روايات
رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم مريم محمد غريب
رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم مريم محمد غريب
رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت التاسع والعشرون
رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء التاسع والعشرون
رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة التاسعة والعشرون
_ أروي لك قصة ! _
أجفلت بارتباكٍ و هي تدير رأسها لتنظر نحو “رزق” الذي ظهر بالصورة فجأة، و الله وحده يعلم ماذا إلتقطت أذنيه بهذه اللحظات القليلة… تعبيرات وجهه الواجمة مبهمة للغاية.. لم تستطع فك شيفرتها الآن
إلى جانب صدى كلمات و شكل ذاك الحقير الذي يقف مقابلها بالجهة الأخرى أمام باب الشقة، إتقدت النار في كيانها من جديد عندما تذكرت هذا كله …
لم تتحمل حتى مع خطورة المغامرة بانكشاف كل شيء، و مع إثارة إثبات خطأ ظنه بأنها لن تجرؤ على فضح نفسها من قبله هو، تملكها جنونٍ تام و هي تلتفت ناحية “عزام” ثانيةً هاتفة بوحشيةٍ :
-منغير ما تتشاهد على روحك.. استمتع برحلة ذهاب بس لجهنم. جهنم إللي تناسب أمثالك. مكانك يا عزاااام يا وديـــدي …
إنقلب وجه “عزام” خلال سماعه كلامها، إذ بدت على قدر كبير من الجدية، لا تمزح فعلًا.. و بالفعل صدق الآن بأنه هالك و ظل جامدًا بمكانه حيال جنونها و سلاحها المعمّر الجاهز على الإطلاق فقط !!!
-إيه إللي بتعمليه ده يا مجنونة ؟؟؟
صاح “رزق” بهذه العبارة و هو يفاجئها من الخلف مطوقًا خصرها بذراع.. و بالآخر يمسك بيدها القابضة على السلاح …
صرخت “ليلة” عندما أعجزها هكذا و جردها من السلاح بسهولةٍ :
-إوعــــــى.. سيبــــــني.. هاقتلــــــه !!!
رزق باستنكارًا لا يخلو من الغضب :
-تقتلي مين ؟؟؟
و ليه ؟
مين ده أصلًا ؟؟؟؟
و صوّب نظراته الفتّاكة نحو الرجل الأصلع الشاحب و سأله بخشونةٍ و هو لا يزال يمسك بزوجته التي بدت كممسوسة :
-إنت مين يا راجل إنت. إنطــــــق ؟؟؟؟؟؟
خرجت الكلمة الأخيرة من فمه بصيحةٍ فجّة تسببت في ذعر الأخير و هو يرد عليه بتوترٍ ملحوظ :
-آ أنا عزام الوديدي. أنا أبقى خال ليلة.. أخو أمها. آه و الله خالها !
رمقه “رزق” بنظرة مشككة و قال بلهجة هجومية محضة :
-و لما إنت خالها عاوزة تقتلك ليه و رافعة عليك السلاح ؟!!
تفاقم إرتباك “عزام” فقال مدعيًا ليخرج من المأزق بأيّ شكل و قد ندم على مجيئه فعليًا :
-أنا عارف ! دي أصلًا بت مجنونة. عندها لطف من يوم أمها ما ماتت. أي حد تشوفه تبقى عايزة تموته حتى خالها. المجنونة !
-أنا مجنونة يابن الـ××× !!! .. غمغمت “ليلة” و هي تتلوّى بعنفٍ بين ذراعيّ “رزق”
لكنها لم تفلح بالفكاك منه أبدًا، صاحت بغضب شديد :
-سيبني يا رزق.. بقولك سيبني …
لم يتركها و لم يجد حلًا أرجح و أكثر تعقلًا مِمّ خطر على باله الآن، فإذا به يتخطو بها إلى الطرف الجانبي قليلًا و هو يأمر “عزام” بغلظةٍ :
-عدي. عدي يلا إمشي.. إمشي و ماشوفش وشك هنا تاني سامع ؟!
