رواية عروس الالفا (الهجينة 2) الفصل الستون 60 بقلم ماهي أحمد
رواية عروس الالفا (الهجينة 2) الفصل الستون 60 بقلم ماهي أحمد
رواية عروس الالفا (الهجينة 2) البارت الستون
رواية عروس الالفا (الهجينة 2) الجزء الستون
رواية عروس الالفا (الهجينة 2) الحلقة الستون
استفاق “الطبيب” من رؤيته الطويله ، ليجد نفسه محاطًا بالجميع ، طالع وجوههم لكنها بدت كأنها تعكس خيوطًا من ماضٍ وحاضر ينسجان واقعًا جديدًا كانت الغرفة مظلمه بأستثناء ضوء باهت يتسلل عبر النافذة الصغيره
كانت الغرفة مألوفة، لكنها بدت كأنها تسكن ذاكرته المجهده منذ الأزل حين فتح “الطبيب” عينيه لأول مره بعد رؤيتهُ الطويله ارتطم عقله بجدار من الحيره والارتباك كيف يمكن أن يكون ما رآه هو واقعهم الأليم ؟
كيف يمكن أن يعود الآن ليجدهم جميعًا هنا… أحياء؟
نهض ببطء ، أنفاسه ثقيلة كأنها تحمل على صدره جبالًا من الذكريات والكوابيس تطلّع حوله بعيون متسعة، ووجهه شاحب كمن شاهد شبحًا من عالم آخر كان كل شيء كما تركه قبل أن يرى رؤياه، لكنه يعرف أن هذا خطأ
فهو رآهم يموتون رأى العالم ينهار تحت وطأة أقدار لا ترحم كان الأمر أكثر من مجرد رؤيه ؛ كانت رؤى حقيقية، مشاهد متصلة، شديدة الوضوح، تطلعت إليه عبر نافذة الزمن وكشفت له مستقبلاً مليئًا بالفقدان والألم.
لكن الآن.. الآن كل شيء مختلف الأشخاص الذين بكى عليهم وأقسم أن حياتهم انتهت يقفون أمامه كما كانوا دائمًا كيف يمكن أن يكون هذا؟ أيمكن أن تكون كل تلك السنوات التي عاشها في عقله كذبه؟ هل خدعته رؤاه؟ أم أنه الآن هو الكذبه؟
مدّ “الطبيب” يده المرتعشه ليتأكد من أنهم حقيقيون، لكن صوته المتحشرج سبقه وهو يلفظ أسماءهم ببطىء شديد
ـ يــاسين ، عـــمار ، شمس ، ساره ، والخاله أيضاً
كلهم ما زالوا على قيد الحياه خرجت كلماته ضعيفه، مليئه بالدهشه والخوف.
استغرب الجميع وقد اعتلت ملامحهم الحيره لم يجيبه أحد، فقط نظروا إليه بابتسامات مطمئنه، كأنهم لا يحملون في عيونهم أي ذكرى لما رآه
كان يحدق فيهم واحدًا تلو الآخر، يحاول أن يلتقط خيطًا واحدًا يفسر هذه الفوضى في عقله همس لنفسه، وعيناه تفيض بالدموع يطالعهم بشوق :
ـ مستحيل ، أنا لا يمكن اسمح باللي هيحصل أبداً
لقد شاهد بعينه نهايه كل شيء شاهدهم يُبتلعون في دوامه القدر فكيف عاد الزمن إلى الوراء؟ وكيف هم هنا الآن أحياء .. وكأن شيئًا لم يحدث شعر برجليه ترتجفان وكأنهما تحملان ثقل السنين الماضيه كلها استدار بخطوات متردده في محاوله منه لأخفاء عباراته رأى “ياسين” تغيير تعابيره فنطق :
ـ في ايه ياعلي شوفت ايه في المستقبل خلاك بالمنظر ده
انكر ولم يجد مبرر ألا :
ـ ولا حاجه ياياسين الظاهر ان الرؤيه مكانتش واضحه المره دي
ولم يقتنع بل تضاعف ضجره حين قال :
ـ عيال صغيره أحنا بقى عشان نصدق الكلام ده
مسح “الطبيب” على وجهه ، يحاول ضبط أنفاسه ، حتى لا يفقد ثباته رأى “داغر ” يقترب منه فحثه :
ـ طمني ياعلي ، الخاله بتقول انك شوفت المستقبل هدير هتبقى كويسه وحسام الكلب ده مش هيمسها بسوء ولا هي ولا اللي في بطنها ، طمـنـــي
قال كلمته الاخيره بأنفعالٍ واضح ، حاول “الطبيب” تهدئته وهو يبرر :
ـ أهدى ياداغر دي كانت رؤيه عابره مش فاكر منها حاجه
لاحظ “بربروس” رعشته التي يحاول اخفاؤها فاقترب أكثر جواره وأخذ يمسد على ظهره يطالبهُ برفق :
ـ هون عليك أيها الطبيب ، فمن الواضح أن ما رأيته قد دب الرعب بداخل قلبك فوالله وبعقد الهاء مهما رأيت ومهما حاولت فلن تستطيع تغيير الأقدار يوماً ما
رد “عز ” مسرعاً :
ـ يعني أيه ، معنى كلام بربروس أن احنا ممكن نخسر المعركه بكره ياعلي
كان الجميع يتلهف لأي رد منه ، ينتظرون أن يسرد لهم رؤيته ولكنهم لم يتلقوا إلا الصمت ، بقى “ياسين” جواره يحاول بثه السكينه حتى نطق أخيراً :
ـ المعركه هنكسبها بكره
كلمات بسيطه ومختصره مبطنه بالحزن ولكنها بعثت الأمل في قلوبهم جميعاً ثم عاد لصمته تهامس الجميع في حيره فيما بينهم فاقتربت منه “زهره” سائله بحزن :
ـ مالك ياعلي فيك ايه ، طمني عليك
أدار لها ظهره ولم يطالعها حتى فنطقت الخاله :
ـ سيبونا لوحدنا شويه ياجماعه ممكن لسه ذاكرتك مارجعتلكش ياياسين بس علي لما بيشوف رؤيه أذا كانت خير أو شر بياخد وقته على مايرجع طبيعي بعدها
سألتها “زهره” بقلق يدمي قلبها :
ـ المهم انه يبقى كويس ياخاله
طمئنتها “الخاله” بقول :
ـ ماتقلقيش يازهره هيبقى بخير
——————-(بقلمي ماهي احمد)—————-
إنها أحدى الليالي التي يشعر فيها المرء أن قفصه الصدريّ لا يسع قلبه لشدة خفقانه ومن الواضح أن خلايا عقل ” الخاله ” بدأت تتلف ، وتضُمر أكثر حين روى لها “الطبيب” ما حدث بعدما أخرجت الجميع من الغرفه بلا استثنا ، وما تبقى سواهم هما الاثنان فقد روى لها الطبيب كل شىء ، وما حدث من خلال رؤيته للعشر سنوات القادمه ، توقف عقلها عن التدبير وتوقفت هي عن الاسئله قطع “الطبيب” صوت الضجيج بداخل عقلها سائلاً :
ـ وبعدين ياخاله هنعمل ايه ، لو دخلنا الحرب بكره ضد العربي وحسام عمار مش هيرجع معانا وهيموت احنا لازم ننقذه ، لازم ننقذ عمار ونقول لياسين على كل شىء هو الوحيد اللي هيقدر ينقذه وبالذات لو عرف انه ابنه اللي كان بيدور عليه سنين
كقناص ماهر لم تبتعد عين “الخاله” عن الطبيب حين أردفت غاضبه :
ـ أنتَ بتقول ايه ياعلي ده على جثتي أنك تفتح بوقك بكلمه لياسين ، ياسين لو عرف ان عمار أبنه هيسيب كل شىء ويمشي هيسيبنا ويمشي قبل الحرب وده اللي لا يمكن اسمح بي أبداً ، المعركه هنكسبها بكره مهما حصل والعربي هيموت على ايد ياسين زي ما شوفت في الرؤيه بالظبط
استدار لـ ” للخاله” موضحاً :
ـ زي ما العربي هيموت على ايد ياسين عمار هيموت على ايد العربي ياخاله
لم يتخل عن التعبير القاسي والذي تراه في وجهه كما رأته بالسابق وأضاف :
ـ لو مش همك عمار فكري في ياسين ، فكري في اللي هيحصله من بعده ، ياسين اللي كنتي بتتمني انه يرجع يفتكرنا من جديد ويبقى معانا بعد ما الضبع بعده عنا سنين
لم تجب فقد رمقته بخوف صاحبه القلق والاضطراب فأضاف بحديثه :
ـ أنتِ ايه مافيش في قلبك ذرة رحمه انا شفت في الرؤيه انه عاش عشر سنين تايه بعيد عننا ماشفش يوم حلو في حياته ، ياسين اللي بيضحك ويهزر والضحكه ما بتفارقش وشه دلوقتي مش هتشوفي الضحكه على وشه من جديد ، لأنه هيموت بموت أبنه ، هيموت من جواه وهو على قيد الحياه
تقدم خطوه للأمام ثم اردف :
ـ أنا متأكد ان احنا لو قولناله ان عمار هيموت بكره في المعركه وان العربي هو اللي هيقتله مش هيسيبنا ويمشي
بترت حديثه بحده :
ـ لو عرف ان ابنه هيموت بكره مش هيسبنا أه ، بس هيمنع عمار انه يروح معاه وهتبقى هي هي ، مافيش جديد ياسين لسه قوته مارجعتلوش كفايه عشان يحارب العربي لوحده الاتنين لازم يبقوا في المعركه سوا يحاربوا ايد بأيد مع بعض
قبض حاجبيه بأستغراب مما تتفوه بهِ طالعها بقلبً مفتور سائلاً :
ـ إحنا لو ماقولناش لياسين على الحقيقه عمار هيموت أنتِ فاهمه يعني ايه
