إللي يعجبك
-الله يخليك لينا يا كبير ! .. هتفت “نجوى” بحبورٍ شديد
-مانتحرمش منك يارب
أومأ “سالم” مرةً واحدة، ثم مد كفه الضخم و مسد على خد “فاطمة” الرطب قائلًا :
-أهم حاجة عندي تبقي جاهزة قبل الساعة 9.. الساغة كلها هاتكون فاضية عشانك. تدخلي أي محل و تختاري أحلى و أغلى شبكة. إن مكفاش مصطفى عمك يكفي و زيادة يا بطة !
و جمع مسبحته بقبضته ليمسك بكتفيها و يقترب أكثر ليطبع قبلة أبوية فوق جبهتها …
في المقابل تقف “نجوى” بجوار” زوجها شادة على يده بقوة خشية تصرفات إبنتها المستقرة إلى الآن باعجوبةٍ
يلاحظ “إمام” تصلّب إبنته و عدم نطقها بكلمة حتى هذه اللحظة، كما لا يخفى عنه توتر زوجته.. إستشف أن حتمًا هناك خطبًا جلل، لكن حدسه نبئه بأن ليس من المصلحة أن يثير جدلًا الآن
فلينتظر قليلًا.. على الأقل ريثما تمر هذه الليلة !
_________
كانت منهمكة في أعمال المطبخ حين سمعت أصوات الزغاريد من كل حدبٍ و صوب
و كأنها نواقيس الإعدام …
ألقت “نسمة” ما بيديها و أسرعت إلى الخارج، حيث تركت “رزق” يجلس بالصالون متابعًا إحدى قنوات الأفلام الغربية ذات الطابع الحركي الأكشن
لكنها لم تجده حيث تركته تمامًا، بل أنه كان يقف عند النافذة، متخفيًا وراء الستار السميك، بدا أنه يراقب ما يجري بالأسفل و حول منزل عائلته الجليل …
-إيه الصوت ده يا رزق ؟!
بالطبع كانت تعرف ما هذا الصوت و ما هو سببه، لكنها تظاهرت بالبلاهة حتى آخر لحظة.. بينما يرد عليها دون أن يلتفت و بلهجة تكنف غضبٍ مضمر :
-ماعرفش يا نوسا.. بس باينه جاي من بيتنا !
كانت ستجذب معه أطراف الحديث أكثر عساه يفصح لها سهوًا أو تحت الإلحاح عما يعرفه.. لكن هاتفه دق فجأة
فاستدار “رزق” تاركًا مكانه عند النافذة، مشى ناحية سترته الملقاة هناك فوق كرسي الصالون، نبش في الجيوب الداخلية حتى إستل الهاتف
هتف مخاطبًا “نسمة” و هو ينظر مطولًا إلى رقم أبيه الذي أضاء شاشة هاتفه :
-أنا لازم أرد على المكالمة دي.. هادخل أتكلم جوا. إوعي صوتك يطلع !
و ولّى من فوره تجاه غرفة النوم …
أما هي، فحثت الخطى نحو النافذة، و طفقت تتأمل معالم الفرح المقام بالأسفل و هي تعض شفتها السفلى بقوة
تجمعت دموع الغيّرة و الحسرة بعينيها، ماذا لو خاب سعيها ؟ ماذا لو تمت تلك الزيجة ؟؟؟
ماذا ستفعل لو حدث هذا !!!!
°°°°°°°°°°°°°°°
يغلق “رزق” باب الغرفة وراءه بإحكامٍ.. يبتعد قليلًا بحيث لا تتمكن “نسمة” من إلتقاط أيّ كلمة قد ينبس بها
ثم فتح الخط و رد بصلابةٍ شديدة :
-آلو !
