رواية تناديه سيدي الفصل الحادي عشر 11 بقلم شيماء الجريدي
رواية تناديه سيدي الفصل الحادي عشر 11 بقلم شيماء الجريدي
رواية تناديه سيدي البارت الحادي عشر
رواية تناديه سيدي الجزء الحادي عشر
رواية تناديه سيدي الحلقة الحادية عشر
(حجرة غادة)
جلست غادة لتقص على والدتها كل ما حدث في الصباح، فقد كانت تمارس هوايتها المفضلة في التلصص على زيدان وبعد أن انتهت قالت والدتها:
– طب وزيدان فين دلوقتي؟
– سعادته هيسيب الاوتيل وراجع القاهرة خلاص.
– غريبة وأنت عادي كدة انا قولت هتسبقيه على القاهرة…
– ده اكيد بس مش دلوقتى في حاجة مهمة لازم أعملها الاول.
قالتها وقد ابتسمت ابتسامة عريضة تنطق بكل إمارات الحقد والشر…
(سيارة زيدان )
زيدان يتحدث في الهاتف بانفعال وقد بدى عليه نفاذ الصبر وهو يقول في ملل:
– ايوة يا حسام أنت فين دلوقتي؟
– أنا مع آدم في النادي حصل حاجة ولا إيه…
– لا بس أنا نازل القاهرة دلوقتي بكرة الصبح إن شاء الله هكون في مكتبي.
– الله أنت لحقت يابني أنت ماكملتش كام يوم، حد من الولاد تعب ولا حاجة؟
– لالا إحنا تمام بس زهقت أنت عارف أنا برتاح في الشغل اكتر.
– اه طبعاً عارفك فقري…
– بينما كان يحادث زيدان صديقه في أمور العمل المختلفة، كانت شمس في المقعد الخلفي منكمشة؛ على نفسها والرعب ينهش أوصالها وتفكر في كل ماحدث وما سوف يحدث معها. وزينة مستلقية بين ذراعيها في براءة نظرت لها في أمومة وهي تتألم فحتما سيصرفها زيدان من العمل لقد كان خطؤها فادحا.
ظلت تتنقل بعينيها بين زياد وزينة وكأنها تحاول أن تشبع منهما قبل أن تفارقهما إلى الأبد.
– طيب طيب جهز الأوراق وبلغ رؤساء الأقسام أن في اجتماع ضروري بكرة بعد الظهر.
– هظبط الدنيا ماتقلقش اوك سلام.
أغلق حسام الهاتف وقد شعر بالقلق يتسلل إلى نفسه فما يمر به صديقه هذه الأيام يفوق احتمال البشر. انتبه حسام على آدم وهو يهز كتفه برفق يقول بحماسة الأطفال:
– بابي بابي أنا جعان أوي.
– والله وأنا كمان يا آدم تعالى نروح ناكل.
أمسك بيده واتجها معا إلى مطعم النادي ليترك آدم يده فجاة ويركض بعشوائية وهو يضحك ويقول:
– يلا سابقني بقى…
– خد يا آدم هنا مايصحش نجري وسط الناس كدة.
لم يستمع إليه آدم وانطلق يجري بخفة وهو يضحك وينظر خلفه في مرح لحسام الذي كان يحاول أن يلحق به؛ فيزيد الطفل من سرعته وهو يصرخ ضاحكاً، حتى أنه لم ينتبه لتلك الصغيرة التى اصطدم بها ووقع فوقها على الأرض…
كان حسام قد لحق به أخيرا وأنهضه من فوق تلك الطفلة المسكينة التي شرعت في البكاء بصوت عال وقبل أن ينطق كان هناك صوت انثوي يأتي من خلف حسام يقول في قلق ورعب
– ميسون حبيبتي حصلك حاجة ياروحي
– النوتي ده وقعني على الأرض يامامي
قالتها وهي تصرخ باكية وتدخل حسام أخيرا وهو يعتذر قائلا
– متأسف جدا يا مدام بس ابني مايقصدش يوقعها خالص هو كان بيجري خبط فيها غصب عنه
أمسك بذراع آدم ليوقفه أمامه وقال
– اتفضل اعتذر لطنط وللبنت الي وقعتها
طأطأ آدم رأسه وهو يقول في خجل
– أنا أسف يا طنط أسف يا ميسون مكنش قصدي
خلاص يا آدم يا حبيبي مفيش حاجة
قال حسام متعجبا
– هو حضرتك تعرفي أدم منين ادم زميل ميسون في المدرسة والحقيقة دايما بتشتكيلي منه وقبل كدة روحتلها المدرسة اكتر من مرة عشان اشتكي للمديرة وكانت جدته هي الي بتيجي تحضر الاجتماعات دي لان حضرتك دايما مشغول
– متأسف لحضرتك جدا انا عارف ان ادم شقي بس هو أصله ظروفه
– أنا عارفة ظروفه كلها و متعاطفة معاه جدا وعرفت من جدته انك بتحاول تعوضه عن غياب باباه بس لازم يكون في حياة آدم ام الطفل في السن ده بيحتاج لامه اكتر من باباه
– عارف بس حظه كده بقى الحمد لله ، صحيح ما اتعرفتش باسم حضرتك
– ليلى ، مهندسة ديكور ومامت ميسون
قالتها وابتسمت ليبتسم حسام بدوره فقد انتبه أخيرا لأنه يقف مع آية من آيات الجمال فقد كانت ليلى ذات بشرة بيضاء صافية وعينان زرقاوان وفوق كل هذا حجاب أنيق يزين تلك اللوحة الربانية باطار مزركش رقيق وثوب محتشم زادها جمالا فوق جمال ، انتبه على صوتها وهي تقول
– استاذ حسام حضرتك سامعني
– هه لا لا انا معاكي طبعا اه احم طيب تسمحيلي اعزمك انت وميسون ع الغدا واعتبريه اعتذار عن آدم
– لالالا مفيش داعي احنا اصلا كنا مروحين عن اذن حضرتك
لم تمهله لإضافة كلمة جديدة ونادت على ميسون والتي اتتها مهرولة بعد أن كانت تلعب مع آدم وكأن شيئا لم يكن نادى حسام بدوره على آدم ليقول له لوم
– تعالى يا فاضحني أنت عاملي فيها شبح المدرسة وبترازي في خلق الله ومالقيتش غير البسكوتة دي وترخم عليها ياقفل
– ماهي الي بتسيبني وبتروح تلعب مع مؤمن
– هو في مؤمن كمان لا ده الموضوع كبير تعالى ناكل واحكيلي يا اخر صبري
(قصر زيدان السيوفي)
وصل زيدان بسيارته إلى قصره وساعدت شمس الأطفال بمغادرة السيارة وأسرع العم أمين لمساعدتهم في إخراج الحقائب وحملها إلى الداخل ، تسمرت في مكانها حين سمعت صوتا غليظا يناديها ويطالبها أن تترك مابيدها وتتبعه علمت أن وقت الحساب قد حان، التفتت سريعا لترى زياد وزينة ربما للمرة الأخيرة ومن ثم هرولت خلف سيدها لتلحق به
وقفت أمامه ترتجف كورقة شجر هجرها كل اصدقائها لتبقى وحيدة معلقة في شجرة الحياة لتهددها رياح الحظ العاثر بسقوطها بين لحظة وأخرى بادرها قائلا بصوته الرخيم والذي يثير الرهبة في نفسها:
– ممكن تفسير للي حصل الصبح يا آنسة يا محترمة؟
– أنا مليش ذنب والله يا زيدان بيه، أنا قلقت الصبح بدري وكان نفسي اتمشى شوية على البحروالله …كانت هي عشر دقايق وهطلع قبل الولاد مايصحو لقيت ياسر في وشي والله يازيدان بيه ما كنت أعرف أنه موجود اصلا أنا اتفاجأت بيه هناك والله.
قالت كلماتها تلك وقد انهارت أمامه ودخلت في نوبة بكاء؛ كان صوتها يمزق نياط القلوب ولكن زيدان لم يهتم وقال بمنتهى الغلظة:
– المفروض دلوقتي اطبطب على جنابك واقولك معلش متعمليش كده تاني اوعي تكوني فاكرة أن حكاية الولاد متعلقين بيكي دي هتشفعلك زي كل مرة اعملي حسابك أن…
وقع بصره في تلك اللحظة على صورة طفليه شعر بغصة في حلقه فبالفعل هما متعلقان بها كثيرا وهو يتمنى الموت على أن يكون هو سبب في حزنهما ابتلع ريقه وقد عدل عن قراره ووجد نفسه بدلا من أن يقول لها أنها مفصولة من عملها قد خفض العقوبة إلى خصم نصف راتبها الشهري.
