رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم فاطمة طه سلطان
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم فاطمة طه سلطان
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم البارت التاسع والثلاثون
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الجزء التاسع والثلاثون

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الحلقة التاسعة والثلاثون
ربما نليق
لبعضنا البعض في يومٍ ما، ليس اليوم
لكن غدًا وان كان ليس غدًا فـ بعد سنوات
من الآن ربما يحالفنا الحظ ونليق لبعضنا
ربما بعد ما نكبر قليلًا
ونكون ناضجين أكثر للحب
الذي بيننا ونقدره ربما بعد سنوات
#مقتبسة
يَصِفِهَا قائِلا:
أتَت كَأنهَا كُتِبت لِي لا صدفَة بَل رَحمَة.
#مقتبسة
“الطرقات مُضاءة بشكلٍ جيد، لكن الجميع تائه.”
ـ تولستوي
_____________
…في المساء…
كانت جالسة على الفراش متذمرة وكل شيء بها غاضب مما يحدث..
هي لا ترغب في أن تستمر حياة كهذه…
هي عازمة على قول الحقيقة مهما كلفها الأمر…
أتى زوجها زين من الخارج بعدما كان يُنهى بعض المكالمات الخاصة بـعمله…
جاء ثم ترك قُبلة على رأسها بحنان شديد تعتاده منه في كل تفاصيلها معه…
-معلش يا حبيبتي اتأخرت عليكي..
أردفت ياسمين بتردد رغم أنها لا تجد أي حل أخر:
-ولا يهمك…
ثم أسترسلت حديثها مغمغمة:
-زين أنا عايزة اتكلم معاك شوية لو ينفع…
كان يحدثها بإرهاق طفيف:
-مينفعش نأجل الكلام لبكرا؟ ولا الموضوع مهم للدرجة؟..
هزت ياسمين رأسها بنبرة متألمة:
-لا مينفعش معلش أنا محتاجة أتكلم مش هقدر استنى أكتر من كده.
حاوط زين وجهها بكفيه متمتمًا بنبرة مهتمة والقلق قد لاح عليه:
-في إيه يا ياسمين أنتِ كويسة؟ شكلك غريب، وإيه اللي مش هتقدري تستني عليه أكتر من كده، أنا مش فاهم حاجة من كلامك…
هبطت دمعة من عيناها رغمًا عنها لم تتحكم بنفسها، رفعت يدها حتى تقوم بمسحها لكن كانت أنامله تسبقها وهو يغمغم:
-حد زعلك واتخانقني مع حد؟ ، أنا عملت حاجة تضايقك؟؟ مالك يا ياسمين، اتكلمي..
ارتجفت وهي تخبره برجاء حقيقي:
-أقعد يا زين، اقعد جنبي..
استجاب لمطلبها وجلس بجوارها على الفراش ثم قال:
-اديني قعدت، ممكن أفهم في إيه بقا؟.
وضعت خصلاتها خلف أذنيها ثم مسحت وجهها الذي بات ساخنًا وتغير لونه تمامًا، بعدها قالت وهي تنظر له بخوف حقيقي:
-أنا اللي هقوله ده مش سهل عليا أقوله قصادك، مش سهل عليا أقوله أصلا، بس أنا مفيش قدامي حلول غير كده..
على وشك أن يفقد أعصابه لولا قلقه عليها هو الذي يحكمه قليلا، سألها بنبرة هادئة:
-طيب اهدي كده، وفهميني إيه اللي مش سهل تقوليه……..
نهضت من مكانها ثم توجهت صوب الخزانة أخرجت منها مصحف صغير يعود إلى والدها، والدها الذي لم يحبها أحد مثله في الحياة؛ لا والدتها أو شقيقها..تدمرت من بعد غيابه…
جاءت ثم وضعته على كف يدها مغمغمة وهي تدرك بأن زين ووالدته على خلق ودين أقوى منها هي وعائلتها:
-أحلف على المصحف…
ضيق عينه وهو ينهض منفعلًا:
-أحلف على إيه؟ هو في إيه يا ياسمين أنا صبري هينفد…
تمتمت ياسمين بنبرة مرتجفة:
-تحلف أنك هتسمعني للاخر ومش هتقاطعني مهما قولت وبعدها أعمل اللي عايز تعمله..
حتى لو ما يريد فعله سيكون قتلها….
أي شيء لا يهمها حتى…
ينظر لها بعدم فهم لا يدرك ما الذي يصيبها!!
هدر زين بغضب واضح:
-أنا بدأت اتنرفز يا ياسمين قولي في إيه علطول علشان نخلص..
-أحلف علشان خاطري واسمعني علشان أنا كده مش هعرف أتكلم..
لم يجد مفر ولكنه أقسم في النهاية لا يدري من فضوله أو قلقه عليها هذا ما جعله يقول وهو يأخذ منها المصحف ويضعه على الطاولة المتواجدة في أحد الجوانب:
-والله هسمعك للآخر.
-هحكيلك من أول ما طنط جت تتكلم في موضوعنا…
عقد ساعديه وأعطاها كامل الحرية من أجل أن تتحدث، كانت ترغب في التراجع لكنها تعلم بأنها فتحت باب لا تستطيع إغلاقه قبل أن تتفوه بالحقيقة…أي كذبة أخرى سوف تكون مجرد هراء في نظره…
قد انطلق السهم…
ليست هناك فرصة للتراجع..
أخذت نفس طويل ثم أبعدت خصلاتها عن عنقها يبدو أن حرارة جسدها تزداد بسبب التوتر الشديد التي تشعر به، ثم بدأت في الحديث:
-لما خالتو جت وقالت أنك طالب ايدي أنا كنت مسافرة مع صحابي كام يوم، قالولها هنفاتحها في الموضوع ونقولك قالت إيه.
نظر لها بعدم فهم فأستكملت بمرارة تلك الأيام لم تكن سهلة أبدًا بالنسبة لها:
-قالولها إني موافقة قبل ما أرجع من السفر، من غير ما حتى حد منهم يقول ليا حاجة، محدش قالي غير لما رجعت من السفر وساعتها قالولي بالحرف ابن خالتك طلب ايدك واحنا وافقنا وقراءة الفاتحة والخطوبة لما ينزل من السفر.
سألها زين بنبرة ثابتة رغم الغصة التي شعرت بها في حديثه:
-مكنتيش موافقة؟!.
تحدثت ياسمين بألم واضح:
-أنتَ قولت هتسمعني للآخر.
-كملي.
ابتلعت ريقها متحدثة بارتباك شديد:
-الفترة دي وطول سنين الجامعة أنا كنت على علاقة بزميل ليا في الجامعة…
ادهشته وجعلته مصدومًا حتى أنه كور يده في انتظار التكملة صدقًا هو يكبح نفسه بصعوبة، أسترسلت ياسمين حديثها وهي تقول:
-هما كانوا عارفين في البيت، عارفين إن في واحد في حياتي وبرغم كده وافقوا عليك، هددوني أني مقولش ليك ولا لخالتو حاجة، قررت أقول للشخص اللي مرتبطة بيه اللي حصل معايا كنت متخيلة أنه هيتمسك بيا أو هيحاول يعمل أي حاجة.
ابتلعت ريقها ثم أسترسلت حديثها بأسى:
– لكن هو معملش كده اختفى وقالي كل شيء نصيب، قولت يمكن علشان ظروفه الصعبة هي السبب في أنه ميقدرش يكمل معايا، ولا يعمل حاجة علشاني، وكان بيسقط في الجامعة كتير..
لو كان هناك جائزة نوبل للـصبر الذي هو فيه الآن والذي يحاول التحلي به حتى النهاية رغم إحمرار وجهه وتحفز جسده الغاضب…لكان يستحقها….
