رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الرابع و الأربعون 44 بقلم رحاب إبراهيم حسن
رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الرابع و الأربعون 44 بقلم رحاب إبراهيم حسن
رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الرابع و الأربعون
رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الرابع و الأربعون
قلبي و عيناك و الأيام
رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الرابعة و الأربعون
~… خاتم انتظر عشر سنوات…~
نقف عاجزين أمام شعور قوي يخبرنا أنهم صادقين .. وعلى الجانب الآخر أفعال تثبت العكس تمامًا!، مشتتين بكلا الاتجاهين .. والغريب أن كل اتجاه فيهما فيه كل الصواب وكل الخطأ…!
وكلمة واحدة وقعها على أنفسنا كرشفة ماء أتت فجأة بعد أيام من العطش.
كرر رعد بنظرة تؤكد أكثر من نبرة صوته:
_ تتجوزيني يا رضوى ؟
وقفت الكلمات بحلقها، وتجمد جسدها كأنها سقطت على تلال من الثلج ! … بينما قلبها على النقيض !
جرت به الدماء الساخنة لتحييء نبضاته المتألمة ! …. ونظرتها له كانت كسجل من الاسئلة التي تريد الإجابة عليها بنفس اللحظة ! ….. وركض أمام عينيها نبذه ورحيله من قريتها الريفية بقصد الفراق والهجر ! والحط من شأنها أمام الجميع.
كلما مدت يد القسوة لترد عليه بالرفض وتجعله يتجرع بعض رشفات مما أذاقها منه … يركض نبضها ليسد الطريق ويوخزها بعتاب كأنه لم يتألم قط !
أوقعها الحب بين براثن عذابه ومشقة اختيار الطريق الصواب وأن كان مؤلم وشائك … وكيف تجد الإجابة التي مفادها الجمع بين الهجر والبقاء … بين الحفاظ على كرامتها .. والحفاظ على قلبها وسعادتها ؟!
شعورها يشبه كأنها تريد الحياة والموت بنفس اللحظة !
لم يظهر على وجهها سوى الألم .. ودقات الحيرة والتشتت والشرود … بينما لم تظهر أي سعادة بعرضه هذا ! …. فقال برنة عتاب تناغمت مع صوته:
_ للدرجادي زعلانة مني ؟! …. كنت فاكرك هتفرحي !
أو على الاقل تفتحيلي الباب ونتعاتب ونتصافى !
يتحدث كأنه لم يفعل شيء ! … وأكثر ما أغضبها هي تلك الثقة التي تطوف بعينيه وكأنها ستفتح ذراعيها لعودته !
طفرت دموع من عينيها بتصاعد عصبية تتصاعد بصوتها … وقالت بألم :
_ نتعاتب ! .. هو أنت دوست على رجلي وجاي تعتذر ! .. ده أنت دوست على كرامتي قدام الكل ! … وأنا مفروض كمان أني بنت عمك ومن دمك .. هونت عليك تحطني في الموقف ده وتخليني أحس أني قليلة ومش قادرة أبص لحد حتى لحد دلوقتي !
اومأ رأسه بالرفض القاطع لما تظنه به وقال بصدق:
_ أنتي ما تعرفيش عني حاجة يا رضوى .. ما تعرفيش إيه اللي وصلني اعمل كده … تصرفي وأن كان متسرع وغبي بس كان ليه أسباب … وأسباب قوية كمان.
ابتسمت رضوى بمرارة وعينيها يلتمع فيها البكاء … وقالت بشيء من السخرية:
_ كلمة أسف اللي هتقولها وهترددها دلوقتي … كل مبرر وعذر ممكن تقوله .. مش كفاية عشان اسامحك…. أنت اللي غلطت … وأنت اللي تتحمل نتيجة غلطك.
وتشابكت عينيها الدامعة مع نظراته المعذبة الآسفة …و استطاعت الحركة والابتعاد عدة خطوات عنه بالكاد حتى أوقفها قائلًا :
_ أستني يا رضوى.
وقفت رغما عنها … وللحقيقة كانت ترغب بشدة في الاستماع له ..حتى وأن كانت ستظل على قرارها بالبُعد !
فأقترب منها وقال بنبرة بها رجاء واضح:
_ هفضل اعتذرلك لحد ما ترضي … لحد ما ترجعي رضوى اللي خطفت عيني من أول مرة شوفتها فيها … ممكن استحمل أي شيء … واسمحلك تتعصبي وتغضبي عليا وهكون راضي وهتلاقيني صابر ….. بس اللي مش هسمحلك بيه أنك تكوني لغيري…. ماتدخليش طرف تالت ما بينا يا رضوى.
التفتت له ببطء ونظرت له وهي تحاول فهم سبب قوله هذا وبهذا الوقت تحديدًا … ريثما أنها لم تشير للأمر حتى! …. فقال لها بنظرة قوية مؤكدة:
_ في كل الاحتمالات هتكوني ليا …. بس لو قبلتي أنك تبقي مع حد تاني ولو مؤقتا مش هنسهالك… وبرضو هتكوني ليا.
كانت بنظرة بريق تهديد أخافها .. بعدما تأرجحت على وتر كلماته التي اعادت القليل من ثقتها بنفسها … واعادت إليها الحنين
ودقات القلب العنيفة …
فقالت بتيهة وحيرة وتساؤل حقيقي لمعرفة أسبابه هذه المرة :
_ أنت عايز توصل لإيه من كلامك ده ؟!