مش مهم ، مش مهم مين يموت ، مش مهم أنا أو انتَ أو عمار أن شالله حتى ياسين نفسه المهم أن العربي يموت وننقذ البشريه كلها من الدمار إللي هيحصلها لازم ننقذ ملايين من الأطفال والستات والشيوخ والعواجيز من الدبح وسفك دمهم لازم العالم مايدمرش ويعيش في سلام حتى لو على حساب موتي أنا وموتك أنت وموت أي حد فهمت ياعلي ، ماتخليش مشاعرك تنسيك العربي ممكن يعمل إيه ويحول العالم لأيه وملايين الأطفال هتموت إزاي
والباقي منهم ده لو في حد باقي هيعيشوا تحت الأرض من الخوف والرعب البشريه هتنقرض وده على حساب مين واحد أو اتنين مننا أن شالله حتى نموت كلنا بس البشريه تعيش ، البشر اضعف من اللي هيحصلهم ياعلي
جلست “الخاله” بعدما حبست الدموع في عينيها مانعه اياها ان تنزل فجلس ” الطبيب” بعدما خانته قدماه على اقرب مقعد هاتفاً بنبره محاولاً استيعاب ما لفظت بهِ الخاله :
-يعني ايه ياخاله ، يعني هنسيب عمار يموت
هتف بسؤاله بنبره شبه باكيه ، نبره تحمل معاناته والصراع الداخلي الذي يتحمله قلبه فأجابته الخاله
وهي تبرر بثقه مما تقول :
لو سألت عمار نفسه حياتك قصاد حياة البشريه كلها هيختار موته وان البشريه تعيش ، الموت انكتب عليه ولو كان انكتب عليا مكنتش هتردد لحظه ، عشان حياتنا تمن بسيط لناس بريئه مالهمش ذنب عرفت ليه بقى انه مايهمش
مايهمش ياعلي اي حد فينا يموت
تقدمت بخطوات ثقيله تقف امامه بعيون راجيه :
-اوعدني ياعلي اوعدني انك ماتقولش شىء لياسين خللي كل شىء يمشي زي ما كان متقدرله عشان البشريه تعيش ، واللي حصل بعد المعركه هنعرف نصلحه ياولدي
ربتت على كتفه بلين تخبره برجاء نابع من عينيها قبل فمها :
ـ اوعدني ياضنايا
طالع “الطبيب” النافذه التي أمامه ووقع بصره على ” عمار ” رأه يبتسم بسمه صافيه للواقف أمامه أنصت لحديثه ووجده يقول :
ـ بعد المعركه هنتجوز أنا وشمس وأنت وساره في ليله وواحده يايزن دي هتبقى ليله عسل
لمعت عيناه ببريق مختلف ، بريق برز بهِ قله الحيله والخذلان أردفت “الخاله” تكرر حديثها طالبه :
ـ اوعدني ياعلي ، اوعدني ياضنايا
نزلت عباراته منه على وجنتيه يحرك شفاهه ببطء وهو يقول :
ـ اوعدك ياخاله
وما أن انتهى من وعده حتى وصل لأذانهم صوت تهشيم بالخارج وكأن شخصٍ ما يستمع لحديثهم
تقدم نحو الباب مسرعاً فسألته الخاله مستفسره:
ـ في ايه بره ياعلي
كانت تقف خلف الباب بعيون راجيه وقلب مضطرب بين أمل وخيبه تترجاه تلك الواقفه امامه بعينيها قبل لسانها بعدم البوح للخاله عن هويتها ، ابتلع الطبيب غصه مريره في حلقه وهو ينظر في عينيها نافياً ماتراه عيناه :
ـ مافيش حاجه ياخاله ده تلاقي الهوا وقع الفاظه مش أكتر
وبعد جوابه نطقت :
– طيب تعالي ياعلي عشان عايزاك
أغلق الباب خلفه امام نظراتها الممتنه لهُ تاركاً أياها خلفه
——————(بقلمي ماهي احمد )————–
عشر سنوات رأها “الطبيب” والمشهد ذاته يعيد نفسه كأن الزمن توقف في نقطة واحدة، يرفض أن يمضي ، الأحداث تتكرر كأنهم عالقون في دائرة لا تنكسر، الوجوه ذاتها، الحركات نفسها، حتى الكلمات تُقال بنفس النغمه كل شيء ثابت، ماعادا ماعلم بهِ “الطبيب” فقد اضاف عبئًا على روحه، جعل المشهد أكثر ثقلاً، وأكثر إلحاحًا في ذاكرة لا تنسى هذا التكرار يحمل في طياته إحساسًا بالرهبة والحنين، مزيجًا من الألفة والضياع، كأنك تعيش في حلم متكرر، لا يمكنك الهروب منه ولا استيعابه كان “الطبيب” في طريقه للخروج ، استوقفه صراخ “ياسين” الذي صدر من الخارج هرول ناحيته وكذلك الجميع وأولهم “الخاله” التي لم تجد سوى “عمار ” باشرت بسؤالها بقول :
ـ حصل ايه ياعمار وفين ياسين والصرخه اللي طلعت منه دي بسبب ايه ياولدي
وما اتاها الرد سوى :
ـ معرفش
كان هذا هو جوابه نفس الأحداث تتكرر يعلم “الطبيب” ما الذي يحدث بعد ذلك يعلم مالذي ستردف به الخاله وكان جوابها يعلمه قبل أن تنطقه ولفظ ما ستقوله بصوتٍ هامس يحرك شفتاه دون صوت مع حديثها بقول :
ـ يعني أيه ماتعرفش هو مش كان واقف معاك
حرك ” الطبيب” عينيه تجاه عمار يأمل أن يتغير حديثه لتصبح رؤيته كاذبه ويتغير مصيره ولكنه رأى “عمار” يهز رأسه مؤكداً يشرح لها :
ـ ايوه كان واقف معايا وكنا بنتكلم عن الغريب وانه طلع خاين بعد ما سمعناه بيتكلم في التليفون مع العربي وبينقله أخبارنا ومره واحده مسك دماغه ووقع على الأرض زي ما يكون افتكر حاجه ومافيش ثواني وصرخ زي ماسمعتوه ببص مالقيتهوش
في تلك اللحظة، شعر “الطبيب” وكأن الهواء انسحب من رئتيه وكأن شيء عميق تحطم بداخله لم يستطع أن ينطق، فقط أومأ برأسه بيأس كمن يحاول إقناع نفسه بتقبل الحقيقة التي تمنى ألا يسمعها أبدًا بل ويتمنى أن تكن الاجابه مختلفه فانتبه لحديث “الخاله” وهي تشير برأسها لـ”عمار” مستفسره :
ـ وماروحتش دورت عليه ليه اول ما مالقيتهوش
نفس الحديث نفس الرؤى نفس النظرات كل شىء يحدث من جديد و” الطبيب ” يترقب لأي تغيير
رمقها “عمار”بتهكم :
ـ واروح ليه هو كان من بقيه عيلتي
ـ أيوه
كان هذا جواب “الطبيب” جواب قصير ومختصر اتجهت انظار الجميع اليه انظار مستفسره ، فصحح “الطبيب” حديثه بنبره مليئه بالأرتباك :
ـ اقصد ، أقصد ان كلنا هنا عيله واحده
استكملت “الخاله” حديثها بحزم لتلفت الأنظار اليها :
ـ اعتراض تاني منك مش هتبقى منا ياعمار وكلامي يتسمع دور على ياسين وشوفه ماله
أمرته بقولها الأخير وعلق الواقف امامها بضيق :
ـ اللي تشوفيه ياخاله بس الغريب
ـ سيبلي أنا الغريب أنا عارفه كل شىء
أشارت “الخاله” بعينيها لعمار لكي يتتبع “ياسين” فما كان عليه سوا الطاعه وتنفيذ ما أمُر بهِ، طالعت “الغريب” بعدما رحل “عمار” قائله:
_تعالى معايا ياغريب، عز وداغر مستنينا جوه
نطق” بربروس” وهو يطالع “الطبيب علي”
_ما الذي يحدث لياسين ياعلي ، فقد عرف القلق طريقه لقلبي من جهته
تنهد “الطبيب” يستعيد بعض من ثباته المفقود كل شىء حدث الأن قد رأه بالفعل يعلم لما صرخ ياسين ، يعلم بالصراع الداخلي الذي ينتابه الأن حتى جوابه على “بربروس” قد أخبرهُ بهِ من قبل في رؤيته ووجد نفسه يعيد حديثه دون أن يشعر بقول :
ماتقلقش يابربروس كل حاجه هتبقى كويسه، كل حاجه هترجع زي الاول واحسن
يحاول بث الطمأنينه بقلبه ولكن بداخله صراع يود لو ينتهي الأن أحقاً سيكون كل شىء بخير كما وعده ، كاذب يستحقر نفسه ولكن ما باليد حيله
رحل “الطبيب” تحت أنظار “بربروس” المستفسره ولحق بهما يعلم بمكانهما ويعلم ما الذي سيدور بينهما هما الأن أمام البحيره خارج مزرعه “داغر”
يقف كلاً منهما وأمامهم ترعه صغيره يتبادلون اطراف الحديث الجديه
وقف ” الطبيب” في ظل شجره بعيده، مختبئًا بين الظلال، وعيناه تتنقلان بين الواقفين على بُعد أمتار منه كان الهواء يحمل كلماتهم إليه، كلمات حادة أشبه بخناجر صغيره تخترق صدره
شعر بانقباض في قلبه، كأن كل كلمة تقال هناك تزيد من ألمه كانا يتحدثان عنها عن “شمس” بلغة خفية مليئة بالإشارات التي لا تخطئها أذنه حاول أن يزيح نظراته عنهما، لكنه بقي جامدًا في مكانه، كأن قدميه تجمدتا تحت الأرض.
