رواية ظل السحاب الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب البارت الثامن والثلاثون
رواية ظل السحاب الجزء الثامن والثلاثون
رواية ظل السحاب الحلقة الثامنة والثلاثون
هل ما يراه أمامه حقيقة؟ أم مجرد تخيلات؟ كيف اجتمع هذان الإثنان معًا بعد مضي أكثر من 20 عامًا؟ كيف يسأل هذا السؤال وقد واجهه مراد بما فعل منذ زمن حتى يفرقها عن حبيبها؟ بالتأكيد هو من أخبره، لكن كيف يعرفه؟ …كيف؟ .. هل كان للقدر رأي آخر لم يتوقعه هو؟ هل الحياة تعطيه صفعة على وجهه من جديد؟
.. شعر بالدوار قليلًا وأن ساقيه أصبحت ضعيفة على حمله … تقدم نحوه معتز وسأل هاتفًا جعلت عثمان يرتعش فزعًا..
: إيه يا بابا وقفت ليه، مش رايح تسلم على مراد؟
نظر عثمان لابنه بوجه مصفر فتعجب معتز: مالك يا بابا وشك مخطوف كدة ليه؟ انت كويس؟
هز رأسه توترًا بإيجاب ثم ذهب مسرعًا من المكان وكأنه يهرب خائفًا من المواجهة، تحت نظرات استغراب من معتز.
_______
شاردة… تضجع على بطنها وترفع بساقيها للأعلى .. تحدق أمامها في الدرع الكريستالي، تتذكر كلمات مراد لها وغيرته التي ظهرت في تصرفاته تجاهها يوم الحفل، خلدت تلك الذكريات في ذاكرتها للأبد،
الحياة أصبح لونها ورديًا، لكنها تشعر بأنه لن يدوم طويلًا، لا تدري لم تسلل إلى قلبها ذلك الإحساس الغريب .. لتستفيق من شرودها على صوت ارتفاع رنين هاتفها، اعتدلت في جلستها وربعت ساقيها .. أمسكت بالجوال وردت بهمس..
: ألو؟ ازيك يا نيرو!
أتى صوتها مداعبًا: أيوة يا عم، شكلك غارق في الحب
أطلقت تتهيدة حائرة ثم قالت مستنكرة: يختي حب إيه، هو اعترف أصلاً عشان أغرق!!
ضحكت نيرة وهمست بنبرة ماكرة وهي تمط كلماتها
: مين هو دة بقا اللي يعترف؟
أدركت فريدة نفسها، ووضعت أناملها فوق شفتيها بدهشة، فتجيب بتأتأة
: دة، دة…
قالت بنبرة لعوب: دة إيه يا مكارة!
قهقهت فريدة بخجل ثم تقول: خلاص بقا يا نيرو متكسفنيش
همست بحبور وغبطة صادقة: مبسوطالك أوي أوي يا فريدة، مراد بقا حاجة تانية، عملتي ف الجدع إيه يا شقية؟
قالت مازحة فتضحك فريدة، لتقول بنعومة وبراءة مصطنعة
: وأنا مالي بقا، مش هو اللي جالي ف نص الليل وفضل يرغي معايا، هو أنا يعني اللي ضربته ع إيده!!
قهقهت نيرة ولحقتها فريدة، لكنها توقفت عن الضحك لتقول بنبرة متذبذبة وهي تشعر بزعزعة في عقلها مما تفكر به
: بس أنا خايفة يا نيرة .. خايفة مراد يكتشف إن اللي حاسة مجرد مشاعر وهمية، أو تحصل حاجة تخليه يبعد عني، انا مش عارفة ممكن يحصلي إيه ساعتها!
ردت نيرة باطمئنان: يا روحي متفكريش ف حاجة زي دي، مراد لا يمكن يبعد عنك طول ما هو بيحبك!
: بس هو مقالهاش !!
هتفت بيأس وهي تنكس وجهها وتمسك بجانب رأسها، فتستمع لـ رد نيرة المستنكر
: بعد كل دة ولسة مش قادرة تفهمي مشاعره؟
تنهدت نيرة ثم أردفت: بصي يا فريدة، أنا عايزة أعرفك حاجة عن شخصية مراد .. برغم قسوته اللي باينة ف تصرفاته، إلاّ إنه شخص رجولي أوي، لا يمكن يبقى ما بيحبكيش ويوهمك العكس!!
: وافرضي بقا بعد دة كله، قاللي أننا أصحاب وبس؟
هتفت باستهجان وتأفف، فترد عليها بعد ضحكة
: اقتليه، لو قال كدة اقتليه
كررت الكلمة بتشديد، لتقول فريدة مؤكدة: وانتي بتقولي فيها!! وحياته عندي لعملها وانتحر وراه!
________
يجلس على أحد الأرائك بساحة الڤيلا الخاصة به، يشعر بالتشويش والتخبط، لكنه بدأ يهدأ كي يستطيع التفكير بروية .. فتتقدم ابنته إليه، فيطلب منها الجلوس..
: تعالي يا نانسي اقعدي عندي، عايزك ف حاجة !
اقتربت منه وسألت: في إيه يا دادي؟
استدار بجذعه إليها ليقول: هو انتي تعرفي حد اسمه عز الدين؟
ضيقت ما بين حاجبيها فتهمس بغرابة: عز الدين؟ مين دة يا دادي؟
تجاهل سؤالها، ليكمل: ولا حتى سمعتي اسمه من مراد أو من نيرة؟
هزت رأسها ببطء نافية وهي تتطلع إليه، زفر عثمان بقوة ثم نهض ليهتف متأففًا
: ازاي شغالة عند مراد ومتعرفيش اللي بيدخل ويخرج من عنده؟
فنهضت هي الأخرى لتجيب بحنق: منا معرفوش يا دادي أعمل إيه!!
صمت لبرهة فتذكر شيئًا، ثم التفت إليها بتساؤل وهو يضيق عينيه
: صحيح هي البنت اللي كانت واقفة مع مراد ونيرة، اللي شعرها طويل دي، تبقى مين؟
نفخت بقوة وردت وهي تكتف يديها: تبقى اللي اسمها فريدة اللي حكيتلك عنها قبل كدة!
سحق شفتيه وهو يحاول ربط الأحداث ببعضها .. عودة عز .. وقرب تلك الفتاة التي تدعى فريدة من مراد .. وسر حب نيرة لها .. وجودها بالحفل مع عز رغم أنها لم تعمل بالشركة!!
كل هذا يؤكد أن لها صلة بعز، أمن الممكن أن تكون ابنته؟ هذا ما يجب أن يعرفه! .. رفع بصره نحو نانسي ليقول
: نانسي .. أنا عايزك تعرفيلي اسم البنت دي بالكامل!
تعجبت: اشمعنى!
زمجر: يوووه .. متسأليش، انتي مش يهمك مراد يبقى ليكي؟
سأل بنبرة لعوب، لترد بغل: أنا اللي يهمني إن البنت دي متكسبش عليا، وكمان مراد يندم على اللي عمله معايا!
اقترب منها وأحاط بكتفيها ليهمس قائلًا بطريقة ثعبانية
: هيندم بس انتي اسمعي كلامي! وزي ما عاش السنين اللي فاتت فـ جروح وحرمان، هيقضي باقي حياته فاقد الثقة ف نفسه!
كان كمن يدس السم في أذن ابنته، حركت رأسها تنظر بطرف عينها لـ عثمان وشر يكمن فيهما، والذي يقابلها بابتسامة شيطانية بعد أن تأكد أن قلبها امتلأ بالسواد نحو مراد، وستفعل ما يأمرها به!
__________
يستلقي للخلف على ظهر المقعد، على وجهه ابتسامة عريضة، سعادة غامرة تخالط حياته من جديد بعد كل تلك الفترة التي مر بها، والتي كاد أن ينسى مذاقها، وكل الفضل يعود لسحابته الدافئة، التي تحملت سخافته وعنجهيته الرعناء،
كم يود أن يختطفها لمكان بعيد جدًا، ويعترف لها بعشقه بطريقة ملكية خاصة، يكفي كل ما عانته بالتأكيد هي تظنه الآن حائرًا ومترددًا في مشاعره، لذلك يفكر أن يقطع هذا الشك باليقين، حتى يريح قلبها الرقيق.
اعتدل في جلسته ثم نهض سريعًا وترجل من غرفة المكتب .. كان ينوي دخول المصعد لكن تذكر فجأة أنه لم يبلغ عماد أن يحضر بدلًا عنه مزاد عن قطعة أرض يود أن يشتريها، لأنه لا يملك الوقت..
دخل إلى المصعد الكهربائي وضغط زر الهبوط طابق واحد فقط .. بعد ثواني خرج منه متوجًها إلى مكتب عماد..
———–
يجلس على المقعد أمام منضدة المكتب معطيًا ظهره للباب، ويتحدث عبر الهاتف المحمول..
: عايزة إيه يا فاتن! مش احنا اتكلمنا ف الموضوع دة مية مرة قبل كدة؟
قال مؤكدًا وهو يشعر بالأسى في قلبه على حبيبته التي تتحمله، فترد عليه بنبرة باكية
: حرام عليك يا عماد، أهلي كلهم فاكرينك بتتهرب من جوازتنا! أرجوك بلاش تضيع سنين عمرك عشان وهم ف دماغك!
انعقد حاجبيه بسخط، وقلبه يعتصر حزنًا، أسند مرفقه فوق ذراع المقعد ووارى وجهه بكفه بيأس، بينما مراد يفتح الباب وقبل أن يهتف، سمعه يقول
: انتي عايزاني اتجوز وأعيش حياتي، ومراد حياته واقفة وعمره بيضيع!
استمع إلى ردها المستنكر: تقوم تضيع عمرك معاه؟ طب ذنبي أنا إيه؟ ليه عايز تحرمني منك بعد ما ضيعت حياتي ف حبك!! ليه عايز تبقى ابن هِرمة واطي!!
صرخت فنصب جذعه العلوي ليصيح عليها وهو يمثل أنه لا يبالي بها
: بقولك ايه، مش عايز رغي كتير، قولتلك مفيش جواز دلوقتي يعني مفيش، لو كنتي عايزة تفسخي خطوبتك مني، اتفضلي مع السلامة
: ماشي يابن الدايخة، إلهي ربنا يسخطك قرد أعمى، وما توعى تشوف تحتك يا بعيد!
انهت دعائها ثم أغلقت بوجهه الخط، ليلقي عماد بهاتفه على المنضدة بتأفف، ثم يستدير بالمقعد فيتفاجأ بالذي يقف أمامه وعلامات الدهشة تحتل تقاسيم وجهه
نهض من مقعده بحدقتين متسعة: مراد باشا؟
تحرك مراد فوضع يديه على طرف المنضدة وهو ينظر إليه مليًا، ليهمس مستهجنًا
: إيه اللي أنا سمعته دة!
ابتلع جفاف حلقه: سمعت إيه يا باشا؟
أشبك حاجبيه وهو يقول استنكارًا: انت مش عايز تتجوز إلا لما أنا اتجوز؟! وأنا اللي كنت فاكرك مش مستعد للخطوة دي؟
تحرك من خلف المنضدة واقترب منه، ليقول نافيًا
: يا باشا، حضرتك بتقول إيه، الكلام دة مش صح! وأنا فعلاً معنديش استعداد دلوقتي للجواز
هز مراد رأسه بإدراك: يعني لما كنت بتقوللي مش هتتجوز غيري لما تفرح بيا، كنت قاصدها بجد!
ليجلس بيأس ويضع رأسه بين يديه، ليرد عماد محاولًا أن يشرح له
: يا باشا لو سمحت، اللي فهمته دة مش صح!
اندفع مراد برفع وجهه ينظر له في استهجان تام، ثم وقف ليهمس موبخًا
: إيه خلاك تعمل كدة؟ ربطت حياتك وعمرك بيا ليه؟ كنت بتفكر ازاي وانت بتعلق حبيبتك بشئ غبي زي دة!! فكرت فيا وما حاولتش تفكر فيها هي!!
أنّبه وكدره بسبب ما اقبل عليه من فعل حماقة كهذه، واللعنة كيف لأحد أن يلغي أو يؤجل سعادته كل تلك السنوات لأجل شخصًا آخر..
ليكمل مردفًا بانفعال: وبعد ما اتحملت غباءك وهبلك، جاي تقولها امشي!! انت بجد مستوعب كمية الألم اللي سببته لها!!!
أخفض عماد رأسه مانعًا دموعه عن التساقط، فهو يعلم أنه قد قهر فاتن وأرغمها على التحمل والصبر لأجل إرضاءه ولأجل أنها تحبه!
: افرض دلوقتي أنا ما دخلتش صدفة وسمعتك، كان هيحصل إيه قوللي؟
بدأ أعصاب مراد تنفلت منه: فاهم ازاي قدرت تعمل اللي عملته دة! كسبت إيه انت، لما ضيعت شبابك على تخاريف مش موجودة غير ف دماغك انت وبس! .. أنا مين عشان تحبس نفسك معايا بإرداتك، جوة صندوق مضلم اتحطيت فيه غصب عني!!!!
صرخ مراد بتشنج، وهو يشعر بالاختناق في شرايين قلبه.. ليرفع عماد بصره بعينيه اللامعتين بقطرات من دموع الغلبة، فأجاب بنبرة ومقة ..
: انت كل حاجة يا مراد، انت الصاحب والأخ، انت السند، أنا متحملتش شغلي ف الداخلية من غيرك يا باشا، لما رغد ماتت وانت دخلت ف غيبوبة مؤقتة، خوفت يحصلك حاجة أو تروح مننا، ما كنتش عارفة أعمل ايه غير اني أدعيلك،
ولما فوقت فرحت أوي، وبعدها دخلت ف أزمة نفسية كبيرة بسبب اللي حصلك، كانت ممكن بجد تقضي عليك لولا إنك شجاع، بس لما ابتديت ترجع تاني وتفوق كنت رافض ترتبط بأي بنت، وعيشت نفسك في ذكرياتها،
وأنا كان صعب عليا أشوفك عايش ف دوامة بتاخد من طاقتك وعمرك وقلبك .. ومنايا إنك تبقى سعيد ومبسوط مع الإنسانة اللي تستاهلك وتطلعك من الماضي،
وعشان كدة حلفت إني ما اتجوزش غير لما أحقق امنيتي دي!
كان يستمع مراد له بوجه مذهول، كم أنه شخص غير طبيعي، يترك الزمن ينهب من عمره، أمام عينيه ولا يفعل شيئًا .. لما جعله يشعر بذنبًا آخر وهو لا يقدر على أحماله!
وضع مراد يده فوق كتفه وقال: من بكرة تاخد أجازة وتجهز لفرحك!
قال حازمًا ثم تحرك نحو الباب، تحت نظرات استهجان من عماد، فتحه والتفت برأسه إليه ليقول
: ومتخافش يا عماد، أمنيتك هتتحقق… قريب أوي!
أغلق مراد الباب خلفه تاركًا إياه يقلب آخر جملة في عقله كمن لا يستوعبها .. ليقفز فجأة بمرح وتهلل
قال ظافرًا: يس يس … أما الحق البت قبل ما تديني خازوق!
همس لنفسه وهو يهم لمكالمتها
_________
خرجت من غرفتها وهي تهتف بنداء
: بابا!
لتلمحه بالمطبخ فتسير صوبه وتسأله
: حضرتك بتعمل ايه؟
أجاب وهو مسك بيد الإناء ويصب الماء في الكوب الزجاجي
: بعمل شاي، تحبي تشربي معايا؟
دخلت من المدخل المتوسط وتسائلت وهي تجذب منه علبة الشاي المجفف كي تكمل إعداده هي
: طب وما قولتليش ليه!
: مفيش مشكلة يا حبيبتي، أنا كدة كدة كنت فاضي
بعد أن انتهت من إعداد المشروب ترجلت مع أبيها من المطبخ ليجلسا فوق أريكة أمام التلفاز .. لتهتف بعفوية دون تردد
: عايزين نقتحم بيت مراد عشان نتقدم لـ نيرة يا بابا
كان يرتشف من الشاي فما لبث أن استمع إلى قولها بثق ما في فمه فورًا .. فتعجبت منه
: إيه يا حاج مالك؟
نظر إليها عز فقال بلجلجة في نبرته: انتي… انتي بتقولي ايه يا فريدة؟
نقلت فريدة بصرها نحو كفي عز المرتجفة، والكوب يهتز بينهما.. فتمسك بمعصمه وتهمس
: أهدى يا بابا، انت اتوترت ليه؟ ولا انتي مكسوفة يا خلبوصة؟
قالت مداعبة وهي ترسم ابتسامة لعوب .. أسند عز الكوب من يده ليعود إليها بالحديث قائلًا باستنكار
: جواز إيه اللي بتتكلمي عنه؟ هو احنا صغيرين عشان تقولي كدة؟
انعقد حاجبيه فهمت فريدة بالنهوض لتقول بعملية
: مهو عشان انتوا مش صغيرين لازم تاخد خطوة رسمي، دور المراهقين اللي عايشينه دي مش هينفع مع مراد، وأعتقد كلامه كان باين أوي إنه مش راضي عن تصرفاتكم، وإنه لازم تتطلبها منه!
هتف عز بخشونة: بنت!
لتعود مجلسها وهي تقول مؤكدة: إيه كلامي غلط؟ مش دي الأصول برضو يا حاج ولا إيه؟ والبنت استنتك كتير عشان تنطقها، بالله عليك يا بابا وافق نفسي أفرّح نيرو!
هتفت بإلحاح شديد، فصمت عز لهنيهة يفكر في كلامها، نعم لقد صبرت نيرة كثيرًا، يكفي الوقت الذي هدره، يجب عليه أن يتخذ القرار الصائب..
أطلق تنهيدة قوية ثم أومأ برأسه بإيجاب، لتقفز فريدة من مكانها وهي تصرخ بمرح وبطريقة بهلوانية..
_________
خرجت ف الثامنة مساءًا ترتدي فستانًا جميلًا وبسيطًا من اللون البنفسجي .. ضيق من الخصر وفضفاض من أسفله .. تجمع شعرها على الجانب وتركته منسدلًا .. سارت بطريق المنطقة حتى بلغت أول الشارع، دارت بعينيها المكان، فترى سيارة مراد تقترب صوبها، ليهبط فورًا ويتقدم إليها ويفتح لها الباب بذوقية..
أعجبها أسلوبه الحضاري .. تحركت كي تصعد، لتهمس بنعومة وهي تنفح هواءً عطر إليه
: يا واد يا كاريزما انت
ضحك بخفوت ثم أغلق الباب بعد أن جلست في المقدمة، ليتحرك هو ويصعد بجوارها على مقعد القيادة..
أخذت تحدق به وتركز على كل إنش بوجهه بتأمل عميق، شعره الناعم .. حاجبيه الكثيفة المرسومة باستقامة .. أنفه الحاد، شعيرات ذقنه الفاتحة .. شفتيـ…
: بتبصيلي كدة ليه؟
استفاقت من تأملها على صوته دون أن يلتفت برأسه، لترد بهيام
: سرحانة فيك
ابتسم ببهجة ليسمعها تردف: يا بختها رغد
لتسقط ابتسامته فورًا فتبدأ ملامحه تتجهم .. لم يرد لتلك الليلة المميزة أن يعكرها شئ، حاول تجاهل الأمر بالصمت .. حتى هي قد شعرت بالسوء من ذكرها اسمها، لكنها تغار منها..
نعم، رغم أنها لم تعد بالحياة إلا أنها تغار وبشدة .. ما زال يعشقها، وهي كانت تتمنى أن تحب رجلًا تكون هي أول امرأة بحياته .. لا تدري هل ستتخطى هذا الأمر بسهولة أم أن هذا العشق سينهكها تعبًا!
وصل مراد إلى أحد المطاعم الفخمة، فتحرك بها نحو طاولة مخصصة قد حجزها لها مسبقًا .. اختار مكان مفتوح ليس به الكثير، كي يستطيعا التحدث بأريحية.. سحب المقعد كي تجلس فوقه لتقول بصوت منخفض
: شكرًا
ليهمس بمخملية بالقرب من أذنها: العفو يا قمر
ارتسمت بسمة خافتة، ثم تحرك مراد وجلس مقابلها
: عجبك المكان؟
سألها متبسمًا، فتهز رأسها ثم تتساءل دون تفكير: جبت رغد قبل كدة فيه؟
: خلاص بقا
هتف بحدة، حاول التغاضي عن رعانتها لكنها تتمادى.. ليردف بتأفف
: المطعم فاتح من 3 سنين بس، هجيبها فيه ازاي!
رأت فريدة شرارات نارية تتطاير من مقلتيه، أخفضت جفنيها وهي تجاهد ألا تضعف وتبدأ بالبكاء ..
سحب مراد نفسًا عميقًا يملأ به صدره محاولًا الهدوء، ليهمس برفق
: فريدة، متضايقيش مني، انفعلت غصب عني .. بلاش تتكلمي ف الموضوع دة على الأقل دلوقتي!
رفعت رأسها وهي تنظر بعيدًا تكبح دموعها، فأومأت دون أن تتكلم … فينظر الآخر لها، فسأل
: ساكتة ليه؟
بالكاد سمعها تهمس: مفيش حاجة
شعر مراد بصوتها المحتبس، وملامحها المستاءة .. نهض وتحرك يجلس بالقرب منها، تلمّس وجنتها بلطف، ليهمس
: متزعلش بقا، ولا عايزاني أصالحك كمان؟
قال مداعبًا لتنفرج شفتيها ببسمة اختطفته، فتحرك رأسها نحوه وتقول
: عايزين نشرب الشاي عندكم يوم الخميس!
ضم ما بين حاجبيه بغرابة: مش فاهم؟ هتخطبيني ولا إيه؟
سأل مازحًا، لتقول بوجوم: ظريف أوي .. جاية أطلب إيد نيرة لبابا!
قهقه مراد، ليقول ساخرًا: انتي اللي جاية تطلبيها؟
أكمل ضحكه لتزم فريدة شفتيها ثم تهتف بحنق: إيه يعني، مش عاجبك؟
: هو أنا أقدر!!
أجاب بصوت رقيق، فتشعر بقشعريرة تلامس جسدها من همسه .. حمحم ليقول
: هستناكي يوم الخميس بقا عشان تيجي تقري فاتحة معايا!
قال وهو يحاول ألا يضحك، لكنها سبقته وقهقهت، فـ هامَ هو بها، صمتت تنظر له، وخبأت فمها براحة يدها حرجًا
: آسفة
: على إيه؟
تعجب، لترد: على ضحكتي المزعجة
: أحلى ضحكة ف الكون
قال بصدق من أعماقه، فخجلت من إطراءه .. فتسمعه يقول
: سيبك بقا من أبوكي ونيرة، خلينا فينا احنا!
عضت على شفتيها بخجل، فازدادت وتيرة أنفاس مراد بسبب تلك الحركة المذيبة له، حاول التركيز على ما يود قوله .. همس باسمها ..
: فريدة
لترد بنبرة رقيقة: نعم!!
: أنا…
ابتلع لعابه، شعر بالاضطراب يصيب جسده .. الموقف كان يثير الرهبة في نفسه وكأنه أول مرة يقع بالحب، أو هكذا الحال بالفعل .. حاول عدة مرات أن ينطق لكن الكلام يقف بحنجرته ولا يعرف كيف يخرجه .. هذا جعلها تشعر بالسخط من سكوته الذي طال، ترجمت هذا على أنه تردد ولم تفهم أنه يعيش اللحظات كأنه مراهق في سن الثامنة عشر…
نهضت بجمود، فتعجب هو ثم هرولت مترجلة، فقام خلفها بسرعة حتى رآها تصل إلى السيارة، فجذبها من ذراعها حتى اصطدمت بصدره..
: انتي إيه خلاكي تجري بالشكل دة؟
هتف بخشونة ليجدها تشرع في البكاء، ليزمجر
: انتي دلوقتي بتعيطي ليه؟
فترد من بين بكائها: عشان انت مش عايز تبقى صريح معايا، متردد، أو خايف.. بتحاول تضغط على نفسك عشان تقولهالي لكن مش هاين عليك، صح؟
: خايف؟
قال مستنكرًا، لتجده يتحرك نحو السيارة ويصعد فوقها، فتصيح بدهشة لما فعل
: انت بتعمل ايه؟
هتف لها من فوق السيارة: انتي بتقولي إني خايف، وبضغط على نفسي؟ هو أنا عشان بدور على طريقة حلوة أقولها بيها يبقى متردد وخايف؟ طب انتي عايزاني أخليكي مميزة ازاي، لو مفكرتش ف طريقة أسطورية اعبرلك بيها عن اللي جوايا؟ قوليلي انتي نفسك تتقالك ازاي؟
كان يهتف بأنفاس مضطربة وارتفاع في ضربات قلبه غير اعتيادي .. تطلع إليها وهو يشعر بتشوشها، ليردف دون أدنى تردد منه وهو يصرخ بأعلى صوته
: بحبـــك يا فريدة، بحبــك يا أحلى وأرق إنسانة قابلتها ف حياتي، بحبـك .. مراد الحديدي بيحبك أوي
همس لها مؤكدًا، فاتسعت حدقتي عينيها بذهول وهي بالكاد تحاول أن تستجمع وعيها، نظرت حولها فوجدت بعض الأشخاص يتهامسون وع وجوههم ابتسامات، لتعود وتتطلع إلى مراد الذي ما زال يقف فوق السيارة،
قرصت نفسها كي تتأكد أنها لا تحلم، فابتسم مراد وهبط من الأعلى ثم قربها إليه بلطف وهمس
: انتي صاحية يا فريدة، صاحية وأنا قدامك وبقولك بحبك
رجفة أصابتها وكأن أسلاك كهربائية صعقتها، ليقلق عليها مراد
: مالك يا حبيبي
شهقت بصدمة، هي لا تستوعب ما فعله وقاله، والآن يصفها حبيبته؟ رج عقلها ولسانها قد أُلجم، تشعر وأنها لا تقف على
الأرض .. تشوشت الرؤية عن بصرها، وميض يأتي ويذهب، لتشعر بساقيها تخر قواها، كادت تسقط على الأرض فاقدة للوعي لولا مراد حاوطها بسرعة بذراعيه، ليصرخ هلعًا
: فريدة……………..
- لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية ظل السحاب)
سبحان الله
لا اله إلا الله محمد رسول الله
استغفرالله
ماشاء الله
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين