رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الثالث والثمانون 83 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الثالث والثمانون 83 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 البارت الثالث والثمانون
رواية أحببتها ولكن 7 الجزء الثالث والثمانون

رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة الثالثة والثمانون
إلهي ليس لي إلاك أدعوه،
وليس لي إلاك أرجوه،
فاقبلني في رحابك،
واجعلني من عبادك الصالحين،
يا أكرم الأكرمين،
يا أرحم الراحمين.
_نصر الدين طوبار.
___________________________
المعا’ناة،
ذلك النداء الصامت الذي يتردد في أعماق الرو’ح، فتئـ.ـن لهُ النفس وتتكـ.ـسر عنده الأحلام، ليس مجرد أ’لمٍ عابر، بل ثقـ.ـلٌ ينهـ.ـك القلب ويُبعثـ.ـر الأمل في دروبٍ وعر’ة لا نهاية لها، قد تأتي في صورة خسا’رة، خيـ.ـبة، وحدة، أو صرا’ع داخلي لا يُرى بالعين لكنه ينهـ.ـش الرو’ح ببطءٍ، في كل زفرة نُطلقها، تحيا المعا’ناة بيننا، تتشكل في تفاصيل الأيام، في نظرات العابرين، في ذكريات نحاول د’فنها لكنها تتشـ.ـبث بنا كأنها جزءٌ من وجودنا، ومع ذلك، تبقى المعا’ناة وجهًا آخر للحياة، إما أن تسـ.ـحقنا تحت وطأتها، أو تُعيد تشكيلنا من جديد، أقوى مما كنا عليه.
<“باغتتهم الضر’بة الغا’درة، وسقـ.ـطوا في الحُفـ.ـرة الخـ.ـفية.”>
غاب عن الو’عِ، ومعهُ غابت الحياة، مثل اللوحة التي تكسوها الألوان الزاهية، تُطـ.ـفئها نقطة سو’د’اء وسط طاقة فرحة سكنت الأرو’اح وأسعدت القلوب، عَلَىٰ صر’اخه في المكان وهو يركض خارج الوحدة السكنية يطلُب الإغا’ثة مِن مَن حوله، تاركًا خلفُه جسـ.ـدًا طـ.ـعنته أيادي متسـ.ـخة تسعى لنشـ.ـر الفسا’د في الأرض..
خرجت “أيسـل” على صوته العالِ المذ’عور بعد أن أرتدت خمار المنزل وهي متعجبة إلى الشرفة تطوف بعينيها في المكان حتى سقـ.ـطت فوق جـ.ـسد زوجها الذي كان مر’تميًا فوق الأرضية الصـ.ـلبة جـ.ـسدًا تُغادره الرو’ح، جحظت عينيها وأصا’بتها الصدمة بعد أن رأته بهذه الحالة، تر’اخت قبـ.ـضتِ يَديها مِن على السو’ر الحد’يدي الأسو’د وعادت خطوة إلى الخلف تُحاول أستيعاب ما تراه أمامها..
تَلَبَـ.ـستها حالة ما بعد الصدمة جعلتها تستفيق وهي مذ’عورة وفورًا وَلَجَت مجددًا داخل الغرفة بخطى واسعة ووجهٍ شا’حب تتجه نحو الباب، بينما كان “عدنان” جالسًا في غرفته وقد رآها تُسرع نحو باب الشقة ولذلك نهض واقفًا ثمّ لَحِـ.ـقَ بها وهو لا يفهم ما يحدث ولكن شَعَر بالقلـ.ـق حينما رأى والدته بهذه الحالة لأول مرَّة..
في هذه اللحظة نزل “ليل” درجات السُـ.ـلَّم المتبقية وشـ.ـد خطواته نحو الخارج بعد أن رأى حالة رفيق دربه والخو’ف يحتضن قلبه عليه، وعند بوابة العقار وبلحظة لم يكُن يتوقعها أختر’قت رصا’صة كتفه الأيسر، وقد وضحت الخطة في هذه اللحظة، فقد تم حفـ.ـر حُفـ.ـرةٌ خـ.ـفية وبدأ كُلّ واحدٍ مِنهم يسـ.ـقط بها واحدًا تلو الآخر، نزلت “روزي” درجات السُـ.ـلَّم المتبقية سريعًا بعد أن رأت “ليل” أر’ضًا ممسكًا بكتفه المصا’ب وهو يتأ’لم..
جلست بجواره على رُكبتيها وهي تتفـ.ـحصه بهلـ.ـعٍ بعد أن رأت د’ماءه قد كَوَنت بقعة كبيرة د’اكنة على كنزته السُكّرية:
_هو في إيه، إيه اللِ بيحصل وأضر’بت أزاي بالنا’ر أنا مش فاهمة حاجة ..!!
نظر لها هو في هذه اللحظة وقال بما جعل قلبها يهو’ى هـ.ـلعًا:
_إحنا معمولنا كـ.ـمين، دول أكيد جماعة “جمال”.
جحظت عينيها الفيروزية التي كانت تُغلف طبقة مُقلتيها سائلًا شفا’ف وهي تُردد خلفه وكأن عقلها مازال لم يستوعب ما يحدث ويُقال:
_جماعة “جمال”؟!.
وفي لحظة مرّت بجوارها تمامًا وعلى بُعد سنتي واحد رصا’صة أخرى فشـ.ـلت في إصا’بتها، جذ’بها بذراعه السليم بحركةٍ سريعة إلى أحضانه وقد أصا’بها الهلـ.ـع الشـ.ـديد حينما لمحتها بطر’ف عينها أصا’بت حفيظتها، نظر هو إلى الخارج يُحاول معرفة مكانه ولكن ليس هذا هو الوقت المناسب لشيءٍ كهذا ولذلك أبعدها وهو يقول بنبرةٍ جادة:
_أدخُلي جوه بسرعة يالّا.
وقفت على قدميها وعادت إلى الخلف تخـ.ـتبئ خلف البوابة وهي تضع يَدها على مو’ضع قلبها الذي كان يخفق بعنـ.ـفٍ داخل صد’رها، بينما نهض هو واقفًا على قدميه ممسكًا بكتفه المصا’ب وقد أغلق البوابة وترك جزءًا بسيطًا مفتوح ينظر إلى رفيقه مِن خلاله يُتابعه حتى رأى خروج “أيسـل” وأقترابها مِنْهُ، جحظت عيناه قليلًا بعد أن رأى كذلك الصغير معها ليلتفت إلى “روزي” وهو يهتف بنبرةٍ حا’دة مطبـ.ـقًا على أسنانه:
_كانت نا’قصة خروج “أيسـل” دلوقتِ.
بتلقائية نظرت إلى الخارج لترى “أيسـل” بجانبه تبكِ وهي تتفـ.ـحصه لتشعُر بالأ’لم يعتـ.ـصر قلبها لأجلها ولذلك قالت:
_غصـ.ـب عنها يا “ليل”، دا جوزها فالآخر وكُلّنا عارفين إنها بتمو’ت فيه ومبتتـ.ـحملش الأ’ذىٰ لِيه.
أخرج زفيرة قو’ية ثمّ نظر إلى الخارج وقال بنبرةٍ صا’رمة:
_أطلعِ هاتيلِ سلا’حِ بسُرعة.
لم تتردد، لم تتوانى، هر’عت نحو الأعلى حتى تأتِ بسلا’حه كما طلب هو مِنها، بينما نظر هو إلى إثرها ثمّ عاد ينظر إلى “أيسـل” بعد أن شَعَر بالخو’ف عليها فليس مستعدًا لِمَ قد يلحق بها هي أو الصغير الذي كان مر’تعبًا على أبيه ويُحاول إفاقته، بينما وَلَجَت “روزي” إلى غرفة نومها وأتجهت سريعًا نحو الكومود الموضوع بجوار الفراش تفتح الدرج الأول وتأخذ السلا’ح وتُغلقه مجددًا..
نظرت إلى صغيرها الذي كان يجاور شقيقته الصغيرة تُحذ’ره بقولها:
_”رائد” أوعى يا حبيبِ تسيب أختك مهما حصل، خليك جنبها وأوعى تقرّب مِن الشبابيك مهما حصل سامع.
حرّك رأسه برفقٍ دون أن يُعا’رضها لتتركه هي وتتجه نحو نافذة الشرفة الكبيرة تُغلقها جيدًا ثمّ أسدلت الستار وخرجت سريعًا تُكمل غلق بقية النوافذ بتعـ.ـجلٍ ومِن ثمّ خرجت راكضة كي تُعطي السلا’ح إلى زوجها الذي استقام واقفًا على قدميه وهو يُتابع “أيسـل”، أقتربت مِنْهُ “روزي” وهي تَمُد يَدها بالسلا’ح قائلة:
_السلا’ح يا “ليل”.
ألتفت برأسه لها يأخذ مِنها السلا’ح ثمّ نظر إلى الخارج وفتح الباب برفقٍ وهو ينظر حوله مترقبًا تحت نظرات “روزي” الخا’ئفة، شَعَر بالأ’مان ولذلك أقترب مسرعًا مِنها وقال بنبرةٍ صا’رمة:
_”أيسـل” لازم تقومِ معايا حالًا الدنيا مش أ’مان وفي خطـ.ـر عليكِ، يالّا عشان ألحـ.ـقه.
نظرت لهُ بوجهٍ باكِ وجاوبته بنبرةٍ مبحو’حة قائلة:
_النبـ.ـض … مفيش نبـ.ـض يا “ليل”، سابني ليه أنا لسه محتاجاه، أنا مش بحسّ بالأ’مان غير معاه ليه يحر’قوا قلبِ عليه ويقتـ.ـلوني بدري أوي كدا، أنا هضـ.ـيع مِن غيره.
أخرج زفيرة عميقة ثمّ أشار لها قائلًا بنبرةٍ صار’مة:
_مفيهوش حاجة متو’هميش نفسك بحاجة، المهم يلا قومِ وأدخلِ أنتِ و “عدنان” جوّه الدنيا مش أ’مان ولو حصـ.ـلك حاجة أنا هفضل شا’يل الذ’نب طول العُمر، أتحركِ يا “أيسـل” بالله عليكِ.
نظر بعدها إلى الصغير الذي جاور والدته والعَبرات تلمع في مُقلتيه وهو ينظر إلى أبيه ليُطمئنه هو بقوله:
_متخا’فش يا “عدنان”، بابا كويس يا حبيبِ مفيهوش حاجة.
وبالفعل نَفَـ.ـذَت “أيسـل” أمره وأخذت صغيرها وأتجهت إلى “روزي” التي فتحت الباب ثمّ أغلقته حينما وَلَجَت “أيسـل” وصغيرها وتركت جزءًا بسيطًا مفتوحًا لتطمئن على زوجها الذي جلس القرفصاء بجوار جسـ.ـد رفيقه الساكن وبيَده السلا’ح مترقبًا ما سيحدث، نظرت بعدها إلى “عدنان” وقالت بنبرةٍ هادئة:
_أطلع يا “عدنان” فوق هتلاقِ “رائد” و “رودينا” يا حبيبِ وأوعى تقرّب مِن الشبابيك مهما حصل.
لبى الصغير مطلب زوجة عمِّه وصعد إلى الأعلى تاركًا خلفه والدته التي كان الخو’ف يتآ’كلها على زوجها الذي يحتاج الآن إلى التدخل الطبِ السريع لإسعا’فه وهي تدعو بداخلها أن تَمُر على خير وتطمئن على زوجها، بينما كان “ليل” يترقب المكان مِن حوله ثمّ تفحـ.ـص رفيقه واضعًا كفه فوق عُنُـ.ـقه تارة وممسكًا برسغه مستشعرًا نبـ.ـضه مطلقًا زفيرة قو’ية بعدما أطمئن على سلامة رفيقه وتأكُده أنُّهُ مازال حيًـ.ـا..
بينما وَلَجَ “عدنان” إلى شقة عمِّه التي كان بابها مفتوحًا ثمّ أتجه إلى غرفة النوم بخطى هادئة وهو يطر’أ برأسه نحو الداخل وتقدم خطوتين نحو الداخل ثمّ توقف فجأة وجحظت عينيه بصدمةٍ شـ.ـديدة، وقد كان المشهد كالآتي، كان “رائد” فوق الفراش يحتضن شقيقته الصغيرة بحما’ية وبجوار الفراش هذا الظـ.ـل الذي كان السبب الأوحد في خو’ف “رائد” دومًا، هذه المرة كان خا’ئفًا على شقيقته الصغيرة التي تبلُغ مِن العُمر ٧ أشهرٍ فقط..
شَعَر “عدنان” بالخو’ف الشـ.ـديد ولذلك صر’خ عاليًا وركض هاربًا هـ.ـلعًا تاركًا “رائد” خلفه والذي كان ير’تجف خو’فًا مِن هذا الظـ.ـل الذي يبدو وكأنه يرا’قبه طيلة الوقت وبرغم ذلك أبى أن يترك شقيقته الصغيرة التي كانت لا تفهم حتى الآن ما يحدث حولها، وصلت صر’خات “عدنان” إلى الأسفل بعد أن نزل السُـ.ـلّم ركضًا ثمّ ركض إلى والدته وأر’تمى بأحضانها خو’فًا..
تعجبت كلًا مِن “أيسـل” و “روزي” التي كانت لا تفهم ما أصا’به، بينما سألته “أيسـل” بخو’فٍ حينما رأت ذُ’عره قائلة بتلهفٍ:
_في إيه يا “عدنان”؟ مالك نازل خا’يف كدا ليه وبتصر’خ ليه.
_في عفر’يت فوق، أنا شوفته، في عفر’يت فوق أسو’د ..!!
جاوبها مفز’وعًا لتركض “روزي” إلى شقتها بعد أن عَلِمَت ما يتحدث عنهُ وأول ما آل بخاطرها هو صغيرها الذي بالتأكيد مر’تعبًا ولكن لم يتحدث حتى هذه اللحظة، ضمت “أيسـل” صغيرها ومسحت بكفها على ظهره بحنوٍ تُحاول تهدأته، بينما وَلَجَت “روزي” إلى شقتها ومِن ثمّ إلى الغرفة لترى بالفعل هذا الظل بجوار الفراش وصغيرها فوق الفراش يضم شقيقته إلى أحضانه والعَبرات تلمع في مُقلتيه..
أخذت جهاز التحكم مِن فوق سطح الطاولة ثمّ قامت بتشغيل القرآن الكريم عليها وتركت الجهاز وأتجهت إلى صغيريها تأخذ صغيرتها تحمـ.ـلها على ذراعها ثمّ أمسكت بكف صغيرها قائلة بنبرةٍ تكسوها التو’تر:
_تعالى يا “رائد” معايا، متقعدش فالأوضة خالص.
خرجت مِن الغرفة وأغلقتها بالمفتاح ثمّ أخذته وأتجهت إلى المطبخ الكبير لتترك يَده وتضع صغيرتها على مقعدها الخاص ثمّ نظرت إلى صغيرها وقالت بلهجةٍ آ’مرة:
_تقعد مع أختك هنا متتحركش ومتخرجش بره مهما حصل ولا تقرّب مِن البو’تجاز أقعد لا’عبها وأنا هجيبلك “عدنان” دلوقتِ يقعد معاك ولو أختك عيطت أديها الببرونة بتاعتها وتأكلها براحة زي ما علمتك ولو جوعت الأكل موجود أهو متهو’بش ناحية الأوضة خالص ولو خو’فت أقرأ آية الكرسي زي ما حفظتك ومش هيبقى في حاجة، أتفقنا أنا هعتمد عليك يا “رائد” دلوقتِ أنتَ الكبير ومسئول عن أختك.
هزَّ الصغير رأسه برفقٍ موافقًا على حديثها ثمّ جاوبها بنبرةٍ هادئة وقال:
_حاضر يا ماما.
منحته قبّلة حنونة على خَدِّه الصغير ثمّ تركته وأتجهت إلى البو’تجاز تفصـ.ـل الغا’ز عنهُ حتى تضمن سلا’مة الصغار ثمّ تأكدت أن كُلّ شيءٍ بأ’مان وخرجت تاركةً خلفها “رائد” الذي جاور شقيقته وهو يمسح بكفه الصغير على رأسها، أقتربت مِن “أيسـل” موجهةً حديثها إلى الصغير قائلة:
_متخا’فش يا “عدنان” أطلع يا حبيبِ مفيش حاجة هتلاقِ “رائد” و “رودينا” فالمطبخ أقعد معاهم ولو جوعت قول لـ “رائد” وكلو سوى، يلا يا حبيبِ.
لم ير’فض لها مطلبًا وثـ.ـقته بها عمـ.ـياء ولذلك لم ينتظر جواب والدته وصعد مجددًا إلى الأعلى تحت نظراتهما لهُ، لحظات ونظرت “أيسـل” إلى “روزي” ثمّ نظرت إلى الخارج تتابع ما يحدث رِفقة “روزي”، ثوانٍ معدودة وشـ.ـق هذا الصمت شهـ.ـقاتهما سويًا حينما تم الضر’ب غد’رًا تجاه “ليل” الذي كان يجوب في المكان بعينيه بترقبٍ، لحظات ونهض “ليل” واقفًا ضا’ربًا هذا الحقـ.ـير بمهارة مصـ.ـيبًا إياه ثمّ جلس مجددًا القرفصاء متر’قبًا..