مد يده ليمسك بجذع الشجرة، وكأنه يبحث عن سند يمنعه من الانهيار الأب وأبنه يتشاجران من أجل فتاه أمامه ولا يعلم كل منهما مدى القرابه بينهما
فالتقطت أذناه حديث عمار الصارم مع “ياسين” حين قال :
لو عشت بعد المعركه فأنتَ هتمو ت من الحزن وانا هعيش في سعاده جنبها وده وعد مني ليك
أغلق “ياسين” عينيه من الحزن ليجد دمعه على جبينه فقد اعتصر قلبه بكلماته استدار يطالعه ليتبين خطوته التاليه وأجاب بما بداخله:
خللي بالك منها ، دي بنتي اللي ربتها ، وحبيبتي اللي حبيتها، ومراتي اللي اتمنتها، أنا واثق انك حبيتها وهي من حبك ليها اصبحت حبيبها
وقف “عمار” مكانه بعدما كان يستعد للرحيل ادار لهُ وجهُ بعدما سمع كلماته فاسترسل “عمار” حديثه:
مافيش فايده فيك ، انا همشي، بس قبل ما امشي عايز اقولك أنك أنتَ أخر حد ممكن اتكلم معاه، احنا اخرنا مع بعض معركه بكره وبعد كده كل حاجه هتبقى خلصت وهترجع مالكش لازمه من جديد هترجع ضعيف وشمس هاخدها منك، وهنتجوز وهنبقى سوا يا “ياسين” باختيارها مش غصب عنها عارف ليه؟ عشان هي بتحبني أنا.. وعمرها ما حبيتك في يوم مهما حاولت تأثر فيها، مش هتعرف ولو ل 100 سنه قدام الحب اللي زرعته جواها بعمرك اللي عيشته واللى هتعيشه في يوم حبي ليها كفيل انها ماتنسانيش عمرها كله
هز “الطبيب” رأسه بيأس يهمس بداخله :
ـ لو تعرف اللي انا عرفته ياعمار مكنتش هتقول كده بس ده مش ذنبها هي نفسها ماتعرفش انها ممكن تكون بتحب ياسين بالشكل ده
عاد “الطبيب” بغير ارادته خطوه للخلف ضغط بأحدى قدميه على قطعه من الخشب الفرعيه اصدرت صوتاً عالِ نسبياً وفي لحظة، توقفا الاثنان عن الحديث فجأة، وبدأت أعينهما تبحث حولهما، كأنهما شعرا بوجوده تراجع بخطوه صغيره إلى الخلف، محاولًا ألا يحدث صوتًا، وأخفض رأسه كي لا تلتقي أعينهم بعينيه كان كل ما يريده هو ألا يروه، أن يبقى مختفيًا، بعيدًا عن دائرة الضوء التي ستكشف كل ما في داخله من ضعف وحزن ونجح هو بالتسلل بعيداً عنهم دون أن يلاحظوا وجوده
والنتيجه هو هنا يقف وحيد شريد صوت الضجيج بداخله أعلى من اي ضجيج ووقف الضجيج بداخله عند سماع صوت أتى من الخلف ناطقاً بأسمه
ـ علي
وما أن نادته “زهره” حتى حاربته المشاهد كانت الذكريات تهاجمه .. تهاجمه بلا رحمه الاحداث التي لم تفارقه لحظه منذُ أن استفاق من رؤيته ، يرى أمامه أهانتها لهُ بقول :
ـ وهو اللي مفهمك كده وطبعاً أنتَ زي الأهبل صدقته
طريقتها البشعه معه ، واعترافها لهُ حين صارحته:
ـ أنا بخاف أنام بالليل جنبك ماتحسش بنفسك وتشرب من دمي
استفزازها لهُ حين قالت :
ـ ما أنا لو كنت متجوزه راجل مكانش ياسين قدر يعمل معايا كده
أصرارها على الطلاق وهجرها لهُ بقول :
ـ أنا هاخد بنتي وهاخد حسان وامشي من هنا ، طلقني ياعلي
اقتربت منه وقالت بأبتسامه :
ـ مالك ياعلي ، من الصبح وانا مش عارفه اتلم عليك ، مش عارفه مالك بس من وقت ما صحيت وأنتَ مش على بعضك بتحاول تداري جواك بس انا أكتر واحده عرفاك ، أنتَ شفت حاجه غير اللي قولتها في الرؤيه ، هي شمس ممكن تتأذي بكره في المعركه
كادت أن تسترسل اسئلتها ولكنه أوقفها ناطقاً :
ـ بتحبيني يازهره
سأل بما كانت لا تتوقعه وجاوبت بما يعلمه :
ـ وده سؤال برضوا ياعلي ، افتكر ده سؤال أنتَ عارف أجابته كويس مش محتاج اقولهولك
استدار لها يعلق على هذا بخيبه أمل :
ـ متأكده أني مش محتاج اعرفه
أثار رده فضولها سألته زهره باستغراب:
ـ في أيه ياعلي ايه الاسئله الغريبه دي انتَ عارف أني بحبك
ورد عليها “الطبيب” :
ـ طب خلينا نقول السؤال بطريقه تانيه يازهره
أنتِ بتخافي مني ؟
لم تعلم بماذا ترد هي قلقه خائفه ، وحين تلقى صمتها ، طرح عليها سؤال جعلها تنظر لهُ:
ـ أنتِ خايفه من الحياه لو بقينا مع بعض يازهره
ولمعت عيناها تصارحه بمخاوفها :
ـ انا مش خايفه منك ، أنا خايفه من اللي أنتَ عليه ياعلي بس حبي ليك اكبر من خوفي منك ، عندي استعداد اني اعمل اي حاجه بس عشان أكون معاك ، بس في شعور جوايا بيحسسني أن احنا مش زي بعض ، جوازي من المهدي كمل عشان مكنتش اعرف هو ايه ، لكن انتَ ، انا عارفه عنك كل شىء وكل شىء بيقول أنك مش زيي
ساعات بسأل نفسي ألف مره بكره انا هكبر وشكلي هيتغير وهيفضل هو شاب مابيكبرش اكيد هيبص لغيري ، اكيد هيبطل يحبني ويبص لبنات أصغر وده من حقك ، وده اللي مخوفني ياعلي
ـ وليه ماقولتليش الكلام ده قبل كده ليه ماصارحتنيش بخوفك قبل كده
وكان الجواب سهلاً هو يعلمه ، ولكن تخشى أن تفقده يوماً ما فجلست بجواره وهي تخبره بنبره باكيه :
ـ علشان خايفه تبعد عني وماتبقاش معايا وانا ماقدرش أعيش من غيرك في يوم ، حبي ليك مغطي على خوفي منك على أنك ممكن تفقد السيطره في يوم على نفسك ، مش هاممني نفسي قد ما هممني أكون معاك
قالت كلماتها بأنهيار تام وابتسم بعد قولها ، ربت على كتفها ونظراته تحثها أن تطمئن ثم تنهد وهو يمسح على وجهه بتعب يسألها :
ـ قوليلي أطمنك ازاي يازهره وانا اعمل ده
ارتسمت ابتسامه حانيه على وجهها تطالعه بلطف:
ـ طمني بيك ياعلي
——————-( بقلمي ماهي احمد)—————
درجه الحراره مرتفعه الشمس في كبد السماء ولكن داخل غرفه “شمس ” كانت الضعفين ليس بفعل الحراره فقط بل بسبب ما أكتشفته حين سمعت كل شىء الكلمات التي سمعتها قبل قليل تدور في رأسها لا تهدأ ، شعرت بأن الهواء من حولها اصبح ثقيلاً وأنها ليست قادره على استيعاب ما سيحدث بالغد أو حتى التفكير فيما سيحدث بعد ليله الغد
بتر تفكيرها صوت طرق الباب نظرت نحو الباب لكنها لم تتحرك ، بقيت في مكانها تغرق في بحر دموعها غير قادره على مد يدها لفتح الباب
تعلم جيداً من الطارق ، حاولت خفض صوت شهقاتها ولكن الحزن كان اثقل من أن يخفى فسمعت صوت ” الطبيب ” من الخارج :
ـ افتحي ياشمس
تجاهلت طلبه وجلست على حافه السرير عيناها محمرتان وغارقاتان بالدموع كانت تضغط براحه يدها على صدرها وكأنها تحاول أن تخفف من وطأه الألم الذي تشعر بهِ تخبره بصوتٍ منكسر :