جاء صوت “سالم الجزار” قويًا و هادئًا في آن :
-إيه يا عم الرايق.. ينفع كل يوم أصحى ألاقيك بايت برا البيت. إنت فين يا رزق ؟
تجاهل “رزق” تحقيقات أبيه و قال بصوتٍ أجش :
-مش مهم أنا فين. إيه إللي أنا سامعه عندك ده.. إنت عملت إيه يابويا !!!
-عملت إيه يابني. مش قولتلك ليلة إمبارح عندنا دخلتين الجمعة الجاية.. إنت و أخوك مصطفى !
-و أنا قولتلك مش موافق. بتحطني قدام الأمر الواقع يعني.. أنا مابجيش بالطريقة دي و إنت عارف
-طيب بس هدي خلقك شوية. هانقعد تاني و نتفاهم و هاريحك.. مش هاتنزل إنهاردة مع أخوك و تجيب شبكة لعروستك زيه. مش هاحطك في الموقف ده لو مش عاوزه. بس تجيلي و نتكلم. أنا مش بضغط عليك يابني يا حبيبي.. أنا كل أملي أشوفك مبسوط و مرتاح بس !
و ها قد نجح “سالم” بكلمتين بامتصاص غضب إبنه …
تنهد “رزق” بثقلٍ، ثم قال :
-أنا مش هعمل حاجة مش مقتنع بيها يابويا.. مش هاتجوز واحدة غصب عنها
طاوعه “سالم” قائلًا :
-طيب بس تعالى.. تعالى و أنا هاعملك إللي إنت عاوزه. وحياتك عندي هاعملك إللي إنت عاوزه
وافق “رزق” في الأخير :
-تمام.. أنا جاي دلوقتي !
يخرج “رزق” من الغرفة مرتديًا قميصه، كانت “نسمة” تنتظره بالصالون.. رمقته و هو يهم بارتداء سترته هاتفة باستنكارٍ :
-إنت ماشي ؟!
نظر لها متمتمًا باعتذارٍ :
-أنا أسف يا نوسا.. لازم أمشي. في مشكلة في الشغل و أبويا عازوني حالًا
تهدلت قسماتها …
-و الغدا إللي بحضره بايدي عشانك !!
اقترب “رزق” منها و دنى ليطبع قبلة فوق خدها هامسًا :
-معلش.. الجايات أكتر
سألته بشكٍ : متأكد ؟!
لم يفطن للمغزى وراء سؤالها، فقال فورًا :
-طبعًا.. أنا ماستغناش عنك أبدًا. هابقى أكلمك لما أخلص !
و ودعها بقبلة أخيرة فوق شفاهها، ثم تحاوزها ماضيًا تجاه الشرفة الخلفية المطلة على المهرب السري الذي يعتمده منذ فترةٍ طويلة.. لتبقى هي محلها
.
تنظر في إثره الفارغ، تشعر أنها بعد كل هذا أيضًا… لا تزال خالية الوفاض !
_________
وقف وسط شباب الحي و رجاله منتفخ الصدر
ما برحت التهنئات الحارة تنهال فوق رأسه و هو يستقبلها مسرورٌ، لا يستطيع أن ينكر السعادة التي ملأته، فهذا كان حلمه الجميل منذ صباه.. أن يتزوج “فاطمة”… الحب الذي زرعه والده بقلبه حتى عصى عليه إجتثاثه عندما كبر، لدرجة أنه لم ينساق أبدًا وراء أيّ علاقة غرامية
فقط “فاطمة” التي بقت كنجمة صعبة المنال، حتى حين.. حينٍ يقرره والده… و أخيرًا قرر أن يزوجه إياها.. إن هي إلا أيامٍ قليلة و تصير على اسمه.. اسمه هو.. للأبد !
كان على بُعد أمتارٍ من المنزل، عندما لمح خطيبته تخرج برفقة أمها و تمشيان ناحية سيارة أبيه الفارهة.. اعتذر من رفاقه و هرع نحوهما هاتفًا :
-على فين العزم يا مزز ؟!!