تنهدت ثم عادت تستكمل حديثها:
-العلاقة ما بينا كانت خلصت وانقطعت على كده، وطبعا ماما كانت تعبانة وبتضغط عليا بتعبها، علشان كده سكت ومقولتش ليك حاجة وقرينا الفاتحة ولبسنا الدبل، وطبعا صحابي كلهم اللي جم الخطوبة صوروا ونزلوا الصور..
الحديث صعب جدًا..
تحديدًا القسم القادم لكنها بدأت شيء عليها أن تنهيه تحت أي ظرف…
غمغمت ياسمين بارتجاف:
-بعد كام يوم من الخطوبة شاف صوري اللي صحابي نزلوها، رغم إني بلكته من كل حته إلا أنه اتصل بيا من رقم غريب وهددني إنه نتقابل وإلا مش هيحصل كويس تقريبًا كان عرف أنا اتخطبت ليك وعرف مركزك وسأل عنك ساعتها قابلته في الجامعة، هددني وكان عايز فلوس…
هو ليس رجل ساذج!!
لا يظن بأن مجرد قصة حب فاشلة لم تنجح ستكون سببًا في تهديد فتاة مثلها تحديدًا في الطبقة التي تعيش فيها…
-هددك بإيه؟؟..
هذا هو القسم الأصعب على الإطلاق..
صاح زين وهو يكرر:
-هددك بإيه يا ياسمين؟؟.
نطقت وكأنها تكتب اسمها على قبرها، صدقًا كان هذا هو شعورها:
-صور ما بينا، صوري معاه، علاقتنا اتعدت موضوع إني بحبه وكان في بينا صور..
رغم كلماتها المبهمة إلا أنها أوضحت ما تقوله إلى درجة كبيرة وكافية جدًا أن تؤذيه، ترفع منسوب الادرينالين…وتجعل الدماء تغلي في عروقه…
ما هو أسوء شيء قد يسمعه الرجل عن زوجته؟!
ما هو الأسوء من ذلك…
ذبحته بكلماتها لكنه لم ينطق قال بهدوء لم تفهمه:
-كملي.
ابتلعت ريقها بخوف حقيقي وهي تخبره بتفاصيل مازالت تتذكها جيدًا:
– كان عايز فلوس، مكنتش متخيلة أنه هيعمل معايا كده، كنت خايفة و مش عارفة أقول لحد، لغايت ما في مرة اتصل هددني وأنا مع صحبتي فسمعت وعرفت نصحتني أروح اقول لاخويا علاقتي بالشخص ده وصلت لإيه وبيهددني بإيه، قالتلي بالحرف أقول لاخويا واللي يحصل يحصل، مهما يعمل فيا إلا أنه مش هيرضى بفضيحتي لأني عرضه واخته.
تنهدت ثم أردفت ساخرة:
-روحت قولتله، مضربنيش بالقلم ولا زعقلي ولا عمل أي حاجة، قالي متقلقيش يا ياسمين أنا هتصرف معاه ومش هيحصل أي حاجة تبوظ جوازتك أنتِ وزين.
ضحكت ضحكة ليست في محلها وهي تقول:
-ساعتها قولت افرحي واطمني يا ياسمين، ليكي أخ متفهم وواقف في ضهرك والموضوع هيعدي، بعدها بكام يوم قالي الموضوع خلص أنام وأنا مرتاحة، ساعتها شكرته، وحضنته، اتأسفت ليه، بوست إيده وكان ناقص أبوس رجله، وكنت بحمد ربنا أن أنا عندي أخ زي ده..
كان ينظر لها لا يصدق ما تقوله ولا يفهم كيف تكون هذه ردة فعله وأن الأمر انتهى بتلك السهولة ولو كان كذلك، لما تخبره الآن، هل هي ترغب في أن تفضح ذاتها صدقًا لا يعرف…
ابتلعت ريقها ثم فجرت القنبلة في وجهه:
-لغايت قبل فرحنا بكام يوم كان أول مرة يهددني إني لازم اروح معاه من ورا ماما علشان يخطب بنت من مرسى مطروح…
نظرت له متأسفة وهي تخبره، لا تعلم كيف قصت كل هذا رغم الخوف والترقب من رد فعله إلا أنها شعرت بأن هناك جبل انزاح من فوق ظهرها:
-ساعتها مفهمتش هو بيهددني بإيه، مجاش في بالي أصلا، بس سكت علشان كنت مشغولة في تجهيزات الفرح، لغايت ما الميكب ارتست اللي كنت حاجزة معاها لغت الحجز بسبب حالة وفاة عندها وساعتها هو قالي هيتصرف وهيجيب واحدة، بس قولتله لا أنا اللي هختار على مزاجي وأنه مش هيفهم.حاجة زي دي..
ابتلعت ريقها ثم أسترسلت:
-قالي لا وقالي إني مش قد إني أرفض حاجة بيقولها وأنه عارف مصلحتي وأنها واحدة صاحبته من أيام الجامعة وساعتها وراني الصفحة بتاعتها وعجبني شغلها بصراحة فوافقت، تخيل أن في المرتين أنا مجاش في بالي إنه بيهدد علشان الموضوع ده…
تنهدت ثم أردفت:
-مكنتش متخيلة أن ممكن اخ يهدد اخته بحاجة زي دي، لكن طلع فعلا بيهددني وروحت معاه مرسى مطروح لو تفتكر لما قولتلك هروح اشوف الكافية بتاعه هناك يومين وجاية…
أنهت حديثها وهي تغمغم:
-وبعدها هددني علنًا إني في أي وقت هيطلب مني فلوس وأنا مرضتش ساعتها هيبعتلك الصور وكل حاجة من خلال حد تاني علشان ميكنش في الصورة..وكل مرة طلبت منك مبلغ كان علشانه.
تحدث زين بنبرة لم تفهمها كانت مُبهمة إلى حدٍ كبير:
-وبتقوليلي دلوقتي ليه؟؟؟..
غمغمت ياسمين بتوضيح ونبرة مميتة:
-علشان أنا تعبت من التهديد ومش عايزة حد يمسكني من أيدي اللي بتوجعني وعلشان مش عايزة أفضل عايشة في انتظار كل لحظة علشان تعرف فيها…
نهض من مكانه هاتفًا بنبرة صدعت في كل خلية في جسدها من شدتها، لكنها لم تكن أبدًا عالية:
-أنتِ طالق….
ثم أسترسل حديثه:
-أنا ماشي قدامك يومين لما أرجع تكوني لميتي حاجتك قبل ما ماما تيجي وورقتك وكل حاجتك هتوصلك..ومتعرفيش اخوكي أنك قولتيلي حاجة…
بعدها رحل…
رحل كما هو من دون أن يأخذ أي شيء كانت متعلقاته الشخصية تتواجد في سيارته لذاك لم يحتاج أي شيء…….
يكفي الصدع الكبير الذي حدث بينهما وما سمعه منها، ولحسن الحظ أنه كان متماسكًا لأخر لحظة….
______________
تسمع منه وتفهم..
لكنها تشعر بالحيرة والضيق….
يخبرها بكل التفاصيل…
منذ أن كتب اسمه وقام بإرسال سيرته الذاتية….
تجلس جهاد بجواره على أركيتهما المفضلة؛ تعقد ساعديها، تسمعه بكل هدوء ورزانة لا تعطي أي رد فعل، لكنها لم تقاطعه أبدًا..
رُبما ليس بيدها الأمر أن تكون مستنعة جيدة، هي فقط كانت تشعر بالصدمة…
تمتم سلامة بتردد أخيرًا محاولًا أن يعرف رد فعلها على ما يقوله:
-ها قولتي إيه؟..
سألته جهاد بطريقة غير مفهومة:
-أنتَ عايز تسافر؟؟..