ـ أرجوك… هل يمكنك أن تتركني وحدي الآن؟ أحتاج إلى بعض الوقت لنفسي لا اكثر
التقطت أذنه صوت بكاءها المبطن بداخل حديثها
وسألها دون تردد :
ـ شمس ، أنتِ بتبكي
مسحت دموعها سريعاً براحه يدها نافيه :
ـ لا ، ولا تقلق بشأني هناك أناس آخرون ربما يستحقون قلقك أكثر مني، ليس أنا
تجاهل طلبها وطلب منها بأهتمام ظهر واضحاً في صوته :
ـ ارجوكي ياشمس اسمحيلي ادخل ، اليوم بيعدي وانا محتاج اتكلم معاكي
سمحتله بالدخول وحين دخل، وقع بصره على مشهد جعل قلبه يعتصر كانت جالسه على حافة السرير، تمسك وساده بين يديها وكأنها تحتمي بها، ووجهها كان مشوهًا بالدموع نظرت إليه بعينين غارقتين في الدموع، عاجزه عن النطق، وكأن الكلمات قد خانتها في هذا الموقف
اقترب منها ببطء، وجلس بجانبها دون أن ينبس ببنت شفه كان صمته دعمًا، وحضوره طوق نجاة في محيط من الوحده فقرر “الطبيب” كسر الصمت بقول :
ـ الخاله قالتلي
بترت هي حديثه بقول :
ـ لقد سمعت
ـ بس أنا مش قادر اسكت ياشمس عمار وياسين لازم يعرفوا الحـقـ
وضعت يدها على فمه مسرعه :
ـ إياك أن تفكر في فعل ذلك أيها ” الطبيب” الخاله على حق فيما قالته فقد اكتسبت نصيباً من اسمها وهو الحكمه والحكمه فيما قالته لك و ليس من الضروري أبدًا أن يعلم ياسين أن عمار هو ابنه
بدا الغضب والتذمر على وجهه وهو يخبرها :
ـ أنتِ أخر واحده كنت اتوقع أنها ممكن تبقى موافقه على كلام الخاله ، بعد كل اللي سمعتيه وعرفتيه بعد ماعرفتي قد ايه اللي اتنين بيحبوكي وضحوا بحياتهم عشانك بعد ماعرفتي كل واحد فيهم هيتأذي بسببك ازاي ، انا جيتلك عشان تشجعيني ان احنا نوقف الحرب عشان نمنع موت عمار وده المهم
قاطعته وهي تقول بأصرار :
ـ ولكن هناك الأهم ارواح ملايين البشر أهم من روح شخصً واحد
تكرر حديث الخاله توافقها الرأي وبشده مما جعله
يتهمها بقول :
ـ أنا عارف انك ماحبتهوش وعارف أنك بتحبي ياسين
قطبت حاجبيها باستغراب واسترسل هو بقول :
ـ أظنك سمعتي ايه اللي حصل بعد عشر سنين وسمعتي مقدار حبك لياسين ، حبك لياسين كان اقوى بكتير من مقدار حبك لعمار دلوقتي ممكن انتِ لسه مش حاسه بحبك لياسين حالياً عشان لسه صغيره ومش فاهمه بس أنتِ ماحبتيش غير ياسين ياشمس ومن اللي بتقوليه دلوقتي بينلي ان مش فارق معاكي موت عمار
كلماته لم تتوقعها ” شمس ” ولكنها جعلتها تطالعه بظفر وهي تخبره :
ـ أنا لا اعلم ما الذي سوف يحدث بعد عشر سنوات كما رأيت أنت ، ولكني سمعتك أيضاً حينما سردت معاناتي وألمي للخاله عندما اصطحبه الموت
تحركت تبتعد عنه مكمله حديثها بقول :
ـ ومهما تحدثت لن استطيع بوح ما اشعر بهِ الأن لأنك لن تفهم
كان الأرتباك هو السائد والمسيطر فلم يسعفها الا أن تبرر وهي خارجه :
ـ القدر أقوى من كل شىء وهذا قدره وليس بيدي أي شىء
عارضها “الطبيب” بقول :
ـ بس احنا نقدر نغيره
غادرت الغرفه صافعه الباب من خلفها بقول :
ـ وأنا سأفعل ما بوسعي حتى لا يتغير ما سيحدث بالغد
——————(بقلمي ماهي احمد)——————
مر الكثير من الساعات وغابت الشمس وراء السحاب وبرز أحمرار الغروب
كانت هناك نسمه منعشه تلامس وجهك، تستطيع صوت سماع تطاير أوراق الشجر من حولك ورؤيه النجوم مرصعه بالسماء سأل ” ياسين ” ذلك الجالس بجواره وهو ينظر الى وجهه العابس :
ـ مالك مكشملنا وش رجلك ليه ياشيخ عجوه
رفع “بربروس” رأسه فتقابلت عينه بعين “ياسين” نظر له نظره تبث عما بداخله من توتر وقلق ونظر أمامه من جديد:
ـ اللاه ، خلاص ماتقولش طيب ماشوفتش علي طول النهار النهارده مش باين ، لا يكون خايف بكره من المعركه
أتى ” الطبيب” يجلس بجوارهما واصبح الطرف الثالث لهم وحين أقبل أخيراً بدى على وجهه مثقلاً بهموم لا تخطأها العين لاحظ ” ياسين ” ملامحه المتعبه فتبادل نظره سريعه مع ” بربروس ” قبل أن يسأله :
ـ مالك أنتَ كمان من الصبح قالب وشك ليه مش كفايه علينا الشيخ عجوه
مد ” ياسين ” كف يده الى ” الطبيب” بمشروبه المفضل بعدما اصبح يلازمه دائماً قائلاً وهو ينظر الى وجهه العابس:
ـ تاخد ياعلي
مد “الطبيب” كف يده يلتقط منه الزجاجه وهو ينظر الى عين ” ياسين” وجد بهما من الحزن ما يكفي ولكنه يحاول اخفاء ذلك الحزن بين ضحكاته المصطنعه يعلم ما بداخله من رفض “شمس” المستمر لهُ والمشاجره التي حدثت بينه وبين عمار ولكنه حاول تجاهل كل هذا و بادر بسؤاله الى “بربروس ” وهو يرتشف من المشروب:
ـ ماعرفناش برضوا مالك يابربروس
لم يتلقى رد ووجد ” الطبيب” نفسه يكرر نفس الحديث الذي رأه برؤياه دون أن يشعر :
ـ بص انا عارف ان سكاتك ده وراه مارال فا أنتَ قولنا كده أيه اللي حصل مابينكم
وضع “بربروس” وجهُ بين كفيه وقد تملك الحزن من ملامحه قائلاً:
لقد اعترفت مارال لي بحبها هذا الصباح
حاول ” الطبيب” تصنع ملامح الدهشه على وجهه وكأنه يسمع هذا الحديث لأول مره يرسم بسمه مجبره على شفتيه :
بجد ، قالتلك ايه، اقصد يعني اعترفتلك ازاي
مال “بربروس” بعينيه لـ “الطبيب” مع ابتسامه لطف:
«كنت أظنگ صاحبي وفجأه دخلت الراء والتاء بين الصاد والحاء»
أرتشف “ياسين” من زجاجته وانكمش حاجبه عند سماع جملته وهو يشاور بسبابته يحاول استجماع ما قاله للتو:
ـ “صرتاحبي” ازاي يعني مش فاهم
ضرب ” الطبيب ” “ياسين” بمرفقه بلين:
ـ يابني افهم هي تقصد ان هي كانت فاكره انهم صحاب بس بعد كده صار حبها من الاخر
“صرت حبي”
أشار بأصبعه على باطن يده بأصرار:
ـ أيوه ماشي بس فين الألف انا عايز الألف أكلت الألف ياشيخ عجوه ده حتى عيبه في حقك
صك “بربروس” على اسنانه ينظر لـ “ياسين” بغيظ:
ـ فليلعنك الله وما همك أنت من حرف الألف ، يكفي انها حاولت ان تتحدث بلغتي
حاول “الطبيب ” أن يعيش تلك الاجواء بينهما المحببه لقلبه فأنه يعلم انها لن تتكرر تلك الجلسات بينهما مجدداً فرد عليه بلا مبالاه:
ـ سيبك منه يابربروس كمل وبعدين عملت ايه؟
