روايات
رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم مريم محمد غريب
رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم مريم محمد غريب
رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت الحادي والعشرون
رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء الحادي والعشرون
رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة الحادية والعشرون
_ أميرات ! _
أخيـــرًا ….
إنه يوم الزفـاف.. بعد طول إنتظار.. و ترقب… و أجواء من القلق و الاضطراب على مدار إسبوعًا كاملًا.. اليوم تضع اللبنة الأخيرة… اليوم ينال كلٌ مآربه فيرضى
أو يشقى !
لا يزال السرادق الضخم مقامٌ منذ ليلة الحناء، فقط تم إضافة زوجيّ من الآرائك لأجل العرائس، و بدأت تجهيزات أخرى حتى يتسنى للرجال و النساء معًا الحضور بنفس المكان و لكن بشكلٍ منفصل
في جهة أخرى، داخل منزل العائلة و بشقة الجدة “دلال” لم يكف المرح و الفرح منذ بكرة الصباح، تجلس الجدة متربعة فوق أريكتها الوثيرة، تضع الدف بحجرها و تدق عليه بإيقاعٍ يطرب و يجبر خصور الفتيات على الرقص بلا هوادة
كانت البهجة على أشدها هنا، و نساء العائلة يشرفن على ضيافة الأهالي سواء هنا أو بالخارج، وحدها “هانم” التي بقيت إلى جوار “دلال” لتعتني بها.. فإذا بـ”عبير” زوجة “عبد الله الجزار” تأتي و تطلق ذغرودة قرب أذنها في باردة مازحة …
-لولولولولولولولولولولولولولولي. مبروووك يا أم العريس ! .. هتفت “عبير” و هي تنحني لتحتضن “هانم” و تقبلها على خديها
إبتسمت “هانم” و هي تبادلها العناق الودي قائلة بغبطةٍ حقيقية :
-الله يبارك فيكي يا عبير. ما هو مصطفى إبنك بردو. مبروك ليكي إنتي كمان ياختي يا حبيبتي
رمقتها “عبير” بنظرةٍ ممتنة و قالت :
-تسلمي يا غالية. عقبال ما نشوف عوضهم. الليلة الجزارين كلهم بيفرحوا.. ربنا يتمها على خير يارب
-ماسمعتكيش بتباركيلي على رزق يعني يا عبير ؟! .. قالت “دلال” هذه العبارة بلهجةٍ مقتضبة تكنف تحذيرًا ضمنيًا
لتنظر إليها “عبير” و تقول في الحال :
-يلهوي ياما بتقولي إيه بس. ده كله إلا رزق. ده الغالي يا ست الكل أصبري عليا إنهاردة حالفة ما حد يبخره على الزفة غيري. ده أنا هارقصله لوش الصبح و هفرق الشربات بإيدي. كلهم عيالي ياما أنا ماشوفتش غيرهم. حتى ليلة كأنها حتة مني !
تراجعت “دلال” في هذه اللحظة عن موقفها المتحفظ تجاه زوجة إبنها و قالت بلطفٍ :
-إن شالله يفرحنا كلنا بيهم يا عبير
-و يخليكي لينا ياما ! .. و أمسكت “عبير” بيدها لتقبلها
ثم ذهبت لتقضي حوائج المنزل و تباشر واجب الضيافة مع البقية …
-هما هايوصلوا إمتى يا هانم ؟
إلتفتت “هانم” نحو الأم الكبيرة و أجابت سؤالها بهدوءٍ :
-لأ ياما ده لسا بدري على العرايس. شغل الكوافيرات ده و الحمامات و التكييس و الافران دي مواويل كبيرة أوي
-طيب و البنتين يتسابوا كده إزاي لوحدهم. كان حقة واحدة فيكوا تروح معاهم. مايصحش يا هانم
-ماتقلقيش ياما سالم باعت وراهم حراسة بالزوفة. إنتي ناسية إحنا مين يا حجة.. أول ما يخلصوا رجالتهم هايروحوا يجيبوهم
ذمت “دلال” فمها قليلًا و لم تهضم الكلام، لكنها مررته في الأخير و تساءلت :
-أومال فين البت سلمى ؟
و هنا بالضبط إنطلق صوت صراخ و عراكٍ شديد تبيّنت “هانم” في ثوانٍ وجود صوت إبنتها فيه.. لم تكن إبنتها فحسب …
-أهي جاوبت عليكي بالسلامة ! .. تمتمت “هانم” و هي تنهض ساحبة وشاح رأسها حول وجهها إستعدادًا للمغادرة نحو مصدر أصوات العراك
-ده صوت سلمى و مصطفى !! .. علّقت “دلال” مشدوهة
أومأت “هانم” و هي تقول بتبرمٍ :
-مايبقاش مصطفى لو مانكدش على نفسه و على الكل
دلال بغضبٍ : الله يجازيهم عيال. حتى في اليوم ده بيتخانقوا. إطلعي شوفيهم و لو ماسكتوش أنا بنفسي هاكلم أبوهم.. إيه هو ده. بقت سايبة خلاص !!!