ضحكت “نجوى” لمبداعبته، بينما “فاطمة” تقف خلف أمها واجمة، لا تتحمل حتى مجرد رؤيته.. و تسمع أمها تجيب سؤاله تاليًا …
-رايحين مشوار بعربية أبوك يا جوز بنتي !
ابتسم “مصطفى” باتساعٍ قائلًا :
-يسمع من بؤك يا حماتي !
و ألقى نظرة صوب “فاطمة” مكملًا بلهجة تشتعل حماسة :
-و لو إن مش فاضل كتير.. بس الشوق مغلبني أوي
ضحكت “نجوى” ثانيةً و هي تضربه في كتفه مازحة …
-يا واد إتقل مش كده. و بعدين عدينا بقى.. مش عايزين نتأخر
مصطفى باهتمامٍ : رايحين فين طيب ؟؟
-أبوك المعلم سالم الله يخليه لينا يارب باعت معانا بندق لحد السوق. هانشتري طقم حلو كده لبطة عشان مشوار إنهاردة.. إيه في مانع إن شاء الله ؟ حتى لو في ماتقدرش عشان أبوك قال كلمته خلاص
مصطفى ضاحكًا بخفة :
-بتهتيني بابويا..ماااشي يا حماتي. خافي على بنتك بقى !
و قهقها عاليًا …
في الخلفية “فاطمة” تلوي فمها ازدراءً من ذلك الهزل السمجو تقف كما لو أنها فوق صفيحٍ ساخن، حتى مرت أمها لتستقل السيارة من الجهة الأخرى
مدت “فاطمة” يدها مجتذبة باب المقعد الخلفي لتلج بجوار والدتها، إلا أن “مصطفى” بسط ذراعه مانعًا إياها
و هنا اضطرت لرفع وجهها و النظر بوجهه حاد الملامح …
كانت ابتسامة خبيثة تتراقص فوق ثغره و هو يرمقها بنظراتٍ فاحصة، جريئة.. إبتلعت ريقها بصعوبةٍ و نطقت بصوتٍ أبح :
-عديني لو سمحت !
تحركت حدقتيه البنيتان و هو يتأمل قسمات وجهها كلها، ثم حنى رأسه قليلًا كي ما يهمس لها بصوتٍ جمد أوصالها رعبًا :
-إوعك تفكري إني نسيت كلامك.. أنا فاكر كل حرف سمعته منك. فاكر و مش ناسي.. ردي على الكلام ده هاتشوفيه بعنيكي فعل بعد أربع تيام من دلوقتي. و حياة غلاوتك عندي لا تعرفي الفرق الحقيقي بين مصطفى الجزار و حبيب القلب التاني… عدي يا بطة !
و تراجع مفسحًا لها طريق المرور …
لم يكد يرتد لها طرفها إلا و رأته و قد إبتعد عائدًا من خيث أتى !!!
لولا نداء أمها بعد أن لاحظت مدة مكوثها وحيدة لكانت قضت دهرًا هنا متجمدة من شدة الخوف الذي بثه فيها …
-يلا يا فاطمة !
قسوت نفسها على الإذعان لأمها.. إستقلت إلى جوارها شاردة و شاحبة كثيرًا …
-مصطفى كان بيقولك إيه ؟! .. تساءلت “نجوى” بريبةٍ
هزت “فاطمة” رأسها سلبًا و قالت بما يشبه اللهاث :
-ماقالش حاجة !