في هذه اللحظة صدح رنين هاتف “أيسـل” عا’ليًا والتي عادت تبكِ مجددًا حينما شَعَرت بالخطـ.ـر يزداد عليهم لتنظر إلى شاشته ترى المتصل “علي” ولذلك لم تتوا’نى وجاوبته باكية:
_أيوه يا “علي”، ألحـ.ـقنا يا “علي” إحنا بيتضـ.ـرب علينا نا’ر، معرفش في إيه “حُـذيفة” واخد رصا’صة فضهره مكان النخا’ع العظـ.ـمي بقاله رُبع ساعة والأ’من معرفش راحوا فين و “ليل” واخد رصا’صة فكتفه الشما’ل ومعاه بره وإحنا جوه مدخل العمارة، معرفش حصل أزاي “ليل” شا’كك إن دول جماعة “جمال” معرفش بقى جايين ينتقـ.ـموا مش فاهمة حاجة، بالله عليك ألحـ.ـقنا، طب بسرعة متتأخروش وخلّوا بالكم عشان منتشـ.ـرين حوالينا.
أنهـ.ـت المكالمة معهُ ثمّ نظرت إلى “روزي” التي كانت تجاورها وتنظر لها متر’قبةً لتجاوبها بنبرةٍ باكية:
_”علي” جاي هو و “أحمـد” دلوقتِ عرف مِن فرد الأ’من اللِ شاف “حُـذيفة”.
_الحمدلله، يا ربّ ما يتأخروا، أنا خا’يفة أوي على “ليل”.
جاوبتها “روزي” بقلبٍ يملؤه الخو’ف والقلـ.ـق، فليست مستعدة لفقـ.ـدانه في أيا لحظة لن تتحمـ.ـل خسا’رته، وبجوارها تلك المسكينة التي كانت في موقفٍ لا يُحسـ.ـد عليه فما بين عقلٍ ير’فُض التقبُل وقلبٍ ينزُ’ف أ’لمًا كانت الر’وح ترحل ببطءٍ شـ.ـديد ليزداد عذ’ابها، لم يَمُر الكثير مِن الوقت فبعد دقائق قليلة ظهر “علي” في الصورة والذي بدوره أصطا’د أولى الفرا’ئس دون أن يبذُ’ل مجهو’د..
تسـ. ـلل خلف السيارات مائل الجذ’ع يسير بخطى خـ.ـفيفة وسريعة وسلا’حه بيَده، وعلى جهة أخرى كان “أحـمد” لتوه حاضرًا ولكن أختار أن يكون الأذكى في هذه اللحظة، فقد تم حصا’رهم مِن شخصين فقط، أحدهما في الأسفل والآخر في الأعلى يصطا’دهم كما يصطا’د الصيا’د فرا’ئسه، وصل “علي” إليهما ليجسو على قدميه متفـ.ـحصًا “حُـذيفة” تزامنًا مع قول “ليل”:
_عا’يش، بس لازم يروح المستشفى داخل عالنُّص ساعة كدا.
نظر لهُ “علي” وتفحـ.ـصه كذلك حينما رأى بقعة الد’ماء تكسو كنزته السُكّرية بطول ذراعه قائلًا:
_وأنتَ دراعك نَزَ’ف كتير، الإسعا’ف على وصول متقـ.ـلقش، حاسس بو’جع؟.
سؤالٌ برغم إجابته المعلومة ولكن أراد أن يطمئن عليه بنفسُه ويسمعها بأُذُنيه، وصدقًا لم يتأخر “ليل” في إجابته وطمئنه بوجهٍ مبتسم قائلًا:
_مش حاسس بو’جع لأن كتفِ تقريبًا منمـ.ـل مش عارف، اللِ يهـ.ـمني دلوقتِ “حُـذيفة” مش ههدى لمَ أطمن عليه.
أنهى حديثه وهو ينظر إلى رفيق الدرب نظرةٍ لها ألف معنى، الخو’ف كان حاضرًا، والقـ.ـلق، الأفكار السو’دا’ء التي أستحو’ذت على عقله في لحظة وجعلت عقله بارع في خلق مشاهد سو’دا’ء، ولكن برغم ذلك طمئنه “علي” الذي مد كفه مربتًا على ذراعه السـ.ـليم قائلًا:
_متخا’فش عليه، هيبقى كويس بإذن الله ومش هيحـ.ـصله حاجة و’حشة، “حُـذيفة” مؤمن بالله ومهما كان اللِ بيحصله ويشوفه بيرضى ويقول يا ربّ أنا رضيت، ربنا هينجـ.ـده زي ما بينجـ.ـده كُلّ مرَّة مش كدا ولا إيه.
_أنا اللِ صـ.ـعبان عليا ر’ميته دي، بفتكر مشاهد مش عايز أفتكرها، عامل زي اليمامة الحُـ.ـرة فوق أرض مُـ.ـحتلة، رغم حُـ.ـريتها كانت محبو’سة، رغم القسو’ة اللِ حواليها كان عندها يقين بالله إن هييجي فيوم والنز’اعات تتفـ.ـك والبلد تبقى حُـ.ـرة وتطلع شمس الحُـ.ـرية بعد ليالِ طويلة ضلا’مها كان أحتلا’ل، برغم صعو’بة الحياة ميأ’ستش، كان عندها يقين إن مهما طالت السنين وراحوا آلآف الأرو’اح هييجي اليوم المو’عود، يوم الحُـ.ـرية، يوم الأستقلا’ل، اليوم اللِ تتجمع فيه اليمامات فالسما ويطيـ.ـروا بحُـ.ـرية مِن غير خو’ف إن رصا’صة العد’و تصـ.ـيبهم، يوم الحـ.ـق اللِ بنصا’رع فالحياة لحد ما ييجي، و “حُـذيفة” كان واحد مِن اليمامات دي، ومسيره يلاقِ الحُـ.ـرية اللِ بيسعى عشانها ومش عارف يوصلها لسه، قريب أوي هييجي اليوم اللِ يقولِ فيه أنا بقيت حُـ.ـر يا “ليل”، مبقاش في قيو’د ولا خو’ف، اللِ حا’ربنا عشانه بقى معانا النهاردة.
وصفٌ يعجـ.ـز المرء عن الرد بهِ، قال ما قال وأفصح عن حقيقة يُحا’ربون مِن أجلها الجنو’د في حر’بٍ شملت طرف العد’و، وبكثرتها كانت لهم قو’ة، فلم يعلموا شيئًا عن الاستسلا’م، ولم يعلموا شيئًا عن الهز’يمة، هم أصحا’ب الأرض، وأصحاب الد’يار لا ينحنو’ن رؤو’سهم وإن كان مو’تهم ثمنًا لذلك، هكذا كانت الحياة منذ مولدهم، وهكذا كانت هي … حر’ب الأعد’اء..
أستطاع هذا الصيا’د أصطيا’د جميع فر’ائسه دون أن يبذُ’ل مجهو’دًا، وبعدها وصلت الإسعا’ف وتم أخذ “حُـذيفة” بتمهـ.ـلٍ شـ.ـديد نظرًا لمكان الرصا’صة التي كانت بموضع الخطو’رة وإيصال الأجهزة لجسـ.ـده وقناع الأكسجين يحتضن وجهه والعقل كان غا’ئبًا عن العالم بأسره، ولم تتركه حبيبة القلب وحيدًا فكانت مثل ظـ.ـله في كُلّ مكان يذهب إليه وكأنها تخـ.ـشى إضا’عته بين الجميع..
ومعهُ تم نقـ.ـل “ليل” في سيارة أخرى وكانت هي ترافقه بعد أن أوصت “علي” على الصغار وهو لم يتأخر بل أخذهم وظل معهم كالحا’مي لهم طيلة الوقت لاحقًا بهما وهو يُخبر بقية أصدقائه بما حدث لهما وتشـ.ـدده بإتخاذ الاجراءات اللازمة بشأن ما حدث وعدم التو’اني في هذا الحا’دث الذي كان بالتأكيد مد’برًا ومدروسًا بعناية والذي كان سيؤ’ذي بحياة الآخرين..
وكأن الوقت في سباقٍ سريع مع نفسُه، فمنذ قليل كانا يُنقلان لسيارة الإسعا’ف والآن ها هم يتواجدون جميعهم بعد وصول “ليل” و “حُـذيفة” إلى المشفى أحدهما ذهب إلى الطوا’رئ والآخر ركضوا بهِ سريعًا نحو غرفة العمـ.ـليات الجر’احية، وعن قلبين نقيـ.ـضين فكان أحدهما يدعو ويتدرع للمولىٰ عز وجل ويبكِ أ’لمًا، والآخر كان لرُبما مطمئنًا على الحبيب..
وعلى جهة أخرى كان “ليل” الجد يُجري العديد مِن الإتصالات الها’مة التي تتعلـ.ـق بهذا الحا’دث الذي لحق بحفيديه وكاد أن يؤ’دي بحياتهما في أيا لحظة، صار’مًا ولا يمزح ففي لحظة كان سيخـ.ـسرهما وهذا أصا’به بالرُ’عب وجعله لا يهدأ طيلة الوقت، الأجواء كانت متو’ترة للغا’ية والقلوب ليست ر’حيمة بأصحابها تُجيد التلاعب بهم، لحظات ليست بسهلة عليهم والتو’تر هو سَيد هذه اللحظة..
_يا ربّ، أبنِ يا ربّ، يا ربّ أرءوف بحالُه ونجيه يا ربّ وخرجُه مِنها معافى كما أخرجت “يونس” مِن بطـ.ـن الحو’ت.
كانت “نوران” تتدرع إلى المولىٰ عز وجل بقلبٍ ينشـ.ـطر نصفين أ’لمًا وحز’نًا على ولدها البكري، العَبرات تُغلف مُقلتيها ويجاورها “عبدالله” الذي كان يدعو طيلة الوقت بلا توقف وقلبه كان متأملًا الخير كُله بـ ربّ العالمين، وبالقربِ مِنهما كانت “كارما” تقف أمام باب الطو’ارئ تنتظر خروج ولدها “ليل” وهي تدعو أن يكون الأمر بسيطًا وليس مفز’عًا والقلـ.ـق يحتضن قلبها ويجاورها “باسم” الذي كان هادئًا وكأنه يعلم أن ولده بخيرٍ ولا ينتظر خروج الطبيب..
_هما أتأخروا كدا ليه جوّه، معقولة مش عارفين يخرجوله الرصا’صة كُلّ دا؟.
هكذا أردفت “كارما” بنبرةٍ تملؤها القـ.ـلق تضـ.ـغط على كفيها وهي تدعو أن تَمُر على خيرٍ وأن تطمئن على ولدها، جاوبها “باسم” بنبرةٍ هادئة وقال:
_مش بالسهولة دي يا “كارما” دي رصا’صة يا حبيبتِ مش خر’بوش صغير هو، طبيعي يعني متخا’فيش.
الخو’ف حاضرًا والقلـ.ـق مسيطـ.ـرًا والترقب سيد المكان، فبعد مرور ساعة تقريبًا خرج الطبيب المساعد مِن غرفة العمـ.ـليات ليجتمعوا حوله بتلهفٍ كي يطمئنوا على هذا المسكين الذي لا حول بهِ ولا قوة ليأتِ قول “نوران” سريعًا بتلهفٍ شـ.ـديد:
_خير يا دكتور طمنِ بالله عليك، ابنِ كويس مش كدا؟.
طافَ بعيناه بينهم سريعًا ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_الحالة صـ.ـعبة شوية، إتسا’ب فترة طويلة، للأسف مكان الرصا’صة خطـ.ـر جنب النخا’ع الشو’كِ بالظبط ولذلك لازم نشتغل بدقة وحذ’ر شـ.ـديد عشان أي غـ.ـلطة لقدر الله تسببله شـ.ـلل جزئي أو كُلي أو تفقـ. ـده الشعور بالحركة، بس حتى الآن الرصا’صة مختر’قة الأو’عية الد’موية ودا سببله نز’يف داخلي لو كان جه على طول كانت الحالة هتبقى أفضل بس خلّوا أملكم بـ ربّنا كبير وأدعوله.
_أيوه يا دكتور يعني الحالة إيه دلوقتِ أنا برضوا مفهمتش جوزي مصـ.ـيره إيه دلوقتِ؟.
هكذا سألته “أيسـل” مترقبةً قوله فحتى الآن لا تعلم ما هو مصـ.ـير زوجها، ولذلك جاوبها الطبيب بعدما أخرج زفيرة هادئة وقال:
_حالة جوزك يا مدام حتى الآن تمام، إحنا وقفنا النز’يف الحمدلله ولكن لسه بنخرج الرصا’صة المكان مش سهل ولا زاوية الرصا’صة مساعدانا بس أطمنك حتى اللحظة دي إحنا تمام أينعم أثر الو’جع مكان الرصا’صة هيلازمه بس هيقدر يتأقلم عليه.
جاء سؤال آخر يُطرح عليه مِن “نوران” التي قالت بنبرةٍ متو’ترة رغمًا عنها:
_طب معلش يا دكتور عايزة أتطمن بس، هو كان متبرع قبل كدا بالنخا’ع لأخوه الصغير عشان كانت حالته حر’جة هل دا ممكن يأ’ثر على تعا’فيه ولا ملهوش أي تأ’ثير سـ.ـلبي عليه؟.
أبتسم الطبيب بسمةٌ بشوشة وجاوبها بنبرته الهادئة قائلًا:
_متخا’فيش مش هيأ’ثر على تعافيه خالص، والجسـ.ـم بيعوض النخا’ع العظـ.ـمي وخصيصًا الجزء اللِ تم التبرع بيه في غضون أسابيع يعني مفيش أي حاجة تخا’فِ مِنها أطمني أبنك هيبقى زي الفُل وهيقوم مِنها ولا كأن حـ.ـصله حاجة، أدعوله بس وإن شاء الله خير، عن إذنكم.
تركهم ورحل بعد أن أخبرهم باللازم لينظروا هم إلى إثره ثمّ نظروا إلى بعضهم لتزفر “نوران” زفيرة عميقة تُخرج معها مشاعرها السلبـ.ـية بعد أن كاد عقلها يُطيـ.ـح بها نحو الها’وية، جاورها “عبدالله” الذي أمسك بكفها مشد’دًا عليه برفقٍ دون أن يتحدث وكذلك العائلة التي كانت تتأمل خيرًا لهُ..
خرج إليهم “ليل” في هذه اللحظة ويُحاوط كتفه ويرفع ذراعه حامل اليَد بعد أن تم إخراج الرصا’صة وتعقـ.ـيم الجر’ح، أقتربت مِنْهُ “كارما” بخطى واسعة متلهفةً عليه لتقف أمامه تزامنًا مع قولها:
_أنتَ كويس يا حبيبِ؟ حاسس بو’جع أو أي حاجة؟.
أبتسم في وجهها حتى لا يُقلـ.ـقها أكثر مِن ذلك وجاوبها بنبرةٍ هادئة:
_متخا’فيش مفيش حاجة أنا كويس.
و’قع بصره على “روزي” التي كانت تجاورها تنظر لهُ ليرى الخو’ف في عينيها فما رأوه لم يكُن هينًا عليهم البتة ولذلك تقدَّم خطوة نحوها يضمها بذراعه السـ.ـليم إلى أحضانه تزامنًا ما قوله الهامس لها:
_متخا’فيش عليا أنا بقيت كويس الحمدلله، فترة وكُلّ حاجة هترجع زي ما كانت وأحلى كمان.
_سلامتك يا حبيبِ.
هكذا همست لهُ واضعةً رأسها فوق صدره تحاوط خصره بذراعيها ليُربّت هو على ظهرها برفقٍ دون أن يتحدث، بينما رَبّت “باسم” فوق كتف “كارما” وكأنه يُطمئنها بعد أن رأى ولده قد خرج مرفوع الرأس وكأنه لم يتم الغد’ر بهِ قبل ساعة ونصف، أقتربت “روان” بخطى واسعة تجاه أخيها بعد أن تلقت الخبر وهي مع صديقاتها تتنزه والخو’ف باديًا فوق صفحة وجهها، أبتعدت واحدة وأخذت مكانها الأخرى التي ضمت أخيها قائلة بنبرةٍ متلهفة تملؤها القـ.ـلق:
_في إيه يا “ليل” إيه اللِ جرالك يا حبيبِ أنا مفهمتش حاجة مِن ماما غير إنك مضر’وب عليك نا’ر و “حُـذيفة” حالته صـ.ـعبة.
رَبّت فوق ظهرها برفقٍ يُهدئ مِن رو’عها مبتسم الوجه فكان على يقينٍ تام أنها ستر’تعب بهذه الطريقة عليه، جاوبها بنبرةٍ هادئة بعد أن أبتعدت هي عنهُ تنظر إلى ذراعه المصا’ب تتلمـ.ـسه بحذ’رٍ شـ.ـديد:
_مفيش حاجة يا حبيبتِ جَت سليمة، إحنا إتاخدنا غد’ر بس، أنا كويس الحمدلله بس خا’يف أوي على “حُـذيفة”.
وبعد أن كانت تشعُر بالراحة أصا’بها الخو’ف مجددًا حينما ذكّرها بحالة هذا المسكين الذي يُصا’رع في الداخل بين أن يعود كما كان وتَمُر على خيرٍ أو يُصـ.ـيبه شيئًا ليس محمودًا، صدح رنين هاتفها في هذه اللحظة لتُخرجه مِن حقيبتها وتنظر إلى المتصل لترى “يزيـد” يُهاتفها، شَعَرت بالتوتر الشـ.ـديد ونظرت إلى أخيها قائلة:
_”يزيـد” بيتصل أعمل إيه دلوقتِ، أكيد هيطلب إنُه يكلم أخوه عشان كُنت بعتاله مِن يومين رسالة إنُه هيجيلنا النهاردة.
أخرج “ليل” زفيرة عميقة ثمّ جاوبها بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لها قائلًا:
_هتضطري تقوليله الحقيقة، لو كد’بتِ عليه مش هيعديهالك عشان “يزيـد” بيكر’ه الكد’ب خصوصًا لو جاية مِن حد قريب لِيه، وفنفس الوقت هو بيحسّ بأخوه يعني لو أنكـ.ـرنا مش هيهدى غير لمَ يسمع صوته ويطمن بنفسُه … مفيش أي حلول غير إنك تقوليله عشان لو معرفش مِننا أكيد القائد هناك هيبلـ.ـغه.
شردت هُنَيْهة تُفكر في الأمر ثمّ جاوبته بنبرةٍ هادئة للغاية:
_عندك حق، يعرف مِني أحسن ما يعرف مِن بره وساعتها مقدرش ألو’مه على معاملته ليا.
أبتعدت عنهم جميعًا وهي تنظر إلى اسمه الذي كان يُنير شاشة هاتفها، كانت متو’ترة ولا تعلم كيف ستُخبره بما حدث فالأمر لن يكون هينًا عليه خصيصًا أنهما مقربين بشـ.ـدة وليسوا مجرد أشقاء، جاوبته بعد أن شجعت نفسها قائلة:
_كُنت عند وعدك وأتصلت.
جاءها رده حينما قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_أنا مبوعدش عالفاضي يا آنسة، إحنا مش أي حد برضوا، طمنينِ عليكِ.
_أنا كويسة الحمدلله، أنتَ اللِ المفروض تطمني عليك، إيه اللِ بيحصل وأنتَ كويس ولا لا.
حاولت تشـ.ـتيته حتى لا يسأل عن أخيه الذي كان لا حول بهِ ولا قوة مازال يتلقى الغد’ر وكأنهم لم يُعلنوا أستسلا’مهم بعد، وقد سار هو خلفها دون أن يسأل أو يقاو’م فمعها ينسى كُلّ شيءٍ، وقد جاء جوابه على بُساطٍ أحمدي حينما قال مبتسمًا:
_أنا كويس بس أكيد مش مبسوط، كُلّ حاجة هنا محسوبة بالسنتي، النوم بمواعيد والصحيان بمواعيد حياة مختلفة هنا عن اللِ أتربيت عليها وتأقلمت معاها مش عارف “حُـذيفة” أزاي مقاليش إن الحياة هنا غير الو’اطِ مقالش حاجة وروحت عـ.ـميانِ خدت على عيـ.ـنِ، بس الحمدلله بحاول أنتظم وأتعود لسه مأبد هنا سنة كاملة، شوفتِ خدتينِ فالكلام أزاي وتوهتينِ، طمنينِ على “حُـذيفة” أنا قولت أستنى شوية عشان لو مشغول بكلمه على تليفونه بيدينِ مغلق كذا مرَّة حاولت أتصل بـ “أيسـل” بس مردتش عليا، لو هو جنبك يا “روان” أديهونِ عايز أتطمن عليه مِن الصبح وأنا مش مر’تاح حاسس إن في حاجة بس مش عارف إيه هي … “حُـذيفة” كويس صح؟.
كان القلب خيرُ دليلٍ، القلوب حتى وإن فرّ’قتها المسافات لن يُقطـ.ـع الوِصَال مهما حدث، وما أخا’فه فقط شعورٌ لم يكُن بعابر أنذ’ره بحدوث شيءٍ لكن ليس محدد، وأول مَن فكر بهِ كانت هي فدومًا أعتاد مِنها على الصراحة حتى وإن كانت ستز’عجه، بينما هي فكان قلبها يؤ’لمها حينما أستمعت إلى حديثه فتعلم جيدًا أنَّهُ يَشعُر بمَن حوله وخصيصًا إن كان أخيه الذي كان خيرُ الرفيق والذي لم يخذ’له يومًا أو يتخـ.ـلىٰ عنهُ، حاولت تشجيع نفسها لقول الحقيقة لهُ رغم صعو’بة الأمر عليها فكأنها ستُصـ.ـيب رصا’صتها بقلبه وهي لم تعتاد على أن تكون السبب في أ’لمه حتى وإن طلب هو ذلك مِنها..
كان هو يترقب بعد أن تلقى الصمت جوابًا على سؤاله وقد بدأ يتأكد أن ثمة شيئًا ما حدث وهي لا تُريد إخباره بهِ، تحدث بعد صمتٍ دام لثوانٍ قائلًا:
_في إيه يا “روان” أتكلمِ، إيه اللِ حصل مخـ.ـبياه عنّي ومش عايزاني أعرفُه؟.
الأسئلة تزداد وعلامة الاستفهام تكبُر شيئًا فشيء بكُل دقيقة تمضي، وصله صوت شحتفتها ليعلم أن شيئًا ما قد أصا’ب أخيه وهي تخـ.ـشى إخباره ليقول مترقبًا:
_في إيه يا “روان” أتكلمِ؟ أخويا حصله حاجة ومش عايزه تقوليلِ؟.
_أدعيله يا “يزيـد”.
هكذا تلقى مِنها، كلمةٌ واحدة جعلت عقلُه يخلق لهُ آلآف السيناريوهات السو’د’اء، فهذه تعني معانٍ كثيرة أشهرها المو’ت، تثا’قلت أنفاسُه وشـ.ـد قبـ.ـضته على الهاتف وتبدلت معالم وجهه مائة وثمانون درجة حينما قال مترقبًا:
_أدعيله بإيه؟ “حُـذيفة” جراله إيه يا “روان”؟ أخويا حصله إيه؟.
_”حُـذيفة” أضر’ب عليه نا’ر وهو نازل مِن بيته يا “يزيـد”، الرصا’صة جنب النخا’ع الشو’كِ على طول، و “ليل” أخويا واخد رصا’صة فكتفه الشما’ل وهو خارج عشان يلحـ.ـقه، كان كـ.ـمين ليهم، كانوا هما المقصودين.
صدق شعوره السـ.ـيء تجاه أخيه رغم تمنيه لتكذ’يبه، اضطـ.ـربت خَفَقات قلبه وتر’اخت قبـ.ـضته وأعصا’ب جسده بعد أن تلقى الخبر بحالة أخيه التي لم تُبشره حتى الآن ولو بواحد بالمائة بأحتمالية نجـ.ـاته، شَعَر بالوحدة فجأةً برغم مَن معهُ في موقعه، فكان هذا الشقيق هو بئـ.ـر الأ’مان بالنسبةِ إليه، إن فقـ.ـده سيـ.ـفقد الحياة معهُ فكلاهما يُكملان بعضهما لا يعـ.ـيش المرء بنصف قلـ.ـب، هوى جسـ.ـده وجلس فوق الصخـ.ـرة بجسـ.ـدٍ مترا’خِ وهو مازال يُحاول استيعاب ما قيل لهُ..
بينما ألتفتت “روان” تنظر إلى أخيها الذي كان يرا’قبها وقد سقـ.ـطت عَبراتها على صفحة وجهها بعد أن وصلها صوت بكاءه الذي دل على صد’مته وقـ.ـهرته، فلم يكُن بكاءًا عاديًا وسيمضي، بل كان أكثر مِن ذلك بكثير، فبدون “حُـذيفة” لا حياة بالنسبةِ إلى “يزيـد”، تقدَّم “ليل” مِنها يأخذ الهاتف واضعًا إياه على أُذُنه مستمعًا إلى بكاءه تاركًا “روان” تبكِ خلفه..
_مش هقدر أقولك متعيطش، أو حتى متخا’فش، وضع أخوك صـ.ـعب دلوقتِ بس محدش سايبُه جوّه، بس طالما في طريق جوّاه الأمل يبقى نمسك فيه ومنقولش على حاجة مستحيلة آه هو كلام الدكتور مقـ.ـلق بس بيطمن فنفس الوقت، بيخرجوها بحذ’ر عشان أي غـ.ـلطة هتضـ.ـيع كُلّ حاجة وهفضل كُلّ مرَّة أقولهالك يا “يزيـد”، هيخرج وهيبقى زي الفُل، مسافة ما يخرج ونتطمن عليه هخلّي جدي يبعتلك خبر مع القا’ئد بتاعك يطمنك عليه وتركز أوعى تقـ.ـع أنتَ مش بتلعب يا “يزيـد” هناك وعندك مش زي هنا في فرق، صحصح وفوق عشان خاطر أخوك قبل نفسك، أنا هفضل موجود معاهم ومش هسيبه غير وهو راجع معانا واللِ كان السبب هياخد عقا’به، وعد.
_أخويا أما’نة معاك يا “ليل”، مبطمنش عليه غير وهو معاك.
أفصح عن شعوره في ساعة الضـ.ـعف وكأنه يئـ.ـس مِن الحياة، فكلما حاول التخـ.ـطي ويحظى بالسعادة يأتي شيئًا آخر مِن العد’م يضر’ب بسعادتهم تلك عرض الحائط، وكان “ليل” سَيد اللحظة، أستطاع طمئنته بالشكل المطلوب ثمّ أنهى المكالمة وعاد إلى شقيقته التي نظرت لهُ بعينين باكيتين ليُعطيها الهاتف تزامنًا مع قوله الهادئ:
_أنا أتصرفت معاه خلاص متخا’فيش عليه، شوية وهيرجع كويس هو تعلـ.ـقه بأخوه قو’ي ولو جر’اله حاجة طبيعي يضـ.ـعف.
_تفتكر “حُـذيفة” هيبقى كويس؟.
أبتسم لها ورفع كفه يُربّت فوق ذراعها برفقٍ قائلًا:
_هيبقى كويس ويرجع تاني، إن شاء الله.
وبرغم كُلّ ذلك كان يُريد مَن يُطمئنه ويُخبره أنَّهُ سيكون بخيرٍ، فهو أخيه ورفيق الدرب لا يستطيع مفا’رقته أو خسا’رته مهما كان الثمن باهظًا، كان ضا’ئعًا داخل قو’قعة أفكاره السو’دا’ء منتظرًا تلقي بصيص الأمل الذي يشـ.ـق عتـ.ـمته كو’ميض بين عـ.ـتمة الفجر.
__________________________
<“برغم آلآ’م الماضِ، كانت تسعى لأن تحـ.ـيا.”>
وبرغم آلا’م الماضِ مازلنا نُحاول أن نحـ.ـيا،
برغم صعا’ب الحياة وتجاربها التي نُقـ.ـشت بداخل قلوبنا د’مًا نتج عن النز’يف الذي لا يتوقف، كانت تُحاول أن تحـ.ـيا برو’حٍ نا’زفة..
أعتادت معهُ على تخطي آلا’مها والسعي للتقدم إلى الأمام، لم يكُن هينًا عليها ولكن لا بأس إن حاولنا مرَّةٍ أخرى لعلها تكون محاولةٌ ناجحة، كانت الغرفة يعج بها صوتهم، يتحدثون في مواضيع مختلفة بنفس الوقت، أندمجت “برلين” سريعًا مع شقيقتيه وتناست ما حدث ليلة أمس بفضل تواجده معها طيلة الوقت يقف أمام عقلها بالمر’صاد لا يُعطيه الفرصة في خلق أي سيناريو أسو’د مِن الممكن أن يطيـ.ـح بعقلها ويد’فعها للسقو’ط في البؤ’رة التي قد حُفِـ.ـرَت خصيصًا لأجلها..
كانت عيناه تأخذ نظرةٍ سريعة عليها بين الفينة والأخرى يرى أخرى غير التي كانت حاضرة ليلة أمس وكانت في أقصى مراحل الضـ.ـعف والخـ.ـيبة والانهيا’ر، بينما كان هو مندمجًا مع زوجِ شقيقتيه بعد أن قرروا زيارتهما ومباركتهما، نظر “مينـا” إلى “جرجـس” الذي كان مستقرًا في أحضان والده ويلعب لُعبته المفضلة على جهازه الإلكتروني الذي أهداه إليه “بيشـوي” قبل شهرين حتى يستطيع لعب ما يُريد دون أن يطلب هاتفه مِن الحين للآخر..
نظرا إلى “جرجـس” الذي كان مندمجًا بشـ.ـدة في اللعب ويسعى للفوز كما أعتاد ليأتِ “ديفيد” بنقـ.ـرة واحدة يُفـ.ـسد كُلّ شيءٍ لهُ متعمـ.ـدًا فعل ذلك، صا’ح “جرجـس” بعدم رضا ثمّ نظر إلى زوج خالته نظرةٍ غا’ضبة وقال:
_ليه عملت كدا أنا كُنت هكسب خلاص.
_كيف اللِ خلفونِ كدا يا عمّ.
هكذا صارحه “ديفيد” وهو ينظر لهُ نظرةٍ با’ردة لينظر “جرجـس” إلى أبيه قائلًا بنبرةٍ تملؤها الضيـ.ـق:
_بابا متخليهوش يخسـ.ـرني أنا خلاص كُنت هكسب لسه هعيد الجيم دا تانِ ..!!
_حقك عليا هو رخم وسـ.ـئيل، مبيحبش يشوف حد ناجح غيره عشان كدا مقفـ.ـلة فوشه.
أحتواه “بيشـوي” الذي ضمه إلى د’فء أحضانه يُلثم خَدِّه الصغير بحنوٍ ثمّ نظر بعدها إلى “ديفيد” الذي كان يبتسم بسمةٌ مستفـ.ـزة إلى الصغير وقال بنبرةٍ حا’دة:
_لم نفسك يا “ديفيد” وملكش دعوة بأبني وخليك فحالك أحسنلك.
_أنا مش هسيبه النهاردة وكُلّ ما هيلعب هخسـ.ـره.
عا’نده وهو ينظر لهُ ليُبادله “جرجـس” نظرته بأخرى أكثر ضـ.ـيقًا ثمّ عاد ينقـ.ـر فوق شاشة الجهاز يبدأ بإعادة هذه المرحلة بعد أن تسـ.ـبب زوج عمَّته بخسا’رته قبل قليل، بينما كان هذا الما’كر يُتابعه ليَمُد كفه بحركةٍ سريعة ينقـ.ـر فوق الشاشة ليتسبب في خسا’رته للمرة الثانية على التوالي مِمَّ جعل الصغير يغضـ.ـب أكثر ويزفر بضـ.ـيقٍ وهو يرفع رأسه ينظر إلى أبيه الذي قال:
_روح عند ماما أحسن عشان “ديفيد” مستفـ.ـز ومش هيهدى النهاردة وهو مبيصدق يشبـ.ـط فحاجة.
وبالفعل ذهب الصغير إلى والدته وجلس بجوارها وعاد يندمج مجددًا في اللعب ظنًا أنَّهُ سيهرُ’ب مِنْهُ بهذه الطريقة، ولكن لا يعلم “ديفيد” معنى للاستسلا’م أو الخسا’رة ولذلك لن يقبل الر’ضوخ بهذه السهولة وسيسعى للفوز مهما كلفه الأمر، قطـ.ـع تركيزه صوت “بيشـوي” الذي قال بنبرةٍ هادئة موجهًا سؤاله إلى “مينـا”:
_إيه أخبار عمّتها الحر’باية دي، ضا’يقتكم تانِ؟.
_قول أمتى منكدتش علينا عيشتنا يا “بيشـوي”.
عقد “بيشـوي حاجبيه ثمّ سأله بنبرةٍ هادئة وقال:
_ليه إيه اللِ حصل تانِ مش المفروض الدُنيا تمام خلاص.
أبتسم “مينـا” ساخرًا بزاوية فمه ثمّ جاوبه بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى “برلين” التي كانت تُشارك شقيقتيه الضحك قائلًا:
_لا الدُنيا مبقتش تمام، كُلّ مدى بتسو’ء، كانت هنا إمبارح كانت صدمتنا بوجودها، جَت وهي مش نا’وية عالخير، عينيها بتلف زي الرا’دار عالشقة هي وبنتها ويتكلموا بصوت وا’طي، كُنت مض’ايق مِن وجودهم بس مش عارف أقول دا لـ “برلين”، سمعتهم بيتكلموا عليها كلام حر’ق د’مي وبرضوا مقدرتش أقولهولها عشان مش عايز أجر’ح مشاعرها، بس الوضع زاد عن حدُّ’ه وأنا مستحـ.ـملتش، بقت تعلمها درس فالأخلا’ق عشان شايفاها لسه لابسة البيچامة الستا’ن والمفروض تحسّ على د’مها وتقوم تغيّر عشان ترضي جناب الهانم، بس مرَّة بعد مرَّة بدأت تدو’س عالجر’ح وتفتحلها فالقديم تانِ، أنا مستحـ.ـملتش لمَ لقيتها بتنها’ر حرفيًا قدامي وبتحط إيديها على ودانها عشان متسمعش اللِ بيو’جعها وتضطـ.ـر تاكل السـ.ـم زي ما كانت متعودة مِنهم دايمًا، أديتها درس فالأخلا’ق، أو أنا اللِ مكانش عندي أخلا’ق وأنا بكلمها ساعتها، أتجـ.ـننت وأنا شايفها بتطـ.ـعن فيها قدامي ر’ميتها هي وبنتها بره وقولتلها روحِ أشتكِ لأخوكِ معنديش اللِ أخا’ف مِنُه.
رَبّت “ديفيد” فوق كتفه برفقٍ وهو مبتسم الوجه قائلًا:
_را’جل ومجدعة ومش غـ.ـلطان كمان.
_”ديفيد” عنده حق، كويس إنك عملت كدا عشان متفتكرش نفسها قو’ية وكُلّ ما تحب تطـ.ـعن فحد تطـ.ـعن مِن غير ما حد يوقفها، عالم عقولها مر’يضة واللهِ مش فاهم هما فاهمين الجواز على إنُه خلفة وبس أزاي.
شَعَر “بيشـوي” باليأ’س الشـ.ـديد بعد أن أستمع إلى حديث رفيقه ليجاوبه “ديفيد” بنبرةٍ با’ردة وهو ينظر لهُ قائلًا:
_يابا دول مُغـ.ـيبين، أومال لو شافتنِ أنا و “مارينـا” هتعمل إيه هتطلعها هي كمان معيو’بة؟ أنا مبقتش فاهم دماغ البشر دي ماشية ورا أي سياق، أتجوزي عشان تتسـ.ـتري تتستـ.ـر مِن إيه معلش هي ماشية ملـ.ـط ولا أنا كُنت عباية فهسـ.ـترها مش فاهم.
ضحك “بيشـوي” بعد أن أستمع إلى حديث رفيقه الذي كان غا’ضبًا هذه المرة مِمَّ أصبح يحدث حولهم ومعهُ شاركه “مينـا” الذي نظر لهُ حينما أكمل قائلًا:
_لا ولمَ يعدي شهرين وميوصلهاش لسه آنها حملت، أقسم بالله مر’شح بيترص معرفش بيتظبط أمتى ويتنسق التنسيق الجامد اللِ يستحق عليه جايزة نوبل دا أزاي، أكيد يعني مش خا’رقة للطبيعة يعني حتى العلم جا’هلين فيه مش معقولة، طب لو أنا مبحبش العيال مصيري إيه؟ هضر’ب بالنا’ر على كدا؟.
_فكك يا عمّ خلّي اللِ يفكر فيك يفكر ويتخيّل ويبدع فدا’هية أهم حاجة نفسك وصحتك وراحة البال.
هكذا جاوبه “بيشـوي”، وهكذا كان نظام تعا’يشه مع البشر ووجب على الجميع أن يفعلوا مثله، وافقه “مينـا” القول بقوله:
_”بيشـوي” عنده حق، فكك عشان لو سلّمت ودنك لد’بانة ز’نانة مش هتخلص مِن ز’نها طول الوقت وهتضا’يقك.
أخرج “ديفيد” زفيرة قو’ية ثمّ مسح بكفه على صفحة وجهه ونظر إلى “مينـا” وقال بنبرةٍ لا تقبل المزاح:
_بقولك إيه اللِ يفكر بس يضا’يقك ولا يحر’ق د’مك إنسـ.ـفه مِن على و’ش الأرض ولا يهمك وأخوك وراك.
_سؤال هنا بقى، أنتَ محامي أزاي بعُنـ.ـفك دا؟.
هكذا با’غته “بيشـوي” بسؤاله وهو ينظر لهُ نظرةٍ ذات معنى مملوءة بالشـ.ـك ليجاوبه “ديفيد” في الحال منـ.ـفعلًا بقوله:
_مِن المُـ.ـر اللِ بشوفه يا خويا أسكت أنتَ متعرفش حاجة ..!!
نظر “مينـا” إلى “بيشـوي” الذي قال مترقبًا:
_بس فكك أكيد بيجيلك مُزز بقى، عينك مبتز’وغش؟.
كان السؤال خـ.ـبيثًا أكثر مِن كونه مستفسرًا، نظر “مينـا” إلى الآخر مترقبًا رده الذي إما أن ينـ.ـصفه أو يُلقـ.ـي بهِ إلى الهلا’ك، بينما “ديفيد” فقد نظر إلى كلاهما سويًا يرى الترقب مِن “مينـا” والخـ.ـبث مِن “بيشـوي”، اعتدل في جلسته ومد كفه لجواره ممسكًا الوسادة بهدوءٍ شـ.ـديد وقال بنبرةٍ هادئة:
_مكيـ.ـدة حلوة برضوا، بس أنا مش “سوسن” يا روح امك.
أنهى حديثه وهو يضر’به بها بوجهه لترن ضحكته في المكان قائلًا:
_بنجـ.ـس النبـ.ـض يا متر مالك قفـ.ـشت كدا ليه.
_على طول بسمع عن شيطا’ن الإ’نس، بس أول مرَّة أشوفه.
هكذا جاوبه “ديفيد” لينظر لهُ “بيشـوي” قائلًا:
_لا معلش أنا لا أسمح، لو هتتكلم عن شيطا’ن الإ’نس هتبقى عمّة مرات “مينـا”.
_فدي عندك حق وأتفق معاك فيها.
هكذا جاوبه “مينـا” بعدما أرضته جملة “بيشـوي”، نظر “ديفيد” إلى “جرجـس” الذي كان مندمجًا للغاية في اللعب ولذلك قال بنبرةٍ هادئة:
_فاكرني مش هعرف أجيبه ابن “بيشـوي”.
نظرا سويًا إلى “جرجـس” ليأتي قول “بيشـوي” التحذيري:
_لم نفسك وفكك مِن ابني يا “ديفيد”.
جاوبه “ديفيد” دون أن يحيـ.ـد بنظره عن الآخر قائلًا:
_نفسي أمسكه أهر’يه بو’س مِن حلاوته، الو’اد مش شبهك يا “بيشـوي” أنتَ متأكد إنُه أبنك؟.
_ابني يا عمّ مالك، هو طالع لأمه.
هكذا جاوبه “بيشـوي” بعد أن نظر إلى صغيره الذي بدأ يضحك بعد أن ترك اللعب وأختار فيلمه الكرتوني المفضل لمشاهدته، نهض “ديفيد” واقفًا ثمّ اقترب مِنْهُ بخطى هادئة وجاوره في جلسته وهو يفرد ذراعه على مسند الأريكة وهو ينظر إلى شاشة الجهاز ليرفع “جرجـس” رأسه ينظر لهُ ثمّ أبتسم بسمةٌ ما’كرة وقال:
_مش بلعب جيت كرتون مش هتخسـ.ـرنِ تانِ خلاص.
أبتسم “ديفيد” بعد أن نظر لهُ ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_لا خلاص أنا جاي اتفرج معاك.
بدأ “ديفيد” يشاهد الفيلم مع الصغير الذي كان يضحك بين الفينة والأخرى كلما جاءت جزئية مضحكة، بينما كان “مينـا” ينظر إلى زوجته التي كانت تشهر بهاتفها إلى شقيقتيه تترقب رأيهما بحما’سٍ شـ.ـديد، ولذلك أبتسم وألتزم الصمت وأكتفى بمتابعة هذه اللوحة الفنية التي أصبحت لهُ.
________________________
<“عاد الشـ.ـر لهم زائرًا، مقررًا الانتقا’م لنفسُه.”>
عاد لينتـ.ـقم، عاد ليحر’ق الجميع،
عاد الر’جُل المقنع للثأ’ر لنفسُه بعد أن تم خد’اعه في السابق واستغلا’له، عاد لشيءٍ واحد فقط، عاد لينتقـ.ـم..
كان يقود سيارته منذ قرابة الساعتين حتى عاد إلى نفس المنطقة التي جاءا لها بالأمس أولاد عمومته لإعادته، صف سيارته السو’د’اء بعد أن وصل إلى وجهته المنشودة ينظر إلى بِنْاية محددة بنظرته الحا’دة التي لا تنوي سوى الشـ.ـر إلى الجميع، ترجل مِن سيارته دون أن يحيـ.ـد بنظره عن هدفه مغلقًا الباب ثمّ بدأ يتقدَّم مِنهم بخطى هادئة مرفوع الرأس وكأنه لا ينوي على شـ.ـرٍ لهم، يتذكّر ما رآه منذ هذا الحا’دث اللعين حتى أر’تماءه في أحضانها منعمًا وكأنه وُولِدَ مِن جديد..
وقف أمامه على مسافة وجيزة واضعًا كفيه في جيوبه وهو ينظر لهُ دون أن يتحدث، بينما كان الآخر يتحدث في الهاتف موليًا إياه ظهره، يرى ماضيه، كيف كان يسر’ق، ويطـ.ـعن دون أن يقتُـ.ـل، وكيف كان يُهر’ب الممنو’عات مجبـ.ـرًا، كان النسخة الأسو’أ مِنْهُ وكلما تذكّر نفسُه في تلك الفترة يشـ.ـمئز مِن نفسُه، أخرج كفه الأيمن ببطءٍ بحقـ.ـنة صغيرة الحجم بعد أن عزم على تنفيـ.ـذ ما آل بخاطره، فصـ.ـل المسافة بينهما بخطواته الهادئة التي كانت تُشبه خطوات النمـ.ـر الذي يستعد لاصطيا’د فريسته..
بينهما سنتيمترات تفصـ.ـلهما عن بعضهما، هذا عزم على التنفيـ.ـذ وهذا كان غا’فلًا عن ما سيأتي بعد ثوانٍ، وبحركة سريعة حاوط عُنُـ.ـقه بذراعه الأيسر وبالأيمن قام بغر’ز الإ’برة في عُنُـ.ـقه سامحًا لهذه الما’دة التي بداخلها أن تنتشـ.ـر في جسـ.ـده مثلما تشاء، أستكا’ن فجأة مجحظ العينين للحظات ثم هوى جسـ.ـده أرضًا بعد أن شَعَر بقدميه لا تحمـ.ـلان ثقـ.ـل جسـ.ـده..
_تؤ تؤ تؤ، يا حرام عالزمن لمَ يعيد نفسُه تانِ وتشرب مِن نفس الكاس اللي شرّبت مِنُه غيرك.
هكذا همس بفـ.ـحيحٍ وهو يراه يتذوق التعذ’يب أمامه ولا يقدر على إسعا’ف نفسُه، وبلحظة رأى مكانه هذا الطفل المسكين الذي كان مكانه يومًا وتلقى هذا العذ’اب أمام عينيه وهو حينها لم يكُن يمـ.ـلُك شيئًا ليفعله، ولكن الآن هو يستطيع فعل ما يحلو لهُ وينتـ.ـقم لمئات الأطفال الذين تلقوا العذ’اب على يديه المتسـ.ـختين، ألتفت “شريـف” بخطى هادئة حوله حتى يراه وهو يُعا’نِ، ليرى مفعول الما’دة بدأ يعمل داخل جسـ.ـده مِن تعبيرات وجهه وإلتو’اء فمه ويده..
نظر لهُ وجحظت عيناه حينما رآه أمامه مِن جديد، ولكن هذه المرة ليس بصبيٍ لهُ، بل سيدًا له، أتسـ.ـعت البسمة على ثَغْره بأتسا’عٍ وهو ينظر لهُ متشـ.ـفيًا، تصنع الشـ.ـفقة وهو يهمس لهُ بأ’سىٰ ز’ائف:
_يا عينِ، عا’جز عن الحركة، زي “إبرام” بالظبط، الطفل اللِ ضـ.ـحىٰ بجسـ.ـمه وأحلامه وحياته على إيد واحد ز’بالة زيك، معد’وم الر’حمة والإنسا’نية، فاكر “إبرام” مش كدا؟ كان مكانك مِن سنة ونص، ضـ.ـحية لسا’دي زيك بيفرح وهو بيسمع صر’يخ اللِ قدامه وهو بيتو’جع، أنا بعد سنة ونص راجع أنتقـ.ـمله، وعهد الله كُل واحد فيكم هيدوق العذا’ب اللِ عذ’ب بيه غيره، وهنشوف هتستـ.ـحملوا ولا هتمو’توا زي ما في أطفال وشبا’ب صغيرة ما’تت.
إستقام في وقفته ثمّ ابتعد عن مر’ماه ليظهر الطفل “إبرام” على مقعده المتحر’ك رِفقة والدته التي كانت تنظر لهُ بعينين تشتـ.ـعلان بالحقـ.ـد والإنتقا’م، لا را’ئفة ولا شـ.ـفقة لأجله والعَبرات تُغلف مُقلتيها، بينما كان “إبرام” ينظر لهُ وهو راضيًا كُلّ الرضا عن عودة حقه مِن هذا الذ’ئب الذي فشـ.ـل في الانتقا’م مِنْهُ، عاد اليوم “شريـف” للثأ’ر لأجله، نظر لهُ يرى الفرحة في عينيه ثم قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_إيه رأيك يا “إبرام”؟ مَر’ضِ يا حبيبِ؟.
نظر لهُ “إبرام” بوجهٍ مبتسم والعَبرات تلمع في المُقل يُعطيه جوابه الذي أسعد “شريـف” وجعله ينظر لهُ مبتسم، تركهم ورحل منتويًا على اصطيا’د الفريسة التالية بعد أن استيقظت رو’ح الانتقا’م بداخله وقد عاد الإجر’ام يرتسم على وجهه مِن جديد معلنًا عن عودة الو’حش للانتقا’م، وصل إلى مخزن آخر يبعُد أمتارًا قليلة عن الآخر ليرى ثانِ أوجه الشـ.ـر أمامه..
يقومون بتعذ’يب الشبا’ب وإجبا’رهم على تناول المو’اد المخد’رة حتى يُد’منوها ولا يستطيعون إيقافها ويحر’موهم هم مِنها ويُلقـ.ـونهم في غرفة فارغة أر’ضيتها أسمـ.ـنتية حتى يمو’تون بداخلها وتُصبح أجسا’دهم جـ.ـثثًا بلا ر’وح، كان يتأكد مِن البضا’ئع التي نُقِـ.ـلَت إلى السفينة قبل أن تتحرك إلى بلاد أخرى ويكتسبون مِن خلفها ملايين الدولارات..
_”أفيونة ..!!”
صا’ح بهِ بصوتٍ صا’رم خشـ.ـن ليلتفت المدعو “أفيونة” خلفه يراه يقف أمامه شامخًا مرفوع الرأس يُطالعه بنظراتٍ تنوي على الشـ.ـر، وقف الآخر أمامه شامخًا كذلك قائلًا بنبرةٍ ساخرة:
_أهلًا بالحلو اللِ هر’ب زي النسو’ان ورجع تانِ لقـ.ـضاه دلوقتِ، كويس إنك جيت، عشان المرة دي مش هتعدي بالساهل كدا.
_مش قبل ما تعرف أنا راجع ليه؟.
هكذا سأله بنبرةٍ ما’كرة وهو ينظر لهُ مبتسم الوجه، أبتسم “أفيونة” وقال بنبرةٍ ساخرة:
_راجع ليه يا حـ.ـيلتها، فكرّت فيها ولقيت نفسك مشـ.ـتهي الشـ.ـم.
أ’لقى “شريـف” نظرة على الشبا’ب الصغار ذو الأعمار المختلفة المنتشـ.ـرين في المكان هُنَيْهة ثمّ عاد ينظر إلى الآخر بعد أن رأى حالة هؤلاء الشبا’ب أصبحت أسو’أ ليجاوبه بنبرةٍ حا’دة بقوله:
_لا يا را’جل حاشا لله، أنا أشرب سجاير آه، إنما أضر’ب حـ.ـقن لا، بس عندي ليك مفاجأة هتجيب أجـ.ـلك قدامِ دلوقتِ إن شاء الله.
تعجب “أفيونة” وأصا’بته الر’يبة بعد أن أستمع إلى هذه النبرة الما’كرة ورأى تلك النظرة القا’تلة، وبرغم تو’تره أرتدى قناع البر’ود وقال:
_إيه هي بقى المفاجأة.
ألتفت “شريـف” عائدًا خطوات قليلة ليقف بجوار الجدار جاذ’بًا ما يمكث خلفه ثمّ عاد لهُ وهو يرى عينيه مجحظتين بصدمةٍ حقيقية بعد أن رأى ولده أمامه حاله كحال هؤلاء الشبا’ب الذين يُجبـ.ـرهم لتناول المو’اد المخد’رة، وقف مكانه مجددًا ممسكًا بالشا’ب الصغير وقال بنبرةٍ قا’سية:
_إيه رأيك فالمفاجأة الحلوة دي، أبنك اللِ حـ.ـيلتك واللِ كُنت هتمو’ت عليه عشان يكون معاك فالدُنيا أهو، شوف أنتَ سعيت قد إيه عشان تحافظ عليه ومينحد’رش لسكتك الـ**** دي، أهو جه واحد ابن حر’ام جـ.ـرّه فالطريق لحد ما بقى إد’مان، أبنك حالته للأسف متقبـ.ـلش علا’ج عشان خلاص، شويه ويروح للِ خـ.ـلقه ضحـ.ـية لأعمالك الـ**** فولاد الناس.
كان “أفيونة” مجحظ العينين قلبه يخفق بعـ.ـنفٍ داخل صدره وهو ينظر إلى ولده الذي كان يُريد جر’عة أخرى ولا يقد’ر على المقا’ومة، فصـ.ـل المسافة بينهما جا’ذبًا ولده إلى د’فء أحضانه متفـ.ـحصًا إياه بهـ.ـلعٍ وهو يصر’خ بهِ قائلًا:
_إيه دا، إيه اللِ عملته فنفسك دا، ليه كدا، ليه كدا ..!!
كان مصدومًا ولا يُصدق ما تراه عيناه، كان ولده بالفعل في مر’احله الأخيرة وحيا’ته تتو’قف على جرعة واحدة، جاء صوت “شريـف” يكسـ.ـر حِدَّ’ة هذا الصمت بقوله:
_كُلّ ساقِ سيُسقى بما سقى حتى لو بعد حين يا “أفيونة”، وأديك بتشرب السـ.ـم اللِ شرّبته للشبا’ب الصغير دا بكُلّ قسو’ة ومفكرتش فأبنك اللِ مسيره هيكون مكانهم فيوم، جه اليوم المو’عود، وكُلّه هيدفع الضر’يبة.
هكذا كتب البداية في الأمس، واليوم يكتب آخر سطر في هذه القصة التي كانت ملـ.ـطخة بالسـ.ـموم القا’تلة، كانت تحتاج إلى مجيء اللحظة المناسبة ليدفع كُلّ مَن أخـ.ـطأ ضر’يبته.
_____________________________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)