أجابها سلامة بنبرة صادقة:
-أكيد عايز أسافر وأكيد دي حاجة هتعلي مني وهترفع مني وهتعلمني حاجات، وفي نفس الوقت أنا عايز أفضل معاكي ومسبكيش لوحدك، أنا محتار يا جهاد ومش عارف أعمل إيه بجد.
أسترسل حديثه بنبرة جادة:
-أنا والله مكنتش متخيل أصلا أنهم ممكن يردوا بالسرعة دي أو أنهم ممكن ياخدوني في النهاية أنا مكملتش سنة.
أردفت جهاد بانزعاج طفيف وهي تنظر له:
-أنتَ من زمان عايز تسافر يا سلامة أصلا.
تمتم سلامة مدافعًا عن نفسه فهو يدرك حساسية الموقف وهو لا يرغب في ازعاجها في الوقت ذاته:
-هما ست شهور يا جهاد أنا مش رايح استقر هناك وبعدين ممكن تبقي تسافري ليا تقعدي كام يوم معايا هناك ونظبط الدنيا..
عقدت جهاد حاجبيها وهي تسأله بعتاب واضح:
-أنتَ خلاص كده يعني واخد قرارك وجاي تبلغني بيه؟؟؟.
هز رأسه نافيًا وهو يخبرها بصدقٍ:
-لا والله أنا لسه أصلا مردتش عليهم في الشغل لو واخد القرار أكيد كنت رديت عليهم وتقدري أنتِ تتأكدي من ده، أنا عايز أسافر يا جهاد فعلا، مش هكدب عليكي بس في نفس الوقت والله العظيم لو أنتِ مش عايزاني أسافر أنا مش هسافر يمكن لو كنا مخطوبين كنت أخدت القرار لوحدي لكن دلوقتي مفيش حد فينا المفروض يأخد قرار إلا والتاني موافق وراضي عنه…
لوت فمها بتهكم وهي تحاول استيعاب فكرة بأنها قد تبتعد عنه، هي لا تحبه فقط بل معتادة على وجوده يوميًا ومنذ سنوات، في الدراسة وفي العمل، في كل شيء كان سلامة في يومها:
-علشان تفضل تشيلني الذنب وتلومني..
ابتسم رغمًا عنه ثم قال بجدية:
-لا والله لو رفضتي مش هلومك ولا هشيلك ذنب ياستي…
قالت جهاد بحيرة حقيقية فهي ترغب في وجوده وفي الوقت نفسه، تريد أن يحقق حلمه والخطوة الذي يريدها:
-أنا مش عارفة أقولك إيه يا سلامة أنا محتارة جدًا…
تنهد ثم أخذها في أحضانه متمتمًا بهدوء مما جعلها تحاوك عنقه ثم تضع رأسها على كتفه بحركة تلقائية ليصبح كلامه همسًا بجوار أذنيها:
-فكري مع نفسك في اللي قولته ليكي، وشوفي اللي يريحك وأنا أي قرار هتاخديه مش هناقشك فيه والله بس حاولي تفكري بسرعة علشان لو اه الحق اخلص ورقي لو لا يلحقوا هما يشوفوا حد بدالي..
______________
في الصباح الباكر.
كانت لا تصدق!!
حقًا لا تصدق ما تراه منذ دقائق…
أنه خامس مقطع، لخمس فتيات يمتلكن شهرة واسعة على مواقع التواصل الإجتماعي يتحدثن ويتناولن الطعام في المكان الخاص بشقيقها وأصدقائه…
لا تعرف هل قام شقيقها وأصدقائه باستعمال هذا النوع من الدعاية أم ماذا؟!…
المقاطع حققت ملايين من المشاهدات، ألآلاف التعليقات منها من هو يسأل ومهتم ومنها من يقوم بكتابة أي نقد قد أتى في عقله من دون أي سبب…
كان سادس مقطع تراه هو مقطع لريناد…
هذا ما جعلها تشهق وهي تشعر بالصدمة للمرة التي لا تعرف عددها…
هل طلب شقيقها من ريناد أيضًا؟؟..
حور قد تتوقف؟!
وتنتظر؟؟
هذا خيار لا يتواجد في قاموسها يا أعزائي فهي ذهبت نحو الأريكة الذي ينام عليها وأصبحت فراشه منذ عدة أشهر، ذهبت إيناس إلى العمل بينما والدتها نائمة، مازالت الساعة لم تتخطى التاسعة صباحًا على أية حال…..
وضعت يدها على كتفه ثم حاولت إيقاظه:
-دياب…دياب…دياب قوم….
فتح دياب عينه متمتمًا:
-في إيه يا حور، في حاجة حصلت..
وجهت الهاتف إلى وجهه على المقطع الخاص بـ ريناد تحديدًا…
فتح دياب عينه بصعوبة بسبب إضاءة الهاتف وكونه لم يستيقظ جيدًا بعد، رأي ريناد ويسمع صوتها فهي تتحدث عن مكانه الخاص وتتناول الطعام…
التقط منها دياب الهاتف بطريقة افزعتها حينما بدأ يستوعب ما يحدث…
اعتدل ثم جلس في نصف جلسة وأخذت حور تثرثر وهي تخبره بما رأته وفهمته:
-ريناد وكذا بلوجر مشهورين أوي منزلين فيديوهات للمكان بتاعكم وبجد التعليقات والمشاهدات فظيعة….
صاح دياب بانفعال شديد:
-هي عملت ده امته أساسًا؟؟ وأنا كنت فين؟؟.
ثم بدأ يستوعب أحداث اليوم الماضي ليغمغم بنبرة مُنفعلة:
-هو نضال مفيش غيره علشان كده مكنش عايز يوديني امبارح خالص وعمال يلفلف بيا…
تمتمت حور معقبة على حديثه مع ذاته المسموع نوعًا ما:
-أنا مش فاهمة حاجة فهمني طيب في إيه اللي حصل ووشك قلب كده ليه؟!.
قال دياب مستنكرًا وهو ينهض من مكانه:
-مش لما افهم أنا الأول علشان افهمك…
نهض وأخذ يبحث عن هاتفه بغضب كبير ولم يهتم حتى بالتوقيت ثم ولج إلى حجرته التي أصبحت حجرة إيناس، مغلقًا الباب خلفه وأخذ يبحث عن نضال ثم قام بالاتصال به على الفور لم يجب في المرة الأولى فـ كررها مرة أخرى ليجب عليه بصوتٍ ناعس:
-في إيه يا دياب على الصبح؟؟..
صاح دياب مستنكرًا:
-متستعبطش يا نضال هو إيه اللي في إيه؟ أنتَ اللي خليت ريناد هي وشلتها دول ولا معرفش هما مين يصوروا عندنا صح؟.
اندهش نضال بأنهم قاموا بتنزيل المقطع سريعًا…
تحدث نضال بنبرة هادئة:
-الموضوع ده هيفيدنا وهي عملت كده علشانك على فكرة…
قاطعه دياب بغضبٍ واضح:
-متنرفزنيش يا نضال، وبعدين أصلا أنتَ اتواصلت معاها ليه؟ وازاي؟؟..
رد عليه نضال بصوت به بقية نومٍ:
-بطل هطل يا دياب هو أنا يعني اللي هروح ادور عليها وأكلمها؟؟؟ ما أنا لو في بالي حاجة أصلا أن حد يعملنا دعاية بالشكل ده كنا هنشوف حد وندفعله، لكن هي اللي اتصلت بيا..وعملت كده علشانك أنتَ.
كان سؤاله مستفز:
-جابت رقمك منين؟..
ضحك نضال رغمًا عنه وهو يجيبه مدركًا غيرته الواضحة:
-لا مجبتش رقمي أنا، عي اتصلت بيا من على رقم بابا وهو اللي اداني اكلمها أما جابت رقمه هو منين والله دي معرفهاش ومفكرتش أسال عنها…
ثم أسترسل حديثه بنبرة لطيفة نوعًا ما:
-أنا مش شايف حاجة مستاهلة العصبية دي كلها..
صاح دياب بغيظٍ كبير:
-لا في حاجة مستاهلة أنك طول اليوم امبارح تلف بيا علشان تبعدني عن هناك ومعرفش، كان لازم تقولي هو أحنا مش شركاء في المخروبة دي.
مازال نضال محافظًا على أعصابه:
-هي اللي طلبت أنك متعرفش وبرضو ارجع واقول مفيش حاجة مستاهلة العصبية دي كلها، دي عملت كل ده علشانك وبعدين حتى أنا اتفاجئت أنها جابت ناس تانية معاها كنت فاكرها هتكون لوحدها عادي، هي حبت تساعدك وتدعمك في مشروعك بس أنتَ فقري….
تمتم دياب بغضب كبير:
-ماشي يا نضال، ماشي، عمومًا الكلام على التليفون ده مبحبهوش لما أشوفك هقولك بس الموضوع ده مش هيعدي بالساهل علشان تبقى عارف…
ثم أغلق المكالمة في وجهه، وخرج إلى الخارج، لم تكترث حور كثيرًا إلى صوته المرتفع وشجاره مع صديقه بل تحدثت بحماقة وفضول كبيرات يسيطران عليها:
-ما تقولي بقا في إيه يا دياب بالظبط…
هتف دياب بنبرة حاول جعلها هادئة لكنه يفشل:
-لا تعالي أنتِ اكتبيلي رقم الهانم اللي تحت دي علشان اتصل بيها وروحي يلا أنتِ اتاخرتي مش المفروض وراكي درس يلا…
بعد مرور ثلاثين دقيقة تقريبًا…
اتصال منه جعلها تشعر بالارتباك والخوف حتى أنها لم تسأل عن كيف أتى برقمها…
أخبرها باختصار شديد بأن تخرج له، لو كانت في المنزل، ولم تكن نائمة فهي كانت على وشك الخروج من أجل الجامعة…
خرجت من الشقة وكانت بهية مستغرقة في نومتها، الباب كان مفتوحًا بعد خروجها وهو يقف أمامها بهيئة عشوائية عكس المعتاد فهو دومًا مهندم رغم كل شيء………
تمتم دياب بنبرة غاضبة بعدما تأكد من رحيل شقيقته:
-أنتِ مين قالك تتكلمي مع نضال وتعملي كل ده من ورايا، أصلا مين اداكي الحق أنك تعملي كل ده؟!..
ليلة أمس كان يوم صعب ومرهق وصديقاتها الجدد رغم كل شيء حاولوا مساعدتها من أجل هذا الأمر من دون مقابل أو كـنوع من أنواع المجاملة أو فث انتظار مقابل رُبما في المستقبل…
هي حاولت فعل كل شيء يقع في يدها من أجل مشروعه ومساعدته…
تمتمت ريناد بعدم استيعاب هجومه الكبير رغم أنها تتوقعه ولكن ليست بتلك الدرجة:
-كل ده علشان عملت حاجة علشانك أنتَ وعلشان أساعدك؟!.
هتف دياب مستنكرًا وهو يحاول السيطرة قدر المستطاع على صوته:
-متساعدنيش ومتعمليش حاجة علشاني ولا تدخلي في أي حاجة تخصني ولا المفروض يكون في بينا أي حاجة ولا مساعدة ولا غيره..
تمزق قلبها حقًا أثر كلماته..
قالت ريناد ساخرة:
-في إيه يا دياب، إيه اللي حصل علشان كل ده؟؟؟ أنا حاولت أساعدك…
تحدث دياب بنبرة فقد بها السيطرة على حاله حتى أنه لا يدري هل هو يخبرها أم يخبر ذاته وفؤاده:
-كده أنا مش عايزك تدخلي في أي حاجة تخصني ولا عايز أصلا يكون في بينا حاجة لأنه مينفعش.
سألته بتوجس كبير وكأن أجابته قد شطرت قلبها وهي تعي جيدًا ما يقصد:
-هو إيه اللي مينفعش؟؟.
كانت نبرته مهتزة وهو يخبرها بتردد:
-مينفعش أصلا ولا تساعديني ولا يكون في بينا كلام ولا يكون في بينا حاجة لأنه مينفعش…
حاولت لملمة ما تبقى من كبريائها كونه يرفض مشاعرهما بطريقة غير مباشرة، كانت كاذبة وهو يعرف أنها كاذبة وهي تخبره مشيره له بسبابتها:
-أنا عملت كل ده علشان بس أنا السبب في أنك تسيب شغلك الأولاني علشان كده أنا حبيت اساعدك علشان محسش بالذنب مش أكتر أنا كنت بريح ضميري…
قال بتمني نابع من عقله لا من قلبه أبدًا:
-ياريت تكوني عملتي كده علشان كده بس…
صاحت ريناد باستنكار:
-أنتَ بتندمني على أي حاجة عملتها معاك كويسة، بتندمني حتى على اليوم اللي شوفتك فيه، أنا اصلا معرفش أنا عملت إيه في حياتي علشان اعرفك وعلشان….
صمتت ولم تستكمل حديثها…
ما يتبقى هي لحظة انهيار يلحقها اعتراف ولذلك كان الصمت أفضل شيء من الممكن أن يحدث في تلك اللحظة…
لا يمكنها السيطرة على نفسها..
هتف دياب بعد تنهيدة خرجت منه بصعوبة وهو يتأملها تلك المرة:
-أنا مش عايز اورطك أكتر من كده معايا ياريت تفهميني…
تحدثت ريناد وهي تكبح دموعها المسجونة بين جفنيها:
-أنا مش عايزة أفهمك ومش عايزة اتكلم معاك كل اللي عملته ده عملته علشان بس محسش بالذنب ياريت خيالك ميروحش لبعيد، وعمومًا دي أخر مرة هتشوف فيها وشي أنا راجعة بيتي…
أنهت حديثها وركضت متوجهة صوب الشقة مغلقة الباب في وجهه، وكأن بتلك الطريقة تنهي قصة لا يمكنها الانتهاء مثلما تريد هي….
بل هي تبدأ فقط….
أغلقت هي الباب ثم هبطت دموعها المحبوسة بينما هو كان يرغب في الصراخ حقًا بسبب ما يحدث لكنه غادر البناية بأكملها كان هاتفه ومحفظته معه هذا ما يحتاجه فقط….
_________________
تجلس مع شقيقتها….
جاءها اتصال منها في الصباح بأنها ترغب في أن تأتي لها قبل أن يأتي سلامة، ولحسن الحظ كانت اليوم تُنهي عملها مبكرًا فجاءت لها كما طلبت..
سلمى هي مخزن أسرار جهاد..
أكثر من اي صديقة ورغم اختلافهما الجذري في شخصياتهما إلا أنها تحب نصيحتها، تحب رأيها حتى لو كانت تقوله بطريقة ساخرة في بعض اللحظات أو حادة…
لكنها تحب حديث سلمى وبعدها سوف تأخذ رأي والدتها فهي في الغد سوف تقوم بدعوتها على الغداء، لكنها رغبت في أن تخبر سلمى أولا لأن والدتها في رحلة تبع المدرسة التي تعمل بها سوف تعود متأخرة اليوم…
قصت لها جهاد كل ما حدث بينها وبين زوجها لا تستطيع التفكير بمفردها ولا حتى معه، لا تستطيع إتخاذ قرار…
تمتمت سلمى بنبرة هادئة:
-محدش يقدر يقولك في الموضوع ده رأيه يا جهاد لأن في كل الأحوال أنتِ اللي جوزك هيسافر وأنتِ اللي هتحسي أنه مش موجود ولو قولتي ميسافرش أنتِ اللي ممكن تحسي برضو أنه ضيعتي عليه فرصة علشان كده محدش يقدر يفيدك…
هتفت جهاد بنبرة ساخرة وهي تنظر لها بنزق:
-شكرًا يا سلمى من غيرك مكنتش عارفة من غيرك هعمل إيه بصراحة كنت هموت نفسي دلوقتي هنتحر..
