روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل التاسع 9 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل التاسع 9 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت التاسع

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء التاسع

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة التاسعة

~… يطعمها بيديه…~
هل ضر هذا الكون نبض لقاءنا ….؟!
أم أن هذا الحزن أدمن أضلعي ….؟!
قل للمسافــــات البعيدة بيننـــا….
أرجو بحق الله أن تتواضعي ..!
( جلال الدين الرومي)
أسودت عينيه وتجمد مكانه من رؤيتها هكذا ……
كانت رجفة يديها واضحة لا تحتاج كثير من التمعن والنظر … تساقط دموعها بصمت تام تعني منه أن الألم فاق الكلمات والأحاديث …أو ربما فات الآوان !
كلمات بسيطة تستطع أن تنقلنا من منعطف الدموع إلى غمر السعادة …
وقف على بُعد خطوات بسيطة وشعرت به يحدق بها !
ذلك العطر الخاص به تستطع تميزه بين الكثير ….. بينما يخلف وجوده شيء من الربكة والتوتر والكثير من الأطمئنان ….
سحق أسنانه بعصبية وهو يرى كم تُهان بوضع أختاره لها بحماقة للتو ندم عليه….. هتف بعصبية وود لو يصفع چيهان على ما يحدث :
_ بتعملي إيه هنا يا ليلى ؟!
ابتلعت ليلى ريقها ذو الغصة المريرة وقالت وهي تتابع عملها في التنظيف وصوتها يرتعش من الحزن :
_ زي ما حضرتك شايف…. بشتغل… !
اجابتها بها عتاب ولوم …. شيء من الأنكسار التي يتعجب لما رضيت به بهذه البساطة !
نظر وجيه لچيهان التي شحب وجهها بخوف من عصبيته ونتائج أفكاره التي تدور بخلده الآن ….. قالت چيهان وهي تقترب إليه في لهفة وخوف ظاهر للعيان :
_ كويس أنك جيت…كنت عايزة اتكلم معاك يا حبيبي …..
ارتفعت أنفاس ليلى وظهر جليًا أنها تريد البكاء وتكتمه بشدة…. زفر وجيه بحدة وهو ينظر لـ”ليلى” وهتف بچيهان بقسوة :
_ استنيني في مكتبي يا چيهان ؟ ….لو سمحتي ..
نبرته الغاضبة لم يكن بها استئذان !! بل أمر ولابد أن تفعله ….وهي ستفعل ما يقوله ….قالت بتوتر :
_ تمام ….هستناك….بس متتأخرش عليا ….
أخذت چيهان حقيبتها من على مكتبها بحركة بطيئة …درست من خلالها نظرات وجيه ل “ليلى” والعكس …..
بعض النظرات تقل أحبك دون أن ننطق حرف واحد من الكلمة !
لم يكن الأمر بالممتع حتى تباطئ جيهان في التحديق فيهما ….بل بقلبها نار متقدة ….. نار امرأة تريد رجل بكل قوتها وهي تعلم أن قلبه تملكه امرأة أخرى …..!
انتظر وجيه حتى غادرت جيهان تمامًا ومضى اتجاه ليلى في عصبية وقال :
_ هنا مش من ضمن شغلك يا ليلى !! أزاي بتعرفي تندميني على قرار خدته نتيجة عمايلك وتصرفاتك معايا !!
أزدردت ليلى ريقها بقوة وحاولت أن تبدو طبيعية وهي تتحدث :
_ لا يا دكتور وجيه ….ده ضمن شغلي ….. بس هل ده كان هيكون رد فعلك لو بنضف أي مكتب لحد تاني …ولا عشان هترجعوا لبعض؟!
ضيق وجيه عينيه في دهشة ….هذا القرار لم يعرفه أحد بالمشفى حتى الآن …..أو بالأصح ليس الكثير …فكيف علمت به ليلى ؟!
تساءل في غرابة :
_ مين اللي قالك ؟!
ابتسمت ليلى بمرارة وهي تتوقف عن العمل ويد المكنسة الخشبية بيدها :
_ مش مهم مين اللي قالي ….. المهم أني نسيت أقولك الف مبروك …. ربنا يسعدك …..
صاح بوجهها في عصبية وعذاب يتشاجر بعينيه :
_ وأنتِ شيفاني سعيد ؟! أنتِ لو حبتيني في يوم بجد عمرك ما كنتِ هتتمنيلي السعادة مع غيرك ؟! أو على الأقل مش هتكوني بالهدوء ده وأنتِ شيفاني ببعد…..!
وتابع بغصة حارقة بحلقه :
_ ولا حكايتنا كان العذاب فيها من حظي أنا وبس ؟! …إذا بالنسبالك كانت حكاية اصلًا …!
أنتِ بتعلميني أكرهك بمنتهى الأحتراف !!
ارتعشت شفتيها ….حتى رحبت عينيها بالدموع ….قالت وعروق عينيها تخضبت من هطول الدموع:
_ أنت لازم تبعد عني …. ماينفعش تقرب يمكن دلوقتي أكتر من زمان ….. حتى لو كنت عايزة بس ماينفعش ….ماينفعش ..
دفعت ما بيدها واسرعت اتجاه الباب لتختفي عن ناظريه وتعطي دموعها الحرية…ولكنه سبقها أغلق الباب براحة يده اليمنى قبل ان تخرج ….وقال بشيء من الرجاء :
_ برري ودافعي عن نفسك وأنا هسمعك يا ليلى ….قولي أنك اتجبرتي على جوازك ….قولي أن كلام طليقك غلط وانك مكنتيش مدمنة !! أنا استنيتك ترفضي اتهامه لكن ما اتكلمتيش !!
قولي أنك كنتِ بتحبيني …. قولي أي حاجة تنقذ آخر خطوة بينا قبل ما تنتهي كل حاجة….. دي خطوة من عمر عشر سنين فاتوا يا ليلى …ارجوكِ ما تضيعاش….!

 

رفعت رأسها بدموع وقالت :
_ أنت مكنتيش وفي أوي زي ما بتقول …. بدليل أن كنت مقرر ترجعلها !!
أخذ وجيه نفس عميق ملء رئتيه وهو يحترق للإجابة المرجوة منها وأجاب :
_ كان قرار متسرع عارف ….أنا عمري ما ندمت على قرار خدته في حياتي …. بس أنتِ السبب في القرار ده ….خدته وأنا عارف أنه هيعذبني ….بس لو فضلتي على رأيك يبقى الأفضل أني افتكر حياتي اللي نسيتها عشر سنين من عمري …..
وعاد متحدثا وعينيه يملأها الحنين والحب :
_ بس كلمة منك ممكن تغير كل ده …. لو سكتِ المرادي يبقى خسرتيني للأبد …..
جف ريقها وكأن الكلمات أختنقت بفمها …ماذا تخبره ؟!
لو أخبرته لحكمت عليه بالموت على يد مجرم …. نتيجة متوقعة لأفعال ذلك الشيطان !!
ماذا تخبره ايضا ؟!
هل تخبره أن نتيجة نتيجة قرارها بالماضي كان حدث جلل حدث لها ؟! …وكرهت بعده حتى أنفاسها ؟!!
كان الصمت أكثر يسر من أن تعود بالماضي ….كان قرارها السري بأبتعاده وفراقه أكثر رحمة من فراقه من الحياة إذا قررت الاقتراب منه ؟!
وابنتها …؟!
بكلمة واعتراف منها …. سيكن فراق نهائي لصغيرتها إن فكرت فقط بالزواج مرة أخرى ؟!
ابتعدت خطوة منه …استندت بظهرها للحائط ونظرت للأسفل في دموع وبكاء ….. لم تجيب ولم تتدافع بهتف بها بغضب :
_ أنا مش فاهم حاجة من دموعك ؟!
لو دموعك خوف قوليلي وأنا هحميكِ من أي حاجة …. أنا مش هعرف أخد أي خطوة من غير ما تتكلمي !
أغمضت ليلى عينيها وقالت بنبرة يغمرها القهر ويديها تلفها حولها كأنها ترتجف من البرودة:
_ ربنا يسعدك …..
صدم وجيه وكأنها وضعت خنجر بصدره …. حتى بعدما ترجاها تقل ذلك ؟!
بعدما دهش كبريائه للمرة المائة أسفل قدميه منذ لقياها مجددًا ؟!
لا يعقل أن تكن بتلك الجبروت والقسوة ؟!
قالت وعينيها تنزف بخشوع :
_ أحنا ما ننفعش لبعض ….. صدقني كده أفضل ….
استقبل عقله الصدمة بهدوء مريب …. حتى قال بلافته مخيفة بعينيه :
_ أنتِ اللي أخترتي …. كنت فاكر لما أنهي اللي بينا بإيدي هكون مرتاح بس معرفتش للأسف ….على الاقل دلوقتي مش هندم لحظة وأنا ببعد ….. يمكن الحاجة الوحيدة اللي رحمتك مني هي ريميه ….بنتك ….
اللي برضو معرفش أزاي خدت مكان جوايا بنفس سرعة حبي ليك ِ!! واللي عشانها هي بس …هرحمك !
اجهشت ليلى بالبكاء في ضعف هائل حتى أضاف وجيه بقسوة تحاوط نظراته عليها :
_ شغلك هيتغير في خلال أيام …..هتعرفيه في الوقت المناسب ….
حرك وجيه يديه على جسد الباب وقبض على المقبض وفتحه وهي تحت نظراته المسلطة عليها ببركان متقد ولم يثور …..خرج من مكتب چيهان للخارج ……
لم يعود لمكتبه ….لم يكن باستطاعته للتحدث أكثر من ذلك … كان يحتاج فقط للصمت ……
احتياجنا للصمت أحيانًا هو السبيل الوحيد للهدوء ولو مؤقتٍ !
استندت ليلى وارخت جفونها للأسفل وهي تبكِ بقهر …. لما هذا الألم كان من نصيبها …ولقلبها البريء !!
دقائق …استمرت فيهم تبك في المكتب ….حتى أتت چيهان ووقفت أمامها في ثبات ……
تداركت ليلى موقفها ومسحت عينيها وهي تخبرها الذهاب …قاطعتها چيهان قائلة بشيء من القلق :
_ بعد أذنك يا ليلى ….عايزة اتكلم معاكِ ….
كان من الغريب أن لا تعرف ما مضمون الحديث المنتظر …..واحتارت هل توافق أو ترفض ….فهمت حيرتها جيهان ب حس الانثى وقالت باهتمام :
_ موضوع مهم …بعد أذنك
وقفت ليلى تستقبل مشهد آخر …طعنة أخرى منها ….كأنها ما باتت تشعر بأي ألم بعدما فارقت الرجل الوحيد الذي أحبته …..اغلقت چيهان الباب ثم تنهدت وهي تبدأ حديثها :
_ مافيش شك أن في شيء كان بينك وبين وجيه …حتى لو من فترة …. أو يمكن من قبل جوازي منه كمان !!
مش ده المهم….. اللي شايفاه أن الشيء ده لسه موجود !
ابتلعت ليلى ريقها بقوة …. لو لم يكن وجود طليقها أكبر كارثة ستظل بعمرها إلى أن يموت احدًا منهما ….لكانت صرخت بوجه الجميع وأعترفت أنها تحبه ….أنها ستبقى ….وأخبرته بكل شيء …….ولكنها عوضا عن كل شيء صمتت وقبلت أن يحيى مع امرأة أخرى ولا أن يطاله الغدر والقتل بيد مجرم !
انتظرت جيهان ردها ولم تناله ….قالت بشيء من الخوف :
_ ليلى …أنا مش وحشة ولا شريرة عشان استقصدك أو أأذيكي !
لو فاكرة أنك ضعيفة فأنا أضعف منك من غيره !
ادمعت عين چيهان بألم وقالت بصدق :
_ أنا حاولت صدقيني ابدأ حياتي مع حد غيره ….بس كل اللي عرفني طمع فيا …. كنت بشوف الغدر في عيونهم !
وجيه الشخص الوحيد اللي كنت مطمنة معاه …حتى وأنا متأكدة أنه مش بيحبني ….مظلمنيش ولا أهانّي …. أنا مش عايزة أفضل لوحدي …. الوحدة صعبة أوي !
أنا عارفة أني ماينفعش أقولك الكلام ده ….بس ارجوك أبعدي عنه لأني ماليش غيره …..
نطقت ليلى وعينيها مليئة بالدموع وقالت بصدق :
_ خلي بالك منه …. وأطمني ….. أنا اتكتب عليا أفضل لوحدي العمر كله ….. حتى لو لسه بحبه …. مستحيل أكون معاه …أو حتى مع غيره ……
اطمئنت جيهان لما قالته ليلى ولكنها اظهرت الثبات والهدوء فقالت بلطف :
_ ممكن نبقى صحاب ؟
هزت ليلى رأسها برفض وقالت وهي تمسح عينيها :
_ للأسف …عمرنا ما هنكون صحاب ….رغم أني متأكدة أن عرضك مجاملة مش أكتر !
صمتت جيهان بحرج بعدما كشفت ليلى منحنى تفكيرها …فقالت ليلى بتفهم وهي تكتم دموعها :
_ بعد أذنك ….
كادت أن تغادر الغرفة فقالت جيهان سريعا كنوع من رد الجميل :
_ ممكن أشوفلك شغل تاني لو حبيتي ….لو مش عايزاه في المستشفى ممكن أشغلك في شركة كبيرة كمان لو عايزة ….
فهمت ليلى أن جيهان تغريها بالعرض الآخر للعمل …استدارت لها وقالت :
_ شغلي المستشفى سببه أن والدي هنا …..لما أبويا يقوم بالسلامة همشي من هنا ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبعدما انهت ليلى عملها دلفت لأبنتها ……لتجدها نائمة بهدوء ….قد استلمت ساعات راحتها القليلة من العمل حتى ساعات الصبح الأولى ……
تمددت على الفراش وضمت ابنتها لصدرها وبدأت عينيها في سرد الدموع مرةً أخرى …..
” عودة بالذاكرة ”
بمساء أحد الأيام بعدما تعهد أبيها على مقابلة وجيه بالعمل ….عاد للمنزل ليجد ابنته ليلى تقف بالمطبخ تحضر الطعام وعينيها تنظر لأبعد من الأواني على الموقد …….
همس عبد العزيز لأبنته بحذر :
_ قابلته …. جالي الشغل زي ما اتفقنا ….
استدارت ليلى بلهفة والابتسامة تتأرجح على على ملامحها وقالت بصوت خافت :

 

 

_ وإيه رأيك فيه ؟
ربت عبد العزيز بنظرة راضية على كتف ابنته وقال :
_ شاب محترم ومثقف وأبن ناس …. عجبني أوي بصراحة….. زي ما اتمنيت يكون جوز بنتي بالضبط …. سؤال بسيط بس عليه وهقولك رأيي النهائي….بس بشكل مبدأي أنا موافق يابنتي …..
ارتمت ليلى على صدر أبيها وهي تكتم ضحكتها بسعادة حقيقية ثم تذكرت شيء وتساءلت بقلق :
_ طب و……وجدي …واللي قاله ؟!!
تنفس عبد العزيز بحدة وكان يعرف أنه سيدخل بمعركة وعصيان للمرة الثانية ضد أبيه ….ولكنه قال بابتسامة ليطمئن ابنته :
_ زمان محدش قدر يجبرني لما خدتكوا وبعدت ….. والنهاردة برضو محدش هيجبرني على شيء …. وجيه أحسن من صالح مليون مرة ….ده ظني …فاضلي بس اتأكد ….ولو اتأكدت أنسي أن حد يقدر يغصبك على حاجة ……
ضمت ليلى أبيها وهي تقول بتأكيد وبابتسامة واسعة :
_ ربنا ما يحرمني منك أبدًا يا بابا …. أنا خلاص مش خايفة …..
ربت على رأسها بحنان وقال بتحذير :
_ بس أوعي تعلي صوتك على جدك تاني …. أوعي تغلطي فيه مهما استفزك ….ماتنسيش أنه جدك ولازم تحترميه ….متخليش حد يقول عبد العزيز معرفش يربي !!
هزت ليلى رأسها بالموافقة …….
استمع صالح لهذا الحديث وهو يختبئ عن أنظارهما….كان الجميع يظنه نائم بأحد الغرف ولكنه لم يفعل ….. بل انتظر عمه حتى شعر بحركة من باب الشقة فأراد التأكد أنه هو ….
عاد للغرفة المقيم بها بمنزل عمه وهو يعد العداد لمخططه ….وفي الصباح وبينما ذهب عمه لعمله واستعدت ليلى للذهاب لعملها بعدما جهزت طعام الفطار لجدها وأبن عمها …..
كان قد علم الجد بما سمعه صالح ….فقد أخبره مبكرًا وقد تسلل لغرفته …..
قال الجد بحسم وليلى تحمل حقيبتها على كتفها للذهاب :
_ لازم نرجع البلد دلوقتي ….. أبن أختك تعبان والدكتور عنده …..وطالبك تكوني جانبه …..
صدمت ليلى من الخبر ودق قلبها خوف على أبن شقيقتها ….نهض الجد وهو يشير لصالح :
_ يلا مافيش وقت ….. هنسافر دلوقتي …اتصل بعمك يا صالح يجي معانا …. قالولي حالته خطرة …..
اتصل صالح وهو ينظر ل “ليلى” بمكر ورد عليه عمه عبد العزيز ….وعندما علم الخبر قال بخوف :
_ أنا جاي معاكم ….. هشوف حفيدي فيه إيه !
قصد صالح أن يرفع صوت الهاتف حتى يصل لسماع ليلى ….قال الجد بأمر :
_ يلا يا ليلى تعالي معانا …. عمتك قالتلي أنه مابطلش سؤال عليكِ ……
شعرت ليلى بالخوف من الذهاب معهم …ولكن خوفها الأكبر على الصغير قد حجب أي تفكير ….وبالأخص أن والدها سيأتي معهم حتما …..قال الجد بعصبية :
_ هنستنى أبوكي في المحطة ولو سافرنا من غيره ارجعي تاني !
هو أحنا هنخطفك !!
بالطبع كان هذا الشعور يتسلل إليها ….ولكنها لم تظن أيضا أن هذا كله مجرد مشهد خادع لإبرام أمر ما ……
وصدق الجد في وجود ولده عبد العزيز الذي تفاجأ بابنته تقف مع أبيه وابن عمها صالح بمحطة القطار !!
نظر اليها بقوة وفهمت أنه يوبخها بصمت ولكنها أجابت بصمت أيضا وبنظرة معتذرة ….وستشرح له الأمر فيما بعد …..
وصلوا للمدينة التي بها المنزل الكبير للعائلة …..
وقبل أن يصلوا كان صالح أتصل بالمنزل وعقد الخطة وانصاع صغيره بخوف منه لأوامره……. ومر يوم بعد يوم ….
بدأ عبد العزيز يشعر أن هناك مؤامرة خلف تمسك الجميع بوجوده هو وابنته بهذا الشكل وبهذا الاصرار !!
تحدث عبد العزيز مع أبنته بعد تناول طعام الغداء وبعد قضاء أسبوع بمنزل العائلة في أحدى الغرف :
_ أنا كلمت جدك وقولتله على وجيه …. وهو عشان يوافق طلب يشوفه ….. وللأسف مضطر اسافر بنفسي لأن المفروض أن وجيه هيجيلي النهاردة الشغل عشان يعرف الرد ….هفهمه كل حاجة ولو كده هجيبه وهاجي هنا ….لو متمسك بيكِ هيجي معايا وهيصمم عليكِ…..
قالت ليلى بقلق :
_ طب هتسيبني هنا ؟! خدني معاك …….
رد الأب بيأس :
_ جدك حلف عليا يا ليلى ….لو خدتك ومشيت هيغضب عليا …..أول مرة يقول الكلمتين دول مهما عصيت أوامره ! ….. أنتِ مش في بيت غريب أنتِ بيت أهلك ما تقلقيش ….. هرجع آخر النهار وبأذن الله ربنا ييسر الأمور ……
وافقت ليلى وغادر الأب ….وعند ساعة الغداء انفرد الجد بحفيده صالح وقال :
_ ما تخافش ….. حتى لو جابه معاه هطفشه بالذوق وبهدوء ….. يبقى كده خلصنا من العريس ده كمان …..
كانت السخرية تحوم بنظرات صالح …..ونهض وهو يرمي طرف الشال الرجالي الأسود للخلف وقال :
_ تسلم يا حج ….. عيشت ….
قال جملته وتوجه ناحية السلم للطابق الثاني …..وعند غرفة صغاره الأثنان نظر لأحدى الخادمات في نظرة ذات مغزى ……ثم فتح باب الغرفة وتنحنح وهو يعلم أن ليلى بالداخل ….
نظرت له في جمود وهي تعتدل بالفراش بجانب الصغير الذي يتظاهر بالأعياء ….. قال صالح بنظرة عميقة وهو يقترب للداخل :
_ خليكِ مطرحك ….. أنا هطمن على أبني وأمشي …..
لم ترد عليه ليلى والتزمت الصمت …..فتابع قائلًا :
_ أنا عارف أنك رفضاني ….وأنا مش هقبل اخد واحدة رفضاني ….أنسي الموضوع ده …..
اتسعت عين ليلى بدهشة !! هل يتنازل عن أمر الجد بهذه البساطة ؟!!
وليكن……هذا شيء يدعو للتفاءل ….قالت وهي تحاول أن تصدقه :
_ أحنا ما ننفعش لبعض ….أنا عمري ما اعتبرتك أكتر من أخ …..
قال مبتسما ليطمئنها ويجعلها تثق فيه :
_ على فكرة …أنا اللي اقنعت جدي أنه يقابل العريس اللي متقدملك ….لأنه قالي وأنا قررت ابعد ….. وهكون موجود كمان في المقابلة …..لو كويس ويستاهلك يبقى مبروك يا عروسة …..
ابتسمت ليلى بذهول …..قالت وهي لا تصدق ما تسمعه وكأن طاقة النور فتحت لها بعد عتمة طويلة :
_ مش عارفة أشكرك أزاي يا صالح ……بجد أنا مبسوطة أوي …..
دلفت الخادمة بمشروب على صينية من الأستانلس الفضي اللامع …..وقدمت المشروب إلى ليلى …..غفلت ليلى أنها رفضت أي مشروبات منذ قليل …كل ما كانت تشعر به هو السعادة وكأنها تريد احتضان الجميع …..

 

قال صالح :
_ هو المفروض شربات بس ملحوقة …..
ارتشفت ليلى وهي تبتسم بسعادة شديدة …..وقفت الخادمة وسومت نظرة الى صالح الذي راقب ليلى ….حتى ذهب وعيها بالتدريج …… حملت الخادمة الصغير الذي لا يعرف ما يحدث حوله وما تحمله الظنون والنوايا …….
وبعد مرور ساعة تقريبًا ….. انتفضت ليلى من الفراش بعدما فتحت عينيها ورأت نفسها بين ذراعي ذلك الرجل ….الذي كان بيوم من الأيام زوج شقيقتها !!
حملقت فيه بذهول وهي تضم الغطاء لجسدها الشبه عاري …. نهض صالح بنظرة شيطانية :
_ لو أبوكي عرف ….يبقى حكمتي بالموت على حد فينا …..بس أوعدك أن اللي هيموت مش أنا …..لأني هثبت أن اللي عمل عملته وهرب هو حبيب القلب …..وابوكي عايز يستر عليكِ…… أنا لسه عند طلبي ……وافقي عليا وهكون متجوزك في أقل من اسبوع ….
ارتدى ملابسه بسرعة عجيبة تحت صدمتها التي وكأن روحها غادرت جسدها وتركتها هكذا …….
حلم ….لا كابوس ….لا لا أكثر ……هذا مثل الموت على موت ….مثل الطعنات بجسد متألم !!
وضعت يديها التي ترتجف بجنون على فمها تمنع صرختها …..وأنفاسها المتسارعة كأنها شارفت على الموت …..حتى لاحظت هاتفها يعلن أتصال …..كان أقرب من أن لا تشاهده …..وجدته رقم أبيها …
نظرت للهاتف بدموع ساقطة …..رثاء لعفتها وشرفها الضائع ….. اجابت وأرادت بقوة أن تصرخ ولكنها كأنها تعافر لتحيا وتنطق!
قال والدها بنبرة متفائلة ويبدو أنه بالقطار :
_ وجيه معايا يا ليلى ……هو اللي صمم يجي معايا من غير ما أقوله حتى ….. هيطلبك من جدك وهنتفق النهاردة بأذن الله …..ماتخافيش يابنتي ….
نطقت ليلى بالكاد :
_ مش….. موافقة
صدم والدها من قولها بصدمة لم يتوقعها منها أبدًا ….. نظر وجيه لوجه الرجل المأخوذ بصدمة …..هتف عبد العزيز بالهاتف :
_ يعني إيه مش موافقة ؟! أنت جرالك ايه ؟!
صرخات قلبها تنتحب بينما قالت ببطء وكأنها تودع الحياة:
_ مش …موافقة …عليه….. يبعد عني ….قوله ينساني ….
اغلقت الخط …..ودقائق وصرخت بأعلى صوتها :
_ هو ذنبه ايه ؟! ذنبه إيـــــه ؟!
لطمت على وجهها بقهر بينما دلف الجد لغرفة صالح فور انتباهه لخروجه من غرفة الصغار الذي تقيم بها ليلى …..وقف أمامه وهو يجره من ياقته بغضب ويهتف :
_ ليلى بتصرخ ليه ؟! أنت عملت ايه ؟!
نفض صالح يدا جده من ملابسه وقال وهو يجلس واضعا قدما على قدم :
_ معملتش حاجة…..تمثيلية صغيرة ويوم الفرح هتعرف أنها صاغ سليم ….ما هو أنا برضو مش عايزها تكرهني للدرجادي…..ولو نطقت هثبت انها كدابة وتتبلى عليا وهجننها ومش هخليها تتجوزه برضو…. المهم أنها ماتخرجش من هنا نهائي لحد ما اتجوزها ……
مش لازم تكتشف الحقيقة قبل ما اكتب كتابي عليها …..
نظر له الجد بأحتقار :
_ ولو كنت بتكدب عليا ؟
أشار صالح للباب وقال :
_ روح اعرضها على دكتورة وانت تتأكد….. أنا مش مضطر أكدب لأني ما بخافش من حد …..
ذهب الجد لغرفتها وارتمت ليلى على صدره باكية واخبرته بما حدث بعدما خرج الجميع ….قال الجد دون أن يظهر عليه أي ثورة ملثما المفترض :
_ من غير كلام …كتب كتابك على صالح الأسبوع الجاي ….لو ابوكي عرف هيكون فيها دم ….وصالح مش بيكبر لحد ….وافقي

 

وامرك لله ….
صدمت ليلى صدمة أخرى من موقف جدها وقالت بقهر :
_ هو ده اللي قدرت عليه ؟! أنا كنت فكراك هتموته بإيدك ؟! ده سرق شرفك !!
ضرب الجد بعصاه بغضب مكبوت :
_ واللي المفروض يحصل عشان ما نتفضحش أنه يصلح غلطه ….وبعد كده اللي هتطلبيه هعمله ….
سقطت ليلى على قدميها ببكاء مقهور …..وأمر أخبارها لوالدها سيكون مخيف لرد الفعل المتوقع منه …
أتى والدها وصدم الجد أن وجيه أتى معه ….يبدو عليه الشرود والفضب والحزن ولكنه لم يعود أدراجه دون أن يفهم ما حدث فجأة !!
تسللت الخادمة الى غرفة ليلى الذي سكنت كالجثة الهامدة بعد صرخات لم يفهم منها أحدًا أي شيء ….. واعلنت الخبر…..انتفضت ليلى من فراشها وهي ترتجف بشدة والذعر الذي استوطن قلبها من معرفة أحدًا بالأمر…..
هرعت خارج الغرفة واستندت بيدها على السلم وهي تنظر لوجيه الذي يقف بثقة عالية جانب والدها رغم نظرة الحزن بعينيه …..قال الجد وهو يجلس وينظر للواقفين أمامه :
_ الرأي رأيك يا عبد العزيز…طالما موافق وبنتك موافقة…أنا كمان هوافق …..
ابتلعت ليلى مرارة كادت تقتلها ….ومسحت عينيها من الدموع وتظاهرت بقوة كانت آخر بقايا القوة بها ….وهبطت الدرجات بساقيها الواهنتان …… حتى شعر وجيه بخطوات تأتي من خلفه ……استدار وعينيه وقفت على عينيها الثابته أمامه كأنها تتحرك بزر كهربائي !! أو كأنها انسان آلي أمامه !!
وقفت ليلى ونظرت لهم جميعا ببطء ثم قالت :
_ أنا موافقة على صالح يا جدي….مش هتجوز غيره
اشتد الحزن بعين وجيه وهو يتطلع بها في خذلان …..اقترب والدها لها بنظرات غاضبة وهتف بها :
_ يعني كنتِ بتكدبي عليا أنا كمان ؟! أنا مش مصدق اللي بسمعه منك ؟!
قال وجيه بحزن يطوف بمقلتيه طوف النظر وكأنه لا يصدق قولها أو يريد التأكد منه:
_ أنا جيت أطلبك من جدك ….جيت لحد هنا …..!!
صرخت ليلى وكأنها وجدت شيء تتظاهر به لتصرخ وتخرج ما بداخلها :
_ وأنا مش عايزاك….أبعد عني…وانساني !!
التمعت عينيه وجيه وكأنه يبكي سرًا ….أو يكتم الدموع من خداعه والغدر به ….ومن لعبة وقع بها بمنتهى السذاجة والغباء من فتاة استهترت بمشاعره !!
خطواته كانت سريعة للخارج حتى أختفى عن ناظريها …..اجهشت ليلى بالبكاء واقترب منها والدها معنفا حتى قالت بقهر :
_ هو ذنبه في اللي حصل ….يتحمل غلط غيره ليه ؟! مش هقدر أشوف نظرته ليا بعد ما يعرف …حتى لو كنت مظلومة….. هو مالوش ذنب أني ضيعت…
ضيق ابيها عينيه في رعدة …ونظر لها بشك وهو يقترب منها ويقول :
_ تقصدي ايه ؟! أنطقـــــي …….
وقعت ليلى بإغماء ….ظلت فيه لدقائق كثيرة ….وعندما استيقظت كان والدها بجانبها يبك بصمت ……نظر لها وهو يمرر يده على رأسها بنظرة منكسرة وأسفة :
_ أنا اللي سيبتك للمجرم ده …..سامحيني يابنتي …..أنا روحتله وكنت هقتله بس فلت مني ومكتوبله يعيش… بس مش هسيبه أبن ال……
قالت ليلى بقهر :
_ هتجوزه…. أن كان نصيبي كده هحاول أعيش….ومحدش يعايرك ولا يذلك …..
هز عبد العزيز رأسه بموافقة وقال بنظرة بها شيء آخر :
_ اتجوزيه ….بس مش هتفضلي على ذمته كتير…. وأنا مش هسيب طاري مهما حصل ……
بكت ليلى بألم…… ومرت الأيام ثقيلة ..بطيئة …تنزف الألم بكل لحظة….حتى أتى يوم الزفاف وصدمت أنها لا زالت عذراء !!
نهض صالح من فراشه بنفس الطريقة وهو يضحك عاليًا ويقول :
_ مفاجأة مش كده ؟! كدبة صغيرة …بس أنت كنتِ في السليم …..عرفتي يعني ايه أني لما بعوز حاجة باخدها ؟!
تداركت ليلى الصدمة ولم تشعر الا وهي تنهض وترتدي ملابس أكثر حشمة وتركض لغرفة والدها وتخبره …..
وقف عبد العزيز أمامها بصدمة ولكن صدمة جعلت من احساسه بالعار يشفى ويندمل …وبترت الكسره فيه …قال بعدم

 

 

تصديق :
_ يعني مقربش منك ولا أذاكي ؟! اومال ايه اللي قولتيهولي ؟!
دخلت ليلى بنوبة بكاء شديدة :
_ هو فاكر أني كده ممكن اسامحه أو اعتبره جوزي بس مستحيل ….أنا من النهاردة لو حاول يقربلي هموت نفسي …..
قال لها أبيها بتحذير :
_ طالما مافيش حاجة تكسرك قدام أي حد أنا معاكِ….وبرضو هاخد طاري منه …كشف الحقيقة مش معناها أني نسيت أنه خدعنا ….ومش هقدر أغفرله خططته عشان يقنعك وانه……
لم يستطع الاب قول المزيد ولكن الأهم أن شرفه لم يدنس واقتلع رقبته من تحت أقدام العار ……
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
عادت ليلة بالذاكرة مرة أخرى وهي تضم صغيرتها بغرفة المشفى….
عشرة سنوات كانت تحارب حتى تتخلص من ذاك المجرم….ولم يستطع الاقتراب منها الا مرات قليلة وذلك رغما عنها وبعدما استخدم المواد المخدرة كي تغيب عن الوعي …..
وصدمت بأحد الأيام أنها تحمل جنين بداخلها ….في ظل مرات كثيرة للطلاق وكان يلجأ لسجنها بداخل المنزل …..
كرهت حتى جنينها منه ….وعندما ولدت الطفلة كأنها تعاقب مرة أخرى بمرور الطفلة في خضم الأهمال الطبي بالمشفى رغم أنها خاصة !
وتم وضع الطفلة التي ولدت وزن ناقص عن الطبيعي تحت نسبة أكسجين عالية…..فأصابها تتسم أكسجيني لا رجاء للشفاء منه وادى إلى فقدانها البصر…..
وفي خلال تلك السنوات عشر…اكتشفت ما هو أبشع وكان يخص شقيقتها …….
دق باب غرفة المشفى ودلفت بثينة قائلة بهمس ونظرة تحذيرية:
_ يلا يا ليلى …البريك خلص ….قومي عشان عنايات لو جاتلك هتسمعك كلام زفت ….
تركت ليلى صغيرتها ومسحت عينيها من الدموع ……
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
مر ثلاثة أيام بعد تلك الليلة الحافلة بالأحزان ……
وبأمسية اليوم الثالث …….في منزل عائلة الزيان …..
وبعدما تم عقد القران احتفل الشباب بالحفلة العائلية الصغيرة ….وانتشروا بين الجمع …..
بينما تعلقت جيهان بيد وجيه برداء سهرتها المطرز بأناقة وفخامة….وعيني وجيه تنظر بثبات كانه يحاول يصدق حقا ما يحدث !!
وبدلًا أن يسكن الفرح نظراته سكن الألم والحزن الصامت….قالت جيهان له بسعادة ظاهرة جليًا بابتسامتها الواسعة :
_ ولاد أخواتك دمهم خفيف بشكل مش طبيعي !
لم يرد وجيه بأي لمحة فتمسكت جيهان أكثر بذراعيه قائلة بمحبة :
_ أنا مش مصدقة أننا رجعنا لبعض !! حلم جميل واتحقق …
لو كانت بهذه السعادة لمجرد تحقيق حلم جميل على حد تعبيرها …فما كانت نسبة سعادته لو كانت ليلى هي من عقد عليها هذه الليلة ؟!
انتبهت جيهان لنظراته الشاردة الحزينة …وصمته الذي لاحظه الجميه فقالت بضيق :
_ وجيه لو سمحت….الناس بدأت تاخد بالها ….كأنك في عزا مش في فرحك ؟!
لو كانت تشك فإذن هي غبية لا ترى…..هو حقا في عزاء هذه الليلة….في رثاء لشيء دفنه بداخله رغما عنه …. قال برنة تتألم بصوته :
_ جيهان ….أنا أعترفتلك أني بحاول انساها …وخيرتك …وانتِ أخترتي تبقي ….يبقى مالوش لازمة كتر الاسئلة !!
أخذت جيهان تنهيدة عميقة وقالت بموافقة :
_ مش هسألك …وهصبر عليك….هقف جانبك لحد ما تنساها…..
ارفقت جملتها بصوت أكثر نغومة وكأنها تعطي له لافته أنها ستستخدم أنوثتها في ذلك ….وان قررت ذلك دون أن تستخدم ذكائها أيضا ستكن حقا غبية ….
مجرد أنثى جميلة فقط ….تظن بغباء أن الجمال وحده كافِ لنسيان رجل امرأة يعشقها حتى الجنون ……
لكان فتيات الليل أوفر حظا لو كان هذا المبدأ ينطبق على كافة الرجال ……
ضحك جاسر ضحكة عالية وهو يتحدث مع بوسي التي أتت بدعوة خاصة منه :
_ نتقابل تاني لما ارجع من مهمة القافلة دي …..بس أنت عملتي مع الأطفال ايه ؟!
اجابت بوسي بابتسامة راضية :
تعرف يا جاسر …كتير نصحوني أغير أسلوب حياتي …..كنت بتعامل بتريقة…..لما شوفت اللي عمله يوسف حسيت اد ايه أنا تافهة …..من حاجة بسيطة زي التورته كان ممكن أفرح أطفال صغيرين !!
لما بتحس أنك فرحت حد بجد بتفرح أكتر منه لفرحته !

 

 

قال جاسر بغيظ :
_ آه…عقلنا يعني وهنبطل خروجات…ده ناقص تقوليلي دي آخر مقابلة ما بينا !!
ضحكت بوسي بقوة…فكان ذلك قرارها بالفعل وقالت مؤكدة:
_ ده فعلًا اللي هيحصل ….جيت بس عشان أطمنكم أن الولاد خدتهم معايا الفيلا وهيقعدوا معايا على طول….ههتم بيهم أوي….أنا لقيت سعادة حقيقية معاهم ….والغريبة أن من يومين بس اتغيرت نظرتي لحاجات كتير في حياتي ….من غير اي قصد !!
استئذنت بوسي وباركت العروس مرة أخرى ثم غادرت ….اقترب جاسر من يوسف الذي يضم طبق كبير لصدره ويأكل منه بشهية عالية وقال بغيظ :
_ اعمل فيك ؟! أخنقك ؟! أعضك طيب ؟! أفش غلي فيك أزاي ياللي هتبلعنا في مرة وأنت جعان !
قال يوسف بعبوس وهو يبتلع ما في فمه :
_ أنا عملتلك ايه ؟! أنا باكل وفي حالي مجتش جانبك ؟!
تعالى تعالى أنا حجزتلك طبق كله تورته بالفانيليا …وكلت الشيكولاته كلها …..
أتى رعد ضاحكا وهو يضم كتف يوسف :
_ بقولكم ايه مش طالبة خناق….عايزين نفرفش قبل ما نسافر بكرة للقرية الريفية…..
قال يوسف وهو يضع قطعة كبيرة من الحلوى بفمه :
_حاسس أني متفائل …
اغتاظ جاسر منه أكتر وقال في حيرة :
_ طب والمكان اللي احنا فيه هعرف اسمع منه الماتشات وفيه نت وكده ولا هتنيل اسمع الماتش فين ؟!
اقترح يوسف ببساطة :
_ اسمعه في الراديو …..تخيل أن الزمالك جاب جون …..ده العادي يعني أنك تتخيل !!
فهم جاسر قصده فضم شفتيه بغيظ، وخطف منه طبق الحلوى بنظرة انتقامية ….أشار يوسف له بتوجس وقال :
_ بهزر معاك …..بهزر معاك …. يابني ده قلبي أبيض مش أحمر من وأنا صغنن !!
هم جاسر بالأنقضاض عليه حتى ركض يوسف مبتعدًا عنه ……حتى اصطدم وهو يركض بمن يجلس على مقعد بالحديقة ويدون بعض الكلمات في مدونته الورقية ……
هتف آسر وهو ينهض بعصبية ويهتف:
_ بتجري كده ليه يا بني ؟!
قال يوسف بخوف :
_ جاسر بيجري ورايا ….هيضربنا كلنا صدقني …..هيحبسنا في الچيم تاني ….
تحدث آسر بعصبية وقال باعتراض :
_ هو كل ما يزهق يجي يلطش فينا ؟! أجري أنت أما أشوف أخرتها ايه معاه ….
انتبها لجاسر وهو يأتي من بعيد فقال آسر بتراجع :
_ شكله هيفرمنا للأسف….. أجري يا يوسف ….
ركض يوسف ومعه آسر حتى ركض خلفهما جاسر ….وبعد لحظات كان القاهم الثلاث بحمام السباحة وهو يضحك بشدة :
_ شكلكم أهبل أوي ……قولت مليون مرة محدش يستفزني !
أشار رعد له بتحذير وهو بعمق المياه ببدلته السوداء الأنيقة التي أصبحت جزء لا يتجزأ من عمق المياه :
_ ما تفتكرش أننا خايفين منك !! أنت بس عشان الكبير فينا مش بنرضى نكلمك …..ماتخلنيش استخدم الغباوة ….
قال جاسر وهو يتحسس أذنه قائلا :
_ تستخدم إيه ؟ قول وسمعني تاني ….
أشار له يوسف ليقترب وقال :
_ هقولك أنا ….تعالى كده….
اقترب جاسر من المسبح فتمسك الثلاث شباب بقدمه وأوقعوه بالمياه ضاحكين بأصوات عالية ….القى جاسر بغيظ المياه عليهم وقال :
_ الماية ساقعة يا أغبية !!
سبح يوسف بظهره على المياه وهو يجدف بقدميه في ابتسامة:
_ السباحة في الساقعة خير….زي الحلم كده يا جسورتي ….
ضحك جاسر رغما عنه وبدأ الرباعي يقذفون المياه على بعضهم البعض في مرح ……
نظر الجد رشدي من غرفته لهم في ابتسامة محبة ….. فقد أكتفى بحضور عقد القران والمباركة ثم صعد لغرفته سريعا….طالما أن يشعر بعد سعادة ابنه ….لم يستطع المكوث طويلًا ويشاهده بهذا الحزن الذي يخفيه …….
ذهب المدعوون وأنتهى الحفل ……

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
انهمر المطر قبيل الساعة الأخيرة من ثلث الليل الأخير…..ورغم ذلك خرج وجيه لشرفته وهو يرتدي روب نومه الثقيل …..انقضت الساعات الأخيرة الماضية رغما عن ارادته بالرفض لكل شيء….ولكن كان قد تعهد بأن يقيم حياته من جديد …مع امرأة على الأقل يعرف أنها تحبه ….
وأرضى رغباته كرجل مع رفض قلبه لما يحدث كليًا……
نظر أمامه بشرود….وبثبات …للاشيء…ويفكر للبعيد….للمشفى وما يسكنها …..تفاجئ بيد ناعمة تحاوط كتفيه وطل وجه جيهان بابتسامة رقيقة بها بعض المكر وبرداء الثقيل ورغم ذلك فاتن ومثير…همست برقة له:
_ خارج الڤراندا في البرد ده ليه ؟!
أخذ نظرة سريعة لها ثم نظر أمامه مرةً أخرى وقال :
_ متعود أصحى في الوقت ده ….ارجعي نامي تاني يا چيهان …
هزت چيهان رأسها بأعتراض ونظرة رافقها ابتسامة مرحة :
_ لأ….. هقعد معاك …في أي زقت …وفي أي مكان…معنديش أعتراض خالص على أي شيء متعود عليه ….
ابتسم بشيء من السخرية وقال :
_ مكنتيش كده زمان !!
اجابت بنظرة قوية وكأنها تؤكد ما ستقوله :
_ وتفتكر عشر سنين مش كفاية أني اعقل وأفكر بشكل أنضج ؟!
وكأنها تعاتبه بهذا الأجابة أو توجه اجابتها بسؤال له …فقال شاردًا بلمحة مؤلمة بعينيه :
_ أحياناً مش بيكونوا كفاية….. بس الذكي اللي يقدر يلحق نفسه قبل ما يضيع السنين دي كلها من عمره ….
لم تفهم ما يقصده فتساءلت بقلق :
_ تقصد إيه ؟!
نظر لها بمكر يعرف أنه سيرضيها فقابلت نظرته بابتسامة خجولة …

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أنتشر الخبر بالمشفى بهذا المساء ….. كان الجميع يتهامسون ومن ضمن الهمسات علمت بأمر الزواج …..ومن بعض الهمسات كان البعض يؤكد أن هذا أمر متوقع منذ سنوات …..بل تم تأليف مواقف غرامية كاذبة للثنائي وجيه وجيهان حتى يستعرضوا فقط حصرية الأخبار لديهم ويتميزون عن غيرهم ….
وكل هذا ولا أحد يعلم …أو يدري …بالذي ينشق قلبها كل لحظة ….
والذي ظرفت المدوع حتى ما باتت عينيها تحمل المزيد…..أتت ساعة راحتها من العمل ….وذهبت للغرفة التي ترقد فيها صغيرتها ….
وجدت الصغيرة جالسة على الفراش وتبدو سعيدة لشيء….اقتربت ليلى منها وقالت وهي تجاهد ليبدو صوتها طبيعي وتنقيه من الدموع:
_ بحب أشوفك بتضحكي …
اتسعت ابتسامة الصغيرة ووضعت رأسها على صدر أمها وهي تقول بفرحة :
_ حلمت بالشاطر وجيه ….بيحضنا احنا الاتنين كده ….
لفت ريميه ذراعيه الصغيرة حول كتف امها فلم تستطع ان تحتويها ….ولكنها استطاعت أن تعبر عما رأته بحلمها ……أغمضت ليلى عينيها في دمعة سقطت رغما وقالت لتثنيها عن الحديث والمتابعة بهذا الأمر :
_ هروح اجيبلك أكل …تاكلي قبل ما تنامي ….
ابتعدت خطوتين فقالت الصغيرة وهي تنظر أمامها في مشهد وحيد لا ترى غيره…وهو لوحة مظلمة تلونها بأحساسها ومشاعرها …بالأفراح والأحزان….مشهد حسب الشعور !
قالت برقة وببراءة :
_ ماما….أنتِ قولتيلي لما نحلم بحاجة وعايزينها تتحقق …نسجد ونقول يارب …….
قالت ليلى وهي تمسح عينيها :
_ آه …
سجدت الصغيرة على الفراش وقالت ببراءة :
_ يارب …يارب ….الشاطر وجيه يفضل معانا على طول يارب ……يارب
ارتعشت ليلى من دعوة ابنتها …واقتربت لها حتى اعتدلت الصغيرة من جديد …ضمتها ليلى وهي تبك بقوة ولم تستطع تفسير بكائها بأي كلمة ! ……سوى أنها تردد على دعوة صغيرتها التي لم تجرأ على التفوه بها ….ولكن الله استمع لأنين قلبها ….ودموعها …..وما كانت تخشى قوله والقلب صرخ به …..
وفي الصباح …..ودع وجيه وزوجته جيهان والجد رشدي الشباب الأربعة وهم يحملون حقائبهم للسيارة التابعة للقافلة ……
قالت جيهان وهى ترى الشباب يبتعدون أمامها :
_ أظن أنت النهاردة عندك أجازة لحد العشا ؟!
قال وجيه ووجهه لا يعبر عن أي شيء :
_ لأ ….في شغل كتير مستنيني مش هقدر أأجله …..دلوقتي من بليل مش هتفرق كتير….
قالت دون أعتراض :
_ خلاص هاجي معاك …..باي يا بابا
أشارت لوالد وجيه الذي هز رأسه بابتسامة بسيطة …… ثم اختفت ابتسامته وهو يراقب ابنه وجيهالذي يبتعد الى سيارته وكأنه يريد الهرب من الجميع …!
وبالمشفى ……
كان استقبال الجميع لوجيه بعد معرفتهم بالزفاف حافلًا….فقرروا أن يحتفلوا بالفعل وااوا بحلوى كبيرة وارغموا وجيه أن يقطعها لقطع ويده بيد زوجته چيهان ……
تم ذلك بالفعل حتى أتت منى قائلة له بمباركة ونظرة عميقة :
_ الف مبروك يا دكتور ….على فكرة رميه سألت عنك كتير أوي …صعبت عليا من كتر سؤالها عنك ….. ومن وقت ما أكلتها آخر مرة وهي مش عايزة تاكل غير من ايدك ….!
شعر وجيه بغصة في قلبه ….يقسم أن هذا الصغيرة أخذت حيز في قلبه ولم يشعر كيف حدث ذلك !
أخذ طبق فارغ ونظم فيه عدة قطع من الحلوى وهو يسأل الممرضة منى :
_ هي فين ؟! في أوضتها ؟!
نفت منى الأمر وقالت :
_ لأ ….. من كتر عياطها امها خدتها للجنينة عشان تسكت …..
هز وجيه رأسه بتفهم وتحرك مبتعدًا عن جيهان التي انشغلت بالمباركات والتهنئة …..أو يظنها انشغلت !

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
تنهدت ليلى بضيق وهي ترى ابنتها ترفض الطعام وقالت :
_ يا حبيبتي ….تعالي بقى عشان ااكلك أنتِ مكلتيش من امبارح غير مرة واحدة بس !
هزت الطفلة رأسها وقالت بتصميم :
_ لأ ….لما يجي الشاطر وجيه هيأكلني …..
صاحت فيها ليلى بعصبية :
_ ما تتكلميش كده تاني ومالكيش دعوة بيه وما تسأليش عليه تاني !
امتلأت عين الطفلة بالدموع وقالت وهي على شفير البكاء :
_ حلمت بيه تاني وكنت بقوله يابابا …..يارب يارب يبقى بابا عشان ما يسبنيش تاني وأنتِ تزعقيلي كده ……
تأسفت ليلى وهي تضم أبنتها وبكت رغما عنها وهي تعتذر وتقبل رأسها ……حتى انتبهت لصوته ولم تشعر بخطواته وهو يقترب لها مع عصبيتها بالدقائق الماضية ….قال وجيه بنظرة بها دفء غريب :
_ وحشتيني أوي …..
رفعت ليلى رأسها له بدهشة ….كانت سمعت أنه سيأتي ليلًا وليس الآن !
ابعدت عينيها عن نظرته الثابته عليها ولم تستطع وقف دموعها ……ابتسمت ريميه وكأنها نالت دمى كبيرة ورددت بهمس :
_ بابا وجيه
اعتقدت ليلى أنه سيغضب أو على الأقل لم يرحب بالأمر ولكنها رأت نظرته الحنونة على صغيرتها وقال :
_ أحلى من الشاطر وجيه ….. قوليها دايمًا ……
تنهد بعمق وقال :
_ قالولي أنك مش عايزة تاكلي …. هتاكلي من ايدي ولا أمشي ؟
هزت الصغيرة رأسها بابتسامة واسعة فقطع وجيه قطعة صغيرة من الحلوى بمعلقة صغيرة وقربها لفمها الطفلة فأبتلعتها في شهية….وتلاها قطعة أخرى …..
والقطعة الثالثة لم يوجهها لفم الصغيرة …بل وجهها الى ليلى….وتجمدت من لافتته مع نظرته الغامضة….هز رأسه كي تبتلعها فنظرت له في تعجب وحيرة …….

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *