روايات

رواية ارناط الفصل الثالث 3 بقلم حور طه

رواية ارناط الفصل الثالث 3 بقلم حور طه

رواية ارناط البارت الثالث

رواية ارناط الجزء الثالث

ارناط
ارناط

رواية ارناط الحلقة الثالثة

الشارع كان فاضي…
إلا من صوت المطر، بيخبط فوق الأسفلت كأنه بيبكي.!
وأنفاس راهب، تقيلة ومتهدجة، وهو بيجري نازل على السلالم، قلبه بيضـ ـرب أسرع من خطواته.
شاف الناس ملمومة في نص الطريق.
وشافها…!
مرمية على الأرض،
الـ ـدم سايح جنب راسها، بيختلط بمياه المطر،
وعينيها…
نص مفتوحة، بتدور عليه وسط الضباب والزحمة والصوت.
ـــ شهد…!
راهب ركع جنبها، ركبته خبطت الأرض من غير ما يحس.
إيده بتترعش وهو بيهزها بخفة، كأن لمسها ممكن يرجع لها الروح:
ـــ هتعيشي… سامعاني؟ هتعيشي… بالله عليكِ، اتحملي، علشاني!
شهد حاولت ترد بابتسامة، لكن وشها كان متلخبط…
فيه وجع، وخوف، وعتاب مكتوم بيقطع القلب:
ـــ ليه يا راهب… ليه عملت كده؟
كلماتها خرجت كأنها بتنــ ــزف معاها، وهو حسها زي سهم في صدره.
راهب شد الجاكيت من فوقه، وحطه تحت راسها، يحميها من برد الأرض، من المطر، من الحقيقة اللي بتكســ ــرهم سوا.
صوت الإسعاف بدأ يسرق انتباه ،الناس بتقرب بسرعة، لكن راهب ما سمعش غير صوت أنفاسها وهي بتتقطع…كأنها بتودعه.!
ـــ ما تسبينيش… بالله عليكي ما تسبيني.
إيده كانت على وشها، كأنه بيحاول يثبت وجودها بإيده، يحفظ ملامحها قبل ما تختفي.!
شهد همست بصوت واطي، بالكاد سمعه:
ـــ فين سيف؟… قولي إنك ما أذيتـ ــوش…؟
كلمة ،سيف، طعــ ـنته.
قبل ما يلحق يرد، عنيها غابت…
وسكتت.
راهب لسه راكع جنبها، وشه ملتصق بوشها،
نفسه بينقطع، عنيه مش قادرة تبعد عنها، كأنها آخر ما تبقى له من الدنيا.
الناس حواليه بتزعق، حد من المسعفين بينادي عليه، بيشد فيه…
بس هو ماكانش في الدنيا دي.
راهب كان لسه متمسك بإيديها، بيقول بهمس مكسور:
– ما تسبينيش… أنا غلط… بس ما تسبينيش…شهد
كان في لحظة واقفة… متجمدة.
لحظة فهم فيها إنه خسر كل حاجة… بإيده.!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرت أسابيع كأنها سنين!
البيت الريفي في ضواحي أمستردام كان هادي… بس الهدوء ده مكانش راحة، كان اختناق.
الشارع فاضي، لا ناس، ولا صوت عربيات، حتى العصافير كأنها نسيت تغني.
ليلى كانت بتصحى كل يوم على نفس الكـ ـابوس…
جـ ـثة ملطخة بالـ ـدم، نظرة أرنـاط الأخيرة وهي بتغرق في عينيه، الخبطة اللي خلت كل حاجة تنتهي.
الصوت ده بقى أنفاسها… صار ملامح حياتها الجديدة، اللي ما فيهاش غير ذنب، وخوف، وألم.
عالية كانت بتيجي كل كام يوم، تجيب لها أكل، تطمن عليها، تحاول تطبطب عليها بكلام بسيط، لكنها كانت عارفة إن فيه وجع ملوش دوى.
ومع مرور الوقت، بطن ليلى بدأت تكبر.
علامات الحمل ماكنتش محتاجة حد يشرحها.
أول مرة وقفت قدام المراية وشافت التغير اللي بيحصل في جسمها، ضهرها تقوس فجأة، وإيديها اتسندت على الرخام، عينيها اتغرقت دموع:
ـــ حياته جوا جسمي… ابن الراجل اللي خدعني… وخوفني… وأنا فاكرة إني متجوزاه!
كان جواها حاجة بتصـ ـرخ إنها تتخلص منه، لكن في نفس اللحظة، حاجة تانية كانت بتترجاها تسيبه.
مكنش قدامها قرار… الجنين ده كان آخر خيط بيربطها بأرنـاط، حتى لو الحبل ده كله شـ ـوك.!
مشت ناحية غرفة النوم وهي بتحاول تلم نفسها، فجأة شعرت بحاجة غريبة… في حد وراها؟!.
قبل ما تلف، إيد خشنه سدت على فمها، وصوت خافت وبارد فاجأها:
ـــ وحشتيني يا ليلى…
عنيها اتسعت من الصــ ـدمة، وحاولت تصــ ـرخ، لكن الصوت اتكتم تحت كفه:
ـــ اخرسي… مش عايز أأذيــ ـك دلوقتي، إحنا لسه في أول اللعبة.!
سحبها بسرعة ناحية الباب الخلفي، وهي بتحاول تضــ ـربه وتقاوم، بس جسمها كان ضعيف… كانت لسه تحت صــ ـدمة خبر الحمل، ونفسها مش منتظم.
ركبها في عربية سودا واقفة بره، لفها ببطانية وربط إيديها بشريط بلاستيك.:
ـــ فاكرة آخر مرة شفتيني فيها؟
ليلي كانت بتحاول تفهم مين… ملامحه بدأت تبان مع لمعة النور اللي دخلت من الشباك…اتسعت عينيها، وانفاسها حشرت في صدرها:
ـــ أر…؟!
لكن قبل ما الكلمة تخرج كاملة، ايده سبقتها.
صفعة عنيفة دوت في العربية وسكتت كل شيء.
راسها مال، والوعي انسحب من ملامحها.
بهدوء قـ ـاتل.!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستشفى ــ جناح الحالات الحرجة.!
– بعد مرور أسابيع.!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهدوء كان مخيم، مشهد صامت إلا من صوت خطوات الدكتور، بطيئة وتقيلة… كأن كل خطوة بتزف خبر موجع.
وقف قدام عبدالحميد العراف، اللي كان قاعد على حافة الكرسي، ضهره محني، وراسه في الأرض.
سحر الطوخي،زوجه عبد الحميد العراف،
سحر الطوخي… الاسم اللي كان دايما يتقال في البيت بنبرة غريبة، لا هي احترام ولا كراهية كاملة، لكن فيها شيء مش مفهوم.
هي مش أم شهد وراهب، لا.
هي |مرات أبوهم|
جات على البيت وهي شابة، في عز أنوثتها، بعد سنين قليلة من اختفاء أمهم.!؟
هنتعرف عليها اكتر مع تسلسل الاحداث.!
نرجع نكمل الاحداث الحاليه…!
وبلاش تسالوني عن اختفاء امهم ؟!هتعرفوا كل حاجه.! في وقتها ولكن صبر جميل .!🤌😂
سحر الطوخي،كانت قاعدة وراه، ووشها متحجر… لا فيه دمعة، ولا حتى ارتعاشة.
راهب كان واقف بعيد، لازق في الشباك، ساكت، بس عينه مش بتتحرك عن الدكتور، مستني الكلمة اللي هيهدم بيها جدران قلبه.
الدكتور أخد نفس عميق، وحاول يهرب من العيون اللي بتسأله قبل ما يتكلم:
– عملنا كل اللي نقدر عليه.
عبدالحميد رفع عينه، كانت حمرا ومتعبة، وصوته مطفي:
– يعني… خلاص؟ مفيش أمل؟
الدكتور بص له لحظة، وقال بنبرة متزنة:
– الحادث سبب نزيف داخلي حوالين العصب البصري… حاولنا نحافظ عليه في أول ٤٨ ساعة، لكن التلف كان أوسع من التوقع. عملنا أكتر من عملية على مراحل، آخرهم من أسبوع، بس… مفيش استجابة.!
سحر الطوخي قالت بصوت ثابت، لكن برده يخدش القلب:
– يعني شهد فقدت بصرها؟ بقيت عمياء؟
الدكتور ثبت عينه فيها، وقال بهدوء:
– أيوه. فقدت بصرها بشكل دائم…
سكت لحظة، وبعدين كمل:
– وإحنا بلغناها النهارده.!
صوت راهب جه فجأة، وهو بيستدير ناحية الدكتور:
– وهي قالت إيه؟
الدكتور بلع ريقه، كأن الكلمة تقيلة على لسانه:
– ما قالتش حاجة. كانت ساكتة… بس عينيها، اللي ما بقتش تشوف، قالت كتير.
عبدالحميد قام على مهله، زي واحد كبر سنين في لحظة، وحط إيده على راسه، صوته انكسر:
– بنتي… دي كانت نور عيني…
سحر الطوخي ،قامت من مكانها، وشدت ضهرها، وكأنها بتحتمي في الكبرياء من الألم:
– دي ضريبة الطريق الغلط، يا عبدالحميد… وأوقات ربنا ما بيسامحش بسهولة.
راهب بص لها، نظرته كانت تقيلة، محملة بغصة مش بتنبلع، وقال قبل ما يفتح باب الغرفة ويخرج:
– ربنا بيسامح… لكن البشر هما اللي بيسموا العقاب، قضاء.!
الدكتور اتنحنح، يحاول يرجع الجو للمنطق، وقال بنبرة عملية:
– المهم دلوقتي إننا نبدأ نهيأها لحياتها الجديدة… الدعم النفسي لازم. هي محتاجة ناس حواليها تبقى ضهر وسند.
عبدالحميد ساب نظره يسقط على البلاط، وصوته جاي من بعيد:
– راهب… راح فين وسايب أخته في الحالة دي؟
سحر الطوخي ما ردتش في الأول… كانت بتبص في الفراغ، كأنها بتشوف حاجة ما حدش شايفها، وبعدين قالت:
– يمكن مش قادر يواجه الحقيقة.
عبدالحميد تمتم بصوت خافت، بالكاد سمعه حد:
– أو يمكن بيهرب منها… زي ما هرب من ضميره.؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
« قمة الجبل | ليل»
،ـــــــــــــــــــــــــ
أوقف راهب سيارته عند الحافة، نزل منها بصمت، عيناه حمراء من البكاء.!
خلع قميصه، وأخرج قـ ــرباقا جلديا من المقعد الخلفي.!
بدأ يجلد نفسه على ظهره بقسوة، ودمـ ـه يسيل، يهمس بصوت مكسـ ــور:
ـــ كنت ضهرك يا شهد… وبقيت سكـ ــينك.!
كنت المفروض أحميك… مش أكون سبب عماك !
ضــ ـربات متتالية، يتهاوى معها جسده، حتى سقط على ركبتيه.!
رمى القــ ـرباق بعيدا، نهض بصعوبة، دخل السيارة من جديد.
داس على البنزين، والعربية تقترب من الحافة…
عينيه على الفراغ قدامه، قلبه مثقوب، ونفسه الأخيرة
ينكســ ــر صوته.!
ثــم!
صـوت صــ ــريخ الفـرامل…
وصـوت الـريح يعـوي كـأنه بيعـاتبه…
كـأنه بيقـول لـه:
ـــ ده عقــ ــابك… مــش خلاصــك.!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ارناط)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *