رواية ظل السحاب الفصل السادس والأربعون 46 بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب الفصل السادس والأربعون 46 بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب البارت السادس والأربعون
رواية ظل السحاب الجزء السادس والأربعون
رواية ظل السحاب الحلقة السادسة والأربعون
خرج من مكتب اللواء بعدما انتهى من التحدث معه بشأن القضية .. سار بالممر متوجهًا صوب زملاءه، والذين قد رأوه للتو يتقدم باتجاههم .. لينفرج فم تميم عند وقوع عينيه عليه بمظهر جديد، أو بالأحرى هيئته القديمة التي كان عليها دائمًا حينما كان يمارس عمله كضابط شرطة..
اقترب منهما، ليقف أمامهما يتفحص ملامحهم المذبهلة، ثم يتساءل
: إيه مالكم مصدومين كدة؟
تفرسه عاطي من أعلى لأسفل، ثم سأله تعجبًا: هو انت رجعت شغلك تاني ف الشرطة؟
هز رأسه إيجابًا: أيوة
ثم نقل مقلتيه إلى الذي ما زال يتطلع إليه في صمت وذهول، فيقول متهكمًا
: اقفل بوقك يا بابا الجو مليان حشرات!
ضم تميم شفتيه سريعًا ليمتعض وجهه، ثم قال مداعبًا
: شكلك وحش أوي من غير دقن!
ليعود ويسأله عاطي في دهشة: بتتكلم بجد يا مراد، رجعت الشغل؟
ليجيب: أيوة يا عم، مالك مستغرب ليه!! .. كلمت اللوا سميح وهو ساعدني، بس مش عارف إذا كان هيبقى على طول ولا…
تلهف تميم قائًلا: يا ريت يبقى على طول، ياخي أنا زهقت من جوز البراري اللي شغالين معايا دول
نظر له عاطي في استهجان ليتصنع تميم عدم اللا مبالاة، ليتساءل مراد
: المهم، إيه آخر أخبار التهامي، عرفتوا حاجة عن المكان اللي مستخبي فيه؟
قال عاطي وهو يشير له بيده: تعالى وليد ف المكتب أكيد عنده حاجة يقولها!
سار الثلاثة نحو أحد المكاتب يمارسون عملهم
_________
كانت تهبط الدرج وهي تتحدث عبر الهاتف الخليوي بهمس متذمر
: إيه يا شوية أغبيا، اتأخرتوا ليه؟ .. خطفتوها! برافو عليكم
قالت بحماس وحبور، لتتابع: أنا جاية حالًا، ودوها المكان اللي قولتلكم عليه!
أغلقت نانسي الهاتف وارتسمت علامات السعادة والانتصار على محياها، ثم تابعت سيرها نحو الباب قبل أن تتوجه إلى سيارتها وتنطلق حيث واجهتها..
________
بعد محاولات الحرس في إطفاء الحريق الناشب في جميع أثاث الحجرة، أخيرًا قد استطاعوا أن يخمدوا تلك النيران التي شبت لتهلك كل شئ وتركت الغرفة كقطعة الفحم الحجرية..
ليهبط رئيس الحرس وخلفه بعضًا من الحراس الذين ساعدوه .. يظهر على وجوههم الإرهاق والتعب، فتقترب منه السيدة عفاف وتسأله في قلق
: عملتوا إيه يا محمود بيه؟
ليرد عليها بعد تنهيدة قوية وهو يجلس على أحد درجات السُّلم
: النار كلت حاجة ف غمضة عين، رغم اننا لحقناها ف أولها بس معرفناش نطفيها غير لما هي طفت لوحدها!!
وضعت يديها فوق شفتيها بصدمة .. ماذا فعلت فريدة، بالتأكيد مراد سيفتعل مشاجرة معها كما حدث سابقًا عندما دخلتها دون استئذان، فماذا سيكون رد فعله بعد الحريق الهائل الذي حدث في بيته والتي تسببت به هي؟
استدارت خلفها وهي تنوي معاتبتها لكنها تفاجئت بعدم وجودها بين العاملات، لا هي ولا رغد، هربت الدماء منها وقبل أن تفتح فمها لتتساءل عنهما..
دخل الحارس في اندفاع وهو يصيح بهلع
: الحق يا محمود بيه، الآنسة فريدة ورغد اتخطفوا!!
هب محمد ناهضًا وعيناه تجحظان ذعرًا، ليصرخ بصوت جهوري
: انت بتقول ايه!!!!!
__________
: اللي أعرفه إنه مأجر مركب وبيروح يقضي فيها معظم وقته!
قال وليد الذي يجلس مع البقية، فيهتف تميم
: يبقى أكيد راح هناك عشان يهرب مننا!
كان مراد يستند بمرفقه فوق سطح المكتب، ويضع يده عند فمه فيصدر صوتًا من فمه نافيًا
: مش معقول هيتخبى ف مكان حد عارفه، أكيد عنده مكان سري ماحدش يعرفه غيره أو اللي قريبين منه
ينهض تميم من مقعده هاتفًا بحزم: يبقى تروح وتسأل رغد، أنا متأكد إنها عارفة مكانه، ويمكن طول السنين اللي اختفت فيهم كانت عايشة في نفس المكان!!
قام مراد بهدوء ليقول: هي من كلامها كان واضح أوي إنها بعدت عن مصر!
: بس برضو هي خيط مهم…
شعر تميم أن مراد يحاول ابعاد الشبههة عنها، ليردف بتردد قليلًا مخافة من استياء صديقه
: وأنا بصراحة شاكك فيها، وشغلي علمني إني ما ينفعش أصدق أي حاجة بتتقال!!
توقع أن يتشابك معه مراد، لكنه رآه يخرج هاتفه من جيبه وكأنه ينوي الإتصال بأحد، ليفاجئه قائلًا
: أنا هتصل بـ حد من الحرس يجيبها هنا ونسألها إذا كانت تعرف ولا لأ!!
تطلع تميم وعاطي إلى بعضهما البعض اندهاشًا .. لينتبها سريعًا إلى وجه مراد الذي اضطرب وهو يتصفح الهاتف
ليسأل تميم بتعجب: مالك يا مراد؟
رد: المدام عفاف اتصلت كذا مرة بيا .. يا ترى فيه إيه؟
همس والقلق يحيط بقلبه، بينما عاود الاتصال بها،ط ثم وضع الهاتف فوق أذنه ينتظر الرد وهو يحاول ابعاد الهواجس عن عقله قليلًا.. ليأتيه الرد
فيهتف متسائلًا في لهفة: ألو يا مدام عفاف، بتتصلي ليه حصلت حاجة؟
جاءه ردها، تخبره بما حدث بالتفصيل وهي تجهش باكية.. فينصعق بشدة مما يستمع وضربات قلبه أصبحت سريعة كادت دقاته العنيفة تفتك بجدران صدره.. لقد اختُطفت عشقه الأبدي، صغيرته الشقية البريئة..
لم ينتبه سوى على اختطاف فريدة، أما الأخرى فلم تصل الخبرية إلى عقله حتى الآن، وكأن صدمة فريدة كانت قوية حتى تغلق أبواب عقله عن استيعاب أي شيء بعدها..
كان جسده متصلبًا وملامح وجهه اصفرت بشدة، جعلت الثلاثة ينقلون نظرهم بينهم في هلع .. بالتأكيد هناك كارثة قد حدثت…
: فريدة اتخطفت!
همس مراد بضياع، فاندفع الإثنان دون وليد يهتفان بدهشة
: إيـــه؟!!!!
أدرك مراد حاله سريعًا وهو يحاول ضبط مشاعره وعقله الذي قد هرب فورًا، حتى يتمكن من التفكير بروية، وعدم التهور في شئ.. حياة فريدة الآن أصبحت على المحك…
تذكر شيئًا هامًّا ليركض فورًا مترجلًا من المكتب بل من المبنى بأكمله، وكان خلفه صديقيه اللذان قد لحقاه وصعد معه السيارة.. تميم بجوار مراد بالأمام، وعاطي من الخلف..
ضغط مراد على زر تشغل جهاز الـ GPS location «جهاز تحديد الموقع الجغرافي» فسأله تميم
: الجهاز دة متوصل بإيه؟
رد عليه وهو يدير السيارة لينطلق بسرعة بها: بسلسلة فريدة، الصبح لبستهالها قبل ما أنزل، وكنت حاطط فيها GPS عشان أعرف أراقب تحركاتها كويس، وف نفس الوقت أكون مطمن عليها.
: حرك رأسه تميم إليه فيقول ببلاهة: انت ذكي أوي يا مراد.. معقول عارف إنها هتتخطف؟
ضرب عاطي راحة يده فوق وجهه بيأس، بينما مراد اندفع برأسه يشزره بعينيه، فيصيح به متأففًا..
: انت غبي يا تميم، عارف إزاي وسبتها لوحدها؟؟
تطلع عاطي على الشاشة ينتبه إلى نقطه سوداء -تحدد الاتجاه الذي يسير به جهاز التموضع- تتحرك بالخريطة ثم تقف فجأة في أحد المواقع، ثم يهتف..
: مراد، الإشارة وقفت!
ضغط مراد على المكابح ليتوقف ثم يتطلع إلى الجهاز، فيجد الأشارة ثابتة لكن بموقع غريب، فيقول تميم مستغربًا
: إيه اللي هيوقفهم ف حتة صحرا؟
أدار السيارة مرة أخرى يتحرك بها سريعًا نحو نفس المكان الذي وقفت به الإشارة، وقلبه يركض قبله..
_______
توقفت عربة سوداء وكانت نفس السيارة التي اختُطفت بها فريدة، ليهبط منها أحد الرجال ويخرجها برفق وهي غائبة عن وعيها، لكي ينقلها بسيارة أخرى..
وبينما يسير بها انفلت السلسال من رقبتها وسقط على الأرض .. ثم يذهب بها السائق حيث أُمر.
_______
يجلس فوق الفراش يتلمس موضع قلبه بألم، منذ الساعات الماضية وهو يتململ بعدم راحة، وكأنه يشعر بما حدث مع ابنته الصغيرة والغالية .. يسحب نفسًا عميقًا بعمليه شهيق ثم يخرجه زفيرًا، حتى يهدئ من القلق الذي يشعر به..
خرجت هي من المرحاض بينما تجفف شعرها بمنشفة صغيرة، مرتدية روبًا قصير من الحرير بلون أحمر .. تقدمت لتجلس على أحد حواف السرير الجانبية.. متعجبة من ملامح عز..
: مالك يا حبيبي، سرحان ف إيه؟
تساءلت بنعومة ليحرك بصره إليها مجيبًا بنبرة تظهر الاضطراب
: قلقان على فريدة، حاسس إنه مكانش ينفع أسيبها لوحدها وآجي أقضي شهر العسل هنا!
ضحكت بليونة، فقالت مستنكرة: شهر عسل؟ دول يومين بس يا عز، ولسة مكملناش 12 ساعة!!
نفخ الهواء من فمه ضجرًا، فتلاحظ توتره لتنهض وتتحرك متوجهة إلى الجانب الآخر بجواره، أمسكت بكفه وهي تضغط بأناملها حول إبهامه.. فتهمس بلطف
: عز، متخافش يا حبيبي، فريدة في إيد أمينة .. وبعدين يعني أخص عليك، تكشر كدة وأنا جنبك؟
قالت بدلال ممزوج باستياء، ليعتدل هو في جلسته راسمًا بسمة جذابة فوق شفتيه، فيمسك بذراعيها يقربها إليه ويضمها بين أحضانه الدافئة، ثم يطبع قبله حنونة فوق شعرها، متناسيًا أمر فريدة قليلًا..
______
بلغ مراد الموقع الذي رصده الجهاز والذي كان يعطيه إشارة في هذا المكان بالتحديد .. هبط من سيارته سريعًا بعد أن انتزع الجهاز الملتصق بصندوق السيارة كي يسير متعقبًا نقطة التحديد،
تلاه تميم وعاطي مترجلان، وهما يطوفان بأعينهما حول المكان الخالي من كل شئ، مجرد رمال حولهما .. فيسمعان صوت رنين يصدره الجهاز مؤكدًا وجود ما يتعقبه هنا.. تقدما من مراد والذي مال بجذعه يلتقط سلسال، رافعًا إياه بيده ينظر له في حبوط..
: لو كنت رديت على التليفون كان زماني لحقتها وأنقذتها!
همس مراد بأسى، وعيناه تلمع حزنًا.. متذكرًا ما حدث ماضيًا حين اتصلت عليه رغد ولم يجيب عليها، والآن قد اقترف نفس الخطأ لكن… هيهات بين الإثنين!!
اقترب تميم ليضع راحته فوق كتفه يهمس محاولًا التخفيف عنه
: مراد لو سمحت بلاش كلام اليأس دة، فريدة هترجع.. خلينا بس نلحق نتصرف بسرعة، وأول حاجة نعملها نروح نفرغ كاميرات المراقبة اللي ف بيتك أنا متأكد هنلاقي خيط يوصلنا لأي حد من اللي عملوا كدة!
بالطبع مراد قد أيّد ما قاله تميم، حيث أنه لن يسمح أن يعرض فريدة لأي أذى، يكفي ما مرت به طوال هذه الفترة، يجب أن يفعل المستحيل حتى تعود إليه سالمة..
__________
بمكان واسع يشبه مصنع قديم، نُظِّم وَكرًا مُرتب لتنفيذ عمليات غير مشروعة .. ترقد هي مرمية بإهمال على الأرضية فاقدة وعيها.. يدلف إلى المُتسع كثير من الرجال المعضلين، ضُخام البنية..
بدأت فريدة تستعيد وعيها تدريجيًا، تفتح جفنيها ببطء من أثر المخدر الذي اشتمته، تحاول رفع رأسها الملتصق بالأرض قليلًا .. تهتز الصورة أمام عينيها لثوانٍ وهي تحاول ضبط الرؤيا بينما جفنيها ينغلقان ويفتحان عنوة ثم ثبتت الصورة ليقع بصرها على هذا الذي يقف حاملًا لفافة تبغ، نافثًا الدخان بطريقة لعوب، يتطلع نحوها بابتسامة خبيثة..
جاهدت كي ترفع بجسدها الذي ثقل عليها، تمسك برأسها وهي تشعر بالألم، ثم ترفع بصرها فتتسع عيناها في هول مما تراه أمامها.. لتهمس بصدمة
: هو انتي؟!!
_________
عاد مراد مع صديقيه كي يفرغوا أجهزة المراقبة، لكنهم وللأسف لم يتوصلوا لأي شئ، غير أن الذين اقتحموا بعرباتهم وافتعلوا اشتباكًا أمام البوابة الرئيسية .. لم تمكن مشادة صادفة بل هم مأجورين كي يلهوا الحراس بهم حتى يستطيعوا تنفيذ تلك المهمة..
اشتعل الغليل بداخل قلب مراد .. كان الموقف عسيرًا حيث أنه مضت أكثر من ساعة ونص على الواقعة، وهو لا يجد أثر السيارتين التي أخذت الإثنان .. وحتى إن حاول معرفة أيًّا من الأشخاص الذين أحدثوا العِراك هذا، سيستغرقون وقتًا كثيرًا وهم ف الحاجة إلى كل ثانية..
لم يتحمل أو يتحكم في أعصابه بل قام وزمجر كالأسد في وجوه الحراس، أمسك بتلابيت رئيس الحرس الذي يدعى “محمود” وهزه بقوة حتى هربت الدماء منه
ليصرخ بصوت جهوري رج سكون الطبيعة
: ازاي يا كلاب تسيبوها تخرج لوحدها، ازاي!!
رد محمود بصوت متقطع وقلبه يخفق ارتباكًا
: يا باشا، والله… والله انا كنت مشغول ف الحريق وسبت كام واحد يحرس البوابة.. واللي حصل خلاهم مشتتين ومركزوش لما خرجوا
اصطك على فكيه بقوة وهو يهتف بخشونة: كنت تسيب البيت كله يولع، إن شالله يغور ف داهية، بس هي لأ… أنا محذركم ومنبه عليكم كلكم تخلوا عينيكم عليها… ازاي خالفتوا أوامري يا شوية أغبيا
صرخ وهو يدفعه بغضب .. أنفاسه الثائرة تغني عن أي وصف .. جسده يتآكل من داخله .. الألوان تتحول إلى اللون الأسود القاتم .. يعزف فؤاده لحنًا حزينًا بائسًا .. بقعة سوداء تغزو قلبه وتبدأ بالانتشار حتى تمتزج بدمه.
اقترب عماد منه والذي عندما علم بخبر خطفها قد جاء مسرعًا للمساعدة .. فهي العزيزة الصادقة .. ليس فقط عند عماد بل حتى العاملين وأصدقاء مراد .. ولمَ؟ لأنها هي فقط من استطاعت وفي أشهر قليلة أن تُلين قطعة الحديد هذا، هي من دفعته للنسيان رغمًا عن نفسه،
بالإضافة إلى لسانها الشهدي، مداعباتها الدائمة، وكثير من المميزات التي تجعلهم جميعًا يحزنون لفُقدانها بهذا الشكل..
همس إليه بنبرة خفيضة خافيًا الخوف في قلبه، ومحاولًا إرسال له طاقة إيجابية
: مراد باشا، لازم تهدى عشان تفكر، أنا لاحظت حاجة مهمة يمكن ماحدش خد باله منها… فيه عربيتين اللي خطفت رغد، واللي خدت فريدة، يعني ليه مثلاً الاتنين متخطفوش ف نفس الوقت، وف نفس العربية؟
كان مراد يشتد على شعره بجزع، ليلتف بسرعة إلى ما قاله عماد، حتى البقية قد ركزوا على ما قال.. فيتساءل عاطي
: تقصد ايه يا عماد؟
لم يكن مراد بحاجة إلى معرفة القصد، بل تلك اللفتة التي بدرت من عماد قد جعلت عقله يعمل، قد نسي تمامًا أمر ذلك العدو الآخر من نفس لحمه ودمه .. والذي تربص بهم طيلة حياتهم حتى يدمر سعادتهم..
لم يكد يتحرك نحو الباب بسرعة حتى يغادر، ليجد معتز يدلف عليهم، فيهتف متلهفًا
: مراد
تقدم صوبه مباشرة فيقول بذعر: مصيبة يا مراد!
انعقد حاجبيه وشكوكه اليقينية تأخذه إلى الحقيقة .. ليردف معتز قائلًا
: نانسي خطفت فريدة!
_________
: انتي اللي خطفتيني يا نانسي؟
همست بصوت مندهش وملامح وجهها أصبحت مضطربة .. فيرن في أذنها ضحكة صاخبة منها، ثم تقترب وتميل عليها بجذعها وتقول بنبرة لعوب
: والله أنا كان ف نيتي أخطفك، بس نصيبك وقعك مع عدو آخر!!
ثم تعتدل وتستقيم بجسدها وهي تقهقه بقوة، وتتحرك نحو ذلك الرجل عديم الأخلاق والشرف، والذي تنمو على جانب شدقيه بسمة ماكرة تنم عن الشر..
هبت من مكانها لتهتف مزمجرة: جرا إيه يا روح أمك، هو انتي هبت منك على الآخر عشان تخطفيني، نسيتي العضة ولا تحبي أفكرك بيها!!
صاحت فريدة وهي تهددها .. كادت لتسير صوبها لكن أوقفها أحد الرجال وهو يخرج سكينًا من خلف حزام بطاله ويضعه أسفل ذقنها..
التفتت بكامل جسدها واقتربت منها وهي تكتف ذراعيها وترفع أحد حاجبيها بخبث
: طب قربي كدة مني وشوفي أنا هعمل فيكي إيه؟
تنظر لها وهي رافعه عنقها لأعلى بحذر من ذلك الذي يهددها بسكين، فتهمس من بين أسنانها باستهزاء
: بتتحامي ف شوية خرفان!! طيب ابعديهم عني وتعالي بنت لبنت وشوفي أنا اللي هعمل فيكي إيه!!
استفزتها ثقتها بنفسها، ورغم أن مع نانسي القوة إلا أنها لم تتخلى عن لسانها السليط وجلب حقها من فم الذئاب الخائنة..
ضحك التهامي وقال أثناء تحركه إليهم وهو يشير إلى الرجل أن يبتعد عنها..
: أنا حاسس إني قدام مراد باشا بذات نفسه، حقيقي شخصيتك لايقة عليه أوي، المرة دي هو عرف يختار اللي تناسبه بصحيح!!
شدد على كلامه، بينما فريدة ضيقت عينيها وتحاول فك شفرة اللغز التي تحاوط نبرته..
فتنتبه على نانسي وهي تقول بنبرة غيظ: وهو مراد بيعرف يعمل حاجة غير إنه يتلم على شوية حشرات عاملين نفسهم ملايكة
امتعض وجهها وهي ترمق فريدة باستهزاء .. اضطرمت النار داخل شرايين فريدة، هي لا تتحمل أحد يهينها، فكيف تجرأت هذه العنز على نعتها بالحشرة!!
: خلينا في شغلنا يا نانسي
قال التهامي بهدوء .. وبعد ثواني دلف عثمان وهو يمسك بذراع رغد ويتقدم نحوهم ليلقيها على الأرض بقوة فتتأوه متألمة..
نعود إلى حيث خرجت مسرعة تلحق برجالها الذين اختطفوا الفتاة التي تريدها والتي كانت تحسبها فريدة!
ترجلت من سيارتها سريعًا، ودخلت إلى بيت قديم وقلبها يقفز فرحًا .. هي وأخيرًا ستنتقم لكرامتها، وقع بصرها نحو التي مغطى وجهها مع رأسها بقماش أسود، ويديها مكبلتين.. هرولت إليها ترفع الغطاء في لهفة وعلامات السعادة ترتسم فوق ثغرها..
وما لبثت أن رأت وجهها ليسقط فكيها بهول وكادت عينيها تقتلع من مقلتيها..
: ر..غد؟
تنطق باسمها بـ صوت كاد أن يكون منعدم.. فتهمس وهي غير مصدقة ما تراه والذي أحدث ضجة في عقلها
: انتي لسة عايشة؟ ازاي؟
ليأتي من خلفها أحد رجالها، ويهتف ليخرجها من تلك الصدمة
: نانسي هانم.. فيه بنت تانية اتخطفت من نفس البيت، وتقريباً هي البنت اللي مكلفين بخطفها!!
التفتت له مندفعة: مين اللي خطفها؟
: معرفش، بس زميلي وراهم بالعربية
رد عليها ثم قالت سريعًا وهي تهرول لتخرج من المكان
: يلا بسرعة خلينا نشوف مين دة اللي عايز يدمر مراد غيرنا!
: طب والبنت اللي جوة؟
سأل لتأمر بصرامة قبل أن تذهب مغادرة
: خلوا عينكم عليها كويس أوعى تهرب منكم.
انطلقت بسيارتها في اندفاع وهي تنوي معرفة ذلك الشخص الذي يود الانتقام من مراد غيرها هي وأبيها.. والآن سيزيد مذاق رائع عندما تجتمع الأعداء مع بعضهم البعض ضد خصم واحد فقط، سيتحتم عليها الفوز عليه!
: لولا إن رجالتي خطفوا الزفتة دي ما كنتش عرفت إنها لسة عايشة! وكمان ما كنتش عرفت أوصل لسيادتك يا تهامي باشا، عشان نتعاون مع بعض!
هتفت نانسي وهي تنظر لموقع رغد، ثم تنقل بصرها نحو الآخر.. لتقول فريدة وهي تجز على أسنانها محاولة التحكم بنفسها
: أه يا بنت الزبالة، بقا بتتفقي مع شوية فجرة على ابن عمك يا حقيرة، اتفو عليكي
تطلعت إليها فريدة باشمئزاز، ثم يقول عثمان بنبرة لعوب
: متخافيش عليه أوي كدة يا بنت عز، احنا بس عايزين مصلحته، زي ما كنت عايز مصلحة أختي نيرة لما بعدتها عن عز أبوكي!
اعتلت قهقهاته الساخرة مع نانسي .. أطبقت فريدة ما بين حاجبيها وهي لا تفهم ماذا يقصد؟ أيقصد أنه من أجبر أبيها على هجر حبيبته؟
: حرام عليكم كفاية اللي بتعملوه فينا، سيبونا نمشي من هنا، ونوعدتكم هنختفي من حياتكم تمامًا!
جميعهم انتبهوا على هذه التي قد نهضت من موقعها تتوسلهم بنبرة مرتجفة وبدموع قد هبطت بخوف من عينيها .. فاندفعت فريدة تصرخ بها
: اخرسي يا حيوانة .. أنا مش جبانة زيك تخاف من شوية مجرمين مش قادرين يواجهوا مراد، اللي طول العمر بيربيلهم الخوف، ومش عارفين يوصله له، فاستخدموا واحدة ضعيفة زيك يعملوها طعم عشان يصطادوا بيه نمر بيقرقش اللي يقرب منه!
كانت كلماتها تخرج من بين حنجرتها هدرًا، تقذف في قلوب الجميع الرعب، بثقتها وفخرها بذلك الحبيب دون ذرة خوف تلامس قلبها .. كانت جريئة حتى جعلت نانسي ورغد يعلقان حدقتيهما عليها في اذبهلال،
لم تتوقع رغد جم الشجاعة التي أخرجتها وهي تتحدث إليهم، شعرت بالغيرة منها، فلولا جبنها ما كانت وصلت التي هي عليه!..
ليقترب منها التهامي وينفخ الدخان من فمه بكثرة ثم يهمس بصوت خبيث..
: انتي عندك حق، رغد دي أغبى شخص في الدنيا، بسببها كل حاجة خسرناها، بس ممكن تعوضيها انتي، وتكملي اللي بدأناه!!!
رفعت بصرها تنظر له بطرف عينها المشتعلة بوميض سيقذف اللهيب الحار بعد لحظات، زمت شفتيها بقوة ولم تشعر بنفسها سوى وهي تهم برفع يدها وتهبط على وجنته بصفعة قوية أصدت صوتها عدت مرات في آذان الجميع……………………
يتبع..
- لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (روية ظل السحاب)
ليه بتتأخروا فى نشر الرواية
جميله جدا وشيقة تحفه بس رجاء نشر الحلقات دون توقف