روايات

رواية الغزال الباكي الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم إيمان كمال

رواية الغزال الباكي الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم إيمان كمال

رواية الغزال الباكي البارت الرابع والعشرون

رواية الغزال الباكي الجزء الرابع والعشرون

رواية الغزال الباكي الحلقة الرابعة والعشرون

اندهش لما قاله، وسأله:
– امال انا ابقى مين يا بابا؟
اقترب منه رد بعنف:
– انت واحد تاني معرفهوش.. واحد كل كلامه عن الفلوس وعمل اية بيها، وحقق اية، واشتري ايشي فيلا بكام مليون، وعنده مئات من الناس بتشتغل تحت امره وهو الحاكم الأمر في امرهم.
قاطعه بغضب قائل:
– وده يزعلگ في اية؟ ولا يقلل مني ويخليگ تقول اني واحد تاني متعرفهوش.
– عشان كل اللي بتقوله ده مش من تعبگ وشقاگ، لو كنت تعبت وعرقت كنت هشجعگ واقولگ برافو، انما انت متفشخر اوي ليه وعلى اية تقدر تقولي؟
وعند هذه اللحظة لم يتحمل “فؤاد” وابل الهجوم الذي يقذفه به والده، فرد بقسوة:
– انت ليه مش فرحان ليا؟

 

 

ليه كل شوية بتفكرني اني متعبتش فيهم؟ لا انا دفعت ثمنهم غالي اوي يا بابا، ثمن شهامتي دفعتني أغلى ما يملكة اي راجل، ليه مستكتر عليا اني اعيش الباقي من عمري مستريح ومبسوط؟
الفلوس دي متجيش حاجة جنب اللي خسرته. بجد انت خلتني اندم اني جيت.
اولاه ظهره ليهم بالخروج، اوقفته لمسه يداه لكتفه، التفت له بأعين عاتبه له، فقال والده بحب:
– اوعي تفتكر اني مستكتر عليگ السعادة؛ بالعكس انا في كل ركعه بدعيلگ براحة البال، بس يا بني عمر السعادة ما بتتجسد في الفلوس، راحة البال اهم منها.
ابتسم بسخرية وألم وقاطعه رنين هاتفه على مواقع التواصل، بعدما رأى صديقة “فوزي” حالة الواتساب أنه يوجد بمصر، لم يضيع وقت واتصل به في الحال، رد عليه قائلا وهو يحاول يدعي السعادة:
– ابو الفوز ازيگ وحشني كتير.
– انت أكتر يافؤش، اول ما شوفت رسالتگ انگ رجعت رنيت على طول، أنت متتخيليش مشتاق لقعدتنا اد اية، كويس أنك جيت في الوقت المناسب.
رد عليه وهو يتذكر مغامراتهما سويا:
– خير عملت مصيبه جديده، وعايزني استر عليك زي زمان؟
ضحك صديقه وهو يخبره:
– أنا فرحي اخر الأسبوع .
لم يصدق ما سمعه للتو ضيق عينه وقال بعدم تصديق:
– لا بتهزر، اخيرا هتعملها وتدخل برجلك الخيه، لا مش معقول، ومين بقى اللي وقعتك واقنعتك أن الجواز مش بيقصر العمر؟!
شرد صديقه بعيدا في من سلبت عقله وقلبه بطريقتها التي لا مثيل لها وقال بحب:
– وحده عمري ما شوفت ولا هشوف زيها جمال واخلاق مفيش زيها، حاجة كده في الخيال.
– لا كده لازم اتعرف على اللي وقعت الأسد الطليق في المصيدة.
– هتشوفها أن شاء الله في الفرح، بقولك ايه متيجى اشوفك انت وحشني واهو استغلك و تقولي رأيگ في الديكورات في الشقة، والعفش انت عارف مش بفهم في الحاجات دي، ولو انت موجود كنت نجدتني بدل ما بكع دم قلبي.
رد بسرعة ليهرب من نظرات والده رادفًا:
– ابعتلي اللوكيشن او قولي مكانها، هجيلك حالا.
أغلق معه بعد أن ارسل له عنوانها، وتحرگ فورا دون الالتفاف له، ولا مستمع لرجاءه بالبقاء، فقد كان الفرار هو الحل من وجهة نظره.

