رواية ظل السحاب الفصل السابع والعشرون 27 بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب الفصل السابع والعشرون 27 بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب البارت السابع والعشرون
رواية ظل السحاب الجزء السابع والعشرون
رواية ظل السحاب الحلقة السابعة والعشرون
يقود سيارته بلا واجهة اضطراب ماكر يغوص داخل فؤاده، مشاعر متخبطة تعبث به وبحياته، وأسئلة معقدة تساور عقله تجعله مشتتًا غير قادر على استيعاب ما يحدث،
هل الحياة تعطيه إشارة أن يستعيد ما مضى منه في الضياع؟ أم تريده أن يظل يحارب المستقبل حتى آخر نفس يخرجه من صدره؛ كي لا يخرج من ذكريات الماضي التي تتربص في كل خطوة يمضى بها قدمًا؟!.
استنشق الهواء لينتفخ صدره به، ثم يزفر أنفاسًا عميقة يخرج معها كافة الهموم المحملة على عاتقه ولو حتى لفترة قصيرة!.
انتبه على نغمة رنين جواله رفع يده الممسكة بعجلة القيادة، والتقط بهاتفه الموضوع على المقعد الآخر بجواره، وضغط على ذر الإجابة، ورد بهدوء
: ألو يا نيرة … مالك بتعيطي ليه؟
أوقف السيارة على مهلٍ عندما سمع شهقاتها ليسمع إجابتها بصوتها الشجي من سماعة الهاتف
: مامة عز ماتت يا مراد
رد بتلقائية: لا إله إلا الله، امتى الكلام دة؟ … وأخبار فريدة إيه؟
سأل باهتمام بالغ وهذا أول ما خطر بباله من الأساس عندما أخبرته بوفاة الجدة، ليردد كلمتها بهمس
: منهارة! طيب خليكي معاها يا نيرة وما تسيبيهاش!
قال متلهفًا بقلب حزين، ثم عقد حاجبيه لسؤالها الآخر
: لا معرفش هاجي ولا لأ … سلام
أغلق الخط، وتخيل حالة فريدة الآن وهو يتذكر اليوم الذي فارقت فيه والدته الحياة، وكيف كان يشعر حينها، تمنى في قلبه لـ فريدة بصدق، أن يلمها الله الصبر وأن يبعث في قلبها السكينة والرضا بقضاءه وقدره.
________
: تيتة ماتت يا نرمين، ماتت ومش هشوفها تاني، كل اللي بحبهم بيبعدوا عني، مرة ماما ومرة تيتة، بقيت لوحدي
هدرت بها فريدة ببكاء حارق وشجن، وعبراتها تتساقط على وجنتيها بغزارة، تحتضنها صديقتها بقوة كأنها تريد أن تبعث الطمأنينة وأنها ستظل بجانبها.
أردفت نرمين بنبرة حزن عليها: أرجوكي اهدي يا فريدة، انتي مش لوحدك، أنا معاكي ومش هسيبك
لتقترب نيرة منها تلقفها من بين ذراعي نرمين وتحاوطها بضمة حانية، كأنها تريد أن تخبئها بين ضلوعها، لتهمس بنبرة وامقة يغلفها حنين الأمومة
: إنتي عمرك ما كنتي ولا هتكوني لوحدك، كلنا حواليكي ومعاكي وبنحبك .. وانتي لازم ترضي باللي ربنا كتبه، تيتة أكيد في مكان أحسن من هنا، اقري قرءان وادعيلها كتير.
: قلبي واجعني أوي عليها يا نيرة، كانت صحبتي وأمي، كنا عيلة حلوة مع بعض، والقدر جه وفرقنا!
أجهشت بالبكاء لتمسد نيرة على ذراعها بحنو
: بس يا فريدة، مش كدة يا حبيبتي، استغفري ربنا
استغفرت الله ثم أردفت نيرة: ربنا يباركلك ف عز باباكي، هيبقى عيلتك كلها، وأكيد انتوا الاتنين محتاجين بعض ف وقت زي دة!
هزت فريدة رأسها بداخل حضنها، ثم طبعت نيرة قبلة رقيقة على شعرها
_______
وضع رجل المدافن آخر حفنة من التراب على قبر الجدة فريدة، بعد أن تم دفنها .. ألقى عز الدين نظرة أخيرة على القبر مودعًا والدته إلى مثواها .. دمعة حزينة عبرت من مقلته الزرقاء بقلبٍ ينزف حزنًا وألمًا على فراقها،
أزالها بسبابته وحاول أن يمسك نفسه عن العبرات التي تكاد أن تنهمر وجعًا .. استدار مغادًرا مع بعض الأفراد المعزين بعد إنتهاء الدفن…
وضع أسامة ذراعه على كتف عز ليقول بتعزية
: البقاء لله يا عم عز، شد حيلك كلنا لها
: سبحان من له الدوام
همس بحشرجة في صوته ثم سار معهم ذاهبين، تاركًا إياها يحتضنها القبر تحت التراب***
تجمعت الناس في ردهة بالقرب من منزل عز الدين، جميع المقربين من الأقارب والأصدقاء وزملاؤه بالعمل أتوا لتعازيه، حتى زملائه بمصنع الحديدي عندما سمعوا بالخبر كلهم جاءوه،
يتلقى عز الدين التعازي من الجميع بقلبٍ منفطر، وعقلٍ غائب عن الدنيا، يعيش أصعب لحظات قد مرت عليه، الناس بوادي وهو بوادي آخر، يشعر أنه في أرضٍ غريبة وضع بها رغمًا عنه، ألم يغزو قلبه بعد فقدان رفيقة طفولته وشبابه،
هل سيعود للمنزل دون أن يراها ويسمع منها حديثها الشيق؟ دعواتها التي تخرج من قلبها كل يوم قبل ذهابه للعمل! اهتمامها الزائد حتى بعد الخصلات البيضاء التي لحقت بشعره! الله وحده قادر على إمساك فؤاده تلك اللحظة التي سيدرك رحيلها.
جاء العم شفيق وعماد لتأدية الواجب .. تقدم نحو عز ليضمه بقوة ويربت على ظهره بمواساة، ويهمس
: البقاء لله يا عز، البقاء لله
ثم ابتعد عنه قليلًا ومسد على خده برفق: شد حيلك
اومأ عز بخفة ثم أشار إليه بالدخول: اتفضل
تحرك عماد من خلفه وقام بتعزية عز ثم دلف وراء العم شفيق ليجلسا على أحد المقاعد.
________
بدأت النساء بالقدوم لمنزل عز الدين يعزون فريدة التي كانت أشبه ما يكون بجسد بلا روح غارقة في تيهان وحالة يرثى لها، الحزن والأسى يسيطران عليها، لا تشعر بمن يرثيها ويقدم التعازي، فهي بمكان آخر غير مدركة بالحاضرين. تسرقها السكين، مسكينة هذه الصغيرة عانت الكثير من الآلام والتي آلت بفقدان جدتها.
: تحبي ترتاحي يا فريدة؟
سألت نيرة وهي تجلس على الأريكة بجوار فريدة، لتكتفي الأخرى بالنفي برأسها دون النطق
: طب انتي مخدتيش دواكي، هروح أجيبهولك؟
قالت نرمين وهي تنهض، فلم ترد عليها فريدة، فأشارت لها نيرة بعينيها أن تذهب. إن الطبيبة قد أعطت لها مهدئًا للأعصاب بعد انهيارها في مكتب مراد .. وعلى جانب آخر هناك سيدتان يعلقان نظرهما بترقب على نيرة واهتمامها بفريدة كأنها والدتها، فتسأل إحداهما الأخرى بهمس وهي ما زالت تتطلع أمامها
: ألا قوليلي هي مين الحلوة اللي قاعدة جنب فريدة دي؟
لترد عليها بنفس همسها: والنبي يختي ماعرف، الظاهر قريبتهم
مطت شفتيها وهي ترفع بكتفيها: يمكن، أصل انا عمري ما شوفتها!
نهضت نيرة ودلفت للمطبخ لتقوم بتحضير بعض الشطائر حتى تتناولها قبل أخذ الدواء، فأعدت الوجبة السريعة المكونة من الجبن والطماطم، على قدر معرفتها، ثم وضعتهم بصحن وأخذتهم لـ فريدة، متزامنة مع عودة نرمين بالحبوب..
لتقول نرمين وهي تخرج حبة من القنينة الزجاجية وتعطيها لها
: اتفضلي يا فريدة
: استني يا نرمين، خليها تاكل الساندويتش الأول عشان متاخدش البرشام على معدة فاضية!
منعتها نيرة وهي تضع الصحن أمامها على منضدة صغيرة، وأخذت شطيرة وتقربها من فمها، فترفع فريدة بيدها مانعة إياها وهي تنفر برأسها
: مينفعش يا فريدة لازم تاكلي
قالت نيرة وهي تحاول معها، لتهمس فريدة بنبرة مبحوحة بعدما أزاحت يدها قليلًا عن فمها
: ماليش نفس
أردفت نرمين: انتي مكلتيش حاجة من الصبح طيب!
: مش عايزة
تطلع الإثنان لبعضهما بيأس لمحاولتهما إطعامها دون جدوى
________
ترجل من سيارته أمام ردهة العزاء، ثم سار متوجهًا نحو الداخل، سلم على أسامة الذي يقف بجوار عز الدين، فيتفاجأ به ويهتف باسمه دون إدراك
: مراد باشا؟
رفع عز الدين رأسه فور سماع اسمه لتقع عيناه على مراد الذي اقترب منه ومد يده وهو يقول
: البقاء لله
سلم عز الدين عليه دون التفكير في أي شئ آخر، بل رد عليه بمنتهى التهذيب والإحترام متناسيًا أي فعل اقترفه
: متشكر .. اتفضل
أشار له بالدخول؛ فتحرك مراد للداخل وينتبه إليه العم شفيق وعماد الذي وقف فورًا له، ثم أماء إليه مراد بهدوء أن يمكث بمكانه..
جلس هو ع مقعد بجوارهم ليربت العم شفيق على فخذه، ويتمتم
: طول عمرك راجل يا مراد، والواجب ما يفوتكش أبدًا
ابتسم ابتسامة طفيفة، متعجبًا من نفسه، ولا يدري ما الذي جعله يأتي، لقد صعد سيارته مقررًا الذهاب لمكان آخر، ولم يشعر سوى أنه يركن كبريائه وخلافاته جانبًا، ويتبع قلبه الذي قاده إلى هنا، فتأدية الواجب بالنسبة له شيئًا حتميًا لأي شخص، لكن هذه المرة لم تكن كذلك بل يوجد نطفة داخلية أجبرته على فعل هذا!
شخصًا مثل مراد لا يمكن أن ينسى أي إهانة توجهت له مهما حدث، والذي بينه وبين عز ليس بالقليل، كان من الممكن أن يبعث أحدًا مكانه مثل عماد أو أي شخص آخر،
أو يكتفي بوجود نيرة مثلًا!! فعز ليس بالشخص المهم حتى يجبر على القدوم بنفسه ويعازيه! فترى هل ما فعله لأجلها هي؟ وإن كان كذلك فلن يعترف حتى بينه وبين نفسه!.
بدأ القارئ بتلاوة بعض الآيات القرآنية التي تبعث في نفوس الناس الطمأنينة والسكينة، لينتبه الجميع بما فيهم مراد، على صوته العذب بجمال النصوص السماوية العظيمة يتناسى بها أي مرار وغمة.
________
: فريدة قومي ارتاحي شوية، شكلك مرهق أوي
همست بها نيرة، فطاوعتها فريدة ع الفور لأنها بالفعل تشعر بالإعياء .. ساعدتها على النهوض بلطف، وتشبثت بكفتها خوفًا من السقوط أرضًا نظرًا لحالتها، ثم توجهت بها إلى حجرتها بقدمين متثاقلتين في خطواتها واستلقت فريدة بظهرها على السرير بهدوء، لتنعم في نوم عميق ما أن وضعت رأسها على الوسادة، ثم غطتها نيرة وقبلت وجنتها بحنان.
اثناء تحركها للخروج استمعت نيرة إلى صوت هاتفها يعلن عن اتصال، بسرعة سحبته من جيبها الخلفي حتى تطفئه كي لا تزعج فريدة، كونها صدقت أن تنعم بالهدوء قليلًا؛ فما شاهدته اليوم لم يكن بالأمر السهل.
لترد في هدوء وهمس وهي تغلق الباب خلفها: أيوة يا مراد … إيه انت تحت؟ طب أنا نزلالك حالًا
: نامت؟
سألت نرمين وهي ترى نيرة مترجلة من الغرفة، لترد
: الحمد لله .. أنا نازلة شوية عشان مراد تحت البيت، خلي بالك منها لغاية ما أرجع
أومأت برأسها ثم سارت نيرة متوجهة نحو الباب لتخرج إلى ابن أخيها الذي ينتظر بالأسفل على أحر من الجمر حتى يطمئن على صحة وحال فريدة .. يلصق ظهره على جانب السيارة، خافض رأسه ينظر إلى موضع قدمه بشرود،
ليسمع صوتها الهاتف فاعتدل بجسده وهو يرفع برأسه ليراها تقترب منه، وتسأله بلين
: ازيك يا حبيبي؟ جيت تاخدني مش كدة؟
هز رأسه نافيًا ثم تساءل بهدوء وهو يحاول ألا يظهر لهفته
: فريدة عاملة ايه؟
: الحمد لله، كنت جاي تعزيها ولا إيه؟
تنهد ثم أردف: أنا كنت ف العزا عند أبوها، وقولت آجي أطمن عليكي وعليها
قال ذلك حتى لا تظن أنه جاء لفريدة بالخصوص
ثم تفاجئت نيرة برده: انت عزيت عز الدين!
ليرد باقتضاب: أه، يعني دة واجب وكدة، المهم انتي هتقعدي ولا هتيجي معايا؟
سأل فأجابت بأسى: فريدة محتاجاني يا مراد معاها، حالتها مطمنش أبدًا، دي حتى مرضيتش تحط لقمة ف بوقها ولسة حالاً نايمة
ملأ صدره بالهواء محاولة تهدئة نفسه، بعد علمه بما تمر به فريدة، ليزيد هذا من حيرته، فانتبه على نيرة وهي تقول
: هتخليني أقعد معاها مش كدة؟
سألت بترجي وهي تضغط على أنامله وكأنه سيمنعها، ثم أجاب بتأكيد
: وانتي فكرك إني هسمحلك تروحي معايا وتسيبيها؟ ادخلي يلا وانا هبقى اتصل أطمن عليكي.
ضمته بحب وطبع قبلة رقيقة على جبينها، ثم سارت متوجهة إلى البيت وراقبها بعينيه حتى دخلت وأغلقت الباب، ليصعد هو الآخر سيارته وانطلق بها مغادرًا.
_______
كانت تخرج من أحد الحجرات ف الساعة الثالثة فجرًا، بعد أن انتابها العطش، لتسير نحو المطبخ، فتستمع صوت شهقات عالية تأتي من غرفة المعيشة، استدارت لتعود أدراجها متوجهة نحوها بسرعة، فتجد عز يجلس على أحد الأرائك، يكور نفسه ويدفن رأسه بين ذراعيه.
اقتربت منه وقبضت على ساعده بقلق وهي تميل بجذعها العلوي نحوه، فتساءلت نيرة برجفة في نبرتها
: عز انت بتعيط؟
رفع برأسه دون النظر إليها فلمس خديه ليزيل دموع الألم من عليها، فتمتم بنبرة متحشرجة
: أول مرة أحس اني مكسور يا نيرة، وجع موت أمي قطم وسطي، حاسس إني مخنوق وضعيف، محتاج حضنها يدفيني، يديني قوة من تاني
أغمض جفنيه بضعف فتهبط دموع ساخنة على كلا خديه بأريحية،
ترقرقت الدموع بمقلتيها فور سماع هدره الموجع لها قبله، لم تتحمل هذا الهزل الذي أصابه، ما كان كذلك أبدًا، فدائمًا هو الإبن والحبيب القوي الشجاع، الذي يتحمل أي أمرًا كان،
فجيعة موت والدته أوجعته، خارت قواه لها، جعلته هش من الداخل، كالطفل الصغير الذي يقف وحيدًا ليلًا في البرد القارس ولا يجد من يدفئه،
جلست بجواره وأمسكت بذقنه تحركه نحوها بلطف، وضعت كلتا كفتيها ع وجنتيه تمسح عنهما العبرات التي تصيبها بنصل من السهام في فؤادها،
فتهمس له بأنفاس أصابها الوتيرة، ونبرة أشبه بالجهشان
: أنت أشجع من كدة يا عز، دة أنا كنت بتقوى بيك انت، ضعفك دة بيوجعني أوي، أرجوك جمد قلبك، لو مش عشان خاطرك يبقى عشان فريدة بنتك!
رفع جفنيه الذابل، ببطء وهو ينظر لمقلتيها الوامضة، يتطلع وكأنه يترجاها بزرقاوتيه ألا تتركه وتذهب، فهو في أشد الحاجة إليها، وضع جانب رأسه على صدرها دون وعي وإدراك،
بل استمع إلى دقات قلبه التي بدأت بالخفقان منذ أن رآها ثانية وعادت إلى حياته من جديد، أغمض جفنيه بطمأنينة وحاوط خصرها متشبثًا بملابسها، لتضم رأسه بذراعيها تلقائيًا، وتطبع قبلة حانية فوق شعره،
ثم حركت شفتيها بتمتمة وهي تتلوا بعض الآيات القرآنية، فبدأ هو بالسكينة على همسها، ويستسلم للنوم الهادئ بين أحضانها…
____________
: والله يا باشا ما صدقت إنك هتيجي العزا بعد اللي حصل، بصراحة فاجئتني، بس طلعت روحك رياضية بجد، عاش.
هتف عماد بحماقة كما هو العادة، وهو يرفع بقبضة يده بفخر.
قام مراد من مكانه ويتحرك من خلف المكتب وهو يرسم ابتسامة صفراء على ثغره، فيتحدث بهدوء مزيف وهو يضع يديه بجيب بنطاله..
: بقا انت اللي قولت لـ عز اني اغتصبت فريدة؟
: احنا عايزين نخدم بس
رد عماد بابتسامة عريضة بلهاء، ليزيد مراد من ابتسامته فيضحك الآخر لها، ولا يدري أنه يتصنع هدوءًا مصطنعًا قبل أن يفتك به..
ليتفاجأ عماد بقبضة يده تجذبه من ياقة قميصه، فابتلع لعابه وبالأخص من نظرات مراد القاتلة، ليهمس بنبرة مرعبة جعلت قلب عماد يرقص رعبًا
: وتقوله إني كمان هصلح غلطتي بدل الفضيحة؟
: أمال يعني عايز تسرق شرف البنت، ومتتجوزهاش؟
أردف بحماقة كبرى وهو لا يتصور كم الخطأ الذي اقترفه
ليصرخ به بحدة وهو يهزه: عماد، أوعي تجيب سيرة شرفها ع لسانك حتى لو من باب الهزار، سامع
هز عماد رأسه عدة مرات باضطراب، ثم تمتم بتوتر: أنا كان نفسي أوفق راسين ف الحلال بس!
رفع كلتا حاجبيه: والله؟ طب غور بقا من قدامي…
دفعه بحنق وهو يردف: بدل ما أسرق لسانك وأخليك ما تعرفش تتكلم تاني، وارتاح من هرتلتك اللي فـ مرة هتوديك ورا الشمس.
ضبط من ملابسه ثم تحرك مغادرًا وهو يتمتم بخفوت معاتبًا لنفسه
: أنا مني لله إني عايز أفرحك أصلاً، يا رب تعنس…
ثم تراجع عما قال: لالا أنا كدة بدعي ع نفسي برضو، يا رب تقع بوزك ف الحب يا شيخ عشان ما تعرفش تنام ليل ولا نهار!.
________
تحمل نيرة في يديها صينية الطعام، وهي تدلف لغرفة فريدة بينما الأخرى تكاد تصحو لتوها وهي تتقلب ببطء
فتهتف مبتسمة وهي تضع الصينية على طاولة صغيرة: صباح الفل ع الجميل
: نيرة؟ انتي لسة هنا؟
سألت بصوت مبحوح يكاد يفهم، لترد وهي تجلس
: طبعاً هو انتي متخيلة اني أسيبك وأمشي؟
تطلعت إليها وهي تعقد حاجبيها، ترى ماذا فعلت لكي تجعل مراد يوافق على بياتها هنا؟
لتردف نيرة: يلا بقا قومي كلي، ويا ريت متعترضيش لإنك مكلتيش حاجة من امبارح!
أومأت برأسها بهدوء ثم قالت: هروح أغسل وشي وآجي .. هي نرمين هنا؟
سألت قبل أن تنهض، لترد نيرة..
: أنا قولتلها تمشي مع إنها أصرت تفضل، ولما أنا ضغط عليها مشيت وقالت هتيجي الصبح، وأكيد زمانها جاية دلوقتي.
هزت برأسها ثم أزاحت الغطاء عنها وخرجت من الحجرة متوجهة للمرحاض.
بعد دقائق معدودة عادت تدلفت إلى غرفتها وتساءلت عن أبيها..
: بابا فين من امبارح مشوفتوش ووحشني أوي!
نهضت نيرة من مقعدها وأمسكت بكف فريدة وأجلستها بجوارها
: باباكي كويس أوي الحمد لله، هو كمان سأل عنك ودخل اطمن عليكي
أمسكت بلقمة صغيرة وأغمستها في صحن الفول، ثم رفعتها لشفتيها لتقضمها فريدة وتبدأ بمضغها بهدوء
لينكمش وجهها وتسأل: هو مين اللي عمل الفطار دة؟
: أكيد يعني عز، انا فاشلة جدًا ف موضوع الأكل دة
قالت وهي تغمس بقطعة أخرى، ثم أدخلتها فمها بلطف
: ع فكرة مراد جه امبارح وكان عايز يعزيكي
أردفت نيرة بعفوية، لتنهض الأخرى والتجهم يعتلي ملامحها، فتنطق في وجوم
: مش عايزة منه عزا، كفاية اللي عمله!
أمسكت بمعصمها وجذبتها بحنو وتابعت إطعامها وهي تهمس
: عندك حق، هو فعلًا ما يستاهلش إنك تقبلي حاجة منه بعد اللي حصل
قالت مؤيدة لكلامها، فتابعت: هو راح لعز وأدى واجبه، مكانش فيه داعي ييجي، وكمان يقلق عليكي ويسألني كل شوية ف التليفون عشان يطمن! لالا دة زودها
قالت نيرة بمكر، فأشبكت الأخرى ما بين حاجبيها، وهي تتساءل
: هو كان بيسأل عني بجد؟
أومأت برأسها، فتهللت أسارير فريدة، ورغم شعورها بالسرور لما قالت، إلا أنها حركت رأسها بعيدًا وهي تقول بجفاء طفيف
: مايخصنيش برضو، ويا ريت ما تجبيليش سيرته مرة تانية!
افتر تغر نيرة عن ابتسامة: حاضر
استطاعت نيرة أن تستفزها بعد أن رأت اللمعة المبهجة في عيناها، وعلمت أنها تهتم لسؤال مراد عنها، مهما حاولت اخفاء ذلك.
________
بعد عدة أيام عادت نيرة لمنزل مراد وكانت تطمئن على فريدة وعز الدين يوميًا سواء بالهاتف أو لزياراتها المتكررة في بيتهم،
حاول مراد مرات متكررة أن يلتقي بفريدة أو يكلمها، لكن لم ينجح الأمر معه بسبب ذلك الكبرياء اللعين ورهبته بأن تحرجه، وبالطبع هو لن يتحمل ذلك، خاصة أنه يعرفها تمام المعرفة لن تصمت عن حقها، ولن تكترث لهيبته، ومع أنه يوجد حلول كثير إلا أنه يدري ماذا يفعل؟
خرج في الساعة السابعة مساءًا من إحدى البنايات بعد أن انتهى من مقابلة عملية، ليصعد سيارته ويقودها متوجهًا إلى منزله .. وبعد نصف ساعة وجد نفسه يقف بسيارته أمام المبنى الذي تدرس فيه فريدة،
لم يشعر بحاله وهو يسير في اتجاه الطريق الذي يقوده إلى هنا، انتظر قليلًا ثم وجدها تخرج من المبنى محتضنة بين ذراعيها مذكرة بيضاء، ثم دعت صديقتها نرمين لتذهب فى طريقها مع هادي،
ووقفت هي تنتظر، خطف نظرة سريعة على مذكرتها من الداخل ثم أغلقتها، تتأمل بشرود الطريق بملامحها التي بهتت قليلًا، وعينيها الذابلتان، لم تعد تلك البسمة تصاحبها كما في السابق،
تشبك شعرها ذيل حصان فبدت بريئة بعض الشئ، ترتدي ملابس سوداء قاتمة حزينة، هل نحف وزنها؟ بالتأكيد، رغم كونها ليست بسمينة إلا أن الفرق واضح بين الآن والماضي، لكنها ما زالت جميلة وصغيرة،
رآها تزفر بحنق كونها لم تجد سيارة تقف لها رغم محاولتها في إيقاف واحدة، تمتمت بشفتيها بعض الكلمات فترجم هو ما تقول بسهولة، ليبتسم ساخرًا على زمجرتها تلك،
قد تتخلى عن أي شئ إلا لسانها اللاذع، ظل لثوان يتأملها، وبعد صراع وتضارب بينه وبين عقله، قرر رمي كل شئ للخلف والهبوط من السيارة،
ليسير في خطوات واثقة وهيبة جامحة، فتنتبه إليه فريدة يقترب منها، تراجعت للخلف ببطء، ليلاحظ خوفها ويقف مكانه، تنهد بضيق شديد على ذلك الرعب الذي ظهر فورًا على ملامحها،
كان سيأخذ وضع الفرار، لولا أنه قرر ف لحظة الإستمرار في خطاه صوبها، ليقف بالقرب منها فوق الرصيف، تتطلع لأسفل وزادت من احتضان مذكرتها كأنها تتحامى بها،
كل ذلك تحت نظرات مراد المترقبة والمتفحصة، حمحم قليلًا فشعر باهتزاز جسدها، مجرد حمحمة جعلتها تخز هكذا؟
فتح فمه ليقول
: أنا…
قاطعته محذرة بأعين خافضة: لو سمحت، أنا مش مستحملة أسمع منك أي كلمة، يا ريت تمشي وتسييني ف حالي!
: أنا مش جاي أجرح فيكي، أنا كنت جاي عشان أعزيكي
رفع ببصرها مندفعة وهي تهتف بشراسة: وأنا مش قابلة تعازيك، اتفضل يلا
أشارت بعنف أن يذهب ثم أجفلت بوجهها عنه، حاول هو امتصاص غضبه وألا يكثرت لكلامها، فهي بالتأكيد ما زالت مستاءة مما فعله، تنهد براحة ثم أردف
: ع العموم أنا مقدر الوضع اللي انتي فيه، ومش هاخد كلامك بجدية، ولما تهدي هيكون في بينا كلام
اندفعت متذمرة: مفيش بيني وبينك أي كلام يا مراد، أصلاً ما ينفعش حتى نقف الوقفة دي، وأوعى تكون فاكر عشان جيت ف عزا جدتي إني هسامحك، تبقى بتحلم.
قبض على راحة يده بقوة يمتص صراخها عليه، ويكبح جماحه، ليرسم ابتسامة مستفزة ويقول
: ومين قالك إني مستني مسامحة، أساسًا انا مفكرتش ف كدة لما جيت العزا، بس لو انتي شايفة مجيتي هناك ودلوقتي ع إنه سبب للمسامحة، فمش هحاول أغيرلك فكرتك، لأنه ميهمنيش!
أيها المتغطرس العنجهي اللعين، تحاول أن تزعجها بكلامك الملعون هذا ونظرتك الغامضة التي هي جزء من شخصيتك، وابتسامتك المزيفة تلك، لا لن تنجح في ذلك
رمقته بشزر قبل أن تستدير مغادرة، ليهتف باسمها فورًا
: فريدة
لتقف عقب نطقه اسمها لأول مرة كما تعتقد هي، زلزلة احتلت فؤادها، اللعنة كم أن اسمها أصبح جميلًا من فمه الذي نفح سحرًا حاوطها، لالا تابعي سيرك هذه ليست حقيقة، تابعي يا حمقاء لم ينادي!
سارت متابعة لكنه استوقفها مرة ثانية وهو يمط اسمها بهمس
: فـريـدة..؟
استدارت لتهتف مزمجرة: نـعم!
: تعالي أوصلك
قال متبسمًا، لتعترض بطفولية وهي تصيح: لأ
ثم تحركت في خطوات متأففة، فيضحك هو على طفولتها المتذمرة، بينما في جانب آخر كانت تتابعهما أعين زرقاء تشتعل كالنار وتطلق سهامًا تريد أن تفتك بهذا الذي يطارد صغيرته………….
- لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية ظل السحاب)
استغفرالله
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم