روايات
رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم مريم محمد غريب
رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم مريم محمد غريب
رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت الثالث والأربعون
رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء الثالث والأربعون
رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة الثالثة والأربعون
_ أنتظرك ! _
تلك الأناهيد المعبرة عن ضيقه و نفاذ صبره مع مرور الأيام، فقط بضعة أيام لم تكن بالشيء الجسيم عليه، و كأن الزمن أصبح له حسابًا آخر منذ إلتقى بهذه المراهقة الشابة.. رغم أن والده وعده بأن يزوجها إليه بل و قد ذهب على الفور لأبيها كي ما يخطبها لابنه البكري
لم يكن هناك ما يستدعي قلقه، خاصةً مع علمه ببعض المشكلات العائلية التي غرزت بها عائلة “الجزار” مؤخرًا، لكن عقله السليط المتسلّط أبى أن يفهم شيئًا كهذا
لينعكس كل هذا الضغط سلبًا على حياته قاطبةً …
عمله، بيته، حتى في نفسه.. أهمل كل شيء و لبث يفكر بها فقط… كأنما هي جنيّة و تلبسته
و لكن أليست كذلك ؟
إنها جنيّة بالفعل، جنيّة صغيرة.. جميلة …
-و بعدهالك يا عاصم؟!
أنتزع صوت “رضوان السويفي” الخشن “عاصم” إبنه من أفكاره المؤرقة حتى هنا، على مائدة الغذاء، لينظر الآخر إلى والده متسائلًا :
-عايز حاجة يابا !
رضوان باستخافٍ : سلامتك.. إنت هاتفضل كده كتير يابني ؟
تنهد “عاصم” مغمضًا عينيه، لم يعجبه أن يستفتح أبيه موضوًا كهذا أمام بقية أفراد الأسرة، والدته و إخوته الذكور الثلاثة الذين كما توقع، رفعوا رؤوسهم يصوّبون نحوه نظراتهم الفضولية …
-مالي يابا ما أنا زي الفل أهو ! .. كان جواب “عاصم” مقتصرًا ملمّحًا لضرورة عدم التطرق لأيّ أحاديث تخصه
إلا إن “رضوان” عاند ذلك و كأنه لم يفهم رسالة إبنه :
-زي الفل إيه. بتضحك على مين ياض ؟ ده إنت حالك لا يسر عدو و لا حبيب و في الطناش من كل حاجة بقالك أكتر من اسبوع.. كل ده عشان بنت سالم الجزار ؟ ما قولتلك إتنيلت روحت لابوها و كلمته و لاقيت منه ترحيب كمان. إن ماكنوش شوية المشاكل إللي عندهم كنا روحنا خطبنهالك و خلصنا
كان صرير فكّي “عاصم” مسموعًا و مرئيًا أثناء حديث والده، احمرّ وجهه إنفعالًا و تمتم زاجرًا :
-أظن مش وقته كلام في الموضوع ده يابا و لا مكانه !
-بتقولي أنا قول لنفسك !!! .. صاح “رضوان” مهاجمًا
-الشغل إللي انت عامله بتاع التلامذة ده مش عاجبني. ده أنا ماشوفتكش عملت كده أيام ما كنت ور ور و شنبك يدوب بينبّت.. إيه يعني حتة بت مفعوصة قدرت تلحس دماغك ؟ فووووق.. إنت عاصم السويفي
حسنًا …
تلك الأناهيد المعبرة عن ضيقه و نفاذ صبره مع مرور الأيام، فقط بضعة أيام لم تكن بالشيء الجسيم عليه، و كأن الزمن أصبح له حسابًا آخر منذ إلتقى بهذه المراهقة الشابة.. رغم أن والده وعده بأن يزوجها إليه بل و قد ذهب على الفور لأبيها كي ما يخطبها لابنه البكري
لم يكن هناك ما يستدعي قلقه، خاصةً مع علمه ببعض المشكلات العائلية التي غرزت بها عائلة “الجزار” مؤخرًا، لكن عقله السليط المتسلّط أبى أن يفهم شيئًا كهذا
لينعكس كل هذا الضغط سلبًا على حياته قاطبةً …
عمله، بيته، حتى في نفسه.. أهمل كل شيء و لبث يفكر بها فقط… كأنما هي جنيّة و تلبسته
و لكن أليست كذلك ؟
إنها جنيّة بالفعل، جنيّة صغيرة.. جميلة …
-و بعدهالك يا عاصم؟!
