رواية يناديها عائش الفصل الخامس عشر 15 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الفصل الخامس عشر 15 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش البارت الخامس عشر
رواية يناديها عائش الجزء الخامس عشر
رواية يناديها عائش الحلقة الخامسة عشر
سأخبرك سراً بعيداً عن كبريائي الطاغي ، أفتقدتك كثيراً .
……….
نامت عائشه على فراشها وحملقت في السقف تفكر في أي شيء تكشف به مشاعر بدر تجاهها؛ دقائق مرّت عليها وهي مازالت على وضعيتها تتقلب على جانبيها بأرق وحيره في أمرها، قالت عائشه في نفسها بلوم..
—
أنا شكلي زودتها مع أهلي، لأ.. أنا فعلاً زودتها، خصوصًا مع أبيه بدر… يووه هو انا مش هبطل كلمة ابيه دي.. أنا كبرت عليه وبعدين هو اه في مقام عمي بس في نفس الوقت حاسه إن معدتش ينفعي اقوله ياأبيه.. أو اشمعنا أنا اللي بقولهاله بس.. اشمعنا هاجر ونورا بينادولو بدر بس لما كبروا واحنا التلاته سننا قريب من بعض.!
صمتت لوهله تفكر ثم أردفت
–اممم… يمكن تكون كلمة ابيه دي مزعلاه مني ومفكراه اني بدلع عليه!
لا لا ياعائشه إيه التفاهه دي.. هو الحاجه الوحيده اللي مزعلاه منك ان لبسك مش طويل وواسع زي نورا وهاجر..
طب أنا ليه البس زيهم! ليه اصلن احرم نفسي من لبس كتير حلو وأنا لسه في عز شبابي.. منا ممكن اتوب لما اكبر شويه.. وبعدين انا بشوف بنات كتير بتلبس بناطيل ضيقه وبتلبس خلخال وبتبين نص شعرها من الطرحه.. كفروا يعني!
عادي شباب وبنعيش سننا.. وبيتحبوا ويتجوزوا عادي.. اشمعنا انا اللي كله بيقطم فيا كده.. بالذات زفت الطين زياد ده!
مهو لو كان عاجبه لبس هاجر مكنش سابها ولايمكن سابها عشان مريضه.. الله اعلم..
بعد لحظات من التفكير والتحدث مع نفسها وهي تبرم لفائف شعرها البني، هبّت واقفه لتقول بصوت جهوري
— يلهووي.. انا ازاي نسيت احجز ميكب الخطوبه وخطوبتي بكره وكمان في فستان عجبني اوي ونسيت احجزه.. اووف بقا دي حاجه تتنسي ياعائشه.. منك لله يابدر الزفت منكد عليا بكلامك دايمًا… اعمل ايييه.. اعمل ايه ياربي… ااه.. مفيش غير الحل ده.. هو إني اكلم امير نأجل قراية الفاتحه ليوم العيد وخلاص اكون زبطت كل حاجه وعشان لما اشغل اغاني بصوت عالي زفت الطين بدر ميقوليش وطي عشان احنا في العشر الاواخر من ذو الحجه ويقعد بقا يعملي فيها من العشره المبشرين بالجنه..
قامت عائشه بمهاتفة أمير وهي تتثائب فيبدو أنها على وشك النوم، أجاب أمير في المره الثانيه ليقول بنُعاس
–الوو… مين؟
عائشه بدهشه
–نعم..!! مين اييه!؟
نظر أمير في الهاتف، ما إن وجد اسمها يضيء على شاشة هاتفه، تحمحم سريعّا ليجيب
–معلش ياحبيبتي.. كنت رايح في سابع نومه والله.. في حاجه ولا إيه!
تنفست عائشه بعمق قبل أن تقول بتوتر
–بصراحه.. أنا عاوزه ءأجل الخطوبه ليوم العيد.. ايه رأيك؟ عشان فيه شوية حاجات عاوزه اظبطها
امتعض وجه أمير ثم قال منزعجًا
— لييه إن شاء الله.. الزفت ابن عمك ده قالك حاجه
تحول وجه عائشه للغضب ما إن سمعته يهين ابن عمها ومُربيها، ولأول مره تدافع عائشه عن بدر، بل إنها اجابت بغضب وبكل تلقائيه تفاجأ لها أمير حتى هي فيما بعد
–احترم نفسك ياأمير.. اياك تغلط في بدر تاني
دُهش أمير لدفاعهها عن من تكرهُ ويمقطها قلبها، وتفاجأت عائشه أيضًا من مهاجمتها وتلقائيتها في الدفاع عن بدر الشباب.. لم تدرك مالذي حدث للتو، ولم يخطر ببالها يومًا أن تدافع عن بدر من أي شخص يتحدث عنه بسؤ، لاتعلم لماذا تحرك لسانها وقلبها قبل عقلها لترد غيبته وكرامته ومن
بين كل هذا الشُتات والضغط وكل شيء في رأسها مُبعثر؛كانت تفكر به.
فمُنذ أخر ابتسامه رأتها على وجهِه الوسيم والمريح، همس لها قلبها،أنها على وشك الغرق!
توترت عائشه للحظات بعد قولها هذا، ثم قالت بشجاعه متصنعه وإدعاء بعض الشيء
–اوعا دماغك تروح لبعيد.. اصل بصراحه بقالي كام يوم حاسه ان حد من اهلي مراقب تليفوني فمش عاوزه حد يمسك عليا غلطه.. انا بدافع عنه لمصلحتنا
قال أمير بتجهم مستنكرًا
–وهو ايه دخله بحياتنا اصلن.. اشمعنا ولاد عمك التانيين مبيدخلوش بحياتنا زيه كده ولا هو عاملك عمل عشان كده بتخافي منه
تنهدت عائشه بنفاذ صبر قائله
–أمير.. خلاص قفل عالموضوع.. ده ابن عمي وزي اخويا مش أكتر
هو لازم اقفل الموضوع عشان منديش للميكانيكي ده اكبر من حجمه.. ده اخره يشتغل عندي خدام في الڤيلا
جزت عائشه على أسنانها بغضب، فهي ذات طبع حاد وصعب عند الغضب بل إنها من الأشخاص الذين يعميهم الغضب عند التعصب، لذا اغلقت معه الهاتف معلله أن والدها يستدعيها، اغلقت عائشه الهاتف بغضب شديد ثم ألقت به على الفراش لتقوم وتضع يديها على رأسها بتعصب وهي تجوب الغرفه ذهابًا وإيابًا، أحست بأن مشاعرها مضطربه، لا تعلم لِما كل هذا الغضب عندما أهان أمير بدر، على الرغم من أنها تسبه دائمًا في وجه.
هل سبب ذلك هو تلميح هاجر لها بأن شقيقها واقع في غرامها!
وأيضًا أمير له وجهة نظر سديده لم تجول في بالها يومًا، لماذا بدر يهتم بها دون بقية بنات عائلته، لماذا هي بالأخص؟
هل حقًا يُحبها؟ وماذا إذا كان يحبها؟
لماذا لم يعترف لها حتى الآن!
لا تستطيع أن تفسر بعد أهذا حب أخوي أو حُب من نوع آخر!
وماذا عن تلك المشاعر التي اخترقتها فجأة وجعلتها مضطربه لهذا الحد؟
تأففت عائشه بضجر قائله
–اووف… اييه اللي بيحصلي ده!
أنا لازم اكون صريحه مع نفسي عشان اخلص من العك ده..
وقفت عائشه أمام المرآه لتحدث لتصارح نفسها قائله
— لفترض انك وقعتي على بوزك وحبتيه!
هتتنازلي عن مبدأك انك تعيشي برا الحاره المقرفه دي!
وكمان متنسيش ياحلوه انك بتستعري من شغلانته، هااه مستعده تعيشي معاه وهو بطبيعته وحالته دي!!
صمتت لبُرهه ترمق نفسها في المرآه بحيره وغضب ومشاعر مختلطه مابين الحب والكره ثم قالت:
انا مش هدفن نفسي في الحاره الزباله دي.. انا مكاني مش هنا.. لازم اعيش عيشه نضيفه زي اللي بحلم بيها دايمًا.. مفيش حاجه اسمها حب في الزمن ده.. الفلوس هي الحب.. معاك فلوس هتعيش مبسوط.. هستفاد انا ايه لو حبيت واحد على قد حاله.. انا ناقصه فقر وقرف..
استقرت عائشه على رأيها الآخير ثم قالت بإصرار
–مش عائشه اللي قلبها يمشيها ويجبها وبعدين انا طلعت هبله خالص.. قال احب بدر قال.. ده ايه المرار ده.. انا ناقصه قرف وتحكمات.. وهو اصلن بيهتم بيا عشان انا يتيمة الأم.. شفقه يعني.. وماعاش ولا كان اللي يشفق عليا..
———————
أشتاقُ لك بطريقةٍ مُؤذية ومَملوءة بالتردُد.
………….
دلفت هاجر لغرفتها بعد أن اغلقت النافذه، وبدا على آثار وجهها الشاحب أنها ولت مدبره عندما رأت زياد ينظر إليها بتأمل كما لو أنها ابداع مُبهر.
جلست هاجر على فراشهها بعد أن نزعت عنها وشاحهها، لتترك شعرها الأحمر منسدل على كتفيها وقد بدا خفيف كثيرًا عن ذي قبل، إثر هذا المرض الخبيث، ثم ضمت ركبتيها النحيلتان لصدرها، وفاضت عينيها بالدموع فقد غلبها الحزن والشجن، حزن من كل شيء، من انفصالها عن أول من دق له قلبها، وحزنًا على تلك المرحله الآخيره التي تمر بها من مرضها، لم تحزن هاجر عندما علمت بأن الدواء لم يأتي بفائده، بل غطاها الحزن كلما تتذكر أنها عاجلاً أم آجلاً ستذهب لحبيبها تاركه عائلتها التي تعشقهم يتحسرون عليها بالأخص والدتها.
مسحت هاجر دموعهها بتعب ثم رفعت رأسها للأعلى هامسه بتوسل
–يارب متحملنيش فوق طاقتي.. انا مش زعلانه يارب إن هقابلك قريب.. بالعكس انت الوحيد اللي عارف انا فرحانه قد ايه عشان جيالك وهشوف بابا.. بس صبر قلب أمي واخواتي يارب.. ااه بابا!
تنهدت هاجر بعمق مصحوب بآهات وهن وكبد، وهي تتذكر أجمل التفاصيل التي عاشتها مع والدها الشيخ محمد الخياط، لقد كان شديد الحنان عليها، بل إنه دللها أكثر من أخوتها، حيث كان يحملها على ظهره ويركض بها في صالة البيت تحت أصوات الضحك الهيستري من هاجر وركض سيف وراءهم يضحك ويمرح معهم، بينما بدر كان يسمع صوت مرحههم وهو في غرفته منكبًا على مزاكرته تاره وحفظ ماتيسر من القرآن تاره، فيبتسم بسعاده كلما سمع هاجر تصرخ بضحك هاتفه “باباا سوبر مااان”
ظلت هاجر تسترجع زكرياتها مع والدها وعائلتها والدموع تنحدر من مقلتيها كنزول الغيث بعد آيامِ عجاف.
فتحت هاجر الكومود لتحضر صورة والدها ثم ظلت تتأمله بااشتياقٍ شديد وكأنها سترحل اليه الآن.
ظلت هاجر تتأمل ملامحه وهي تبكي وتبتسم بنفس الوقت، لقد كان من أوسم رجال العائله بل إنه أكثر وسامه من اعمامها، ورث سيف عن والده الأعين الخضراء الجميله، أما شعره وجسده فقد كان بدر أقرب للشبه لأبيه بشعره الأسود المنسدل على كتفيه وجسده الطويل العريض، بينما ورثت هاجر النمش الرائع الذي تناثر كحبات اللؤلؤ على وجنتيه.
بقيت هاجر على هذه الحال تتذكر خصال والدها الحميده وكيف أنه كان يعامله أولاده بحنان وحب كبير ويصاحبهم كأنهم في مثل عمره، تبسمت عندما تذكرت حين دلف للمطبخ من وراء والدتها ليحضر كعكه بالشوكلاته يفاجأها بها، وعندما احترقت الكعكه فرّ هاربًا من المطبخ كالتلميذ الذي ضُبط بالجُرم.
شعرت هاجر بنغزات كبيره وحاده بقلبها فوضعت يدها عليه لتذكر الله وتستشهد على نفسها عدة مرات ثم نظرت لصورة والدها قائله بدموع
–جيالك.. جيالك ياأكتر حد واحشني.. يارب تكون في الجنه ونعيمها دلوقت يابابا.. وحشتني اووي ياغالي.. كده تسيب هاجر حبيبتك وتمشي.. كده تسيبنا يابابا وتمشي.. اللهم لااعتراض على قضاء الله.. بس هو واحشني اوي يارب.. يارب نفسي اشوفه.. بقالي اسبوع محلمتش بيه.. خايفه يكون زعلان مني.. لأ.. هو بيحبني اوي ودايمًا يجيلي مبتسم ويطبطب عليا ويمشي ليه مجاليش يارب اليومين دول!؟.. يمكن انا اللي هروحله!
تابعت وهي تتأوه بتعب
–اللهم إن كان الموت خيرًا لي فعجل لي به يارب.
دقائق وسمعت صوت المؤذن يقول
“الصلاة خير من النوم”
لفت وشاحهها على شعرها فورًا، فهي مازالت على وضوء منذ صلاة قيام الليل، ثم قامت وهي تجفف دموعها بصعوبه لتلبي نداء الصلاه وقبل أن تتهيء لصلاة الفجر، أرسلت عيناها الذابلتين نظرات عابره تجاه النافذه التي تطل على غرفة زياد، تود من صميم قلبها أن تودعه قبل أن يقبض الله روحهها، ولكن هو من اختار البعد دون سابق انذار، مازالت تعتقد أن سبب بعده هو مرضها، ولكنه لطالما أحبها وهي في أسوأ حالتها، وهناك شيء ما يخبرها أنه تركها لسبب لايريد أن تعرفه كي لاتكره أو يحطم قلبها أكثر، بداخلها تتمنى لو أن كل ما مرت به هي مجرد أوهام وآحلام فاسده، ولكن عليها أن تتقبل هذا الواقع المرير حتى لاينفطر قلبها أكثر من ذلك.
لم تعد تفكر به كثيرًا مثلما كانت تفعل حين تركها،
ربما لم تعد تنتظره، ولا أقصد أنها لم تعد تشتاقُ إليه، مازالت تفتقده و مازالت تشتاق و تحن له ، لكن شيء بداخلها انطفأ نحوه ، مع مرور الوقت وساعات البُعد أقتنعت أخيرًا انهم لن يلتقوا كحبيبين أبدًا، فقط هي ابنة عمه.
مسحت هاجر على وجهها بهدوء ثم شرعت في الصلاه، لتصلي بخشوع تفكر في كل آيه تقرأها وتنصب ذهنها كله في السور والآيات التي تتلوها في الصلاه حتى لاتشتت انتباهها مع شيء آخر، وحرصت على التنويع في السور حتى لا تشعر بملل أو كسل في تأديه الصلاة كما أنها فتره تغير مكان صلاتها، ليس القُبله وإنما المكان نفسه.
سجدت هاجر للمولى عز وجل، وأطالت السجود كالعاده تتحدث مع الله في كل مايتعبها، تعلم جيدًا أن الله يعرف مابداخلها ولكنها لاتشعر بالراحه إلا عندما تشتكي وتتحدث لله، فكما قلنا تعتبره حبيبها وملجأها.
“ليت كل الفتيات مثلها ”
………………….
لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغته.
……
تهيء زياد هو أيضًا لصلاة الفجر ولكن تلك المره كان يصلي بسعاده شديده لم تغمره من قبل، لقد عزم على ترك ذنبه وارتكابه للفواحش، والآن الله يكافئه براحة بال لم يشعر بها من قبل، من ترك شيء لله عوضه، وزياد قد ترك مايغضب الله وأصر على التوبه قبل فوات الآوان واجتهد في كسب رضا الله، فحتمًا ستكون المكافأه تجعله يبكي من شدة الفرح.
كبر زياد للصلاه وعند السجود ظل يدعو الله كثيرًا أن يثبته على التوبه وأن يشفي هاجر ويكتبها من نصيبه، ظل يردد بتلك الأدعيه حتى أنه مرت عليه عشرون دقيقه كامله وهو مازال يدعو في وضعية السجود.
ظن زياد بالله خيرًا ووضع في قلبه التوبه وأمام عينيه الخوف من الله وكان ضميره يقظًا لأفعاله السيئه، فوقف الله بجانبه وتاب عليه فأصبح ليس عليه أي ذنب.
وباب التوبة مفتوح للعبد ما لم تبلغ روحه الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها، فعند ذلك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فيجب علينا التوبة الفورية، ولنحذر من التسويف.
وأن التوبة تجب ما قبلها أي تهدم وتمحو ما قبلها من الذنوب، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
«ألم تعلم أن التوبة تجبُّ ما قبلها».
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». رواه ابن ماجه
……
أنهى زياد صلاته ثم مكث على سجادة الصلاه يستغفر الله كثيرًا حتى أشرقت شمس الصباح مُعلنه بقدوم يوم جديد عليه، لم ينم زياد منذ أمس لسببين..
السبب الأول هو عزيمته على أن ينهي ارتكابه للذنوب ومشاهدة المحرمات، فعندما كان يشاهدها كان يشعر بالإكتئاب الشديد والقرف من نفسه وبسخط الله عليه، والآن بدأ يشعر بأنه في أفضل حال.
أما السبب الثاني هو فنجال القهوه الذي احتساه حينما كان يقف بشرفته.
قام زياد بتشغيل التسجيل الذي بغرفته على إذاعة القرآن الكريم، فاانتبهت اذنيه وتيقظ ذهنه على حوار قائم بين أحد شيوخ الأزهر ومذيعين القنوات الدينيه:
ليس العيب في أن يخطئ الإنسان أو يرتكب ذنباً، لأن من طبيعة الإنسان الوقوعُ في الخطأ، فـ (كل ابنِ آدم خطاء، وخيرُ الخطائينَ التوابون)، كما أخبر بذلك الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكنِ العيب هو التمادي في اقتراف المعاصي والإصرارِ عليها.
العيب هو أن يُنصح الإنسان فلا يسمع النصيحةَ ولا يعمل بها.
وهذه الموعظة، وهذه التذكرة، موجهة لكل واحد أراد أو سولت له نفسه أو زينت له فعل المعاصي، فليتذكر دائما هذه الخصال الخمس.
الأولى: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه.
الثانية: إن أردت أن تعصي الله فاخرج من أرضه واعصه.
الثالثة: إذا أردت أن تعصي الله، فابحث عن مكان آمن لا يراك الله فيه.
الرابعة: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له: أخرني حتى أتوب.
والخامسة: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار، فلا تذهب معهم
هُنا أوقف زياد التسجيل ثم فكر مع نفسه لدقائق، ليقول بتفهم مبتسمًا
–وأنا مقدرش أعصي ربنا في ملكه.. يارب اهديني أنا واللي زي.
ثم تهيأ ليرتدي ملابسه الأنيقه المكونه من بدله باللون الكحلي وقميص بلون السماء ثم نثر عطره وهندم شعره المائل للون البني قليلاً والملائم لعينيه العسليتين، ثم ارتدى حذائه وأخذ حقيبة المخصصه لأوراق المحاماه، فكما تعلمون هو وكيل نيابه ولديه قضيه مهمه اليوم.
أثناء خروج زياد من غرفته، تفاجأ بشقيقته نوره تُقبل عليه وهي تنهج بصعوبه، فقال زياد بدهشه
–نورا.. مالك في إييه؟!
لم تتحدث نورا ولكنها اكتفت بوضع الهاتف في وجه زياد، لحظات واتسعت أعين زياد بذهول ودهشه ثم تحدث بصعوبه
— مين… مين ده..!! .دا.. داا شبه بدر ابن عمنا اوي!!!
ابتسمت نورا بخبث قائله
— لا مش شبه.. ده هو
رمقها زياد بدهشه شديده وصدمه لم تكن بالحسبان، ثم أفلت حقيبة الأوراق من يده من قوة الصدمه ليقول بغضب اعتراه
–انتِ اتهبلتي.. بدر عمره مايعمل كده.. بدر انضف من كده.. انتِ تايهه عن ابن عمك ولاايه!!!
استيقظ والدهم ووالدتهم على صوت زياد العالي فجاءوا على الفور ليستعلموا عن سبب صراخه، كاد أن يتحدث ولكن نورا اسرعت بالتمثيل والبكاء المصطنع هاتفه
–الحقنااي يابابااا… بدر ابن اخوك اللي مفيش زيه طلع على علاقه بعائشه من ورانا.. مش ده اللي كنت عاوز تجوزهوني.. اهوو عامل نفسه محترم قدام الناس ومن ورانا بيقابل الزباله اللي هتطلع رقاصه زي امها وبيحضنها كمان ياترى في بينهم ايه تااني..
لم يتمالك زياد نفسه واحتقن وجهه من شدة الغضب وأعاد النظر في الفديو ليتأكد مما قالته نورا، فوجد أن الذي بالفديو هو بالفعل بدر ابن عمه وتلك التي تتعلق برقبته هي عائشه!
قال مصطفى والدهم بدهشه
–بدر!.. زينة الشباب!.. بدر!!. أنا اصدق على عائشه أي حاجه.. لكن بدر.. لأ..!
أخذ زياد الهاتف ليتجه لبيت عمه محمد، ثم طرق الباب ورن الجرس بتوتر خشيةً أن يكون ذلك بالفعل بدر، فعقله مازال غير مستوعب مايراه وبدر بمثابة قدوه له وخير الشباب وأحسنهم صحبه، كيف له فعل ذلك؟
……………….
{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
……
اتجه بدر لغرفة سيف كي يعلمه التمهل في الصلاه وعدم الإسراع أو الإهمال فيها، ولكنه وجد الباب مغلقًا فظنً أنه نام، دعا له سرًا أن يهديه الله، ثم اتجه لغرفة والدته كي يوقظها للسحور وصلاة الفجر، فوجدها قد قامت وتوضأت وجهزت بعض الوجبات الخفيفه، جلس بدر معها على الطاوله البسيطه بعد أن قبل يداها وجبهتها، بعد دقائق انتهوا من طعامهم وشكروا ربهم، ثم نام بدر على قدم والدتها وظلت هي تربت على شعره بحنان قائله
–فيك ايه ياحبيبي… احكيلي يابدر.. حاسه انك مخبي عني حاجه
أجاب بدر بهدوء
–لا ياأمي أنا كويس الحمدلله.. بس شويه حجات في الشغل كده مديقاني
ضحكت والدته بهدوء قائله
–عليا أنا الكلام ده برضه.. قول يابدر فيك إيه؟
أغمض بدر عينيه يسترد انفاسه بقلة حيله،فهو يعلم أن والدته تستطيع أن تشعر بكل مايمر به ولن تتركه حتى يخبرها مالذي يتعبه ويقلقه وهو لايريد أن يتعبها معه.. ولكن في نهاية الأمر استسلم لإلحاحها قائلاً
–تعبان اووي ياأمي.. حاسس إني تايه.. حاسه إني بدور في دوامه ومش عارف اطلع منها
فهمت والدته مايرمي اليه فقالت بعقلانيه
–عائشه اه بنت طايشه بس هي ملهاش ذنب في اللي وصلتله.. ولا انت ليك ذنب في اللي هي فيه.. انت حاولت تخليها احسن وهي متقبلتش، وبرضه مش هنقدر نلومها عشان عايزه اللي ياخد باايدها خطوه خطوه والمفروض كنا احنا عملنا كده وفضلنا معاها
قاطعها بدر قائلاً
–هي مش قابله النصيحه من أي حد.. صدقيني ياأمي حاولت معاها كتير بس مفيش فايده.. وخلاص هي اصلن هتتخطب
ابتسمت مفيده ثم قالت
–مش كل الحالات زي بعضها.. حالة عائشه مش محتاجه نصايح في الأول.. عائشه محتاجه حب.. حنان.. اهتمام.. وبعدين نصيحه.. لما تحبك هتقبل نصيحتك..
نظر بدر لوالدته بيأس مردفاً
–عايزاني اعمل ايه يعني ياأمي.. من نصيحتي ليها المفروض تعرف اني بحبها وخايف عليها وعاوز ربنا يهديها وتبقى احسن مني
ردت والدته
–يابني ربنا سبحانه وتعالى بيقول
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].
قال بدر بحزن
–ايه الحل ياأمي؟
تنهدت والدته ثم قالت
–تتجوزها وهي على حالتها دي..
رمقها بدر بدهشه قائلاً
–وبعد مااتجوزها ده اذا وافقت اصلن!
–سيبني اتكلم معاها قبل ماتتخطب، وانا متأكده انها بتحبك بس بتكابر.. ولما تبقى مراتك خدها في حضنك وفهمها الصح من الغلط زي مابتفهم طفل بالظبط.. الدين ترغيب مش ترهيب يابني
قالتها والدته وهي تنظر له بأمل جعلته يطمئن قليلاً
تنهد بدر بإرتياح ثم قال
— تفتكري هتوافق؟
أومأت مبتسمه
–عائشه بتحبك يابدر.. وبكره تعرف إن أمك كلامها صح
ابتسم بدر ثم قال في نفسه
–متحرمنيش منها يارب.. اللهم عائش
بعد قليل سمع كلاهما صوت المؤذن فتهيأو لصلاة الفجر خاشعين بقلب متعلق بالله..
جلس بدر يقرأ ماتيسر من القرآن بعد صلاة الفجر حتى مطلع الشمس، ثم ارتدى ملابسه المكونه من قميص اسود اللون يليق بجسده الرجولي وبنطال ازرق قاتم وهندم شعره الواصل لأكتافه ثم وقف قليلاً يتأمل شعره فوجده قد تعدي كتفه بقليل مما جعله يصمم أن يقصره لرقبته، فهو ثقيل ويتعبه كثيراً في فصل الصيف، تبسم بدر لنفسه ثم حك ذقنه المشعر ليضحك
بصوت عندما تذكر عائشه وهو يضع لها الطعام في فمها ويحكي لها قصص الأنبياء بينما هي مستمتعه في اللعب بشعره وفي غالب الأوقات كان تجذبه منه عندما يحملها على كتفيه وتقول له بطفوله رقيقه
“” سعلك دميل ياابيه بدل ”
فكان يضحك بدر كثيرًا على مخارج حروفها الغير سليمه.
افاق بدر من ذكرياته الرائعه مع معذبة قلبه على صوت رن جرس الباب، فذهب ليرى من الطارق
تفاجأ بدر بوقوف زياد ابن عمه يلهث بصعوبه ويتأمله بتوتر فقال بدر ضاحكًا
–ايه يابني مالك.. طردوك من المحكمه ولاايه
ابتلع زياد ريقه ثم رفع الهاتف في وجه بدر قائلاً
–انت ده !
نظر بدر للفديو لوهله ثم صعق مما رآه وتجمدت قوائمه حتى أن قدماه أبت أن تحمله اكثر من ذلك، فجلس على الأرض وهو ينظر أمامه بشرود وضياع لايصدق مايراه…
يتبع ….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة جميع فصول الرواية اضغط على ( رواية يناديها عائش )