_________
بعد نجاحه الموثوق بعبور بيت عشيقته دون أن يلفت الانتباه …
مر بشكلٍ طبيعي أمام أخيه و جماعته حتى بلغ عتبة المنزل، ارتأى أن تحون قبلته الأولى هي شقته الخاصة أعلى السطح.. على الأقل ليستحم و يبدل ثيابه ليزداد ثقة و حضورًا كما هو عهده
و بالفعل
صعد الدرج في زمنٍ وجيز حتى صار بمكانه، لكنه وقف كالصنم فجأة، هنا بمنتصف السطح.. حيث وجدها بانتظاره، تجلس فوق المقعد الرياضي خاصته …
-أنا قلت بردو إنك مختلف عنهم ! .. هتفت “ليلة” مستقبلة إياه بكلماتٍ مبهمة كهذه
كانت تجلس باسترخاءٍ و تبتسم، قامت من مكانها بتكاسلٍ و هي تكمل ملوّحة بكفها :
-بس تصدق ذوقك طلع حلو.. اخترت اهدى مكان في البيت ده. و مصممه بشكل كويس. و طلعت فعلًا مهووس بالبوكسينج. ده إنت فاتح جيم هنا يعتبر !
و ضحكت …
-إنتي بتعملي إيه هنا ؟ .. سألها مباشرةً
لتختفي معالم المرح كلها من محياها و هي تمشي صوبه ببطءٍ قائلة :
-أنا وثقت فيك أول مرة.. لما قولتلي إن الموضوع في إيدك. و إنك تقدر تخلي أبوك ينسى حوار جوازنا ده.. بس يا رزق. إنت خيبت أملي !
حاول أن يرد عليها و يشرح له الأمر.. لتسكته باشارة من يدها و هي تقول بجمودٍ :
-أنا كنت عاملة حسابي By the way.. كده كده إنت مش أول واحد يخيب أملي و يخدعني !
نظر لها بغرابةٍ، لتظهر هاتفها باللحظة التالية و تعبث به لثوانٍ.. ثم تضعه أمام عينيه …
-إتفرج و ماتحاولش تخطف الموب من إيدي. أنا شوفت أفلام عربي كتير..و مش محتاحة أقولك إن عندي من الفيديو ده نسخ كتير
و ضحكت من جديد …
لم تمر لحظات إلا و تجلّى له الأمر كله
بينما راقبت تعابير وجهه المصدومة بانتشاء، أبقت شاشة الهاتف أمام عينيه و هي تستطرد بانتصارٍ لا يخلو من الخبث :
-إنت شكلك كنت فاكرني هبلة.. يا حبيبي أنا من الليلة إياها لما ظبطني و أنا بحاول أهرب مابطلتش أفكر إنت كنت هناك في المكان ده الساعة دي بتعمل إيه. من ساعتها و أنا براقبك.. لحد ليلة إمبارح شوفتك و إنت خارج من البيت متأخر. مشيت وراك لحد ما طلعت بيت. صاحبته إللي مقدرتش تصبر حتى لما تدخل و استقبلتك بالاحضان.. تخيل الفيديو لو وصل لسالم الجزار !
في هذه اللحظة نظر إليها بقوة و قد صارت بشرته حمراء لاهبة من شدة الغضب …
-إنتي مجنونة !!! .. غمغم “رزق” محاولًا كبت عصبيته بجهدٍ فائق الحد
تعيد “ليلة” الهاتف إلى جيبها و هي تقول بفتورٍ مستفز :
-منغير كلام كتير و غلط.. أنا مش هاستفيد حاجة من فيديو زي ده. بس لو ماتصرفتش و لاغيت الجوازة دي أنا مش بس هالعب بالكارت ده. لأ.. أنا هاقلب حي الجزارين ده كله حريقة. و صدقني. مش مجرد كلام !
حدجها بنظراتٍ لو أثرت لأحرقتها، لكنها على كلٌ، لم تكن خائفة منه …
و هنا وصل إلى مسامعها صوت سعالٍ خفيف، و صارت خطوات واضحة ترتقي الدرج وصولًا إلى هنا.. سارعت “ليلة” بالاقتراب منه قليلًا و الهمس محذرة :
،قدامك لبكرة عشان تيجي و تقولي إن الموضوع إنتهى.. و إلا و شرف أمي هاتندم !