تركتها “هانم” قبل أن تنهي حديثها و إنطلقت للطابق العلوي من فورها …
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في شقتها، كان الباب مفتوحًا، و كلما اقتربت إتضح صوت العراك أكثر.. حتى وصلت إلى غرفة إبنتها
و رأت الآتي ؛
نجلتها الصغيرة بين يدي أخيها الكبير و هي ترتدي ثوبها عاري الكتفين الذي فصلته خصيصًا من أجل الزفاف، و قد كان “مصطفى” يطبق عليها بيديه القاسيتين مبعثرًا إياها و هو يوبخها بشدة …
-لو مش مصدقني روح اسألها. أمي عارفة و شافته. سيبني بقااااااا منك ليها هي. سيبني و الله هاقول لابوياااااااااااااعععع
-و كمان بتناطحي فيا يا قليلة الرباية. و عايزة تقولي لابوكي ؟ قوليله ياختي. إبقي شوفي مين هاسيبك تلبسي المسخرة دي تحت. قسمًا يمين بالله لاكون كاسر رجلك دي.. يا سافلة !!!
و ناولها بصفعةٍ عنيفة إنتزعت منها صرخة و بكاءٍ أقوى بكثير …
-مصطفى !!!!
جمدت زعقة “هانم” الأجواء لمدة ثانية، قبل أن تهرع نحو إبنها و إبنتها لتخلص الفتاة من بين يديه مغمغمة بغضبٍ مستطير :
-إنت إتجننت. بتمد إيدك على أختك تاني و بالطريقة دي.. أبوك حذرك ترفع إيدك عليها. سيبها يا واد !
و فلحت بعد مجهودٍ مضنِ بتحرير “سلمى” من أخيها، ثم وقفت بينهما موشكة على التحدث من جديد، لكن “مصطفى” يحبطها فيقول أولًا بصوته الخشن :
-البت دي ناقصة رباية. و لو بتهتيني بابويا ف لما أشوفه. الكلام إللي هايسمعه مني هايعود عليكي إنتي بالبطال ياما
هانم بذهولٍ : إنت بتتكلم على مين كده يالا إنت ؟ و هي كانت أختك عملت إيه أصلًا لكل ده ؟!!
و لم تنتظر جوابه و إستدارت نحو إبنتها متسائلة :
-عملتي إيه يا سلمى إنطقي ؟؟؟
مرة ثانية يقاطعها باستهجانٍ :
-و كمان هاتعملوا أفلام عليا. إنتي تسأليها عملتي إيه و هي من شوية تقولي أمي عارفة !!
-عارفة إيه يالا ؟؟!!! .. صرخت فيه و تعاود النظر بوجهه بقوةٍ
مصطفى بتهكمٍ نزق :
-الهباب إللي لبساه على جسمها ده. قال عايزة تلبسه في الفرح. و لما قولتلها عيب يا ماما إنتي كبرتي و ده عريان مش هاينفع تقوم رادة عليا و ببجاحة تقولي أمي هي إللي مفصلاه عشاني و مالكش دعوة إنت
و كأن سرد التفاصيل بمثابة البنزين الذي أوقد نيرانه من جديد، فتطلع إلى أخته و أراد مهاجمتها ثانيةً و هو يصيح بينما يعلو صراخ أخته و أمه التي تحول بينهما بتصميمٍ :
-السافلة بتقولي أنا مالكش دعوة. و حياة أبوكي لاربيكي. هدغدغك يا سلمى.. هاكسر عضمك ده إنهارد آ ا …
-إيدك يا مصطفى ! .. جاءت هذه العبارة على حين غرة هكذا مطبقة بصمتٍ ثقيل على الغرفة
كان قائلها معروفًا دون الحاجة للنظر إليه، و لكن ما لبثت النظرات أن أحاطته.. و قد “رزق”… بالطبع “رزق”.. أتى بالوقت المناسب ليقف فوق رأس أخيه الأصغر و يلتقط من الهواء يده قبل أن تصل إلى “سلمى” تمامًا
و كأنها معجزة تحققت، و كأنه ملاكها الحارس، إبتهجت “سلمى” فور رؤية أخيها الكبير و إزداد بكائها في آنٍ و هي تترك أمها و تختبئ خلف ظهره متشبثة بكتفيه كما لو أنه درع حماية لها …
-مش عيب عليك تبهدل أختك الصغيرة بالشكل ده ؟ .. نطق “رزق” بقتامةٍ و هو يعتصر معصم أخيه بقبضته الفولاذية
-المفروض الإيد دي تصد عنها أي حاجة ممكن تئذيها.. مش هي إللي تئذيها و تتمد عليها يا اخوها !
يسحب “مصطفى” يده من قبضته بعنفٍ صائحًا :
-و إنت مالك إنت أصلًا !!!!
تتدخل “هانم” في الحال قبل أن يتفاقم الوضع بينهما و هي تقول بحزمٍ موجهًا لـ”رزق” :
-مصطفى بيأدب أخته يا رزق.. دي حاجة محدش يقدر يغلطه فيها
رد عليها “رزق” بجمودٍ دون أن يحيد بنظراته الحادة عن أخيه :
-أخته دي تبقى أختي بردو يا مرات أبويا. و إللي أنا واثق منه إنها مؤدبة أصلًا. ثم لما توصل الأمور لكده هي ليها أب لسا عايش على وش الدنيا. و زي ما أنا فاكر أبويا حذر أي حد يرفع إيده على سلمى.. حتى إنتي يا مرات أبويا !
رفعت “هانم” أحد حاجبيها قائلة بغلٍ دفين :
-لأ يا رزق يا حبيبي أبوك لو واقف هنا دلوقتي مش هايعحبه كلامك. البت لما تغلط غلط صريح يبقى تتربى في ساعتها مش تتساب زي قوالتك !!
رزق عابسًا : طيب أعرف كده هي غلطت في إيه. جايز أنا مش بفهم فعلًا !
-العفو يا حبيبي إنت فهمان و زي الفل ! .. ثم أشارت خلفه إلى إبنتها و ما ترتديه مكملة :
-بص كده هي لابسة إيه.. أنا طبعًا بعترف إنها غلطتي. لما وافقت على الفستان ده كنت فكراه هايطلع حاجة تانية عليها. بس زي ما إنت شايف و البنات بتفور بسرعة. ما شاء الله عليها
-وريني كده يا سلمى ! .. قالها “رزق” و هو يضم يداه أمامه و يلتفت قليلًا لينظر إلى ما ترتديه أخته
كان مجرد فستانٌ سماوي اللون، محتشم و طويل، لكنه عاري الكتفين بقصة الفراشة ليعيطها طابع الأميرات اللاتي هي مولعة بهم منذ نعومة أظافرها …
-ماله بقى الفستان مش فاهم ؟! .. علّق “رزق” بهدوءٍ أثار استفزاز “مصطفى” فورًا
لينفجر به بفجاجة :
-إنت كمان أعمى و مش شايف ؟ و لا طلعتلك قرون و لا إيه حكايتك بالظبط ؟؟؟؟
رزق بحدة : إحترم نفسك يالا. أنا أخوك الكبير. ماتنساش نفسك.. و لا نفسك تتروق يوم فرحك. أؤمر !