جلس” ياسين” مره أخرى ولكن هذه المره جلس بجوار “بربروس” اشار بعينيه له:
ـ ماتنجز ياعجوتنا ؟
_لم استطع قول شىء، لم يكن ببالي شىء استطيع قوله في هذه اللحظه وهذا مايقهرني
ارتشف ” ياسين ” القليل من مشروبه المفضل قائلاً بجديه :
ـ كنت قولتلها “يا أحلى البشر والشين قاف”
ضحك “الطبيب” بصوتً مرتفع بل وسعل من كثره الضحك لم يستطع تمالك نفسه قائلاً وضحكاته ودموعه تظهر في كلامه:
_او كنت ، أو كنت قولتلها
هنا وقف و توقف عن الضحك وتحدث بنبره باكيه مما جعلهم يقفون خلفه باستغراب فأكمل الطبيب” عبارته :
ـ كنت قولتلها يابربروس ، اظنك مقرب حتي تبدلت الميم
اكمل من بين شهقاته :
ـ الميم عين
تبادلا كلاً من ” ياسين وبربروس ” النظرات وعم الصمت الأجواء انمحت البسمه من ملامحهم ببطىء عند رؤيتهم لمدى جدية ” الطبيب” ألقى “ياسين” الزجاجه من يده بعيداً بعدما أدرك من ملامح “الطبيب” التى ارتسمت عليها الحزن أهميه الموقف وضع ذراعه على كتف ” الطبيب” بحب بعدما اعتلت الجديه وجهُ قائلاً:
_ مالك ياعلي أنتَ بتبكي
اقترب منه “بربروس” يمسد على ظهره بلين :
ـ ما الذي حدث أيها الطبيب جعل القلب مكسور هكذا
ابتلع “الطبيب” ريقه يمسح دموعه بظهر يده وتنهد لتخرج كلماته مع تنهيدته:
ـ مافيش حاجه أنا بس ، أنا بس
لم يعلم ماذا يخبرهم ، أيخبرهم بما رأه حقاً ، لم يستطع قوله ووجد لسانه ينطق عكس الحقيقه
ـ انا بس متخانق مع زهره وخايف تسيبني
ضربه «ياسين» بكتفه بلين:
_بقى تعيط عشان الوليه دي ياعلي ، أنا مش عارف بتحب فيها ايه ، ولا هي ولا عشره زيها تخليك تبكي ياخويا وصحبي وعشره عمري اللي انا لسه مش فاكر العشره اللي ما بينا دي لحد دلوقتي
قال اخر كلماته بابتسامه فابتسم “بربروس” لهما هما الأثنان فأكمل حديثه:
_أتعلمان ، ما الحسنه الوحيده الذي فعلها العربي بمسيرته المسيئه؟
رد” ياسين” قائلاً وهو يضع يدهُ بجيبه الخلفي:
_اكيد انه عرفك عليا دي حاجه معروفه يعني
ابتسم بربروس وهو يحرك رأسه يميناً ويساراً:
_ايها اللعين ، مع قبح وجهك هذا ولكن كلماتك صحيحه
ابتسم ” الطبيب” على حديثه وكان الألم واضحاً في عين كلاهما ففتح “بربروس” ذراعيه ليخلق ملاذاً يحتضنهم بعيداً عن كل الألم اقترب علي يرمي نفسه بأحضانه واعترض “ياسين ” وكأن كبرياءه يعيقه عن البوح بحاجته لهذا الحضن وأخفى ما بداخله بجمله ساخره كعادته :
ـ لا ياعم انا ماليش في الألوان
جذبه “الطبيب” بغته ، وأمسك به، ساحبًا إياه بحبٍ لا يقبل الرفض مما جعله يلقي عليه نظراته الغاضبه التي لم يهتم بها وهو يضموا ولكنه
حين اجتمعوا أخيرًا، ذابت كل المسافات بينهم. استسلم “ياسين” بين أحضانهم، وأغمض عينيه، فابتسم بسلام، وكأن دفء قلوبهم أشعل بداخله ضوءًا جديدًا لم يعرفه من قبل وماهي الا ثواني حتى وجد “بربروس” ناطقاً
_انا احبكما
سحب “ياسين ” نفسه مسرعاً من بين أحضانه يعترض وبشده وهو يقول :
– مش قولتلكم ماليش في الألوان
—————–(بقلمي ماهي احمد )————–
تجلس على سطح المنزل وعلى أعلى أحد الأسوار
كانت العتمه مسيطره على الاجواء عدا ضوء القمر
فسمعت صوت يأتي من خلفها سائلاً :
ـ كنتى فين ياشمس؟ وايه اللي مقعدك كده
كان هذا سؤال “عمار” لها بعدما تعب في البحث عنها ، مسحت هي دموعها سريعاً حتى لا يراها، فسألها برفق وهو يجلس بجوارها
ـ أنتِ كنتي بتعيطي؟ حد زعلك؟ في حد ضايقك؟
وقبل أن ترد سمع خطوات تأتي من الخلف طالعها “عمار” بضجر متسائلاً :
ـ ايه اللي جاب ياسين هنا ياشمس أنتِ كنتِ مستنياه
فرد عليه “ياسين ” وهو يجلس جوارها من الناحيه الأخرى بحركه بهلوانيه :
ـ انتَ شايف ايه
ثم غمز لهُ يتابع :
ـ لا بس الجو هنا تحفه قعدتنا على السور دي هتخليني افكر في حاجات كتير
جعله فضوله سائلاً :
ـ حاجات زي ايه
رد ” ياسين ” مسرعاً :
ـ زي ان ارميك من هنا مثلاً ، ويبقى قضاء وقدر طبعاً
تجاهل ” عمار ” كلامه و كرر سؤاله :
ـ ماتنطقي ياشمس أنتِ كنتِ مستنياه
اكدت على حديثه بجديه واضافت :
ـ كما كنت انتظرك أيضاً
طالعها ” عمار ” باستغراب بينما أخرج “ياسين” لفافه تبغه بلا مبالاه يشعلها عرض على “عمار ”
الذي رفض قائلاً :
ـ بطلت
مد كف يده بلفافه تبغه الى ” شمس ” غامزاً لها :
ـ طيب تاخدي أنتِ ياشمس
اعترض ” عمار ” بحده يزيح كف يده الممدود اليها :
ـ أنتَ بتعمل ايه
فردت “شمس” ناهيه الجدال :
ـ كفى ، لا أريد أيًّا منكم أن يتحدث أريدكم أن تستمعوا لي فقط ، طوال الفتره الماضيه كنتم أنتم من يتحدث وكنت أنا من يستمع لكن اليوم جمعتكم هنا لأكون أنا من يتحدث وأنتم من يستمع
اعترض “ياسين” بنبره متأثره برع في تصنعها :
ـ انا ما اتكلمتش يا ابله هو اللي اتكلم
رأى جديتها في الكلام ونبرة الصرامه التي ملأت حديثها، لكنه أدرك بحسه كيف ينتزع منها ضحكه، ولو رغماً عنها وبالفعل، أفلتت منها ضحكه صغيره لم تستطع كتمانها، فقد كان يعرف تماماً كيف يخرجها عن شعورها ويبدد حدة اللحظه وسرعان ما ادركت الموقف ورسمت الجديه مره أخرى على ملامحها بقول :
ـ قلتُ إنني لا أريد أحدًا أن يتحدث
تنهدت تخبرهم بنبره أقل حده :
ـ لا أحداً منا يعلم ما الذي سيحدث بالغد ولكن مصير كلاً منا سيتغير بالفعل بعد يوم الغد لا نعلم اذا كنا سنجتمع من جديد أم لا كل منا سيتخذ مساره
استدار ” عمار ” ينظر لها وهو يرد :
ـ ما ده الطبيعي ياشمس ، اكيد من بكره عمرنا ما هنتجمع تاني
اشار بعينيه باشمئزاز على الجالس جوارها :
ـ عشان انا عمري ما هتجمع مع الكائن ده في مكان تاني
تنهد “ياسين” متصنعاً اللامبالاه :
ـ سلامه الذاكره اسمي ياسين ، اللي بالمناسبه شمس بتخاف عليه
نقل نظراته اليها سائلاً بتودد :
ـ مش أنتِ بتخافي عليا ياشمس
وأمام حديثه هذا اشتبك معه “عمار” اكثر :
ـ أنتَ واهم نفسك شمس عمرها ما هتخاف عليك
انفلتت اعصاب ” ياسين” تماماً وصاح :
ـ يبقى سلامه نظرك أنتَ أعمى مابتشوفش
احتدم الشجار بينهما، فحاولت هي أن تضع حدًا له بصوت يملؤه الألم:
ـ كفاكم هذا!
كفاكم شجارًا حولي! أنا إنسانة، أشعر وأتألم، وشجاركم هذا يخنقني… يجعلني أشعر وكأنني مجرد لعبة، يرغب كل واحد منكم في امتلاكها لبعض الوقت، ومستعد لفعل أي شيء لينتزعها من الآخر هل فكر أحدكم يومًا في ما أريده أنا؟ في ما أحب؟ إلى أين سيأخذني هذا النزاع المستمر بينكم؟
وانهمرت دموعها بحرقة وهي تكمل بصوت مرتجف:
ـ حسنًا، هل تظنون أنني أستحق ما تفعلونه من أجلي؟ كل واحد منكم مستعد للتضحية بأي شيء من أجلي، ولكن أنا… كيف لي أن أضحي من أجلكم؟ وبماذا أستطيع أن أضحي؟
ابتسم ” ياسين” ابتسامه صفراء يخبرها بمعلومه ليس لها فائده يشير بعينيه على “عمار” :
ـ ضحي بي
قال جملته الأخيره بسخريه ودت لو ردت عليها صارخه بحرقه ولكنها مجبره على الصمت وتابعت حديثها بدموع بكلمه مختصره :
ـ لا فائده
مسحت دموعها وتنهدت قبل أن تضيف :
لقد قلت كثيرًا أنك تحبني، لكنك لم تحاول يومًا أن تستمع لي أو تفهمني ذات يوم
وأنت يا عمار، اعترفت لي بحبك، لكنك لم تحاول أن تفعل ما أريده إلا عندما كنت مُجبرًا عليه
وقبل أن تتركهم اخبرتهم يائسه :
لقد استسلمت ، سأرحل عنكما ، ولكن قبل أن أرحل، ستتمنيان لو أن ما حدث اليوم وهذه اللحظة التي جمعتنا يمكن أن تتكرر يومًا ما أتمنى أن تدركا الحقيقة قبل فوات الأوان واذا حدث لأحدنا شىء بالغد قبل أن نتصافى فيما بيننا في هذه الجلسه لن ولم أسامح الأخر منكم قط
استدار كلاً منهما لها لمحوا الأنكسار في عينيها وسمعه في صوتها بعد حديثها هذا فقال ياسين :
ـ حقك عليا ياشمس ايه اللي يرضيكي وانا هنفذه
كان ودوداً معها في كلماته الأخيره فلم يستطع أن يحملها اكثر من طاقتها وهو يرى تلك النظرات في عينيها فردت بتلقائيه وهي تطلب :
ـ عمار ، عامله كما تحب أن تعامل نفسك
فسألها ” عمار” وقد طفح كيله :
ـ ليه ، ليه عايزانا نقرب من بعض ياشمس انا مش محتاجه ولو على بكره
وضعت يدها على فمه مسرعه ناهيه حديثه تخبره بنبره راجيه :
ـ ثق بي ، ثق بي دون ان تسألني لما ذلك هل تستطيع الوثوق بي ولو لمره واحده وبعد يوم الغد ستعلم كل شىء ، اعدك
كل كلمه تفوهت بها كانت صادقه ونابعه من قلبها نبرتها المؤثره جعلته يوافق على ما تريد دون سؤال فانتقلت تستدير بحديثها تناديه بأسمه :
ـ يـــاسين
ـ ارغي ياشمس
ارتسم على شفتيها ابتسامه وانتبهت لـ”ياسين” تخبره :
ـ أرجو منك نفس الوعد ، عمار ستحميه في الغد بروحك من أي شر هل تعدني بذلك
انقبض قلبه وصمت لثواني بل وطال صمته فربتت على كفه بهدوء وهي تقول :
ـ ثق بي
ابتسم ابتسامه حانيه يشير اليها بالأجابه فلم تتردد بطلب اخر بقول :
ـ اريد منك وعداً اخر ، بعد المعركه لا تحاول التغذي على دماء البشر مرةً ثانيه
تنهد “ياسين” بنبره بان بها تأثره مما طلبت :
ـ بس لازم دم البشر
ثم غمز لها سائلاً :
ـ يرضيكي اعيا ، واموت ، وخر دم
ردت مسرعه برجاء :
تستطيع الأعتماد على شرب دماء الحيوانات
صمت لثواني فأكملت رجائها :
ـ أريد منك وعداً ياياسين ، يكفي سفك دماء البشر
ابدى ” ياسين ” ضجره بقول :
ـ أنتِ ليه محسساني أني ماشي في الشارع بقول اتبرعي يامدام يام شريان مليان
فكررت طلبها بقول :
ـ ستعدني أم ماذا أريد جوابك الأن
فأخبرها “ياسين ” سائلاً :
ـ ده هيريحك
هزت رأسها مؤكده على حديثه فوعدها :
ـ وحياه عيونك دوول اللي بحبهم ما هشرب دم بني ادمين تاني ياشمس
ابتسمت لهُ على وعده تطالعه وكأنها تحاول حفظ تقاسيمه وبعد صمت دام بينهما لثوانٍ قطع صمتهما ضجر “عمار” قائلاً :
ـ امشي انا يعني ولا ايه ، تحبي اطلبلكم اتنين ليمون
ودون تردد جاوب “ياسين “:
ـ ساقع لو سمحت
فأوقفته “شمس” بقول :
ـ لا ترحل ارجوك تعلم جيداً انه يفعل هذا فقط لأستفزازك
——————-(بقلمي ماهي احمد)—————-
شروق يرتدي لون النقاء بعد عتمة الليل فيبث أنفاسه بنسمات تبعث في الروح أملاً بأن القادم أجمل بإذن الله
كل شىء رأه “الطبيب” يتكرر من جديد صلواتهم ودعائهم تمسكهم ببعضهم البعض وكأنهم يدٍ واحده ، والنتيجه انهم هنا في منتصف المعركه
يرتدون العباءات السوداء كباقي المستذئبين اعتلت مارال وساره النخيل واتخذ البقيه مواقعهم توغل كلاً من ياسين وعمار وميرا وبربروس والخاله بداخل جيش ” العربي” يرتدون العباءات الخاصه بهم ولكن كما حدث بالرؤيه استطاع “العربي” اكتشافهم شنت الحرب بينهما
صراع بين داغر وحسام على هدير والنتيجه كما رأها الطبيب بالفعل قضيت بفصل رأس ” حسام ” عن جسده ونشب صراع بين بقيه المسذئبين كل شىء حدث كما رأى الطبيب والنتيجه هما هنا من جديد بداخل القبو تمقته وتمقت ريحته ولكنها وجدت نفسها بداخله مره أخرى القى عمار جسده بالكامل على العربي يقطـ ـعه بأظافره الحاده فكان الأثنان گ يد واحده تضرب العربي في مقتل
واحتمت “شمس” خلف “ياسين” من أذى “العربي” نظرات ” عمار” لها وكأن عيناه تبوح بأسئلته التي بداخله لما هو ؟
ولكنه نفض كل ذلك عن رأسه و استطاعوا اخيراً هما الأثنان اضعافه ووقع أرضاً نظر كل منهما للأخر فأمسك عمار برأس العربي ويفسح المجال لياسين لشق رقبته ولكنه في هذه اللحظه شعر ياسين بصداع كاد ان يفتك برأسه من جديد وضع يديه على رأسه من كثرة الألم خر على الأرض وعادت له جميع ذكرياته
حاول عمار أن يحادثه:
ياسين انت بتعمل ايه ، قوم مافيش وقت مش قادر عليه لوحدي
كل شىء يعاد ، المشهد كما هو ، كما قص
“الطبيب” للـ ” الخاله ” وكما سمعته منه
” شمس ” كانت تعلم الذي سيحدث وقررت التدخل فأخرجت سلاحاً من بين ملابسها أتخذته من “عز” عنوه دون معرفته وضعتهُ على رأسها تهدد بهِ “العربي”بقول :
_أعلم جيداً ، أذا مسيت عمار بسوء حينها سأقتل نفسي ، تعلم جيداً أني قادره على فعلها.. اذا قتلت نفسي فستصبح ضعيف وسيصبح الموت محاوطاً لك بكل مكان
طالع “عمار” “شمس ” بذهول فقد أحكم العربي قبضته على رقبته كالأفعى السامه ووضع أظافره على صدره بجهه قلبه فنطق من بين شفتاه بصعوبه بالغه :
ـ شمس نزلي السلاح
ثم ألقى نظره على “ياسين” بقول:
فوء يا ياسين ، فــــــوء
ولكنه كان شارد برؤيته يتذكر ما حدث بالماضي
كلمات تلك المرأه وهي تخبره :
ـ ياسين ده عمار ابننا، انا سميته عمار عرفت اهرب بي من العربي قبل ما ياخده مني خللي بالك منه ياياسين
تبع ذلك قول العربي:
ـ مش هتموتي نفسك ياشمس أنتِ أجبن من أنك تقتلي نفسك دي تاني مره تهدديني فيها أنك هتقتلي نفسك ومابيحصلش ،
يقصد بحديثه عندما هددته بقتل نفسها منذ قليل في وسط الساحه لأنقاذ هدير وبالفعل لم تفعل فأكمل حديثه
ـ عارفه ليه عشان أنتِ جبانه وعشان أنا هحرق قلب ياسين عليه
رأت الجديه بحديثه يستهين بها ، لم يصدق أنها ستفعلها وسيقتله سينهي حياته امام عينيها وهذا شىء لن تسمح بهِ طالما مازالت حيه طالعت “عمار” بعينين كانت تحمل كل الوجع الذي لم تستطع الكلمات أن تخرجه نظراتها تائهة، مليئة بالألم الذي اخترق أعماق روحها طالعت “ياسين” وكأنها تحفظ ملامحه ، لكن كل شيء حولها كان ضبابياً، كأنها تتلاشى في عيون من تحب الدموع التي اغرقت عينيها كانت آخر شيء يربطها بالعالم، بينما كانت أصابعها المرتعشة تُمسك بالسلاح قلبها كان ينزف بصمت، وعقلها لم يعد يحتمل نظراتها الأخيرة كانت مزيجاً من الوداع والندم، لكن في أعماق عينيها، كان هناك شيء غير مرئي، يكاد لا يُصدق كانت تسأل نفسها في صمت، إن كان “ياسين ” سيظل يذكرها بعد أن ينتهي كل شىء