اطلق تنهيدة من رئتيه ثم قال وقد قلت عصبيته قليلا:
_ عايز أوصل لشيء نفسي يكون بينا … مهما اختلفنا وزعلنا مع بعض فكرة أننا نبعد تكون مستحيلة … نحترم بعض ومانسمحش لحد أو لحاجة تبعدنا …
أنا لما مشيت من البلد كنت مش حاسب أي شيء … اتصرفت بعصبية وبدون تفكير وده شيء مش من طبعي اصلًا …. بس كان جوايا ثقة أني هرجع … هرجع بعد ما أهدا وأفهمك كل شيء.
كان بعينيها شيء ظاهر فضح شعور بداخلها قد صدق حديثه … فتهربت بعينيها منه سريعا … وقالت وكأن حديثه بأكمله لم يؤثر فيها :
_ احنا مش بينا كلام ولا عشم عشان تقولي وأقولك .. ولا حكاية ولا صلة تسمحلك تاخد راحتك وتفهمني … !
يمكن لولا أننا طلعنا من عيلة واحدة مكنتش تحلم حتى توقف معايا الشوية دول ! …
ونظرت له وقالت وبعينيها مرارة وألم:
_ صلة القرابة مقدرتش تشيل الغربة اللي ما بينا … وهقولهالك تاني … أنت غريب .. وهتفضل بالنسبالي غريب.
رمته بأقسى نظراتها وغادرت من أمامه بخطوات سريعة باتجاه غرفتها ….
نظر رعد لها وهي تبتعد .. ولأول مرة قلبه يدق خوف وترقب من الآت …. رقة عينيها تحولت لكتلة من الجحيم الملتهب بالانتقام …. ورغم كل شيء فأنه يعترف أنه اخطأ وأصاب كرامتها في مقتل.
******
وفي الجناح الخاص بوجيه وليلى …
وقفت أمام المرآة تتأمل انعكاس مظهرها بنظرة رضا …. ولردائها الأزرق المخملي الذي أضفى لمعة رقيقة لبشرتها …
مشطت ليلى شعرها بعناية ثم وضعت قليل من أحمر الشفاه … حتى شعرت بخطوته خلفها فاستدارت مبتسمة … وقالت بدلال وعينيها تلتمع بالسعادة:
_ إيه رأيك بقا في شكلي ؟ ….. الأزرق بيبقى حلو عليا وبيبين لون عنيا أكتر.
اقترب وجيه لها مأخوذا بكل شيء فيها .. وعينيه تطل بالعشق الذي تعتق لسنواتٍ وسنوات …. ثم رفع يده بعلبة قطيفة صغيرة وقال :
_ المفروض كنت اديتلك الهدية دي بعد كتب الكتاب …. بس ماحبتش تبقى كل المفاجآت مع بعضها مرة واحدة …
نظرت ليلى للعلبة بابتسامة ثم قالت له بتعجب :
_ فيها إيه ؟!
ابتسم وهو يجذبها له بيده اليسرى … وباليد اليمنى فتح العلبة ليظهر خاتم والدته ببريق أخاذ لامع ..ويتوسطه ثلاث فصوص بلون الزمرد وظهر وكأنه خاتم يرجع لأحدى العائلات الملكية !
فغرت ليلى فاها بدهشة من سحر هذا الخاتم البديع … وراقب وجيه فرحتها بابتسامة عاشقة … ثم قالت بفرحة طفولية :
_ يجنن … مش طبيعي بجد !
حرر يده من عليها ثم جذب الخاتم من علبته وقال ناظرًا له بمحبة :
_ الخاتم ده كان ملك أمي الله يرحمها … كان أغلى مجاوهراتها … وقبل ما تتوفى اديتهولي هدية ، ولما قابلتك وحبيتك ما اترددتش لحظة اكتب اسمك عليه وأقدمهولك يوم خطوبتنا … اسمك اتكتب على الخاتم ده من ١٠ سنين ! …. والنهاردة هتلبسيه وأنتي مراتي … مش بس حبيبتي.
تفاجأ وجيه أنها شاردة به … وبعينيها نظرة كأنها ترى أغلى أمانيها قد تحققت ! …. فقال لها مبتسما بمرح :
_ هاتي إيدك بقا عشان البسهولك.
وبعد دقيقة كان أصبعها يزينه ذلك الخاتم الجميل ….. فنظرت له بنظرة دافئة وقالت :
_ تعرف يا وجيه … كل ما أفتكر أني حاولت انتحر كذا مرة استغبى نفسي أوي !
في لحظات يأس وحزن الشيطان غلبني وافتكرت أن مالهاش مخرج ! …. وأن كل الابواب اتقفلت في وشي !
ده مرت عليا أوقات حسيت أن ربنا مش بيحبني وغضبان عليا … تخيل !
رفعت يديها ووضعتها على صدره برقة وتابعت بنظرة عاشقة لهذا الرجل :
_ لو كنت أعرف وقتها أن السعادة مستنياني بالشكل ده وهتعوضني كده … يمكن مكنتش بكيت لحظة !