و أولته ظهره بسرعة متجهة صوب الدرج، لتصطدم بعمها هناك.. قابلها الأخير بابتسامة قائلًا :
-الله ! ليلة. أول مرة أشوفك هنا. أيوة ياستي. طالعة لخطيبك مين أدكوا !
و غمز لها …
ضحكت “ليلة” ضحكة صفراء و قالت باقتضابٍ :
-أنا كنت بقول حاجة لرزق بس.. هو بقى ممكن يقولهالك. عن إذنك يا عمي !
أفسح لها “سالم” …
-إتفضلي يا حبيبتي !
كان يحمل حقيبة جلدية صغيرة في يده، ما إن توارت عن ناظريه حتى تقدم نحو إبنه.. و إذ صار يقف قبالته تمامًا، قال بصوته القوي :
-مالك يالا.. جازز على سنانك أوي كده ليه ؟!
-مافيش حاجة !! .. نطق “رزق” بنزقٍ حانق
ابتسم “سالم” مغمغمًا بلهجة ذات مغزى :
-أحسن يكون كلام البت دي أثر فيك و لا حاجة !
تطلع له “رزق” مشدوهًا …
تنفس “سالم” بعمقٍ و أفصح له مباشرةً :
-أنا سمعت الحوار.. بس ماعجبنيش ردك. أو قلة ردك أصلًا.. إزاي تسيبها تكلمك بالاسلوب ده يابني. دي هاتبقى مراتك.. كده تركبك و تدلدل يا عبيط !
عبس “رزق” بشدة و هو يقول مشيحًا بوجهه للجهة الأخرى :
-إنت مش عارف حاجة
-لا ياخويا عارف.. و زي ما فهمت الفيديو اللي بتبتزك بيه يخص البت إللي جبتها هنا وسطنا و أويتها. كان اسمها إيه.. مش نسمة بردو ؟!
عاود النظر لأبيه ثانيةً …
-كنت عارف ؟؟!! .. سأله بصدمة مضاعفة
رد “سالم” بثقة تغلفها قساوة :
-طبعًا يالا.. أومال فاكر أبوك دق عصافير و لا إيه. أنا دبت النملة بتوصلني. آه كنت عارف. و من أول يوم بعلاقتك بالبت دي.. و سيبتك بمزاجي. كنت بقول كبر و بقى راجل و محتاج واحدة ست في حياته. بس خلاص.. آن الأوان و هاتتجوز. يبقى هاتقطع علاقتك بالبت دي نهائي. و هاتمشيها من هنا …
-نسمة مش هاتروح في حتة ! .. غمغم “رزق” بخشونةٍ ملوّحًا بسبابته
-و حذاري تقرب منها. سامعني يا معلم سالم ؟!!!
زفر “سالم” بنفاذ صبر و قال :
-طيب.. بكيفك. تقعد.. بس إسمع بقى إنت.. قسمًا بالله لو عرفت إنك روحتلها تاني أو قربت منها ماتلومش إلا نفسك.. أمين ؟ اللهم بلغت !
ثم أنهى النقاش بأن مد له الحقيبة الجلدية قائلًا :
-أمسك.. الشنطة دي جواها شبكة عروستك !
تناول “رزق” الحقيبة منه مستوضحًا :
-إيه هو ده مش فاهم !!
صمت “سالم” لدقيقة كاملة، و كأن الذكريات تجتاحه.. حتى تمكن من القول :
-الشنطة فيها طقم ألماظ.. أول هدية جبتها لأمك. كانت بتحبه أوي. و في يوم قالتلي لما رزق يكبر و يتجوز هاتلبسه بايديها لعروستك …
و تتطلع إليه مضيفًا بجفاء :
-أنا وصلت الأمانة بس !
ثم استدار مغادرًا و هو يلقي بأخر كلماته :
-يلا أسيبك تشوف وراك إيه.. و فكر في كلامي كويس. لازم تأدب البت دي و تدبحلها القطة من أولها. خليها تعرف كويس إنت مين !
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)