ضحكت سلمى وهي تخبرها:
-إيه الفرق؟ ما الاتنين واحد، بعد الشر عليكي يا ستي وبعدين هدي نفسك انا بتكلم معاكي بجد لازم أنتِ اللي تشوفي أنتِ محتاجة إيه وتقدري تستحملي إيه، لأن أي حد هيقولك نصيحته هو مش هيعيش مكانك فهماني؟؟..
تحدثت جهاد بنبرة خافتة وهي تعقد ساعديها بملامح عابسة:
-مش عارفة يا سلمى أنا قلقانة وخايفة أنا عايزاه يسافر بس في نفس الوقت خايفة أنا بحب سلامة أوي ومتعودة عليه من سنين طويلة وأنا بشوفه تقريبًا يوميًا مش عارفة هعيش كام شهر من غيره، وفي أصعب فترة وأنا حامل..
ردت عليها سلمى وهي توضح لها كل شيء:
-أكيد احنا مش هنسيبك وكمان لو الحمل وكل حاجة تمام ممكن تنزلي الشغل من تاني مش مشكلة، مش هيكون عندك مسؤوليات زي الأول وتسلي نفسك وأكيد سلامة مش هيقول حاجة وتكوني خلتيه يحقق اللي عايز يعمله سواء نجح أو فشل، يكلمك فون وفيديو كول عادي والنت مخلاش وبعدين هما ست شهور هيعدوا هواء..
حديث سلمى كان منطقي بعض الشيء لكنها تقلق من أنها لا تتحمل غيابه…
هتفت سلمى وهي تضع يدها على كتف شقيقتها:
-استخيري ربنا يا جهاد وشوفي هتحسي بإيه، ومتضغطيش على نفسك؛ وتأكدي أن اللي هيحصل ليكي أو ليه خير، أوصلي للـقرار اللي تحسي نفسك مرتاحة له وبس…
ظل الحديث مستمرًا لمدة ليست طويلة…
إلي حين خروج سلمى وهبوطها على الدرج ووصولها إلى فناء المنزل لتجد نضال في انتظارها كما أخبرها والبوابة أمامها مفتوحة تطل على جزارة خطاب…
تمتمت سلمى بهدوء وهي تنظر له بابتسامة صافية:
-مساء الخير عامل إيه؟؟..
هتف نضال بنبرة متوترة:
-والله مقريف يا سلمى مش طايق نفسي…
عقدت سلمى ساعديها تحاول التفكير فيما حدث كونها رأت مقطع ريناد:
-خلاص مش صعبة أخمن، دلوقتي ضرتي عرفت أن ريناد نزلت فيديو وأكيد اتخانق معاك صح؟..
ضحك نضال وهو يضيق عينه مغمغمًا:
-أنتِ مسمية دياب ضرتك؟..
هزت رأسها موافقة وهي تخبره:
-أكيد هو أكتر حد بتقعد معاه وبتكلمه ورايح جاي معاه فأكيد هو ده ضرتي.
ثم أسترسلت حديثها بنبرة جادة:
-هو عمل إيه طيب؟.
تمتم نضال باستنكار شديد:
-اتخانق معايا ومبيردش عليا؛ قالي لما أشوفك أنا معرفش ليه قلب وشه للدرجة دي، البت باين عليها بتحبه وعايزة تساعده..
نظرت له سلمى ساخرة وهي تتحدث بغيظٍ كبير:
– حلو ده موضوع الحب والمشاعر وأحساسك الطاغي بحبها ليه ده..
غمغم نضال بهدوء:
-واضحة الحاجات دي بتتلقط هواء..
تمتمت سلمى بنبرة جادة تلك المرة:
-معاك حق، بس يعني هما بعاد عن بعض أوي مش عارفة حاسة أن الموضوع مش مظبوط عمومًا…
تمتم نضال مرة واحدة ودون أي مقدمات وهو يقوم بتغيير الموضوع:
-مجدي الـ *** اللي المفروض أبو وفاء ده اتكلم وقال أنه موافق على اللي ابويا قاله عليه والمحامي هيمشي في الإجراءات معرفش هتأخد قد إيه بقا…
هتفت سلمى محاولة بث الطمأنينة فيه فالأمر مزعج وتقبله ليس سهلًا:
-طب كويس، خير ان شاء الله يا نضال.
-ان شاء الله.
ثم أسترسل نضال حديثه بنبرة هادئة بالرغم من ضيقه الشديد:
-تعالى نشرب حاجة مع بعض أنا مخنوق وعايز اتكلم وبعدين ابقى أروحك علشان أنتِ وحشتيني…
هزت رأسها بإيجاب هنا غمغم نضال ساخرًا:
-بتهزي رأسك ليه هو أنا بقولك تحية الصباح يعني ولا إيه أنا بقولك وحشتيني.
-وأنتَ كمان ليك وحشة..
ضحك نضال وهو يشير لها في نهاية حديثها نحو الخارج:
-اه اللي هو ريح الزبون وخلاص، يلا نمشي يا سلمى يلا……
____________
…في اليوم التالي…
كانت تعبث في أغراضها جميع أغراضها تضعها في الحقيبة ويبدو أنها سوف تحتاج إلى حقيبة أخرى.
جاءت بهية من الخارج وهي تستعمل العصا الخاصة بها سارت حتى جلست على طرف الفراش بجوار الحقيبة التي تحسستها بهدوء مغمغمة:
-هتمشي؟؟؟..
تنهدت ريناد ثم تحدثت بطريقة أظهرت كم الألم الذي يتواجد بها منذ ليلة أمس:
-اه للأسف خلاص كفايا كده…
تمتمت بهية بنبرة حزينة:
-محمد عارف أنك راجعة؟.
هزت رأسها نافية ثم أردفت ببساطة:
-لا ميعرفش بس أكيد مش هيطردني يعني ده بيتي ومن حقي ارجع وقت ما ارجع واللي عايزه يعمله.
تحدثت بهية بنبرة جادة تلك المرة وهي تتذكر بكائها طوال يوم أمس واعترافاتها بما حدث أمام بهية والمحادثة التي حدثت بينهما:
-مش ملاحظة أن ده قرار متسرع تاخديه مش مهم اللي دياب يقوله، ومش مهم أصلا اللي حصل تجنبيه وخلاص..
تمتمت ريناد بعد تنهيدة خرجت منها:
-أنا مش هعرف أعيش في مكان هو فيه، تقريبًا رحلتي خلصت على كده، لازم ارجع بيتنا، مع أنه والله أنا مش عارفة هعيش من غيرك ازاي…
ردت عليها بهية بعاطفة قوية:
-أنا كمان اخدت على وجودك معايا يا بنتي، حسيتك بنتي وحفيدتي…
هبطت دمعة من عين ريناد ثم أمسكت كف يدها الممتلئ بالتجاعيد:
-اوعديني أنك تيجي تقعدي معانا حتى لو يومين كل أسبوع، أنا برضو اخدت عليكي ومش هقدر أعيش زي الأول من غيرك…
ابتسمت لها بهية مغمغمة:
-اعملي اللي يريحك يا بنتي مقدرش أقول حاجة ولا اتكلم في النهاية انتِ حرة، خلي بالك على نفسك..
قالت ريناد بإصرار شديد:
-اوعديني..
ردت عليها بهية بنبرة هادئة:
-اوعدك بس حتى لو معرفتش أجي أبات معاكي على الأقل هاجي ازورك كل أسبوع، أهم حاجة خلي بالك من نفسك، وبلاش يا بنتي ترجعي لنفس الطريق اللي كنتي فيه قبل ما تيجي هنا، عايزاكي تخلي بالك على نفسك وعلى محمد، متعمليش أي حاجة تقل منك يا حبيبتي ومترجعيش لورا..
-حاضر.
ثم احتضنتها ريناد وكأنها كانت بحاجة إلى حضن أم، صديقة، أمرأة قد تشعر بمشاعرها الجريحة والتي أصبحت واضحة إلى حدٍ كبير للجميع لم يعد سرًا……………
_____________
…بعد مرور عدة أيام…
عرف من حارس البناية بأن شقيقته تجلس في شقة العائلة منذ أيام وهي لم تخبره حتى، هذا ما جعله يأتي على الفور بعدما تلقى الاتصال من هذا الحارس…
فتحت له الباب بعدما قرع الجرس، هو لم يتبقى معه نسخة من المفتاح، كانت المفاتيح كلها معها هي…
-واضح أن عم محمد مقدرش يمسك لسانه اتفضل..
قالت ياسمين تلك الكلمات ثم توجهت إلى الداخل، ولج حمزة خلفها ثم صفع الباب خلفه بقوة..
جلست ياسمين على المقعد ثم وضعت قدم فوق الأخرى كعادتها مغمغمة ببرود وبطريقة ازعجته إلى حدٍ كبير:
-اعملك شاي ولا قهوة؟ ولا أقولك تحب نتغدى مع بعض كنت كده كده هطلب أكل..
صاح حمزة بنبرة مُنفعلة:
-أنتِ بتعملي إيه هنا وسايبة بيت جوزك ليه؟؟..
نظرت له ياسمين بلامبالاة وهي تخبره:
-زين طلقني.
أتسعت عيناه وشعر بالصدمة حتى أن لسانه أنعقد واتخذ الوضع معه لعدة دقائق، كانت تلك الدقائق كافية لتشفي جروحها وندوبها وهي تراقبه في تلك الحالة إلى حين أن تحدث بنبرة غاضبة فهو توقع بأن الأمر لن بتعدى مجرد شجار:
-طلقك ليه كده مرة واحدة، أوعي تكوني قولتيله حاجة؟؟..
جاوبت عليه ياسمين بهدوء:
-أكيد لا، إزاي هقوله حاجة زي دي؟! هتكسف على الأقل أطلعك مش راجل مهما كان أنتَ اخويا.
خرج منه كلمات بذيئة ردًا عليها فتحدثت ياسمين محاولة إتقان كذبتها نوعًا ما:
-خليك ذكي شوية يا حمزة تفتكر هو هيعرف حاجة زي دي وهيسكت ويطلقني كده؟؟..
صاح حمزة مستنكرًا:
-اخلصي وقولي طلقك ليه؟؟..
تمتمت ياسمين وهي تخبره بسيناريو من وحي خيالها:
-قولتله على موضوع الفلوس اللي أنتَ طلبتها مني وأني عايزة أساعدك هو حس أني بستغله وده اللي قولته ليك أنه كل فترة بطلب منه مبلغ كبير حتى لو ساعات برجعه ده شيء يشككه فيا، حس إني طمعانة فيه وعلشان هو كمان كان مضايق من تأجيل الخلفة…
تحدث حمزة بضيقٍ شديد ونبرته كانت مرتفعة جدًا:
-أنا مش مصدقك على فكرة، زين ميطلقكيش كده علشان الفلوس، ولو على موضوع الخلفة لو طلقك علشان كده فأنتِ تستاهلي أنك بترفصي النعمة هو أنتِ تطولي تخلفي منه..
أردفت ياسمين بتعب حقيقي:
-روح اسأله ليه طلقني لو مش مصدقني يا حمزة ولو سمحت أنا مش طايقة نفسي ومش قادرة اتجادل معاك، اللي عندي قولته…
هتف حمزة بنبرة غاضبة وهو يشير لها بسبابته:
-مهما كان السبب اللي طلقك علشانه تروحي وتصلحي الوضع وتعتذري وتخليه يردك لعصمته من تاني وترجعي بيتك..
ضحكت ياسمين ساخرة رغمًا عنها وهي تغمغم:
-إيه لو روحت اتذللت ليه يرجعني وموافقش هتروح توريله الصور يعني ولا إيه؟؟؟..
-أنا هندمك على طيشك وعلى أنك بضيعي كل اللي احنا عملناه، شكلك مبتعرفيش تعيشي في النضافة ولا تعيشي مع راجل زي زين، ليكي في الشمامين بس، على العموم أنا هروح الشركة وهتكلم معاه؛ ولو اقنعته هترجعي غصب عنك…
تمتمت ياسمين بهدوء مُسببه في أن تصيبه بالجنون:
-لو لقيته بقا، لأنه اتصل بيا الصبح وقالي أنه هيبعت ورقتي لما يرجع من السفر لأنه سافر…
________________
يجلس زهران على الأريكة وأمامه أرجيلته الحبيبة يسمع حديث سلامة وهو يخبره بأنه عازم على سفره بل بدأ في الإجراءات بعدما أعطت جهاد الموافقة له وأخبرته بأنها توافق على سفره لعل تلك الخطوة هي خير لهما.
تمتم زهران معترضًا بعدما سحب نفس من الأرجيلة:
-يا ابني هو أنتَ ناقصك إيه علشان تتغرب وتوجع قلبي عليك هو العمر في كام ست سنين علشان أرجع اشوفك من تاني..
تحدث نضال موضحًا:
-يا بابا بيقولك ست شهور، ست سنين إيه؟ هو رايح يتسجن…
هتف سلامة بنبرة ساخرة في بدايتها ثم جادة بعدها:
-يا بابا أنا عارف أن مش ناقصلي حاجة بس دي فرصة حلوة بالنسبالي وفي نفس الوقت هما ست شهور هرجع ان شاء الله قبل ما جهاد ما تولد، مهوا مش معقول تيجي فرصة زي دي وأنا في السن ده، وكمان بالسرعة دي يتوافق عليا وجهاد توافق وتيجي أنتَ تعقدها…
رفع زهران حاجبيه بعدما سحب نفس من الأرجيلة ثم قال:
-أنا مش بعقدها يا سلامة، أنا بس خايف عليك أنا مبحبش حوارات السفر ده…
تمتم سلامة محاولًا الوصول إلى حل وسط:
-استقر هناك والدنيا هتتظبط وتعالى زورني وهات جهاد معاك عادي لو الدكتورة قالتلها تسافر، الموضوع بسيط يا بابا قولي ربنا يوفقك بقا وادعيلي.
تحدث زهران بنبرة مقتضبة بعض الشيء وهو ينظر له بعدما ترك الأرجيلة:
-ربنا يوفقك يا ابني ويسهلك كل صعب؛ ويعملك اللي فيه الخير، مدام أنتَ عايز ومراتك راضية مبقاش في كلام أنا أقوله…
ثم أسترسل حديثه وهو يشير صوب نضال:
-هتسيبني مع الواد ده لما بعوز حد يفهمني حاجة على الواتس والفيس أو أي حاجة هيقعد يذلني علشانها، ويحرق في دمي وهيفضل حاطط عينه على كريمة نامبر تو وعلى أصيلة ومش هعرف اخد راحتي..
تمتم نضال وهو يرفع حاجبيه بعدم تصديق:
-خلاص أنا المشكلة في البيت ده والولد العاق..
هتف زهران ببساطة شديدة:
-الاعتراف بالحق فضيلة ودي الحاجة الوحيدة اللي بحترمها فيك..
تحدث سلامة محاولا فك الاشتباك:
-خلاص افصلوا شوية كل واحد فيكم يقعد في شقة لوحده أحسن..
تمتم زهران وهو يرفع يده ويتخذ وضعية الدعاء:
-يارب بقا، ربنا يزيح الغمة ويتجوز بقا بدل الجوازة الجملي دي ويقعد في شقته ويريحني منه..
هتف نضال ساخرًا وهو يرمقه بنظرات مرحة:
-حتى لو الغمة انزاحت فأنا فوقيك يعني مش هتكون انزاحت أوي هفضل قاعد على قلبه….
نظر له زهران بشذر هنا غمغم سلامة بارتباك طفيف:
-أنا فعلا بدأت أقلق أني اسيبكم لوحدكم أكتر ما أنا قلقان على جهاد…
تمتم نضال بنبرة خبيثة بعض الشيء وهو يقترب من سلامة ثم يضع يده على كتفه:
-متقلقش انا وابوك سمنة على عسل، المهم بس في موضوع حبيت أقوله ليك ابوك هيدبح عجلين علشان مجدي وافق على عرضه، وهيدبح قدهم مرتين لما وفاء تكون على اسمه أنا قولت اعمل عمل خير…
تمتم زهران بنبرة غاضبة ومتوترة:
-أنتَ عيل خباث ومش سهل والله…
أقترب سلامة من والده هاتفًا:
-الكلام ده حقيقي يا بابا؟؟؟..
ضحك نضال ثم أردف بهدوء شديد:
-أنا رايح اتوضى وانزل علشان الحق العصر يا جماعة ربنا يهديكوا…
صاح زهران مستنكرًا وهو يراقب رحيله بينما سلامة يأكله بنظراته:
-عيل مش سهل والله لاوريك رايح تصلي بعد ما ولعتها……
-الكلام ده حقيقي؟..
هز زهران رأسه موافقًا ثم اخذ يصيح:
-اه حقيقي وأكتر حد أنا هكون مركز معاه الفترة الجاية هي وفاء، وفاء أنا مليش ذكريات معاها وهي صغيرة ولا هي ليها ذكريات معاها، هي اتحرمت مني وأنا اتحرمت منها وأي حاجة هعملها هي هتكون نقطة في بحر من حقها…
______________
وضعت فنجان القهوة على الطاولة التي تتواجد أمام خالتها…
حينما انتهت جلست على المقعد مما جعل خالتها تتحدث بانزعاج كبير مما يحدث:
-يا بنتي اتكلمي أنتِ طيب؟ مهوا مش معقول اللي بيحصل ده يعني لولا حمزة كلمني وقالي مكنتش هعرف حاجة وكنت هفضل في اسكندرية، ده أنا جيت علطول أول ما اتصل بيا.
لن يتوقف شقيقها!!
سيحاول فعل أي شيء من أجل أن تعود إلى زين…
لذلك تحدث مع خالته…
سألتها ياسمين بتردد لا تصدق حقًا ما وصل إليها لذلك كانت ترغب في السؤال لحتى يطمئن قلبها:
-هو زين مقالش ليكي حاجة؟؟.
هزت خالتها رأسها نافية متحدثة بسخطٍ:
-هو لو كان قالي أي حاجة أو ريح قلبي كنت هقعد اتذلل ليكم أنتم الاثنين علشان حد فيكم ينطق ويقولي إيه اللي حصل وأنا في اسكندرية؟…
لا تصدق أن ابن خالتها وزوجها قد يصون سرها وشرفها رغم كل شيء حتى أمه لم يخبرها، على العكس شقيقها هو من يبتزها…
تحدثت ياسمين بتوتر:
-عادي احنا مش متفقين مع بعض وده وارد يحصل، لكن زين مفيهوش أي حاجة تعيبه وبالعكس هو هيديني كل حقوقي…
هتفت خالتها بنبرة غاضبة بسبب ما تسمعه:
– مفيش اتنين بيطلقوا من غير سبب، وأنتم كنتم زي الفل مفيش أي مشاكل بالعكس زين بيحبك جدًا، مهما كان السبب يا حبيبتي عرفيني أنا امه وخالتك وزي أمك الله يرحمها يعني أنا مش غريبة مهما كان السبب نقدر نحله ونوصل لحل خراب البيوت مش بالساهل.
تمتمت ياسمين كاذبة فهي لن تستطع أن تخبر خالتها بالسر الذي كتمه هو نفسه:
-صدقيني مفيش سبب هو في الأول والآخر نصيب وأنا زين هفضل طول عمري احترمه وربنا يعوضه باللي أحسن مني ويعوضه عن كل حاجة…
هتفت خالتها وهي تشعر بأن ضغطها قد ارتفع:
-والله العظيم لو حصلي حاجة هتكونوا أنتم السبب، هو مسافر وبينقطني بالكلام واللي قدامي مش عايزة تنطق بحاجة، مفيش اتنين بيطلقوا من غير سبب أنا في مقام والدتك طيب سيبك منه هو، مش لو أمك الله يرحمها كانت عايشة كنتي هتتكلمي معاها…
قاطعها ياسمين بنبرة مختنقة:
-صدقيني الموضوع كله قسمة ونصيب ومفيش حاجة ينفع نقولها بلاش تزعلي نفسك وأهم حاجة صحتك مفيش حاجة بتنتهي علشان اتنين اطلقوا يعني..
رمقتها خالتها بضيقٍ ثم أخذت فنجان القهوة وأخذت منه رشفة قائلة:
-لما يرجع هو من السفر أنا ليا كلام تاني معاه…
________________
بعد مرور أسبوعين تقريبًا….
لا يستطيع النوم وكذلك هي لم تختلف عنه…
في الغد موعد طيارته في وقت الظهيرة تقريبًا…
جلس سلامة في نصف جلسة على الفراش بعدما شعر باليأس من أن ينام أحدهما حتى…
فـضغط على الزر الموجود بجوار الفراش من ناحيته لتنتشر الإضاءة في الغرفة، كانت جهاد توليه ظهرها وتشعر بحركته، أستدارت ثم جلست مثله مغمغمة بنبرة هادئة:
-مالك مش عارف تنام ليه؟؟.
تحدث سلامة بنبرة مترددة:
-مش عارف، وبعدين ما أنتِ كمان مش عارفة تنامي..
هتفت جهاد بحنان وهي تضع يدها على كتفه:
-قلقان؟ أكيد قلقان علشان دي خطوة جديدة في حياتك…
تمتم سلامة بجدية وهو يناظرها:
-أكيد قلقان من كده وقلقان عليكي ومش عارف أنام خالص..
تحدثت جهاد محاولة أن تدعمه قدر المستطاع:
-احنا الاتنين صلينا استخارة وحسينا أن دي خطوة كويسة ليك ان شاء الله، أما القلق ده طبيعي يا سلامة وبعدين متقلقش عليا سلمى وماما وعم زهران وكلهم معايا، وهشوف لو قدرت ارجع الشغل هرجع وهنكون على تواصل طول اليوم…
هز رأسه موافقًا هنا تبدلت نبرتها وصاحت باستنكار:
-وبعدين المفروض أنتَ اللي تطمني مش أنا اللي اقعد اقولك الكلام ده..
ضحك سلامة من وسط همه والحالة الذي يتواجد بها، ثم أخذها بين أحضانه واستند بظهره على ظهر الفراش مغمغمًا:
-حقك عليا خليكي أنتِ الكبيرة..
-كبيرة في عينك أنا صغيرة…
قالتها بنبرة طفولية ثم تنهدت وعاد مرة أخرى العبوس يسيطر عليها:
-كلمني كل ما تكون فاضي كلمني أو اتصل، أنا مش عارفة أيامي هتعدي ازاي من غيرك، بس المهم توعدني أني قبل ما أولد تكون رجعت مش هولد إلا لما تيجي…
ابتسم سلامة ثم أراد مشاكستها وهو يداعب أنفها:
-طب لو الطلق جه قبل ما اجي هتعملي إيه؟؟..
-مش عارفة وبعدين متكلمنيش في الأمور اللي زي دي علشان أكبر مني بس أكيد هلاقي صرفة في الموضوع.
تمتم سلامة بنبرة هادئة بعدما ضحك على كلماتها:
-أنتِ عارفة إني بحبك؟ أنتِ أول حب في حياتي وأخر حب، وكل حياتي يا جهاد عارف أننا بنتخانق كتير بس يعني القط مبيحبش إلا خناقه يمكن..أنتِ حب عمري…
انتفضت جهاد من بين أحضانه وهي تصيح:
-لا، لا، لا بقولك…
لم يفهم سلامة ما ينتابها فسألها:
-مالك يا بنتي في إيه؟ هو أنا قولت إيه؟؟..
-حب عمري دي بتاعك أبوك بتشائم منها متقولهاش ليا تاني..ده كان بيقولها لكل واحدة بيتجوزها..
ضحك سلامة بقوة هو حقًا لا يصدق أي ذهب عقلها في لحظة عاطفية كهذه…
احتضنته جهاد بقوة مغمغمة:
-أنا بحبك أكتر يا سلامة ربنا يخلينا لبعض وان شاء الله تكون خطوة خير ليك يا حبيبي..
احتضنها وهو يرد عليها:
-أمين يارب…
…في الصباح الباكر….
أمام صالة المسافرين، في المطار كانت تقف العائلة، زوجته وشقيقتها، شقيقه ووالده، كذلك زوجة عمه، إما يسرا كانت في العمل ودعته ليلة أمس….
حتى وفاء كانت موجودة…
احتضن سلامة ” انتصار ” التي احتضنته بأمومة وحب كبير ثم ابتعد عنها فوضعت يدها على كتفه مغمغمة فهي بمثابة أم له، يحبها ويقدرها كثيرًا:
-خلي بالك على نفسك يا حبيبي وتوصل بالسلامة.
-الله يسلمك..
انتهى دور انتصار فأقترب سلامة من نضال الذي احتضنه قائلا:
-مع السلامة وان شاء الله نشوفك على خير..
-الله يسلمك خلي بالك من نفسك ومن أبوك اوعى تتجوز قبل ما ارجع، محدش هيرقص في فرحك غيري..
صاح زهران مستنكرًا:
-وهو احنا هنقعد الشهور دي كلها؟ احنا عايزين نفرح بالولاد…
تحدث سلامة موجهًا حديثه نحو سلمى التي تقف بجوار زوجته:
-ارميله الشبكة وارجعي رجعيه تاني بعد ست شهور..
تمتم نضال منزعجًا:
-خليك في نفسك أنتَ بس..
وقف سلامة أمام سلمى متمتمًا:
-خلي بالك من جهاد هي في أمانتك أهم حاجة تخلي بالك من غير ما تنطقي وتسخني من بعيد لبعيد يعني…
ضحكت سلمى وكانت ضحكتها أكثر شيء قام بالتعديل من مزاج نضال…
أردفت سلمى بنبرة هادئة:
-ماشي يا سيدي متقلقش، خلي بالك أنتَ من نفسك وتوصل بالسلامة…
-الله يسلمك…
اقترب زهران من سلامة واحتضنه مغمغمًا:
-مع السلامة يا حبيبي، خلي بالك على نفسك وأول ما توصل طمني عليك ها؟؟.
رد عليه سلامة مبتسمًا:
-حاضر.
أسترسل زهران حديثه:
-متبصش للستات هناك خليك زي ابوك خط مستقيم كده…
-اه خط مستقيم اه، بس يا بابا بقا مش هقدر أكدب واجاملك أنا طالع على طيارة وهطير في الجو..
ثم قال مرة واحدة:
-ديـــاب…
كان دياب يأتي من بعيدًا فنظر الجميع ناحيته، أقترب منهما دياب وكان بالفعل متأثرًا إلى حدٍ كبير سلامة بمثابة شقيق له، ذهب سلامة نحوه واحتضنه، فعقب دياب بنبرة هادئة:
-مع السلامة، مكنش ينفع مجيش رغم أني مبحبش لحظات الوداع دي، توصل بالسلامة يا وحش وترجعلنا بألف سلامة..
يتذكر دياب وداعه إلى طارق..
الذي يفتقده جدًا.
-الله يسلمك يا دياب، بالك أنتَ لو مكنتش جيت كنت هشيل منك لحقت نفسك..
ابتسم دياب له ثم أردف متصنعًا الخوف:
-لا وعلى إيه الطيب أحسن..
انتهى دور الجميع تقريبًا إلى أن أتى دور جهاد التي احتضنته بقوة غير عابئة بوجود الجميع وعانقها هو إلى حين ابتعادها عنه مغمغمة:
-خلي بالك من نفسك يا سلامة، وكل كويس واتغطى كويس واهتم بنفسك…
حاول سلامة أن يمرح معها فهو على وشك أن يبكي فهو لأول مرة يختبر معنى الوداع وتلك المرة هو الذي يقوم بوداعهم لا شخص أخر:
-كله ماشي بس بلاش حوار الأكل ده أنا كده كده مكنتش بأكل كويس معاكي..
ضحكت جهاد وهي تمسح دمعة فرت من عيناها:
-كداب كنت بجيبلك دليفري وماما ونضال كانوا بيأكلوك كويس..
-كده بدأت اقتنع…
همست له جهاد مغمغمة:
-روح سلم على وفاء واقفة بعيد وخايفة تقرب منك.
هز رأسه موافقًا ثم تخطى الجميع وتوجه صوب وفاء وكان الوداع بينهما صعب جدًا، نظاراتهم عاطفية إلى حدٍ كبير….
تنهدت وفاء وغمغمت بقلق طفيف عليه وكأن هناك رابطة تشكلت بينهما رغم كل شيء:
-مع السلامة.
-الله يسلمك…
ثم سألها برفقٍ حقيقي ومشاعر جياشة كأنها باتت تنتمي لهم حتى لو كان تقبل الأمر لم يكن سهلًا أبدًا:
-ينفع أحضنك، أنا زي اخوكي، أو أنا اخوكي….
ابتسمت له وهزت رأسها موافقة فاحتضنها ولم يطل الأمر بينهما ثم غمغم سلامة بنبرة لم يسمعها سواهم:
-ان شاء الله لما ارجع الاقيكي معاكي بطاقة عليها اسمك وفاء زهران خطاب، هتوحشيني يا وفاء، كلامنا كان قليل بس الوضع كان صعب علينا كلنا، أسف لو كنت قولت أو عملت أي حاجة تزعلك…
-اي حاجة عملتها كانت رد فعل طبيعي وأنا مش زعلانة منك يا سلامة.
تمتم سلامة بهدوء:
-خلي بالك على نفسك، وجهزي اوضتك واطلعي وعيشي وخدي علينا اللي فات مكنش بأيد أي حد مننا، كوني وسط عيلتك..
ثم أسترسل حديثه بطريقة مرحة جعلتها تضحك وكان يعتبر هذا شيء قاله قبل أن يودع الجميع بطريقة سريعة حينما نداه أحد اصدقائه بأنه عليهما الدخول من أجل الإجراءات:
-أهم حاجة متخليش أبويا يحبك أوي….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم)