رواية آصرة العزايزة 2 الفصل التاسع 9 بقلم نهال مصطفى
رواية آصرة العزايزة 2 الفصل التاسع 9 بقلم نهال مصطفى
رواية آصرة العزايزة 2 البارت التاسع
رواية آصرة العزايزة 2 الجزء التاسع

رواية آصرة العزايزة 2 الحلقة التاسعة
” من لا غيرة عنده ؛ لا حب له ”
تعددت الأقاويل حول مفهوم الحُب وأجملها :
أن الحب هو اندفاع روح إلى روحٍ ..
هو أن يتم فهمك من نظرة عينيك..
أن تكون دائمًا محور الفكر والعاطفـة ، والقليل من العاصفة أن لزم أمر إثبات أن هناك حب فائض بقلبك يود أن يصل لصاحبه..
الحب هو ملازمة شخص لك كظلك ، يريد أن يتعلم عنك ، منك ، ومعك ..
الحُب هو مشاركة الضعف لا مُغالبة القوة..
أن يُحبك قلبي تعني ألا يشاركني أحد فيك ، أنتَ تنتمي لي وحدي .. الحب هو غيرة حارقة وإعلان ملكية صريح ..
“من لا غيرة عنده ، لا حُب له ”
للحبِّ أيضًا علامات يقفُوها الفَطن، ويهتدِي إليها الذكي، فأوَّلها إدمان النَّظر، فترى الناظِر لا يطرف، ينتقل بتنَقل المَحبوب، وینزوي بانزوائِه، ويميل حيثُ مال ..”
لطيف ومغذي ويبرز أفضل ما فيك ، حبوا فالحُب حياة القلوب ….
•••••••••••
-“وأنتِ قلباها مناحـة ليه دِلوق ؟! الراچل عداه العيب وعمل إكده عشان يريح قلبك وبالك ”
أردفت ” أحلام ” جُملتها على مسامع ” ليلة ” التي تضع رأسها نائمـة على ساقيها .. نشجت بحُرقة وهي تكفكف عِبراتها و تعتدل لتشكو لها :
-أنا مش زعلانـة يا أحلام .. أنا غيرانة .. -ثم أشارت على قلبها -هنا في نار بتحرقني لمجرد ما اتخيل بس أن في واحدة مشاركاني فيه حتى ولو بالاسم .
تفهمت عليها وهي تمسح لها آثار حزنها :
-حاسة بيكي يا ضنايا ، أقول لك على سر يفضل بيني وبينك .. لما الحچ چوزته البت صفية كنت أقعد طول الليل أبكي زيك إكده وقلبي يتنفض كيف الطيرة المدبوحـة .. لغاية ما چالي الضغط والسكر أهاه .
أشفقت على حالتها :
-يا حرام !! بس أنتِ اللي جوزتيه بنفسـك !! يبقى زعلانة ليه ؟!
تأوهت العجوز بمرارة :
-چوزته عشان هو حبيبي ويستاهل اسمه يتخلد في الدِنيا ، وحرقة قلبي وغيرتي عليه بردك حب !! هو الحُب أيه غير غيرة !! قلبتي عليّ المواچع .. روحي يا ليلة الله يسامحك ..
بندم :
-سوري يا أحلام .. بس أنا ماليش غيرك ، ومش عارفة اسيطر على كل الحاجات اللي جوايا دي كلها !! أنا عارفة هو بيحبني أنا .. بس زينة هي اللي مراته قدام العالم ، هي اللي ليها حق فيه !! مظبوط ولا أنا بقول أي كلام ؟!
رفعت السيدة أحلام سبابتها ناصحة :
-الوحيدة اللي ليها حق في هارون ، هي اللي قلبه اختارها يا عبيطة .. متخليش الشيطان يضحك عليكِ ..
تمسكت بكفها طالبـة بتوسل :
-طيب ما تديني نصايح زي رقية كده وأنا والله شطورة وهعجبك أوي .
تبسمت أحلام بملامح وجهها المنكمشـة :
-يبقى تقصقصي ريش طيرك أحسن يلوف على غيرك ، عايزاكي تبطلي شكا و بكا وشغل عيال صغيـرة عاد .. وتسمعيني زين .. عاوزاكي تكوني مراة وكتري ..
عقدت حاجبيها بتساؤل :
-يعني أيه أكون مراة وأكتر ؟!
تنهدت بنفاذ صبر وهي تتبع :
-عاوزاكي تكوني على راچلك كيف الغولة ، تحاوطيه زي ضله لازمًا يكون معاكي خط سيره !! تشغليه وتشاغليه !! شدي وارخي ، اضربي وداوي .. وكله في يدك عاد .
كانت تستمع لنصائح أحلام بأعين متسعة واهتمام شديد ، ببطء شديد حاولت فهم مغزى الكلمات وهي تقول :
-فهمتك .. بس ممكن توضحي أكتر وو
صوت دق الباب متبعًا بصوت هارون طالبًا الاذن بالدخول .. عقدت ليلة ذراعيها أمام صدرها وتمتمت لأحلام قائلة بحذر :
-ده هارون ، هعمل نفسي مقموصة أوكيه ..
دخل هارون بعجلٍ وهو يقول :
-أحلام أنا طالع ، وهعوق .. خلي بالك منيها لغايـة ما أعاود .
ثم غمز بطرف عينه :
-متخليش حد يزعلها .
ساد الصمت للحظة يقرأ فيها نظرة ليلة الغاضبة ونظرات أحلام التي تعلن انسحابها ، فأردف بدهشة :
-أيه البوز الممدود شبرين ديه ؟!! خير يارب!!
وثبت أمامه مرتدية قناع العتاب :
-أنتَ عملت كده ليه !!
-أيه اللي عملته مش عاچبك ؟! وأيه الوش ديه ؟!
وقفت أمامه بأقدام حافية ورأسها لا تتجاوز منتصف صدره وقالت بنبرة قوية متكئة على عمودي الغيرة والحُب :
-أنا كان لازم أعرف اللي هيحصل ده قبل ما يحصل ، و أقول لك كده صح ولا لا .
تأوه بتفهم ممزوج بالاعتراض :
-أخد الأذن يعني !! هو في أيه يا أحلام !! ما تفهميها عوايدنا !! وأن الشورة شورة الراجل وبس هنه ..
رفعت كفها مبرئة ذمتها كأنها لم تفعل شيء:
-طلعوا أحلام من بيناتكم ، أنا راحة اتوضى لصلاة الضهر .
جذبته إليها بنبرتها الحادة :
-خليك معايا هنا ، لا مش هتاخد الأذن ولا حاجة ، بس نتشارك في القرار .. دي حياتنا .
عقد حاجبيه ويبدو عليه الاقتناع المهزوز :
-حقك .. بس نتشاركو في اللي يخصك ، وأظن كل اللي حصل ديه مفيهوش حاچة تخصك !
قالت باندفاعٍ :
-أنت تخصني يا هارون.. ولما تجيب اللي اسمها زينة دي لحد هنا وتعمل فيها كده أنا مش موافقة .. دي مهما كانت بنت زيي زيها ، واللي أنت عملته ده مش صح ، يا إما تطلقها بعيد عنك .. يا أما ترجعلها .. لكن أنت بقرارك ده ظلمتها و.
تأفف بضيقٍ :
-زينة اللي ظلمت نفسها مش أنا اللي ظلمتها يا ليلة..
خرجت عن صمتها معاتبة :
-يبقى ما تظلمش زيها يا هارون ، خليها تبعد عن حياتها ونرتاح من ذنبها .. حرام نظلمها حتى ولو غلطت ..
وضع حد لجدالها :
-ليلة مالكيش صالح .. طلعي نفسك من موضوع زينة ديه ، أنا عارف بعمل أيه ..
وقفت أمامه كي تمنع رحيلـه :
-لا يا هارون ، أنا مش هقدر أشوفها بتشاركني حتى بنظرة ليك واعدي الموضوع ، أنا مش مرتاحة كده .. ووجودها هيضايقني حتى ولو أنت رفضتها قدام الكُل ، فهي لسه مراتك .. وديه حاجة هتأذي مشاعري .
مسح على رأسها كي تهدأ ويقصر حبل الجدال بلطفٍ :
-وأنا مش متچوز غير القمـر اللي واقف قصادي ديه ونازل تحقيق فيّ كأني عملت نصيبة ..
ثم وضع قُبلة فوق شعرها :
-بزياداكي عاد ، أبوي مستنيني .. روقي .
وقفت لفترة تقدر بمسافة خطواته لباب الغرفة وهو يرسل السلام لأحلام ، فباغتته ليلة راكضة نحوه لتقف أمامه وتقفل الباب على الفور ذلك الذي لم يواصل فتحه وبنبرة المحقق القانوني قالت :
-رايح فين !
-ما قولت طالع يا ليلة ؟! چرالك أيه ؟!
هزت رأسها نافية فلم تقتنع برده :
-أنتَ دلوقتي راجل متجوز ، يعني في ست في حياتك ، لما اسالك خارج رايح فين تقول لي رايح كذا .. هااه اتفضل جاوب ..
رفع حاجبه وهو يتأمل شخصيتها الجديدة التي تترعرع كالورد بحياته وتفاصيلها ورغم عدم اعتياده على معرفة أحد لخط سيره إلا أنها كانت استثناء قاعدته .. تبسم بإعجاب :
-هصلي ضهر الچمعة .. فرض ربنا ..
-وبعدها هتروح فين ؟! تقريبا قلت هتتأخر بره .
