رواية ظل السحاب الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب البارت الثالث والثلاثون
رواية ظل السحاب الجزء الثالث والثلاثون
رواية ظل السحاب الحلقة الثالثة والثلاثون
تجلس بمكتبها، تستند بظهرها على ظهر المقعد ووجهها لأعلى تتأمل السطح بشرود، لم ترد على اتصالات فريدة، ولا عز الذي استمر ف الرنين أكثر من عشرين مرة بالمساء فقط، غير تلك الرسائل التي بعثها في محاولة للإطمئنان عليها،
أحست بالإستياء من نفسها كونها لم تجيب عليهما ولأول مرة تفعلها .. طرق الباب أخرجها من سرحانها، لتنصب جذعها العلوي باعتدال وتهتف بإذن وهي تسند مرفقيها فوق سطح المكتب..
: ادخل!
لينفتح الباب ويدلف عماد الممسك بـ باقة ورد أحمر كبيرة، ويضعها فوق المكتب بجوارها، لتتساءل هي مستغربة..
: لمين الورد دة يا عماد؟
أجاب ببسمة لعوب وهو يغمز بأحد عينيه: ليكي انتي!
أشارت لنفسها بتعجب: أنا! ومين اللي باعته؟
مال بجذعه للأمام قليلًا وهمس بمكر: أكيد من حد بيفهم ف الذوق، افتحي خلينا نشوف مين!
طلب منها وهي يشير إلى الباقة
: لالا، روح انت وأنا هبقى أشوفه لوحدي!
قالت بتلعثم وباهتزاز في مقلتيها، ثم رد عليها بابتسامة صفراء مرسومة على فمه
: ماشي يا عم، بس قلّبي كدة يمكن تلاقي شكولاتاية ولا حاجة حلوة الواحد نفسه مجزوعة!
ضحكت برقة ليهتف عماد بمرح عاليًا: يا وعدي
ليتحرك مغادرًا المكتب، ثم تنهض هي لتبحث عن الورقة أو الرسالة من الباعث بتلك الأزهار الجميلة التي انتشرت رائحتها العبير بالغرفة،
فتجد ظرف صغير باللون الأصفر ملتصقة بين الورود، وتقوم بفتحه بلطف وتخرج ورقة منه لتبدأ بالقراءة ..
”مش عارف أبدأ منين وازاي، بس اللي عايزك تعرفيه إني عمري ما فكرت ولا هفكر فيكي بشكل وحش يخليكي تبعدي ومترديش .. انتي نجمة عالية صعب حد يطولها بسهولة، لسة بتلمع ومحتفظة بـ بريقها المضئ، اللي زيك انتي، تاخد الحاجة اللي عايزاها من غير استئذان أو طلب، ومن غير ما تحس أو تفكر إنها بتذلل،
أنا عارفك وحافظك يا نيرة، رقيقة من جواكي ونفسك عزيزة، رغم كل السنين اللي مرت، إلا إنك شخص غير متجدد، محافظ على طبعه وقلبه النضيف، أنا عمري ما ندمت إني ف يوم حبيتك، ولا عمري هندم، وهفضل أقولهالك لغاية آخر نفس، انتي روح فؤادي، انتي النبضة اللي رجعت بعد طول غياب واستقرت ف مكانها الحقيقي،
يا ريت تقبلي الورود الجميلة اللي شبه خدودك، كإعتذار مني للكلام السخيف اللي أنا قولته لـ فريدة عنك … عز الدين“
لتتهلل أسارير نيرة، وتعلو وجهها علامات الغبطة .. يا لها من مفاجئة غير متوقعة قشعت عنها شعورها بالبؤس واليأس لتشعر بالنشوة وكأن الدنيا تتحول إلى نغم ساحر، بعد اللون القاتم الذي ساد ظلامه حولها..
التقطت وردة بـ بسمة استقرت ثغرها لتستنشق طيبها الفواح بقوة وهي مغمضة الجفنين، تنغمس في أحلام اليقظة الجميلة التي تتمنى أن تصبح حقيقة قريبًا.
_________
قذفت سؤالها في وجهه كالسهم المشتعل بلهيب من بر*كان ستحر*ق من حولها…
لم يكن مجرد سؤال بل كان كزر الإطلاق، كلغم موضوع أسفلها وضغطت عليه بإرادتها دون إجبار، لطالما كان لسانها السليط يوقعها في مشاكل، هذه المرة ستحدث كا*رثة مهولة بالتأكيد..
لم يجب عليها التحاذق في هذا الحين، كان يلزم أن تتريث قبل أن تقبل على حماقة أخرى، لا أحد يدري ما الذي تفكر فيه هذه الفتاة،
وضعت نفسها في مأذق وحصار من عينيه التي بدأت تشوبها لون من نا*ر، لن ينفعها هوجها تلك المرة..
ورغم أنها رأت وميض اللهـ ـيب يتألق مقلتيه إلا أنها تابعت حديثها وكأنها لم تكتفِ بسؤالها، وأيضًا لن يحدث فرق كبير إن صمتت، فرد فعله لن يتغير..
لتهمس سائلة ببطء وبنبرة متحشرجة: لسة عايز تحتفظ بذكرياتها ف قلبك؟ مكفكش العمر اللي ضيعته فـ حبك اللي عدى أي منطق؟ قلبك اللي سلمتهولها وملكته ما تعبش من الجفا بعدها؟ مش عايز إيد تنفض التراب اللي غطاه بالكوم، زي أوضتك اللي حارم الكل يدخلها أو يلمس عفشها القديم؟ مش عايز تنساها؟
هدرت بأسئلة اعتصرت قلبها بسلسلة من نا*ر قبل أن تهز كيانه وتشعل الحر*ب بداخله من جديد..
: فريدة!
صرخ بها بحدة جعلتها تغمض عينيها بقوة وتهبض دمعة منكسرة على وجنتيها، وجعلت الموجودين بالمطعم يندفعون برؤوسهم متطلعين إليه ..
لينهض ويدفع المقعد بقوة حتى وقع للخلف .. مضخته الثائرة تجعل صدره ينتفخ ويهبط بشكل سريع ومرعب كمن كان في سباق للعد*و،
فتحت جفنها ببطء وهي تستمع لأنفاسه المتأججة، ثم ترفع ببصرها إليه ليسقط قلبها هرعًا من تقاسيمه التي بدت وكأن الد*ماء تنضح منها، وترى العرق النافر ينبض بقوة، فهالها عسر الموقف وبدأت أعصابها بالانفلات وهي تتطلع لذلك الوهيج الذي سينفـ*جر من بؤبؤ عينيه ..
مرت تلك الدقائق متثاقلة حتى سمعته يهمس بصوت غليظ جعلها ترتجف
: اتعديتي حدودك، وأديتي نفسك أكبر من حجمها، تدخلتي في شئ أبعد ما يكون عن خيالك، كل مرة بتغلطي معايا يا فريدة لغاية ما هتخليني أندم إني اتعاملت معاكي بلطافة، بتغوصي في مكان مش من حقك…
: لأ من حقي
ورغم الحيرة ورغم الألم الذي لحق بروحها صرخت فيه بقوة جاهدت لكي تصبح طاغية.. فأردفت وهي تهتف بإصرار، ودموع حارقة تذرف بشجن
: أنا من حقي أعرف كل حاجة عنك، من حقي أخطفك من الوهم والضياع اللي انت عايش فيه، ورافض كل إيد تتمدلك وتنشلك منه…
لكن مش هسمحلك يا مراد ترفضني أنا، وهفضل وراك زي ضلك، وانت مش هتعرف تعترضه أو تهرب منه!
همست في جملتها الأخيرة بحزم وهي تشير بسبابتها .. هي لم تعد تخشى فيضانه الهائج، ولن تكترث لأي كان، ستسير وتسلك طريقها الذي اختارته بإرادتها مهما رأت من عقبات، فستفوز على ذلك الظلام الدامس ويسود نورها الساطع حياة هذا العنيد الذي تلبس روحه جسدها كالجـ*ني…
قطب جبينه مندهشًا من أسلوبها الجديد والصارم معه كمن نصبت نفسها سلطانة على حياته، ويفترض عليه الطاعة والانصياع لأوامرها دون حق الإعتراض.
لكن لا .. هذا الوضع لن يجدي نفعًا معه، فهو ما زال مراد الحديدي الذي لا يجرؤ أحد على إلقاء الأوامر عليه .. أطبق فوق فكيه بقوة لتستمع هي إلى اصطكاك عنيـ*ف أدى إلى أن تبتلع لعابها بارتباك، ظنت أنه سيقتلع لسانها عما صدر منها من حماقة، فحاولت أن تظهر الشجاعة متجاهلة تلك الرعشة التي أصابت جزء من قلبها بسبب تحديقه المرعب..
لكنها تفاجئت به يخرج بعض النقود من جيبه بتأفف ويلقيها على الطاولة بحنق ثم يذهب من أمامها فورًا بتشنج قبل أن يهتك بها ..
تنفست الصعداء عقب مغادرته، فتجلس هي على المقعد بأريحية وتضيع يدها على قلبها الذي ينبض في اضطراب، لم تدري كيف تلبستها تلك الحالة واستطاعت أن تصمد أمام هذا الو*حش تأييدًا لنعت نرمين،
تبًا لغضبه الذي لا ينتهي أبدًا، لكنها شعرت بلذة فانفرج ثغرها ببسمة انتصار.
_________
يجلس بالساحة الخارجية يتصفح في حاسوبه باهتمام بالغ وكأنه ينتظر نتيجة امتحانه، فيبتر انهماكه وتركيزه إقبال نانسي عليه، جلست على الأريكة على أحد الجوانب بـ خمول، ليتعجب عثمان من حالتها فيبادر بالسؤال بعد أن أغلق الحاسوب ..
: مالك يا نانسي؟ شكلك متوتر ليه؟
ردت بضجر: زهقت يا دادي، مراد شخص صعب أوي أوي، إنسان جادي للنهاية، مهما أحاول اتقرب منه مش مديني فرصة، بسمع كلامه برضو بيشخط فيا!
: حصل إيه لكل دة؟
سأل في استغراب تام، وهو ينهض ويجلس بجوارها .. لتجيب بحنق وهي تجز فوق أسنانها
: بنت يا دادي اسمها فريدة، تربية شوارع، لا تطاق بجد، حطاني ف دماغها معرفش ليه!
: وتطلع مين البنت دي؟
سأل لتجيب: كانت بتشتغل عند مراد طباخة، ورجعت تاني عايزة تشتغل ف الشركة، كإنها بتحاول تتقربله بكل الطرق وبتتعامل معاه بطريقة غريبة ومش مرتاحة لها، دة غير أنها قريبة جدًا من عمتو نيرة!
: ازاي يعني؟ وليه محاولتيش تطفشيها؟
هتف بتأفف ثم نهض ليردف: هتضيعيلي كل شغلي يا نانسي، حتة بت ولا تسوى مش عارفة تطيرها من قدامك!!
حرك رأسه باندفاع نحوها، لتنهض وتهتف بخيبة
: أعمل ايه يعني؟ دة عشان هزأتها وكنت هطردها، سمعني كلام بارد أوي، وحذرني مقربش منها ولا حتى أضايقها !
تعجب عثمان فهمس في عقله «يا ترى مين دي؟ وإيه سر تمسكه بيها كدة؟ حب جديد ولا إيه؟»
زم شفتيه بغيظ، لا يعرف ما سر عشقه لهؤلاء الفتيات الحقـ*يرات أمثال رغد وتلك الجديدة التي تدعى فريدة، والتي لا يدري من تكون وماذا تفعل؟
_________
تقف بالمطبخ تقوم بإعداد وتحضير بعض الأطعمة الخفيفة وذهنها يطيح في عالمها الخاص الذي نشبت فيه بمشيئتها، لا تعرف هل مراد سيلين معها، أم سيفتعل حماقة كعادته! لكي يبعدها عن حياته، مجرد الفكرة زلزلت قلبها وأحست بثقل في أنفاسها،
هزت رأسها لتنفضها بعيدًا، وأغلقت باب التفكير القبيح بل أقفلت على عقلها كله .. أمسكت بالصحنين لتتحرك باتجاه الطاولة وتضعهم برفق فوقها، ثم تهتف بصوت عالي منادية على أبيها ..
: يلا يا بابا الأكل جهز، بقالك ساعة بتعمل إيه ف الأوضة
خرج عز من الحجرة وهو يضبط من قميصه الجديد فيسألها..
: إيه رأيك بقا؟
لتطلق صفيرًا عاليًا بإعجاب: إش إش يا زيزو، دة انت ولا أحمد عز ف زمانه!
ليضحك فيقول مستنكرًا: يا شيخة؟ دة انتي بتفشري أوي!
: لا وربنا انت أحلى منه كمان، دي البت نرمين بتفضل تمدح وتعاكس فيك كل لما نجيب ف سيرتك .. ياكش بس الشعرتين البيض اللي ف راسك وربنا تنافس توم كروز!
قهقه عز فأمسك بخدها يقرصها ثم أردف باستنكار ساخر: توم كروز كمان؟ طب شوفي حاجة قريبة أصدقها
: يا جدع ما تقولش كدة، أمال هي نيرة وقعت في غرامك ازاي! مهو عشان ابننا جامد!
قالت بهزلية ومشاكسة ليحذرها عز بلطافة: يا بنت عيب، بطلي لماضة
لتحتضه وهي تربت على ظهره ثم تبتعد لتقول بهزل
: مبروك يا بوب، عقبال كدة بدلة فرحك، قول آمين
ضحك ثم ضمها لأحضانه بحنان وطبع قبلة رقيقة فوق شعرها
: ربنا ما يحرمني منك أبدًا يا فريدة، وأشوفك أحلى عروسة ف الدنيا
همس بمخملية لتبتعد قليلًا وترد مازحة كعادتها: مش لما أفرح بيك الأول؟
ضغط على أنفها بخفه ثم هتف: طب يلا يا لمضة الأكل برد
_________
بالنادي الرياضي، يقف هو أمام كيس الملاكمة، يرتدي ملابسه المخصصة المكونة من بنطال أسود به خطان من اللون الأبيض، وفانلة بحمالتين من نفس لون البنطال، تبرز عضلاته المفتولة بشكل جذاب،
والعرق يتناثر من جبهته ويهبط على وجهه حتى منكبيه، يتنفس بصوت عالي من أثر المجهود، يلكم الكيس بغل شديد يود صب جم غضبه المتراكم باللعبة، حتى يفصل عقله عن التفكير المتسلط عليه…
اللعنة لم يعد الأمر يحتمل، يضر*ب بـ بقوة وشر*اسة، بيديه الإثنان بترتيب متناسق وسريع … يمين، يسار، حتى قام بلكزه فاندفع الكيس للخلف من شدة الضربة،
ليقف ثابتًا وهو يلهث بسرعة كبيرة يحاول التقاط أنفاسه، وإضطراب شديد بنبضات قلبه جعلته يجثو على الأرض بإنهاك وتعب، ثم نكس وجهه لأسفل وهو يضع يديه على مؤخرة رأسه..
أن تحاول إجبار نفسك على تجاهل شعور بداخلك أصبح جزءًا مهمًا يسكن قلبك عذاب قاسٍ، وأن تصبح صامتًا رغمًا عنك، في حين أنك تريد إحتضان شخصًا تأمنه على نفسك، والبكاء على صدره مثل الطفل الذي خلق على الفطرة، عند شعوره بالألم يجري ليضم أمه ويبوح بكل ما يكنه في فؤاده لها.
الماضي ينهش به كالو*حش، يود قهره والتغلب على قوته، ترى هل يستسلم له بتلك السهولة؟
لطالما يخفي هذا الألم والوجع خلف عصبيته وتذمره، لكن كفى الآن صمتًا، كفى هروبًا، حان الآن المواجهة،
نهض مراد بعزيمة كبرى كيفما هو دائمًا، ليسير باتجاه حجرة التبديل وهو حاسمًا أمرًا واحدًا، أن يقابل فريدة والآن مهما كلف الثمن.
دلف إلى أحد المراحيض يأخذ حمامًا باردًا يزيل ويطرد بها هذا الشعور اللعين الذي كاد يفـ*جر عقله ويهزمه،
وبعد عدة دقائق خرج وارتدى ملابسه المعتادة المكونة من بنطال وقميص وسترة ثم هرول مسرعًا وصعد عربته، لينطلق بها بسرعة إلى واجهته،
التقط هاتفه بعد أن بحث على رقمها وضغط اتصال بينما يتطلع للساعة التي بيده فوجدها الـ ثانية عشر مساءًا، ليس مهمًا لن يقدر على الانتظار ولو لساعة واحدة إضافية، يجيب أن يقابلها الآن وفورًا، وبعد الرنين جاءه صوتها الناعس..
: ألو!
ليهتف بحزم: فريدة أنا مراد، انزلي قابليني دلوقتي حالًا، حالًا يا فريدة…………..
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية ظل السحاب)