 

 

استقل سيارة أجره وابلغه بالعنوان، وبعد ما يقارب من ساعة وصل لمبتغاه، لمحه صديقة حين ترجل من السيارة، ركض باشتياق له معانقه بفرحه، ثم صعدا لأعلى ليرى الشقة، ولجا للداخل ليلقي نظرة عابره للغرف التي نالت اعجابه وشكر في تصميم المهندس، ودقته في استغلال كل المساحات بطريقة ذكية، واستخدامه للمرايا لتعطي احساس بالوسع، كما اختيار الجبسن بورد رائع في الاسقف، وتنسيق واختيار الأساس وتناسقها مع الالوان، علامات الرضا كانت تحتل مراسمه، واشاد بروعة وجمال الشقة، سأله عن الشركة التي تم الاتفاق معه، وحين اجابه، تذكرها للتو، لانها هي نفسها الشركة التي كان يعمل بها، اراد “فوزي” ان يعرفه بمهندسة الديكور التي اعجب بتصميمها، فهو لم يلمحها حين جاء، سأل عليها أحد العاملين، شاور عليها بيداه، فنظر لما شاور فقال له “فؤاد” :
-هي اللي واقفه هناگ دي؟
– اه هي مدام غزال.
انتبه حين استمع لهذا الاسم وتردد صداه عدة مرات داخل اذنية، أيعقل ان تكون هي؟ كلا وبتى؟! فكيف؟
ان ما يراها امامه فتاة ممشوقة القوام، ترتدي بنطال مصنوع من خامة الجينز يبرز رشاقتها، وتيشيرت قطنيًا، وفوق رأسها كابًا يحجب عنه وجهها !! مأكدا تشابه أسماء لا أكثر..
نادى عليها “فوزي” بصوت مرتفع، التفتت له فتطاير شعرها المرفوع على شكل ذليل حصان، وتقدمت نحوه، وحين لمحها “فؤاد” كانت صدمته لا يضاهيها صدمتها هي،
فحين لمحته امامها تجدد الماضي وتجسد أمام عيناها من جديد، وتذكرت كل ما عانته، رمقته بنظره احرقته وهو واقفًا، عيناها تشع بغض وكره، شعرت بأن الهواء من حولها فرغ، لا يوجد اي مصدر للهواء برغم انفراج كل النوافذ على مصرعيها، لكنها كادت أن تختنق كأنه استنشق كل الأكسجين الموجود وابتلعه في رئتاه..
قدمها له فتبسم ومد يده “فؤاد” ليصافحها، نظرت ليده المموده باحتقار، فكيف جاءته الجرأة ان يمدها لها من الاساس، بعد الذي صار بينهما، رفضت ان تلامس يده المنغمسه بذلها واعتذرت معلله بانها لا تصافح الرجال؛ تعجبان من ردها، فسألها “فؤاد” :
– ازيگ يا غزال؟
– في افضل حال.
اندهش صديقة لمعرفته بها فسأله في تعجب:
– انت تعرف مدام غزال يا فؤش؟

 

 

– عز المعرفة، دي تبقى يا سيدي مر…
ردت بسرعة مقاطعته بحزم:
– طلقته.
عيناه تفترسها في اعجاب شديد، كأن في لحظة نسى من جمالها الذي اصبحت فيه ما صار له، وتخيلها في أحضانه، فقال بأعين معجبه:
– اتغيرتي واحلوتي اوي يا غزال، وبقيتي اسم على مسمى فعلا.
– اسمي المهندسة غزال، او مدام غزال يا بشمهندس، ياريت تحافظ على المسافه ومتتعداش الخط الأحمر بينا.
قالت ردها بقوة وجمود لم يشهدها منها من قبل، فهي ليس زوجته التي كانت تهابه وتخشى من غضبه، ولا تجرأ ان ترفع صوتها امامه، اما الأن يشاهد امرأه بها جبروت لم يتخيله انها تتصف به في يوم، وجهت حديثها لصديقة قائلا والضيق واضح على ملامحها:
– بإذن الله هنسلم حضرتگ في المعاد المتفق، عن اذنگ.
كادت ان تتحرگ نادى عليها “فؤاد” قائل:
– استني يا غزال، انا عايز أتكلم معاكِ.
ارسلت سهم نظرتها فصوبته في بؤبؤ عيناه قائلة بغضب:
– مفيش بينا أي كلام ممكن ينقال، اللي كان بيربطنا في يوم نتكلم بخصوصة راح، زي ما يكون ربنا رايد ان صفحتك تتح*رق بج*از وس*خ، وياريت اسمي ميجيش على لسانگ تاني.
اقترب منها وحاول لمس يدها فحدقته بعينان جاحظتان ارجعته للخلف، خشى من ان نيران غضبها تحرقه للتو، ابتلع لعابه وقال بتردد:
– اديني فرصة اصلح الماضي، واعوضگ عن زمان، انا بقيت غني اوي ومعايا فلوس كتير هعيشگ ملكه متوجه بس اديني فرصه تانية.
سخرت من حديثه، ونظرت له باحتقار، اي مال يغريها به، فمنذ متى كانت تبحث معه عن المال، فحياتهما كانت ميسوره الحال، فهي لم تفكر لحظة في جمعه، هي فقط كانت تبحث معه دائما على الاحتواء.. الضمه وقت لحظة ضعفها.. الكلمه الحلوه التي تطيب خاطرها، كل هذا لم تجده معه، رمقته بضيق قائلة:
– لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين يا بشمهندس، وانا ربنا نجدني منگ، وعوضني براجل مفيش زية في الوجود، راجل بجد مش اسم راجل في البطاقة.

 

 

وهنا سمعت احب صوت لقلبها ينادي بأسمها قائلا:
– غزالتي وحشتيني.
لم تخجل من كل العيون التي تلمحها حين سمعت صوته، اقتربت وضمته بشدة كمن لم تضمه من قبل، تحت انظار الواقف المندهش من نظرته ولمعان عيناه لها، اخرجها “أمان” وقال بحب واهتمام:
– لاقيت نفسي قريب منگ، قولت اعدي اشوفگ لو خلصتي نروح سوا، خصوصا اني لاحظت الصبح انگ كنتِ مرهقه وتعبانه.
– جيت في وقتگ، انا اصلا خلصت.
– طب كويس اني متأخرتش عليكِ.
– مش مهم يا أمانِ حتى لو اتأخرت؛ المهم انگ جيت في الوقت المناسب.
سارت معه بخطى واثقه، وهمست له هاتفه وعلى وجهها ابتسامه مشرقة لحياة أجمل:
– عندي لگ مفاجأة تجنن.
سألها بعيناه مطالبها بأن تسرع في اجابته، فوقفت وامسكت بيده و وضعتها على بطنها واومأت برأسها مأكده له بخبر حملها، شعر بأنه تملگ الكون في يده، ضمها داخل احضانه، غير مبالي بمن حولهم من فرط سعادته، خرجت وقالت له:
– أمان أعقل الناس بتبص عليا.
– ملناش دعوة بالناس، محدش له حاجة عندنا يا روحي وقلبي، وام عيالي، بحبگ يا أجمل غزالة شوفتها، وأجمل زهرة في بستاني.
– وانا بعشقگ يا أمانِ، وبعشق كل تفصيلة فيگ ياعمري.
كانت النيران تتأجچ بداخله، ولا يستطيع اخمادها، منذ ان ابصره وهو دالفًا لها، ومنادي عليها ولمعه الحب التي تضوي ضوءها حين ابصرته.. تذكر كم المرات حينما كان يدخل للمنزل وكانت تبصره اياها وكان يبادلها النفور والضجر، فلم يأخذها في عناق مثله ولم يشعر بها، لكن ما اوجعه حقًا حينما اكتشف بحملها؛ كأنها اختارت ذلگ التوقيت لتطعنه في قلبه وتعرفه ان ربنا انعم عليها بأبن آخر غير الذي رحل، اما هو… يا حسرتاه؟!
بماذا سينفع ماله الذي يسعي لزيادته ويتفاخر به امام الجميع؟!
فكلام والده حقًا وصدقًا، فالسعادة في راحة البال وليس بجمع المال..
ادرگ للتو ان خسارته لبيته واسرته لا يضاهيها اي خسارة، فماذا يفيد المال وهو سيكون وحيدًا لا زوجة محبه كغزال، ولا ابن من صلبه يستطيع انجابه مثلها..؟!
أغمض عيونه بحسرة وندم على ما اضاعه من يده، وتذكر فرحته وعبرة تسللت وتساقطت من شدة سعادته، وقارنها برد فعلة وحزنه حين علم بخبر حملها.. حملها الذي يود ان يخسر كل ما يملكه ويحصل على طفل يحمل اسمه ويكون مدادا له عندما يفارق الحياة.
تحرگ ببطئ سلحفاة تخطو اولى خطواتها في الحياة، تائهًا، مهمومًا، فوق اكتافه جبالا من الهموم والحزن، لم يستمع لصوت صديقة الذي جاء من الداخل مناديًا عليه حتى وقف أمامه:
– وصلت لفين؟!

 

 

– معلش هنزل ونتقابل بعدين.
– بعدين ايه، انت لازم تحضر فرحي.
هز رأسه بالموافقة وسار لاسفل وهو مدرگ بأنه من ضاع من يده جوهرته الثمينه، وباع الغالي بالبخس.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وهكذا عاد الغزال مع وليفة والبهجه منثورة من حولهم، اقام “أمان” حفلة بمناسبة خبر طفلهما القادم، ودعى فيها كل الأحباب، فقد كانت سعادة “فادي” تفوق الجميع بأنه سيأتي اخ او أخت يشاركة وقته والعابه.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وجاء يوم الفرح سريعًا، والسعادة ترفرف قلب العروسان.
يدخل “فوزي” قاعة الفرح وفي يده أجمل فتاه خطفت قلبه “يارا” الصياده الماهره التي تستخدم كل أسلحتها عندما تريد إيقاع رجلًا في شباكها، كانت ترتدي ثياب العفه والطهارة تنظر لأسفل بخجل متصنع وهي تسير بين أقاربها وأقاربه، والبسمه تعلو شفتيها المصبغوتين باللون الأحمر الصارخ.
بعدما ارتدى فؤاد ثيابه ليذهب لعرس صديقه، جلس على الأريكة ونزع ربطة عنقه وهو يلعن ويسب شيطانه من الإنس جعلته يخسر كل شيء، شعر بضغطه ينخفض قرر عدم الذهاب ورجع رأسه للخلف يتوعد للشيطانه الكثير والكثير على كل شيء فقده. قرر ان يستغل كل ما يملگ للبحث عنها ويجعلها تدفع ثمن ما فعلت به.
كان “فوزي” يرفرف قلبه من السعادة بمن ستصبح زوجته بعد دقايق، وظلا يرقصان على أنغام الموسيقى حتى جاء المأذون جلس هو وخطيبته و والدها و والده الذي كان قلبه يتراقص من السعادة على اقناع ولده الوحيد بالزواج، وعندما رفع “فوزي” صباعه الابهام وقام غرزه بالحبر حتى يوقع على عقد الزواج جاء من الخلف من قرر اخيرا الضغط على نفسه ليتواجد مع صديقه، كان مدعي التمثيل والابتسامه على شفاه، وحين اقترب من طاولته ولمح الجالسه بجواره؛ علت الصدمه وجهه، ازاح بيده كل الموضوع على المنضده من اوراق ودفاتر، تحت ذهول الجميع وقال بوجع ونار ينهش قلبه:
– انتى ؟! انتى ازاي كده؟ انتى مش بتتعبي ولا بتهمدي، هتفضلي طول عمرك واطيه ورخيصة وخدامة اللي يدفع ويكون عنده شقه…
صدمت عندما رأته لكن وقفت وقالت بحده مدعية القوة:
– مين المجنون ده؟ انت هتسيبه يغلط فيا يا فوزي، وقفه عند حده الراجل الهمج..
لم تستطع تكمله باقي حروفها وصدمت حين تلقت صفعه قوية من قبل “فؤاد” على وجهها بكل ما أوتي من قوة، ولا يعلم اهو يصفعها هي ام يريد ان يصفع نفسه هو، لم يفق مما فعله و وجد صديقه يلكمه بقوة اوقعته ارضًا، وبدون دخول معه في تفاصيل قال بغضب:
– أنت اتجننت، هي حصلت تمد ايديك، تهزق مراتي؟
لم يبالي بما فعله صديقه وقام وهو يخرج هاتفه كالمكذوب الهائج؛ يفتح المحادثات بينه وبينها ويمر على كل طاولة من المدعويين ليشاهدوا بما فيها بنار وقهر رادفًا بانهيار:
– مش هي دي المحترمه، صاحبة الصون والعفاف، مش هي دي صورها، بص بص شوف كانت بتقولي ايه…؟ بص انت كمان شوف الرخيصه كانت بتعرض جسمها ليا ازاي، شوف القذرة اللي خلتني اخسر بيتى ومراتي وابني…. الوس.خه اللي خلتني اخسر اعز ما املك…
اقترب ووقف أمام أعين صديقه والدموع تنحدر على وجنتيه:
– بص يا صاحبي وشوف انت كنت هتتجوز مين..؟ بس انت حظگ حلو اني لحقتگ، لكن انا كنت ضحية من ضحياها وملقتش اللي ينجدني من براثين شيطانة مثلها.
امسكت “يارا” يد “فوزي” وهي تشجعه على طرده خارج المكان:
– طلع المجنون ده بره.
كان “فوزي” منصب تركيزه في كل صوره لها، وحديثها مع صديقه فعلا هي؛ كل قولها كانت تفعل وتقوله له نفس الحديث وتبعت له بنفس الصور، لف بجسده واصبحت أمامه رمقها بقرف واحتقار وصفعها عدة صفعات متتالية، وتركها وهو يود أن يدفن بسبب كل ما حدث من فضيحة، لم يعرف يلوم صديقه على هذه الفضيحة ام يشكره أنه انقذه بمكاره خادعه، مشى وهو محطم القلب.
حاولت “يارا” ان ترتدي لباس القوة وتبرر للجميع ما شاهدوه لكن لم احد يبالي لها، والجميع رحلوا وهم ينظرون لها بأحتقار، ركضت بفستان زفافها للشارع وهي تبكى على ما وصلت له، هاربة من نظرات وشماتة الجميع لها، كيف ستواجهه والديها بعد كل ما حدث؟ ظلت تركض وتركض دون سبيل ودموع الندم تغتسلها بحرقه، تتذكر كم ضحية اوقعتها في شباكها، ثم غدرت بهما بعد ان استفذت كل اموالهم، وحين عثرت على زوج مناسب وعزمت الزواج منه؛ جاء الماضي بكل وحشية وانهشها، بل مزقها اربًا… ظلت تائهه ولم تستمع لصفير عربة النقل الآتية عن بعد، وعندما استفاقت ونظرت لها، لمع اضاءة نور السياره داخل مقلتيها، وشعرت ان قدماها متسمره لم تستطع الحراگ، ولم تستطع السيارة تفاديها لسرعتها المفرطة، و واطاحتها بكل قوة على بعد مسافة بعيدة ارضًا ملوثة بدماءها القذرة، وتحولت اجمل ليلة إلى كابوس ونهاية مؤسفه.
وكان فؤاد هو من تبقى بالقاعة يبكى بحرقه وندم، يود لو يعض الأرض من شدة ندمه… ادرگ كم خسارته متأخرًا، ضاع كل شيء كان يمتلكه وبين يديه، زوجة تتمنى له الرضا يرضى، وطفل صوت بكاءه وضحكاته تملئ قلبه بهجه… لقد خسر كل هذا وفوقه أغلى ما يملكه أي رجل.
ظل على حالته يبكي بانهيار، واخرج من جوفه صرخه عاليه اهتزت لها جدران ثنايا قلبه بألم لم يشعر به من قبل، استفاق على من يربت على كتفه بحنان، رفع بصره بعينان مشوشه الرؤية؛ وجدته والده قائلا:
– قوم يا قلب ابوك معايا، قوم وشد حيلك يابني، ادعي ربنا يصبرك في مصيبتگ وخسارتگ.
ساعده في النهوض ممسكًا بيده، كأنه يتعلم اولى خطواته، ارتمى في احضان والده وظل ينوح وصوت شهقاته تعلو، وما على “محمود” الا انه يربت عليه بحنان ويشاركة في حزنه.
فقد طمس واتمحت اي حروف ممكن ان تقال في هذا الموقف، وبقى الصمت والنزيف هو من ينزف بداخل القلوب.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ومرت الشهور وكان فادي يترقب كل يوم مجيئ اخيه بفارغ الصبر، فقد كانت اسعد لحظاته حين يضع كفه الصغير على بطن غزالته عندما تشعر بتحرك وركلات الصغير في بطنها، كان يفرح بشدة ويقفز سعادة، ويتحدث معه كأنه يسمعه ويراه.
وكان “امان” نعمه السند لها في كل لحظات ألامها من الحمل، يهتم بأدق التفاصيل، من نظام غذائها الذي كان حريص على تناول كل ما هو مفيد لها، وزيارتها لطبيبة النسا للاطمئنان على الجنين.
وجاء موعد ولادة “غزال” التي صممت بأن يحضر معها امانها ويكون برفقتها، ظلت تعاني الام المخاض، وهو متشبث بكفيها الذي تضغط عليه مع كل صرخة تخرج من اعماقها، كانت تمزقه اربًا، حتى جاء اللحظة الحاسمه وخرج فيها روح نبض للحياة، ومع اولى صراخته تراقص فيها قلبهما سعادة بقدومه، اخدة بين يده وكبر في اذنيه، وضمه بشوق، وقدمه لها بين احضانها هاتفًا:
– حمدلله على سلامتگ يا غزالتي، شوفي شادي حلو ازاي؟
لم تصدق نفسها حين قرر تسميته بأسم ابنها، لكنها خشيت عليه أن يلاقي نفس المصير، رفضت واقترحت تسميته “ناجي” حتى ينجيه الله دائما، اعجبه الإسم وقال:
– جميل الاسم، عشان يكون عندنا، ناجي وفادي على نفس الوزن، وشدي حيلك بسرعة عشان نكملهم بهادي.
وبذلگ تكون اكتملت فرحة “غزال” واصبحت الغزال الضاحگ، بدلا من الغزال الباكي، فمنذ وجود أمان بجانبها تبدلت حياتها وازدهرت الوانها واصبح هو ربيعها الذي تفتحت على يده ورودها وترعرعت من بعد ما كادت ان تموت بفعل يد الاهمال بها، وجاء الساقي ليعيدها ويروي ظمأ سنواتها الحزينة، ويبدل حالها للفرحة والبهجة.
وهكذا كفائتها الأيام بعد ما تجرعت
ظلمها، الآن عدالة السماء قالت كلمتها واتزنت برمانه الميزان ليأخذ كل بشر جزاءه بما فعلت يداه، فظل “فؤاد” وحيدًا بعد وفاة والده، واصابه حالة من الاكتئاب شديدة، ويحيا بمضادت للاكتئاب، ولا تغفى جفونه إلا بتناول الحبوب المنومه، ابتعد عن كل البشر، وظل حبيس داخل فيلته يتمنى الموت في كل لحظة، وتأنيب ضميره ينهشه في الثانية الاف المرات…
اما “آلاء” فما زالت تحيا على ذكريات الماضي، وتعيش على ذكرى حبيب رحل ولن يعود، محتفظة بتلگ العهد الذي قطعته على نفسها بالا تكون لأحد غيره، ومهما تسمع من اقاويل، تصمد وتسد اذنيها، ولا تبالي لما يقولون، وكل ليلة تهاتف صورته وتغمض عيناها حتى تراه ونيسًا في أحلامها.. فما اجمله وفاء الحبيب لذكرى محبوبه ..!!
وما زال سند؛ نعم السند لكل من حوله يغمرهم بحبه وحنانه، واطمئن قلبه على اخته واستقرارها في حياتها، ودوما يطمئن عليها، وسيظل لها دائما الأخ والسند المتبقي من عمره.
وإلى هنا انتهت قصتنا ورحلة
“الغزال الباكي” التي انتهت بفرحة عمره حين التقى بمن اسعده وقدره.
اتمنى إنها تكون نالت رضا الجميع، واشكر كل من دعمني واسعدني بتعليق يشجعني على الاستمرار، ويسعدني ويشرفني متابعتكم لرواياتي في برنامج كوكب (رحلة الصقر واسيرة الصقر الجزءين كاملين هناك) اخر ما نشر لقلمي.
ونلتقي على خير في رواية جديدة مفاجأة في اول تجربة ليا في كتابة السرد العامي، يارب تعجبكم جميعًا.
اتمني اكون دايما عند حسن طنكم فيني، وإلى اللقاء مع
“العسقلة الماكرة ”
وفي اقرب وقت هنزل منها اقتباس، واول ما انتهي منها هنزلها بإذن الله.

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الغزال الباكي)

اترك رد

error: Content is protected !!