رواية أنا لها شمس الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم روز أمين
رواية أنا لها شمس الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم روز أمين
رواية أنا لها شمس البارت الخامس والأربعون
رواية أنا لها شمس الجزء الخامس والأربعون
رواية أنا لها شمس الحلقة الخامسة والأربعون
الحياة كلوحة بيضاء تنتظر منا الألوان لتغدو أكثر جمالاً وتألقًا وتأنقًا،فاختر ألونك بعناية كى تزهو حياتك وتزدهر،اصمد أمام حلمك حتى يتحقق فلا مستحيل مع الإصرار والتحدي،إذا حُجبت سماؤك يوماً وتلبدت بالغيوم أغمض جفونك لبرهة ترى خلف الغيوم نجوم، والأرض حولك إذا ما توشّحت بالثلوج أغمض جفونك تجد تحت الثلوج مروج،واعلم أن وراء كل فشلِ يوجد نجاح وخلف كل حزنٍ تأتي السعادة لتفتح بابها على مصراعيها لاستقبالك،وخلف كل جفافٍ بأتي غيث الله،فمهما يحدث تمسك بحُلمك وأعلم أن برغم قساوة الواقع ومرارته دائمًا يوجد أمل.
تفاجأ عمرو بسيارتي شرطة تقفان أمام منزله ليعود للخلف سريعًا في محاولة منه للهرب مما جعل رجال الشرطة يلاحظون وبسرعة البرق انطلقت السيارتين خلف سيارته لملاحقته،كان يقود سيارتهُ بسرعة جنونية والسيارتين تلاحقاه،ظل هكذا لمدة خمسة عشر دقيقة حتى وصلا لنقطة تقاطع ومن حُسن حظ عمرو فلت بسيارته لتقاطعهم شاحنة نقل كبيرة تجر خلفها مقطورة محملة بالأحجار البيضاء التي تستعمل في البناء لتقطع الطريق بأكمله حيث كانت تمر للطريق المقابل مما جعل إحدى السيارتين تصتدم بها والأخرى توقفت بصعوبة بأخر لحظة قبل الإصتطدام مما أحدث صوتًا عاليًا دب الرُعب في قلوب الجميع،إنشغل الجميع بالتصادم وتوقف الطريق ونزل المارة ليطمئنوا على سيارة الشرطة التي صُدمت ليجدوا أن السائق قد أصيب بنزيفٍ في الرأس بينما أُصيب الضابط المجاور له ببعض الكدمات،انتهز عمرو الفرصة التي أتته على طبقٍ من ذهب ليفر من المكان بأكمله،خرج الضابط سريعًا من السيارة التي لم تُصدم ليراقب الطريق من جانب شاحنة النقل ليجد سيارة عمرو قد فرت واختفت من المكان ليدب بساقه الأرض لاعنًا تلك الشاحنة وسائقها المخالف
************
عودة لحجرة إيثار وفؤاد،مازال يتوسط الفراش بجلوسه منكبًا على أوراقه،يتمعن بها عبر نظارته الطبية،شعر بوخزاتٍ بعنقه من طريقة جلوسهُ الخاطئة فتوقف وبات يدلك عنقه بعناية كي يحصل على بعض الراحة،تطلع على تلك الجالسة فوق الأريكة والتي كانت تتصفحُ مواقع التواصل الاجتماعي ليجد رأسها ساندًا على الأريكة ويبدو أنها قد غفت،انتفض واقفًا ليتحرك صوبها فتيقن من نومها حقًا،تنفس بحنقٍ من تلك العنيدة ليعود من جديد إلى الفراش يلملم أوراقه ويُهئ الفراش لاستقبالها،تحرك إليها وما أن حملها بين ساعديه حتى رفعت أهدابها تنظر إليه لتجده فتحدثت باعتراض بصوتها الناعس:
-سيبني،أنا هنام على الكنبة
لم يعير لحديثها إهتمام وتوجه صوب الفراش لتعيد حديثها متذمرة:
-قولت لك هنام على الكنبة
اشتد غضبها من عدم رده عليها ليصل بها إلى الفراش ويقوم بوضعها برفقٍ فوق الفراش لتحتد بحديثها:
-هو أنا بكلم نفسي،بقول لك مش هنام على السرير أنا!
زفر بقوة قبل أن ينطق بلهجة حادة جعلتها تبتلع لعابها وتصمت:
-صوتك الحلو ده مش عاوز أسمعه وأحسن لك تنامي علشان ليلتك تعدي على خير
تعمق بعينيها وبث بنظراتهِ الحادة تحذيرًا قويًا لتتنفس بهدوء فأشار برأسهِ يحيي تعقلها بطريقة استفزتها قبل أن يتحرك ويختفي داخل الحمام،زفرت بقوة لتعود من جديد لغفوتها،خرج بعد قليل ليتلقى إتصالاً هاتفيًا من الشخص الذي يتابع تطورات الليلة فأخذ هاتفه وخرج بالشرفة لينطق بصوتٍ جاد بعدما أغلقها عليه:
-طمني يا رامز بيه
نطق المدعو رامز بأسى:
-للأسف يا فؤاد باشا الأخبار متطمنش
اتسعت أعين فؤاد ليتابع الأخر بإبانة:
-اللي إسمه عمرو قدر يهرب منهم بسبب حادثة على الطريق،والظابط اللي كان بيطارده بلغ بأوصاف العربية والطريق اللي هرب منه، ولما الشرطة إتحركت لقت العربية، بس للأسف، كانت فاضية
سألهُ بصوتٍ مهزوز:
-وعمرو فين؟!
أجابهُ باقتضاب:
-رجالة الشرطة مشطوا المكان كله،إختفى وملوش أي أثر
واسترسل معلمًا:
-جنابك عارف إن الكمبوندات الجديدة كلها محاطة بالصحرا، فسهل جداً إنه يهرب
نطق فؤاد بجدية:
-أكيد إتصل بحد ساعده
نطق المدعو رامز بثبات:
-متقلقش يا باشا،رجالة الداخلية أكيد هيجبوه حتى لو رجع في بطن أمه
لقد شتته ذاك الخبر المشؤوم وبعد أن كان يشعر بالقلق حيال زوجته وصغيرها الأن أصبح مصابًا بهوس شبح ذاك المجنون فاقد العقل والبصيرة،ما زاد من قلقه هو فقدان عمرو لكل شئ كان يمتلكهُ لذا سينتقم بكل ما أوتي من قوة لينفث عن غضبه العارم بعدما فقد أخر أمل له،تحدث بغضبٍ ظهر بنبرات صوته المحتدة:
-ياريت يتحركوا بسرعة قبل ما يعمل مصيبة جديدة أو يهرب بره البلد
واسترسل وهو يستعد لإنهاء المكالمة:
-ياريت لو حصل أي جديد تبلغني يا رامز بيه
-أكيد معالك…نطقها الرجل قبل أن يغلق الخط،إستند بذراعيه فوق سور الشرفة الحديدي ليرفع وجههُ للأعلى وهو يزفر بقوة،شعر بالإختناق وكأن أحدهم يقبض على عنقه بقوة، نطق وهو يحملق في السماء بيقين ينادي ربه ويستعينُ به:
-يارب،يارب
ولج لغرفة نومهِ يتطلع على تلك الغافية لينسحب بهدوء إلى الخارج،تحرك داخل الممر المتواجد بين الغرف وتوقف حين وصل لحجرة الصبي،أمسك مقبض الباب وتنفس مطولاً قبل أن يديره ويدلف ويوصد خلفه الباب بهدوء كي لا يزعج الصغير،تمدد بجواره بخفة وبات يتأمل ملامحهُ البريئة،لم يحتفظ بملامح والدته، من يدقق بملامح وجهه يكتشف الشبه الكبير بينه وبين ذاك الـ “عمرو”ومع أنه احتفظ بملامح غريمه الذي يُذكرهُ دومًا أنه لم يكن الرجل الاول بحياة خليلة القلب التي عثر عليها بعد معاناة، إلا أنه استطاع إحتلال جزءًا ليس بالقليل من قلبه الحنون،بات يمسد على شعره بكفه الحنون لينزل على وجنتهِ الناعمة،إنتفض قلبهُ حين وجد الصغير يفتح جفنيه ويبتسم له لينطق ببراءة:
-شرشبيل
-عيون شرشبيل…قالها فؤاد وشعور الذنب ينهش صدره ليميل على وجنته يقبلها مما أسعد الطفل ليسألهُ مستفسرًا:
-إنتَ هتنام جنبي بدل عزة؟!
برغم حالة الحزن والهلع اللذان اقتحما قلبه إلا أن ذاك المشاكس استطاع أن يرسم الضحكة على وجهه لينطق من بين ابتسامته الواسعة:
-لا يا سيدي،إحنا بقينا رجالة خلاص ومينفعش حد ينام جنبنا،لا أنا ولا عزة ولا حتى مامي
نطق الطفل بنبرة خجلة:
-بس أنا ساعات بصحى بالليل وبخاف وأنا لوحدي
سحب جسده للأعلى ليفرد ذراعه يستقبل ذاك الرائع لينطق بنبرة حنون:
-بص يا حبيبي، ده خلاص بقى بيتك ومينفعش تخاف وإنتَ في أوضتك،ينفع تخاف وإنتَ وسط أهلك؟
هز رأسهُ بنفي ليسترسل فؤاد وهو يداعبه في بطنه بأصابع يده:
-طب إيه بقى
تعالت قهقهات الصغير ليزيد فؤاد من مداعباته حتى توقفا عن الضخك لينطق الصغير وهو ينظر له:
-على فكرة أنا بحبك قوي وإنتَ طيب قوي، مش عارف ليه مامي كانت بتقول عليك شرشبيل الشرير
رفع كتفيه لأعلى لينطق بملاطفة:
-إسأل مامي وهي أكيد هتجاوبك
نطق يوسف بعينين راجيتين:
-عمو،هو أنتَ ممكن تحكي لي حدوتة زي اللي عزة بتحكيهم لي
رفع حاجبه وسألهُ مستعلمًا:
-هي عزة بتحكي لك حدوتة إيه؟
نطق ببراءة:
-بتحكي لي حكاية ليلى أم الفستان الأحمر اللي الديب الشرير أكل جدتها بأسنانه المدببة،والساحرة الشريرة أم منقار
هز رأسهُ ليقول ساخرًا:
-كنت هستغرب لو كانت بتحكي لك حكايات تستفيد منها،يعني،هي في الأخر بردوا عزة
واسترسل وهو يستعد لقص الحدوتة:
-أنا بقى يا بطل هحكي لك قصة السندباد البحري
إعتدل الصغير وتحدث بنبرة حماسية:
-أنا مش بعرفها دي،يلا بسرعة قولها لي
ضحك بشدة ليتحدث:
-حاضر يا حبيبي
إستمعا لبعض الطرقات الخفيفة لتدلف إيثار التي شعرت بخروج حبيبها من الغرفة بعدما تفقدت الفراش ووجدته فارغًا،تسحبت وأتت إلى حجرة صغيرها كي تتفقده وتطمئن عليه فتفاجأت بوجود فؤاد وهو يحتضن الصغير بحميمية،اشتدت سعادتها عند رؤية ابتسامة صغيرها البرئ الذي انتفض بجلوسه ووقف فاتحًا ذراعيه ليستقبل والدته قائلاً:
-مامي،تعالي إقعدي جنبي واسمعي معايا الحدوتة اللي عمو فؤاد بيحكيها لي، دي حلوة قوي
أقبلت على الصغير واحتضنته لتتحدث بهدوء:
-إنتَ إيه اللي مسهرك للوقت المتأخر ده،المفروض تكون نايم من ساعة
أمال رأسهُ ليستدعي تعاطفها وهو يقول:
-عمو فؤاد بيحكي لي حدوتة حلوة قوي،تعالي إنتِ كمان إسمعيها،وبعدين أنا عندي أجازة بكرة،يعني هصحى من النوم براحتي
تطلعت إلى ذاك الحبيب الغاضب من حديثها المهين له في الصباح،تعلم أنها تمادت معهُ بالحديث وقبل أن تعرضهُ للإهانة هي أيضًا أهانت حالها لذا فهي غاضبة أيضاً من حالها،لكنها بالوقت ذاته غاضبة منه ولم تستطع تلك المرة أن تغض البصر عن رفضه لطلب زيارتها لقبر غاليها،لم تكن هي فقط الغاضبة فبمجرد ما تلاقت عينيها بخاصته سحبها على الفور ليثبتها بمكانٍ أخر،تنهدت بألم لتخرج من شرودها على صوت الصغير الذي عاد وارتمى بأحضان فؤاد لينطق:
-تعالي بقى يا مامي
ابتلعت لعابها ثم جلست وتمددت بجوار صغيرها ليعود فؤاد بقص الحكاية تحت استمتاع الصغير الذي اندمج لأبعد حد وبات يسأل ويستفسر عن شخصية السندباد وبالمقابل كان يجيبه بكل أريحية وثقافة لتوسيع أفاق الطفل،بعد قليل غفى يوسف على ذراع فؤاد ليقوم بهدوء سحبه وتسحب من جواره بعدما دثره جيدًا تحت الغطاء بعناية مما جعل قلب إيثار ينتفض من شدة تأثرها،فتح الباب وتحرك لغرفتهما،مالت على صغيرها وقبلت جبهته بحنان ثم لحقت بزوجها لتلج إلى الحجرة وجدته يقف أمام مرآة الزينة واضعًا يديه بجيب بنطاله وعلى وجههِ حديثًا يريد من يفسح له المجال ليخرج كي يزيل من ذاك الثقل الطابق على أنفاسه
طالعته بحيرة لتسألهُ بعدما شعرت بحدوث شئٍ،فتلك هي المرة الاولى التي يذهب بها إلى غرفة الصغير ليلاً،دائمًا ما يهتم به بالأسفل أمام الجميع:
-هو فيه إيه يا فؤاد؟
تطلع على إنعكاس صورتها وتحدث بجدية:
-طلعت البنهاوي إتقبض عليه في سوهاج وهو بيخرج مقبرة فرعونية وبيسلمها لناس برة مصر علشان يهربوها
ابتلعت لعابها ليتابع بنفس الجمود:
-الرجالة اللي كانت بتحفر إعترفوا إنهم تبع عمرو وطلعت كمان إعترف عليه،ده غير التسجيلات اللي سجلتها الشرطة بأمر من النائب العام شخصيًا
شهقت ووضعت كفها فوق فمها ليستدير لها واسترسل وهو مقابلاً لها:
-الشرطة هاجمت بيت عمرو اللي كان خاطفك فيه وللأسف قدر يهرب منهم
هُنا لم تستطع الصمود لتنطق بهلعٍ ظهر بعينيها:
-هرب إزاي وفين؟
واسترسلت وهي تهز رأسها بهيستيريا وكأن أصابها مسًا شيطاني:
-يبقى أكيد هيحاول يأذينا،هيحاول يخطفني تاني أنا وإبني
واسترسلت:
-يوسف مش لازم يخرج برة البيت لحد ما يتقبض عليه يا فؤاد
إقترب عليها حين لاحظ حالة الهيستيريا التي أصابتها لينطق بقوة وثبات:
-إهدي وماتخافيش،يوسف أنا مأمنه كويس قوي،ولو رجالة المافيا العالمية نفسهم حاولوا يقربوا منه مستحيل يقدروا يكسروا حصار الحماية اللي أنا حاطتها له بنفسي
واسترسل وهو يلومها بعينيه:
-وطبعًا أمان سيادتك متوقف على خطواتك،ياريت ما تتصرفيش من غير علمي علشان ما تعرضيش نفسك وتعرضينا كلنا للأذى
شعرت بوخزة بقلبها مع هطول دموعها الحارة التي هبطت حزنًا وهلعًا على الصغير،تحرك إلى الفراش ورفع الغطاء ليشير لها بأن تتسطح فنفذت أوامره بطاعة وبدون أي اعتراض،قامت بالتسطح ليدثرها جيدًا وخلع عنه كنزته ليظهر أمامها عاريًا جذابًا للغاية،أمسك بجهاز التحكم في الإضاءة عن بُعد ليقوم بغلقها إلا من إضاءة خافتة باللون الأزرق وتمدد على ظهرهِ فوق الفراش واضعًا ذراعه الأيمن تحت رأسه يدقق النظر بسقف الحجرة بنظراتٍ ثاقبة حادة كنظرات الصقر،يفكر في ذاك الحقير الذي هرب ليأخذ معه راحة البال والسكينة،تنهد بصوتٍ عالي استمعت له تلك التي تتطلع عليه والخوف والهلعُ ينهشان قلبها،كانت تتوقع منه أن يأخذها بين أحضانه ويقوم بتدليلها وطمأنتها كما المعتاد أو هكذا تمنت،لكنه طاح بأمانيها بتجاهله التام لها،وهذا ما أثار جنونها، فبرغم ارتعابها من هروب ذاك الحقير لكن يظل شغلها الشاغل وأكثر إهتماماتها هو ذاك الحبيب الرائع التي تفتقد حنانه منذ الصباح،ليته يفهم ويشعر ما تعانيه من شعورها بالاشتياق الجارف لفقيدها الحبيب”والدها”،وأيضًا شعورها الدائم بالخزي كونها وحيدة طيلة الوقت أمام عائلة زوجها عريقة الأصل،كم تمنت أن تكون صلتها بعائلتها قوية ومترابطة كي تقوم بزيارتها بمنزل العائلة عل ذاك الشعور المرير يزول وينتهي،ناهيك عن التقلبات المزاجية التي هاجمتها نتيجة إختلاف الهرمونات الخاصة بحملها بتوأمها المنتظر
تطلعت إليه بحنين وتنهدت بصوتٍ مرتفع كي يصل له ويفرد لها ذراعه يدعوها لتسكن ملاذها لكنهُ باغتها بتجاهله حيث استدار وتمدد على جنبه ليعطيها ظهرهُ مما جعلها تشعر بالإهانة،تألم قلبها بقوة لاحتياجها الشديد له خصوصًا بهكذا ظروف،باتت تتقلب بالفراش وهو يشعر بتقلباتها ويستمع لأصوات تنهيداتها التي تدل على عدم راحتها،لكنه تحكم في قلبه العاشق وارتدى قناع القوة والتجاهل كي يعطيها درسًا قاسيًا يحثها على التفكير بعمق في المستقبل قبل التفوه بكلمة أو تصرف يقلب الموازين رأسًا على عقب،ظل كلاهما يتقلبان بالفراش دون راحة حتى غفيا بعدما أُنهك جسديهما وروحيهما من شدة الإشتياق والعناد.
************
داخل أحد الملاهي الليلية المتواجدة بالعاصمة،كانت تتحرك بين المتواجدين من السكارى بملابسها الخليعة،حيث ترتدي تنورة باللون الأسود قصيرة للغاية وضيقة حيث تصف جميع تفاصيل منحنياتها تعتليها كنزة من اللون الأحمر المزركش بأكمامٍ عارية وصدرٍ مفتوح يكشف أكثر مما يستر،وقفت تتطلع بين الطاولات حتى وقعت عينيها على طاولة يجلس حولها رجلان يرتديان ثيابًا خليجية،ابتسمت وغمزت بعينيها لأحدهم الذي رحب ورفع كأس مشروبه لأعلى كتحية منه ودعوة لانضمامها إليهما،كادت أن تتحرك ليقطع طريقها ظهور صديقتها الشهيرة بـ نونا لتقول باستغراب:
-شذي؟! إنتِ إيه اللي رجعك هنا تاني، إنتِ مش اتجوزتي راجل متريش وبطلتي شغلانة الريكلام دي؟!