– مخصوملك نص شهر عشان تتعلمي إزاي تخلي بالك من شغلك أنت فاهمة.
– حاضر يافندم أنا آسفة مش هتتكرر تاني والله.
صرفها بإشارة من يديه ركضت إلى الباب تفتحه بلهفة وقد تنفست الصعداء، فهي تتحمل الخصم بل تتحمل حتى أن تعمل دون أجر، ولكنها لن تتحمل أن تبتعد عن زياد وزينة.
(منزل جدة آدم )
يجلس حسام مع جدة آدم في ردهة منزلها ويتحدثان حول أمور آدم ومتاعبه التي لا تنتهى…
– إزاي يا طنط آدم يبقى عامل المشاكل دي كلها في المدرسة وماتبلغنيش؟!
– والله يابني ما كنت بحب اشغلك كلها حاجات بسيطة وكانت بتتحل.
– بسيطة إزاي بس دي أم كمون دي.
– ميسون يا بابي…
– ينسون يا سيدى ما تزعلش.
– ميسون يابابي اسمها ميسون.
– ماعلينا أم البنت دي قالتلي أنها بتشتكي منه على طول وأنه بيضايقها أنا كنت خايف أحسن ابوها يطلعلي من ورا اي شجرة يضربني.
– يخرب عقلك يا حسام على طول بتموتني من الضحك، وعموما ماتقلقش ابوها مسافر برة مصر ومش بيسأل عنها خالص ولا يعرف عنها حاجة.
– ازاي مش فاهم؟!
– متطلقين وهو شغله بره مصر.
– حد يطلق برطمان العسل ده!
– اه والله يا حسام بنت زي الفل لكن حظها قليل، تجوزت واحد معندوش دم ولا إحساس حتى بنته مابيسألش عليها مش مقدر النعمة الي ف ايده وغيره محروم منها.
-وكأن كلمات جدة ادم كانت سوطا ألهب قلب حسام؛ فقد أعادت كلماتها ذكريات لطالما تمنى نسيانها ونكأت جرحا توهم يوما انه قد اندمل.
حمحمت السيدة في احراج واضح فيبدو انها لاحظت وقع كلماتها القاسية على حسام قالت معتذرة:
– لامؤاخذة يا حسام يابني أنا والله مش قصدي اضايقك.
– لالالا أبدا يا طنط مفيش حاجة، أنا هسيب ادم ييات عندك النهاردة وهعدي بكرة اخده.
– طيب يابني خلي بالك من نفسك ربنا يعلم يابني انا بعتبرك زي ابني بالظبط ووجودك مهون عليا كتير.
– ربنا يخليكي لينا يا ست الكل وأنت كمان زي امي بالظبط يلا استأذن أنا.
– مع السلامة يابني…
(حجرة شمس)
انكفئت شمس فوق فراشها تبكي وتشهق كانت منهارة تماما، تشعر بمرارة ومهانة لاحد لها. فاليوم كانت على وشك أن تطرد من عملها؛ ولكن هل طردها من العمل حقا هو كل ما كان يقلقها؟! واصلت البكاء بحرارة حتى أنها لم تشعر بالخالة نجاة، تلك السيدة طيبة القلب والتي عوضتها عن والدتها. فلطالما شملتها بعطفها وحنانها، ضمتها تلك الأم الحنون إلى صدرها؛ وأخذت تهدهدها كطفلة صغيرة فقد سمعت زيدان بيك وهو يعنفها ويعاقبها بخصم راتبها؛ وعلمت أن تلك المسكينة بحاجة إليها فذهبت إليها بقلب أم قلق على صغيرتها لتطمئنها، وتخبرها أن الحياة مازال فيها شيئا جميلا ولكن ترى ماذا ينتظر شمس؟ هل انتهت مشاكلها عند هذا الحد؟…