فكر للحظه :
-مشوار مع أبوي ، هنزوروا چماعة قرايبنا ..
واصلت بجدية :
-تمام وهترجع الساعة كام !
-لا ماهو مش تحقيق يا ليلة ؟!!
-لا هو تحقيق يا هارون .. ومش محتاجة أفكرك أنك دلوقتي راجل متجوز ، يعني دخول البيت بمواعيد والخروج كمان بمواعيد .. أنا مراتك فاهم ولا لا !!
تاه في فيض نظراتها ، وغرق في عمق السؤال أكان حُبها حلوًا أمِ الأحلى من الحُبّ الحبيبُ ! حانت منه نظرة للوراء يفتش عن أحلام حتى تأكد من خلاء فباغتها بضمة مفاجأة لتقع أسيرة ذراعيه والحائط وبنظرة تفيض بالعاطفة :
-أنا فاهـم .. المهم أنتِ تكوني فاهمـة !!
حاولت التملص بخوف من حصاره :
-هارون بلاش كده !!
رفع حاجبه مكررًا :
-فاهمة ولا لا !! ولا تحبي افهمك ..
تنهدت بارتباك وهي تنظر نحو باب الحمام المغلق :
-أنتَ عايز أيه دلوقتي؟!
مسك ذقنها بحنو يملأه العاطفة وهو يدنو أكثر :
-عايز استفرد بمرتي ..
أحمر وجهها من شدة الخجل :
-يا نهار أبيض عليا !! هارون امشي عيب كده !
استند مرفقه على الحائط بجوار رأسها وهو يتحدث بنبرة لا يسمعها سواهم :
-أومال أنتِ فاكرة فردة الضلوع اللي فتحتيها عليّ دي ، وعشان تفكريني أنك مرتي هتعدي بالساهل كِده !!
بللت حلقها الذي جفَ من وهج قُربه :
-أحيه هنتقفش !! يعني ايه دلوقتِ .. ؟!
أرسل لها غمزة من طرف عينيـه سرقتها منها إليه وهو يقول متوعدًا:
-يعني صبر 35 سنـة هيطلع عليكِ ، فعاوزك تسدي قصادي !!
زام ثغرها محاولة استيعاب ما سيقوله ، وبأعينها السابحة في تسديد نظراته إليها ، تفاقمت ضربات قلبها من شدة الحُب ، فأنقذها من سِهام نواياه ، فتح باب الحمام الذي استغلته ” ليلة ” لتفر هاربـة منه وهي تمسح على شعرها ، عض على شفّته السفلية محاولًا تدارك تصرفاتها الجنونية ، فأتبعت أحلام :
-وه !! لساتك هنه يا هارون !!
هندم ملابسـه متحمحمًا وهو يقترب ليُقبل رأسها وظهر كفها :
-وهو ينفع أطلع قبل ما أحب على يدك وراسك !! ديه حتى اليوم يكون ملعبك .. بالظبط زي اليوم اللي قابلت فيه ليـلة ..
ثارت بوجهه :
-لحظة ! يعني يوم ما شوفتني كان بالنسبة لك يوم مكعبل !!
أقـر معترفًا بمزاحٍ :
-دي كانت ليـلة مِشندلـة !!
برقت متعجبـة :
-أيـــه ؟!!
ولى ظهره لأحلام ووجهه إليهـا ، ليبرر مقصده :
-ماهو من يومها وحالي اتشندل على يدك ..
حُقن وجهها بدماء الغضب :
-لا والله !! خلاص أنا ممكن اختفي من حياتك خالص ، ولا أيه يا أحلام !! ما تشوفي بيقول أيه قُدامي وأحنا لسه على البر ..
عقدت حزمة رأسها متنهدة :
-أنتوا راسكم عمرانة للعراك ، وأنا مش رايقالكم .
أمسك بمعصم يدها التي تلوح بها ليطبع قبلات وداعه إليها على جوارحها مثلما اعتاد أن يودع ” أحلام ” ولكنه كان محافظًا على الفارق بين وداع أمه وزوجته بقُبلة الكف بدلًا من تقبيل ظهره ، دفن قبلة حنونـة بباطنـه جرت مجرى الدم لقلبها .. ثم جذبها إليه بجسدٍ ثابت ليضع الأخرى بطرف شفاهها قبلة مليئة بالعاطفة .. خاتمًا جولة الحب السريعة :
-خلي بالك من روحك لغاية ما ارجع لها …
تركها تحت تأثير حنيته للحظات غادر فيها الغُرفـة تائهة في بحر حبه المتدفق إليها من كل الجهات حتى انفجرت شاكية :
-عاجبك كده يا أحلام !! بياكل بعقلي حلاوة !!
تبسمت العجوز وهي تمد سجادة الصلاة متأهبة لصلاة السُنة :
-عاجبني ونص .. النهاردة ياكل بعقلك الحلاوة وبكرة ان شاء الله ياكل ويوكلك البقلاوة كلها واشيل عوضك على يدي يا هارون يا وِلد قلبي يارب قبل ما أموت .
-حتى أنتِ يا أحلام !!
~~~
ما خرج هارون من ساحة القصر لأبيه ، انتهى هلال أخيه من زي الصلاة بمساعدة زوجته التي تعيش أنعم الأوقات برفقته ، دلف درجات السُلم بمهـلٍ وهو يذكر الله كثيرًا على لسانه شاكرًا حامدًا ، حتى ألقتي بفردوس التي تحمل مائدة الفطور ” لليلة ” ، تركت الصنية جنبًا وركضت نحوه مهللة :
-الصلاة على الزين الصلاة على الزين ، وشك بدر منور يا شيخ هلال ، الدوامية ردت في وشك كانك مولود إمبارح .. تحب أزغرد !!
مسح على وجهه بحياء وهو يطأطأ أرضًا متمتمًا :
-“”هو ديه اللي كنت شايل همه “”
فأتبع مردفًا :
-كثرة الذكر تُنيـر الوجه يا أم عارف .. العاقبة لكِ ..
ردت بخباثة :
-ما أنت من يومك بتسبح وتذكر الله يا مولانا ولا عمري شوفتك بالطلة دي !! أنتَ هتضحك عليّ !! داني مربياك !!
حك ذقنه هاربًا من أسرها وهو يتأهب للذهاب:
-يبقى السـر في ماسك الزبادي بالخيار الذي صنعته الدكتورة رقية من سحر يديها .. بالإذن يا فردوس !!
عقدت حاجبيها تتساءل :
-زبادي بالخيار !! أومال أنا عاملة الحمام والمشمر والمحمر لمين !!
••••••••••
-لا والف لا يا عمه ، ولدك بيحرمني عليها ، وواقف يقولها قصاد البت الصفرة دي إني ملزمهوش ! أيه فاكر نفسه انه هيتجوزها ، فاكر إنه هيكبر على العزايزة ويعصاهم !! هارون بيغرق وهيغرق الكُل عشان البت دي ..
كانت ” زينة ” تلملم حقيبة ملابسها بضجر يتقاذف من ملامحها ، وهي تشكو مأساتها لصفية ، التي منعتها قائلة :
-وأنتِ غبية سيبالها الجمل بما حمل!! يابت يا بت متنسيش عملتك المهببة اللي عملتيها عشان يتچوزك ، طبيعي نفسه تشيل منك ..
ضربت الأرض بقدمها :
-وأنتِ كنتِ عاوزاني أعمل ايه يعني ؟! عملت كِده عشان يتچوزني يا عمة وديه من حبي فيه وأنت عارفة !!
-تقومي تطلعيه خاطي قصادنا والواد بريئ من دمك !! مش هارون اللي يتلوي دراعه يا بت أخوي !!
ارتدت الحرباء لون الطيبة:
-وربنا المعبود كنت هعترفله اول ما يتقفل علينا باب واحد ، كنت هقوله عملت كِده من عشقي ليه ، وكان هيصدقني لما يعرف إني لساتني بختم ربنا وو
لكزتها بحرصٍ :
-يبقى تعقلي وتسمعي قولي ، أديكي قولتي هارون ولدي مش بوعيه .. العايقة اللي تحت عملاله غسيل مخ ، وكلنا عارفين أن الكبير وكبيرنا مش هيكسر عوايدنا وأعرافنا ..
فكرت زينة للحظة :
-طب والمزغودة اللي تحت اللي چايبها عشان يكيدني بيها .
ردت عمتها بحماقة :
-تلاقيها صعبت عليه ، يومين وهتمشي ولو ممشتش من روحها عمتك هتطردها ، بلاش عقلك يكون خفيف ودوري على مصلحتك ..
ربتت على كتفها واعظة حتى ختمت جملتها الاستنكارية :
-امشي وراي وهچيب لك هارون لغاية عندك .. وكني مُطرحك وأبوكي ميعرفش حاچة اهو قدامه الواد رضاكي وبعت لك .. هروح أشوف حال البيت في اليوم اللي غبته ..
انصرفت ” صفية ” مجرد ما أنهت حوارها مع “زينة” السابحة في بحور شرها ، ألتقت بـ ” هيثم ” الخارج من غرفته مرتديًا ملابس ” كاچول ” .. وهو يقبل مهللًا :
-والله ونورتي بيتك يا صفصف ، طلعت غيبتك عنيننا واعرة قوي .. حمدلله على سلامتك .. طابخالنا ايه !!
لوحت غير مكترثة بهتافه العبثي وهي تسير نحو السُلم :
-همك على بطنك على طول .. قول أخرة اسطواتنك دي ايه !!
لحق بأمه متبعًا بحماس :
-عاوز أكمل نص ديني واتچوز ..
ردت ساخرة وهي تهبط السُلم :
-طب أفلح في النص الأولاني ، لما تدور على التاني !!
-منا ناوي اتوب علي يدها .. هتقولي لأبوي ولا أقوله أنا؟!
-اسكت دِلوق ، أحنا مقادرنش نلموا ورا الكبار لو نمشوا ولا الصغار !!
هب شاكيًا :
-وأنا كل ما أقول يا چواز تطلعي بحچة شكل !! عاوزاني أمشي مشي بطال يعني !! چوازي هو اللي هيقل عدل الدنيا ويشقلب المايلة ؟!! مرة استنى اخواتك اللول ، واستنيت وضيعت من يدي حُب عمري رحاب ، ولما اتچوزوا أخواتي ، استنى نلم وراهم ، هو أنتوا عليكم ندر هيثم ميتچوزش في قلعة ديه بيت !!
وقفت في منتصف السُلم مستفسرة بملل لتهاوده :
-تطلع مين اللي داعية عليها أمها دي ؟!
وقف بأسارير متسعة ليردف متفاخرًا :
-چميلة بت الخواچة !!
صاحت معترضة وهي تنوح كأنها تنحر وراء ميت :
-إكده أناي اللي أمي داعية عليّ ، عوضي عليك في ولادي يا رب !! چميلة بت الخواجة ، البت اللي حسها يجلجل من الشرق للغرب !! دي غچرية!! تجيبها في بيتي تعمل لي ايه !! ما كفاية عليّ السهتانة اللي فوق !! عاوز تچيبلي بت الخواچة !! تلاقيها أحلام اللي قالت لك !! ماهي عاوزة تكيدني وتموتني بحسرتي على عيالي .. على چثتي بت الخواچة ، تخشش بيتي يا هيثم..
تسمرت معالم وجهه مذهولًا :
-ما تخشش بيتك أيه ؟!!
ثم انحنى على مسامعها مغازلًا :
-دي عليها چوز عيون ياما خلوها اتزحلقت چوة قلبي ..
فغير نبرة صوته واثقًا :
-عينيها سحر أول ما تبصي فيهم هتحبيها من غير ما تحسي ..
-طب غور من وشي ، أنا لا فاضيالك ولا فاضية لمياصتك !!
ثم رفعت وجهها للسقف تشكو ربنا :
-دي ايه الخِلفة اللي هتقصف عمري دي يارب !! لا خير في واد ولا بت !! بت الخواچة الشلق دي على جثتي يا هيثم تخش بيتي …
ضحك ساخرًا :
-تبقى الأعمار بيد ربنا ياما .. كلنا هنموتو ..
نزعت نعالها لترميه به وهي تسُبه :
-بعد الشر عليّ ، عيل قليلة الرباية وحياتك قاعدة على قلبك لغاية ما أربي عيالك واچوزهن عشان معرفتش ابوهم …
~~
~” بغُرفـة رغـد ”
“ثمّة آلام صامتة، يتعذر تمريرها بالكلام، هذهِ الآلام هي التي تُطفئ روحك .”
بعد ما سمعت لنبرة صوته التي أشتاقت لها كثيرًا ولكن محتوى الرسالة كان مؤسف ومؤلم للغايـة .. سقط الهاتف من يدها وتكورت حول نفسها لصحوها على حقيقـة ولا شيء بقلب رجل حاربت الجميع لأجله .. ظلت روحها تنتفض حول سؤال واحد أغلبنا لا يملك الجواب عليه :
-ليـه كده يا هاشم ؟! ليـه ؟!!!!
ثم تناولت هاتفها وعادت بتسجيل رسالة صوتية لأمها ، كي تعترف لها بالحقيقة المخفية خاتمة اعترافها بخوف :
-أنا ههرب من هنـا وهجيلك في أسرع وقت .. أنا مش هقدر أكمل كده يا مامي ، أنا غلطت وبدفع تمن غلطي دلوقتي ..
ثم سالت الدموع من مُقلتيها بحسرة :
-هاشم طلع ما يستاهلش حتى يكون أب يا مامي !!
••••••••••
~بعد صلاة الظُهر ~
عاد ” هلال ” من صلاة الجمعة يتسابق مع عقرب ثواني الساعـة ، ما وصل لبداية السُلم نادت عليه أمه :
-تعالي يا هلال، اشكي لك من أخواتك وعمايلهم ..
لأول مرة لا ينظر لأمه ، وصار هائمًا لأعلى :
-مش دِلوق يامـا ..
فصاحت :
-مش هتاكل !! ديهدي !! متسربع على ايه فوق الواد ديه!
ما لحظته فردوس هرولت لإعداد مائدة الغداء حسب تعليمات ” أحلام ” التي أكدت عليـها ألا تفصح سرهم لصفية .. وصل هلال لغرفته ليجدها تُرتل سورة الكهف بصوت مسموع ، قفل الباب ببطء وهو يتأمل جمالهـا ورقـة صوتها العذب .. كانت متحيرة بين استكمال القراءة واستقباله ، حتى أشار لها بكفه أن تواصل ما بدأته ولا تقطع خلوتها مع ربها .. نزع زيه الصعيدي بمهلٍ كي لا يزعجها ولا يشتت خلوتها .. ثم واصل نزع حذائه وجلبابه وبدل ملابسـه ..
كانت جالسة على سجادة الصلاة بركبتين مثنيتين وظهرها مستند على المقعد خلفها ، موطن أمان يغري كل مشاعر العالم أن تسكنه .. تمدد أمامها متخذًا من فخذها مسندًا رأسه كي يستمتع بترتيل القرآن منها .. تنهدت تنهيدة إعتراف لربها :” لقَد سَـرق قلبّي وجِهُ المُلتحي بعينَين أشّـبه بالنجوم المتلألئة ”
بيدها اليمنى مسكت المصحف واليسرى تاهت في جدائل شعره النائم ولحيته فتبسم دافنًا قبلته بكفها واستمر الحال كما هو عليه حتى ختمت قوله تعالى بـ ” صدق الله العظيم ”
قفلت المصحف ووضعته على الطاوله بجوارها وعادت تتأمل تفاصيل وجهه المستريح عندها لتقول بشكٍ :
-غلطت كتير وأنا بقرأ … ؟!
-على كُلٍ لكِ أجران ..
ثم تأملها ميلًا ليُكمل:
-ومعي سأخذ بيدك لطريق السفرة الكرام البررة …
حضنت وجهه بكفوفها لتهمس له :
-الخُطبة بتاعتك كانت حِلوة قوي قوي .. سمعتها كُلها .. وقلبي حبك أكتر لما فتحت موضوع الچواز وكيف النبي كان يعامل زوچاته .. أنت كيف حلو قوي إكده..
-الدين يُجملنا يا رقيـة .. ويرسم لنا طريق السعادة .
ثم اعتدل من نومته فجأة مما جعلها تتساءل :
-حِجري مش مريح ؟! قومت ليه !
تنهد تنهيدة الغريب الذي عاد لوطنه للتو :
-يا الله منك يا رقيـة ؟! إذا ارادوا وضع ملخص شامل لتعريف الراحة ، سيكون عينيكِ ، والأشمل حضن ، والأدق عذوبة صوتك !!
أحمر وجهها بحياء وفرحة لسماعها مدحه لتردف بارتباك :
-يالهوي !! كله ديه عشاني ، طب دا حتى أنا خايبة وعشوائية وبحاول أرضيك مش عارفة وو
قبل جبينها بحُبٍ :
-عشوائيتك هي اللي رتبتي يا زوجة العُمر وملاذه ..
سطع البدر بوجهها لتردف متدللة :
-يعني لو خالتي صفية صممت تچوزك واحدة وطلعت أحلى مني ، هتقولها لا .. ماعاوزش غير رقية أبو الفضل ..
فك أسر حجابها الذي يدير وجهها ليحرر شعرها وهو يقول :
-لما أسدد ديني الأول !!
-دين أيه ديه ؟! أنت عليك فلوس لحد !!؟
ضحك بصوت مسموع وهو يهز رأسـه مؤيدًا :
-أجل !! لإمراة تغنى عن جميع النساء ولابيها وأمها ، رقية أبو الفضل ، وصاحبة الفضل على قلب عاشق ارتوى بين ذراعيها ..
فعقد حاجبيه متسائلًا بجدية :
-كم عمر فوق عمري يحتاجه قلبك ليسدد ما عليه من دين !! كم اعتذار ينبغي أن أقدمه لأنني تأخرت في الوصول إليكِ !! كيف سأعوضك عن 21 عامًا قضيتهما بين ثنايا الوحدة !!
تلك العصافير الجائعة التي تطايرَتْ من عينيه التهمَتْ قمحَ شوقي وحبي له دفعةً واحدة .. اعتصرت كفه بحب وأعين مدمعة :
-النومة في حضنك بألف عمر يا هلال .. أنا اللي زمانها صالحها بيك ومش هتفارق حضنك ديه ولا يوم ….
لبى نداء قلبها لينحنى ويحملها بين يديه تلك التي لا يتجاوز وزنها الخمسين ، تعلقت بحضنه لتسائله :
-إحنا مش هننزلوا للچماعة تحت !!
هز رأسه رافضًا :
-هفضل قافل علينا الباب ديـه لغايـة ما تزهقي مني..
اندست بحضنه :
-يبقى مش هتفتح خالص …
ما كاد أن يضعها بمنتصف نعيمهم والمرقد الشاهد على قصة حبها التي وُلدت عليه من جديد ، ذاع صوت فردوس من خلف الباب :
-يا شيخ هلال ، أنا چايبالك الغدا عشان ترُم عضمك !!
نظر لها ممازحًا :
-أهم الچماعة التكفير والهچرة جم لغاية عندك .. مرتاحة أنتٍ كِده !!!!!!
•••••••••••
بسيارة هارون ، يجلس أبيه بجواره مستندًا على عكازه ، ليقول باختناق :
-مش عارف أيه غرضـك فالروحة لبيت الچباس وأحنا مقاطعينهم لسنيـن يا أبوي ..
أومئ الحج متفهمًا :
-يبقى لازمًا نعيدوا الوصال يا ولدي ، لازمًا نقوا ضهرنا ورچالتنا بيهم ، عشان تقدر تكون مع البت اللي رايدها ، وحفيدي يتكتب باسم ابوه ..
تنهد بحيرة وهو يلف مقود السيارة ليردف مستفهمًا بشك وراء أبيـه :
-إلا قـول لي يا أبوي ، هي قصة عمي ماهر ، فات عليها قديش !!
تأرجحت عيني خليفة بشـك حول سؤال ابنه ليقول :
-ليها ٢٨ سنة يا ولدي !! بس أيه فكرك بيها دِلوق .. مالك وماله ..
أردف سؤالًا آخر بنبرة تحقيقية بعد ما ربط عمر القصة بعمر ليلة :
-هو في حـد غيره عمل العملة دي !! يعني اتچوز واحدة غريبة وقتلوه !! سواء في النچع أو فالبلد تمًا!!
أردف الحج على سِجيته :
-لا يا ولدي ، مفيش الحديت ديه !! قصة ماهر كانت عِبرة وعظة للكُل ووو
ثم دار نحوه بشك:
-أيه شغال بالك يا ولدي !! ولا هو تقليب مواضيع ؟!
جارَ أبيه محتجًا بإنه مجرد حديث ، ليواصل:
-طب مخلفوش ؟! يعني ملهمش بت ولا واد !!
رمقه محاولًا فهم مغزى أسئلته الكثيرة حول الموضوع ، وبقلق حول انكشاف السر الذي سيقلب البلدة رأسًا عن عقبٍ :
-ما تيچي دُغري مع أبوك يا هارون!! عتدور ورا مين في البلد !!
صف السيارة أمام بيت الجباس وهو يقول جملته الأخيرة التي رمت سهم اليقين بجوف أبيه نحو علمه بالسر الذي دفنه لسنواتٍ :
-بدور أيه اللي ممكن يربط بين رفعت الچوهري وأبوي ، وصاحب عُمره ، ماهر العزايزي !! ما ترسيني يا أبوي !!
تذكر تفاصيل صورة الميدالية التي تذكرتها ليلة عند رؤيتها لميداليته بالسيارة متفاخرة بأنها وجدت واحدة مثلها بصندوق أسرار أبيها ، وكي تثبت صحة قولها ، فتحت له الصورة على هاتفها لتقـول له بفخر ” شكلنا نعرف بعض من قبل ما نتقابل ” .. فعاد لرُشده مُكملًا وعيناه ثابتة ليقرأ ملامح أبيه التي تخفي عنه سرًا :
-وصلنا بيت الچباس يا أبوي …..
••••••••••••
~بيت الجباس~
يجلس ” فارس” مع ابنته التي تُلاعبه طاولـة بأجواء مرحة حتى جاءت ” نغم ” التي تحمل مصحفًا بيدها بعد ما أتمت وردها ، ألقت نظرة على مشاعر الابنة وأبيها ، تلك المشاعر التي حُرمت منهـا ولم تعش إلا الوجع منذ يوم ولادتها .. وضعت المصحف بمكانه المُعتاد وهي ترجو من ربها أن يزيح غُمة قلبها ، ليوقفها نداء ” غنوة ” ابنة فارس التي تحدثها بأسلوب وقح :
-استنى عندك ، يا أبوي ، قول للبت دي تحضرلي وكل عشان عمتي أم السعد راحت لولدها ..
تسمرت نغم بمكانها منتظرة رد الأب على أسلوب ابنته الفظ معها ، ولكن فوجئت بهِ يتمادى ما ابنته متجاهلًا شلال النظرات الجارف بينهما ويقول :
-أعملي وكل لغنوة ، وتعالي شيلي الكَبّابي دي وأعمليلي فنچان قهوة أعمر راسي ..
وقفت مذهولة من أسلوبهم ، لتنفجر معاتبة:
-استنى الأول ، أنت أزاي تساعد بنتك أنها تكلم الأكبر منها بالطريقة دي !! بتك دي قليلة رباية ،هي دي التربية !! وبعدين أنا مش شغالة عند حد عشان أخدم عليكم ، فيك رچلين قوم أعمل لبتك وكل ولا أتعب و ربيها الأول ..
ركل الطاولة التي تتوسط مجلس بقدمه :
-شكلك نسيتي اللي عتتكلمي عنيها دي تبقى بت فارس الجباس، يعني لو مشت تدوس على الخلق نفر نفر ، هاجي ادفنهملها ديه لو يستحقوا الدفن !!
وقفت أمامه موبخة :
-أنت مريض ، وبتعمل بتك كيف تبقى مريضة زيك .. وتتعب قوي يا فارس .. وأبقى افتكر كلامي ديه زين !!
تأملها بسخط يغلف مشاعره بداخله :
-كل ديه عشان قالت لك اعملي وكل !! أيه كفرت البت !! طب أيه قولك لو أنا اللي أمرتك تخشي المطبخ دِلوق وتعملي كل الوكل اللي غِنوة نفسها فيه !!
رفعت سبابتها بوجهه متحدية:
-قول لك لا يا فارس ، أنا مش هساعدك تربي بتك بالطريقة دي .. بتك عايزة تاكل اتصرفلها في وكل ، وأما تبقى تربيها زين أبقى ساعتها أفكر اوكلها ..
كادت أن تنصرف من أمامه فبض على معصمها جاهرًا :
-أنتِ هنه في بيتي ، وبتاكلي من خيري ، يعني ولي نعمتك .. ولي حق الطاعة والأمر ..
رمقته باستحقار :
-واضح أن مش البت لوحدها اللي عاوزة رباية ، أبوها كمان مـ
كان أمامها كبركان يغلي سُدت فواهته عن طريق الحارس الذي جاء لينقذها من شره ويخبره :
-فارس بيه ، هارون العزايزي و أبوه العمدة برة قاعدين مع الحچ الكبير ….
بنظرات تحرق غابة بأكملها طالعها متوعدًا :
-راچع لك وهدفعك تمن كل كلمة قُولتيها يا نغم يا بت عمي ……
انصرف تحت سهام نظراتها الغاضبة منه وهي تلعنه جهرًا :
-مريض …..
ما وصل ” فارس” بنيران شره لمجلس الرجال وبدون سلام أو ترحيب بضيوفه قال :
-ايه لم الشامي على المغربي يا عزايزة !!
تمالك هارون غضبه بناء على طلب أبيه ، تدخل والده قائلًا :
-سلم على عمك خليفة يا فارس الأول وحِب على يده ..
جلس متجاهلًا أوامر أبيه وقال ببرود :
-شكله العمدة متوضي ، مش عاوز أنچس يده ، ولا أيه !!
ضرب أبيه الأرض بمؤخرة عكازه :
-وبعدهالك يا فارس …
تدخل هارون بغضب يود الفتك بهِ :
-هعمل روحي أنك مچتش وسطينا يا فارس ، وهتكلم بالنيابة عن أبوي ، أحنا چايين نراضوا بت خالتي ، وناخدوها ترچع بيتها ، والحج صالح بنفسه كان چاي معانا بس تعب بعد الصلاة وو
أشعل فتيل النيران بجوف فارس ليُجيب :
-باااه ، هي البت لعبة في يدك تمشوها وتيچوا تخدوها !! ليه كلت ناسها وملهاش كبير يقف لها !!
تنهد هارون متمالكًا أعصابه ، فتدخل الحج خليفة معاتبًا :
-ماله ولدك لا محترم كبير ولا صغير !! أنا ساكت له عشان أحنا ضيوف في بيتك ..
تدخل رشدان هاتفًا :
-امسحها فيّ يا عمدة ، فارس تلاقي في حاجة مضايقاه و
تمتم فارس معترفًا :
-چيتكم مضايقاني ..
فذاع أبيه مناديًا :
-يا غفير ، روح شيع للست نغم قولها تعالي كلمي خالك خليفة..
وضع فارس ساق على الأخرى كوضع اعتراضي :
-شكلكم هتقفلوا اليوم بمندبة على نفوخكم..
لحظات وأتت نغم ملبية النداء مرحبة بالحج خليفة وأرسلت التحية لهارون ، فتدخل عمها قائلًا :
-جناب العمدة چاي ياخدك يا نغم ، أيه قولك يابتـي ؟!
أرسلت نظرة استنكار لوجود فارس وقالت بتحدي :
-تُشكر يا عمدة مچيتك أنت وهارون فوق راسي ، بس أنا مرتاحـة هنه في بيتي وبيت أبوي !!
تدخل هارون معترضًا:
-يعني أيه مرتاحة يا نغم !! لو كان على سوء الفهم اللي بينك وبين هاشم أحنا چايين وو
قاطعته :
-لا ياهارون ، أنا وهاشم چوازنا كان غلط من البداية ، وأنا نسيته ، وكيف ما قولت لعمي ، أنا مرتحتش يوم كتب الكتاب ومشيت .. وو
تدخل خليفة متفهمًا :
-يعني ديه أخر قولك يابتي ، أهم حاجة تموني راضية والنفوس مش شايلة ..
-لا يا عمدة ، مفيش حاچة .. ومچيتكم دي فـوق راسي .
عاد هارون ليسألها بعشمٍ بينهم :
-متأكد من قولك ديه يا نغم ..
حُقن وجه فارس بالغيرة ليتدخل قائلًا :
-وايه لازمتها لت وعجن الحديت !! ما قالت لك مرتاحة هِنه يا هارون بيه !!
وثب الحج رشدان متكئًا على عكازه :
-الچواز أصلاً قسمة ونصيب ، ومن قولت النصيب، ناخدو رأيك يا عمـدة ، چاي عريس لنغم وطالب القُرب ..وِلد……
الجملة أحرقت خلايا تجبره وعِناده ، ليتدخل في نهج الحوار معلنًا ومستوقفًا لحديث أبيه :
-أنا .. قصده يقولك يا عمدة أنه ولده فارس الچباس طالب القُرب في بت عمه ، ومستنين كلمة العروسة !! ولكنها واضحة وضوح الشمس ، عشان إكده رفضت تعاود معاك …..
-أنا .. قصده يقولك يا عمدة أنه ولده فارس الچباس طالب القُرب في بت عمه ، ومستنين كلمة العروسة !! ولكنها واضحة وضوح الشمس ، عشان إكده رفضت تعاود معاك …..
جملة فارس الأخيرة التي حلت كنازلة من السماء على رؤوس الجميـع ، بداية من أبيه الذي يجهل مغزى طلبه ، ومنذ متى باتت عنده رغبـة في ابنة عمه !! ومن أين طلع بهذا القرار ، أتبع فارس تحت سهام النظرات المُسددة وهو يوجه تهديده لهارون :
-طلبتها من أبوي عشيـة وهو موافق ، يعني على بلاطة بقت تُخصني ومحدش له حُكم عليها !!
علامات استفهام كثيرة فوق الملامح المنكمشة ، لحق أبيه الموقف بعد ما رمقه بشكٍ ؛ قائلًا :
-صوح .. فارس طلب يدها منى ، وباقي موافقتها وو
تأفف هارون باختناق لكرهه الشديد لفارس الذي يحاربه من قديم الأزل :
-أنا هستناك في العربية يا أبوي..
أعقب فارس بغيرة واضحة على نغم التي تود ولو أن تنشق الأرض وتبلعها فقال بسخط:
-خبر ايه يا هارون ، ماشي ليه ولا الحديت ميتا على هواك !! أيه ، مش دي بت خالتك اللي وقفت قصادي زمان عشان تاخدها ، طب حتى قولنا رأيك ..
زفر هارون ناطقًا جملته الأخيرة :
-بت خالتي مفرطش فيها واصل ، وتملي في ضهرها لو احتاجتني ، والقول قولها واللي عايزاه هعمل حتى لو رافضة چوازتك يا فارس..
تدخلت نغم بالحوار وهي تحت مخدر صدمتها وبلسان ثقل عليه الهموم :
-يعني ايه الكلام ديه !!
تدخل عمها كي لا يتفاقم الامر :
-نغم يا بتي خُشي دِلوق ..
تاهت في صخب الصدمة :
-بس يا عمي اااا
قاطعها بحزم :
-قولت خشي چوة يا نغم يابتي ..
تقهقرت رغم عنها محترمة حديث عمها ، تدخل فارس ليقف أمام هارون برأس مرفوعة ليرمى جمر احتراقه :
-والله وچيه اليوم يا عزايزي اللي هتقول حقي برقبتي وأني كسبت وطلعت صح من الأول .. بس ساعتها مش هسقف لك ، لا داني هغرف لك من جمر نارك وأقول لك دوق ..
قابله هارون بملامحه الرجولة الغاضبه ليقف أمامه وجه لوجه ، ليجيبه ساخرًا :
-واللي قاد النار دي هو وحده اللي هيقدر يطفيها أو يحرق فيها اللي يفكر يكسر عينه قصاد الخلق ..
ما أردف جُملته ألقى تحية الوداع على عمه رشدان ، وانصرف خطوتين قبل أن يوقفه فارس الذي يلعب بالنار قائلًا :
-الأسرار كترت وچيـه الوقت أن اللعب يبقى عـ المكشوف ..
ثم نظر للعمدة وهو يتحداه ليؤكد له أنه يعلم خبايا أسراره :
-ولا أنتَ أيه رأيك يا عُمدة ..
رمقه خليفة ساخطًا من وقاحته :
-رأيي أنك طايح في الدِنيا يا فارس يا ولدي ونار قلبك كاوياك .. الدِنيا مش بناخدوها بالباع والدراع ، الدنيـا بتمشي بالعقل والمخ النضيف ، أما المخ اللي معكره الغدر مش هيقلب غير على صاحبه ..
ثم ربت على كتف رشدان ناصحًا :
-فهم ولدك يا رشدان ، قوله إحنا تعبنا كد أيه عشان نهدوا سير النچع ديه .. ونحفظوا أسراره قبل النار ما تتطوله وهو عيل فاللفة ..
رمى خليفة قذيفة جملته بدهاء رجل حكيم مثله ، ثم أتبع خُطى هارون برأس مخذولة متأملًا عودة المياه المُعكرة بين العائلتيـن أن تعود لمجاريها الوديـة .. صعد السيارة وفي قلبه خبايا الماضي ومخاوف المستقـبل .. بدون حديث ..
فارقت سيارة هارون حدود أملاك الجباس وأفراد عائلته ، وتحت ظل شجرة كبيرة طلب خليفة من ولده أن يصف السيارة جنبـًا .. نفذ تعليمات أبيه تحت سحابة الصمت لدقائق عديدة قطعها هارون مستفسرًا :
-وقفنا هِنه ليـه يا أبوي !!
حدجه خليفة بثقةٍ كبيرة فيه وهو يقول :
-هريـح بالك وقلبـك يا ولدي … هفك لك اللغز اللي داير في راسك .. خلاص يا هارون العُمر مبقاش فيه بقية يا ولدي عشان نداروا ..
أبطل تشغيل سيارته باهتمام لامع من مُقلتيه :
-خير يا أبوي .. مالك ومن ميتى وأنتَ مش صريح معاي وبتداري قولك عني ..
شاور والده على مطلع الجبـل الذي يتنهي بكهفٍ مهجور وقال بتعجب من حكمة الأقدار وصاحبها :
-من الكُوّن المهجور دي ، طلعت منه شمس النور يا ولـدي ، مهما حاولنا نموتوا صوت الحق ، بس ربك له تدابيره ..
كرر هارون سؤاله متلهفـًا للسر الذي يريد أن يخبره به أباه :
-قولت هتريحني مش هتزيدني حيرة وتعاتير يا أبوي .. مخبي أيه على ولدك هارون ؟!
هز خليفـة رأسه معترفًا بسره الدفين :
-غفران ماهر العزايزي .
رُجا قلبه من مكانه عند سماعه لصدى صوت الاسم ولأول مرة يشع فيها الحماس لشيء بعد عيني ليلتـه .. بلل حلقه :
-غفران !! وو
ثم أتبع بشكٍ وهو يربط الأحداث ببعضها :
-الموضوع له دخل بليـلة مرتي يا أبوي !! قول أحب على يدك مقادرش اصبر ..
أومأ أبيه مؤيدًا على كلامه :
-ماهر كان ماسك التجارة بتاعت العزايزة ورجله رايحة جاية على مصر لغاية ما عينه جت على بت المعلم اللي كان شغال معاه ، وحبها .. ووقف في وش العزايزة وقال إنه رايدها .. وكل السكاكين اتسنت في وشه وطردوه من البلد …
صمت خليفة للحظات لا يطيقها هارون الذي اندفع متعجبًا :
-منا عارف كُل ديه يا بوي ، أيه علاقة ليلة بكُل ديه !!
-فكرك لما كلمتني وقولت لي هتكتب على ليلة الجوهري ، وبتاخد أذني ، قولت لك أيه !! قولت لك مقسومالك يا ولدي من يوم ما اتولدت .. اتوكل على الله .
عاد هارون بذاكرته وهو يسترجع تفاصيل مكالمته مع أبيه التي انقطعت بسبب مكالمة آخرى وأتبع مؤيدًا :
-أنا كمان استغربت أنك وافقت طوالي من غير حتى ما توقفني!! أبوي …
ثم وضحت الرؤية أمامه عينيه وهو يقول بحزن وخيم عليها:
-ليلة ، سامح الجوهري مش أبوها ، ونادية مش أمها ، واللي وصلني عنها أن اهلها من هنه !! من قنـا .. معقول يا أبوي ليلة تبقى هي بت ماهر العزايزي ولا أنا فهمت غلط .. ليلة بت عمي ومن دمي !!
تجاهل الحج خليفة عشوائيـة كلمات ابنه المعاشق حد النُخاع ؛ وأكمل :
-عمك ماهر غاب سنتيـن وعاود هو ومرته ، كانت حبلى وعلى وش ولادة .. رجع عشان بته تتربى وسط ناسها ، چالي أنا وعمك رشدان عشان نقف چاره ، اتخليت عنه ، وخوفت عليـكم تتربوا من غير أب فالدنيـا ..فرجعلي تاني وكتب لي عند محامي كل أملاكه بيع وشرا عشان اضمن له حق بته لو جراله حاجة .. عمك رشدان الچباس خده وقاله يقعد في الكهف اللي فوق ديه لغاية ما أبوه يدخل ويحل المُشكله ونفضوها سيرة عاد ونلغوا قوانين المجلس .. وو
سعل الحج بقوة متألمًا من مرارة الذنب وأتبع :
-أبو رشدان بعد ما قوم الحرب ، وصدر حكم من المجلس بموت ماهر ، من قهرته على الظلم وإنه مقدرش يقف چار ، رقد مصحيش ، في الوقت ديه كانوا عرفوا مكان ماهر وأخواته هيقتلوه هو ومرته .. مرته اللي جالها الطلق وولدت في قلب الجبل .. وكل اللي عمله رشدان إنه چيه وحذره وهيهربوا .. كل اللي قدر يعمله انه هرب البت لرفعت الجوهري ، ووصاني عليها وعاود عشان مرته كانت بتموت صحينا الصبح لقناهم مقتولين ومنعرفش مين اللي قتلهم ، ومن يومها والسر متشال ومحفوظ ..
انغرس خنجر الحزن بقلب هارون وهو بتكئ مندهشًا مما سمعه ومما ينتظره:
-يعني ليلة هي غفران .. غفران اللي مصيرها من مصير أبوها وأمها ، الموت !!
فأتبع أبيه مؤيدًا تحت وطأة المأزق :
-ياما يتعلن چوازكم قصاد الكُل ووقتها ودمها يتخلط بدمنا وو
فاستكمل هارون ظلم قوانيـن العزايزة جائرًا :
-ولو مخلفتش واد للعزايزة خلال سـنة ، هيقتلوها ؟!
ترجاه والده مستعينًا بهِ :
-عشان كِده ياولدي لازمًا تلغي كل قوانين العزايزة وأنت كبيرها قبل الخبر ما يتذاع ويقلوك من العُمدية ..
رد بعفوية بنبرة الاستغناء عن كل شيء عداها :
-تتحرق العُمدية يابوي ، أنا ماليش غير مرتي ..
ربت أبيه على كفـه قائلًا :
-شيع لرؤوف يرجع هو ومرته وهاشم ، وكلكم تبقوا عصبـة ..
هز رأسـه نافيـًا :
-أنا هعادي الكُل بروحي عشان خاطر مرتي، وكل حاچة هتتغير غصبٍ عن الكُل ..
رد العجوز متوجعًا لرمي ولده بالنار ليتحمل وزره نيابة عنه :
-دي حرب يا ولدي..
رد بحُرقة :
-وليلة چيشي يا بوي ….
••••••••••••
~عودة لدوار الجباس..
-أنتَ آكيد مچنون !!
صرخت “نغم” بوجهه وفجرت شظايا انتظارها له ، تركت يد أمه وهي تنفجر غاضبة وأشعلها بروده أكثر عندما قال :
-مچنون عشان عاوز اتچوزك !! فين الچنان في ديه !! ولا هو العقل والشرع ماقالوش إنك تقعدي في بيتي وأنتِ متحرمة عليّ ..
فاض صبرها من كثرة سخافته وهي تنفجر قائلة بسخط :
-أولا ده مش بيتك ، ده بيت أبوي، وليّ فيه زي ما أنت ليك فيه .. تاني حاچة ودي الأهم أنت مين صورلك أني عاوزة اتچوزك ولا اتچوز غيرك !! هاه !!
رفع حاجبه وهو يطوي نجوم حبه في ظُلمة كبريائه :
-وأنتِ تطولي أني استرك واكتبك على اسمي ..
بات غضبها كحبات الفشار تتقاذف برأسها وهي تصرخ عليه بعروق رقبتها المشدودة من قسوة الغضب :
-وأنا مش عاوزاك ولا عاوزة غيرك ، وباب الچواز دي انا قفلته ضبة ومفتاح ..
سقطت أنظاره على أمه التي تترجاه من الخلف ألا يزيد الأمور سوء لأجلها ، فأتبع بفظاظة المغرور :
-ولما فارس الچباس يطلب يدك ، يبقى تخلي الباب وتكسريه مليون حتة وتقولي حاضر وأمين !!
“ما الَّذي تعنيه الحياة لشَخص فَقد القُدرة على الأُلفة؟ ما الَّذي يمكن أن يمنحك الدفء عندما لا تعود قادرًا على أن تألف أي شيء، أي أحد، أي مكان .. أي حدث جديد ، دنت منه خطوة لتفرع سيفها بوجهه بنظرات يتطاير منها السخط :
-ومين يطلع فارس الچباس من أصلو ؟! واحد داخل على أربعين سنة ، كان متچوز ومعاه بت ، كل مبادئه في الحياة غلط في غلط ، واخد الدُنيا عافية وبلطجة كأنها مجابتش غيره !! واحد أناني ومغرور و عديم الذوق.. هااه شوفت أنا شيفاك أزاي !!
فأرسلت له ابتسامة خزى وأسف:
-لا هو الصراحة أنا مش شيفاك من أصلو ، أنت ولا حاچة يا فارس ..
تحول وجهه الجليدي لقطعة فحم متقدة وهي تحدثه بتلك النبرة المليئة بالخسـة لتكمل اشعال نيرانه أكثر فأكثر :
-ولو رجعت وفتحت باب الچواز من تاني هيكون بكيفي ، وهيكون لواحد أنا أول فرحته !!
ما كانت أن تخطو خطوة فتراجعت لتواصل إهانته :
-و ااهااه قبل ما أنسي أنت مش بس مغرور ، أنتَ كّمان أب فاشل ..
لا شيء في هذه الحياة أكثر حزنًا من أن أضطر لمعاملة الذين أحبّهم كغرباء .. والأكثر قسوة هي تلك التي تأتي منهما .. انصرفت بعد ما حولت صدره الجليدي لنار ورماد وأوقدت لهب جديد وهو ملكيتها أكثر من أي وقت آخر كي يرد هيبته التي انهارت على سفح تمرد إمراة ….
•••••••••••••••
~قصـر خليفـة العزايـزي .
بعد صلاة العشـاء ، عاد هلال فورًا من المسجد على غرفتـه ، غرفته ومن بها .. حيث انسجم السكن والونس تحت سقفها وبين ذراعي فراشة لا تتجاوز الستين كيلوجرام..
ما أن رأته تركت مقعد زينتها وركضت نحوه مرتميـة بحضنه وشعرها يُغلف كتفيه لتهمس قائلة :
-اتوحشتك قوي الشويتين اللي غبتـهم ..
حمل حمامة السلام بذراعه ذائبًا من فرط المحبـة هامسًا :
-صليت ودعيت لك .. دعيت ربنا ما يحرمني من حضنك ديه .. ولا من حنيتك عليّ .
فارقت حضنه وهي تشده من كفه بحماسٍ :
-تعالي استريح ، تحب انزل أجيب لك عشا ؟! ولا أعمل لك أيه !! قول عاوز أيه وأنا هخدمك برموش عيني يا هلال..
سحبها من كفها لتجلس بجواره ولا يوجد بينهما مسافة تُذكر وقال :
-رموش العين دي بتقتـلني في هواها وبس ، لكنها متتعبش .
-وبعدهالك عاد يا ابن الحلال ، أنا قلبي ضعيف وبيدوب بسرعة من كلامك الحلو ديه .
-قلبك بس !! أهو قلبك ديه ، دوب في غرامه راجل عاقل بتاع ربنا زيي .. مش سهلة أنتِ يا رقية ..
أوردت وجنتيها بعبير الحب وهي تقول بخجل :
-يوه ماني بردك مرتك وحلالك وو
وضع سبابته على أعتاب شفتيهـا كي تصمت كأنها ارتكبت ذنبًا فادحًا ليعدل لها قائلًا :
-رُقية ، أنت زوجتي ، مش مرتي !!
عقدت حاجبيها باندهاش :
-طب وأيه الفرق !! ماهي واحد ؟!
هز رأسه نافيًا ليؤكد لها أنهما يختلفان تماماً:
-هل يتساوى قول الله تعالى (امرأة فرعون ) و ( امرأة لوط ) بـ ( قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنـة ) .. عمرك ما سألتي روحك ليه هنا ذكر لفظ امرأة … وهنا ذكر مصطلح زوجة ..
عقدت ذراعها بتأدب لتستمد من علمـه علمًا وأردفت :
-لا .. أيه الفرق !!
ولى وجهه إليها وهو يغازل خصلات شعرها الناعمة ليقول بهدوء يريح النفس :
-معنى المرأة .. يقصد به علاقة جسدية بين الرجل والأنثى خاليًة من أي انسجام وتوافق ..
ولفظ زوجة .. يعني بينهما علاقة جسدية ولكن معها الود والمحبـة والاحترام.. والتوافق ..
هزت رأسها متفهمـة وهي تنظر له كأنه أعظم إنجاز بعمرها ، فأتبع بفيض وفير من الحنان :
-وفي القرآن ذكر إمراة فرعون ولوط ونوح .. بسبب اختلاف إيمانهم وخلافاتهم ..
وذكر زوجة آدم عليه السلام ، يدل على الراحة والتوافق والسكن للزوجيـن .. علاقة قائمة على العاطفة والمشاعر ، زي بالظبط قوله تعالى ” يا أيها النبي قل لأزواجك ”
فختم جملتـه بقبلة رقيقة جدًا على شفتها طالبًا منها بتودد :
-نراعي منطق الأفواه ، فكل منطوق واقـع .
أشرقت الابتسامة من فمها وهي تقول بعفوية لطيفة :
-وأنا مش هقول لك غير يا حبيبي ، عشان تفضل حبيبي لآخر عُمري ..
قبل رأسها بامتنان للقدر الذي جمعهما:
-أنتِ رُقيتي ، رُقيتي التي حفظت بها نفسي واكتفيت بها زوجة وحبيبي وملاذ لقلب عاشق مثلي .. وكل ماهو جميل بالحياة ينتمي إليـكِ .
“قيل على لسان السلف أن الحب ليس مجرد كلمة بل هو عهد ووعد وإلتزام وإحترام وإهتمام مع تقلب الظروف ومن لا يتحلى بهذه الصفات فهو عابر سبيل”
ختم جملته بتنهيدة وهي يقطف ثمار الحب من فوق ملامحها حتى أتاه صوت دق الباب وأمه تعوى من الخارج :
-هلال مالك قاعد في الأوضة طول اليوم!! هتكمكم يا فقري ..
تأفف لاقتحام صفواه ليفتح الباب وعلى وجهه علامات الاعتراض :
-خير يا أم هارون ..
-مالك لاابد من الصبح چارها !! بدل ما تيجي تواسي أمك وتاخد بحسي !! ولا أنتوا ملكمش غير أحلام !! أمك مالهاش حق عليك يا شيخ !!
بلع غصة غضبه بابتسامة مزيفة :
-ورقية ليها كُل الحق عليّ يا أمي ..
رمقته بسخطٍ :
-أنت عاوز تفرسني !! قول لو قاصد تفرسني !! يعني چايبلي واحدة مش بالعاها تقوم تقول فيها أشعار قصادي !!
تنهد ذاكرًا ربـه :
-لا حول ولا قوة إلا بالله … أومري يا أمي .
ردت بضيق :
-الداكتور اللي اسمه عمار ديه ، چيه تحت وعاوز يقابل أبوك ، ومحدش قاعد غيرك .. انزله شوفه عاوز أيه …
~بغُرفة أحلام~
-يابتي أقعـدي ، خيلتيني !!
أردفت أحلام جملتها بجزعٍ إثر حركة ليلة العشوائية على مراجل الانتظار :
-شايفـة يا أحلام الساعـة جت ٩ وهو ولا رجع ولا فكر حتى يكلمني وبرن عليه مقفول !! شايفة عشان اما أقفش عليه تكوني شاهدة..
-الغايب حِجته معاه يابتي .. روحي شيعي لرغدة تقعد تونسك ، وبعدين هي فينها مجتش ليه طول اليوم !!
-رغد بتنام كتير عشان البيبي
جلست ” ليلة ” المشغول بالها على هارون بجوارها متحيرة :
-وبعدين يا أحلام هتجنن كده !! حتى عمو الحج مرجعش بردو !! أنتِ مش قلقانة زيي ليه !! هو عادي يعني يتأخر كده ..
-الراچل وراه مصالح يا ستي سيبيه على راحتـه … أقول لك ، روحي المكتبة بتاعته أقري هبابة لغاية ما يعاود ..
فكرت في اقتراحها للحظات :
-فكرة بردو ، بس كل كتبه تاريخ و قانون ، وأنا مش بفهم حاجة ، ليه مثلًا مش بيقرأ روايات وأساطير ؟!
غمزت لها أحلام بطرف عينيها :
-چوزك على ما تعوديـه ، أنتِ وشطارتك ..
هبت متحمسـة متأهبة للذهاب :
-طيب أنا هروح المكتبه ، لو جيه وسأل عليا قوليلو إني هناك يا أحلام ياقمر أنتِ ..
ختمت جملتها بقُبلة طائرة بالهواء قبل أن تغادر الغرفة من الباب الخلفي .. دقائق محدودة على اختفائها من القصر ، فهل آخيرًا طيف هارون وأبيه .. هبط الاثنان من السيارة فألتقي بهلال وعمار الجالس بالحديقـة .. اقتربا الاثنان منه مرحبين بتواجده وعلامات الاستفام محيطة بوجوههم عن سبب زيارته ، برر عمار بذوق:
-أسف جيت من غير معاد يا عم الحچ ، بس كلمت هارون بيه كتير مردش ، قولت مابدهاش .. وأجي اشرب معاكم كوباية الشاي ..
استند الحج على عكازه:
-بيت ومُطرحك يا ولدي، اتفضل أقعد واقف ليه !!
ما جلس عمار على مقعد مرتبكًا ليقول :
-مش هلف وأدور يا عمي، انا چاي سكة ودوغري وطالب يد الانسة هيام بتك على سنة الله ورسوله ، ولو وافقت أنا هكون أسعد واحد والله كفاية إني هحط يدي في يدك ….
•••••••••••••
~مرسى علـم..
-يامازن تعالى كُل ، حرام عليك هدة الحيل دي !!
كانت تركض خلف ولدها بطبق الطعام كي تجبره أن يتناول وجبته ويترك اللعب لبرهة من الزمن ، فتح رؤوف الباب وبيده العديد من الحقائب ومستلزمات البيت ليتركهم جنبًا ويقول ضاحكًا :
-صوتكم واصل لأول الشارع!!
بثت شكواها إليه بتعب :
-غلبني يا رؤوف ، شغال من اول الصبح على التابلت اللي چيبتهوله ، ولا معبرني .. اتصرف خده منه يالا ..
رمى مفاتيحه على الطاولة وهو يدنو منها مستفسرًا :
-نچاة ، خنقتك وضيقتك دي مش من مازن ولا الجهاز ، أيه شاغل فكرك مخليكي مكدرة إكده ..
زحزحت عينيها عنه وهي تفتح نوافذ مخاوفها :
-الخوف يا رؤوف ، كل يوم بخط راسي فيه على المخدة بحمد ربنا أن اليوم عدى بستره .. بس يا ترى بكرة چاي وچايب أيه !! أنا تعبت من المرار ديه ، حتى لو اتچوزت اللي حبيته ، الدنيا معيشاني معاه في خوف ، منغصة عليّ حياتي …
ربت على كتفها بحنو :
-مااحنا لينا يومين من غير نكد وعكننة ، قلبتي المحطة ليه !! نچاة كام مرة أقول لك متخافيش وأنا معاكي محدش هيقدر يقربلك أنتِ وولدك ..
ثم ختم حديثه بقُبلة اعتذار على جبينها واتبع :
-هروح أشوف ومازن وأضحك عليه وأنومه عشان اروق لأمه اللي بتدور على النكد دي..
•••••••••••••
~عودة للعزايـزة ~
لم يطل الحوار مع عمار الذي جاء طالبًا أختهمـا ووجد الترحيب من العمدة وأبناءه ، مجرد أن رحل عمـار ضب هارون حقائب حزنه المتراكم بنفسه ليختبئ بغرفة أحلام التي تهون عليـه الحياة ، عند دخوله الغُرفـة طافت عينيه باحثة عنها ، فأعقبت أحلام مبتسمة :
-اللي بتدور عليه ميتا إهنه يا غالي ؟!
-أومال راحت فين يا أحلام!!
حركت رأسها بسعادة :
-مستنياك في المكتبـة ، بس خد هنه يا واد مال وشك مغبر بالهم ليه !! يلعن أبو الهم من ميتا عنعملوه حساب …
تنهد بثاني أكسيد حزنه وهو يجلس بجوارها :
-مقفلة من كُل ناحية يا أحلام !!
-تتقفل من كل النواحي ويبقى حضن أحلام مفتوح لك يا حبيبي !!
ثم لكزته بغمـز:
-ولا دِلوق راحت على حضني وبقى حضن ليلـة أولى بيك !
قبل رأسها بعرفـانٍ :
-ربنا يخليكم في حياتي .. فوتت على صفية لقيتها نامت ، چيت لك طوالي ..
-أهي أمك الفقرية دي من وخت ” وقت ” ما چت وچابت العمس “المصائب ” النكد في رچليها ..
-ربك يصلح الحال يا أحلام ..
وثب من مجلسـه متأهبًا للذهاب ، فأمسكت بيده المثلجـة من صقيع البُعد وقالت بحنان أم :
-أقعد دقيقة ..
لبى طلبها على الفور ، مررت يدها على مسام وجهه التي لم يزورها غيث الحب حتى الآن لتقول :
-حقك عليّ لو عقولك كِده ، بس أمرك يهمني .. هارون يا ولدي محدش ضامن عمره يعني بلاش تضيع في ضنى وبُعد وعطلة ملهاش لزوم ..
بعدم فهمٍ تساءل:
-قصدك مين يا أحلام .. ؟!
ربتت على قلبه بيدها المرتعشة لتقول بدفء:
-خد مرتك في حضنك يا حبيبي ، وأشبع منها وشبعها بحنانك ، وسيب بكرة لبكرة ، أروي قلبك العطشان يا هارون من البت اللي حبيتها ، بلاش وچع قلب يا كبدي …
طأطأ رأسه متحيرًا :
-مش هينفع يا أحلام ، مش هقدر أخلط دمي بدمها والناس متعرفش ، أبقى چبان يا أحلام ، أنا وعدتها ماليش حقوق عنديها لغاية ما يتعملها أكبر فرح وو
قاطعته بإعتراض:
-حديت فارغ ويقصر العمر ، يا ولدي البت روحها فيك ، أرويها وأزرع فيها حبك عشان يضلل عليكم من شمش المصايب اللي مستنياكم .. دور على فرحة قلبك يا هارون ..
رفض طلب أحلام للمرة الأولى معارضًا :
-وهي فين فرحتها يا أحلام!! ليلة من حقها تفرح ويتعملها أكبر فرح ، مش هجيب عيل في السر زي هاشم و أزود همومي .. لازم الأرض تتفرشلها ورد لغاية ما تبقى حلالي علني يا أحلام ..
-مش عاوزاك تتعذب يا ضنايا .. وطالما حلال ربنا ليه تمنع نفسك منه .. دي نار قايدة في القلب لازمًا تتطفى !!
نهى الحوار إثر دخول والده الذي اشتاق لزوجته والنوم بجوارها ، فانسحب هارون بهدوء بعد أن همس لأحلام قائلًا :
-هنومها معاي ، قفلي أوضتك ونومي أبوي في فرشته له كتير النوم ما زارش عينه ..
ثم جهر قائلًا :
-بالإذن يا بوي….
غادر الصقر متجهـًا لعش عصفورته ليرمم شروخ اليوم بحضنها ، قطع خطاوي الأرض تحت عيني ” زينة ” التي لاحظته من أعلى فاطمئن قلبها بارتياح :
-طب زين مقعدتش عند أحلام ، وهملت القصر وبعدت عن البت الشوم دي!! بس هتروح مني فين يا هارون !! وربنا ما هسيبك..
وصل هارون لأعتاب مكتبته التي يصدر منها ضوءًا خافت ، تسلل بهدوء تحت ضوء قرص القمر المنير فوق رأسـه .. وجد مكتبـه المرتبـة مقلوبة رأسًا على عقب ، وكانت تتوسط الكُتب المُبعثرة حولها .. رمقها باستغراب :
-ليـلة !! مين عمل في الأوضة كِده !!
فزعت كالملدوغـة من مكانها وهي تتأمل عواقب فعلها :
-دي أنا !! بس معرفش عملت كده ازاي ! سوري ، أنا هرتبها بسرعة وو
ما أن رأسها كالطفلك المذنبة أمامها ثارت جيوش قوته ليحميها .. خطى خطوتين وأمسك بيدها قائلًا :
-سيبي من يدك وتعالي ..
وقف الثنائي وجه لوجه ، فوضعت كفيها بخصرها قائلـة بلوم :
-أنتَ أتأخرت ليه !! وبكلمك مش بترد !! ده اتفاقنـا يا هارون ؟! كنت فين كل ده !
أمسك كفها الذي تلـوح بهِ بلطف ليفتح ويطبع العديد من القُبلات بداخله جعلتها تنسى أمر تساؤلاتها ، انغرمت بفرط حنانه وهو يفعل بكفها الأيسر هكذا .. رمقته بتحير :
-هارون ، أنت كويس !!
لم يُجبها بكلمة بل استبدلها بقُبلة طويلة بين عينيها ..أن يختار القلب خليله بعناية… حينها ستشعر بأن رقة قلبه مثل خيط يضمدك في العالم كل ما بهِ يؤذي .. تنهدت مشتتة :
-طيب ممكن تقول لي مالك !
-أششش ، عاوزة تعرفي مالي !! لو في أيدي ألف كُرة العُمر واعتذرك عن كُل يوم كنت بعيد فيه عنك ..
أغرورقت عينيها بالدموع :
-هارون .. قلبي قلقان عليك !! فيـك أيه ؟! أنتَ زعلان من حاجة ..
-زعلان على العمر اللي عدى وحضني متلچ من غيابك ..
ثم مسح على معالم وجهه باستغراب وهو يتساءل :
-واحدة زيك أذت العالم في أيه عشان ينهش فيها إكده ، تعرفي نفسي في أيه !!
انتفضت في حضرة ملك الحُب وسألته :
-نفسك في أيده ونحققـه ..
مسح على وجنتها بأسفٍ :
-نفسي أداريكي من قسوة العالم چوة قلبي .. مش عاوز حاجة تزعلك واصل..
سالت دموع عينيها بمشاعر جياشـة وهي تذوب فـ شهد حُبـه :
-أنا لو زعلانة بجد ، فـ أنا زعلانة على العُمر اللي عدى كده من غيرك ..
شدها بلهفة في حضنه وباتت يداها تمسح على ظهرها كأنه أراد زوال سنوات الحزن عنها ، سيل ممطر من القبلات انهمر منه على كل جزء منها حتى تفتت بين يده ..
فارقت حضنـه وزالت أثار الدمع من عنه متجاهلة مطر عينيها وسألته :
-خلاص بقى ، أنتَ خلتني أعيط وأنت كمان هتعيط أوي .. أحنا ننسى كل حاجة ونبدأ سوا صح ! أنت عمـرك ما هتسيبني ..ممكن تحكي لي بهدوء كده ؛ مالك !!
فارق يديها وتحرك ليقف الباب بهدوء ثم عاد إليها وشرع في تبديـل ملابسـه تحت أنظارها المُشتتـة ، ما فرغ من مهمتـه فبادرت قائلة :
-لو المشكلة كبيرة أوي كده ، خلاص متحكيش ، لأنك كل ما تتكلم عنها كده بتديها حجم أكبـر في تفكيرك .. بس أنا عندي فكرة ..
تأملها بنظرة عجز حول ظلم الحياة لهذه الطفلة البريئة وقال :
-قولي ..
سحبته من يده بمهلٍ ثم استقلت السرير الصغير وعقد قدميها وأشارت له :
-هنيمك في حضني النهاردة ، مش أنت بترتاح معايا .. تعالى .
يصبح للمرء أجنحه عندما يستقبلـه حضن من أحب ، لبى ندائها واغتنم حضنها ليكون ملاذه هذه الليلـة .. ضمت رأسه لصدرها واتكئت للوراء وهي تتفقد بأناملها جدائل شعره :
-أنت عارف أن في أسطورة بتقول ، أن النوم في حضن حد بتحبـه ، مش بيخلي الإنسان يعجز بدري ..
رغم عنه تبسم لعودتها لأساطيرها وروحها الخفيـفة وقال :
-ابتدينـا .. مش هتحكي لي عن شهريار وشهرزاد ..
فكرت للحظة :
-تحب أحكي لك رومانسي ولا فانتازيا !!
-احكي لي خلفوا أمتى في أم القصة دي !!
انفجرت ضاحكة من تغيره المفاجئ ومفارقته لحضنـها ليراقب صدى صوت ضحكتها ، فأتبع :
-طب سيبك من شهرزاد ، وقوليلي ليلزاد نفسها يكون عندها كام عيل !!
استوقفها الاسم للحظة :
-أنتَ قولت أيه !! مين ليلزاد دي ؟!
-أنتِ !!
-يا سلام !! على وزن شهرزاد وكده !! لا حلوة عجبتني ليلزاد …
داعب وجنتها الأشبه بالقطن وقال :
-عارفـة الأول يعني أيه ليلزاد !!
-عـرفني …
أمتدت أنامله لأطراف شعرها وهو يقول :
-ليلي زاد .. بدل القمر بقيوا اتنين ، واحد في السما وواحد چاري واخد القلب والعين ..
نبضت في سماء الهوى وهي تجثو على ركبتها لتحضنه بفرحة :
-الاسم حلو أوي على فكرة ، خلاص على طول تقول لي الاسم ده لما نكون سوا ..
-طب واسم غفران ؟!
تراجعت عن حضنه بأسى وهي تكتم ثغره :
-هارون بليز ، بلاش الاسم ده ، بيرعبني ..بحس وراه أسرار كتير أنا مش أدها .. بلاش تناديني أبدًا بالاسم ده ….. ممكن !!
ضم رأسها لحضنه مرة آخرى وهو يقبل شعرها كثيرًا ويقول بتمني:
-طول ما أنتِ في حضني متخافيش من حاچة واصل …. هارون العزايزي هينسيكي كل الحزن اللي علم على قلبك يا ليلة ..
ثم تبسم مغيرًا مجرى الحديث :
-هقول لك خبر حلوة ، عمار چيه يتقدم لهيام .. والواد چدع ويستاهلها .. وأبوي حسيته مرحب قوي ..
هللت فارحة :
-الله!! بجد هيام هتفرح أوي يا هارون ، هي عرفت ولا لسه ، تيجي نقولها عشان تنام مبسوطة !!
أوقفها عن جنونها وعفويتها:
-أقعدي راحة فين !!
-الله!! معاك أهو يا هارون .. بس أحلام ووو
أوقفها طالبًا :
-عاوز أنام الليلة في حضنك ..
-هو ينفع !! ؟ مش ممكن حد يشوفنا .
-في داهية أي حد ..
ثم شدها من قدميها ليرتمى ظهرها على الفراش ، ويضع رأسه على كتفها وهو يحاصرها من كل جهة لتقول :
-هحكي لك حدوتة عشان تنام ..
دفن ملامحه بحضنها قائلًا :
-أحكي اللي يعجبك ، المهم أسمعك ..
•••••••••••••
وعلى حدى جاء أحد الرجال مهللًا من الخارج مناديًا :
-صديق بيه يا صديق بيه .. مجلس العزايزة عطوا رؤوف ونچاة مُهلة أسبوع، لو مرچعوش هيتقتلوا ..
فرع صديق من مكانه :
-هما لساتهم متچمعوش عليهم !! قبل السبوع ما يخلص ، هكون مسيح دمها ..
في هذه اللحظة رن هاتفه بالاتصال المنتظر ليخبره :
-عرفت مكان نجاة ورؤوف ….
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية آصرة العزايزة 2)