تنهدت ثم مالت على الطاولة المجاورة لها وسحبت سيجارة من عُلبة الرجل لتميل بجسدها بعدما وضعت السيجارة بين شفتيها بإغراء:
-ممكن تولع لي؟
نطق الرجل وهو يتفقدها بنظراتٍ زائغة جائعة:
-الجميل يؤمر
أمسك القداحة وأشعل لها السيجارة لتعتدل وهي تجيب صديقة العمل:
-إسكتي على اللي حصل لي، لو حكت لك مش هتصدقي،هتقولي إني بحكي لك فيلم هندي
لكزتها الفتاة بصدرها قبل أن تنطق باعتراض:
-ما تنطقي يا اختي،إنتِ هتنقطيني بالكلام؟
قصت لها ما حدث لتنطق بنبرة حادة:
-وقريت خبر قتله في السجن من النت زيي زي الغريب،مكنتش أعرف أصلاً إنه اتسجن إلا لما شوفت صوره ماليه النت وكاتبين عن فضيحة نائب مجلس الشعب اللي طلع بيتاجر في الأثار وقتل قريب مراته علشان يفوز بكرسي المجلس
هتفت صديقتها:
-معرفتيش تقلبيه في قرشين حلوين ينفعوكِ يا بت؟!
نفثت دخان السيجارة في الهواء لتنطق بوجهٍ كاشر:
-هي حتة الشقة اللي كان كاتبها بإسمي مفيش غيرها
لتتابع بسخطٍ ظهر بَينٍ على ملامحها:
-الصراحة الراجل مكنش بخيل،كان بيديني فلوس كتير وانا من خيبتي كنت بسرفها كلها،معملتش حساب للحظة إنه ممكن يسيبني وأرجع أتحوج تاني للي يسوى واللي مايسواش
سألتها الفتاة:
-طب مش هتروحي تطالبي بورثك فيه؟!
نطقت على عجالة:
-إنتِ شيفاني مستغنية عن عمري،ده نصر نفسه كان بيترعب من مراته وياما حكى لي عن جبروتها، عوزاني أروح لها وأقول لها إني ضُرتك اللي بتدوري عليها وتعالي خدي تارك مني وبردي نارك؟!
أومأت الفتاة بتفهم،أشار لها الثري العربي كي يتعجلها لتغمز له بطرف عينها وأطلقت ضحكتها الخليعة المشهورة بها لتنطلق صوب طاولتهم لتستمع لصوت أحد الرجال السَكارى وهو يقوم بتحيتها:
-حمدالله على السلامة يا مزة،الكبارية نور
قامت بتحيتهِ عن طريق ضحكتها الشهيرة وحتفهِ بقبلة في الهواء لتقترب على الرجلين قائلة:
-مساء الورد يا بشوات،نورتوا مصر.
************
بعد مرور سبعة أيام،قضاهما ذاك الثنائي كُلٍ يتجاهل الاخر،فقد فرق بينهما العناد وانتهى الأمر،علم من والدته أنها أصيبت بالأمس ببعض التقلصات أثناء تواجده بالعمل مما استدعى بأن يصطحباها علام وعصمت بذاتهما إلى الطبيبة مع وجود حراسة مشددة كي يطمئنوا عليها،واليوم عاد من عمله متأخرًا ليتناول غدائه لحاله حيث تأخر كثيرًا عن الموعد المحدد من عصمت والتي لم تتنازل عن كسر الروتين اليومي لمنزلها لأجل أي احد بالمنزل حتى لو كان نجلها الغالي،خرج من باب القصر ليجدها تجلس بصحبة علام وعصمت وفريال التي تحدثت وهي ترى شقيقها مقبلاً عليهم:
-منور الدنيا يا سيادة المستشار
وقفت وفتحت ذراعيها ليقبل عليها ويسحبها داخل أحضانه مقبلاً جبهتها تحت استشاطة قلب تلك الحبيبة العاشقة،بدأ يمسد على ظهرها بكفه الحنون حين وجد تعابير وجه تلك الغيورة التي اشتعلت وجنتيها بحمرة الغيرة حتى أنه شعر بسخونة صدرها المستعير تقتحم جسده من شدتها،ياله من ماكر فقد أطال من ضمته لشقيقته كي يزيد من لوعة نارها أكثر،ليتحدث بنبرة حنون مستغلاً وضع شقيقته حيث لم يراها منذ يومان بسبب انشغاله بقضية هامة:
-وحشتيني يا قلبي
أجابته بنبرة تفيضُ حنانًا:
-إنتَ كمان وحشتني قوي يا فؤاد
نطقت عصمت بعدما رأت مبالغة من نجليها في التعبير عن اشتياق كُلٍ منهما للأخر:
-اللي يشوف أحضانكم وكلامكم يفتكر إن ليكم شهر مشوفتوش بعض، مش يومين
إلتفت فريال إلى والدها لتقول بمشاكستها المعتادة:
-ما تشوف الدكتورة يا سيادة المستشار،شكلها غيرانة
ضحك الجميع على مزحتها سوى تلك التي تحرقها نار الإشتياق لأحضان رجلها الحنون،فقد إشتاقت له حد الجنون وكم من المرات التي قررت البوح له بذاك الإشتياق والإرتماء داخل أحضانه لكنه كان دائمًا يتجاهلها ويتعمد الابتعاد عنها كي يعاقبها على حديثها السخيف التي نطقت به،جلس بجوارهم لينطق وهو يخبرها بنبرة جادة بعدما رأى حزنها قد ارتسم على ملامحها:
-إعملي حسابك رايحين بكرة كفر الشيخ
اتسعت أعين الجميع إلا علام حيث أبلغهُ نجله بالأمس،هتفت عصمت باعتراض بعدما أبلغها علام بقصة والد وعم الصغير منذ يومين:
-كفر الشيخ إيه اللي هتروحوها في الظروف دي يا فؤاد؟!
تطلع على تلك التي نظرت عليه باستغراب لينطق بنبرة جادة:
-ما تقلقيش يا ماما،أنا عامل كل إحتياطاتي
نطقت فريال بقلبٍ مرتاب على شقيقها وزوجته وطفلاهما:
-طب وجوز إيثار الأولاني اللي هربان؟!
اشتعل داخلهُ بنار الغيرة من مجرد ذكره بجوار اسم سارقة النوم من عينيه ليهتف بحدة أظهرت كم إحتراق روحه:
-إسمه بابا يوسف يا فريال
ابتلعت لعابها ليسترسل بنبرة جادة:
-عرفت من مصادري إن البيه هرب برة مصر في عبارة ووصل لـ اليونان،الإنتربول المصري هيبلغ ويطالب بالقبض عليه وترحيله لمصر بعد ما يتحكم عليه في قضية تهريب الأثار
نطق علام بنبرة خافتة:
-ده لو قدروا يلاقوه يا فؤاد،هو هرب بـ باسبور مزور ولولا صورته اللي في الباسبور والكاميرات اللي لقتطه مكنش اتعرف إنه في اليونان أصلاً
نطق فؤاد بهدوء ظاهري عكس النار المشتعلة بداخله:
-المسألة مسألة وقت يا باشا،أنا كل اللي يهمني حاليًا إنه بعيد عن أهل بيتي،أما بخصوص القبض عليه فدا شئ مفروغ منه
وقف لينطق بهدوء تحت صمت إيثار اللافت للأنظار:
-أنا طالع أرتاح شوية،يومي كان صعب وتعبت في التحقيق،عن إذنكم
قال كلماته وانطلق للأعلى،وقفت لتلحق بهِ لتسألها فريال:
-رايحة فين يا إيثار؟
قالت بنبرة خافتة:
-طالعة أطمن على فؤاد يا فريال
انسحبت لتهتف فريال بنبرة حادة:
-هو حضرتك هتوافق فؤاد على الجنان ده يا بابا؟!
زفر بقوة ليقول بنبرة حازمة:
-وبعدين معاكِ يا فريال،كام مرة قولت لك إن أخوكِ كبير بما فيه الكفاية ومسؤول عن تصرفاته وقراراته
نطقت عصمت بحدة ناتجة عن هلعها على نجلها وحفيديها وزوجته:
-فريال عندها حق يا علام،فؤاد مش لازم يروح كفر الشيخ خالص،هو أخد القرار بضغط من مراته
واسترسلت بغضبٍ من إيثار:
-الأستاذة منكدة عليه بقى لها إسبوع بسبب الموضوع ده،وللأسف، فؤاد شكل حبها لدرجة إن عشقه ليها هيكون نقطة ضعفه
نطق بدفاعٍ مستميت عن نجله:
-مش فؤاد علام اللي تحركه واحدة ست حتى لو كانت روحه فيها يا دكتورة
واسترسل بنبرة جادة:
-فؤاد ما بيتحركش خطوة من غير ما يكون حاسب لها كويس قوي،هو اتكلم مع الدكتورة إمبارح وهي اللي طلبت منه إن لو فيه حاجة موتراها فمن الأفضل إنه ينهي الموضوع علشان التقلصات اللي بتحصل لها غلط علي الاولاد،وفؤاد عاوز يحافظ على ولاده وفي نفس الوقت البنت مش طالبة المستحيل
ليتابع بعقلانية وإنسانية تتأصل بداخل قلبه وشخصه النبيل:
-إيثار طالبة تزور قبر بباها وده أبسط حقوقها الإنسانية
واسترسل وهو يشير بكفيه:
-عاوزة تشوف أهلها وترجع لهم الأمانة اللي بباها سلمها لها قبل ما يتوفى علشان يحميها؟!
تابع بجدية:
-بردوا حقها،أبشع حاجة ممكن تنكد على البني أدم حياته هو إنه يكون عليه دِين محتاج يتسدد
نطقت عصمت ومازال موقفها لم يتغير:
-كل كلامك أنا بحترمه جداً يا سيادة المستشار، وحقها فعلاً
لتسترسل بنبرة صارمة:
-بس مش على حساب أمان إبني وأحفادي،إنتَ نفسك عارف العصابة اللي الأستاذة كانت متجوزة في وسطهم وعارف شرهم ممكن يوصل لحد فين
نطق كي يُهدئ من روعها:
-يا حبيبة قلبي أنا مقدر خوفك على إبنك وولاده،بس إوعي تنسي إن إبنك ده مستشار قد الدنيا وكلمته بتتهز لها رجالة بشنبات،فـ مفيش داعي لخوفك ده كله، وأحب أطمنك إن عيلة نصر البنهاوي إتمحت للأبد وجبروتهم وظلمهم للناس إتقلب عليهم،وربنا خلص منهم ذنب كل اللي ظلموهم وأولهم إيثار نفسها
ربتت فريال على كف والدها وتحدثت:
-هدي نفسك يا ماما،أكيد بابا مش هيضحي بفؤاد ومراته وولاده
تنفست وهي تهز رأسها بعدم اقتناع ورعبٍ سكن قلبها
************
أما بالأعلى،خرج من باب الحمام ليجدها تقف بجوار الفراش تنتظر خروجه،نطقت بنبرة خافتة نظرًا لخجلها من قراره:
-مش لازم نروح كفر الشيخ على فكرة
اتسعت عينيه لينطق بجبينٍ مقطب:
-ده بجد؟!
هزت رأسها بتأكيد لينطق بحدة أرعبتها:
-ولما هو مش لازم،كان إيه لزمته النكد طول الإسبوع اللي فات يا مدام؟!
واسترسل بصياحٍ عالي أرعبها:
-ولادي اللي عرضتيهم للخطر لدرجة إن دكتورتك تطلب مني انفذ للهانم رغباتها تجنبًا للخطورة اللي ممكن تواجهم وأخسرهم للأبد
صاح بنبرة أكثر حدة:
-وش جنابك الخشب اللي مصدراهولي من يومها وكلامك السخيف وبجاحتك اللي أول مرة أشوفها كانت ليه لما هو مش لازم؟!
نطقت بتلبك لرؤيتها لثورته تلك:
-فؤاد أنا
قاطعها وهو ينظر إليها بازدراء:
-إنتِ إيه،إنتِ واحدة أنانية مبيهمكيش غير نفسك وبس،أهم حاجة تعملي اللي في دماغك وتحسي باستقلاليتك ويولع الباقيين، لا اهتميتي بخوفي عليكِ ولا شفع لي عندك حبي ليكِ ولا أي حاجة عملتها علشان أخليكِ مبسوطة وعايشة معايا في أمان
أشار بكفه بانفعال وألم ظهر بعينيه:
-حتى أهلي اللي عاملوكِ بمنتهى الحب والحنية سقطوا من حساباتك،وإنتِ عارفة ومتأكدة إن أمان الأولاد ووصولهم للدنيا بسلام بقى حلم حياتهم اللي عايشين علشانه
حالة من الصدمة أصابتها وهي تستمع لكم الإتهامات الباطلة التي انهالت عليها من حبيبها التي اختارته ليكون رفيق دربها لنهاية العمر،صدمة لعدم شعوره بها وتقدير ما تشعر به من ضياع،نطقت بصوتٍ خرج منها بصعوبة…..
الحياة كلوحة بيضاء تنتظر منا الألوان لتغدو أكثر جمالاً وتألقًا وتأنقًا،فاختر ألونك بعناية كى تزهو حياتك وتزدهر،اصمد أمام حلمك حتى يتحقق فلا مستحيل مع الإصرار والتحدي،إذا حُجبت سماؤك يوماً وتلبدت بالغيوم أغمض جفونك لبرهة ترى خلف الغيوم نجوم، والأرض حولك إذا ما توشّحت بالثلوج أغمض جفونك تجد تحت الثلوج مروج،واعلم أن وراء كل فشلِ يوجد نجاح وخلف كل حزنٍ تأتي السعادة لتفتح بابها على مصراعيها لاستقبالك،وخلف كل جفافٍ بأتي غيث الله،فمهما يحدث تمسك بحُلمك وأعلم أن برغم قساوة الواقع ومرارته دائمًا يوجد أمل.
بقلمي« روز أمين»
قاطعها وهو ينظر إليها بازدراء:
-إنتِ إيه،إنتِ واحدة أنانية مبيهمكيش غير نفسك وبس،أهم حاجة تعملي اللي في دماغك وتحسي باستقلاليتك ويولع الباقيين، لا اهتميتي بخوفي عليكِ ولا شفع لي عندك حبي ليكِ ولا أي حاجة عملتها علشان أخليكِ مبسوطة وعايشة معايا في أمان
أشار بكفه بانفعال وألم ظهر بعينيه:
-حتى أهلي اللي عاملوكِ بمنتهى الحب والحنية سقطوا من حساباتك،وإنتِ عارفة ومتأكدة إن أمان الأولاد ووصولهم للدنيا بسلام بقى حلم حياتهم اللي عايشين علشانه
حالة من الصدمة أصابتها وهي تستمع لكم الإتهامات الباطلة التي انهالت عليها من حبيبها التي اختارته ليكون رفيق دربها لنهاية العمر،صدمة لعدم شعوره بها وتقدير ما تشعر به من ضياع،نطقت بصوتٍ خرج منها بصعوبة وهي تُشير إلى حالها بذهول:
-هي دي نظرتك ليا؟!
لتتابع بعينين تلتمعُ بهما قطرات الدموع التي تأبى النزول إمتثالاً لكرامتها:
-أنانية وعديمة أصل وناكرة للجميل؟!
نطق بصوتٍ حاد رافضًا تحويرها لمعاني الكلمات:
-أكتر حاجة بكرهها في حياتي إن كلامي يتحور ويتقلب معناه، فبلاش تتبعي معايا الإسلوب ده لأني مش هقبله
خرجت من بين شفتيها إبتسامة واهنة تحمل الكثير من الألم والمعاناة لتنطق بصوتٍ واهن ضعيف كحالتها:
-الكلام مش محتاج يتحور علشان يتفهم يا سيادة المستشار،الكلام شارح نفسه وواضح جداً
صمتت لتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تنطق بطاعة وخنوع:
-وحاضر،هنفذ لكم أوامركم بعد كده من غير ما أفتح بقي ولا أطالب بأي حقوق،لأني إكتشفت إني مسلوبة الحقوق والإرادة في أي مكان بروحه،وكأن إنكتب عليا طول الوقت الخضوع وكلمة “حاضر”
حملق بها غير مستوعبًا ماتفوهت به من حماقة لينطق بحدة:
-برافوا عليكِ، قوام قلبتي التربيزة وطلعتيني الزوج الديكتاتور اللي كل همه إن أوامره تتنفذ بدون نقاش
شعرت بإنهاكٍ روحي وكأنها تبحر ضد التيار،فنطقت بنبرة منكسرة:
– إنتَ عاوز إيه مني يا فؤاد،عاوز إيه من واحدة لقت نفسها بين يوم وليلة محبوسة في بيت مبتشوفش شكل الشارع غير في وجود حراسة مشددة مانعة عنها حتى الهوا،وبعد ما كانت مسؤلة عن نفسها وسيدة قرارها أصبحت عبد طائع مش مسموح له حتى ياخد قرار بنفسه ولا ينفذه؟!
اقترب منها على بعد خطوتين ليتوقف وأخذ ينظر لوجهها بتمعن وهو يرفع أحد حاجبيه متعجبًا ويقول:
-والوضع ده مين السبب فيه يا إيثار، مش دي ظروفك اللي إتفرضت علينا،انا تعايشت معاها وإنتِ مش قادرة تتعايشي ولا تتأقلمي؟!
نظرت إليه بضعف وقد خارت قوتها لينطق بنبرة أظهرت كم عشقه لتلك التي ملكت القلب واستوطنت:
-أنا بعمل كده علشان حمايتك إفهمي
واسترسل بايضاح:
-فيه فرق بين إني أكون شخص متعنت وديكتاتور وكل اللي يهمني إن أوامري تتنفذ،وبين إني خايف عليكِ إنتِ ويوسف وولادي
نطقت وهي تُشير بسبابتها باتهامٍ صريح وكأنها لم تستمع من حديثه سوى الكلمةِ الأخيرة:
-أيوا،هنا بقى القصة كلها يا سيادة المستشار،ولادك،ولادك اللي إنتَ مرعوب عليهم وعامل عليا حصار بسببهم وصل لإنك تدخل بنوعيات الأكل اللي باكله
-ولادي أنا لسه مشفتهومش…جملة قالها بنبرة عاتبة ونظراتٍ لائمة ليتابع بتذكير:
-ولو ترجعي بذاكرتك لأول ما اتجوزنا هتلاقي معاملتي ليكِ محصلش فيها أي تغيير،خوفي عليكِ وحرصي على حمايتك وأمانك إنتِ ويوسف كان من أهم أولوياتي من أول يوم دخلتوا فيه البيت ده
واسترسل متهمًا إياها:
-بس إنتِ مش بتشوفي غير اللي إنتِ عاوزة تشوفيه وبس
تبادلت الإتهامات بينهما لتنطق بصوتٍ يدل على احتراق قلبها:
-وإنتَ يا فؤاد حاسس بيا؟ حاسس باللي بمر بيه وبوجعي،أنا عايشة في بيتك ليا أكتر من خمس شهور مفيش مخلوق من أهلي دخل عليا في يوم،طول الوقت حاسة بالخجل منك ومن أهلك
هتف بقوة يسألها بصرامة:
-وأمتى أنا ولا أهلي حسسناكِ بده،إمتى فرق معانا موضوع أهلك وزيارتهم ليكِ؟!