أومأ له “عزام” و هو يعدل نظارته الطبية فوق أنفه، و أخذ يدور حول سور الدرج باحتراسٍ حتى وصل عند مقدمته، فأطلق لساقيه الريح و هو يهبط بسرعة البرق
بينما “ليلة” تراقب هذا حرفيًا كالمسعورة …
رغم ذلك، كان من السهل السيطرة عليها، لكن الأمر الذي أزاده حيرة و ذهولًا هو مدى إهتياجها حتى الآن بين ذراعيه و مصارعتها إياه بهذه الضراوة، حتى هو يطبق عليها مكبلًا جزعها العلوي تمامًا
لكنها لم تتوقف لحظة عن الركل بقدميها بكيفية عشوائية للأمام و الخلف صارخة بهستريا :
-ماتسيبوش يمشي.. ماتسيبوش يمشي ونبي. لازم يموت.. لازم أقتله. خلاص مش قــادررررة.. لازم أقتـــــلـه !!!!!
أدرك “رزق” في هذه اللحظة أن أيّ سبيل للعنف أو السيطرة لن يجدي معها، بل و يمكن أن يأتي بنتيجة عكسية، فبدل أن ينتزع منها أجوبة على أسئلته في التو
وجد نفسه يضمها إليه أشد بحنانٍ أكثر منه قوة و هو يهمس لها مهدئًا :
-طيب طيب.. إهدي. هاعملك إللي إنتي عاوزاه. إللي إنتي عاوزاه أنا أعملهولك و الله.. بس إهدي. كل إللي إنتي عاوزاه هايحصل. لما تهدي و نتكلم.. أوعدك.. خلاص ؟ إتفقنا !
خلال ثوانٍ، لم تصدر عن “ليلة” أيّ ردة فعل سوى الانتحاب و الأنين المتألم كطفلٍ يستجدي عطف أمه… مع سماعها لكلماته.. التي كانت مؤلمة و مهدئة في آنٍ… تمامًا مثل المخدر
إستطاع أن يروّضها بمنتهى البساطة، لكنه لم يتركها من بين يديه، حتى عندما لمح عمه “عبد الله” يصعد الدرج تجاههما، أبقاها كما هي معلقة به هكذا، ٤دماها لا تلمسان الأرض …
-إيه إللي حصل يا رزق ؟ .. تساءل “عبد الله” بشحوبٍ و هو ينقل نظراته بين كلًا من “رزق” و “ليلة”
-الراجل إللي نزل جري على تحت كنا هانمسك فيه. فكرناه عمل حاجة لليلة لولا أبوك زعق و قالنا ده عزام الوديدي خالها.. و أهو ماسك فيه تحت عشان يستنى و يفهم منه إيه إللي حصل… ما تقولي يابني إنت إيه إللي حصل ؟!!!
كان “رزق” ينظر إليه بذات التعبير المبهم، حتى أحس برأس “ليلة” يميل فوق صدر.. أخفض وجهه لينظر إلى عينيها الدامعتين، تبيّن فيهما نظرة خوف غريبة، لكنه فهم مفاد الرسالة التي حاوت إيصالها إليه …
-مافيش حاجة يا عمي ! .. هتف “رزق” مقدمًا الجواب الصارم لعمه
ثم رفع عينيه نحوه و قال بنفس الاسلوب :
-مافيش حاجة !!
______________
دفع “رزق” باب شقة أبيه و ولج كهبة إعصارٍ عاتٍ …
كان “سالم” يقف بمنتصف الصالون المقابل سادًا عليه رؤية الزائر المريب، ما إن شعر بوجوده حتى إلتفت نحوه على الفور هاتفًا :
-هه. تعالى يا رزق.. جيت في وقتك !
-مين الراجل ده يا بويا ؟؟؟ .. استوضح “رزق” بلهجة تكنف نبرة شرسة و هو يشير بسبابته نحو الرجل المذعور بالخلفية
رفع “سالم” كفه ليضع حدودًا لإبنه قبل أن يفكر بتجاوزه ليصل إلى ضيفه، ثم قال بحزمٍ :
-ده يبقى عزام الوديدي خال ليلة بنت آ ا …
-عارف إنه زفت خال ليلة بنت عمي ! .. صاح “رزق” مقاطعًا بانفعالٍ، و أردف و هو يوّجه نظرة نارية لشخص “عزام”
-اسئله إيه إللي يخلي بنت أخته ترفع عليه سلاح.. دي كانت هاتموته قدامي لولا لحقتها !!!!