قربها وجيه اليه بعاطفة شديدة بعينيه … فتابعت برقة:
_ العوض نساني أني اتوجعت في يوم ! …. نساني حتى أني مريضة وفي فترة علاج نفسي كبيرة … مسح عشر سنين شوفت فيهم كل الوان العذاب … ورجعني ليلى بتاعت زمان … كأننا افترقنا يومين واتصالحنا ! …. وجتلي لمحل الورد تاخد مني كام وردة …وكتاب عرفت أني بحبه !
همس بأذنها وعلى شفتيه ابتسامة :
_ وأغنية شوفتك من بعيد بترددي كلماتها … حبيتها لما غنتيها … وكرهتها في بعادك ! …. يا مغيرة حالي لمليون حال !
قالت مبتسمة بنظرة يتلاعب بها المكر:
_ فاكرة ديوان لن أبيع العمر ؟ …
أجاب متأملا بعشق لعينيها البندقية :
_ معايا النسخة اللي خدتها منك زمان … أنتي اللي سيبتي النسخة التانية زي ما سيبتيني !
قالت وقد مر بعينيها الألم للحظة :
_ أنا ما سيبتهاش … أنا كنت بسيبها في المحل وأفضل اقرأ كل كلمة … لحد ما سافرت عشان ابن أختي تعب ..و
وضع وجيه أصبعه على شفتيها وقال مقاطعا :
_ مش عايزك تفتكري اللي فات … كله بقى في الماضي … المهم النهاردة وبكرة … وأننا مع بعض أخيرا.
كانت ستصمت من نفسها … ولكنه أنقذ موقف كان من الصعوبة أن لا يشعر بشيء تخفيه بتلعثمها … فغمغمت بابتسامة متناسية كل ما يؤلمها :
_ عايزة اسمع القصيدة اللي مرة قولتها زمان … لسه فاكرها ؟
شاكسها بتمريرة على ذقنها وقال مبتسما :
_ مابنساش حاجة تخصك … بس هقولهالك بطريقتي.
ابتعد عنها خطوات واقترب من الاضاءة حتى بدل النور الساطع لنور قرمزي هادئ …. وأخذ قنديل الشموع وأضاء الثلاث شموع تحت إضاءة ساحرة …. فضحكت ليلى وقالت :
_ كأنك قريت افكاري ! … جو شاعري بحبه أوي…. بس هتقرأ أزاي في الإضاءة دي ؟!
جذب يدها واجلسها قبالته على منضدة صغيرة حولها مقعدين بقرب زجاج الشرفة …. فالتمعت عينيها بحياء وسعادة .. فقال مازحا :
_ أنا حافظ القصيدة دي بالذات مش محتاج أقراها …. وبصراحة أكتر … اللحظة دي كنت مخططلها من زمان أوي أنها تحصل … والحمد لله حصلت.
وتابع بصوتٍ أشبه بالهمس :
_ بتهيألي أن السعادة اللي مكتوبالي بدأت بعد الأربعين ! … احساس مختلف ! … نضوج وجنون بنفس الوقت! … شيء مخليني أحب البداية في الفترة دي بالذات.
ابتسمت بمحبة شديدة وواضحة … وقالت :
_ وأنا حبيتك دلوقتي أكتر بكتير من حبي ليك زمان … زمان كنت شيفاك دنيتي …. دلوقتي شيفاك الدنيا بحالها ! … مش حاسة أن في راجل أجمل منك …. ولا شخصيته احسن منك ! ..
قال مبتسما بتسلية :
_ ده غزل صريح ؟!
اسندت مرفقها على الطاولة وقالت بمكر وتأكيد:
_ آه غزل … هو فيها حاجة لما أتغزل وأحب في جوزي ؟!
نظر صامتا مبتسما وناظرا لها للحظات … ثم قال بنظرة كلها يقين بشعوره نحوها:
_ الكلمة الحلوة منك حاجة تانية يا ليلى ! … بتدخل على قلبي وتستوطن .. !
احمرت خجلا وتصبغ وجهها من الحياء … فقالت بارتباك وابتسامة متأرجحة على شفتيها :
_ قول بقا القصيدة انت نسيت ولا إيه !
ابتسم بمرح ثم أخذ يديها برومانسية بين يديه وبدأ يسمعها كلمات القصيدة التي تحبها …
******
دلف والد زايد لغرفته بالمشفى …
وعلى وجهه أمارات الدهشة والضيق … حتى وجد زايد جالسا على مقعده المتحرك أمام باب الشرف الزجاجي في شرود تام ….
فقال بشيء من العصبية :
_ فجأة الاقيك عايز تفضل والمفروض أنك تطلع من المستشفى وتكمل علاجك في البيت …. ومرة واحدة يتصلوا بيا يقولولي أبنك عايز يمشي وحالته النفسية اتدهورت والدكتور رفض خروجه ! …. مالك يابني فيك إيه صارحني ؟
رد زايد بحزن واضح بصوته :
_ وأنت يهمك أمري من أمتى ؟! …. مش مصدق أنك قلقت عليا !
زفر الرجل بحدة …ثم قال ببعض التحكم بغضبه:
_ أنت اللي مش عايز تصدق يا زايد ! …. وعمومًا مش وقت عتاب ، قولي بقا أنت عايز تخرج ليه طالما الدكتور المسؤول عن حالتك رافض ؟!
اسدل زايد نظرته في أحزن أشد … ولا توجد إجابة بخاطره ليرد بها ….. فقال مختصرا :
_ قرار وجودي هنا يخصني لوحدي ….
اقترب والده منه وقال بتصريح مفاجئ:
_ البنت اللي اسمها فرحة …. أنا حاسس أن …
قاطعه زايد بصوتٍ غاضب :
_ مافيش بينا حاجة …. انا مش عايز اسمع اسمها تاني !
قال الرجل بشك :
_ أنا ما قولتش أن في بينكم حاجة ! …. أنا كنت هسألك لو ضايقتك في شيء ! ….. موقفك من البنت دي غريب ومش قادر أفهمه ! … بس خلاص مش هتكلم عنها تاني ….
وتنهد بضيق ثم أضاف برجاء:
_ بس عشان خاطري اسمع كلام الدكتور …. اسبوع بس كمان حتى تكون تحت الرعاية الطبية وأكون مطمن عليك.
صمت زايد لدقيقة … ثم فاجأ والده بقوله :
_ أنت مسافر أمتى ؟
صدم ممدوح وقال بصدق وتوتر :
_ بعد يومين …. مش هغيب.
ضحك زايد بمرارة وقال :
_ ما أنا حسيت برضو…كالعادة ، حفظت مبرراتك وأعذارك…. ماتقلقش عليا … أنا طول عمري لوحدي…. اتعودت خلاص.
شحب وجه ممدوح من هذا الوضع الحرج … ثم قال وهو يربت على كتف إبنه:
_ كل شغلي وسفرياتي عشانك أنت وأخواتك …. مش بسافر اتفسح !
رد زايد بنبرة ثلجية جامدة :
_ توصل بالسلامة .
وهذه إشارة لانتهاء أي حديث بينهما …. هكذا اعتاد والده منه …. فخرج ممدوح من الغرفة بعد ذلك كأنه يركض !
********
مر أكثر من ساعتين …. وراقب رعد خروج العم عاصم من مكتب وجيه ….. انتظر دقائق قليلة ثم هجم على جده ووقف أمامه بعصبية واضحة وقال :
_ عمي عاصم كان عايز إيه ؟!
كان الجد شاردًا للبعيد بعبوس حتى وجد رعد أمامه فجأة …..فنهض ببطء واتكأ على عصاه وهو يتوجه له بخطوات بطيئة :
_ بتسأل ليه ؟!
قال رعد بغيظ :
_ بتأكد من شيء …
صمت الجد للحظات دارسا الموقف …. ثم قال معترفا :
_ يبقى اتأكد ….
ضيق رعد عينيه التي تأججت نيرانها وقال بعصبية:
_ عايز يخطب رضوى لإبنه وائل مش كده ؟! … ده على جثتي !
قال الجد والضيق ظاهرا بعينيه بالفعل :
_ لا ومش بس كده … ده لمح كمان لولاده التانيين ! ….. أنا مش قدامي شيء غير أني آخد رأيهم .
دهش رعد وهو يصر على أسنانه بغضب عنيف … ثم قال ولم يدرك علو صوته أمام جده :
_ تاخد رأيهم ؟! …. أشمعنى أحنا كنت بتجبرنا ؟! ليه ما كنتش بتاخد رأينا احنا كمان ؟! … يمكن مكنش ده كله حصل !
ابتلع الجد ريقه الجاف بتوتر وحزن …. فهتف رعد بغضب :
_ مستحيل اسمح ان الجوازة دي تتم ! … انا مش هسمحلها تعند معايا وتوافق عشان تنتقم مني !
وهنا هتف من خلفه وجيه بصوت هادر ….:
_ رعــــد !
التفت الجد ورعد معا لوجيه الذي يقف عند باب مكتبه وعينيه لا تنذر بالخير….. تقدم خطوات ووقف للحظة أمام رعد ثم صفعه صفعة مدوية هوت على خده بقوة …. وأشار محذرا بغضب :
_ يوم ما توقف قدام جدك توقف باحترامك وبأدبك ….. محدش اتجرأ ووقف قصاده بالشكل ده غيرك ! …. أن كنت عديتهالك مرة ده مش معناه أني هعديهالك كل مرة !
أبويا هنا كبير العيلة ومن كبيركم لصغيركم لازم يحترمه…. وآخر مرة هسمح لحد يشخط فيه كده !
هوت الصفعة على خد رعد بقوة غاضبة … وعينان وجيه ونظراته لا سبيل فيها لأدنى شعور بالندم !
نظر رعد بصدمة لعمه وجيه ويده على موضع الصفعة في حالة ذهول تامة! … حتى وهو طفل لم يعنفه أحد ولم يصفعه مخلوق!
تابع وجيه بنفس الحدة والغضب :
_ مراعتش أن جدك مريض ووقفت قصاده وبتزعقله وبتعلي صوتك عليه ! … اعتراضك وزعلك من اللي بيحصل شيء … وأنك تقلل أحترامك لجدك شيء تاني مستحيل اقبله!
نطق رعد ولم يصدق أنه تلقى هذه الصفعة من عمه وجيه تحديدا … فقال وكأنه لا يصدق ما حدث:
_ أنت يا عمي اللي تعمل كده ؟! .. أنت اللي ما حبيتش حد في الدنيا ولا احترمت حد في الدنيا أدك ؟!
وظهر في عينيه الم وحزن شديد …. ولكنه لم يقف بل اطلق نظراته الغاصبة بحزن شديد لوجيه ثم انصرف من أمامه متوجها لغرفته بالطابق الثاني في خطوات شبه راكضة !
خرج الجد من صدمته بما فعله وجيه وقال بتوتر والم ظاهر بعينيه:
_ ليه عملت كده يا وجيه ؟! … أنا اللي غلطت في تدخلي في حياتهم … وأنا اللي غلطت للمرة التانية لما فكرت أن وجود البنات هنا هيحل المشكلة ! …. أنا اساس الغلط في كل شيء ! … وأنا اللي المفروض اتعاقب.
نظر وجيه إلى والده المنكسرة عينيه بحزن شديد …. ولأعراض المرض الظاهرة عليه بقوة …. فقال بمحبة وهو يربت على يده :
_ ما تقولش كده يا بابا …. أنت كنت عايز مصلحتهم ، لو في غلط فأكيد مكنتش تقصده …. سيبلي الموضوع وأنا هحله …. أوعدك أني هحله.
التمعت عين الجد بالحزن القوي وقال وهو لخارج المكتب:
_ طب الحقه وصالحه …. ماتسبيهوش زعلان … روحله عشان خاطري .
اومأ وجيه رأسه بموافقة وقال بتأكيد :
_ هروحله واتكلم معاه … اطمن .
بث وجيه بعض الطمأنينة بقلب والده … ريثما أنه لأول مرة يره منهزم وحزين هكذا بعد وفاة أبنائه الثلاث …. ثم خرج من المكتب وارتقى الدرجات برشاقة حيث الطابق الثاني .
*******
كان رعد يلقي ملابسه في حقيبة سفر كبيرة الحجم …. وقد قرر المغادرة من هذا المنزل للأبد ….
كانت بعينيه دمعة لم تسقط وتمرد صبياني ظاهر على أنفعاله وغضبه ….. حتى سمع دقات على باب غرفته فتجاهلها واستمر في جمع ملابسه من الخزانة ودفعها بالحقيبة بأهمال !
فتح وجيه باب الغرفة ووقف بثبات ينظر لرعد وهو يلملم أشيائه استعداد للرحيل !
لم يتعجب ولم يستغرب فكان يتوقع ذلك !
تنهد بعمق قبل أن يدلف للغرفة .. ثم وبخطوات قليلة وهادئة وقف بالقرب ينظر له بتمعن .
لم ينظر له رعد وتجاهل وجوده تمامًا واستمر بما يفعله …. حتى قال وجيه بنظرة تدرس كل تعبير بوجه رعد :
_ وجعك القلم مش كده ؟!
توقف رعد عن ما يفعله وتسارعت أنفاسه بغضب يكظمه …. حتى تابع وجيه بثبات:
_ وجع كرامتك …. ماقدرتش تتحمله صح ؟! بس كنت تستاهله.
وهنا التفت رعد بنظرة غاضبة لعمه كأنه يرفض كل كلمة …. فوقف أمامه وجيه بتحدِ وقال :
_ بخلاف أنك كنت تستاهله عشان ماتوقفش وتزعق لجدك كده تاني وما تكررهاش ….. بس في الاساس مش هو ده
السبب !
ضيق رعد عينيه بغضب أشد … فقال وجيه موضحا :
_ أنت ماقدرتش تتحمل ضربة قلم محدش شافها غيري انا وجدك ! …. بس مش قادر تفهم أن القلم ده كأنك اديت زيه عشر أضعاف لبنات عمك وخصوصا رضوى لما مشيت من البلد ! …. ولما اتريقت على رضوى فيما معناه أنها ما تلقيش بالدكتور رعد !
شردت نظرة رعد رغم انه لا زال محدقا بوجه عمه بدهشة ….. فقال وجيه بضيق :
_ شوف أنت حاسس بإيه دلوقتي … هتعرف أنها عندها حق في أي قرار تاخده ضدك … أنت كنت تستحق القلم ده يا رعد … لأنك ماكنتش هتحس بوجعها غير لما تشوف ولو جزء بسيط منه بنفسك ….
وتابع باستهزاء:
_ ودلوقتي بتكمل الغلط وعايز تمشي وتسيبها ! …. أنا سمعت اللي قولته لجدك وفهمت سبب زيارة عاصم … بس صدقني لو مشيت هتكون أغبى مخلوق ممكن أشوفه في حياتي.
أطرف رعد أهدابه كأنه يفكر ويزن قراره بالرحيل على ميزان صحيح …. فقال وجيه مرة أخرى :
_ لو ما حاربتش دلوقتي عشان تكسبها هتخسرها للأبد … لو مشيت وانسحبت هيكون ده قلم تاني ليها بشكل أبشع لا يمكن تسامحك عليه … وماتفتكرش أننا ضدك ! …
جدك مابيحبش حد اكتر من ولاده وأحفاده ومستحيل يتسبب في أي مشكلة لحد فيهم.
قال رعد بألم وظهر عليه ما يحمله من حزن :
_ جدي كان السبب في اللي عملته ! …. جدي مقدرش يفهم أن لكل انسان طاقة مسيرها تخلص ويمشي عكس الاتجاه … كل حاجة اختارها ليا كنت بعملها عشان مايزعلش … مش عشان أنا عايزها ! …. رغم أني وصلت لحاجات كتير بسبب اختياراته ليا …. بس مافيش أي حاجة في حياتي بحبها … مافيش حاجة من اختياري أنا .. كل شيء اتفرض عليا … عشان كده لما حسيت أنه هيجبرني على الجواز كمان كرهته وبعدت عن الانسانة الوحيدة اللي قلبي اتفتحلها ! …
قال وجيه بتأكيد:
_ ماتفتكرش أني كنت استثناء من قرارات جدك ! …. بس أنا الوحيد تقريبًا اللي قدرت افهمه …. جدك عشان توصل معاه لنقطة اتفاق لازم تكلمه مرة واتنين وعشرة … ما تتعصبش ولا تعند معاه … بالعكس .
بس أنا شايف أن الكلام في اللي فات مش هيجيب غير الهم … المهم اللي جاي.
قال رعد بنظرة تحمل كثير من الرجاء وقال :
_ قولي يا عمي اعمل إيه ؟ …. أنصحني ؟ …. أنا مش عايزها تضيع مني ومش عارف اخليها تسامحني ! … وحاسس أني تايه ومخنوق ومش فاهم أي حاجة !
رقت نظرة وجيه وقال بمحبة :
_ أنت مش محتاج تطلب مني النصيحة … مافيش أب بتطلب منه المحبة يا غبي!
وأهداه ابتسامة بها عاطفة الابوة واضحة … واستقبلها رعد بظمأ من حنينه لوالده الراحل ….. فتابع وجيه بدعم :
_ خليك هنا معانا … دخل هدومك في دولابك تاني وأنسى أنك تمشي من هنا !
تاني حاجة لازم تعرفها …. أن جدك بيحلم باليوم اللي يحضر فيه فرحكم أنت والشباب على بنات عمك مصطفى …. يعني هو من الاساس بيفكر في سعادتكم مش ضدكم أبدًا زي ما أنت فاكر.
اسدل رعد عينيه وكأنه لم يقتنع كثيرا بأمر جده … فقال وجيه بتأكيد وفهم حيرة الشاب :
_ بكرة تتأكد من كلامي … أنا عارف أنك لسه جواك زعل ، بس الأيام الجاية هتثبتلك حاجات كتير ….
هز رعد رأسه موافقا حديث عمه …. ثم ربت وجيه على كتف رعد بابتسامة وقال بنبرة تلمح بالاعتذار:
_ ومش عايزك تزعل مني … أنا مش بعتبر نفسي أبوكم بس … أنتوا صحابي وسندي ، أي تصرف مني هيكون بدافع الخوف والمصلحة… بس اوعدك مش هتحصل تاني ….. زعلان؟
نظر رعد له بطيف ابتسامة فقال وجيه بضحكة :
_ طب اضربك قلم كمان عشان تزعل بجد ولا إيه ؟!
لكمه بخفة ومزاح على كتفه ، فضمه رعد بمحبة وقال بصدق :
_ أنا مابعرفش أزعل منك يا عمي … غلاوتك عندي تغفرلك في لحظة أي شيء ممكن تعمله … ما اتمنيتش أبقى شبه حد غيرك أنت.
ربت وجيه بابتسامة على كتفه ثم ابتعد وقال بثقة :
_ سيبها على الله وهتتحل بأذن الله …
شعر رعد بالثقة والأطمئنان من دعم عمه وجيه ، ريثما أنه كان دائمًا بطل العائلة ومنقذها من جميع العثرات والمشاكل
خرج العم وجيه من غرفة رعد وهبط السلم ليطمئن والده …..
******
كان الجد يسند رأسه على قبضتا يديه المتشابكتان وهو جالس خلف مكتب وجيه …. حتى دخل ابنه مبتسما وقال :
_ صالحته وكله تمام … اطمن وما تزعلش.
رفع الجد رأسه وابتسم ابتسامة خفيفة لم تصل لعينيه …. إذن فأن هذا لم يكن كافيًا ليزيح من على كاهله الهموم والقلق …. فاقترب وجيه إليه وجلس على مقعد أمام المكتب وقال :
_ قولي اللي مضايقك ؟
ابتلع الجد رشدي ريقه بصعوبة … ثم قال :
_ دلوقتي المفروض اكلم رضوى وأخد رأيها … وماينفعش أقنعها بأي شيء … أنا نفسي مابقتش عارف مين الأصلح ؟! …. رعد متربي آه بس عصبي وفي عصبيته ممكن ياخد أي قرار يخسره كتير …. ودي مش حياة ولا ده استقرار ، واللي أعرفه عن وائل ابن عاصم أنه مكار شوية ! … بس ده مايعتبرش عيب في مجال التجارة والبيزنس !
وماسمعتش عنه أي شيء يخليني أرفضه !
تنهد بضيق شديد وحيرة :
_ خايف أجبرها زي ما اتصرفت مع الشباب تتعب معاه ويكون اختياري غلط ! ….. وخايف اسيبلها القرار بالكامل تعند مع رعد !
البنات على اد ما هما طيبين بس كرامتهم فوق راسهم زي أبوهم الله يرحمه ومش ناسيين اللي حصل … دلني يابني اعمل أيه ؟!
صمت وجيه للحظات … ثم قال :
_ لازم ناخد رأيهم من غير أي ضغط … واللي هيختاروه هنفذه … هو عاصم طلب ايد رضوى بس ولا حد تاني من البنات ؟
أجاب الجد بتوضيح :
_ هو اتكلم بخصوص رضوى بشكل مباشر …. وحددنا ميعاد تعارف بعد بكرة …. ولمح من بعيد لولاده الاتنين لاتنين من البنات التلاته الباقيين .
سخر وجيه قائلا :
_ مش بيضيع وقت عاصم ! …. من وقت موضوع سلمى بنته مع رعد وأنا فهمت تفكيره رايح فين … أو بالأصح تفكير مراته رايح فين بما أن الكلمة كلمتها !
قال الجد بصدق :
_ حتى لو اللي بتفكر فيه صح … فهو مش طمع للدرجادي ولكن زي ما تقول اختيار لقطة وبنات حسب ونسب ومتربيين ! …. بس دول مننا واكيد مش هيبهدلوا بناتنا.
رد وجيه موافقا :
_ ممكن فعلا … ناخد رأي رضوى الأول ونشوف الأمور هتوصل لفين …. وأنا هتدخل في الوقت المناسب … عشان محدش وقتها يجيي يقولي انت بتجبرنا ! …. لأ
هسيلهم يختاروا براحتهم … بس مش هسمح بجوازة تتم وأنا شايف أن الاختيار غلط .أو بدافع انتقام..
أطلق الجد تنهيدة وقال بتمني :
_ يمكن اللي مطمني شوية أنك وسطيهم … ربنا يستر.
******
قبل أن يخرج آسر من مكتبه وجد حبيبة تدلف للمكتب بابتسامة متلاعبة على وجنتيها المتوردة … وقالت بتعجب وبصوتٍ
ناعم:
_ إيه ده ؟! … أنت ماشي ولا إيه ؟!
ابعد آسر عينيه عنها واهتم بترتيب بعض الأوراق بحقيبته السوداء الصغيرة …. ولكنه أجاب باختصار:
_ آه ماشي ..
عبست حبيبة للحظة من جفائه … ثم القت مكرها بنبرة أشد نعومة وهي تقول :
_ كنت حابة اتكلم معاك شوية ….صحاب زي زمان!
التفت لها آسر بنظرة استهزاء وقال قاصدا أحراجها :
_ أحنا مكناش بنتكلم زمان يا د.حبيبة ! …. ولا عمرنا كنا صحاب! … غريبة أنك تعتقدي كده !
ونظر لغيظها الواضح منه …. وتعجب أن تلك الفتاة كان بيوم مفتون بها ! …. وتعجب أكثر أن سما ليست بمستوى جمال حبيبة ولكنها أكثر جاذبية منها !
ريثما أنها تمتلك فتنة غامضة … فتنة تلتمع بنظرة عينيها ، وبنبرة صوتها ، حتى أنها عندما تغضب تكن جذابة بطريقة مخيفة !
ونظر بسخرية لمحاولة حبيبة ايقاعه بشباكها بتلك النظرات الناعسة والصوت الناعم المصطنع ! …. وظنت انه شرد ساقطا بإغواء …. فقالت برنة انتصار :
_ حاسة أننا هنرجع صحاب زي زمان وأكتر .
ابتسم آسر ببعض السخرية وقال :
_ هنا مكان شغل .. مش كافيتريا الجامعة يا دكتورة ! …. أظن الوقت اللي هنقضيه في الكلام نستغله في الشغل أفضل !
زمت حبيبة شفتيها بعصبية وقالت بعد برهة :
_ آه عندك حق …. بعد أذنك.
تركها آسر تخرج وابتسم بعدما خرجت بسخرية …. حتى أتى جاسر قائلا بعجالة :
_ يلا نمشي زمان رعد عك وبهدل الدنيا أكتر … تعالى ننقذ ما يمكن انقاذه.
أخذ آسر حقيبته الصغيرة وهاتفه ثم خرج مع جاسر سريعا عائدان للمنزل ..
*******
وبعد مرور ساعة تقريبًا… وبغرفة الجد رشدي …
فتحت رضوى باب الغرفة ببطء والقت نظرة على فراش الجد ووجدته خاليًا !
حتى وقع نظرها عليه وهو جالسا بقرب نافذة زجاجية مغلقة …. فأشار لها مبتسما لتقترب …. فأخذت نفسا عميقا قبل أن تدخل وتغلق الباب … علها تحجب عن ناظريه كآبة عينيها المنتفخة من كثرة البكاء …
جلست بالقرب منه وقالت بمرح مزيف :
_ إيه بقا وحشتك بالسرعة دي ؟!
ابتسم لها الجد بمحبة وقال :
_ اكيد وحشتيني … بس مش ده السبب اللي طلبتك ليه.
تعجبت رضوى وتساءلت بفضول :
_ اومال إيه السبب ؟!
رتب الجد أفكاره قبل البدء … ثم قال صراحةً:
_ في عريس متقدملك.
اقتحمت الكلمات عقلها بصدمة … فهي وأن كانت تهدد رعد بهذه الاشارة من بعيد فلم تكن تظن أن الكذبة ستصبح حقيقة وبهذه السرعة !
فقالت بدهشة :
_ عريس !! …. مين هو ؟!
ظنت للحظة أنه سيقول رعد ! ….ولكن خيب ظنها عندما أجاب باقتضاب :
_ أبن عمك عاصم اللي سلمتي عليه من شوية … هو كان في الحفلة وشافك …. ووالده زارنا النهاردة عشان كده.
انعقدت الكلمات بحلقها ولم تعرف بأي إجابة ستجيب ! … فقال الجد ليزيح عنها الحرج :
_ مش عايز منك إجابة دلوقتي … أنا عزمتهم بعد بكرة … لو وافقتي هخليكي تقعدي معاه وتتعرفي عليه وبعدها هنتظر منك قرار تاني بالموافقة على الخطوبة أو الرفض … لو مش موافقة تقعدي معاه اصلًا هعتبرها زيارة عائلية ليس إلا وهبلغهم بطريقتي … هاخد منك الرد بكرة … تمام ؟
صدمت رضوى من حديث جدها ! … فيبدو أنه بعد فكرة زواجها من رعد بالأساس ! … ربما لأنه يعرف أنه متردد وغير مناسب لها مثلما كان يعتقد ! …. هذا التفسير الوحيد لاستشارتها للزواج !
ابتلعت رضوى غصة مريرة بحلقها … ثم نهضت قائلة باختصار :
_ هرد عليك بكرة بأذن الله … بعد أذنك يا جدي.
خرجت من غرفة الجد وكتمت دموعها بقدر المستطاع …. حتى وجدت رعد أمامها فجأة وبعينيه شدة وغضب … فقال :
_ عنيكي فيها دموع ليه ؟! …. عرفتي ايه زعلك كده ؟!
نظرت رضوى له بمرارة … وتساءلت هل تلك اللهفة بعينيه زائفة كي تجعل الجد يتراجع عن قراره الاساسي!
فهتف رعد بها بعصبية :
_ هو قالك على موضوع عمي عاصم صح ؟!
اتسعت عينين رضوى بصدمة … ثم قالت :
_ أنت عارف ؟!
رد بنفاد صبر وحدة :
_ أنا لما بس شكيت … سيبت شغلي وسيبت كل شيء ورجعت هنا …. لأني مش هسمحلك تكوني لحد غيري.
قالت رضوى بذهول :
_ يعني مافيش شيء رجعك وخلاك تقولي اللي قولته غير لما حسيت أني ممكن أبقى لغيرك ! …. تصدق أنا كنت مستغربة ليه جدي صرف نظر عن رغبته وقراره الاساسي ! …. دلوقتي فهمت !
اجفل رعد من حديثها ولم يفهم حقا ما الذي صدمها لهذه الدرجة … حتى هتفت باكية :
_ لأنك أناني ! … أبقى ليك لأ … بس ما ابقاش لغيرك برضو ! … أنت أزاي دكتور نفسي ؟! … أزاي ممكن تكون بتفكر بالشكل ده ؟! …. احساسك أني هردهالك وهسيبك وأمشي جابك لحد عندي وخلاك تقول شيء مكنش في دماغك اصلا ! … بس عشان فاكر انك ممكن تضحك عليا بكلمتين حلوين وفاكرني هنسى !
وسقطت دموع عينيها وهي تقول بحالة ذهول :
_ انا فاكرة برضو اول يوم جيت فيه هنا ولمحت بأني يوم ما ابقى مع واحد اكيد هيكون مش أنت … فاكرة رد فعلك ! …. أنت بترضي غرورك بيا … بس مش هسمحلك !
برقت عينيه بعلامات الاستفهام وعدم الفهم لما تقوله … فقال بصدمة :
_ أنتي بتقولي إيه ؟! …. أنتي بتتكلمي عني أنا ؟!
شعرت رضوى بأعاصير تركض داحل عقلها … وأصبح كل شيء مشوش وغير واضح … أصبحت الكلمات حتى غير مفهومة … فرمته بنظرة قاسية مليئة بالدموع وركضت من أمامه …. وظل واقفا للحظات محاولا استيعاب قولها !….
حتى تقابل جاسر وآسر برضوى التي تركض وتنزل السلم باكية …. فنظرا جاسر بقلق لآسر وهمس بغيظ :
_ ده اللي كنت عامل حسابه …
وارتقى جاسر الدرجات سريعا للطابق الثاني وخلفه آسر …. وقد أتى يوسف لداخل المنزل سريعا بمجرد أن رأى عودة الشباب من المشفى …..
وقف الرباعي بالممر بالطابق الثاني ينظرون لبعضهم …باستثناء رعد التي ضاعت عينيه بتشتت …. فقال جاسر بعصبية :
_ حصل إيه ؟! ما تنطق يا بني حصل إيه ؟!
زم رعد شفتيه فجأة بعنف وقال :
_ وائل بيردهالي عشان سلمى أخته … بس مش هسمحله يقرب لرضوى ولو خطوة واحدة …. والغبية دي لو وافقت ههد الدنيا على دماغها !
قال يوسف بصدمة :
_ هو اتقدملها امتى ؟!
رد رعد بغضب :
_ بعت أبوه النهاردة ….
ابتسم جاسر بسخرية وقال :
_ مش قولتلك يا حمار ! ….
نظر رعد لجاسر وقال المفاجأة الصادمة للشباب :
_ لا ما انا مش حمار لوحدي ….. لأنه هيجوز ولاده الاتنين غير وائل لاتنين من البنات ولا تزعل ….
ضيق جاسر عينيه بنظرة شرسة وهتف بصوتٍ صارخ سمعه كل من بالمنزل :
_ نعـــــــم …..؟!
يتبع…
- لقراءة الفصل التالي: اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية قلبي و عيناك و الأيام)