فاق “ياسين” من شروده يتذكر الوحمه بداخل رأس عمار وكلام الخاله نظر أمامه ولم يستوعب عقله ما حدث للتو ليجد العربي ممسك بعمار من عنقه بقوه و “شمس” تضع سلاحها على رأسها لم يصدق من هول ما رأى ابنه وحبيته يراهم على حافه الموت أمام عينيه فنطق العربي ساخراً :
شايف من نظره عينك لأبنك انك افتكرت فضلت تحاول تدور عليه سنين مع ان الضبع كان ماسح ذاكرتك بس قلبك كان بيدلك عليه لحد أخر خمس سنين
طالع ياسين ابنه بذهول فقد أحكم العربي قبضته على رقبه عمار كالأفعى السامه ووضع أظافره على صدره بجهه قلبه فاكمل حديثه:
ايه رأيك مفاجئه مش كده، أن عمار يطلع ابنك افتكرت كل حاجه صح
ابتلع ياسين ريقه وحاول ان يستجمع شتات روحه :
سيبه، خدني أنا بداله
لم يصدق ” عمار ” ما تلتقطه أذنه احقاً هو ابنه ، ابن ياسين فأمر “ياسين” شمس :
ـ نزلي سلاحك ياشمس
فرد العربي واثقاً مما يقول :
ـ ولا ماتنزلش دي عمرها ما هتموت نفسها
—————————-
في نفس التوقيت كانت هناك من تلد صغيرها بمنتصف المعركه تساندها غرام تخبرها بحماس
ـ اهوه، اهوه انا شيفاه ياهدير خلاص نزل
“يامخلص روح من روح ”
كانت هذه كلمات هدير وهي تستعد لأخراج ابنها للحياه
ابتسمت غرام وهي ممسكه بالطفل بين يديها ليذهب عز للخارج يبلغ داغر بولاده ابنه ليجده ملقى على الأرض يحاول جاهدآ ان يقف على قدمه
——————————
اندفع ياسين باتجاه العربي ليمسك بهِ فوجدته “شمس” ينفذ تهديده بغرز أظافره بداخل جسد عمار ودون أن تشعر طالعت عيون ” عمار” تحرك شفتيها بصمت قائله :
ـ سامحني
ضغطت على الزناد بكامل قوتها وارادتها ، لتخر شمس أرضاً تقع قتـ ـيله تفارق روحها الحياه هنا تجمدت الثواني وتجمد الوقت صرخ “عمار” ناطقاً بأسمها
ـ شمـــس
—————————-
تعالت صرخات الطفل الى الحياه فقد انقطعت حياه عنا ، وتبعث حياه أخرى من جديد
—————————-
لم يصدق ” العربي” ما حدث للتو ، فك قبضته من على رقبه ” عمار” من كثرة ذهوله شعر بالضعف وقله الحيله التف ” عمار” يحاول تحرير يدهُ التي مازالت ممسكه بهِ
جلس ياسين ينظر الى “شمس” فالصدمه كانت كثيره على عقله نظر الى العربي صاح بتأويهات جعلت ياسين يندفع نحو العربي كالثور الهائج تجاهه ليغرز أظافره بقلبه وفصل رأسه عن جسده كان يملك قوه بهذا الوقت لا مثيل لها قوى لا محدوده، أرتجف جسد “عمار” رعباً مما يعيشه الأن خاصةً حينما جلس القرفصاء يلمس جسد “شمس” ليجدها قتيله امامه لا تتنفس ، هرول ياسين اليها مسرعاً ضمها الى صدره يتحسس خصلات شعرها الكستنائيه يتذكر كل ما فات رفع رأسه ينظر للسماء ووجد نفسه يصرخ بأعلى صوته قائلاً:
_ شمــــس ، يـــــاما
سمعت حكيمه صراخ ياسين ونظرت من حولها لتجد المستذئبين يخرون أرضاً جميعاً ، فعلمت بأن ياسين قام بمهتمه ولكن قلبها علم ايضاً بموت “شمس” فهذه الصرخه ليست من فراغ لتجد نفسها قائله:
“ياحسره قلبي على كسرة قلبك يابني”
——————–(بقلمي ماهي احمد)—————
مرت عشر أعوام ، عشر أعوام ومازال يقف هنا أمام قبرها عينيه تغرقان في الذكريات لم تنسها روحه يوماً، كل لحظة كانت معه، وكل كلمة قالتها، ما زالت حية في قلبه رغم مرور الزمن، بقيت صورتها في ذهنه، ولم يقدر على نسيان الحنين الذي يعتصره كلما وقف هنا امام اللوح الرخامي
المدون عليه اسمها “شمس المهدي ” ومعه تاريخ ميلادها “٢٠_٢_٢٠٠٩ ” عمرها قصير أليس كذلك ولكن أفعالها كبيره لا تتسم مع صغر سنها لاحت ذكريات طفيفه الى مخيله “ياسين” يوم دفنها فراح بذاكرته وصولاً الى يوم دفنتها وأنزلوا النعش في لحظه مهيبه أتت زُهره من الخلف وهي تهرول وكأن المو ت يأتي خلفها أتت ولم تصدق ماحدث عندما سمعت بالخبر تشبثت بيد الطبيب وطالعها بحزن ليجدها لا تستطيع التحمل أكثر من ذلك قدماها خانتها فأثنت ركبتها وجلست على الأرضيه أصبح التراب يملىء ملابسها، الرجال يتقدمون عنهم والنساء في الخلف، لا يوجد مكان خالي لقدم واحده الأزدحام رهيب تقدم عمار الى الأمام وكان هو اول من فتح بوابه القبر وأمسك بجثمانها هبط من بعدهِ ياسين يمسك بهِا هو الأخر ووضعوها داخل قبرها وسط صراخ العديد والبكاء عليها الكل يبكي بلا استثنا الكل تنهش القهره من قلوبهم ، أغلق رعد البوابه أخيراً ونزف قلب زهره مع أغلاق البوابه دماً، ساره وقد اختلط وجهها بالدموع من يراها يقسم بأنها فقدت شىء لا يعوض أما عن بربروس فالدموع لمعت في عيناه وتأبى النزول هول اللحظه كان مهيب، مهيب بالفعل ، الجميع بلا استثنا فقدوا شىء غالي على قلوبهم لا يمكن أن يعوضه الزمن
وجد ياسين من يربت على كتفه فانتفض يستفيق من ذكرياته الأليمه ليجد ” عمار ” يقف خلفه يبتسم وهو يقول :
ـ اول ما جيت القريه دورت عليك مالقيتكش هناك قولت أكيد هلاقيك هنا
ما إن سمعه حتى مسح دموعه سريعاً، وأجبر عينيه على الثبات، يخفي حزنه خلف ملامح جامده، كأن شيئاً لم يكن التف “ياسين” اليه وقد ابتسم وكأن كل شىء على ما يرام وبدأ بقول :
ـ اتأخرت ليه ، أنتَ مش عارف ان الكل النهارده مستنيكم
جلس “عمار” على الأرضيه بعدما قام بتنظيفها براحه يده وهو يبرر :
ـ ماتنساش ان ده سفر ياياسين القاهره مش في الشارع اللي ورانا ، وبعدين ماتاخدنيش وتفضل تنزل بأسئله مالهاش لازمه قولي بقالك هنا قد ايه
اقترب منه ببطىء وهو يقول بنظرات سائله :
ـ ده تحقيق بقى
سدد له “عمار” نظرات موجهه تتحدى نظراته السائله وعلق :
ـ فاكر اليوم اللي شمس جمعتنا مع بعض فيه
سأله باهتمام :
ـ أيه اللي فكرك بي
هز كتفيه باستغراب :
ـ وأنا من امتى نسيت ياياسين
جلس ” ياسين ” على الأرضيه بجواره فأكمل ” عمار ” حديثه :
– أحنا ازاي مافهمناش انها كانت بتودعنا وقتها
كلماته اثارت اهتمامه حقاً فرد وكل حواسه منتبهه له :
ـ علشان مكناش شايفين هي بتعاني قد ايه ، مهمهاش نفسها قد ما كنا احنا اكبر همها
هز ” عمار” رأسه نافياً :
ـ مافتكرش اني كنت اخر همها ، انا ازاي مكنتش شايف الحقيقه ، انا كنت حاسس أنها بتحبك عشان كده مكنتش بطيق تقعد حتى جنبها ، عارف المشكله في ايه ، اني كنت راسم في خيالي بعد ما المعركه تخلص احلام كتيره مبنيه عليها ، كنت ماسك في ايدها كل ما كانت تيجي تسيب امسك فيها اكتر مكنتش عايز اسيبها شمس بالنسبالي كانت زي الحرب اللي كنا دخلينها لازم اكسبها علشان بعدها يدخل الهدوء والسكينه على قلبي اللي كنت محروم منهم طول عمري مكنتش شايف غيرها ومكنتش عايز اشوف غيرها بس للأسف انا كنت بالنسبالها طوق نجاه طلعت بي من اللي هي فيه ، كنت الشاب اللي بتشوفوا في احلامها ومستنياه يخلصها من كل اللي بيجرالها ، افتكرت أنها بتحبني بس في الحقيقه قلبها ماشافش غيرك ياياسين
سأله محاولاً أيجاد تفسير لما قاله :
ـ ليه بتفتح في الكلام ده دلوقتي ، فات على الكلام ده عشر سنين ياعمار انسى بقى
اجاب على مطلبه بسؤال أخر :
ـ طب وانتَ نسيت
حرك “ياسين” رأسه بالأيجاب يخبره أنه نسى او ربما يتصنع انه نسى فانطلق حديث “عمار” الرافض بما اخبره :
ـ يبقى بتكذب على نفسك ياياسين أنتَ لو كنت نسيت مكنتش فضلت واقف مكانك هنا قدام قبرها
قطع حديثهما خطوات خفيفه من خلفهم ، تمشي بخطوات أقرب للتسحب التفت “ياسين” يتجاهل حديث عمار وكأن تلك الخطوات اتت للتهرب من حديثه طالعها ببسمه واسعه :
ـ شـــمــس
توقفت شمس في مكانها وقد ارتسمت على ملامحها خيبة أمل بريئه ، وعبست شفتيها الصغيرة وكأن العالم قد كشف سرها الكبير قالت بصوتٍ منزعج:
ـ أنتَ كل مره كده تكشفني يا أنكل ياسين مافيش مره تخليني اعملك مفاجأه أبداً
ضحك “ياسين ” بحب وهو يجثو على ركبتيه ليصبح في مستواها قائلاً:
ـ مجرد ما اشوفك دي بالنسبالي أجمل مفاجأه ، وبعدين تعالي هنا
مد يدها وحملها بلطف ، ثم حملها بين ذراعيه ، في أثناء خطواتهما للرجوع الى منزل
” ال صاوي ” وكانت تلك الطفله هي أعز ما يملك ضحك ضحكه صافيه وهو يحملها بين ذراعيه بحب قائلاً :
ـ وبعدين تعالي هنا هو مين اللي المفروض يعمل للتاني مفاجأه ، مش النهارده عيد ميلادك
أشارت برأسها بالايجاب ثم رفعت أبهامها تشير على والدها “عمار” تقول ببراءه :
ـ ايوه ، بابا قالي أن النهارده عيد ميلادي وان عمو ياسين وطنط حكيمه وساره ويزن وكلكم عاملنلي مفاجأه بس قالي ماتقوليش لحد ان هو قالي ، بس انتَ ياياسين مش حد
طبعت قبله بريئه على وجنته تتابع :
ـ أنتَ صحبي
ضحك ياسين على مقولتها فاقتربت ” فريده ” زوجه عمار تهبط الدرج مسرعه سائله بانزعاج :
ـ كنتوا فين ياعمار انت وياسين كل ده ، احنا خلاص هنطفي الشمع الخاله تعبانه ومش قادره تقعد اكتر من كده
قالت جملتها تمد يدها تحمل الطفله منه على استعجال تدخل بها بداخل المنزل فسأله ياسين هامساً :
ـ أنتَ برضوا لسه ماقولتش لمراتك اني ابقى ابوك مش اخوك
اعترض ” عمار” وهو يطلب منه برجاء:
ـ أرجوك ماتفتحش الموضوع ده تاني ياياسين ازاي عايزني اقولها انك والدي وانت شكلك صغير بالشكل ده اكيد هتحس بأن في شىء غلط وانا عايز اعيش في سلام وبحاول انسى الماضي واعيش طبيعي زيي زي البشر ، انا متجوز فريده بقالي ست سنين عوضتني عن حاجات كتير فبلاش نعكر صفو العوض ده وانت بالنسبه لشمس بنتي عمها والخاله تبقى ستها كده احسن صدقني
وافقه على حديثه بالايجاب فسمع كلاهما صوت غناء الموجودين بالداخل احتفالاً بعيد مولد تلك الصغيره اسرع ” عمار” من خطوته يخبره :
ـ بسرعه ياياسين لحسن هياكلوا التورته من غيرنا
ابتسم “ياسين” على قوله ودلف الى المنزل من بعده ، منزل ” ال صاوي” يغمره الظلام، كان الضوء الوحيد ينبعث من شموع صغيره متوهجه تتوسط قالب كعكة عيد الميلاد اجتمع الجميع حول الطاوله ، يغنون بفرح وقلوبهم مليئة بالدفء، يحتفلون بعيد ميلاد الطفله الصغيره التي ارتسمت على وجهها ابتسامه بريئه تنير كيانها.
كان يقف بعيدًا في الظل، يراقب المشهد بصمت. عيناه تتابعان تفاصيل كل وجه، كل حركه ، وكل ضحكه شعر وكأن الزمن قد مضى على الجميع سواه، كل واحد منهم أصبح له عالمه الخاص، قصه يرويها، حياه مليئه بالأحداث أما هو، فقد وقف مكانه، كأن حياته توقفت عند نقطه لم يعد يعرف كيف يتجاوزها
رغم الابتسامه التي زينت وجهه وهو ينظر إليهم، كان في داخله شعور بالوحده يشبه الظل الذي يحتضن وجوده ومع ذلك، لم يتقدم أو يفسد تلك اللحظة النقيه اكتفى بالمراقبه ، وكأن ضوء الشموع كان كافيًا ليمنح قلبه دفئًا مؤقتًا ، حيث الضوء الخافت من شموع الكعكه يرقص على الوجوه، وقف يراقب الجميع بصمت بابتسامه هادئه عينيه تنقلت بين ميرا ورعد، اللذين كانا يغنيان بسعاده، يمسكان ابنتهما الصغيره ذات العامين التي تبنياها حديثاً ، وقد ملأت ضحكاتهم الأجواء دفئًا. عاشا معًا قصة حب وسعاده وكأن العالم لا يحتوي سواهم.
ثم التفت إلى عز وغرام، اللذين أخيرًا عادت بينهما المحبه بعدما سامحت شريف وقد تجاوزت محنته ويوسف ابنهما ذات التسع سنوات بات قريبًا منهما و بجوارهما، كان شريف يهمس لولاء أثناء الغناء، فابتسمت بضحكه صافيه كأنها نابعة من أعماق قلبها لأول مرة منذ زمن طويل.
في طرف آخر من الطاوله، كانت ساره تقف إلى جوار يزن كانت سعيده وممتنه لأنها علمت عن مرضها مبكرًا واستطاعت تجاوزه ليجمعها القدر أخيرًا بيزن في زواج مليء بالحب أما مارال، فقد خطفت الأنظار بجمال هدوئها وهي تقف مرتدية الحجاب ممسكه بيد بربروس الذي بدا فخورًا وسعيدًا بعد إعلانها إسلامها
وسط أجواء الاحتفال الدافئه ، وقف داغر وهدير وغدير بجانب الطاوله ، يتأملان بحب وسعاده قالب الكعكه المضيء بشموع عيد الميلاد كانت الضحكات تملأ المكان، والأنغام السعيده تتردد في الأرجاء.
رفع غالب، ابنهم ذو العشر سنوات، رأسه نحو والديه بابتسامه عريضه مليئه بالبراءه خطا بخطوات واثقه نحوهم، واقترب منهما بحنو.
ثم في لحظه عفويه مليئه بالمحبه، وقف بينهما ووضع قبله على خد كلٍ منهما في نفس اللحظه.
ارتسمت على وجهيهما ابتسامه واسعه تعكس مدى سعادتهما وفخرهما بهذا الطفل الذي ملأ حياتهما نورًا وحبًا.
وفي طرف آخر من الطاوله ، كان الطبيب يمسك بيد زهره، يتبادل معها نظرات مليئة بالحب والامتنان، بينهما حسان التي اتخذته زهره ولداً لها بعد فقدانها لأبنتها الحبيبه ، تجاورهما الخاله التي عادت الى طبيعتها وقد نحت الزمن معالمه على وجهها من جديد طالعت زهره ياسين بابتسامه رقيقة، وأشارت له بعينيها وهو بعيدًا و بادلها هو بنظرة لا تقل دفئًا عن ابتسامتها
كل لحظة كانت تحمل قصه ، وكل نظره كانت تحمل ذكرى أو أملًا وهو يقف هناك، يراقب هذا المشهد الذي يعج بالسعاده والحب، لكنه في أعماقه شعر وكأنه وحده الزمن قد توقف عنده، كأنه مجرد شاهد على حياة الجميع، دون أن يكون له نصيب من تلك السعاده التي امتلأ بها المكان
انتهى الجميع من الغناء، وارتفعت أصوات الضحكات وسط أجواء مليئة بالبهجه كانت الطفله الصغيره تهم بإطفاء الشموع، ولكن عمار أوقفها بلطف، قائلاً:
ـ استني ياشمس
ثم ألقى نظرة سريعة حوله، يفتش عن أحدهم. لاحظ غياب ياسين، فتجول بعينيه في أرجاء المكان حتى لمح ياسين يقف بعيدًا، مستندًا إلى الجدار، يراقب المشهد بصمت.
اقترب عمار منه بابتسامه دافئه، ووضع يده على كتفه قائلاً بنبره ودوده:
ـ مش هنطفي الشمع من غيرك، ياياسين
نظر إليه ياسين، وبدا عليه الامتنان لتلك الكلمات. لم يحتاج إلى الكثير من الإقناع، فقد كانت الدعوه تحمل دفئًا كسر عزلته، ليعود مع عمار حيث كانوا جميعًا ينتظرون لحظة الاحتفال التي لن تكتمل إلا بوجوده نفخ ياسين من روحه تلك الشموع بجانب الطفله التي بوجودها يشعر بأنه مازال على قيد الحياه
هكذا هي الحياه، لم تكن يومًا كامله أو مثاليه. دائمًا ما تأخذ منا شيئًا لنشعر بمرارة الفقد، ثم تمنحنا بالمقابل شيئًا آخر وكأنها تحاول أن تعوضنا، ولكنها لا تفعل ذلك بعدل.
الحياه ليست عادله، فهي تعطي بيد وتأخذ بالأخرى، تترك فينا ندوبًا وذكريات، وتجبرنا على المضي قدمًا رغم كل شيء تعلمنا أن السعاده ليست دائمًا مجانيه ، وأن الألم جزء من معادلتها التي لا نفهمها إلا بعد أن نعيشها
* تمت بحمدالله *
لقراءة باقى حلقات الرواية اضغط على : (رواية عروس الالفا (الهجينة 2))