هتفت بحدة وقد فكت الحصار عن دموعها الحبيسة وسمحت لها بعدما فقدت السيطرة لتنطلق بقوة أغرقت وجنتيها وهي تقول:
-حتى لو مش دي طريقة تفكيركم والموضوع مش فارق معاكم
لتنطق بصوتٍ أظهر نزيف قلبها:
-بس فارق معايا أنا قوي،شعور إني مكملة حياتي زي الزرع الشيطاني اللي ملوش أصل شعور مُميت،عمر اللي زيك ما يحس بيه
نزلت كلماتها ودموعها على قلبه كمادة كاوية شديدة أحرقت وطاحت بطريقها كل ما قابلها بعنفوان لينطق بنبرة خافتة:
-أنا أهلك وجوزك وحبيبك
طالعته بألم ونظراتٍ مريرة ممزوجة باللوم قبل أن تنطق:
-مش حقيقي،إنتَ كل اللي يهمك سلامة ولادك وبس
سألها بعينين متعجبتين:
-وإنتِ،ميهمكيش سلامتهم؟!
ناظرته لتصمت فابتسم نصف ابتسامة مؤلمة ثم أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول:
-جهزي نفسك بكرة علشان هنقوم بدري
تطلعت عليه ثم أخذت نفسًا مطولاً قبل أن تطرق برأسها وتقول بصوتٍ واهن حزين:
-قولت لك مش هروح
هتف بقوة أرعبتها:
-مش بمزاجك على فكرة،مش بعد ما جهزت كل حاجة وبلغت الحراسة وجهزت أمان العربيات تيجي بكل بساطة وتقولي مش رايحة
أطرقت برأسها تنظر إليه بحزن لتهرول على باب الحمام تغلقه وتختبئ خلفه،إستندت بظهرها على الباب وأطلقت العنان لدموعها فشهقت شهقة خرجت عنوةً عنها لتصل لذاك الواقف بمكانه بين نارين،نار العشق والاشتياق وقلبه الملتاع،ونار كلماتها الجارحة التي وصمته بها منذ ذاك اليوم المشؤوم،أغمض عينيه بألم وبات يمسح على وجهه بكف يده عله يطفئ من لهيب قلبه المشتعل،يشعر وكأن قدماه متسمرة بأرضها ليزفر بقوة ويقرر التوجه إليها بعدما ساقه قلبه العاشق ليدق الباب وهو ينطق بهدوء:
-إفتحي الباب يا إيثار
انتفض جسدها حين استمعت لصوته يناديها بكل ذاك الحنان لينفطر قلبها من شدة البكاء لينتج شهيقًا عاليًا بفضل بكائها الحار،شعرت بمقبض الباب يدار فابتعدت ووالتهُ ظهرها ليلج إليها متحدثًا:
-بطلي عياط وتعالي إرتاحي برة علشان ماتتعبيش
شهقة عالية خرجت منها وبدأ جسدها يهتز تأثرًا بحالة البكاء الهيستيرية التي أصابتها لينتفض قلبهُ حزنًا عليها وما شعر بحاله وهو يهرول إليها ليقف أمامها ممسكًا كتفيها بعناية لينطق بعينين لائمتين:
-ليه ده كله،عاملة في نفسك وفيا ليه كده؟!
ما كان منها سوى البكاء بشدة لينطق وهو يضمها بين أحضانه وما أن تلامسا حتى انتفض جسديهما معًا،فمنذ سبعة أيام لم يقترب أحدهما من الأخر وهذا ما جن جنون كلًا منهما، فتلك هي المرة الأولى التي يبتعدا عن بعضيهما منذ أن إلتحمت روحيهما قبل الجسد،لم تشعر سوى وهي ترفع ذراعيها لتحاوط بهما عنقه وكأنها كانت تنتظر الإشارة،ابتلع لعابهُ حين تلامس جلد وجنتها مع عنقه ليشعر بانتفاضه بجميع عروقه،ود لو باستطاعته حملها بين ساعديه والتوجه بها نحو فراشهما ليضعها فوق ساقيه ويضمها لصدرهِ حتى يُشبع روحهُ العطشة من رائحة جسدها الذكية والنظر داخل مقلتيها الساحرة والغوص ببحريهما العميق،لكنه الكبرياء لعنة الله عليه من منعه،شعرت بتخشب جسدهِ لتتنهد بألم،تعلم أنهُ غاضب بل وثائر لكرامته التي دُهست تحت قدميها على حد وصفه،لكنها تريده،تريد ضمة أحضانه الحانية التي حُرمت منها طيلة الأيام المنصرمة،لقد أصبحت أنفاسه ترياقها وأحضانه حصنها المنيع،تريد ضمته الأن وبقوة،خرجت من بين أحضانه لتطالعه بعينيها الباكية وهو تقول بدلالٍ أنثوي خفيف أرادت بهِ كسر الحواجز التي بُنيت على يد العناد والكبرياء:
-أنا زعلانة منك قوي
طالع عينيها بعتابٍ قائلاً:
-أنا كمان زعلان منك قوي
قالت بنبرة أكثر دلالاً عل جسده المتخشب ذاك يلين ويحتضنها بقوة:
-إنتَ مش بتحبني
تنهد بشوقٍ لو خرج لفاض وتكفل بقلوب العاشقين جميعًا ثم قال بمراوغة:
-أنا فعلاً مش بحبك
ليسترسل بنبرة تصرخ بأنين الهوى:
-أنا بعشق كل ما فيكِ،نظرة عيونك إبتسامتك لما تكوني راضية،لمسة إيدك وهي بتطبطب عليا
لم تنتظر أكثر لتضع كفها تتلمس به ذقنهُ النابتة التي تعشق النظر إليها وملمسها الحنون،إرتعش جسده تأثرًا بلمستها لتنطق بعينين معتذرتين:
-أنا أسفة
نظر لأنفها الأحمر بفضل بكائها وابتسم ليقول بنبرة حنون:
-وأنا كمان أسف
سحبها وخرجا ليجلس فوق الفراش وتتخذ هي من ساقيه مجلسها،ارتمت داخل أحضانه لتضع رأسها فوق موضع قلبه،تنهدت براحة وظلت داخل أحضانه لفترة ليست بالقليلة
خرجت من بين أحضانه التي طالت لتسألهُ بعدما استمعت لدقات قلبهِ العالية وهي تنبض كطبول الحرب:
-هو أنتَ لسه زعلان مني
ابتلع لعابه من مظهرها المهلك لقلبهِ،فقد امتزج إحمرار وجهها السعيد بعودتها داخل أحضانه وإحمراره السابق بفضل بكائها ليشكلا مظهرًا جعل قلبهُ ينتفض اشتياقًا،كان يريد أن يغوص معها ببحر عشقهما ليتذوق شهدها ويذيقها من لذة شراب العشق لكنه كان يمنع بل ويحارب ذاك الشعور كي لا يؤكد لها إتهامها المهين لشخصه بإن كل ما يربطهما هو الإحتياج الجسدي لها وغريزته التي تحركه، فأراد أن يثبت لها عكس ما تشعر به،هز رأسه بنفيٍ دون حديث لتسألهُ وهي تتحسس شعر صدره الظاهر من فتحة قميصهُ:
-طب ليه باعد نفسك عني
أجابها بمراوغة يريدها أن تكشف عما بمكنونها أكثر:
-باعد إزاي وأنا واخدك في حُضني
شعرت بالخجل يعتري روحها لتميل برأسها تنظر للأسفل ثم تحدثت بنبرة حزينة:
-إنتَ زعلان من الكلام اللي أنا قولته لك، صح؟!
لم ينطق لترفع أهدابها تتطلع عليه لتتحسس ذقنه في حركة أنهت على صبره لتنطق:
-مش أنا قولت لك إني أسفة،المفروض الكلمة دي تمحي أي زعل بينا
-تفتكري كلمة أسفة ممكن تزيل شعور الإهانة اللي حسيت بيه منك…نطقها لائمًا ليتابع بنبرة متألمة:
-إنتِ حصرتي علاقتي بيكِ في لانجري وليلة حلوة بنقضيها مع بعض،هو ده اللي بينا من وجهة نظرك يا إيثار؟!
تعمقت بمقلتيه وبأناملها الرقيقة باتت تتحرك فوق ذقنه بطريقة إحترافية جعلت من قلبهِ مستسلمًا لتنطق بنبرة أقرب إلى الهمس:
-اللي بينا كتير قوي يا فؤاد،اللي بينا مفيش حاجة في الدنيا ولا أي كلام يقدر يوصفه
انتهت من كلماتها لترفع جسدها للأعلى كي تطوله وتطبع قُبلة حنون فوق شفته السُفلى سرعان ما أثارت حواسه وانتفض لتتحول القُبلة إلى شغوفة عنيفة ويفقد هو صبره ليقع قناع القوة الذي ارتداه لكنه لم يستطع الصمود أمام سحرها ودلالها ليخر راكعًا راضخًا لأمر الهوى ويذوب معها.
*********
تتمدد على جنبها فوق الفراش المخصص لها،تسند رأسها بكفها الموضوع فوق وسادتها،شاردة بحالة أنجالها وما حدث لهما وتبكي بانهزام،فقد هاتفها حسين وقص لها ما حدث وبأن الشرطة قامت بالحجز على منزل وسيارة عمرو وهروبه للخارج،أبلغها أيضًا أنه يعمل بإحدى الشركات وبالكاد استطاع تأجير غرفة يستطيع العيش بداخلها لحين إشعار أخر،ما زاد من شعورها بالمرارة هو انتشار تلك الاخبار بالبلدة بأكملها وشماتة الناس بهم وحتى أشقائها وعائلتها رجحوا حدوث ذلك لقتل نصر لهارون والغدر به،لم تتوقع ما حدث لعائلتها الصغيرة حتى بأسوء كوابيسها،برغم ما اقترفه نصر بحقها إلا أنها مازالت تكن لهُ عشقًا عميقًا داخل قلبها،فتلك الـ إجلال تنطبق عليها مقولة”ومن الحب ما قتل”فـ لاجل الثأر لكرامتها دمرت أسرتها بالكامل،ذاك هو العشق لدى إجلال ناصف،ولجت زوجة شقيقها المدعوة بـ شريفة لتنطق بضيق وهي ترى انتحابها المتواصل ليلاً ونهارًا منذ أن جاء بها زوجها وأسكنها بمنزلهم:
-هو احنا يا اختي مش هنخلص من الندب ده، ده حتى فال شوم على البيت واصحابه
نطقت بحدة وهي تخفي أثر دموعها بكفيها:
-سبيني في حالي يا ولية واطلعي برة
شهقت الأخرى لتنطق باستهجان:
-ولولو عليكِ ساعة وسكتوا يا بعيدة،هي مين دي اللي ولية؟
اتسعت عيني إجلال واحتدت ملامحها لتمتلؤ بالقسوة وهي تعتدل سريعًا لتهتف بقوة:
-إنتِ بتكلميني أنا كده يا بت؟!
تعمقت الاخرى وهي تتشفى بمظهرها المذبهل،فقد أتت لها الفرصة ويجب أن تغتنمها جيدًا،فكم من المرات التي أُهينت بها وتم تصغيرها على يد تلك المتجبرة،والان هو وقت الحصاد والإنتقام،هتفت بنبرة حادة وهي تقوم بإهانتها:
-أكلمك وأكلم اللي يتشدد لك كمان،فوقي وإوعي لنفسك يا إجلال،لتكوني فاكرة نفسك لسه قوية زي الأول
استشاط داخلها من تعدي تلك الحقيرة عليها بتلك الطريقة المهينة:
-إنتِ اللي لازم تفوقي لنفسك وتعرفي مقامك في البيت ده يا شريفة،أنا إجلال بنت الحاج ناصف، ستهم اللي مهما حصل هفضل ستهم
واسترسلت بابتسامة خبيثة:
-اتمتعي باليومين اللي أنا قاعدة فيهم في اوضتي حزينة،علشان لما أفوق وأطلع لك من الاوضة دي،مش هتبقي ست البيت زي ما أنتِ متعودة، هتبقي الخدامة بتاعتي، فاهمة يا بت
اقتربت عليها لتهتف بفحيحٍ كالأفعى:
-ده في أحلامك يا إجلال،إنتِ خلاص، بقيتي منبوذة من العيلة كلها زيك زي الكلب الجربان اللي الكل بيبعد عنه ويزقه برجليه لـ يعديه،زمنك فات وانتهى خلاص يا بنت الحاج ناصف
لتسترسل بعينين حادة كنظرات الصقر وهي تُشير بسبابتها نحو باب الغرفة:
-ولما يتفك حزنك على الخاين اللي استغفلك وراح اتجوز عليكِ بت صغيرة وتطلعي من باب الأوضه دي،هتشوفي المعاملة الجديدة اللي تستاهلها واحدة زيك
كانت إمرأة متجبرة متعالية لم تستثمر بحياتها وتجمع رصيدًا في قلب أحدهم حتى يشفع لها بعد إنهيارها،بل كانت تعادي الجميع وتجبرت،هبت من جلوسها لتُمسك ذراعها وتحاول ليه لتصرخ المرأة بقوة ومن سوء حظ إجلال ولج شقيقها ونجله للتو من باب المنزل ليستمعا لصرخات المرأة فيهرولا ويجدا إجلال وهي تعنفها،هرول الشاب ليقوم بتخليص والدته بالقوة وهو ينهرها:
-سيبي أمي يا عمة،إنتِ مسكاها كده ليه؟
ليهتف محمد بحدة وصرامة:
-إنتِ إتجننتي يا إجلال،إيه اللي بتعمليه ده؟
نطقت وهي تحاول الهجوم عليها بشراسة والمرأة تختبئ خلف زوجها لتحتمي به:
-إنتَ أصلك مسمعتهاش بتقولي إيه يا حاج محمد،مراتك طلعت قليلة أصل
صرخت المرأة لتنطق بتزييف لما حدث:
-ولا قولت لها حاجة يا اخويا،ليه وليه داخلة بقول لها بطلي ندب وعويل في البيت أنا خايفة على راجلي وعيالي، هجمت عليا وقالت لي هشغلك عندي خدامة
ثار الشاب بعدما استمع لإهانة والدته ليهتف برعونة الشباب:
-كلام إيه اللي بتقوليه ده يا اما،إنتِ ست البيت ده ومحدش يجرأ يوجه لك أي إهانة حتى لو كان مين
اتسعت عينين إجلال لتهتف بسخطٍ:
-أما إنك عيل قليل الرباية صحيح، بقي بتصدق العقربة أمك وتنصفها على ستهم
-إجلال… كلمة أطلقها محمد بصوتٍ زلزل أركان المنزل بأكمله ليسترسل بنظراتٍ حادة كطلقات الرصاص:
-إحترمي نفسك وإتكلمي بأدب مع ست البيت
جحظت عينيها لتنطق بذهول:
-إنتَ كمان هتنصفها عليا يا محمد؟!
نطق بقوة وهو يحاوط كتف زوجته بذراعه:
-إسمعيني كويس يا بنت أبويا،اللي أوله شرط أخره نور،شريفة هي ست البيت وكلمتها تمشي على حريم الدار كله، وطالما هتعيشي في بيتها يبقي تحترميها وتسمعي كلامها كمان، أنا راجل مبحبش النكد والمشاكل في بيتي، وأكتر حاجة أكرهها هو الصوت العالي
واسترسل وهو يرمقها بازدراء:
-ومن النهاردة مش عاوز اسمع شكوى من شريفة بخصوص النويح والندب على الندل اللي راح
قال كلماته بصرامة ليخرج من الغرفة تابعه نجلهِ لتطالعها شريفة بنظراتٍ متشفية ثم ابتسمت بتهكم لتلحق بزوجها تاركة تلك التي اشتعلت نارها لتشعر بالقهر والعجز
*********
تشعر وكأن روحها عادت إليها وهي تسكن أحضان ذاك الممدد بجوارها مشددًا عليها وكأنهُ يخشى هروبها،تتنعم بلمساته الحنون مغمضة العينين سارحة بسماء عشقهما بعد غوصها معه بإحدى الجولات العشقية التي أنعشت روح كلًا منهما،استفاقت على صوت حبيبها الذي نطق وهو يضم جسدها لخاصته ليقربها بقوة:
-إوعي تبعدي عني تاني
تحدثت بدلال وهي تلقي باللوم عليه:
-وهو أنا كنت بعدت أولاني يا باشا
ضحك بصوتٍ خافت ليقول من جديد:
-مش فارقة مين السبب يا عمري،المهم إن اللي حصل ده ما يتكررش تاني
بطريقة مازحة أجابته:
-عُلم ويُنفذ جنابك
ابتسم وتنفس بهدوء ليسألها بنبرة حنون وهو يتلاعب بخصلات شعرها بين أصابع يده:
-إيه رأيك أخلي سعاد تطلع لنا العشى هنا وناكل لوحدنا،هأكلك بأديا وإنتِ قاعدة على حجري
نظرت تتطلع عليه بسعادة ليسترسل كي يزيل بعض الأسباب التي تؤرقها:
-ويا ستي فيكِ تختاري الأكل على مزاجك، ومهما كان الصنف اللي هتختاريه هخليها تعملهولك بدون نقاش
ابتسمت لتجيبهُ بهدوء:
-هو أنتَ فاكرني زعلانة علشان الأكل اللي أنا ممنوعة منه يا فؤاد؟!
ضيق عينيه يتطلع عليها بحيرة لتكمل بنبرة جادة:
-طول عمري وأنا أكتر حاجة بتنرفزني وتخليني أفقد اعصابي هو الإجبار وفرض القرارات عليا،وده اللي حصل لما عملت لي لستة بالأكل اللي لازم أكله ولستة بالممنوعات
تنهد بهدوء ليرفع ذقنها يحثها على النظر إلى عيناه قبل أن ينطق مستفسرًا:
-وهو أنا عملت كده علشان أضايقك يا حبيبي؟!
ليتابع بتذكيرها:
-مش لما تعبتي من الأملاح والصديد واتحجزتي يومين في المستشفي والدكاترة علقوا لك محاليل،كان لازم أتدخل وأعمل لستة بالاكل علشان صحتك أولاً والاولاد ثانيًا وإلا كنا هندخل في مشاكل صحية لا حصر لها
ابتسمت بخفوت لتتحدث بنبرة أظهرت تشتتها هذه الفترة:
-أنا أسفة،أنا عارفة إن أنا تعبتك معايا من يوم ما عرفتني،بس كل الظروف بتضغط عليا وبتخنقني،مش بلحق أخد نفسي من كتر الصدمات يا فؤاد
لتنطق بنبرة منكسرة:
-خايفة في يوم تزهق مني ومشاكلي تكون سبب في إنك تبعد عني
بلهفة أجابها:
-أنا عمري ما أقدر أبعد عنك يا حبيبي،هو ينفع حد يبعد عن النفس اللي بيحييه؟!
رفعتها كلماته لعنان السماء لتشعر وكأن روحها تتراقصُ على أنغام كلماته ما جعلها تدفن حالها بين أحضانه تتمسح به كقطة تعشق مربيها
تحمحم لينطق بحذرٍ خشيةً ردة فعلها:
-حبيبي،عاوز أفاتحك في موضوع بس مش عاوزك تزعلي ولا تاخدي الموضوع بحساسية
ابتعدت قليلاً لتتطلع بتمعن وهي تقول:
-أنا عمري ما أزعل منك يا فؤاد،قول اللي إنتَ عاوزة وتأكد إني هفهمه مهما كان
تحمحم وتحدث بهدوء:
-أنا عارف إنك عانيتي كتير قوي في حياتك واتعرضتي لصدمات محدش يتحملها
قاطعته قبل أن يكمل:
-قول اللي إنتَ عاوزه بدون مقدمات يا حبيبي،وأنا وعدتك إني هتفهم الوضع
أخذ نفسًا عميقًا قبل أن ينطق بحذر:
-أنا شايف إننا لو روحنا لمعالج نفسي الوضع هيكون أفضل
توقع ثورتها أو حتى تحسسها من طرحه للأمر لكنها فاجأتهُ حين تنهدت لتنطق بهدوء:
-أقول لك على سر؟
أومأ بقوة ليحمسها فاسترسلت:
-أنا فكرت قبل كده إني أروح لمعالج نفسي
واسترسلت بابتسامة تتوارى بها خلف خجلها:
-بس بصراحة حالتي المادية هي اللي منعتني وقتها،المرتب كان يدوب بيكفي مصاريف المدرسة التجريبية بتاعت يوسف وأكلنا واحتياجتنا الضرورية،بجانب مبلغ بسيط كنت بوفره لـ عزة كل شهر كـ مرتب ليها
واسترسلت بابتسامة وهي تتذكر مواقف تلك المرأة الجميلة التي ساندتها بكل ما أوتيت من قوة:
-مع إنها كانت بترفض تاخده وأنا اللي كنت بصر عليه،ولما كنت بقصر في طلبات البيت كانت هي اللي بتجيب من مرتبها من غير ما تحسسني
واسترسلت بألم:
-بس أنا كنت بعرف
نطق بابتسامة حنون لسببين،أولهما أن يلهيها عن حساسية الامر كي لا تخجل والثاني هو إعجابه الحقيقي بتلك الـ عزة:
-جميلة قوي علاقتك بـ عزة وغريبة
ابتسمت لتومي بموائمة ليتحمحم وهو يسألها:
-يعني أشوف معالج كويس وأحجز لنا عنده؟!
أومأت بموافقة لينطق في محاولة منه للتخفيف عنها:
-أنا كمان هحجز وهاخد جلسات على فكره،عندي حبة كلاكيع نفسية محتاجة أزيلها من جدورها
ضحكت ليطلق هو الأخر ضحكاته ليكملا حديثهما بأريحية بعدما أزيح ذاك الثقل من فوق صدره،فمنذ أخر مشادة كلامية حدثت بينهما وهو يرى أن الحل الأنسب لإزالة العراقيل التي تواجهه بعلاقته مع زوجته هو زيارتها لمعالج نفسي كي يساعدها على تخطي ما حدث معها بالماضي والذي ترك أثرًا كبيرًا داخل نفسها المتألمة.
*********
داخل منزل غانم الجوهري رحمة الله عليه
تقف منيرة ونوارة على قدمٍ وساق يعيدان ترتيب المنزل وينظفاه لاستقبال ابنتهم الغائبة وزوجها إبن الأكابر مثلما يطلقون عليه أهل البلدة،تحدث عزيز إلى أيهم الذي حصل على عطلة اليوم للتجهيز لاستقبال شقيقته وزوجها الذي أخبره بالأمس أنه سيجلب إيثار لزيارة قبر أبيها ومنزل عائلتها غدًا بيوم الجمعة “العطلة الرسمية لدى الجميع” :
-مقولتليش يا أيهم،إيثار وجوزها جايين البلد ليه؟!
أجاب شقيقه بهدوء:
-واحدة جاية بيت أبوها هسألها جاية ليه؟!
ابتسم وجدي لينطق بما أثار حنق عزيز:
-قصدك جاية بيتها يا أيهم
تطلع عليه عزيز ليقول بحدة:
-قفل على السيرة دي الله يبارك لك يا وجدي،انا كل ما افتكر المبلغ اللي معروض علينا قصاد بيع القيراط وافتكر إننا منملكش الحق في بيع أرضنا بتركبني شياطين الجن كلها
تنفس وجدي عاليًا لينطق لائمًا أبيه على تلك الحالة التي وضعهم بداخلها:
-الله يسامحك على اللي عملته فينا يا ابا،لولا إنه كتب لـ إيثار كل حاجة كان زمانا بيعنا القيراط واشترينا البيت اللي جارنا ووسعنا على ولادنا
وتطلع على المنزل بحالتهِ المتواضعة واسترسل بإشارة من كفه:
-على الأقل كان زمانا مجددين دهانات البيت والفرش بدل ما واحد زي وكيل النيابة ده يدخل البيت بحالته دي
قاطعه أيهم حيث نطق وهو يتطلع من حوله:
-وماله بيتنا يا وجدي، الحمدلله البيت نضيف وزي الفل وفرشه زي فرش بيوت كتير
ابتسم عزيز ليقول ساخرًا:
-بقى بذمتك اوضة الكنب دي تليق إن الباشا ابن الأكابر يقعد فيها،على الاقل كنا اشترينا أنتريه
انتهت منيرة من اعداد المنزل بمساعدة نوارة ونجلتاي عزيز لتجلس بهدوء،سألها وجدي باهتمام:
-جهزتوا لغدا يشرف بكره يا اما،أنا اديت فلوس لنوارة علشان تجيب لك كل الطلبات اللي هتحتاجيها بكرة
نطقت بصوتٍ خافت ظنوا أنه وهن من تنظيف المنزل لكنهُ خجلاً من تلك المواجهة التي لم تستعد لها بعد:
-نوارة قالت لي يا ابني، وأنا نضفت تلات دكورة بط وكام جوز حمام هحشيهم فريك بالسمنة البلدي
نطق عزيز دون وعي منه:
-إبقي إعملي لها برام رز معمر يا اما،إيثار بتحبه
صمت الجميع ليتطلع عليه شقيقاه لينطق مبررًا وكأنهُ فعل شيئًا مشينًا حين أظهر اهتمامه بزيارة شقيقته الوحيدة:
-دي بردوا ضيفة ولازم نعمل لها الاكل اللي بتحبه
أتت نوارة على أصواتهم لتهتف بسعادة وحماس يرجعان لتشوقها لرؤية صديقتها الحنون:
-متقلقش يا أبو غانم،ماما عاملة كل الأكل اللي إيثار كانت بتحبه، وأيهم الله يكرمه جايب معاه من مصر حلويات وجميع أنواع الفاكهة اللي في السوق
واشارت بكفها بنبرة حماسية:
-يعني هتبقى عزومة تشرف، ولا عزومة نصر البنهاوي في زمانه اللي كان بيعملها للكبرات
قاطعتها منيرة بحدة ترجع لتشاؤمها:
-فال الله ولا فالك يا بت،قفلي علي السيرة الزفت دي وقومي إعملي لنا دور شاي يظبط دماغنا
نطقت بابتسامة ووجهٍ بشوش:
-من عنيا
قالتها وانطلقت لتترك خلفها زوجها وعائلته يرتبون ويستعدون لزيارة الغد.
***********
أتى الصباح على الجميع كلٍ يحمل مشاعر مختلفة ما بين خوف وارتياب وترقب واستغراب،وقفت تتطلع على هيأتها بانعكاس المرآة،كان مظهرها رائعًا تبدو كملكة ذاهبة لتتويجها،فقد تبدل حالها كليًا لتبدو لمن يراها كأخرى لم تشبهها سوى بالملامح الجميلة التي لم تختلف بعد،فقد إعتنى بها فؤاد كثيرًا حيث سلمها لمختصون بدار أزياء عالمية كي ينتقوا ثيابها بعناية وأيضًا خبراء الإهتمام بالبشرة والشعر لتبدوا أصغر من عمرها بعدة سنوات حيث من يراها الان يتوقع الا يتعدى عمرها الثانية والعشرون،هكذا كانت مكافأة ودلال ذاك العاشق لـ أنثاه التي أثارت جنونهُ بجموحها واختلافها عن الأخريات
وضعت بعض اللمسات من زينة الوجه والإكسسوارات والحُلي اللائقة بثوبها الناعم وحجابها الأنيق،أمسكت قنينة عطرها الفرنسي وقامت بنثره بسخاءٍ على عنقها وثوبها لتعيدها من جديد.تناولت ساعة اليد المرصعة بحبات الألماس هديتها الثمينة التي تلقتها من عصمت بمناسبة حملها بالتوأم لترتديها لتزيد من أناقتها ومظهرها الجذاب،إرتدت أيضًا خاتم الزواج الذي أهداها إياه فؤاد ليتناسب مع تلك الساعة ويكملا الاناقة،تطلعت بتمعن على ملمع الشفاة بلونه الوردي التي وضعته ليزيد من جمالها وإشراقة ونضارة وجهها الصبوح،خرج من غرفة ملابسهُ جاهزًا ببدلته السوداء ذات الماركة العالمية ليطلق صفيرًا ونظراته المنبهرة تحاوطها لينطق باعجاب:
-إيه الجمال والشياكة دي كلها يا حبيبي
تطلعت عليه وهي تبتسم بسعادة ليتابع وهو يرفع كفاه للأعلى بملاطفة:
-أنا كده هغير رأيي ومش هنخرج من الجناح ده النهاردة
رفعت حاجبها لأعلى لينطق بمداعبة:
-ما أحنا ما اتفقناش على إنك تبقي مثيرة قوي كده
تحركت إليه بخطواتٍ أنثوية واثقة وكعب حذائها المرتفع يصدر صوتًا عاليًا ليرسخ ثقتها العالية،اقتربت عليه لتضع كفيها على صدره وتقول بإغراء مصطنع بصعوبة لشدة ارتباكها من تلك الزيارة:
-أنا مينفعش غير إني أكون حلوة ومثيرة،لأني أنا مرات فؤاد علام
هز رأسه بثقة ليعود للخلف يميل برأسه وهو يقيمها بشمولية لينطق بنبرة هادئة:
-طب إتفضلي يا حبيبة قلب فؤاد علام غيري الشوز دي حالاً
مطت شفتيها بتذمر ليتابع ساخرًا:
-هي البرنسيس ناسية إنها حامل في السادس ولا إيه؟!
اقتربت عليه لتقول بعينين تلتمستين الرضا وبشفاه ممدودة بإثارة كي تستطيع التأثير عليه:
-مش ناسية ولا حاجة يا حبيبي،بس إحنا مش هنمشي علشان ألبس شوز أرضي،إحنا هننزل من العربية جنب القبر وكذلك البيت بردو
نطق بصوتٍ هادئ:
-بيبي،بلاش شغل المحلسة ده علشان أنا اللي بدعته
واسترسل بصرامة لا تقبل النقاش:
-يلا إلبسي كوتش أرضي علشان ظهرك
زفرت بقوة لتقول متعللة:
-مش هعرف أربط رباط الكوتش يا فؤاد
رفع ذراعيه بطريقة مسرحية:
-بسيطة
خلع عنه حلة بدلته ليلقي بها فوق الفراش ثم اختفى بداخل غرفة الأحذية والحقائب الخاصة بها ليخرج بعد قليل حاملاً زوجًا من الأحذية الرياضية ليسحبها نحو الفراش ويجلسها قبل أن يستند بركبتيه أرضًا تحت ساقيها ليرفعها ويقول وهو ينزع عنها ذاك الحذاء ذو الكعب العالي:
-أنا أربط لك الشوز وأعمل لك كل حاجة تعوزها يا بابا
برغم غضبها منه إلا أن تصرفهُ أصاب جسدها بالإرتجاف من شدة تأثرها بحنانهِ المفرط الذي يغرقها به،ألبسها الحذاء وعقد لها ربطته بطريقة إحترافية نالت استحسانها ليرفع بصره إليها وتحدث بغمزة جريئة من عينيه:
-فاكرة اول مرة لبستك الخلخال؟
واسترسل رافعًا قدمها ليرفع ثوبها للأعلى ويظهر جزءًا من ساقها البيضاء ثم قربهُ من شفتيه الغليظة ليطبع قُبلة مثيرة وهو يتعمق بمقلتيها المتسعة وصدرها الذي بات يعلو ويهبط من شدة شعورها الرائع الذي شملها من تصرف ذاك الراقي
تحدثت بنبرة حنون وهي تتطلع عليه:
-إن شاءالله بعد الولادة هعمل لك كل اللي نفسك فيه يا حبيبي
أنزل ساقها وانتفض منتصب الظهر ليسألها وهو يساعدها على النهوض لتقابلهُ:
-وحبيبة حبيبها هترقص له؟
أومأت بسعادة ليتابع بمشاكسة:
-بالبدلة النبيتي؟
أومأت لتقول بتأكيد:
-بالبدلة النبيتي
نفخ أوداجه بالهواء ليزفر بقوة وتحدث وهو يجذب حلته من فوق الفراش ليرتديها على عجاله:
-طب يلا حالاً ننزل من هنا
ضحكت لتقف خلفه تساعده بارتداء حلته مما أسعد قلبه ليستدير ويسلم لها حاله لتقوم بعدل ربطة عنقه وياقة الحلة،مال عليها ليضع قبلة سريعة فوق شفتيها ثم أشار لها بذراعه لتتأبطه وتتحرك بجواره بحبورٍ بينما يشعر هو بالفخر من إمتلاكه لتلك “الدرة المكنونة”مكافأته من رب العباد جراء صبره على الإبتلاء
هبط الدرج بجوار تلك التي تتأبطه لينظر لهما الجميع،علام،عصمت، فريال وأيضًا ماجد حيث اليوم العطلة الأسبوعية،ضيقت عصمت عينيها حين رأت لمعة تسكن مقلتي نجلها،لمعة هي تعرفها جيدًا وتحفظها عن ظهر قلب،تيقنت على الفور أن ذاك الثنائي العنيد قد تنازلا عن عنادهما وارتمى كلاهما داخل أحضان الأخر ليرتويا وينتعشا وتزدهرُ قلوبهم،وقف علام يستقبلهما لينطق بنبرة جادة:
-خلاص نويتوا
هزت رأسها بابتسامة لينطق زوجها الحبيب:
-بإذن الله يا باشا
تحركت عصمت إليهما لتنطق وهي تربط على كتف صغيرها والقلق ينهش قلبها:
-خلي بالك من نفسك ومن مراتك يا حبيبي
وتطلعت إليها بنظراتٍ لائمة نزلت على قلب إيثار زلزلتها لتقول بهدوء:
-ترجعوا بالسلامة إن شاءالله
رأت حزنًا بعينيها فارادت أن تخفف من تأثير نظراتها المرتعبة على نجلها وزوجته وأحفادها:
-سلمي على ماما وإخواتك
كادت أن تتحرك لكنها أوقفتها بكفها لتنطق بنبرة خافتة:
-مش عاوزاكِ تزعلي مني يا ماما
تنهدت لتنطق بنبرة صادقة فقلبها مرتعب من تلك الزيارة:
-أنا مش زعلانة منك يا إيثار،أنا خايفة عليكم وعلى ولادكم
واسترسلت بنبرة حنون:
-أنا قولت لفؤاد مايخدش يوسف معاكم،بس هو كان مقرر قبلها إنه مش هياخده علشان الولد ما يسألش على أهل بباه ونفسيته تتأثر باللي حصل لهم
نطقت بعينين معتذرتين لتلك الراقية التي تتفهم رعبها:
-والله يا ماما غصب عني،شوقي لـ بابا الله يرحمه غلبني،ونفسي أرد أمانته قبل ما أدخل على الولادة علشان أكون مرتاحة
تنهدت بقوة،هي لا تنكر عليها حق زيارتها لـ لحد أبيها الراحل ولا اشتياقها لرؤية عائلتها،لكنها تخشى ما قد يكون وراء تلك الزيارة وهذا البلد الغير أمن كما أخبرتها عزة،أومأت لها لتنطق بنبرة حنون:
-ربنا يرجعكم بالسلامة يا بنتي
إقتربت فريال على شقيقها تحتضنه بقوة وهي تقول:
-خلي بالك من نفسك ومن إيثار يا حبيبي
ليهتف علام بحدة كي ينهي ذاك المشهد الدرامي المبالغ به من زوجته وابنته:
-ما خلاص يا جماعة،ده معاه إسطول عربيات بحراسة مسلحة ولا الحرس الجمهوري
تطلعت عليه عصمت بنظرات لائمة لينطق وهو يربت على كفها بمؤازرة:
-أنا مأمنه هناك كويس،متقلقيش
هتف ماجد وهو يربت على كف فؤاد:
-زيارة موفقة يا سيادة المستشار
تسلم يا دكتور…نطقها فؤاد ليتحرك بزوجته وهو يقول:
-يلا يا حبيبي
تحركا ليقاطع خروجهم عزة التي هتفت وهي تنظر إليه بنظراتٍ عاتبة:
-بردوا سمعت كلامها يا سيادة المستشار،هو ده اللي اتفقنا عليه
-خلاص يا عزة…قالها فؤاد ليكمل بنبرة حاسمة:
-فات وقت الكلام ده
نطقت بنظراتٍ مترجية:
-طب خدني معاك
ثم استرسلت وهي تتمسك بكف ابنتها:
-عاوزة أكون معاها علشان لو حصل حاجة ما يتكاتروش عليها زي المرة اللي فاتت
احتدت ملامحه لينطق بسخطٍ أرعبها:
-شكلك إتجننتي يا عزة،هما مين دول اللي يتكاتروا عليها في وجودي،طب حد يمسها بنظرة وأنا اولع في أم البلد كلها
نظرت الى عينيها اللامعتين بتأثر لتقول لطمئنتها:
-إطمني وريحي بالك،وبعدين مينفعش تيجي معايا وتسيبي يوسف لوحده، إنتِ ناسية إن فؤاد وداه عند بيسان علشان ميشوفناش وإحنا ماشيين ويعرف إننا رايحين الكفر ويشبط
هزت رأسها بهدوء لينطق فؤاد بتوصية:
-خلي بالك من الولد لحد ما نرجع، وإياك توقعي بلسانك وتقولي قدامه إننا سافرنا بلد بباه
-ليه شايفني هبلة قدامك…قالتها وهي ترمقه بازدراء أثار استياءه لينطق من بين أسنانه:
-يلا نخرج قبل ما ارتكب جريمة حالاً
خرج لتستقل المقعد الخلفي بجواره لتنطلق السيارة بين أسطول ذاك السيارات المليئة برجال الحراسة وأسلحتهم المرخصة.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أنا لها شمس)