أنتزع صوت “رضوان السويفي” الخشن “عاصم” إبنه من أفكاره المؤرقة حتى هنا، على مائدة الغذاء، لينظر الآخر إلى والده متسائلًا :
-عايز حاجة يابا !
رضوان باستخافٍ : سلامتك.. إنت هاتفضل كده كتير يابني ؟
تنهد “عاصم” مغمضًا عينيه، لم يعجبه أن يستفتح أبيه موضوًا كهذا أمام بقية أفراد الأسرة، والدته و إخوته الذكور الثلاثة الذين كما توقع، رفعوا رؤوسهم يصوّبون نحوه نظراتهم الفضولية …
-مالي يابا ما أنا زي الفل أهو ! .. كان جواب “عاصم” مقتصرًا ملمّحًا لضرورة عدم التطرق لأيّ أحاديث تخصه
إلا إن “رضوان” عاند ذلك و كأنه لم يفهم رسالة إبنه :
-زي الفل إيه. بتضحك على مين ياض ؟ ده إنت حالك لا يسر عدو و لا حبيب و في الطناش من كل حاجة بقالك أكتر من اسبوع.. كل ده عشان بنت سالم الجزار ؟ ما قولتلك إتنيلت روحت لابوها و كلمته و لاقيت منه ترحيب كمان. إن ماكنوش شوية المشاكل إللي عندهم كنا روحنا خطبنهالك و خلصنا
كان صرير فكّي “عاصم” مسموعًا و مرئيًا أثناء حديث والده، احمرّ وجهه إنفعالًا و تمتم زاجرًا :
-أظن مش وقته كلام في الموضوع ده يابا و لا مكانه !
-بتقولي أنا قول لنفسك !!! .. صاح “رضوان” مهاجمًا
-الشغل إللي انت عامله بتاع التلامذة ده مش عاجبني. ده أنا ماشوفتكش عملت كده أيام ما كنت ور ور و شنبك يدوب بينبّت.. إيه يعني حتة بت مفعوصة قدرت تلحس دماغك ؟ فووووق.. إنت عاصم السويفي
حسنًا …
لقد ضغط عليه بما فيه الكفاية.. لم يعد يتحمل أكثر من ذلك !!
-طيب يابا. بالإذن أنا !
و قام عن مقعده متهيئًا للرحيل، ليستوقفه والده محتدًا :
-رايح فين ياض ؟؟
بدون أن ينظر إليه أجاب “عاصم” بصلابة متخذًا طريقه باسراعٍ خارج المنزل كله :
-رايح أشوف شغلي. كفاية شغل تلامذة.. و لا إيه ؟!
و إختفى خلال لحظاتٍ …
لتميل الوالدة صوب الوالد هامسة :
-شديت عليه أوي يا رضوان !
رد “رضوان” بصوتٍ عالِ فيه من الغلظة :
-أحسن. و لا يعجبك إبننا الكبير يطلع خايب. تيجي واحدة إسمها مراته بعد الجواز تمشيه على هواها !!!
-أنا ماقولتش كده
-مش شايفة عيال سالم الجزار عاملين إزاي. و بالخصوص إبنه الكبير رزق.. ده ماسكله شغله كله و ممشيه بصباع رجله مش محمّله هم حاجة و لا عمره سوّد وشه في حاجة.. تقومي إنتي تقوليلي دلوقتي على المحروس إبنك شديت عليه أوي يا رضوان… ما يولع !!
-بعيد الشر ! .. عقّبت الزوجة قبل أن يتمم الأخير جملته
بزفر “رضوان” مطوّلًا و هو يطرق برأسه محدقًا بصحنه الكبير، ثم يتمتم لنفسه :
-أما أشوف أخرتها معاك يابن رضوان السويفي.. هاتطلع زي سبع زي ابن سالم الجزار و لا هاتوكسني وسط الخلق !
_______________
أمام مرآتها الضخمة، وقفت “فاطمة” تضبط وشاح رأسها الأسود و تتأكد من غلق أزرار عباءتها العلوية، كانت في عجلة من أمرها
أوردت قدميها النعلين، و إلتقطت حقيبة يدها، ثم استدارت مهرولة إلى خارج الغرفة.. في طلعتها تهادى إلى سمعها صوت زوجها من وراء باب الشقة
فإذا بها تتجمّد بمنتصف الصالة، لتمر الثوانِ و يلج “مصطفى” مستخدمًا مفتاحه الخاص، و قد تبيّنت “فاطمة” أيضًا بأنه لم يكن يتحدث سوى بهاتفه
راقبته في صمتٍ و هو يتحرك أمامه و لا زال يتحدث عاقدًا حاجبيه و غير ملاحظًا وجودها :
-آه.. أيوة يا معلم رجب.. إن شاء الله البضاعة تكون عندك قبل الليلة.. أنا هاوصلها بنفسي.. لأ رزق أخويا في مشوار تاني.. أبويا موكلني أنا ليك المرة دي.. على راسي.. تمام أشوفك على خير.. مع السلامة …
و أغلق الخط معيدًا الهاتف إلى جيبه، بينما يرفع بصره محدقًا بزوجته، ثم قال على الفور بصوته الهادئ :
-على فين كده ؟
تنحنحت “فاطمة” متطلعة إليه بشجاعةٍ واهية كعهدها أمامه دومًا :
-أنا رجعت مع أمي من ساعتين كده عشان أجيب كام هِدمة لخالتي هانم و أعملها لقمة تتقوّت بيها.. من ليلة إمبارح و هي على لحم بطنها
رفع “مصطفى” حاجبه معلقًا :
-و كنتي نازلة تاني و ماشية منغير أذني ؟
أجفلت من ملاحظته الحادة، استجمعت نفسها بسرعة و قالت بصوت محايد :
-أنا قلت جيت مع أمي و هارجع مع أمي بردو و بعدين إحنا كده كده كنا مبيتين في المستشفى من إمبارح و انت كنت عارف !
إبتلعت ريقها بصعوبة و هي تجاهد لتبقى نظراتها صامدة أمامه حدقتيه الثاقبتين …
بعد برهةٍ طويلة تعمّد “مصطفى” أن يبث فيها ذبذبات سيطرته لئلا تظنه زوجته متساهلًا في أمور كتلك، فك تشنجات جسمه أخيرًا و أقبل نحوها متحدثًا بمرونة :
-أقعدي. مرواحك مالوش لازمة.. أبويا رايح يجيب أمي على المغربية كده
-طيب يابا. بالإذن أنا !
و قام عن مقعده متهيئًا للرحيل، ليستوقفه والده محتدًا :
-رايح فين ياض ؟؟
بدون أن ينظر إليه أجاب “عاصم” بصلابة متخذًا طريقه باسراعٍ خارج المنزل كله :
-رايح أشوف شغلي. كفاية شغل تلامذة.. و لا إيه ؟!
و إختفى خلال لحظاتٍ …
لتميل الوالدة صوب الوالد هامسة :
-شديت عليه أوي يا رضوان !
رد “رضوان” بصوتٍ عالِ فيه من الغلظة :
-أحسن. و لا يعجبك إبننا الكبير يطلع خايب. تيجي واحدة إسمها مراته بعد الجواز تمشيه على هواها !!!
-أنا ماقولتش كده
-مش شايفة عيال سالم الجزار عاملين إزاي. و بالخصوص إبنه الكبير رزق.. ده ماسكله شغله كله و ممشيه بصباع رجله مش محمّله هم حاجة و لا عمره سوّد وشه في حاجة.. تقومي إنتي تقوليلي دلوقتي على المحروس إبنك شديت عليه أوي يا رضوان… ما يولع !!
-بعيد الشر ! .. عقّبت الزوجة قبل أن يتمم الأخير جملته
بزفر “رضوان” مطوّلًا و هو يطرق برأسه محدقًا بصحنه الكبير، ثم يتمتم لنفسه :
-أما أشوف أخرتها معاك يابن رضوان السويفي.. هاتطلع زي سبع زي ابن سالم الجزار و لا هاتوكسني وسط الخلق !
_______________
أمام مرآتها الضخمة، وقفت “فاطمة” تضبط وشاح رأسها الأسود و تتأكد من غلق أزرار عباءتها العلوية، كانت في عجلة من أمرها
أوردت قدميها النعلين، و إلتقطت حقيبة يدها، ثم استدارت مهرولة إلى خارج الغرفة.. في طلعتها تهادى إلى سمعها صوت زوجها من وراء باب الشقة
فإذا بها تتجمّد بمنتصف الصالة، لتمر الثوانِ و يلج “مصطفى” مستخدمًا مفتاحه الخاص، و قد تبيّنت “فاطمة” أيضًا بأنه لم يكن يتحدث سوى بهاتفه
راقبته في صمتٍ و هو يتحرك أمامه و لا زال يتحدث عاقدًا حاجبيه و غير ملاحظًا وجودها :
-آه.. أيوة يا معلم رجب.. إن شاء الله البضاعة تكون عندك قبل الليلة.. أنا هاوصلها بنفسي.. لأ رزق أخويا في مشوار تاني.. أبويا موكلني أنا ليك المرة دي.. على راسي.. تمام أشوفك على خير.. مع السلامة …
و أغلق الخط معيدًا الهاتف إلى جيبه، بينما يرفع بصره محدقًا بزوجته، ثم قال على الفور بصوته الهادئ :
-على فين كده ؟
تنحنحت “فاطمة” متطلعة إليه بشجاعةٍ واهية كعهدها أمامه دومًا :
-أنا رجعت مع أمي من ساعتين كده عشان أجيب كام هِدمة لخالتي هانم و أعملها لقمة تتقوّت بيها.. من ليلة إمبارح و هي على لحم بطنها
رفع “مصطفى” حاجبه معلقًا :
-و كنتي نازلة تاني و ماشية منغير أذني ؟
أجفلت من ملاحظته الحادة، استجمعت نفسها بسرعة و قالت بصوت محايد :
-أنا قلت جيت مع أمي و هارجع مع أمي بردو و بعدين إحنا كده كده كنا مبيتين في المستشفى من إمبارح و انت كنت عارف !
إبتلعت ريقها بصعوبة و هي تجاهد لتبقى نظراتها صامدة أمامه حدقتيه الثاقبتين …
بعد برهةٍ طويلة تعمّد “مصطفى” أن يبث فيها ذبذبات سيطرته لئلا تظنه زوجته متساهلًا في أمور كتلك، فك تشنجات جسمه أخيرًا و أقبل نحوها متحدثًا بمرونة :
-أقعدي. مرواحك مالوش لازمة.. أبويا رايح يجيب أمي على المغربية كده
فاطمة باستنكارٍ : رايح يجيبها إزاي ؟ المفروض تقعد شوية تحت الرعاية
بدا باطنيًا تضامنه مع رأيها، لكنه قال كمن لا حول له و لا قوة :
-أبويا مصمم تطلع و إحنا نراعيها هنا …
و أضاف بعد تردد و هو يشيح بوجهه و يمسد على مؤخرة رأسه بكفه :
-و كمان هو مجهز لها مكانها فوق.. معاه في شقته !
إنفتح فاها على مصراعيه و هي تعقّب مدهوشة :
-إيه !!
مجهز لها مكانها معاه في شقته ؟ معقولة ؟!!
أدار “مصطفى” رقبته و نظر لها بحدة قائلًا :
-مش معقولة ليه ؟ هي مش مراته ؟؟!
فاطمة بشيء من الإضطراب :
-أيوة مراته.. بس يعني …
-بس يعني إيه !!! .. صاح بها متغالظًا، و أردف بفظاظة :
-الطبيعي إن أي راجل و مراته بيعيشوا سوا تحت سقف واحد.. إنتي و لا غيرك متوقعة إيه من أبويا ؟ أمي كانت سايباه و قاعدة معانا عشان تاخد بالها مننا.. لكن هي دلوقتي إللي محتاجة حد ياخد باله منها. و مافيش إلا جوزها أولى بده. و هو أولى بيها.. دي الأصول يا.. بنت الأصول !
و رماها بنظرة كالسهم المارق، ثم تولّى عنها ماضيًا إلى غرفة النوم، صفق الباب بقوة في وجهها
إنتفضت رغمًا عنها و بقيت مكانها تنظر إلى الباب المغلق بينما كلماته ترن بأذنيها، و لم تستطع إسكات لسان حالها الذي بدأ يواجهها بالحقائق : ” هي دي المعاملة إللي تستحقيها يا بطة.. إنتي إللي بإيدك اختارتي مصيرك الاسود ده. لو ماكنش عرف أي حاجة.. لو كنت استسلمتي للأمر الواقع. كان فضل شايلك على راسه زي ما كان و بيتمنى لك الرضا… حبك لرزق فادك في إيه دلوقتي. هو فين رزق أصلًا. لا طولتيه و لا طايلة الراحة مع أخوه !”
إنسابت دمعة ساخنة على إمتداد خدها أزالتها بسرعة و هي تعاود نزع وشاح رأسها ثانيةً.. ما من داعٍ للذهاب إلى أيّ مكان كما قال زوجها …
______________________
إنه تقريبًا نسخة مطابقة …
لعل الشكل مغاير، لكن الاسلوب نفسه، حتى عنوان القرية، إستطاع من قراءة لقب عائلته على لافتة كبيرة عند تخومها
( قرية أولاد الجزار )
الاسم هل هو مدعاة لكل هذا الفخر ؟ إن يكن.. هو لا يفخر به البتّة خاصةً الآن …
كان منزل “النشار” في وسط القرية تمامًا، قصر، يُطلق عليه “دوّار” بلغة أهالي الصعيد.. لم يكن العثور عليه شاقًا… سرعان ما وصل.. بعد أكثر من ثلاثة ساعات في الطريق
ها هو قد وصل بمفرده، و جالسًا في حضرة شيخ البلد و حاكمها.. “النشار” بشحمه و لحمه… إنه حقًا من دماء “الجزارين”.. يرث نفس التباهي و الكبرياء، القوة و تلك الهالة المهيمنة المحيطة به
كم كان مؤذيًا لمشاعره الآن أن يذكره هذا الرجل بالشخص الوحيد على وجه البسيطة الذي يكن له كرهًا عظيمًا… “سالم الجزار”.. أبيه !!!
-يا مراحب بالغالي إبن الغاليين ! .. هتف “النشار” بحفاوةٍ حارة و هو يعانق “رزق” عناق الرجال الشداد
-منوّر يا رزق.. حقيقي. ضلمت عند الجزار و نوّرت هنا عند النشار.. بجد مش مصدق عنيا. أقعد يابني واقف ليه ؟
وجه “رزق” الناضب من الحياة، أوحى له بالكثير، لكن “رزق” قطع عليه تفحصاته و عاجله قائلًا بصرامة واضحة :
-النشار عمنا و أبو الكرم و الضيافة.. بس أنا مش جايلك أضايف المرة دي للأسف يا عم إبراهيم. أنا جاي عاوز أختي !
جاء رد “النشار” مفاجئًا و هو يقول مبتسمًا :
-أبوك كلمني يا رزق و حكالي كل حاجة !
-حكالك ؟! .. علّق “رزق” بآلية
-و يا ترى حكالك على إللي عمله فيا و في أمي ؟ حكالك إنه خبى عني أختي ؟ و إنت كمان يا عمي كنت عارف يا ترى إنها أختي.. كنت عارف القصة دي كلها ؟؟!!!
-ممكن تقعد الأول بس. مانا مش سايبك الليلة دي على الأقل دي أول مرة تحط رجلك هنا. بص أنا آ ا …
-أنا عاوز أختي ! .. هتف “رزق” منهيًا كافة سبل النقاش، و أضاف بحزمٍ :
-مافيش كلام قبل ما أشوف نور.. بعدها وافقت تفضل هنا هاسيبها. حبت تيجي معايا هاخدها.. إنتهى !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
بدا باطنيًا تضامنه مع رأيها، لكنه قال كمن لا حول له و لا قوة :
-أبويا مصمم تطلع و إحنا نراعيها هنا …
و أضاف بعد تردد و هو يشيح بوجهه و يمسد على مؤخرة رأسه بكفه :
-و كمان هو مجهز لها مكانها فوق.. معاه في شقته !
إنفتح فاها على مصراعيه و هي تعقّب مدهوشة :
-إيه !!
مجهز لها مكانها معاه في شقته ؟ معقولة ؟!!
أدار “مصطفى” رقبته و نظر لها بحدة قائلًا :
-مش معقولة ليه ؟ هي مش مراته ؟؟!
فاطمة بشيء من الإضطراب :
-أيوة مراته.. بس يعني …
-بس يعني إيه !!! .. صاح بها متغالظًا، و أردف بفظاظة :
-الطبيعي إن أي راجل و مراته بيعيشوا سوا تحت سقف واحد.. إنتي و لا غيرك متوقعة إيه من أبويا ؟ أمي كانت سايباه و قاعدة معانا عشان تاخد بالها مننا.. لكن هي دلوقتي إللي محتاجة حد ياخد باله منها. و مافيش إلا جوزها أولى بده. و هو أولى بيها.. دي الأصول يا.. بنت الأصول !
و رماها بنظرة كالسهم المارق، ثم تولّى عنها ماضيًا إلى غرفة النوم، صفق الباب بقوة في وجهها
إنتفضت رغمًا عنها و بقيت مكانها تنظر إلى الباب المغلق بينما كلماته ترن بأذنيها، و لم تستطع إسكات لسان حالها الذي بدأ يواجهها بالحقائق : ” هي دي المعاملة إللي تستحقيها يا بطة.. إنتي إللي بإيدك اختارتي مصيرك الاسود ده. لو ماكنش عرف أي حاجة.. لو كنت استسلمتي للأمر الواقع. كان فضل شايلك على راسه زي ما كان و بيتمنى لك الرضا… حبك لرزق فادك في إيه دلوقتي. هو فين رزق أصلًا. لا طولتيه و لا طايلة الراحة مع أخوه !”
إنسابت دمعة ساخنة على إمتداد خدها أزالتها بسرعة و هي تعاود نزع وشاح رأسها ثانيةً.. ما من داعٍ للذهاب إلى أيّ مكان كما قال زوجها …
______________________
إنه تقريبًا نسخة مطابقة …
لعل الشكل مغاير، لكن الاسلوب نفسه، حتى عنوان القرية، إستطاع من قراءة لقب عائلته على لافتة كبيرة عند تخومها
( قرية أولاد الجزار )
الاسم هل هو مدعاة لكل هذا الفخر ؟ إن يكن.. هو لا يفخر به البتّة خاصةً الآن …
كان منزل “النشار” في وسط القرية تمامًا، قصر، يُطلق عليه “دوّار” بلغة أهالي الصعيد.. لم يكن العثور عليه شاقًا… سرعان ما وصل.. بعد أكثر من ثلاثة ساعات في الطريق
ها هو قد وصل بمفرده، و جالسًا في حضرة شيخ البلد و حاكمها.. “النشار” بشحمه و لحمه… إنه حقًا من دماء “الجزارين”.. يرث نفس التباهي و الكبرياء، القوة و تلك الهالة المهيمنة المحيطة به
كم كان مؤذيًا لمشاعره الآن أن يذكره هذا الرجل بالشخص الوحيد على وجه البسيطة الذي يكن له كرهًا عظيمًا… “سالم الجزار”.. أبيه !!!
-يا مراحب بالغالي إبن الغاليين ! .. هتف “النشار” بحفاوةٍ حارة و هو يعانق “رزق” عناق الرجال الشداد
-منوّر يا رزق.. حقيقي. ضلمت عند الجزار و نوّرت هنا عند النشار.. بجد مش مصدق عنيا. أقعد يابني واقف ليه ؟
وجه “رزق” الناضب من الحياة، أوحى له بالكثير، لكن “رزق” قطع عليه تفحصاته و عاجله قائلًا بصرامة واضحة :
-النشار عمنا و أبو الكرم و الضيافة.. بس أنا مش جايلك أضايف المرة دي للأسف يا عم إبراهيم. أنا جاي عاوز أختي !
جاء رد “النشار” مفاجئًا و هو يقول مبتسمًا :
-أبوك كلمني يا رزق و حكالي كل حاجة !
-حكالك ؟! .. علّق “رزق” بآلية
-و يا ترى حكالك على إللي عمله فيا و في أمي ؟ حكالك إنه خبى عني أختي ؟ و إنت كمان يا عمي كنت عارف يا ترى إنها أختي.. كنت عارف القصة دي كلها ؟؟!!!
-ممكن تقعد الأول بس. مانا مش سايبك الليلة دي على الأقل دي أول مرة تحط رجلك هنا. بص أنا آ ا …
-أنا عاوز أختي ! .. هتف “رزق” منهيًا كافة سبل النقاش، و أضاف بحزمٍ :
-مافيش كلام قبل ما أشوف نور.. بعدها وافقت تفضل هنا هاسيبها. حبت تيجي معايا هاخدها.. إنتهى !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
بالمضافة الفخمة حيث هو.. يجلس فوق كرسي من خشب “الأرابيسك” الأثري… يدوس بساط من جلد البقر
وحيدًا الآن
لا يدري ما أصابه بعد أن فارقه “النشار” كي ما يذهب و يأتي له بأخته، كان هادئًا.. أما الآن
يستيطع أن يسمع خفقات قلبه، و طنين أعضاؤه كلها في أذنه، حرارته إرتفعت بشدة، لا يطيق الترقب أكثر من ذلك
لا يمكنه أن يظل جالسًا هكذا دون أن يفعل شيء …
و في اللحظة التي هب واقفًا فيها، إنفتح الباب المزدوج من خلفه محدثًا صريرًا مسموع، مع شعوره بقلبه ينتفخ بصدره
أخذ “رزق” يلتفت رويدًا رويدًا.. حتى أتم استدارة كاملة و قد استقرت نظراته عليها
هذه هي.. أخته… شقيقته.. هذه الملاك !
أجل بالتأكيد هي، إنها هي بحق الله و عزته، إنها هي …
يرقة في ثوبٍ فضفاض أسود اللون، في غمضة عين صارت فراشة و هي تخطو بالداخل، شعرها المموّج الحريري يتهافت حولها، عيناها الردماديتان تتألقان بخضرة نادرة و قد لمح فيهما طبقة دموع
الثرايا المشعّة تعكس على بشرتها الناصعة لونًا برونزيًا فاتحًا يخلب البصر، و فوق كل هذا.. هيئة أمه… كأنه يرى طيفها.. أو… شبحها !
وحيدًا الآن
لا يدري ما أصابه بعد أن فارقه “النشار” كي ما يذهب و يأتي له بأخته، كان هادئًا.. أما الآن
يستيطع أن يسمع خفقات قلبه، و طنين أعضاؤه كلها في أذنه، حرارته إرتفعت بشدة، لا يطيق الترقب أكثر من ذلك
لا يمكنه أن يظل جالسًا هكذا دون أن يفعل شيء …
و في اللحظة التي هب واقفًا فيها، إنفتح الباب المزدوج من خلفه محدثًا صريرًا مسموع، مع شعوره بقلبه ينتفخ بصدره
أخذ “رزق” يلتفت رويدًا رويدًا.. حتى أتم استدارة كاملة و قد استقرت نظراته عليها
هذه هي.. أخته… شقيقته.. هذه الملاك !
أجل بالتأكيد هي، إنها هي بحق الله و عزته، إنها هي …
يرقة في ثوبٍ فضفاض أسود اللون، في غمضة عين صارت فراشة و هي تخطو بالداخل، شعرها المموّج الحريري يتهافت حولها، عيناها الردماديتان تتألقان بخضرة نادرة و قد لمح فيهما طبقة دموع
الثرايا المشعّة تعكس على بشرتها الناصعة لونًا برونزيًا فاتحًا يخلب البصر، و فوق كل هذا.. هيئة أمه… كأنه يرى طيفها.. أو… شبحها !
لثانية أصابه ذعرًا مجهول حين سمع صوت أمه ينبثق من فمها فجأة :
-رزق !!!
و اعتقد بأنها تتوجه نحوه فقط، إلا أنه تفاجأ بهجومها العاطفي عليه، إذ قفزت عليه حرفيًا و عانقته بكل قواها كالغريق الذي يتشبث بطوق النجاة
كان يشعر بالدوّار، و كان التركيز صعب كثيرًا، لكنه استطاع سماع الشجن الذي هو صوتها فعليًا بشكلٍ عجيب :
-أيوة.. انت رزق.. انت أخويا… أنا.. كنت مستنياك !
-رزق !!!
و اعتقد بأنها تتوجه نحوه فقط، إلا أنه تفاجأ بهجومها العاطفي عليه، إذ قفزت عليه حرفيًا و عانقته بكل قواها كالغريق الذي يتشبث بطوق النجاة
كان يشعر بالدوّار، و كان التركيز صعب كثيرًا، لكنه استطاع سماع الشجن الذي هو صوتها فعليًا بشكلٍ عجيب :
-أيوة.. انت رزق.. انت أخويا… أنا.. كنت مستنياك !
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)
جميله جدا جدا