و قرقع أصابع كفيه في إشارة تحذيرية خطيرة …
فإذا بـ”هانم” تحل بالوسط مهدئة إبنها أولًا :
-خلاص يا مصطفى. إحنا نسيب الموضوع لابوك و هو يتصرف. إنت و رزق مالكوش دعوة فعلًا. و بعدين إنت فرحك الليلة يابني مش معقول هانقضي اليوم خناق.. إحنا إتحسدنا و الله …
ثم إلتفتت نحو “رزق” مضيفة على مضضٍ :
-مش هي أختك بردو ؟ خدها بقى في إيدك لابوك بمنظرها ده و قوله إللي حصل. إن رضي تنزل من البيت كده كلنا راضيين !
أومأ”رزق” و هو يقول ببرودٍ :
-صح كده.. عداكي العيب. يلا يا لوما تعالي معايا !
و إستدار مطوقًا كتفيّ أخته و سار بها للخارج تحت أنظار أمها و أخيها القادحة شرارًا و مقت عظيم …
____________
-أخوك رزق ده عامل زي حباية الترامادول بالظبط ! .. قال “علي” هذه العبارة و هو يميل قليلًا صوب “حمزة”
-يقدر يسجد أي حد بكلمتين.. حتى لو كان كينج كونج زي أبوك كده
كانا الشابين متأنقان كحال الجميع في هذه الساعة المبكرة من أمسية الزفاف …
لقد ذهب الأخان ليحضرا العروستين، بينما ظل البقية هنا بالانتظار، حتى “سالم”.. ها هو يخرج عبر باب المنزل مستقبلًا تنهئات الضيوف.. بينما إبنته الوحيدة تتأبط ذراعه شخصيًا و قد كانت ترتدي ذات الثوب الذي نشب بسببه خلافٌ بين أخويها تم تصعيده للوالد
و كالمتوقع.. ربح “رزق” بوجهة نظره …
-قصدك يعني عشان سلمى مشت إللي في دماغها ؟ .. تساءل “حمزة” و هو ينظر تجاه أبيه و أخته الآن
-مصطفى هو إللي كان محبكها و بيتلكك يا ميزو. أصل أنا مش شايف الفستان في حاجة الصراحة.. و بعدين سلمى لسا طفلة أصلًا مين هايبصلها
-طفلة !!! .. هتف “حمزة” باستنكارٍ و هو يلتفت إليه
أكد “علي” قائلًا :
-أيوة يابني طفلة. دي يدوب 14 سنة. و الليلة دي فرح إخواتها و بنات عمها.. ماتستاهلش تفرح شوية و تلبس فستان بسيط زي ده ؟
و على فكرة بردو أبوك لو كان شايف الفستان في حاجة ماكنش وافق رزق على كلامه
لوى “حمزة” فمه للجانب مفكرًا بكلماته للحظاتٍ، ثم نظر من جديد صوب أبيه و قال :
-و الله يا علي أنا ساعات كتير بقف مبلم قصاد علاقة أبويا برزق.. بس عكس الكل مش بضايق. إنما بستعجب.. تحس زي ما يكون حوت مطاوع قرش. الاتنين دماغهم واحدة و أنشف من بعض.. بس دايمًا يلاقوا طريقة و يتفقوا و عمر ما واحد فيهم يسيب التاني مهما حصل !
إبتسم “علي” مبهورًا بإجادة الفتى الذي لم يبلغ العشرون بعد وصف العلاقة التي تربط بين أبيه و أخيه …
رفع يده و قال رابتًا على كتفه :
-هو ده رزق يا حمزة.. سر سالم الجزار إللي محدش ممكن يفمه بالظبط حتى لو حاول طول عمره !
