رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة البارت الخامس والخمسون
رواية شظايا قلوب محترقة الجزء الخامس والخمسون

رواية شظايا قلوب محترقة الحلقة الخامسة والخمسون
كيف لقلبٍ واحدٍ أن يحتوي أنثى مثلك؟
وأنتِ تضجين بالعذوبة حتى ليخجل الورد من عطرك!
كلُّ تفاصيلكِ تقول: لا يكفيني عاشقٌ واحد،
ولا تكفيني لغة واحدة،
ولا يتّسعني وصفٌ من حروف البشر.
في عينيكِ يسكن دفء القصائد،
ويتهادى فيها الحنين كنسيمٍ عابر فوق صدر القصبة،
كأن الله حين خلقكِ، أسرف في الجمال،
ثم خبأ فيكِ فتنة الأرض وطمأنينة السماء.
شعركِ؟
ليس سوى ليلٍ ناعمٍ يتدلّى من بين كفوف الغيم،
تتشابك فيه النجوم،
وتنحني له الريح احترامًا.
ووجهكِ…
وجهكِ مرآة القمر حين يتجمّل ليلاً،
وسرّ النور حين يهرب من الشمس خجلاً.
أقسم، لو امتلكتُ ألف قلب،
لما اكتفوا بكِ،
ولظلّ قلبي، كلّ يوم،
يشتاقكِ كأنما يراكِ للمرة الأولى.
قبل بداية القراءة
ارجو عدم الاعتراض على الاحداث، اولا انا أعلنت فيه جزء تاني، وكنت ناوية اخلصهم ورا بعض، لكن البعض قال عايزين نجدد بقصة جديدة، وانا طبعا دائما عند حسن ظن فانزي ..وعملت اللي حبيتوه
المهم اللي عايزة أوضحه مش شرط علشان الخاتمة تبقى كلها حب واحتواء، قولت قبل كدا افكار الرواية من الواقع، عامة انا معظم رواياتي بتكون أكثر واقعية، علشان كدا بتكون حزينة لأننا للاسف واقعنا مليان بالألم والوجع ..فرجاء حبيباتي ثقوا فيا الرواية حلوة جدا والله وكانت تستاهل اكتر من كدا، دي تخلص على ٨٠ فصل ابطالها كتير، وقصصهم مختلفة ، المهم كملوا قراءة ومنتظرة ارئكم اللي بتسعدني، والله متقبلة كل الآراء سلبي وإيجابي بدل في حدود الرواية
ولو الفصل دا جاب فووووت اكتر من 3000 لقبل العيد ممكن اكمل على طول الجزء التاني أما بقى لو لقيت زهقان زي مالاحظت من البعض يبقى نأجلها زي عشق لاذع كدا لما اجلتها ونزلت بعازف اللي كسرت الدنيا، رغم القلوب المريضة اللي حاولت توقعها
انتوا اللي تختاروا ..انا مجرد بكتب علشان اسعادكم مش اكتر ماليش اجبركم على نوع معين وزي ماقولت حسب الإقبال هنشوف
بمنزل إلياس
صعد إلى غرفتهِ وهو يشعر بنيرانٍ تتصاعدُ من قدمه، كأنَّ كلَّ خطوةٍ تلسعهُ لهيبًا، دلف إلى الحمَّامِ دون تفكير، فتح الماءَ البارد ووضعَ قدمهِ تحتها، لا ليريحَ الألمَ فقط، بل ليواري الضعفَ المتسلِّل داخله، تطلَّعَ إلى الإحمرارِ الذي اجتاحَ بشرته، زفر، ثمَّ التقط المنشفةَ وبدأ يجفِّفُ بهدوء..
خرج يجرُّ قدمهِ جَرًّا، في تلك اللحظة أطلَّت ميرال تحملُ حقيبةَ إسعافاتٍ أولية، تنظر اليه بملامح مشوبةٍ بالقلق، فأردفت بصوتٍ ناعم، إلَّا أنَّه حاسمًا:
-اقعد…خلِّيني أشوف الحرق وصل لحدِّ فين.
لم يُجادلها، جلس على طرفِ السرير، وأسند رأسهِ إلى الإطارِ الخشبي، مغمضَ العينين وقال:
-مفيش حاجة…أنا برَّدته، والمية مكانتشِ سخنة أوي.
جلست أمامه، وسحبت قدمهِ برفق لتضعها فوق ركبتيها، وكأنَّها تتعاملُ مع طفلٍ رضيع، لا مجرَّد إصابة… فتحت الكريم وبدأت تفردهُ بأطرافِ أصابعها بلطفٍ بالغ، تحاولُ أن تسحبَ بهم حرارةَ الألم..نظرت إلى عينيهِ المغلقة وقالت:
-ده كريم أقوى، ومش هيترك أثر… الحمدُ لله إنَّك كنت لابس الجزمة.
لم يرد، ظلَّ كما هو، بينما هي تفردُ الكريم بكلِّ حنانٍ ولطف، رفعت قدمه ونفخت هوائها بأنفاسها كي تلطِّفُ حرارةَ قدمه، فتح عينيهِ فجأة، وجدها بالقرب من فمها، سحب قدمهِ ببطء:
– بتعملي إيه؟
توقَّفت، ثمَّ رفعت عينيها إليهِ وقالت بهدوء:
– مفيش…بس حسِّيت إنِّ حرارته عالية، وكنت بحاول أوصَّل له شوية هوا.
رمقها بنصفِ ابتسامة، وأشار إلى قدمه:
– دي رجلي على فكرة.
ضحكت بخفَّة، وهزَّت كتفيها ببراءة:
– عارفة…ماأنا شايفاها.
-بس أنا مابحبِّش مراتي تعمل كده، إنتي مراتي، ومينفعش تلمسي رجلي بالشكلِ ده.
سكت، ثمَّ أشار إلى جانبهِ بإيماءةٍ صغيرة، ونطق بنبرةٍ مداعبة:
– تعالي جنبي، وأنا أقولِّك الحتَّة الِّلي فعلاً مولَّعة.
نظرت إليه، بعيونٍ ممتلئةٍ بالدهشة:
– إنتَ..اتحرقت في مكان تاني؟!.
ابتسم ابتسامةً غامضة، ووضع كفِّهِ على صدره:
-آه…قلبي دخَّن منِّك ياميرال..تعالي طفِّي حرقه.
-قلبك محروق منِّي!!
ابتعد بنظرهِ عن مرمى عينيها التي تضعفه، يشعر بأنَّه سيقعُ شهيدًا لهذا الحب..
سحبت قدمهِ مرَّةً أخرى وبدأت تنفخُ عليها، اتَّجه بنظرهِ إليها سريعًا:
-إياكي تعملي كدا تاني.
زحفت نحوهِ ببطء، وهمست بصوتٍ بالكادِ يُسمع:
– بس أنا مراتك و مفيش فرق بيني وبينك، أشار بيده:
– إلَّا في الحاجات اللي تمس كرامتك، إنتي مش جارية..
-واللي تعمل كدا تكون جارية ياإلياس!.
-ميرال..أنا مبحبش كدا..مكانك في حضني وجوَّا قلبي مش تحت رجلي بالشكل دا
ترقرقت عيناها بالدموع تهمسُ له:
-بجد!.
-عندك شك في كدا، لو لسة بتشكِّي تبقى مصيبة، وكأنِّنا بنرجع لنقطة الصفر.
-لا ياحبيبي مش قصدي اللي فهمته، قصدي أنا حاجة كبيرة أوي كدا، شايفني أستاهل المكانة دي؟.
-ومحدش غيرك يستاهلها، خلِّيكي واثقة في كدا.
-واثقة وأوي، بس بحبِّ أسمعها منَّك، عايزة أجمَّع كلمات كتير أوي تطلع منَّك عفوية وخاصَّةً اعترافك بحبُّي، صمتت ثمَّ سألت فجأة:
كنت بتعمل إيه في المطبخ؟ وفين الخدم؟
إدِّيتهم أجازة..
-كلُّهم؟!
هزَّ رأسه، وعينيهِ لم تفارقها، وكلماتها كقطرةِ ندى على حرقه، ولكن ليس حرقُ قدمه، بل حرقَ قلبهِ من هجرها القاتل، تابع قائلًا:
-كنت عايز أصالح مراتي اللي زعلانة منِّي بقالها أسبوعين…قولت أعمل لها حاجة بتحبَّها، بس فشلت.
شهقت بألمٍ كاد أن يخنقها، تغمضُ عينيها ثمَّ تفتحهم على دمعٍ كالنجومِ المتلألئة وقالت:
-معقول…إنت كنت بتعمل محشي؟! علشاني؟!.
لم يرد..فقط نظر إليها، وابتسم بعينيه..
اقتربت أكثر حتى وصلت إليه، ظلَّت تتطلَّعُ إليه، والدموع تتكوَّمُ في عينيها كأنَّها تخشى أن تضعفَ وتنهار، وكرَّرت سؤالها بعدما وجدت صمته:
-إنتَ كنت عايز تعمل محشي علشان تصالحني..بجد؟!
اعتدل، والتمعت عينيه، ثمَّ مدَّ أناملهِ ليمسحَ دموعها قبل أن تهربَ من وجنتيها..وهمس بنبرةٍ متهدِّجةٍ بالعشق:
– وأعمل أيِّ حاجة… علشان أشوف ضحكتك اللي بتخصِّ إلياس..لكن المحشي عام في الأرض
ضحكت عندما تذكرت حديثه
-ازاي فكرت بالفكرة المجنونة دي، دا محشي، وكمان مابتحبوش
-بس بحبك انتي، مش دا اللي عايزة تسمعيه، سحب كفيها ووضعه على جنبه
-ميرال تعرفي رغم كنت زعلان منك علشان موضوع الكلية دي، بس احسن حاجة حصلت لي، هتصدقيني لو قولت لك سعيد علشان جوايا حاجة منك
اسف ميرال على كل وجع بسببي وكل دمعة منك علشاني .. متزعليش مني، بحاول اصلح من الشخصية اللي انت مش حباها، عايز دايمًا الشخص اللي اتمنتيه
احتضنت وجههِ بين كفَّيها، وانسابت دموعها برفق، كأنَّها لم تعد قادرة على التماسك بما يفعلهُ من أجلها، فقالت من بين شهقاتها الخافتة:
– بس أنا مش زعلانة منَّك…
ممكن أكون واخدة على خاطري، بس مش زعلانة…صدَّقني..ومين قال مش انت اللي اتمنيته
جذب رأسها إلى صدره، وقال بصوتٍ خرج عميقًا، دافئًا رغم ألمه:
– لا..زعلانة، هوَّ أنا لسه مش حافظك، مهما حاولتي تضحكي وتخبِّي، أنا شايفك…وعارف إنِّ جواكي حاجة مضايقاكي.
صمتَ لحظة، ثمَّ أكمل بصوتٍ منخفض:
– آسف…أنا بحاول زي ماقولت لك عايز أكون الزوج اللي تستحقيه، بس الشغل ضغطني، غصب عنِّي، يمكن ما بعرفش أعبَّر، بس واللهِ مضغوط من أوَّل ما اترقِّيت..
رفعت رأسها إليه، ونظرت في عينيهِ تسبحُ بنظراتِ عشقهِ لها، ثمَّ قالت:
– أنا الِّلي آسفة…
كنت تعبانة، مش منَّك بس، من كلِّ حاجة حواليا، ومضغوطة، متزعلشِ منِّي..
مدَّ يدهِ المرتجفة بشوق، ولمس وجنتيها كمن يلامسُ نبضَ قلبها باسمه، ثمَّ غرق في بحرِ عينيها كأن لا ملاذَ له سوى النظرَ إليها، وهمس بصوتٍ يحملُ كلَّ العشقِ الذي بداخله:
– حتى لو كنتي مضغوطة وزهقانة… مش أنا أولى أكون حضنِ الأمان؟ مش أنا؟
ارتجفت نظراتها، وابتعدت برأسها عن أنفاسهِ التي لا ترحمها، فارتجفَ قلبها لقربه، وتمنَّت لو يسحبها لأحضانهِ ولا يتركها سوى باختناقها، تشعر بمشاعرَ عشوائية، لا تعلم ماذا بها، تريدُ اقترابهِ وجنونِ عشقه، ولكن هناك مايعوق هذا..
-ميرال، إيه الِّلي تاعبك؟.
رفعت رأسها وانتظر حديثها،
تمتمت بصوتٍ خافتٍ يحمل وجعَ ماشعرت به من بعدهِ في تلك الايام:
– ماأنا قولت لك…الضغط مش بس من حاجة واحدة، ده من كلِّ حاجة حواليا…بس خلاص، أنا كويسة.
امال برأسه منها بهدوء، ثم رفع ذقنها بأنامله، وأجبرَ عينيها على النظرِ لعينيه، ثمَّ نطق بكلماتٍ خرجت من أعماقِ روحه:
– إنتي مش مراتي وبس، كلِّ حاجة، افهمي معنى الكلمتين دول.
مكانك هنا جوَّه قلبي، ده أمانك اللي ملهوش بديل..ومش هعاتبك علشان أنا قصَّرت معاكي..
ارتعشت شفتاها، وأخفضت رأسها، ودمعةٌ دافئةٌ انسابت بخجلٍ فوق وجنتها..
سحبها إليه بقوَّةِ عاشق، وطبع قبلةً على رأسها كانت أشبهُ بقَسَمٍ أبدي، قبلةٌ حملت كلَّ حنانه، كلَّ عشقه، كلَّ كيانه.
تماهت في صدره كقطة اليفة، ولفَّت ذراعيها حولهِ كمن وجد وطنهِ بعد تيهٍ طويل، ثمَّ قالت بابتسامةٍ باهتة:
– انا لحد دلوقتي مش مصدقة، معقول تعمل محشي علشاني؟!… على كده أنا غالية أوي.
ضحك بهدوء، واختلط صوتهِ بأنفاسهِ الحارَّة وهو يمرِّر أصابعهِ في خصلاتها بعدما تيقن أنها تحاول أن تغير مجرى الحديث، فهتف بنبرة عاشقة:
– لا ياروحي، إنتي مش غالية…
رفعت رأسها ببطء، واحتبست الأنفاسُ في لحظة، وعانقت الأعينُ بعضها بعض، وهناك حديثًا طويلًا لم يفهمه سوى العاشقين، نظرةً من عينيهما، يصرخُ بها العشق الذي انفجرَ بين الصدور، ونبضًا يتراقصُ على إيقاعِ قلبينِ أصبحا واحدًا.
وأخيرًا، بعد صمتٍ دام بينهم كأنَّه الأبد، ارتجفت شفتيها بكلمة، من
ثلاثةُ أحرف، لكنَّها حملت في طيَّاتها طوفانًا من المشاعر، حبًّا لا يُقاس، ولا يُوصَف:
– بحبَّك.
هنا…انكمش الزمن، وسكت العالم،
لتتوقَّفَ عقاربُ الساعة عن الدوران،
واختنق الكونُ في لحظةِ صمت، ليشهد على سيمفونيةٍ من العشقِ لاتعرفُ سوى احتضانِ القلوب
دقَّاتٌ على بابِ غرفتهم، ليبتعدَ عن جنَّة عشقه، يلهث، ثمَّ نهض متَّجهًا إلى الباب، وجد طفلهِ يقف يعقدُ ذراعيهِ أمام صدره:
-بقالي ساعة منتظر التشكوليت الِّلي ماما بتجبها، وفي الآخر نسيت، ماما عند حضرتك صح؟..
بالداخل، جزَّت على شفتيها بخجلٍ بعدما استمعت إلى حديثِ طفلها، أعدلت هيئتها التي بعثرها زوجها ولفَّت وشاحًا حول عنقها بعدما دلفت إلى الحمَّام وأغرقت وجهها بالمياه، تمحو أيَّ أثر من قبلاته، بالخارج
جلس على عقبيهِ ثمَّ أشار على ساقيه:
-بابا رجله اتحرقت، وماما كانت بتعالجه، بدل ماتقول لبابا ألف سلامة جاي توقف وزعلان!!
نفخ الطفلُ وجنتيهِ ثمَّ نظر إلى قدمِ والده:
-وأنا كنت أعرف يابابا، كانت نادت وقالت أيِّ حاجة أو بعتت مع النانا، بدل ماأنا اتحرقت في الشمس مع بلال بانتظار التشوكليت.. يعني مش حضرتك بس اللي تحرقت، جز إلياس على أسنانه من حديث نجله، فقال
-دا ألف سلامة يابابا، وصلت ميرال تحمحم:
-خلاص يايوسف، آسفة حبيبي، هنزل أجيب لك التشوكليت، رفع عينيهِ إليها ثمَّ أشار إليها بالدخول:
-أنا هنزل معاه، شوية وراجع.
-هتمشي إزاي ياإلياس، رجلك بتوجعك.
سحب كفَّ ابنه وعيناهُ تتفحصُ هيئتها ثمَّ أشار إليها بالدخول:
-أنا هتصرَّف..
تحرَّك مع طفلهِ إلى الثلاجة يفتحُ العلبَ الخاصَّة بحلوى الأطفال، ثمَّ أخرجَ بعضها، ووضعها أمامهِ على السرفيس وأشار إليه بالخروج:
-شوف النانا فين قولَّها كلِّمي بابا.
-طيب ماحضرتك بتمشي اهو، ليه ماما فوق
-يوسف روح لابن عمك وابعت النانا
-حاضر يابابي..قالها الطفل وركض للخارجِ وهو يحملُ حلوياته..
وصلت إليه المربية:
-خلِّي بالك من الولاد، وكلِّمي حد من مكتب الخدم يبعت حد ينضَّف المطبخ دا.
-حاضر..بعد فترة صعد إلى غرفته، استمعَ إلى المياهِ بالحمَّام، علم أنَّها بالداخل، خرج إلى الشرفة يراقبُ طفلهِ وطفلَ أخيه، وجدهم يلهون بألعابهم بجوار المربية، أغلقَ الشرفة، واتَّجه إلى غرفةِ الملابس، يخرجُ شيئًا مناسبًا للنوم، استمعَ إلى رنينِ هاتفها، خرج يرفعهُ وجدها رؤى:
-أيوة يارؤى؟.
-ميرال المحشي صعب أوي، مش عارفة أعمله، شوفي حاجة خفيفة، إيه رأيك أعملِّك بيتزا، جميلة يابنتي.
-ميرال في الحمَّام يارؤى..ردَّت عليه بخجل:
-إلياس أنا آسفة، فكَّرتك ميرال..
صمتَ للحظات ثمَّ قال:
-أنا هقولِّك على حل أفضل..نلغي الغدا ونتعشى كلِّنا برَّة النهاردة، بالليل هبعتلكم اسمِ المطعم.
-تمام..قالتها وأغلقت الهاتف، وضعهُ بخروجها من الحمَّام، تنظرُ إليه متسائلة:
-مين كان بيتصل؟..اقترب وعيناهُ تفترسُ هيئتها بدءًا من ساقيها إلى عنقها الذي تنسابُ فوقه قطراتُ المياه، مرَّر أناملهِ على تلك القطراتِ التى تنزلقُ من خصلاتها، ثمَّ سبح بعينيها المرتجفة:
-كدا تاخدي شاور لوحدك، كنا بنقول إيه قبل مايوسف يجي ويقطع كلامنا؟.
أغمضت عينيها بعدما دفن وجههِ بخصلاتها الندية فارتجفَ جسدها بين ذراعيه، همست اسمهِ بتقطُّع، ولكنَّه قضى على كلِّ مايبعدها عنه.
بمنزل آدم..
أنهت دراستها، قامت بإغلاقِ الإضاءة، ثمَّ اتَّجهت إلى غرفةِ طفلها، وجدتهُ يغفو فوق صدرِ والده، سحبتهُ بهدوء، ووضعتهُ بفراشه، واتَّجهت إلى آدم:
-حبيبي يالَّه قوم نام في السرير.
فتح عينيهِ ينظرُ إلى يده، ثمَّ التفتَ ينظرُ بفراشِ طفله، واعتدل يمسحُ على وجهه:
-نمت ماحستش..
ولا يهمَّك، رائد نام، يالَّه إحنا كمان علشان ننام..نهض من مكانهِ يهزُّ عنقهِ مرَّةً يمينًا ومرةً يسارًا عندما شعر بتشنُّجه، ثمَّ حاوط جسدَ إيلين وتحرَّك للداخل، دلفت إلى الحمام دقائقَ معدودةً ثمَّ خرجت ترتدي ثوبًا ناعمًا من اللونِ الأسود، يصل فوق الركبة، مكشوفَ الظهر، وجلست أمام المرآة تتزيَّن، بينما توجه أدم إلى غرفةِ الملابسِ وخرجَ بعد فترة، وجدها تضعُ أحمر شفاهٍ فوق شفتيها، تحرَّك نحوها، ثمَّ انحنى وحاوطَ جسدها ينظرُ إلى انعكاسِ صورتهما في المرآة:
-بتحطِّي إيه؟..مالوش لازمة لأنُّه هيتمسح ياروحي.
ابتسمت، ورفعت رأسها تنظرُ إلى وجهه:
-دا ثابت متخفش مش هيتمسح.
-ياراجل..إنتي بتشكِّكي في قدرات جوزك..
قهقهت عليه، ولفَّت الكرسي سريعًا حتى أصبحت بمقابلةِ وجهه، وجذبتهُ من عنقهِ سريعًا وقالت:
-يمكن ياحبيبي، هنشوف حتقدر على مسحِ الروج ولَّا لأ.
برقت عيناهُ ينظرُ إليها بذهول، ثمَّ أشار على نفسه:
-بتشكِّكي بقدرات جوزك يادكتورة!! اقتربت من أذنهِ وهمست له بعض الكلمات، فانحنى يرفعها بين ذراعيها، لتشهقَ بفزعٍ تلفُّ ذراعيها حول عنقهِ لا إراديًا..
-طيب والله لأندِّمك يادكتورة على كلماتك دي، يعني علشان مقدَّر تعبك، تشكِّي في جوزك؟..استلمي بقى..
ابتعدت على السرير وارتفعت ضحكاتها:
-خلاص..خلاص بهزَّر يادكتور، عارفة إنَّك جامد وجامد أوي.
خلع كنزتهِ وألقاها بغضبٍ على الأرض وقال:
-واللهِ أبدًا، لازم أورِّيكي عملي مش نظري.
بعد فترة كانت تستند على ذراعيه
-يعني هنسافر خلاص الاسبوع الجاي
اعتدل وجلس بمقابلتها
-حبيبي اسمعيني، انت عارفة لو كملتي برة احسن، وكمان شغلي برة احسن من هنا بكتير وخبرات طبعا
-خلاص ياادم اللي تشوفه، بدل احمد ومريم هيسافروا معانا فأنا موافقة، رغم اعتراضي على الغربة، صمتت ثم اردفت متسائلة:
-كدا خالوا هيفضل لوحده
-لا حبيبتي بابا هيقعد مع عمتو
-رحيل لسة زعلانة مع جوزها معرفش ياايلين ومحبتش ادخل بينهم
-طيب ايه رأيك نزورهم بكرة ونعرف الدنيا معاهم ازاي
-تمام ياله ننام علشان هلكان وعايز انام
-ليه خالو رفض يسمي رائد على اسمه ياادم..مش كنا متفقين، بجد زعلانة
فتح عيناه يتطلع إليها قائلا:
-بجد بتسألي بعد الشهور دي كلها، بابا محبش يزعل عمو محمود، وكمان قال منعا للخبطة، وبعدين ياست الدكتورة دا مش اخر ولد يعني، لسة هنجيب ولاد تانية يبقى سميهم
قالها وجذبها لأحضانه وقال:
-لو سمعت حاجة تانية هقوم اكمل الروج ..قهقهت تدفن نفسها بأحضانه
بمنزلِ يزن…
تململت فوق الفراش بتأوُّهٍ مكتوم، ورفعت كفَّيها لتضعهما على جبينها حين باغتها ثقلٌ غير مألوف..كمادات! ضغطت بين حاجبيها، وقبل أن تستوعبَ المزيد، شعرت بذراعهِ الصلب تحت رأسها…
اتَّسعت عيناها، شهقةٌ صامتةٌ حُبست بين شفتينِ مرتجفتينِ وهي تراه قريبًا حدَّ الالتصاق..أنفاسهِ تختلطُ بأنفاسها، ودفءِ أنفاسهِ يعبثُ باتزانها.
“كيف وصلت إلى هنا؟!” سألت نفسها وملامحهِ الهادئةِ تنسجُ في صدرها وجعًا أكبر من الحمَّى.
تذكَّرت فقط كلماته…تلك التي شقَّت قلبها نصفينِ وتركها في الحديقة، مكسورة، تائهة، لا تملكُ إلَّا دموعها.
همست لنفسها:
– طيب إيه اللي جابني هنا وأنا كنت برَّة؟
تأمَّلت ملامحه، فرجفَ قلبها كأنَّ نبضهِ يُناجيها، كأنَّه يحتضرُ تحت وطأةِ قُربٍ لم يعد يسع الاثنين.
مدَّت كفَّها المرتجفة لتستقرَّ على صدره، فوق نبضه…
“هل يصرخ مثلي؟ هل يوجعهُ ما يوجعني؟”
دموعها تساقطت، كأنَّها لم تعد تملك حيلةً للكتمان…شهقةً أفلتت دون إرادةٍ منها.
بينما هو…فتح عينيهِ على وقع شهقاتها
انتفض، وسحب ذراعهِ من تحتِ رأسها، وقام دون أن ينطقَ بحرف.
– أنا جيت هنا إزاي؟
سألتها شفتاها المرتجفتان، فجلس على طرفِ الفراش، يديرُ ظهره، وصوتهِ يغلِّفهُ جليدًا من الخذلان:
– معرفش…اسألي نفسك..أنا كنت نايم ومش فاكر حاجة.
قطبت جبينها، وقالت بنبرة ملتهبةً بالبكاء:
– أنا كنت في الجنينة!..يعني إيه مش عارف؟!
التفتَ نحوها، والغضبُ انفجرَ في ملامحه:
– والله العظيم..إنتي الِّلي نايمة في سريري! وفي حضني! اسألي نفسك… يمكن شرَّبتينا حاجة صفرا…ماإنتي متعودة على كده!
قالها ثمَّ مضى إلى الحمام، يهربُ من دموعها التي كادت تحرقُ صدره.
أغمضت عينيها بألم، وبدأت تتذكَّر كلَّ شيء..خافضَ الحرارة، الغطاء، دفءَ السرير.
لكنها شهقت حين سحبت الغطاء ورأت ملابسها مرمية أرضًا…وهي ترتدي غيرها..
ركضت، تصرخُ بانهيار:
– يزن!..
ودون وعي، دفعت باب الحمام…
كان يخلعُ كنزتهِ حين اقتحمت عليه المكان..
جمدا مكانهما، والصدمة بينهم تشبه جدارًا من نارٍ لا يعرفانِ كيف يُطفئانه.
ابتلعت ريقها بصعوبة، واستدارت بسرعةٍ وهي تتمتمُ بتقطُّع:
– آسفة…أصـ… أصل يعني..
– استني، قالها واقتربَ منها، وعلى وجههِ ابتسامةً خبيثة، حتى توقَّف خلفها مباشرة، وانحنى لمستوى جسدها، وهمس بنبرةٍ متسليَّة:
– هيَّ حصَّلت تفتحي عليَّا الباب وأنا باخد شاور؟ للدرجة دي واحشك؟
استدارت إليهِ فجأة، ترمقهُ بازدراء، وهتفت بعينينِ تشتعلُ غضبًا قبل أن تنطقها شفتاها:
– احترم نفسك، إنتَ مفكَّر نفسك مين؟ إنتَ ولا حاجة بالنسبالي، أنا كنت جاية أقولَّك إزاي تغيَّرلي هدومي، إزاي تتجرَّأ وتعمل كدا وأنا مش وعيي؟!.
قاطعها بوضعِ أناملهِ على شفتيها، وهمس بنبرةٍ خافتةٍ مشبعةٍ بالإغواء، جعلت جسدها يرتجفُ رغمًا عنها:
– اششش…إيه الدوشة دي؟ النانا برَّة، تسمعنا تفكَّر بنعمل حاجة…أستغفر الله العظيم..أموت و أعملها.
اتَّسعت عيناها في ذهول، تحدِّقُ في مقلتيهِ الماكرة، حاولت الحديث، لكنَّه اقتربَ أكثر، حتى أصبح قربهِ كاد أن يفتكَ بثباتها، وهمس بأنفاسهِ الحارَّة:
– مش كفاية ماسك نفسي طول الليل، قالها وعينيهِ اخترقت بؤبؤتها، واقترب أكثر وأكثر ليُذيبَ ما تبقَّى من حدود، لتلمس شفاههِ شفتيها في لحظةٍ خاطفة، لتشعر كمن أصابتها صاعقةً مفاجئة..
تراجعت فزعة، تختنقُ من خيانةِ جسدها له، بينما هو، طالعها بنظرةٍ متعاليةٍ ونبرةٍ وقحة، قال:
– بعرَّفك…أقدر أوصل لكلِّ حاجة، ومن غير تعب..بلاش غرورك الفاضي
دمعةٌ غادرة انبثقت من جفنيها وهي تتطلَّعُ إليه بخذلان، أزالتها سريعًا واتَّجهت للخارجِ بخطواتٍ تأكل الأرض وكأنَّ الأرضَ لا تسعُ لوجودها، دموعٍ خلف دموعٍ حتى فقدت الرؤية تمامًا، دلفت إلى الحمَّام، وأغلقت خلفها الباب حتى تقضي على ضعفها، على عجزها على كلِّ انهيارها..
دقائقَ طويلة مرَّت عليها وهي مازالت بمكانها لا تشعرُ بالوقتِ ولا تعي مايدورُ حولها، كلماتهِ تخرقُ أذنها كما خرقت قلبها وشطرتهُ لنصفين..
بينما عنده..توقَّف متيبِّسًا غير قادرًا على الحركة بعدما وجد نظرةَ الخذلانِ مع دموعها التي قضت على ماتبقَّى من قوَّة..اتَّجه سريعًا إلى الداخلِ وأكمل استحمامه، خرج بعد دقائقَ معدودة، بحث عنها بعينيهِ ورغم جمودهِ أو تصنُّعهِ عدم المبالاةِ إلَّا أنَّ قلبهِ انتفض خوفًا أن يصيبها أذى..
دلف إلى غرفةِ أولاده، وجد المربية تقوم بإطعامِ آسر، التفتَ إلى ابنتهِ التي مازالت غافية، ثمَّ أردفَ متسائلًا:
-الولاد محتاجين حاجة؟.
-معرفشِ ياباشمهندس المدام اللي تعرف، أنا فطَّرت آسر، ورولا فطرت ونامت لازم أخرج دلوقتي عندي شغل، أنا كنت متَّفقة مع المدام كلِّ يوم من الساعة تسعة لاتنين علشان لسة متعيِّنة جديد في مدرسة.
-تمام..روحي شغلك، حمحم ثمَّ تساءل:
-هيَّ مدام رحيل خرجت؟..تساءلَ بخروجها من الحمام، اقتربت منهما:
-روحي شغلك ومتتأخَّريش.
-تمام يامدام..أنا كنت بفهِّم الباشمهندش.
أومأت لها بصمتٍ ثمَّ تحرَّكت إلى خزانةِ ملابسها وأخرجت شيئًا مناسبًا للحركة، ظلَّ يتابعها بصمت، إلى أن قطعت الصمت بينهم:
-اطلع برَّة لو سمحت عايزة أغيَّر هدومي.
خرج دون حديث، اتَّجه إلى المطبخِ وقام بإعدادِ طعامِ الإفطار، وهو يزفرُ باختناق، حينما تذكَّر ماصار بينهما منذ دقائق…خرج يضعُ ماأعدَّهُ على طاولةِ الإفطار بخروجها تسحبُ كفَّ ابنها الذي يحاولُ الحركة بهدوء..
-يالَّه حبيبي روح عند بابا، لمَّا أجيب رولا..توقَّفت يداهُ عمَّا يفعلهُ بعدما استمعَ إلى حديثها، هل قالت له روح لبابا..رفع نظرهِ إليها سريعًا ولكنَّها ابتعدت وهي تصفِّقُ بيديها لطفلها:
-آسر شطور وبيسمع كلام مامي، برااافو..قالتها عندما تحرَّك الطفلُ باتِّجاههِ وهو يضحكُ بصوتهِ الناعمِ الصغير..رغم وصولِ أسر إليه وضحكاتهِ لأوَّلِ مرَّة وهو يهتفُ اسمه:
-بابا ..إلَّا أنَّ عينيهِ كانت تفترسُ ملامحها ليكتشفَ عمَّا يدورُ بداخلها، ولكنَّها ابتعدت مستديرة:
-خلِّي بالك من الولد، شقي وممكن يلعب في حاجة تضرُّه.
دلفت إلى الغرفة وأغلقت البابَ خلفها، وهنا انهارت على الأرضِ باكية، تضع كفَّيها على صدرها، علَّها تتنفسُ بهدوء..
ظلَّت لدقائقَ ثمَّ نهضت وتمدَّدت بجوارِ طفلتها وغفت بعد رحلةٍ من العذابِ المخزي لقلبها، بالخارجِ ظلَّ يلعبُ مع طفله وعيناهُ على الغرفةِ بانتظارِ أن تخرج، حمل الطفلُ وخرج خارج المنزلِ بعد علمهِ أنَّها ربما نامت..
بعد فترةٍ استيقظت على رنينِ هاتفها:
-رحيل فيه اجتماع مهم لازم تحضريه.
اعتدلت تجمعُ خصلاتها بعيدًا عن وجهها وأجابتهُ بصوتٍ متحشرجٍ بالنوم:
-الاجتماع الساعة كام؟.
نظر بساعتهِ وأجابها:
-بعد ساعة..تمام قالتها وأغلقت الهاتفَ باستيقاظِ ابنتها التي تضحكُ وهي تهتفُ اسمَ والدتها:
-ماما..انحنت تقبِّلها وارتفعت ضحكاتها، ثمَّ نهضت تساعدها على النزول وتحرَّكت للخارجِ تبحثُ عنهما ولكن المنزل كان فارغًا..نظرت إلى الطعامِ الموضوعِ ثمَّ اقتربت تُجلسُ ابنتها فوق ساقيها وبدأت تطعمها، وتناولت طعامها بدخولهِ من الخارج يحملُ طفله:
-حبيبي انزل عند مامي علشان نازل.
نهضت من مكانها وأزالت بقايا الطعام من على فمِ ابنتها، ثمَّ سحبت ألعابها وأشارت إليها:
-رولا حبيبتي تعالي العبي لمَّا ماما تروح مشوار وترجع، ثمَّ بسطت كفَّيها لطفلها:
-آسر حبيبي تعالَ علشان أقولَّك تعمل إيه..تحرَّك الطفلُ واتَّجه إليها..كلَّ هذا وهو يراقبها بصمت، دلفت للداخلِ دقائقَ معدودة وخرجت تحملُ حقيبتها..
ركض الطفلُ إليها:
-مامي مامي..كانت تجمعُ أشياءها، فقالت:
-نعم حبيبي.
همسَ بأذنها ببعضِ الكلماتِ وهو يختبئُ من نظراتِ والدهِ الصامت، اعتدلت بجسدها وخطر بذهنها شيئًا ما..فأشارت على يزن:
-روح لبابي ياحبيبي، قولُّه عايز إيه أنا عندي شغل.
نهض يزن من مكانهِ مقتربًا منها:
-رايحة فين، أنا نازل بعد شوية ضروري.
جمعت خصلاتها للأعلى وحملت حقيبتها قائلة:
-نازلة شغلي، ولادك عندك، المربية خرجت، وأنا عندي اجتماع مهم، يالَّه عيش دور الأبوَّة وورِّيني ابتكاراتك..
قالتها وتحرَّكت بعض الخطوات، ثمَّ توقَّفت مستديرةً تنظرُ إلى طفلها المنكمشِ بوقوفه، شعرت بالخزي من نفسها فهو طفل ليس له علاقة بما يحدث..
ألقت حقيبتها واتَّجهت إليه تحملهُ ثمَّ توجَّهت إلى الحمَّام..بينما هو توقَّف متخصِّرًا ينظر إلى حركاتها الباردة بكلِّ غضب، ظلَّ يجوبُ المكان إلى أن خرجت تضعُ ابنها بجوارِ أخته..
قبض على ذراعيها:
-يعني إيه نازلة الشغل، هوَّ أنا مش موجود، إيه الاستفزاز اللي بتحاولي تستعمليه معايا؟!.
أفلتت ذراعها بقوَّة وأشارت إليهِ صائحة:
-أنا هنا علشان الولاد، مالكشِ حكم عليَّا، اقتربت منه تلكزهُ بصدره، وغرزت عينيها بمقلتيه:
-يزن إنتَ هنا أب ولادي وبس، ماتدخَّلشِ في حياتي لو سمحت.
-ليه متجوزة سوسن، اقفي وكلِّميني
أنا هنا الراجل، ومفيش أيِّ حاجة هتتعمل من غير رأيي، اقتربَ خطوةً وأشار بسبَّباته:
-اسمعيني يابنتِ الناس، إنتي مراتي قدَّام الكل، لازم تحترمي إنِّك مرات يزن السوهاجي غير كدا صدَّقيني هكرَّهك نفسك.
-على أساس لسة مكرهتهاش ياحضرةِ المهندس..دفعتهُ من أمامها وتحرَّكت إلى الباب:
-أنا عندي اجتماع بملايين مش فاضية لكلامك دلوقتي، لمَّا أرجع يبقى قولِّي تعليماتك..
قالتها وأغلقت الباب خلفها..ظلَّ ينظرُ لسرابِ خروجها بتيهٍ وكلماتها التي أنزفت روحه “أنا كرهت نفسي”
شعر بيدٍ صغيرةٍ تجذبُ بنطاله:
-بابا..بابا..انحنى وجلس بمستواها يجمعُ خصلاتها من فوق وجهها:
-حبيبة بابا..قالها بقبلةٍ حنونةٍ توضعُ فوق جبينها، بينما جلسَ آسر على ألعابهِ وهو يتطلَّعُ إليه بصمت، وضعت رولا كفَّها الصغير على وجهه:
-عايز ألعب هنا..قالتها وهي تجذبهُ إلى الحديقة، ولكنَّه أوقفها حينما شعر ببرودةِ الجو:
-الجوِّ برد ياروحي..حملها واتَّجه وجلسَ بجوارِ آسر ..ثمَّ سحب جهازهِ المحمول “اللاب توب”
إيه رأيكم نلعب شوية على اللاب، ولَّا عايزين تتفرَّجوا على كارتون؟.
نظر آسر لأختهِ بجهل، لا يعلم عمَّا يتحدَّث..فهم يزن من خلال نظراتِ أطفالهِ أنَّهم لا يستعملون الأجهزة الهاتفية ..فتح اللاب وبدأ يوضِّح لهم بعض الألعابِ التي تتماشى مع عقولهم.
بمنزل أرسلان..
استيقظ على بكاءِ طفلتهِ بالخارج، رفع رأسَ زوجتهِ يضعها بهدوءٍ فوق الوسادة، وتسلَّل من جوارها متَّجهًا للخارج، وجد المربية تحاولُ أن تطعمها ولكنَّها رافضةً ببكاءٍ مستمِّر،
حملها وأشار إلى المربية:
-هاتي الببرونة وشوفي بلال صحي ولَّا إيه..
-بلال مع صفية هانم، جت من ساعة وأخدته ينام معاها.
أومأ متفهِّمًا وقال:
-مالها ضي بتعيَّط ليه كدا؟.
-بطلَّع سنان ودا طبيعي إنَّها تعيَّط، أخدت علاجها الطبيعي، وحاولت أكِّلها علشان تنام، هيَّ منمتشِ طول اليوم..
تمام..أشار إليها وهو يطعمُ ابنتهِ التي استكانت بأحضانه:
-روحي ارتاحي إنتي، وأنا هاخدها لمامتها..ظلَّ لبعضِ الوقت يحاولُ تهدئتها إلى أن غفت، فوضعها على صدرهِ وذهب بنومهِ على الأريكة..
عند غرام…فتحت عينيها تملِّسُ على الفراشِ بعدما شعرت ببرودته، اعتدلت تجمعُ خصلاتها ثمَّ سحبت روبها وتحرَّكت للخارج، ذهبت لغرفةِ أطفالها وجدتها فارغة، خرجت تبحثُ عن زوجها وجدتهُ غافيًا وهو يحملُ الطفلة..
ابتسمت واقتربت تجلسُ على ركبتيها تنظرُ إليهما، تسلَّلت بجواره، ثمَّ رفعت كفَّها على خصلاتهِ تمرِّرها بداخلها، وضعت رأسها بجوارِ رأسهِ على الوسادةِ وأغمضت عينيها مبتسمةً وهي تحاوطُ جسدهِ بذراعيها..شعر بها ففتح نصفَ عينيه:
-إيه اللي قوِّمك؟.
دفنت رأسها بعنقه، وهمست بصوتٍ حنون:
-معرفتش أنام من غيرك، ليه مصحتنيش، ضي تعبتكم؟.
-لا، مفيش حاجة نامت على طول، ماما هنا وأخدت بلال معاها في الأوضة..قالها ينظرُ اليها وجدها ذهبت بنومها كالأطفال..
بفيلا السيوفي وخاصَّةً بغرفةِ إسلام..
كان يجلسُ يتناولُ قهوتهِ ويتحدَّثُ معها عبر الهاتف:
-تمام حبيبتي، بكرة بعد الامتحان هعدِّي عليكي ونروح نشوف اللي محتاجاه.
-إسلام لو سمحت عايزة أخرج مع صحباتي، إحنا متَّفقين من أوَّل يوم، كلِّ أسبوع هخرج أعمل شوبينج مع صحباتي..
-وأنا قولت لا ياملك، اللي عايزة تشتريه أنا هجبهولك غير كدا مفيش خروج..
أغلقت الهاتف دون أن تنطقَ حرفًا واحدًا، نظر إلى الهاتف الذي أُغلقَ بذهول، ثمَّ نهض من مكانهِ ونيرانُ غضبه كادت تخرجَ من عينيه، استمع إلى طرقاتٍ على باب غرفته..
جلس وحاول أن يبدو طبيعيًّا وقال:
-ادخل..دخلت غادة بنصفِ جسدها:
-حبيبي فاضي أتكلِّم معاك شوية؟.
نظر للخارجِ فهو في حالةٍ لا يريد أن يتحدَّث مع أحد..اقتربت منه وتوقَّفت بجواره:
-إسلام عايزة آخد رأيك في حاجة، بقالي فترة مأجلاها.
-غادة ممكن نتكلِّم في وقت تاني أنا دلوقتي مش تمام لو ينفع تأجِّلي أيِّ حاجة ياريت..
-مالك ياإسلام إنتَ متخانق مع ملك؟.
-وأنا هتخانق مع ملك ليه، قومي شوفي مذاكرتك أنا مخنوق ومش طايق نفسي.
نهضت وتحرَّكت للخارجِ دون أن تنطقَ حرفًا آخر، ولكنَّها تحركت بقلبٍ ينتفضُ من الألم ..دلفت غرفتها مع انبثاقِ دموعها رغمًا عنها..ذهبت إلى فراشها وجلست فوقهِ بهدوء، رغم نيرانِ صدرها المشتعلةِ بالحزن..تذكَّرت منذ عدَّةِ سنواتٍ قبل زواج ميرال والياس، كانت تعيشُ في ظلِّ أسرةٍ سعيدةٍ وعدَّةِ أخوة، الآن لا تملكُ شيئًا، الأم أصبحت منشغلةً بأحفادها، وميرال التي اعتبرتها أختًا لها، قلَّ الحديثُ معها بسببِ ظروفِ انتقالها من الفيلا وانشغالها بزوجها وطفلها، بينما أخيها الأكبر الذي كانت تعتبرهُ روحها وسندها وقدوتها أصبح سرابًا لم يعد أخًا ولا سندًا، ابتعد دون سببٍ لا تراهُ سوى بالمناسبات، وأصبح مثلهِ مثل الغريب، تغيَّرت النظراتُ واللمسات، حتى أحضانهِ التي كانت تشعرُ بها بالأمانِ والحنانِ أصبحت هاوية لا تعلم لما كلِّ هذا حدث، هل ما تشعرُ به حقيقة أم تخيُّلها المنشغلِ بالفراغ..آاااه تفوَّهت بها مع حرقةِ قلبها وتمدَّدت على الفراشِ كالجنين تبكي بصمتٍ ولأوَّلِ مرَّةٍ تهمسُ بألمٍ يقطعُ نياطَ القلوب:
-محتاجة لحضنك ياماما، هوَّ صحيح محدش بيحسِّ بولاده غير الأم…..
استمعت إلى صوتِ إلياس بالهاتف بالخارج، اعتدلت وابتسمت ظنًّا أنَّه سيمرُّ على غرفتها كالماضي، أزالت دموعها وعيناها تعلَّقت بالباب، تنتظرُ طرقه..نظرت حولها تبحثُ عن روبها وتوقَّفت تجذبهُ منتظرةً طرقهِ على الباب، ولكن ابتعدت خطواته، فتوقَّفت تنظرُ حولها بالغرفةِ بتيهٍ وانسابت دموعها كزخَّاتِ المطر؛ لتتراجعَ بجسدٍ مترنِّحٍ إلى أن هوت على الفراش تسحبُ غطاءها وتذهب بنومها سريعًا رغم حزنها البادي على وجهها..
بجناحِ إلياس..
دلف للغرفةِ وجد طفلهِ يغفو بأحضانِ والدته، اقترب منهما مستغربًا وجودهِ بفراشه، نظر إلى الأدويةِ التي تُوضعُ على الكومودينو، وخافض الحرارة، يبدو أنَّ طفلهِ كان يعاني من نزلة برد.
انحنى يقيسُ حرارتهِ بمقياسِ الحرارة، لحظات ثمَّ انحنى يحملهُ واتَّجه به إلى غرفته، فتح الصغير عينيهِ يتمتم:
-بابا..عايز أنام مع ماما.
وصل إلى سريرهِ ووضعهُ عليه ثمَّ انحنى وطبعَ قبلةً فوق جبينه:
-حبيبي أنا معاك هنا أهو، إيه رأيك بابا ينام معاك؟.
-بس أنا عايز ماما.
خلع جاكيتهِ وقال:
-نام يايوسف، إنتَ مش صغير علشان تنام مع ماما..الراجل ينام مع الراجل،
مش إنتَ راجل وهتنام مع بابي.
-بس حضرتك بتنام مع مامي عادي..
نفخ بضجرٍ وقام بخلعِ حذائهِ وأشار إليه:
-يالَّه حبيبي أنا جاي تعبان، ورغم كدا مش هسيبك تنام لوحدك، مينفعشِ تنام مع مامي إنتَ كبرت خلاص.
-بس أنا عايز مامي.
-يوسف..صاح بها بصوتٍ مرتفعٍ مع دخولِ ميرال:
-إلياس..
استدار إليها وأردف:
-روحي نامي ياميرال..قالها وهو يرمقُ ثيابها بصمت، اقتربت منه وهي تحاوطُ قميصها بالروب:
-الولد سخن، كان تعبان.
رسم ابتسامةً أمام طفلهِ وهمس إليها:
-كلامي يتسمع ياروحي من غير نقاش.
-طيب رجلك عاملة إيه دلوقتي، لازم تحطّ كريم عليها.
-الصبح..قالها وهو يتمدَّدُ بجوار طفله، توقَّفت تنظرُ إليه بذهول:
-هتنام هنا؟!.
اتَّجه بنظرهِ إلى يوسف المنكمشِ بفراشهِ وقال:
-أه هنام في حضنِ ابني الليلة عندك مانع..مش إنتَ هتاخد بابا في حضنك يايوسف.
ابتسم الطفل وقال:
-أنا حضني صغير أوي يابابا، هياخدك إزاي؟..التفت إلى ميرال:
-خلاص نشوف حضن كبير..اقتربت وجلست بجوارهِ على الفراش:
-السرير صغير ومش هترتاح عليه، قوم نام هناك وأنا هفضل معاه.
-أنا كويس، وياريت اللي أقوله يتسمع، تعبان وعايز أنام ممكن حبيبتي؟.
انحنت لتقبِّلهُ على وجنتيهِ إلَّا أنَّه طالعها بنظرةٍ تحذيريةٍ أمام طفلها..توقَّفت بعدما فهمت مايريده..
بعد عدَّةِ ساعات نهض من مكانه، بعدما دثَّر طفلهِ جيدًا، واتَّجه نحو غرفته، وجدها غارقةً بنومها، دلف إلى الحمَّام دقائقَ معدودة وخرج، تململت بنومها تفتحُ عيناها ومازالت آثارُ النومِ تسيطرُ على جفونها، ألقى منشفتهِ واتَّجه إلى الفراش يتطلَّعُ إليها بابتسامة، حركاتها تشبهُ حركاتِ نجله..
انحنى وطبع قبلةً فوق جبينها، فتحت عينيها تهمسُ بصوتٍ ناعس:
-يوسف عامل إيه؟.
تمدَّد بجوارها وجذبها لأحضانه:
-كويس، نايم والنانا صحيت وهتاخد بالها منُّه، ممكن ننام بقى..
دفنت نفسها في أحضانه، واستسلمت لنومٍ عميق، فيما ظلَّ هو يمسِّدُ خصلاتِ شعرها، شارداً بحديثِ رؤى الذي ما زال يطنُّ في أذنه:
– بحاول أقرَّب منها ياإلياس، عارفة إنِّي غلطت في حقَّها، بس متنكرش إنَّك كمان اللي وصَّلتني لكده…إنتَ اللي خلتني أفكَّر فيك كزوج..
أشار لها بالصمت، ثمَّ قال ببرودٍ حاسم:
– خلِّي بالك من كلامك، وماتقوليش حاجة تتحاسبي عليها..آه، أنا غلطت… بس مش عشان اللي في دماغك.. غلطت لأنِّي ماحطِّتش حدود بينا، اتعاملت معاكي كأخت، ودا في حدِّ ذاته كان غلط.
ارتسم الامتعاضُ على وجهها، وقالت بنبرةٍ ممتعضة:
– إنتَ مقتنع بالكلام دا؟
– إلياس، إحنا كنَّا خلاص هنتجوز…لولا اللي حصل.
شعر وكأنَّ جمرةً استقرَّت في صدره.. يعلم أنَّها محقَّة، لكنَّها لا تعرفُ كلَّ الحكاية، سحب نفسًا من سيجارته، وقال دون أن ينظرَ لها:
– رؤى…متقنعيش نفسك بأوهام، إحنا كنَّا متفقين..كنت عايز أفوق ميرال، أخرَّجها من دور الطفلة اللي بتجري على فريدة كلِّ شوية وتلبس عباية الضحية، بس كجواز؟ مستحيل..
أنا عمري ما شفتك مراتي، وقلنا دا من الأوَّل..
ثمَّ التفت نحوها، يحدِّقُ في عينيها بصرامةٍ وقال:
– ميرال مكنتش نزوة..
مكنتشِ تجربة وخلصت..دي مراتي… حبِّ حياتي..وإنتي عارفة كدا..
آه، غلطت، بس غلطي مايدِّيش ليكي الحق تفكَّري في يوم إنِّك تاخدي مكانها.
صوتهِ انخفض وهو يكمل:
– اعتبريها أختك، واعتبريني جوز أختك..
الأوَّل كنت بتعامل معاكي زي ما بتعامل مع غادة…بس دلوقتي، لأ..
أوعي حتى تبصِّي لها بنظرة مش في محلَّها..
قال كلماتهِ الأخيرة، ثمَّ نهض من مكانه:
– هسيبك تفكَّري…علشان الإخوَّة اللي بينكم..
عايز بكرة أو بعده تروحي وتتأسِّفي،
أنا زَييِّ زي طارق ويزن…دا اللي هتقوليه، إزاي؟ مش فارقة،
دماغك ما شاء الله…هتلاقي الطريقة.
قالها وغادر دون أن يلتفت..
مرَّت عدَّةُ أيامٍ ليكتشفَ بعدها تواصلها مع ميرال، وتطوُّر علاقتهم، حتى علم مادار بينهما لتقولَ له ميرال:
-رؤى جت واتأسفت لي، ووضَّحت سوء الفهم اللي حصل بينها وبينك..
تنهَّدت بارتياحٍ قبل أن تتابع حديثها، ونظراتها معلَّقةً به:
– هي انبهرت بشخصيتك في وقت كانت فقدت فيه الثقة في حبيبها، وده طبيعي، أيِّ واحدة مكانها لمَّا تلاقي راجل بيحارب علشانها هتقع في غرامه، أنا لو كنت مكانها، ياإلياس، صدَّقني كنت عملت المستحيل، ماكنتش هفكَّر غير في إزاي أخلِّيك تحبِّني..
بلاش العقاب بينكم يطول أكتر من كده..
أنا واثقة فيك، وموقنة إنَّك مستحيل تشوفها غير أختك الصغيرة، نفسي أرجع أشوفكم زي زمان.
هزَّ رأسهِ بأسى:
– مبقاش ينفع، حبيبتي..
زمان كنت بتعامل معاها على إنَّها يتيمة ومحتاجة حد يسندها، ماكنتش عايزها تحسِّ إنَّها لوحدها وسط غابة.. بس دلوقتي عندها أخِّين، ماشاء الله…
يعني وجودي في حياتها مالوش لازمة بالشكلِ القديم.
– إلياس…
همست بها، فرفع عينيه إليها، ابتسمت بحنان، ولامست وجنتيهِ بكفِّها:
– رؤى قالتلي إنَّك روحت لها وطلبت منها تيجي لعندي…حكتلي كلِّ حاجة، بلاش تتخبَّى ورا الحاجات الحلوة اللي بتحاول تعملها علشان تسعدني..
أنا نسيت كلِّ الماضي، بحلوُّه ومرُّه..
دلوقتي، ما فيش حاجة شاغلة بالي غيرك إنتَ ويوسف وبس..
ومتأكدة إنَّك مستحيل تبعد عنِّي، حتى لو أنا طلبت منَّك كده.
مرَّرت أناملها على صدره، وعيناها متشبثتانِ بعينيه:
– أنا هنا، متربَّعة في مكان جوَّه قلبك، ومستحيل أتنازل عنُّه،
يمكن خدت وقت علشان أفهم ده… بس دلوقتي عرفت..
أنا محظوظة جدًا، مش بس علشان إنتَ جوزي، لا…
ده لأنَّك أحسن راجل ممكن أي ستِّ تتمناه..
مش هتكلِّم عن عمُّو مصطفى، ولا ماما فريدة، ولا غادة وإسلام، ولا يزن، ولا كلِّ العيلة الجميلة دي…
أنا بس هتكلِّم عنَّك..عنَّك إنت.
لم يجد مايفعلهُ سوى أن يجذبها إليه، يحتضنها كما لو كانت ملاذهِ الوحيد.. أسند جبينهِ إلى جبينها، وتمتم بصوتٍ خافت:
– أخيرًا..حمدَ الله على السلامة ياتاعبة قلبي.
أغمضت عينيها تحتَ همسه، واستقرَّت بين ذراعيهِ كأنَّها وُجدت نفسها هنا منذ الأزل:
-آسفة..عارفة تعبتك كتير معايا، بس برضو إنتَ كنت صعب.
تنهد وعيناه على نومها الهادئ، وتذكر حديثها منذ أيام بعد عودة علاقتها برؤى
-لو رجعنا بالزمن هافرق معاك زي دلوقتي
ابتسم ولامسَ وجنتها بطرفِ أنامله، كأنَّما يتحسَّسُ نعيمهِ الأخير،
ثمَّ همس:
-منكرش مكنتيش فارقة معايا في أوَّل جوازنا، وأكيد عرفتي الأسباب..
-الياس، إنتَ فعلًا كنت مغصوب على الجواز زي ماقولتلي في مرَّة من المرَّات؟.
ارتفعت ضحكاتهِ حتى أدمعت عيناه، يهزُّ رأسهِ بالإيجاب وهو يحاوطُ جسدها:
-إيه نسيتي الباير والبايرة؟.صمت ينظرُ إليها بحب:
-مكنشِ فارق معايا الجواز ياميرا، عادي ، أه مكنتش عايزك في الأوَّل بس دا مش علشان حاجة..دنا حتى لامس ثغرها بخاصَّتهِ وهمس بعيونٍ عاشقة:
-علشان خايف أأذيكي، وقولتها لك، حبِّك نار، أنا كنت بحبِّك بس مش الحبِّ اللي في دماغك أشعار وحاجات البنات دي، بحبِّ براءتك، جنانك لمَّا تتعصَّبي، عنادك لمَّا توقفي قدَّامي، بس مفكَّرتش أتجوزك خالص، أه معرفشِ ليه، يمكن سوء الفهم بيني وبين مدام فريدة؛ ولَّا يمكن علشان اللي شوفته بينك وبين زميلك ولَّا يمكن علشان كنتي عايشة دور البنت اللي شايفة نفسها عليَّا..
-يعني كنت ممكن تتجوز غيري ياإلياس؟.
-تؤ..نطقها من بين شفتيهِ وعينيهِ متعلِّقةً بسوداويتها:
-مكنتش هسمح إنِّك تبعدي عنِّي أصلًا، بدليل فيه كتير كلِّموني عليكي، وكنت بتعامل مع الموضوع..حقيقي عمري ماكنتش هسمح تكوني ملك لحد، حتى لو مش اتجوِّزنا..
ابتسمت بعينينِ دامعتين، وهمست:
– هوَّ إنتَ دايمًا كدا الكلمة وعكسها؟.
هزَّ رأسهِ ورفعها فوق ساقيه:
-أه علشان متعرفيش تطلعي منِّي بأيِّ حاجة، عجبك ولَّا لأ؟.
قبَّلته ونطقت بعينيها قبل شفتيها:
-هو َّفيه غيرك عجبني وموقَّعني على جدور رقبتي غير حضرة الطاووس المغرور..
قهقه بصوتٍ مرتفعٍ حتى هوى على الفراشِ وهي فوقه تلكمه:
-بطَّل ضحك بقى، اللي يشوفك دلوقتي مايقولشِ دا اللي لمَّا كان بيضحك الجو بيرعد..
دفعها ليحاصرها بذراعيه:
-بس كنت حلو ولَّااا..قالها غامزًا ممَّا جعلها ترفعُ ذراعيها تحاوطُ عنقه:
-أه حلو ومسكَّر، وتأكَّد إنِّ غيرتي نار وممكن أحرقك بيها قبل اللي يقرَّب منَّك، كفاية سنين العذاب اللي عشتها في حبَّك..هنا توقف كل شيئا ولم يتبقَ سوى نبضِ القلوب، لتتشابكَ الأرواحُ في صمت،حيث لا حاجةَ للكلمات…وحيث الحبَّ وحدهِ يتولَّى البوح.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية شظايا قلوب محترقة)