إستدار إليه “سالم” في الحال عابسًا، ليبرر الأخير من فوره و هو يلعن نفسه بداخله ألف مرة :
-زي ما قولتلك يا معلم سالم. البت من يوم وفاة أمها و أنا عارضها على أكتر من دكتور نفسي.. هي رابطة موت المرحونة بيا. دي الحالة بتاعتها. بتخليها تتخيل حاجات ماحصلتش. الأدوية إللي كانت بتاخدها و هي عي كانت بتخفف الأعراض دي. بس واضح إنها بطلت تاخدها من ساعة ما جات عندكوا !
بدا “سالم” أكثر إقتناعًا بهذا الكلام، فارتاح “عزام” قليلًا لنتائج مجهوداته المواتية، حتى هب صوت “رزق” فظًا مستنكرًا في هذه اللحظة :
-و المفروض إني أصدقك الكلام الفارغ ده صح ؟!!!
تلعثم لسان “عزام” و هو ينظر بمهابة إلى ذلك الكيان الضخم الجذاب و المخيف في آنٍ …
لم يستطع عليه ردًا، فالتفت إليه والده و قال بهدوءٍ صارم :
-رزق.. و بعدين !
مش طريقة حوار دي. و قاطعتني في الأول. مالك ؟
رزق باستهجانٍ : بصراحة مش داخل عليا الدور ده. حالة نفسية إيه و دكاترة إيه. إنت ماشوفتش إللي أنا شوفته يابويا !!!
سالم و هو يضرب كفًا بكف متعجبًا :
-هاتكون شوفت إيه يعني يابني ؟!
الراجل قالك إللي حصل في بيته. إيه إللي يشكك في كلامه يعني. و لا إنت مابتصدقش الطب.. عيب عليك يا رزق ده إنت دارس و مثقف !!
إنتابته العصبية و هو يرد عليه متشنجًا :
-ما هو عشان أنا دارس و مثقف بقولك الراجل ده كداب.. بصله كده. بصله و شوف وقفته و رعشة إيديه. حتى نظرته …
-كل ده من هيبتك يا معلم رزق ! .. نطق “عزام” مبديًا حياله نظرة خضوعٍ، و أكمل بابتسامة سمجة مثله :
-يعني مش عارف مين إللي يقدر يقف قدامك و مايهابكش.. ما شاء الله. كأني واقف قصاد المعلم سالم الجزار في شبابه !
أطربت كلماته أذنيّ “سالم” فابتسم و هو يعاود النظر إليه من جديد قائلًا :
-جايز تقدر تاكلني بالكلمتين دول يا عزام. بس رزق إبني مش بتاع كلام.. هو شكله واخد موقف منك من إللي شافه فوق. ف معلش إنت مضطر تتحاشاه خالص هو و ليلة الفترة دي.. و بعدين لينا كلام تاني أكيد
أومأ “عزام” مؤكدًا :
-يا كبير أنا تحت أمرك.. أنا جيت بس لاجل عضم التربة و عشان هي بنت أختي و الخال والد. مهما تعمل فيا ليلة أنا بسامحها. أنا شوفت منها و معها كتير و عارف إنها ماتقصدش. ده أنا إللي مربيها !
و إنخرطا الرجلان في حديثٍ مقتضب أخير تحت أنظار “رزق” العابسة إلى حد الرعبة …
______________
نفس التجمع و لكن أقل بكثير… كان بشقة “رزق” و “ليلة” الآن
كلًا من السيدة “عبير” و “نجوى”.. حتى “سلمى” الصغيرة، جميعهن يقفن حول “ليلة” التي جلست كالمغماة فوق كرسي الصالون العصري لا تفه بكلمة
فقط نظراته مثبتة بالفراغ أمامها …
تزامنًا مع دخول “رزق” إلى الشقة، وصل مسامعه بعضٌ من الحوار النسائي.. إذ قالت “عبير” و هي تمسح على رأس “ليلة” :
-دي عين و صابتنا و الله.. مش معقول يا ربي كده. إمبارح فاطمة. و أنهاردة ليلة !!!
لترد “نجوى” بأسى واضح :
-بناتنا مش مكتبولهم الفرحة باين يا عبير.. يا ترى إيه إللي نابك يا ليلة إنتي كمان !!
-إحــم ! .. هكذا تنحنح “رزق” منبهًا لحضوره
لتلتفت نحوه السيدتان و تهتف “عبير” فورًا :
-تعالى يا رزق.. خش يا حبيبي
خطى “رزق” إلى الداخل أكثر و هو لا يرى سواها هي، و هي كأنما صنم دبت الحياة به، ما إن لاحظت حضوره، تنفست بعمق و أرسلت إليه نظراتٍ حيّة لامعة …
-إيه الأخبار يا أبلة عبير ؟ .. قالها “رزق” عندما صار أمام الكرسي الذي تجلس فوقه “ليلة” مباشرةً
ردت “عبير” رابتة على خد الفتاة المسكينة :
-أهي يا حبيبي. زي الفل قدامك.. إن شاء الله مافيهاش حاجة. كفاية بس تفضل إنت جمبها. مش شايف أول ما حست بيك روحها ردت فيها إزاي ؟!
هز “رزق” رأسه دون أن يحيد عن زوجته، ثم إنحني صوبها قليلًا و أخذ يرتب بيده خصيلات شعرها المنسدله حول وجهها متمتمًا :
-إنتي كويسة ؟ أخدك للدكتور ؟!
بالنفي هزت “ليلة” رأسها …
ليقفز صوت “نجوى” الآن آمرًا :
-طيب يلا بقى يا عبير. يلا يا سلمى إنتي كمان.. نسيبهم لبعض بقى. و إنت يا رزق يا حبيبي لو احتاجت حاجة نادي صوت عليا أو على مرات عمك. نطلعلك في ثانية
شكرها “رزق” بصوته العميق :
-الله يخليكي يا مرات عمي.. إن شاء الله مايجبش حاجة وحشة
-إن شالله يا حبيبي. يلا بالإذن إحنا !
و خلال لحظاتٍ …
صارا بمفردهما تمامًا مرةً أخرى
و لكن “ليلة” لم تكن تنظر إليه الآن، و كأنها تعيد النظر بالكلمة التي أعطته له.. إلا إنه هو لم يكن ليسمح لها، خاصةً بعد الذي حدث كله أمام عينيه …
-كنت عارف من بدري إن في حاجة ! .. غمغم “رزق” و هو يودع يديه بجيبي سرواله الداكن ناظرًا إليها من علو
إستحسن عدم نظرها إليه في هذه اللحظة لئلا رأت تعبير وجهه القاس فامتنعت عن الكلام …
تنهد “رزق” بعمق و هو يرفع كفه ليفرك به وجهه محاولًا تبديل هذا القناع المخيف، إلتفت خلفه و شد منضدة الصالون ليجلس قبالتها وجهًا لوجه
جلس على طرف المنضدة و مد جسمه للأمام نحوها، ثم قال بصوتٍ اجتهد ليبدو محايدًا :
-كنت عارف إنك مخبية حاجة. بس إيه هي !
بصراحة غلب حماري.. مش جاية معايا خالص مهما حاولت ظني بيخيب. و بالذات دلوقتي.. بقيت متأكد أكتر من الأول إن الاجابة الصح عندك إنتي بس… بصيلي يا ليلة !!!
إرتعشت بوضوح عندما نطق إسمها بهذه الطريقة المنفعلة و المترفقة في آنٍ …
لكنها أطاعته في الأخير… نظرت إليه، فطالعها بريق أزرق متماوج من حدقتيه الواسعتين… فتحت فمها بآلية و خرج صوتها مختلجًا بنشيجٍ محبوس بصدرها :
-عايز تعرف إيه يا رزق ؟
رزق بتصميمٍ قاسٍ :
-كل حاجة !
لا تعرف كيف بزغت الابتسامة فوق محياها في ظرفٍ كهذا… لكنها بالواقع لم تكن ابتسامة بالمعنى المألوف.. بل ردة فعل ذاتية مبنية على السخرية من الذات و التحقير من شأنها كليًا
لتفعلها قبل أن يفعلها هو …
سحبت “ليلة” نفسًا عميقًا و هي تمد جسمها بدورها نحوها، ثم قالت باسلوبٍ بث الحماسة و كأنها بصدد سرد حكاية لطفلٍ شغوف :
-أوكي.. يبقى إسمعني كويس.. هاحكيلك قصة !
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)