و فجأة ساد الصمت لوهلةٍ، لتسكت مكبرات الصوت و تحل بدلًا منها الطبول و المزامير معلنة وصول العرائس …
-دول وصلوا ! .. هتف “حمزة” و قد أشرق وجهه بلحظةٍ متناسيًا كافة شيء الآن
ترك إبن عمه و سبقه مهرولًا تجاه الموكب الذي برز في هذه اللحظة عند بداية السرادق على إمتداد البصر …
____________
صدرها يؤلمها، من شدة و عنف خفقان قلبها الذي ما برح يرفرف بين ضلوعها منذ بزغ أمامها كبدر التمام.. اللعنة !
لقد اعتادت دومًا ألا تظهر أيّ أهمية لمظهره و وسامته التي لا غبار و لا جدال عليها، ماذا حدث الليلة ؟ إذ رأته بعد أن تجهزت و صارت عروس في بهو مركز التجميل الشهير
جاء و ولج عبر الباب العملاق بحلته السوداء كليًا، و تسريحة شعره الناعمة، و لحيته التي خففها قليلًا لتبرز أدق تفاصيل جماله.. و كل هذا شأن… و نظرته لها شأنٌ آخر
لا تعلم ماذا صار لهما معًا، و كأن أحدهما يذوب بالآخر كلما إلتقت نظراتيهما، و عندما نلامست أيديهم.. لحظة وصوله أمامها، حين مد لها يده التي حملت باقة الزهور البيضاء اليانعة لتتمم مظهرها كعروسٍ.. و قد كانت مذهلة بحق… مثالية كما يُقال
بثوبها الرقيق غير المتكلف، و الذي احتضن قدها النحيل المثير بانسيابية رائعة، و شعرها البني المائل إلى السواد قد أطلق حرًا بنعومةٍ حول وجهها، و أخيرًا زينتها الرقيقة.. تكاد ترى بالعين… لم تساهم تلك الزينة بسيء سوى بإبراز ملامحها الشرقية الجذابة فقط
رسميًا و باجماع النظرات و الهمسات المعجبة، فإن “ليلة” قد سرقت البساط من تحت قدميّ “فاطمة”.. مع إن الأخيرة كانت جميلة أيضًا.. و لكن بقى جمالها طفولي بالمقارنة بجمال “ليلة” الناضج
و لكن في عالمٍ موازي، بالنسبة إلى “ليلة” شخصيًا، كان “رزق” هو البطل.. البطل الأسطوري الذي قرأت عنه بالحكايات …
-وصلنا يا عروسة !
أفاقت “ليلة” من أفكارها على صوته الرجولي العميق ..
تطلعت إليه فورًا، كان قد ترك المقود و نزل عن مقعد السيارة بجوارها، فهو قد استأجر سيارة مكشوفة تتسع لفردان فقط، مما أتاح لهما مزيدًا من الأريحية و الخصوصية أيضًا.. رأته يقف أمامها بعد أن فتح باب السيارة من طرفها
مد لها كفه فنظرت إلى الكف الضخم ذاك لبرهةً، ثم أجبرت نفسها على عدم إعادة النظر إلى وجهه ثانيةً لئلا تضيع ببيداء عينيه الزرقاء مجددًا كما حدث بمركز التجميل و يفضح أمرها
أودعت يدها بكفه، فأطبق عليه باحتواءٍ لطيف و إجتذبها برفق محاوطًا إياها بذراعيه كما لو أنه يحميها من الهواء، و ما كادت “ليلة” تلقي نظرة حولها حتى.. إلا و فاجأها الحشد الذي صار قريبًا جدًا منهما الآن !
هما بالمتتصف و على الجانبين صفان، فرقة الزفة من جهة، و أهل الحي و أفراد العائلة من الجهة الأخرى.. هما بالمقدمة، و “مصطفى” و “فاطمة’ ورائهما تمامًا
و بينما تبدأ مراسم الزفاف و فقرات الفرقة ذائعة الصيت، تقدم “سالم” بابنته نحو “رزق” أولًا.. و بدون أيّ كلمة مد ذراعاه و عانقه بقوة أمام الجميع.. ثم إنتقل إلى عروسه و إبنة أخيه… عانقها هي الأخرى و هو يهمس بأذنها :
-أبوكي ماشفكيش.. و لا حتى كان يعرف جنسك إيه. بس و هو بيموت على إيدي وصاني على إللي شالته أمك في بطنها أيًّا كان. يارب أكون قدرت أحافظ على الأمانة.. و لازم و كفاية تعرفي إني سلمتك لأغلى حاجة في حياتي يا ليلة. مبروك يا حبيبتي !
و أمسك برأسها ليبقبلها بين عينيها.. ثم تركها و مضى ناحية إبنه الثاني و عروسه ليفعل المثل …
أما هي فظلت متجمدة محلها، مأخوذة بما قاله للتو، لا ينبغي أن تتأثر بحديثه البسيط إلى هذا الحد، لكنه و بطريقةٍ ما نكأ جزء من جرحها الذي لا يزال ينزف، و تعتقد بأنه لن يكف أبدًا عن النزف، إنما يمكن أن تسكنّه لبضع لحظاتٍ.. لا أكثر !!!
-ليلة !
للمرة الثانية أفاقت من أفكارها على صوته، لكنه كان به نبرة قلق هذه المرة عندما لاحظ شرودها العميق و الذعر الذي افترش محياها الجميل فجأة
نظرت إليه بسرعة و إبتسمت ببلاهةٍ قائلة :
-عمي ده دمه خفيف أوي !
رزق بانزعاجٍ : قالك حاجة ضايقتك و لا إيه ؟ إطمني محدش ممكن يتكلم بلساني
قطبت حاجبيها و هي تقول :
-بتقول كده ليه ؟ ماقالش حاجة على فكرة !
-فعلًا ! تمام.. طمنتيني
و علّق مرفقها على ذراعه و شق بها الممر المفروش بوريقات الورود، بينما بقيت ترمقه بغرابةّ.. لا ينقصها ألغاز، فماذا تراه يقصد هذا أيضًا ؟
-رزق !
إستدار “رزق” نحو هتاف أخته الصغيرة، كانوا الآن وسط حلقة من الضيوف، على الاستعداد للصعود إلى المنصة الي صممت خصيصًا لعرضهم أمام الجميع
-لوما ! إيه الحلاوة دي يا برنسيس !! .. و أستقبل “رزق” أخته بين أحضانه هكذا
احتضنته “سلمى” بشدة متجاهلة وجود “ليلة” كليًا و هي تقول بامتنانٍ :
-أنا بحبك أوووي يا رزق. إنت أحلى أخ في الدنيا بجد.. أنا بحبك أكتر من أي حد على فكرة
و رفعت رأسها بشدة لتستطع النظر بوجهه، فابتسم لها بحبٍ و قال و هو يقرص خدها بموّدة :
-و أنا كمان بموووت فيكي يا قلبي. أنا عندي كام سلمى في حياتي.. هي واحدة بس. البرنسيس بتاعتي. مين يقدر يزعلك و أنا موجود ؟
تلقائيًا ذهبت نظراتها إلى الجوار، حيث شقيقها “مصطفى” يتلقّى المباركات تارة باسمًا، و تارة واجمًا و هو ينظر مباشرةً إليها شزرًا.. و كأنه يتوعدها …
-مصطفى بيبص عليا ! .. تمتمت “سلمى” مرعوبة و هي تخبئ وجهها في صدر أخيها الكبير
لتشعر بلمسة يده المهدئة و هو يهمس في أذنها بثقةٍ :
-إن شالله يتفلق يا حبيبتي. و لا يهمك. و بعدين حتى و إنتي واقفة بين إيديا كده قدام الناس كلها بالمنظر ده.. محدش يقدر يرفع عينه فيكي. إوعي تخافي أو تقلقي طول ما أنا معاكي
تبسمت برقةٍ و هي ترفع رأسها متطلعة إلى وجهه البهي الجميل، و قالت :
-طيب إنت وعدتني.. هاتغنيلي بالتركي صح ؟
رزق بابتسامته الأكثر جاذبية :
-و أغنيلك بالياباني كمان.. إنتي تؤمري يا قطتي !
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)