روايات

رواية الماسة المكسورة الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة البارت الحادي والسبعون

رواية الماسة المكسورة الجزء الحادي والسبعون

الماسة المكسورة
الماسة المكسورة

رواية الماسة المكسورة الحلقة الحادية والسبعون

[ بعنوان: عقاب بلا ذنب]
مستشفى شمس الحياة، الساعة الثامنة مساءً.
توقفت سيارة سليم أمام المستشفى من الخارج،
( التي ظهرت سابقًا في أحداث قبل الفلاش باك.)
خرج مكي أولًا من السيارة بخطوات واثقة، ثم فتح الباب الخلفي برفق، فهبطت سلوى بفستانها الأنيق، تلتها ماسة بفستانها الفاتن وكأنها نجمة خرجت من شاشة سينما، قبل أن يظهر سليم، بجاذبيته و وسامته المعتادة ونظراته الحادة التي خطفت الأنظار.
بدأوا بالتحرك، لم تمسك ماسة يد سليم لكنها كانت تسير بجواره، تمسك يد سلوى.
بالطبع كان الحرس خلفهم، ومكي الذي دخل أولًا، واستقبلهم في الداخل دكتور جلال(الذي ظهر من قبل هو الآخر) وكان الحراس محيطين بالمكان من جميع الاتجاهات.
دكتور جلال بترحيب حار: سليم بيه، المستشفى كلها نورت، أهلا بحضرتك.
سليم هز رأسه بمودة: أهلا بيك يا دكتور.
مد يده وصافح دكتور جلال، ثم صافح ماسة بابتسامة ترحيب.
جلال: ماسة هانم، حقيقة الحفلة ما كانتش هتكمل من غير وجودك. أهلاً وسهلا.
ماسة برقي: ميرسي يا فندم، كومبليمو رقيق جدًا.
ابتسم جلال: لا دي مش مجاملة، دي حقيقة يا فندم.
أشار سليم نحو سلوى: سلوى، أخت المدام الصغيرة.
جلال برأسه مرحبًا: أهلا وسهلا يا فندم، تفضلوا.
تحركوا جميعًا، سليم مع جلال، ومعهم ماسة وسلوى، حتى توقفوا عند إحدى الطاولات حيث كانت عائلة سليم قد وصلت قبله.
جلال: الوزير كمان شوية هيكون موجود.
سليم بلا اهتمام: مش فارق.
جلال: عزت باشا وصل من شوية هو والهانم وأخوات حضرتك.
هز سليم رأسه بإيجاب: تمام.
جلال: تيجي معايا أعرّفك على مستر عزمي، الشريك الثالث؟ هو اتعرف على عزت باشا. فاضل حضرتك بس تتعرف عليه.
سليم: اوكيه.
نظر إلى ماسة: دقائق وراجعلك
ماسة بابتسامة: براحتك.
أثناء تحركه اقترب سليم من أذن مكي وهمس: سليم: فتح عينك كويس، أنا مش مرتاح، وحاسس إنها هتعمل حاجة.
مكي هز رأسه بإيجاب: ماتخافش، عيني عليها.
وحين تحرك سليم وابتعد، اعتدلت ماسة في وقفتها، تمسك كوب العصير بين يديها وتتلاعب به بنعومة، بينما عيناها تتعلقان بالمشهد أمامها كأنها تتابع الحفل. قالت بصوت خافت: إيه الأخبار، عملتي إيه؟
سلوى، وهي تنظر أمامها بضيق، تحدثت: ولا أي حاجة، لما بيكلمني، بخاف أعمل أي رد فعل ممكن يئذيكي. قلت أعدي اليوم ده، لحد ما تنفذي خطة الحقير التاني، وبعدها أشوف هتصرف معاه إزاي. والله ما هسيب حقي.
ماسة بقلق، وهي تنظر لها بهمس: أنا مش عارفة همشي إزاي أصلا. ما قاليش غير لما أرن عليك تخشي الحمام وتتصرفي.
تمايلت سلوى مع الموسيقى لكي لا تلفت الانتباه بابتسامة: وانتِ بقى عندك فكرة؟
ماسة هزت رأسها وهي تنظر أمامها: اممممم، شفتها في فيلم أجنبي، مش عارفة هتنفع والا لأ.
نظرت سلوى لها، ثم ضيقت عينيها: وإيه هي؟
ابتلعت ماسة ريقها بضيق هادئ: لما الزفت ده يتصل بيا، هدخل التواليت. وانتي هتيجي معايا. وقتها لما تدخلي جوه، افتحي سوستة فستانك واطلبي من راوية تدخل معاكي تساعدك، وأنا أهرب بسرعة… بس ده بعد ما أكح… السيم الكحة..
تساءلت سلوى: واللي واقف ورا ده هتعملي فيه إيه عامل زي الصقر.
هزت ماسة رأسها بعدم معرفة وهي تمد وجهها موضحة: رشدي قال لي هيتصرف.
صمتت ماسة للحظات وضعت الكاس التفتت بجسدها في زاوية سلوى وهي تقول بتوتر: أنا خايفة يا سلوى.
زمت سلوى شفتيها وأمسكت يدها بقلق: خدي بالك من نفسك.
ماسة بلا مبالاة: تفتكري ممكن يعمل إيه؟ هيقتلني؟ يقتلني..
تبسمت ابتسامة جانبية حزينة وأضافت: قتلي ده هيبقى رحمة ليا.. أنا بس خايفة عليكوا إنتم.
أخرجت أنفاسا ساخنة ونظرت أمامها وارتشفت القليل من العصير: غيري الكلام أفضل..
علت صوتها قليلًا وهي تنظر من حولها بتصنع:
تعرفي دي أول مرة أحضر حفلة من بعد الحادثة، حتى الحفلات اللي كانوا بيعملوها كل سنة بطلوا يعملوها.
سلوى بتأكيد وهي تبتسم: صح، بقالهم فترة كبيرة مبينظموش حاجة، ليه
ماسة وهي ترفع كتفها: ماعرفش، بس الصراحة كانت حلوة أوي، كنت بحبها، تحسيها زي أفلام ديزني ضحكت: وياريتها فضلت أفلام ديزني، بدل حفلات الفامبير اللي احنا عايشين فيها دي.
ضحكت الاثنتان، وضربا كفوفهما ببعض.
في تلك اللحظة، اقترب سليم: وأخيرًا شفتك بتضحكي.
تبسمت ماسة بدلال: تخيل
نظرت إليه بعينيها الأنثويتين، وهي تحرك كتفها بخفة ودلال: ومش هيبقى عندي مانع لو طلبتني للرقص كمان.
ابتسم سليم بصمت، وأمال رأسه قليلًا، ثم مدّ يده وشبك كفّه في كفّها، وتوجّها سويًا نحو ساحة الرقص.
بدأا بالرقص، وأخذت ماسة تتمايل مع سليم على أنغام الأغنية، كان سليم ينظر إليها بشوق ومحبة، يتذكر تلك الليالي الماضية، كان يتمنى أن تطول الساعات وهي بين ذراعيه، جميلة، رقيقة، وهادئة كما كانت دومًا، لكنه رغم كل ذلك، يشعر بشيء غريب بداخله شيء لا يملك له اسمًا.
أما ماسة، فلم تكن تلك الرقصة بالنسبة لها سوى وداع صامت، أو مسكّن مؤقت كي لا تلفت الأنظار لما تنوي فعله لاحقًا.
بعد انتهاء الرقصة، صفق الجميع والتُقطت بعض الصور، ثم التقطوا الصورة الشهيرة التي رآها مصطفى ومحمد في أحداث ما قبل الفلاش باك، عادوا بعدها إلى الطاولة، وشاركوا العائلة كأن شيئًا لم يكن.
فريدة معلقة: كويس انك جيتي.
ماسة مزاح: أخذت إفراج امال فين هبه وياسين بقلهم فترة مختفيين.
فريدة: في الجونه بقلهم شهر.
اومات برأسها بصمت.
رشدي نظر لسلوى ام نمش هتتجوزي امتي؟!
نظرت سلوى له وهي تقلب وجهها: بعد الامتحانات.
رشدي: عقبالي نظر اتجاة ماسة: وقريب.
أثناء ذلك اقترب طه من منى هامسًا.
طه: قوليلي مافيش أخبار جديدة.
منى: أنا وعدتك وعند وعدي بعدين من وقت قتل نيللي بعدت عن كل حاجة.
طه بشك: مش بيخططوا لشئ.
منى بخبث: حقيقي ما أعرفش بس لو عايزني أعرف ها أعرف.
طه: لا خلينا بعيد أفضل.
نظر طه لسليم: كويس انك سمحت لماسة تيجي الحفلة.
كاد ان يرد سليم سبقته ماسة: ما انا بقول اخدت أفرج (ضحكت) الصراحه انا اللى مكنتش بحب اخرج سليم من اول ما وافق انزل جامعة بيسبنى براحتي.
نظرت له وتبسمت وتبادل معاها سليم الابتسامة بنوع من الشك
وأخذوا يتبادلون الأحاديث الخفيفة، وأثناء ذلك، لاحظت ماسة نظرات رشدي المركزة عليها، مستغلاً حديث فايزة مع سليم الذي كان متفقًا عليه، فهمت ماسة أن رشدي يريد منها أن تنتبه لهاتفها.
تنهدت نظرت ماسة لسليم، قالت له بهدوء: ممكن أروح الحمام؟
سليم برأسه: آه طبعًا.
توجهت ماسة إلى المرحاض ومعها سلوى، وخلفهم بالطبع راويه، التي كانت كظلٍّ لهم وقفت راويه عند الأحواض، ودخلت ماسة وسلوى كل واحدة إلى مرحاض مختلف.
أخرجت ماسة الهاتف الذي اعطاه لها رشدي كانت تخبئه في ملابسها، قرأت الرسالة وفهمت المطلوب، بعثت رسالة لسلوى وقالت لها: لما أكح، نادي راويه زي ما اتفقنا،وأمسحي الرسالة.
خلعت ماسة السوار التتبعي، ووضعته فوق مقعد المرحاض. وبعد دقائق قليلة، سعلت بصوت خافت، وهنا ارتفع صوت سلوى..
سلوى بصوت مرتفع من مكانها: ماسة، ممكن تيجيلي ثانية؟
ماسة: أنا لسه في الحمام يا حبيبتي. روايه، شوفي سلوى هانم محتاجة إيه.
راويه: حاضر.
توجهت راويه نحو سلوى. فتحت سلوى لها الباب ودخلتها.
سلوى بلطف وهي تعطيها ظهرها: معلش، ممكن تقفليلي السوستة؟
على الاتجاه الآخر.
عندما سمعت ماسة صوت انغلاق الباب، خرجت بهدوء من المرحاض مسرعة، ووقفت خلف الباب الرئيسي للحمّام. اتصلت برشدي، الذي ينتظر خارجًا عند الباب، فأرسل لها رسالة: هشغّل مكي، أول ما يديكي ضهره، اجري.
فتحت ماسة الباب قليلاً، وألقت بنظرة خاطفة بعينيها تراقب الأجواء.
على إتجاه أخرى في الخارج أمام باب الحمام.
مكي واقفا في انتظار ماسة، اقترب رشدي من مكي ليثير انتباهه: مكي، سليم فين؟
مكي وهو ينظر من حوله بعينه: هتلاقيه مع جلال.
وفي اللحظة التي أعطى فيها مكي له وجهه، خرجت ماسة بسرعة وسلكت ممرًا آخرا قريبًا وجدت بابًا مفتوحًا، دخلت وأغلقت خلفها، أخرجت عباءة ونقابًا من حقيبتها وارتدتهما بسرعة، ثم فتحت الباب وخرجت.
تحركت وسط الحضور دون أن ينتبه لها أحد، لكنها تجنبت التحرك بجانب أحد ربما يعرفها، ثم خرجت للشارع، أوقفت تاكسي، ركبت، وطلبت منه أن يتجه للمكان المتفق عليه مع رشدي وهو موقف الميكروباص.
لكن ماسة ما إن تحرّك التاكسي بها في الطريق، حتى بدأت بخلع الإسدال والنقاب، لم تكن تدري أن هذه الفعلة، التي ظنّتها بسيطة، ستجرّ وراءها كارثة،كارثة لم تكن في الحسبان.
في نفس اللحظة فى مرحاض المشفى.
خرجت راويه من المرحاض، لاحظت أن المرحاض الذي كانت فيه ماسة مفتوح، نظرت باستغراب لم تجدها، ركضت إلى مكي
راويه بفزع: مكي الحق! ماسة هانم مش موجودة!
نظر مكي ورشدي لبعضهم باندهاش قال مكي بصدمة: إيه اللي انتي بتقولي ده؟ راحت فين؟
ركضا مسرعين إلى الداخل، في حين خرجت سلوى توقفت عند الطاولة وكأن شيئاً لم يكن، وبالطبع لم يجدوها. أسرعوا نحو سليم وأخبروه.
مكي وهو يلهث: سليم، ماسة مش موجودة!
وهنا اتسعت عينا سليم بصدمة وقع الكاس من بين يديه: إنت بتقول إيه؟
مكي بأنفاس متلاحقة: معرفش خرجت ازاي.
سليم بغضب أمسكه من قميصه وصاح في وجهه كالرعد: أمال مين اللي يعرف؟! بسرعة يا مكي، المخارج والمداخل تتقفل، اقلب المستشفى كلها! يلا، أنت لسه واقف!
ركض مكي وهو يتحدث في جهاز اللاسلكي الخاص بالحرس، وسرعان ما سُمعت أصوات إغلاق الأبواب وتحرك الجميع وحدث هرج ومرج كبير في القاعة.
أمسكت فريدة رشدي من يده بلهفة: في ايه يا رشدي؟!
رشدي بهدوء: ماسة مش موجودة، أنا مش فاهم حاجة. عماد تعالى معايا.
فايزة مدعية التعجب، رفعت حاجبها: إزاي يعني؟
عزت بشدة: معاهم يا براهيم.
في تلك اللحظة توجه سليم نحو سلوى وقال لها بحدة: راحت فين؟
سلوى بثبات، وبنبرة متهكم: مشيت، ومعرفش راحت فين، ولا قالتلي؟!
قرب سليم وجهه من وجهها بغضب يعصف به: اللي عملتيه ده غلط، وهتدفعي ثمنه.
رفعت سلوى أحد حاجبيها متعجبة وهي تمد وجهها: بتـهددني؟
سليم بنبرة باردة لكنها لا تقبل النقاش والحسم: أنا لسه ماهددتش.
تحرك سليم بعصبية، وأثناء ذلك نظرت سلوى لآثاره وتحدثت من بين أسنانها بقوة: ده أنت طلعت فعلاً غير اللي كنا متخيلينه.
كان سليم يسير كالأسد الهائج، يبحث عنها في كل مكان، ووجهه مشدود من الغضب والخوف. بدأ الهرج والمرج يزداد في المكان، وبدأ الكل يبحث عن ماسة. توجه سليم إلى غرفة المراقبة، وكان معه مكي شاهدوا الكاميرات، ورأوا ماسة وهي توقف تاكسي وتصعده.
وهنا ركض سليم إلى سيارته، قادها بجنون، وكأنه لا يرى شيئًا أمامه، كان عجل السيارة يصرخ خلفه بلا جدوى. عروق عنقه نافرة، تحدث في الهاتف بصوت جهور.
سليم صاح: حد يشوف التاكسي ده، حد يقفل الطريق! ماتخلوهاش تفلت!
أخذ يقود السيارة بجنون وهو ينظر بعينه يميناً ويساراً بحثاً عنها وهو يجز على أسنانه.
على الاتجاة الآخر عند ماسة.
ماسة تجلس في المقعد الخلفي للتاكسي، وقلبها يرتجف داخل صدرها كعصفور مذعور. نظراتها تتنقّل بين المرايا والزجاج الخلفي في هلع، تتلفّت كل ثانيتين، كأنها تتوقّع أن ترى سليم يخرج لها من أي زاوية، يداها ترتعشان، وصوتها بالكاد يخرج وهي تهمس للسائق: لو سمحت، ممكن تسرّع شوية؟ معلش مستعجلة أوي…
السائق، رجل في منتصف العمر، نظراته عبر المرآة تعبث بها دون حياء، تختلس تفاصيلها بشهونية، كأن عينيه تجردانها بصمت من ثيابها. نظراته تحمل نهمًا مقزّزًا لم تخطئه عيناها، الشره المتوحش المتربص بأنوثتها بوقاحة لا تعرف الخجل.
تساءل بنبرة مريبة: إيه اللي جابك المكان المقطوع ده يا آنسة؟
ماسة بحدّة، دون أن تلتفت: مالكش دعوة! سوق وإنت ساكت.
ابتسم ابتسامة خبيثة: بالراحة بس، إحنا بنتكلم يعني.
ضغطت على هاتفها بيد مرتعشة، واتصلت بـرشدي، صوتها كان مختنقًا بالخوف: إنت فين؟
رشدي من الطرف الآخر وهو يقود سيارته، بصوت متعجل: أنا جاي من اتجاه تاني، نفذي كلام، زي ما قلتلك: هتركبي الميكروباص اللي رايح الساحل الشمالي من الموقف.
تساءلت ماسة بتلعثم وخوف: سليم عرف!
رشدي: أيوه، وخرج على الطريق، وأنا كمان في الطريق، المفروض بندور عليكي دلوقتي.
ماسة بدموع ونبرة متحشرجة: أنا خايفة يا رشدي.
رشدي بهدوء: ماتخافيش، وبلاش تتصلي بيا تاني!
أغلقت الهاتف وهي تشعر برعب يمزّق أحشائها، تحاول تهدئة نفسها، لكن نبضها في أذنيها كان أقوى من صوت عقلها السائق كان لا يزال يلتهمها بنظراته، ينظر لعينيها ولمفاتنها، وهو يعض شفته السفلى بشهوة مريضة، حكّ ذقنه بنية غامضة، ونظر للطريق الهادئ أمامه، الطريق الذي لا أحد فيه كأن القدر منح له فرصة شيطانية دون شهود.
وفجأة، انحرف التاكسي نحو شارع جانبي مظلم. الشارع خالٍ من السيارات والشهود، لم تنتبه ماسة له بسبب عدم معرفتها الطريق إلا عندما توقفت السيارة فجأة.
التفتت نحوه بخوف: إنت وقفت ليه؟
السائق بخبث وهو يهبط: العربية فيها حاجة، ثواني أشوف.
تحرّك نحو الكبوت بتصنّع، لكن بدلًا من فتحه، التفت فجأة واتجه نحو بابها.
فتح الباب بعنف، وقبل أن تستوعب ما يجري، مد يده نحوها بطريقة مقززة، محاولًا لمسها.
اتسعت عيناها بصدمة: عايز ايه ابعد عني.
السائق بسوقية وشهوانية: أبعد ايه؟ ده انتي مزة وحركتي بيا حاجات كانت عطلانة من سنين
صرخت ماسة وعادت للخلف برعب: إنت عايز إيه يا حيوان؟! ابعد عني! صاحت مستنجدة :حد يلحقني
لكنه لم يتوقف. ازداد وقاحة واقترب أكثر، وهي تقاوم، تبكي، تضربه بكل قوتها، ثم رفعت قدميها وركلته بعنف في بطنه جعل جسده يترنح للخلف.
اندفعت مهرولة من السيارة كمن يهرب من جحيم مشتعل، وصرخاتها تملأ الليل: يا ناس! حد يــلحقني!
هرولت بسرعتها، داخل مباني تحت الإنشاء، لا أعمدة فيها ولا أبواب، فقط، ظلام وسكون وخرسانة
لكن السائق لحق بها، وهو يصيح بصوت مرعب: هتروحي مني فين؟!
رفعت حفنة تراب من الأرض وقذفتها عليه محاولة يائسة للهروب، لكنه أمسكها من ظهرها، جذبها إليه بطريقة مقززة ضمها إليه كأنها فريسة.
ماسة بذعر: حرام عليك! أنا زي بنتك! ابعد عني!
فجأة ضغطت على قدمه بقوة جعلته يتلوّى، ويفلتها، ركضت من جديد والدموع تنهمر من عينيها، تصرخ حتى بحّ صوتها: حـــــد يلــــــحقنــــــي! يا نــاس حد يلــحقني يـــا نـــاس يا ناس
وفي الجهة المقابلة، سيارة تقترب من المكان، وخلفه سيارة الحرس، لكنه يسبقهم بمسافة، قلبه يصرخ بيقين أن شيئًا يحدث، لمح التاكسي متوقفًا بجانب الطريق المهجور، توقف، ترجّل من السيارة مسرعاً، نظر حوله لكن لم يجدها اتسعت عيناه بعدم فهم، فجأة التقط سمعه صراخًا مكتومًا يتردّد من بعيد.
حــد يـــلحقني
شدد على قبضته، وركض ناحية الصوت.
في اللحظة نفسها، كانت ماسة ما تزال تركض، لكن السائق تمكن منها، أمسك ذراعها بقوة، جذبها إليه، محاولًا تقبيلها، لمستة كان مثل الجحيم.
صرخت وضربته بقبضتيها، ثم عضته من أذنه بعنف جعلته يصرخ ويتلوّى. دفعت جسده وركضت، لكن حذاءها ذا الكعب العالي خانها، وسقطت بقوة على الأرض، زحف نحوها كوحش ضارٍ، يحاول السيطرة عليها.
عادت بظهرها زحفا للخلف وهي تبكي برعب متوسلة: حرااااام عليك سبني! انا زي بنتك أبوس ايدك، سبني ارحمني حرام عليك.
لكن قبل أن تكتمل المأساة، دوّى صوت قوي من بعيد كأنه الرعد في ليالي الشتاء القارسة إنه سليم، بنبرة رجولية جهورة: مــــــــــــاسة!
التفتت وهي تبكي بصوت عالي مستغيث بجنون: سـليم! سليم! الحقني! ســــــليم أنا هنا الحقنــــي ســــليم.
السائق متعجباً: مين ده؟
ماسة نظرت له بغل وهي تضربه: جوزي يا حقير!
وفجأة، اقترب سليم كالعاصفة، عينيه تشتعلان صدمة من المنظر، وفي لمح البصر، أمسك السائق من قميصه، وطرحه أرضًا وهو يقول: بتعمل ايه يا كـــلب يا حقير؟!!
أخذ ينهال عليه باللكمات العنيفة، واحدة تلو الأخرى، كمن فقد عقله، كأنه يضرب كيس رمل لا إنسان، يصيح، ووجهه يشتعل غضبًا، وعيناه تقدحان شررًا، وعروقه نافرة تكاد تنفجر:
بتعتدي على بنت؟! على بنت وثقت فيك يا كلب يا وضيع يا خسيس كنت ناوي تعمل إييييييه؟!
كانت ماسة تبكي وهي ملقاة على الأرض، انكمشت على نفسها. وأخذ جسدها يرتجف بشدّة من الرعبد
أما سليم، لم يتوقف للحظة ممسكاً بالسائق كدميه بين يديه يعطيه لكمات وصفعات دون توقف، وقع السائق على الأرض الذي لم يدافع عن نفسه للحظة
انفجر جنون سليم أكثر، وأخذ يقوم بركله بقوة في وجهه وجسده حتى سال الدم.
توقف سليم لحظة وهو يركله في جانبه، وصاح بغضب:
كنت عايز تغتصب مراتي يا حقير؟ كنت عايز تتعدى على واحدة، وثقت فيك يا حثالة يا عديم الشرف…بل متحافظ عليها تتعدى عليها يا قذ ر، ياعديم الشرف، أنا هندمك يا واطي علشان تكون عبرة.
كان الرجل قد أغشي عليه من شدة الضرب، سال الدم من رأسه، وانكسرت أضلاعه، فجأة، أخرج سليم مسدسه من خصرة وصوّبه نحو رأسه.
عندما رأته ماسة اتسعت عينا، هرولات نحوه، ضمّت جسده، وصرخت بكل ما فيها: متعملش كده يا سليم أرجوك!
ماسة صرخت بدموع ورفض: لا مش هوعى نزل المسدس، ما توديش نفسك بمصيبة يا سليم.
نظر إليها بعينين ملتهبتين بالغضب، وعروق وجهه نافرة وببحة جهورة: عارفة كان هيعمل فيكي إيه؟ عارفة؟!
ماسة بتوسل ودموع: عارفة، اعمل فيه أي حاجة، بس ماتقتلهوش، دخله السجن، اعمل اللي انت عايزه، بس قتل لا، وحياتي عندك، أنت وعدتني، وعدتني! سليم مش بيخلف وعده، مش هيقتل، مش هيبقى قاتل؟
كان الحراس قد وصلوا، ومعهم مكي توقفوا بقربه.
مكي متعجباً من المنظر: سليم في ايه؟!
لكن عين سليم على ماسة لا تتحرك، وهي أيضاً مازالت تتوسله: سليم نزل المسدس يلا وحياتي عندك.
كان سليم ينظر بداخل عينيها ولتوسلاتها، مرت لحظات، والصمت يخيم، تبادلا النظرات هي متوسلة وهو رافض، جزّ على أسنانه فجأة من شدة الغضب حتى استمعت لصوت صريرهم، كاد أن ينفجر من قسوة ما يشعر به، كأن العاصفة التي بداخله كانت على وشك أن تلتهمه، أخفض المسدس ببطء أخيراً، تراجع في اللحظة الأخيرة، وكأن وعده الملعون لها كأن حزامًا ناريًا يلتف حول عنقه، يحرقه ويخنقه بلا رحمة.
في داخله غضب وغيظ يغليان كحمم بركان على وشك الانفجار، كأن الأرض تحت قدميه ستشقق من شدة الاحتباس، يريد بشدة أن يفجر رأس ذلك السافل، بلا رحمة، لكن ذلك الوعد الذي قطعه على نفسه يحجمه ويمنعه وجعل يده تتراجع.
بين حبه لها و وعده، وبين رغبته في قتله، كانت هي من انتصرت، رغم أن العاصفة التي تجتاح قلبه لم تهدأ.
فجأة، صرخ بنبرة رجولية جهورية، كزلزال هز كل من حوله، وأطلق طلقات في الهواء كمن يحاول تبريد النيران التي تشتعل داخله. كانت الطلقات محاولة ربما لتهدئة تلك العواصف الرعدية التي تسكنه، لكنه كان يعلم أن الغليان الذي بداخله لن ينتهي بسهولة.
ثم ركل السائق مجددًا فجعل جسدة يهتز من قوة الضربة، وقال وهو يشير نحوه: الحقير ده مايشوفش الشمس تاني، لازم يكون عبرة.
ثم التفت إلى ماسة، أمسك يدها بقوة، وسحبها نحو سيارتة دون أن يتفوه بكلمة واحدة، تحركت معه بصمت، فهي مازالت غير مستوعبة ما كان سيحدث معها والرعب كان متملكا منها.
عند سيارة سليم.
توقف سليم أمامها، ونظر إليها بغضب يكاد يحرقها، بينما كانت تبكي بحرقة، وألم والخوف قد غطى عينيها.
سليم بنبرة غاضبة، صوتها ممتزج بالرجولة والخوف والعتاب:
ليه عملتي كده؟ ليه وصلتي نفسك للدرجة دي؟ مستاهلة؟ للدرجة دي يا ماسة؟ للدرجة دي؟
صرخ بها حتى اهتزت: عارف كان ممكن يعمل فيكي إيه؟ لو ماكنتش وصلتلك في الوقت مناسب عارفة كان ممكن يحصل فيكي إيه؟ ليه عملتي كده؟! لـــيه؟
صرخ مرة أخرى، جعلها ترتجف وتهتز: عايزة تجننيني ها، إنتي فعلاً جننتيني، كان فين عقلك ردي عليا كان فين؟! هو العند للدرجه دي!؟
اهتزت بصمت، وانهمرت دموعها وهي تُطأطئ رأسها، كأنها مجرمة تتهيأ لتلقي جلدات جلادها
ضرب بكفه بقوة على سقف السيارة وقال بعينين يشتعلان غضب وقهرا من فعلتها: فهميني ليه عملتي كده؟! سبب واحد؟! طب لو كان جرى لك حاجة، أنا كنت هعمل إيه؟
افرضس مكنتش لحقتك افرضي كان قتلك؟! كنت هموت، هموت يا ماسة، كنتي هتخليني أقتل واحد بعد ماوعدتك، مستحيل أعملها.
ضرب بقبضته مرة اخرى على السيارة بغضب: ليه؟ فهميني ليه؟ عملتي كدة … ليه .. ليه؟
نظرت إليه برعب شديد، جسدها ينتفض بصمت، ودموعها تنهمر بحرقة كطفلة مذعورة من عقاب والدها، احتضنت نفسها، عاجزة عن النطق، لا تدري ما الذي يمكن أن تقوله.
أخذ ينظر إليها، وهو يجزّ على أسنانه بغيظ شديد من فعلتها، التي كانت ستدفع ثمنها غاليًا لكن تلك الدموع التي تنهمر بلا توقف، وخوفها الشديد، وذلك المشهد، جعلا قلبه يلين. فـ غضب لم يكن من فعلتها، بل من خوفه عليها، كان يخشى أن يصيبها شيء.
فجاة سحبها من معصمها بخشونة محببه، واحتضنها بقوة، كأنما يحاول أن يطمئن نفسه أنها لا تزال حية، أنها في أمان.
وبينما هي بين أحضانه، كان يمسح على ظهرها وشعرها بحنان: خلاص، خلاص، محصلش حاجة يا عشقي، انتي هنا، في حضني، وأنا هنا جنبك ومعاكي، ماحدش هيقرب منك خلاص. أهدي، انتي جو حضني جنبي قلبي، ماتخافيش خلاص يا قلب سليم، أنا هنا جنبك مستحيل اسيبك ولا اسمح إن حد ياذيكي.
بعد لحظات، عدلت ماسة وضعها ووضعت رأسها على صدره، فأحاطها بكلتا ذراعيه، وهو يمسح على كتفها. وكأنها قد تناست كل شيء فجأة، لم تجد مكانًا للراحة ولا أمانًا لها سوى في حضنه، بجانب قلبه.
بعد لحظات، عدّلت ماسة وضعها، وأسندت رأسها إلى صدره. أحاطها بذراعيه ومسح على كتفها بحنان، وكأن ذلك الحضن وحده قادر على محو كل الآلام، نسيت فجأة كل شيء، ولم تجد للراحة ملاذًا، ولا للأمان موطنًا، سوى جواره هناك، حيث ينبض قلبه.
وبعد لحظات، اقترب رشدي، الذي عندما راي ذلك المنظر توقف مندهشا فلم يخطر بباله انه سيشاهد ذلك قال معلقا: إيه اللي بيحصل هنا؟
نظر مكي لرشدي الذي كان قد اقترب: تقريباً كان في واحد عايز يتعدى على ماسة السواق اللى ركبت معاه.
اتسعت عينا رشدي بصدمه بنبرة متلعثمة: ووأعمل لها حاجة؟
هز سليم رأسه بلا بصمت، وأثناء ذلك، كان أحد الحراس يسحب السائق من قدمه، زاحفًا على الأرض.
مكي تسأل: سليم، اعمل فيه إيه؟
فجأة، أخرج رشدي مسدسه وأطلق النار على السائق، وعيناه تشتعلان بالغِل فمات في الحالي، كيف تجرأ على التفكير في أذى ماسة؟! الغضب يعصف بقلبه، لمجرد أنه تخيل الخطر يقترب منها، برغم انه يقوم بتهددها! كيف يحزن إن مسّها سوء، ويغضب إن خافت، ثم يكون هو مصدر الخوف؟
ابتعدت عن ماسة عن سليم ونظرت لرشدي متعجبه، من فعلتة بينما قال رشدي بحدة: لسه هتسأل؟ واحد زي ده، هو ده الرد اللي يستحقه، ولا انت شايف إيه يا سليم؟
سليم بنبرة باردة: ادفنه مكانه يامكي وبلغ اسماعيل.
فهذا ماكان يريدة سليم منذة البداية، لكن منعته ماسة لفعلها، لذلك لم يتحرك ساكناً على ما فعله رشدي بل كان راضياً.
ثم أمسك يد ماسة، وأدخلها السيارة برفق، ثم صعد من اتجاه المقود وتحرك وخلفه سياره الحراس.
أما رشدي، فاظل واقفًا، ينظر إلى السيارة وهي تبتعد، وقال في نفسه: لا كده يتخاف عليك يا ست الحسن جامد، نفكر فكرة تانية.
على الجانب الآخر، داخل سيارة سليم.
سليم يقوده السيارة بصمت واضح، وغضب بادٍ على ملامحه، من حينٍ لآخر، كان يرمق ماسة بنظرات ممتلئة بالعتاب والضجر، فهي كانت ستسبب مصيبة لنفسها بفعلتها طائشة تلك
بينما كانت هي تضع رأسها قرب النافذة، منكمشة على نفسها، صامتة، لا تنبس بكلمة، وكأنها تحاول أن تختبئ من كل شيء، حتى من نفسها، دموعها الساخنة تهبط بصمت موجع على وجنتيها، وكان السكون يهبط عليهما كستار ثقيل، لا يقطعه سوى صوت المحرك الباهت.
قصر الراوي، الثانية عشر صباحاً
وصلوا إلى القصر، حيث كان الجميع في انتظارهم في الهول. القلق كان واضحًا في عيون الحاضرين، وكل الأنظار اتجهت نحوهم فور دخولهم.
عزت بقلق: إيه إللي حصل؟
سليم بهدوء: مافيش حاجة. ماسة خرجت تشم شوية هوا، كانت مخنوقة وحابة تبقى لوحدها، وأنا فهمت غلط. يعني كبرت الموضوع.
صافيناز بخبث: بس إحنا سمعنا إنها هربت.
سليم رفع حاجبه مندهش: تهرب؟ تهرب من إيه؟ بلاش هلاوس.
صافيناز بمكر: ما هو ده إللي استغربنا له.
سليم بهدوء حاسم: زي ماقلت، كانت مخنوقة شوية وطلعت تتمشى، وأنا خفت عليها، لإني ماكنتش عارف إنها خرجت.
عزت: المهم إنها بخير.
فريدة بتنبيه: يا ريت بعد كده تفكري قبل ماتعملي أي تصرف زي ده ياماسة، بلاش الأفكار الحماسية المتسرعة، فيه ناس حواليكي بيخافوا عليكي جدًا.
أكتفت ماسة بهز رأسها بصمت، بينما سليم أمسك يدها وسحبها معه إلى الأعلى، صاعدًا بها إلى جناحهما.
نظر عزت لهما ثم تمتم متسائلًا وهو ينظر إلى صافيناز: هو مش رشدي بلغك في التليفون إن في حد حاول يعتدي عليها؟
صافيناز جلست وهي تضع قدمًا فوق قدم، قالت بتأكيد: أيوة، بس أنا مافهمتش حاجة من إللي قالها، غير أن لما وصلهم، كانت خايفة وبتعيط، ومكي قاله إن فيه حد حاول يتحرش بماسة، ورشدي قتله.
طه بإنفعال: يستاهل، كان المفروض يشنقه.
ابراهيم: عندك حق، سليم أصلاً إزاي ماقتلهوش؟
عزت حسم الحوار: خلاص، مش عايزين نتكلم في الموضوع ده…أكيد هو مش هيحب الموضوع يتفتح، وواضح أنه مش عايز يشاركنا. لازم نحترم قراره، ونتعامل كأننا مانعرفش أي حاجة، ونبهي على رشدي يا فايزة مايفتحش الموضوع، وإنتي كمان فريدة، ماتتكلميش معاها في أي حاجة، الموضوع هيكون حساس إحنا محتاجين إنها تنساه.
فريدة بتأكيد: أكيد مش هتكلم معاها، وموضوع إن ماسة هربت دي استحالة يا صافي، دي عبيطة مالهاش في الحركات دي.
فايزة بحدة: مظبوط استحالة، دي صعلوكة تهرب من ابني!! من سليم الراوي!!! أكيد عقلها يبقى خف، لو فكرت تعملها المكان إللي تستحقه هو سرايا المجانين،حقيقي مستفزة بوظت علينا الحفلة، مقرفة.
نهضت وهي تعدل شالها الفرو: يلا نطلع ننام، الوقت اتأخر. تصبحوا على خير. يلا يا عزت.
بدأ الجميع في التفرق والصعود، ما عدا صافيناز وعماد، اللذان خرجا إلى الحديقة. توقفا بجانب بعضهما، يتحدثان بصوت منخفض.
عماد بضيق: رجعنا للصفر تاني.
صافيناز بغضب: السواق الغبي ده، كان لازم يعني، أصلاً هي مش حلوة خالص.
عماد ضحك: لا،الصراحة البنت حلوة.
نظرت له صافيناز كأنها لا تريد الاعتراف: ماشي حلوة، بس ماكانتش لابسة حاجة مغرية تخليه يعمل كده كانت عادية خالص.
تنهد عماد باستنكار: هنعمل إيه حظنا فقري، خلينا نطلع أوضتنا، وبكرة نشوف رشدي هيعمل إيه.
جناح سليم وماسة.
دخلت ماسة الجناح مستندة إلى ذراع سليم، والتوتر والحزن ينهشانها من الداخل. ماتعرّضت له قبل قليل كان كافيًا لقتل ما تبقّى فيها من قوة. هشّة، محطّمة، جسدها لا يزال يرتجف ودموعها لم تتوقف بعد.
ساعدها سليم على الجلوس برفق، ووضع وسادة خلف رأسها كما يحب أن يفعل دومًا معها، وكأنها الشيء الوحيد الذي مازال يحسن معاملته.
جلس أمامها، أمسك بيديها وسألها بنبرة محبة: إنتي كويسة؟
رفعت ماسة عينيها نحوه، وأجابت بهزّة “لا” بصمت، امتلأت بالضعف والانكسار، ثم إنهارت باكية بحرقة.
ظلّ سليم يحدّق بها طويلًا، لا يدري ما يقول أو يفعل، مسح على عينه بأنامله بمزيج من التعب والتفكير.. عيناه تنطقان بكل ما يعجز عنه لسانه: ضيق، غضب، خوف، وحنان. أراد أن يصرخ، أن يضرب، أن يلعن، لكنّ حزنه وخوفه عليها كبله بسلاسل من نار في عتمة موحشة. يدرك أنّ اللوم لا يفيد الآن، وأنها بحاجة إلى صدر يحتويها لا عتاب يُقصمها.
ترك غضبه جانبا، وترك عشقه لها هو الذي يقوده، سحبها برفق إلى أحضانه، احتواها بدفء وحنان. وضعت رأسها على عنقه، تبكي بصمت، ربت على ظهرها، وطبَع قبلة على شعرها، ثم همس بصوت حانٍ: أرتاحي، ماتخافيش أنا جنبك، وطول ما أنا جنبك، ماحدش هيقدر يقرب لك، حتى لو على حساب حياتي. حضني ليكي، دايماً ليكي، ومفيش أمان غيره.
هي الأخرى ضمته بقوة، أغمضت ماسة عينيها وارتاحت برأسها على كتفه، وكأنها اخيرا وجدت أمانها، لكن بعد دقائق، فتحت عينيها بصدمة، كأنها تذكرت الحقيقة، الحقيقة التي تحاول دفنها، كيف لها أن ترتاح بين أحضان رجل مثل سليم؟ تاجر سلا،ح وأعضاء، عاش معها سنين بأكاذيب؟
ابتعدت عنه فجأة، كالملسوعة.
نظر لها باستغراب، لا يعي لرد فعلها: مالك.
أشاحت بوجهها جانباً،فلم تستطع تفسير ذلك، خائفة من أن تنفجر وتكشف كل شيء في لحظه ضعف، فتخسر حياة عائلتها وكل من حولها.
ماسة بجمود: أنا محتاجة أنام.
هزّ سليم رأسه موافقًا: ماشي تعالي أساعدك تغيري هدومك.
ماسة برفض: لأ، هنام كدة.
تمددت على الفراش، أحكم سليم عليها الغطاء، وظل جالسًا إلى جانبها، يضع يده على جبينها ويتأمّلها بصمت عقله يضجّ بالأسئلة.
بعد وقت حين تأكد أنها ذهبت في سبات عميق، مرر أصابع يديه على وجهها بحنان وضع قبلة على جبينها ثم نهض وتحرّك بخطواتٍ متعبة، جلس على الأريكة وأشعل سيجارته، بينما عيناه لم تفارق وجهها، نظراته ثابتة، لكن رأسه يعجّ بأفكارٍ متلاطمة، كأمواجٍ هائجة لا تعرف الرحمة، جال بخاطره: أحقا وصلت بيننا الحياة لدرجة إنها تتركه هكذا؟ أيتركها تذهب ثم تعود؟ أأضغط على نفسي وقلبي وأوافق؟! هل هو المخطيء وهي على صواب؟
بعد ساعات من التفكير، في قرارة نفسه، قرر أن يتركها تذهب لعائلتها أسبوعًا، فـ الوضع بينهما بات خطراً
فيلا عائلة ماسة الواحدة صباحًا.
لم يعد مكي إلى بيته طوال الليل، بل ظل جالسًا في حديقة، مترقّبًا اللحظة التي تنزل فيها سلوى. كان يريد أن يفهم، أن يعرف كيف تجرأت وساعدت ماسة على فعل ما فعلته. لم ينبس بكلمة طوال الليل، يراقب صمت المكان وغليان صدره.
حتى جاة الصباح وفي إتمام العاشرة صباحاً، ما إن فتحت سلوى نافذتها، حتى رآها.
كان واقفا هناك عند التلّة المقابلة، عيونه مشتعلة، أشار لها بيده كي تنزل له.
نظرت إليه بإستغراب للحظة، ثم اختفت بعيداً عن النافذة وتوقفت خلف الستائر ودقات قلبها تعلو، والخوف يتسلل إلى صدرها. لم تكن تعلم بعد أن ماسة لم تستطع الهروب وأنهم أعادوها، ولم تكن تدري بما حدث بعدها.
ارتدت ملابسها على عجل، وهبطت درجات السلم حتى خرجت ووقفت أمامه.
نظر إليها مكي بعينين تشتعلان غضبًا، لم يمنحها فرصة للتفوه بكلمة، بل بادرها بصوت جهوري متسائلًا، كأن الاتهام قد سبق السؤال
مكي: إيه إللي إنتوا عملتوه إمبارح؟
ابتلعت سلوى ريقها وهي تتصنع عدم الفهم: عملت إيه؟ أنا معرفش إنت بتتكلم عن إيه؟
اتسعت عينا مكي قال بشدة وبحه رجولية: لأ، بصي! أنا مابحبش الاستعباط، ردي.
أعطته سلوى ظهرها وقالت بإرتباك: وأنا، مابستعبطش. هي قالتلي عايزة تهرب، وقلت لها ماشي.
ارتسمت الصدمة على وجه مكي، وصوته خرج أعلى مما أراد: ومالك بتقوليها كده كأنكم كنتم خارجين ورايحين المول فطقت في دماغكم تروحوا الملاهي؟! إيه العبط إللي إنتي بتقوليه ده، بصي لي هنا؟! هو العقل بيقول كده؟! كان المفروض تمنعيها!
أقترب منها، يكتم رجفة غضب في صدره، وصاح بنبرة مملوءة بضيق: إنتِ عارفة إن الهبل إللي عملتوه ده كان هيعرّض ماسة للاغتصاب؟!
تجمدت نظرات سلوى، التفتت له، قالت بصدمة: إنت بتقول إيه؟!
رمقها مكى بنظرة مستفزة، تحدث من بين أسنانه: بقولك إللي حصل، السواق إللي ركبت معاه حاول يغتصبها. لولا إن سليم لحقها في آخر لحظة. وهي دلوقتي في القصر!
رفعت يدها وتشبثت بيده بتوتر، دموعها انهمرت دون مقاومة: هي… هي كويسة؟!
مرر عينه عليها بعدم رضا زفر بإختناق: أيوه كويسة.
صمت، كأن أنفاسه تعبت، قبل أن ينفجر من جديد: أنا عايز أفهم، إللي حصل ده حصل إزاي؟ الفكرة دي جاتلكم منين؟
رفعت كتفها لأعلى قائلة بتوضيح: أنا معرفتش غير يوم الحفلة، هي بس قالتلي إنها عايزة تمشي، وإنه دايمًا كان بيرفض! وبعدين هي ماعملتش حاجه غلط كان غصب عنها.
نظر إليها مكي بصدمة قائلا بتعجب مشوب بالغضب: وعلشان حاولت كذا مرة وهو كان بيرفض، يبقى ده المبرر؟ بدل ماتعقليها وتتكلمي معاها، تساعديها تهرب؟! أنا بجد مش عارف أقولك إيه، والله العظيم هتجنن! مافيش حد فيكم عنده عقل؟! هي يمكن عندها أسبابها، بس إنتِ؟ إنتِ أختها، كان لازم تعقليها، مش تقفي قصادي دلوقتي وتقولي معملتش حاجة غلط! كان لازم تكوني الصوت اللي هيرجعها لعقلها.
رفعت صوتها فجأة، وكأنها تدافع عن نفسها من تهمة باطلة وهي تشير بأصابع يدها في وجهه: أسمع! إنت مالكش حق تزعقلي! مش هسمحلك تتكلم معايا بالطريقة دي!
نظر مكي لها داخل عينيها بقوة: ده إيه البجاحة دي! بدل ماتعتذري بدل ماأشوف في عينك نظرة ندم واحدة، واقفة تبجحي.
أشاحت سلوى بوجهها وتحركت: وأندم ليه؟ مستحيل أندم…
التفتت له وقالت بقوة: ولازم تفهم، أنا ساعدت ماسة، وهساعدها تاني! دي أختي، إنت فاهم؟!
ترددت قليلًا، كانت على وشك أن تخلع دبلتها وتلقيها في وجهه، لكن صوت ماسة في رأسها أعادها تقول: طول ما أنا ماهربتش، يا سلوى، ماينفعش تسيبي مكي.
أغمضت عينيها وأخذت نفسًا عميقًا، ثم قالت بصوت منخفض لكنه حاد: بقولك إيه إللي حصل ده ماتحكيهوش لحد، إنت فاهم؟!
مكي بنبرة ساخرة: كويس إنك عارفة إنكم غلطتوا.
سلوى بسخرية: لا مغلطناش.
مكي بشدة: سلوى ماتكلمنيش بعوج. لا غلطوا.
صاحت سلوى به بتحذير: ولو مابطّلتش تطول لسانك عليا، المرة الجاية… أقسم بالله، هرمي الدبلة في وشك، وهنهي الخطوبة دي! أنا زهقت من طريقتك المستفزة، إنت هتعمل زي صاحبك ولا إيه
مررت عينيها عليه بإشمئزاز: أقصد ولي نعمتك.
هز مكي رأسه ييأس: يلا يا سلوى أطلعي أوضتك، وإللي إنتي عملتيه ده لازم تفهمي أنه مش هيعدي كده طبيعي، وإنك فقدتي ثقة سليم.
سلوى بلا مبالاة: مش فارق لي أصلا أفقدها ولا مافقدهاش، إستنى، هلبس وأجي معاك توديني عند أختي.
مكي ويضع يده بجيبه: لأ. مش هتروحي عند أختك غير لما تتعلموا تتصرفوا بعقل.
سلوى برفعة حاجب: إيه ده! إحنا بنتعاقب بقى؟!
تبسم مكي ابتسامة مستفزة رد ببرود: بالظبط، بتتعاقبوا.
ثم استدار، وتركها واقفة، لا تعلم أتبكي على شقيقتها، أم على نفسها ركضت مسرعة إلى غرفتها قامت بالاتصال بماسة لكن لم ترد.
جلست على الفراش وعينيها تسكنها الدموع تمسح على وجهها وهي تقول بصوت: مابترديش ليه يا ماسة إيه إللي حصل قلتلك بلاش، زفرت بإختناق
قصر الراوي، الحادية عشر صباحاً
جناح سليم وماسة
استيقظت ماسة أخيرًا بعد ليلة من الخوف والتوتر. وما إن فتحت عينيها حتى تفاجأت بسليم جالس على الأريكة، يدخّن بصمت، مثقلاً بالهموم.
ماسة بإستغراب: هو إنت قاعد هنا من إمتى؟
سليم بإهتمام بنبرة ناعمة حنونة من القلب: من إمبارح… كنتي فاكرة ممكن أسيبك؟
أخرج أنفاسا ساخنة متعبة متوجهاً لها وجلس على الفراش أمسك يدها بإهتمام.. تساءل بحنان: عاملة إيه دلوقتي يا حبيبتي؟ أحسن؟
رمشت ماسة بعينيها وهبطت دموعها بألم: مستحيل أكون أحسن، وشكلي مش هأبقى أحسن. أنا خوفت أوي يا سليم خوفت أوي.
أخذت تبكي بحرقة جذبها سليم بين أحضانه بعينين تلمعان بالدموع وجعا عليها، أخذ يربت على ظهرها بحنان: هششش خلاص يا حبيبتي، أنا جنبك هاننسى كل حاجة حصلت..
حاول ممازحتها لكي ينسيها قال: وبعدين إنتي مش قلتي قبل كده نفسك تتخطفي وحد يحاول يغتصبك وأنا أجي اجبهولك بالبونيات أديني كسرت لك ضلوعه ودماغه كمان، خلاص إنسي، أنا جنبك وإنتي جو حضني ومع بعض هاننسى كل حاجة ونتخطاه سوا..
ضحكت ماسة بوجع: كنت هبلة، بجد إللي مريت بيه إحساس وحش أوي أوي.
ابتعدت وهي تنظر له. مسح دموعها بحنان: خلاص يا حبيبتي إنسي إللي حصل مش عايز أشوف دموعك دي تاني.
تنهدت ماسة وقالت بابتسامة حب: عارف كلمة حبيبتي طالعة منك أحلى من عشقي.
نظر لها سليم بإبتسامة: بس كدة هقول لك يا حبيبتي من هنا ورايح، بس بردو هقولك عشقي أنا بحب أبقى مميز وبعدين العشق ده مشاعر وأحاسيس اكبر من الحب كمان فأنتي، عشقي وحبيبتي وكل حاجه ليا في الدنيا دي.
تبسمت ماسة بصمت سرحت في وجهه بحب مرت لحظات، وفجأة عبث وجهها وكأنها تذكرت حقيقته سحبت يدها ومسحت وجهها وأشاحت بوجهها في اتجاه آخر.
أطلق سليم تنهيدة موجوعة، ثم قال متساءل بهدوء: أنا عايز أسألك سؤال وأحد وتردي عليا… للدرجة دي وصلت بينا الحياة؟ أنك تمشي بالطريقة دي وتخاطري بنفسك…؟!
تابع متعجباً لكن بداخله سيجن لكنه ظل محتفظاً بنبرته الهادئة وكأنه يعاتبها: أنا من إمبارح عمال أفكر.. مش عارف أوصل للسبب؟! ولا عارف أوصل للي كان في دماغك وقتها..
وصلت إنك تهربي!!! تهربي ياماسة،؟! وبالطريقة دي؟! كان فين عقلك؟! كان فين فهميني!؟ أنا مش لاقي كلام حتى أقوله! والله ما عارف أقول لك إيه؟! مش قادر أستوعب إللي حصل …ولا أعرف حتى أعمل إيه؟! كأنك خلاص لو مانفذتيش إللي إنتي عايزاه هتفضلي كده، أنا هحاول أقنع نفسي إنه مش عند، وهصدق إن هو ده الصح علشان نحافظ على علاقتنا، وعشان أوريكي قد إيه أنا بحاول بحافظ على علاقتنا وبحميها وقد إيه بحبك..
صمت لحظات ثم أكمل بنبرة مختنقة:
أنا موافق يا ماسة، موافق تمشي أسبوع، أنا بقولك الكلام ده وأنا موجوع…بس بعد للي حصل إمبارح، واضح إن الموضوع أكبر حتى من إللي كنت متخيله،أنا عدّيت إللي حصل إمبارح علشان كفاية إللي اتعرضتي له
قلب عينه وقال بنبرة حادة قليلا:
بس أقسم بالله يا ماسة، لو كنا في وضع تاني، ماكانش هيعدي. وده مش تهديد لا، لا أنا عارف نفسي مش علشان أنا سليم بس مافيش راجل يقبل إللي حصل امبارح ويسكت.
صمت للحظات، ونظر لها وقال بحب لكن بنبرة حادة مزعجة بشدة: بس أنا هسكت علشانك بس هسألك سؤال لو كان حصل لك حاجة؟ أو الراجل ده موتك؟ كنت هعمل إيه؟ كنت هموت وراكي على طول يا ماسة بـ ثانيه واحده، حقيقي محتاج أفهم، جتلك الجرأة منين؟ عملتيها إزاي؟ ردي عليا مين ساعدك غير سلوى؟!
ماسة بهدوء مريب: محدش ساعدني، أنا لما لقيتك مصمم وكل يوم بتعب، شفت البطلة في الفيلم بتهرب بالطريقة دي، عملتها وكنت هروح عند واحدة صاحبتي.
نظر لها سليم للحظات،وكأنها سحبت فتيل الغضب الذي كان يحاول جاهدا أن يكتمه، توقف وتمتم بغضب مكتوم وهو يتحرك: شفتيها في فيلم؟
وفجأة، أمسك شاشة التلفاز وكسرها بعنف على الأرض.
ارتجفت ماسة من فعله بصوت مكتوم: إيه إللي إنت عملته ده؟
وضع سليم إصبعه على شفتيه إنحنى قليلا وهو يحاول جاهدا على لجم غضبه: هششش… بلاش نتكلم دلوقتي علشان أنا مش قادر أتمالك غضبي أكتر، وقت ماتحبي تروحي عند أهلك؟ قوليلي وأنا هوديك.
نظرت له ماسة، وقلبها يغلي نهضت وتحركت نحوه: أنا عايزة أطلّق ياسليم.
اتسعت عيناه، وقال متوسلاً: ماسة، أرجوكي، أرجوكي ماتخلينيش أغضب.
ماسة بإصرار و نبرة ضعيفة: سليم، أنا بجد مش حابة أعيش معاك أكتر من كده، أبوس إيدك، سيبني، أنا مش عايزة أكمل، بعدين إنت كنت هتقتل راجل إمبارح، أنا عايزة أسألك سؤال وترد عليا بصراحة…إنت قتلت حد الفترة إللي فاتت؟
سليم مندهشًا: إيه السؤال الغريب ده؟
ماسة هزت رأسها بإرتباك: لا مش غريب بسأل عادي.
سليم بنبرة واثقة: أيوه، ماقتلتش حد من ساعة ماوعدتك، من أيام محمود، ورشدي، بعدين هو إنتي ليه محسساني إن أنا قتال قتلة وماشي أقتل في الناس، وليه بتسألي السؤال ده؟!
رفعت عينيها نحوه للحظة شعرت بإرتباك عادت بشعرها خلف أذنها: أصل أصل مسكت مسدسك من يومين كده وكان فيه رصاصة فاضية.
سليم هز رأسه بتفسير: حصل موقف كده ومن غضبي ضربت نار في الهوا.
نظرت داخل عينه بترقب قال بنبرة مكتومة: إيه إللي حصل!
سليم: فاكرة اليوم إللي أنا دخلت فيه الأوضة قلت لك أنا عايز أنام في حضنك، قبل حادثة والدك بيوم.
هزت ماسة رأسها بايجاب أكمل سليم: كان فيه واحد ماشي ورايا بالعربية معرفش هو مين وقفته وجبته، وقتها وأنا بتكلم معاه، لسة كان هيعترف لي مين إللي وراه حد ضربه بالنار.
ماسة بعدم تصديق: يا سلام!!
سليم متعجباً: آه والله ده إللي حصل هكذب عليكي يعني؟! بس ماحبيتش أقول لك عشان ماخوفكيش انا مابحبش أحكي لك الحاجات دي.
قالت ماسة في نفسها باشمئزاز: كذاب كذاب وحقير ممثل عالمي شفتك بعيني يا كذاب شفتك بعيني.
نظرت له بضيق: عادي يعني ممكن تكون مش عايز تقولي عشان ماتزعلنيش.
سليم: إنتي عارفة كويس إني مابخبيش عليكي أي حاجة لو قتلته هقولك. بعدين هيبقى دفاع عن النفس.
نظرت في عينيه بترقّبٍ حذر، وأمسكت يده كأنّها تتشبّث بأملٍ أخير. كان الرجاء يطلّ من عينيها المرتجفتين، وكأنها تستجديه ألا يخذلها تمنّت، ولو للحظة، أن تكون الحقيقة بينهما عارية من الزيف، حتى وإن قادهم ذلك إلى شجارٍ مرير، إلى عتابٍ مؤلم، إلى غضبٍ يشتعل بين الكلمات… حتى وإن انتهى بهم المطاف إلى الفراق، أرادت منه أن يصارحها، لا من أجلها، بل من أجل عائلتها… لتطمئن. فهي في أعماقها تعلم أنّ لا أحد قادر على حمايتهم كما يفعل هو. وربّما حينها، تستطيع أن تسامحه… وربّما تعود إليه.
وحين رفعت نظرها إليه مجددًا، خرج صوتها خافتًا، مكسورًا: سليم إنت مش مخبي عليا أي حاجة؟!
ضيق سليم عينه متسائلا: عندك شك؟؟
ماسه بإرتباك بنوع من الذكاء: لا بس يعني مثلا يمكن مش عايز تقول عشان مابتحبش تعرفني الحاجات دي، زي ما قلت دلوقتي ما بتحبش تخوفني.
نظر لها سليم بإبتسامة صغيرة هز رأسه: لا مافيش هو بس موضوع الشاب ده وللأسف ماوصلناش لحاجة نفس الصفر.
نظرت بغضب يخرج من عينيها إليه: إنت واحد كذاب.. تاجر أعضاء وسلاح، مجرم…
صمتت ماسة. شعرت بأنّ إلحاحها في الأسئلة قد يوقعها في الخطأ، وربما يدفعه لإلتقاط شيءٍ ما، ليفهم أنها بدأت تشك. فهي لا تريد أن تُورّط نفسها في دوّامة لا مخرج منها؟ سليم، ذكي صمته كان كفيلاً بأن يُربكها أكثر.
سألها سليم متعجباً: في إيه؟ بتبصيلي كده ليه؟
أدارت له ظهرها، لم تقل شيئًا. لم يعد يشغلها سوى الابتعاد عنه، بعد أن اكتشفت حقيقته. لم تعد ترى فيه من أحبّته، ولا حتى ظلّه، لم تعد تخشاه على نفسها، بل على عائلتها، ممن قد يؤذيهم إن تمادت.
التفتت له مرة أخرى ابتلعت ريقها، لكن هذه المرة بنظرة ممتلئة بالحسرة.
علق سليم متسائلا: هتبصيلي كده كتير؟ ولا هتتكلمي؟
أغلقت عينيها، كأنها تغلق على ماتبقى من ذكريات جميلة تحاول نفيها من رأسها.
تنهدت بتعب، ثم فتحت عينيها ببطء، وقالت بصوت خافت: أنا موافقة، همشي النهاردة.
هزّ سليم رأسه بإيجاب، لكن عينيه لم تفارقها، هناك نظرة شك تملأ ملامحه، كأنه يشعر أن هناك شيئًا مالم يُقال.
اقترب منها قليلًا، وسأل بنبرة حنونة مشوبة بالقلق: ماسة أنا حاسس إنك مش كويسة،فيكي حاجة؟ من ساعة حادثة والدك وإنتي مش طبيعية… فهميني أرجوكي كفاية سكوت.. ماتقوليش رد فعل طبيعي علشان بابا، لا يا ماسة لا، ده مش رد فعل طبيعي أنا مش هاتوه عنك.
ترددت ماسة، وارتبكت ملامحها: هيكون في إيه يعني؟ بابا كان هيـ… كان هايموت، عايزني أكون عادي؟خفت، بقى عندي هواجس من وقت،حادثتنا فهمت بقى.
سليم بهدوء محاولا طمأنتها: ماتخافيش، أنا دورت في كل حاجة، وفعلاً ماطلعش في أي حاجة، الحادثة كلها قضاء وقدر، والحمد لله إنه طلع منها بخير.
نظرت إليه ماسة للحظةٍ صامتة قبل أن تهمس لنفسها بصوتٍ بالكاد يُسمع: طلع منها بخير
تبسمت بحسرة، ثم التفتت نحوه سريعًا. أنا هقوللهم إنك، مسافر، إنت فاهم؟ شوية وهحضر هدومي عشان أمشي.
أكتفى بهزّ رأسه، ثم خرج دون أن ينطق بكلمة.
وما إن أُغلق الباب خلفه، حتى اندفعت تركض نحوه، فأغلقته بالمفتاح في عجالة. هرعت إلى حقيبتها، أمسكت بهاتف رشدي، بأنفاس متسارعة..
فهي كانت خائفة أن يكون سليم قد لاحظ شيئًا.
وفجأة، سمعت صوت طرق على الباب. فتحت، لتجد أمامها رشدي
تجمدت في مكانها، بينما هو دفعها برفق ودخل، ثم أغلق الباب خلفه.
اتسعت عيناها، وخرج صوتها خافتًا كأنها تسأل نفسها: إنت اتجننت، سليم هنا؟ أطلع برة
رشدي بضيق به غيرة: ماسبكيش من إمبارح؟ فضلت مستني يخرج مابيخرجش،ط.
ماسة بإستغراب: جوزي طبيعي هيكون معايا بعد إللي حصلي.
رشدي بقلق: إنتي كويسة؟ أذاكي قولي.
نطقت ماسة بغضبٍ مكتوم: كويسة؟! أكيد مش زفت كويسة، شُفت كان هيحصلي إيه؟ هي دي خطتك؟ أنا مش هسمع كلامك تاني، مش هنفذ لك ولا خطة!
تحدث رشدي بنبرةٍ منخفضة بضيق: أكيد يعني، أنا ماكنتش راضي عن إللي حصل لك، والله اتضايقت. علشان كده قتلته، ماسة لازم تفهمي حاجة إن أنا مستحيل أقبل إن ده يحصل لك.
تنهدت ماسة بتعب، وقد بدأت تتراجع داخليًا: رشدي، أنا مش قادرة أصدق إن سليم وحش كده. حاسة إن فيه حاجة غلط! مستحيل دي تكون أخلاق واحد بيشتغل في الحاجات القذرة دي.
هز رشدي كتفيه بنفاد صبر: معلش، الحب أعمى. عارفة؟ إنتي مش هتصدقيني غير لما تشوفي وشه التاني، عمل معاكي حاجة إمبارح؟
نظرت إليه بإستغراب: تقصد إيه؟
ابتسم رشدي، ابتسامة غامضة: أصل أنا حافظ أخويا. هددك مثلا لو كررتيها تاني ممكن يئذي أهلك أو لو فكرتي تسيبيه تاني.
هزّت رأسها بثقة: لا ماعملش أي حاجة بالعكس، كان حنين جدًا، يعني سليم حبيبي إللي أنا عارفاه.
ضحك رشدي ساخرًا: علشان لسة خارجة من حادثة بشعة بس. لكن المرة الجاية، ساعتها هتشوفي الويل. ووقتها، احتمال معرفش أساعدك.
نظرت له ماسة متعجبة: للدرجة دي إنت عارف سليم؟ كأنك بتتكلم عن واحد ماعرفهوش.
أجاب وهو يمرر يده في شعره: عارفه ومش عارفه الحتة دي حافظها صم. بس الوش الطيب الغلبان الحنين أنا ماشفتوش الصراحة بأسمع عنه منك، إنتي عارفة جزء وأنا عارف جزء، وأنا وإنتي بنكمل بعض.
أخذ نفسًا عميقًا وأضاف: طب أنا هقولك على حاجة اتصلي بسلوى واسأليها سليم قال لها إيه أول ماعرف الخبر.
نظرت ماسة بإستفهام: تقصد إيه؟
رشدي بخبث: اتصلي بس، إللي هتسمعيه منها، نبذة صغيرة من حقيقته.
تبسمت ماسة وتحركت قليلاً. تحدثت وهي تعطيه ظهرها:قالها هندمك،هوريكي. أنا عارفة طريقته وهو متعصب بس عمره ما أذاني ولا أذى حد من أهلي بالعكس ده بيحبهم وبيحترمهم.
سألها رشدي بصوتٍ منخفض متعجباً وقد اقترب منها: هو إنتي لسة بتحبيه بعد كل ده؟
رفعت عينيها إليه ببطء ابتلعت ريقها بأهتزاز، لم تنطق، فقط ارتبكت، أمسكها من كتفها بقسوة، وجذبها نحوه قال بغضب:
لسه بتحبيه؟! لسة بتحبيه بعد كل إللي عرفتيه؟! وبعد ماعرفتي كل قذارته دي؟
ماسة بتعلثم: أنا أنا لا.
اقترب أكثر وهمس بثقة وعينه تقدح شررا: لا إنتي لسه بتحبيه. بس زعلانة إنه ماقالش. كان ممكن تسامحيه لو اعترف. وتغفري له… وتدي له فرصة يتغير. مشكلتك إنه ما قالش، مشكلتك الأكبر أهلك، إنتي خايفه على أهلك علشان كده قلبك عمال يحرقك، لسه سليم بيجري في دمك وحبه ساكن قلبك، صورته جوه عينيك اسمه بين شفايفك، عندك استعداد تسامحيه يا ماسة اهلك هم اللي رابطينك ووجعينك، مش إللي عرفتيه عن سليم.
دفعته عنها ماسة بقوة صاحت به: لو سمحت يا رشدي، أبعد وأطلع بره أوعى تدخل الأوضة دي تاني!
سكتت للحظة ثم قالت بنبرةٍ فيها قرار: سليم قال لي ممكن أمشي النهاردة وأروح عند أهلي، وهناك، هطلب الطلاق ولو رفضوا، وهو كمان رفض، ساعتها ساعدني أهرب ومش هارجع تاني، مش هو ده إللي إنت وعيلتك الكريمة عايزينه، خلاص بقى سبني في حالي أنا وأهلي.
نظر إليها رشدي طويلًا، ثم قال بشر: أنا في الأول كان هدفي تمشي من هنا، علشان سليم يوقع، ويبقى مجنون ومذبذب، بس دلوقتي هدفي تعرفي حقيقته، تعرفي إن هو قذر وإن رشدي إللي الكل شايفه ماعندوش دم وقذر مايجيش جنبه حاجة.
صاحت به ماسة بغضب مكبوت: أكتر من كده إيه؟ في أكتر من إللي أنا عرفته إيه؟!
رشدي ببحه رجولية صاح بها: كتير يا ماسة كتير.
ركضت عليه وضربته في كتفه: وطي صوتك يا حيوان، هو إنت مش كنت عايزني أمشي ؟ وتسيبني في حالي أنا وأهلي؟
رشدي ببرود: أنا يهمني إنك كمان، تكرهي سليم.
نظرت إليه نظرة استنكار وشك: هو إنت عايز مني إيه بالظبط يا رشدي؟
ابتسم ابتسامة غامضة: بعدين هقولك أنا عايز إيه؟! بس أكيد هتمشي النهاردة.
استدارت عنه وهي تقول بألم: قولتلك، خلاص هلبس وأمشي.
نظر رشدي لها نظرة غريبة، غامضة. لكنّه ما لبث أن فتح الباب، وألقى نظرة سريعة بعينيه ليتأكد أن لا أحد في الخارج، ثم خرج.
أما ماسة، فجلست على الفراش، مختنقة، تتنفس كأنها تغرق…تفكر في كل شيء.تشعر أن عاصفة تضربها دون رحمة.
كل ما رأته، وماسمعته، وماشاهدته بعينيها، يقول إن رشدي كاذب، لكن سليم، هو من بدأ بالكذب عليها، هي رأته، رأته يقتل ذلك الشاب.
وعندما سألته، أنكر، كذب، وتجاهل الحقيقة التي رأتها عيناها.
ضربت رأسها وهي تبكي وتغلق عينيها بقوة، تحاول طرد كل ما يوجعها. أنفاسها تتسارع، والذكريات تهاجمها دفعة واحدة… كل شيء يقود لحقيقة واحدة: هذا هو سليم الحقيقي، لكن الأصعب… أنها مازالت تحبه، بكت بحرقة، تضرب قلبها، تنهدت ومسحت دموعها، دخلت المرحاض، أخذت حمامًا، وبدّلت ذلك الفستان الذي ترتديه منذ الليلة الماضية. توضأت، وارتدت إسدال الصلاة. وقامت تصلي.
انتهت من الصلاة، وجلست على السجادة منهكة.
انفجرت في البكاء، بكل ما فيها من ضعف، ثم رفعت يديها للسماء، ترجّت بحرقة: يا رب، أحفظ أهلي، ماتخلّيش حد منهم يبعد عني ولا يتأذي، أسألك باسمك الأعظم تحفظهم من كل شر وتقويني، أنا مابقتش قادرة، كتير عليا، والله كتير، تعبت، ده أكبر من تحمّلي، أكبر من طاقتي..أنا ضعيفة أووووي قويني يآرب يا كريم يا حافظ احفظهم لي بحفظك، لو حصل لحد فيهم حاجة، مش هقدر أتحمل الذنب.
صمتت للحظة، وبصوت مجروح خارج من قلبها قبل عينيها المرتجفين: يا رب… طلّع حبه من قلبي، أنا بحبه أوي، بحبه ومش عارفة أكرهه، مش قادرة أكرهه….خرج حبه من قلبي يا رب، خلّيني أكرهه، خلّيني أنساه،خلّيني أشوفه بعين تانية غير إللي شايفاه بيها.ماتخلنيش أضعف يارب، أنا نفسي أموت وأرتاح، أنا تعبانة… والله ما قادرة، عايزة أموت وأرتاح، بجد عايزة أموت.
وانهارت على الأرض، تبكي بحرقة، كأن قلبها يصرخ من أعماقه، لكن من غير صوت.
على إتجاه آخر بجناح فايزة وعزت.
جلست فايزة على الأريكة، ملامحها جامدة كالصخر، إلى جوارها رشدي، بينما وقفت صافيناز في الزاوية، تنظر إليهما بضيق ظاهر.
صافيناز والضجر شديد: إحنا رجعنا تاني لنقطة الصفر… لسة إمبارح كنت بكلم عماد، كل إللي عملناه راح في الهوا.
رفع رشدي حاجبه بلا مبالاة، وقال بإستهانة: بس عبط، مستحيل ترجع بعد إللي عرفته، وحتى لو سامحته، رقبة أهلها في إيدينا.
نظرت له صافيناز بدهشة حقيقية: أنا مش عارفة إزاي لسة بتحبه بعد كل ده.
ابتسمت فايزة بسخرية، وقالت بصوت مغموس بضيق: ده حقيقي حبهم لبعض كبير أوي، عامل زي الأفلام السخيفة
صمتت للحظات، ثم بدأت تتحرك أمامهما، وعيناها تشعّان بتفكيرٍ عميق. توقفت فجأة، والتفتت إليهما، والشرّ يلمع في عينيها، ثم أضافت بصوت منخفض ومليء بالغل: البنت دي لازم تخاف، تفضل على طول خايفة، عقلها مايهداش لحظة ويتساب للتفكير، لازم الخوف يبقى مصاحبها، إللي إنت عملته في مجاهد مش كفاية.
رشدي بحذر: الموضوع مش بالسّهولة إللي إنتي بتتكلمي فيها يا هانم. ده سليم! وسليم دلوقتي اللعب معاه لازم يكون متخطط صح، ومافيهوش لحظة تهوّر.
هزت فايزة رأسها بثقة، ثم اقتربت منه ببطء: ومين قالك إنك هتعمل حادثة تانية لحد من أهلها؟ لأ، إنت هاتعيّشها الرعب بالإيحاء.
واصلت السير، ثم عادت للوقوف أمامه مباشرة وهي تقول بفحيح افاعي: يعني تراقب عيلتها، وأي لحظة تشوف حد من إخواتها أو سعدية الحشرة دي، في الشارع تصورهم وتكلمها، وتقول لها إن رجالتك مستنيين إشارة مني، ولما ترجع القصر تاني، لإن مش متخيلة إن أهلها هيوافقوا بسهولة على الطلاق، أكيد أهلها كمان هييجوا يزوروها… خلّيها تحس إن أكلهم وشربهم فيهم سم، وإن ممكن في أي لحظة رصاصة طايشة تنهي كل حاجة.
رفعت عينيها في عينيه بثبات وهي تؤكد بدهاء: الخوف لما يدخل قلب الإنسان، بيشل تفكيره ويخليه يفقد القدرة على أبسط رد فعل، بيخليه قابل للتلقين، يصدق أي حاجة تتقال له أو يشفوها، حتى لو كانت كذبة واضحة، وطول ما ماسة مرعوبة،عقلها هيشتغل ضدها، هيفضل يرسم أسوء السيناريوهات، موت أهلها، صراخهم،. كل حركة حواليها هترجمها تهديد، وكل سكوت هتشوفه فخ. وده المطلوب، إن الخوف يبقى جزء منها، يسكنها، يبقى هو إللي بيحركها، مش عقلها..لإن ماسة لو اتسابت لوحدها، ممكن تقول لسليم، في لحظة إنهيار منها، حتى أختها، إللي اسمها سلوى، دي كمان لازم تخاف مكي مش سهل، مكي مكّار كمان لازم الميكروفونات إللي إنتوا حاطينها تتشال، النهاردة.
ظهرت بسمة خفيفة على شفاه صافيناز وهي تقول بخبث: مكي هيكره ماسة قريب، لإنها هتكون السبب في تدمير العِشّ الرومانسي إللي كان مستنيه.
ثم تسألت بهدوء: بقولك إيه يا مامي.. اتكلمتي مع الباشا في المشروع بتاعي أنا ورشدي.
فايزة ببرود قاتل: نتخلص من ماسة، وبعدين نشوف مشروعك إنتِ ورشدي!
رشدي مؤكدًا، بنبرة فيها مزيج من الجد والسخرية:
خليكي عارفة يا هانم، أنا بعمل كل ده علشان خاطرك.
قاطعت فايزة كلامه دون أن ترفّ لها عين: لا طبعاً إنتم، بتعملوه علشان خاطر نفسكم يا رشدي!
رفع رشدي حاجبيه بإبتسامة وقحة: أيوه، وأنا مانكرتش. مصلحتي هي مصلحتك.إنتِ هتساعديني أقرّب من الباشا،والمقابل أمشّي لك ماسة، مصلحة قصاد مصلحة يا هانم. شفتي بقى إني مابعرفش أُحَوّر إزاي؟
ظلت تنظر إليه طويلًا، ثم قالت بسخرية لاذعة: ودي أحلى حاجة فيك… إنك مش بوشين. إللي في قلبك باين في عينيك.
اقترب منها رشدي ببطء، ونظراته تحمل وعيدًا صريحًا: بالظبط، إللي في قلبي وفي عينيّا واضح. ولو ما اتحققش… أنا هروح أقول للباشا ولسليم كل حاجة!
رفعت فايزة حاجبيها بدهشة مصطنعة: إنت بتهددني يا ولد؟
ابتسم رشدي بهدوء شديد: حاشا…؟ دي بس معلومة صغيرة، لو يعني حبّيتي تنقضي وعدك معايا، تبقي عارفة إللي هيحصل، مش أكتر.
نظرت له فايزة بضجر وهي تجز أسنانها بينما هو تبسم بمكر فهو من يمتلك خيوط اللعبة.
حديقة القصر
عند سيارة سليم، الثالثة مساء
نرى سليم ومكي متوقفان بجانب السيارة، والضيق مرسوم على ملامحهما.
رفع مكي كتفه بحيرة: والله يا سليم، مش قادر أفهم. من يوم ماراحت لماسة، وسلوى متغيرة، موضوع عمار ده مادخلش دماغي خالص.
تنهد سليم وتساءل بهدوء: يعني هي كانت بعد الحادثة طبيعية؟
مكي بنبرة متزنة: آه طبيعية، صح كانت زعلانة على أبوها وخايفة عليه،بس كانت متماسكة..حتى إحنا تاني يوم كنا مع بعض وقضينا اليوم كله سوا، كانت مبسوطة جداً لدرجة إنها نسيت إن أبوها كان عامل حادثه قبلها بيوم، التغير الحقيقي حصل بعد ماجت هنا.
سليم وهو يتمتم: وماسة متغيرتش إلا بعد الحادثة.
زفر وهو يضيف بحيرة: ماقالتلكش فكرة الهروب جات منين؟ أي حاجة؟
هز مكي رأسه: قالت إن ماسة ماجابتش سيرة الهروب غير في الحفلة، إن الفكرة جت لها من فيلم، بس أنا ماشتريتش الكلام ده، ومتأكد إن ماسة معرفاها من زمان، ممكن أصدق إن ماسة جابت الفكرة من فيلم.
ضحك سليم بسخرية وهو يهمس: أكيد كانوا متفقين، مابيخبوش حاجة عن بعض
تساءل متعجباً وهو يفكر: بس عرفت منين إن عندي حفلة؟
مكي وهو يمد وجهه بتفكير: ممكن تكون سمعتك وإنت بتتكلم في التليفون، أو كانت مستنية أي وقت تكون فيه برا وتشبط فيك وتعمل الحركة دي.
مد سليم وجهه متنهدا ببطء: ممكن برده، عمومًا، أنا عملت إللي عليا وزيادة، ووافقت تروح تريح أعصابها شوية، رغم إني مش مقتنع. ماكنتش عايز أعمل كده، خصوصًا بعد إللي عملته، كانت لازم تتعاقب. بس قلت أركن الغضب والعقل على جنب، وأمشي ورا قلبي.
مكي مطمئنًا وهو يربت على كتفه: بالظبط كده. صدقني، ده الأفضل ليكم دلوقتي.
في تلك اللحظة، ظهرت ماسة وهي تحمل حقيبة صغيرة.
نظر إليها سليم بدهشة معلقاً: هو ده بس كل إللي خدتيه؟
ماسة متعجبة: يعني إيه؟ المفروض آخد أكتر من كده؟! ده الطبيعي ده بالعكس المفروض لو أخذت أكتر من كده إنت إللي المفروض تستغرب..
ابتسم سليم بسخرية وهو يفتح باب السيارة: بهزر معاكي. يلا أركبي.
صعدت ماسة، تبعها سليم بعد أن ألقى السلام على مكي، وتحركت السيارة متجهة إلى فيلا عائلتها.
أمام فيلا عائلة ماسة، الرابعة مساءً
سيارة سليم
نرى سليم وماسة يجلسان في الأريكة الخلفية للسيارة.
سألته ماسة: هتروح فين دلوقتي؟
سليم بهدوء: المجموعة(أضاف بتنبيه) أي مكان تروحيه، بلغيني. هبعتلك مكي و راوية.
ماسة وهي تنظر أمامها: مش هروح حتة، هفضل قاعدة في البيت.
سليم بنبرة محددة: الاثنين الجاي، هاجي آخدك زي النهاردة.
هزت راسها بإيجاب،وهبطت من السيارة، ثم نظرت إليه وقالت بصوت خافت: يا ريت تفكر كويس في علاقتنا.
سليم وهو ينظر أمامه بنبرة باردة: مالكيش دعوة بيا، فكري في نفسك، أنا عارف أنا عايز إيه؟! ومشكلتي إيه؟! إنتِ فكري في مشكلتك.
ماسة وهي تهم بالدخول: سلام.
صعدت درجات الفيلا ودخلت، بينما سليم ظل صامتًا، للحظات ثم نظر لعشري الذي كان يجلس بجانب السائق وقال: ماتسيبهاش ثانية، بس ماتخليهاش تحس إنك موجود. عايزك شبح.
أجابه عشري وهو يفتح الباب ويهبط منه: اعتبره حصل يا باشا.
أنطلق عشري نحو الفيلا بخفة، بينما سليم أشار بيده للسائق بالتحرك، وتبعته سيارة الحراس من الخلف.
وفيما كانت ماسة تدخل الفيلا، كان واضحًا أن الحراسة زادت بشكل ملحوظ حول الفيلا، رجال مسلحون في كل زاوية، لكن الغريب أن مكي لم يكن من بينهم.؟…لماذا؟
دخلت ماسة إلى الفيلا بعد أن فتحت لها الخادمة الباب.
سألتها ماسة: بابا وماما فين؟
الخادمة: في أوضة الليفينج.
تحركت ماسة نحو الغرفة، حيث كان مجاهد وسعدية يجلسان على الأريكة، يتناولان الكيك بينما تعرض شاشة التلفاز إحدى حلقات “ليالي الحلمية”. ابتسم مجاهد فور رؤيتها، ومدّ قدمه المصابة بحذر، فيما أسرعت سعدية نحو ابنتها تعانقها بحرارة.
سعدية بإشتياق: إيه النور ده؟ عاملة إيه يا حبيبتي؟ وحشتيني!
ماسة بابتسامة مريرة: الحمد لله يا ماما، إنتي عاملة إيه يا حبيبتي؟
سعدية: والله الحمد لله.
اقتربت ماسة من مجاهد: إزيك يا بابا؟ رجلك عاملة إيه دلوقتي؟
مجاهد: الحمد لله، كده ماشفكيش غير يوم واحد!
جلست ماسة إلى جواره قالت بإعتذار: والله كنت تعبانة يا بابا، وبعدين كنت بكلمك كل يوم في التليفون.
سعدية بمزاح وهي تجلس: دي كانت مش مبطلة، كل شوية تكلمني تطمن علينا، كأن حد قايلها آخر الأسبوع هنموت.
أمسكت ماسة يدها وقالت بلهفة: بعد الشر عليكم يا ماما، إن شاء الله العمر كله ليكم.. قولي الدكتور قالك إيه يا حبيبي؟
مجاهد: لسة قدامي اسبوعين كده قبل ما أفك الجبس.
نظرت سعدية إلى ماسة وسألتها بنبرة مستفهمة: بقولك إيه يا ماسة، إيه الحراس دي كلها والكاميرات؟! كلمتك كتير موبايلك مقفول.
ماسة مبتسمة: عشان أنا جاية أقعد معاكم أسبوع. ده كان شرط سليم.
مجاهد متعجبًا: وهو وافق بسهولة؟
ماسة: آه، أصله مسافر أسبوع، نظرت حولها كأنها تبحث عن أحد: هي سلوى فين؟
سعدية: قاعدة في أوضتها بتذاكر.
ماسة: طب أنا هطلع لها.
وقبل أن تبتعد، ناداها مجاهد: ماسة، مالك يابنتي؟وشك مش عجبني.
ماسة بإبتسامة باهتة: مافيش، أنا الحمد لله بخير، ماتقلقش عليا.
وضعت قبلة على جبينه وتحركت مبتعدة.
بينما كان مجاهد ينظر لاثارها: أنا حاسس إن فيه حاجة، حاسس إن ماسة وسليم زعلانين.
سعدية بشك: وأنا كمان. تفتكر لسة زعلانين من يوم ما البنت جت هنا.
مجاهد: بس الكلام ده فات عليه يجي ثلاث أسابيع..
وضعت سعدية يدها أسفل ذقنها: والله ما عارفة يا مجاهد عموما بناتك لسانهم في ودن بعض فهعرف.
مجاهد متعجباً: هتتصنتي عليهم؟
سعدية وهي تقلب شفتيها بإستهجان: أيوه! فيها إيه؟ لازم أفهم إيه إللي بيحصل؟! بنتك من فترة بتعيط، وقالت إنه شك فيها، كانت جاية غضبانة وقالبة على الراجل، وبقالها فترة متغيرة سألتها كتير ومابتردش. خلاص،سيبني أعرف بطريقتي.
مجاهد متنهّدًا:خيرًا إن شاء الله
غرفة سلوى
طرقت ماسة الباب بهدوء ودخلت، كانت سلوى جالسة على الفراش، مستندة برأسها وظهرها إلى الحائط، صامتة، شاردة، وملامحها باهتة. كأن عينيها تصرخ:ليه يا دنيا؟ ليه سرقتي فرحتي قبل ما تبدأ؟ياترى بتحبيني علشان كدة أنقذتيني قبل ماعيش كذبة مع واحد مجرم. ولا بتكرهيني علشان حرمتيني من اللي بحبه؟ ولا كنتي بتعملي فيا فخ من البداية؟ و وقعتيني في إيد إنسان كداب ومجرم!
لم تهبط دموعها، ربما جفّت أو انتهت، قلبها هو من كان يبكي، ملامحها تبكي، رغم سكون عينيها، وجهها كالبحر، يبدو هادئًا، لكنه يخفي عمقًا مظلمًا. من يقترب يغرق، ومن يحاول النجاة، تبتلعه التيارات بلا رحمة، راقبتها ماسة بنظرة مؤلمة، فهي تشعر بها، لأنها تعاني نفس الألم، نفس الصداع الذي يسكن قلبها لا رأسها.، لم تتحدث، فقط، جلست بجوارها، واحتضنتها بصمت، تضم رأس سلوى إلى صدرها وتربت على كتفها، ثم أسندت رأسها على رأس سلوى.

ظلتا هكذا لفترة طويلة، صامتتان، فـلم تعد للكلمات أي قيمة هنا
وبعد وقت، رفعت سلوى عينيها نحو ماسة، وكأنها للتو انتبهت لوجودها.
سلوى بصوت مبحوح: إيه إللي حصل إمبارح؟
ماسة بنبرة مخذولة، وعيونها مكسورة: ولا حاجة. حاولت أهرب… أهرب من نفسي، أهرب من سليم، أهرب من حبي، أهرب من جحيم رشدي وحاولت أنفذ أوامره. وأساعدكم… بس وقعت في حفرة كلها شوك، غرز في كل حتة في جسمي. لحد ما سليم جه، وأنقذني. ورجعت تاني للبداية. واديني أهو، مستنية الحفرة التانية؟ يا ترى هتكون المرة دي جواها إيه؟
ابتسمت نصف ابتسامة مليئة بالوجع أضافت بتمنى: يا ريت تبقى جواها خنجر مسموم يدخل قلبي ويخلص عليّا في نفس اللحظة.
عدلت سلوى من جلستها ونظرت لها بحزن: ماعرفتش غير النهاردة يا ماسة؟! إيه إللي حصل، سليم جابك هنا إزاي؟ قلت مستحيل يطلعك من قصره وهيحبسك!
تنهدت ماسة بضعف وهزت رأسها باستسلام: والله ماعرف. هو عقل ولا اتجنن، ولا بيعمل فيا مقلب؟ ولا محضر ليا فخ؟ مش عارفة، ومش عايزة أفكر أنا هنفذ أوامرهم وبس.
أمسكت سلوى يدها بحزن وألم: هنفضل كده لحد إمتى يا ماسة؟
صمتت سلوى للحظات: ما تحكي لسليم. قولي له إنك عرفتي كل حاجة، بس أضمن حياة أهلي الأول قولي له إن رشدي مهددك.
اتسعت عينا ماسة وقالت بصدمة وخوف: إنتِ تجننتي! أقول له إزاي؟ إفرضي رشدي قتلكم قبل ما سليم يعمل أي حاجة؟ لا… مش هخاطر بيكم أسكتي.
سلوى تحاول أقناعها: بس سليم هو الوحيد إللي يقدر يحمينا، هو إنتي عندك شك إنه ممكن يأذينا؟
ماسة بثقة: لا، مستحيل. هو طلع مجرم، بس هو بيحبني، وده شيء أنا متأكدة منه. مش هيأذيكم، لإنه لو فكر كده عارف إنه هيخسرني للأبد أنا خايفة منهم هما مش منه.
صمتت ماسة نهضت وتحركت لحظات بتفكير، ثم قالت بتأكيد بنبرة ضعف: بس عندك حق، هو الوحيد إللي هيقدر ينقذنا بيترعبن منه.
صمتت للحظات ثم قالت بإعتراض وخوف، وكأنها تذكرت تهديدات رشدي
التفتت وقالت بحسم ورعب يخرج من عينيها قبل صوتها: لا، مستحيل أقوله. أفرضي رشدي عرف وسبقه… مش هخاطر بيكم، إنتِ مش عارفة رشدي عامل إزاي؟ ومش لوحده معاه صافيناز وفايزة.
مسحت وجهها بتعب وتساءلت: بقولك إيه، أنا مش عايزة أفكر دلوقتي. أمك مالاحظتش حاجة؟
سلوى تنهدت بتعب: هي لاحظت، قالت لي مابتتكلميش مع مكي ليه؟! مابيجيش ليه؟!. قلت لها هو مشغول، وأنا عندي امتحانات. وبذاكر، أمك اتصلت وسألته، بس طلع جدع وأكد كلامي إنه مشغول ومش حابب يعطلني عن المذاكرة.
ابتسمت بسخرية وأضافت: للأسف بيبان قد إيه محترم وعنده أخلاق، وفي الآخر طلع بالمنظر ده! مجرم منحط.
جلست ماسة مرة أخرى على طرف الفراش، ووجهت جسدها ناحية سلوى وقالت بابتسامة مريرة: عارفة يا سلوى، أنا سألت سليم إمبارح. كان نفسي يقول لي حاجة، لكن ما قالش. كذب طبعًا، وقتها اتضايقت أوي، بس بعد شوية قعدت أفكر، وأقول يمكن هو خايف. الحاجات إللي عرفتها صعبة. أكيد خايف..إني ماسامحش وأغفر له، أنا بتمنى يجي يقولي إن الكلام ده مجرد ماضي،…. بس ماقلش وكذب ، وماما وبابا وإنتي وعمار ويوسف، بسببه حياتكم بقت في إيد الخنزير رشدي.
سلوى بضيق: والأوامر الجديدة هتكون عبارة عن إيه بقى؟
ماسة ابتسمت بألم: إن أنا أطلب الطلاق من سليم، وأنا هنا. ولو رفض وده أكيد، هو هيهربني تاني، بس المرة دي قال لي إنه هيخد باله عشان مايحصلش زي ماحصل.
زمّت سلوى شفتيها وووضعت كفها على يد ماسة المسنودة على الفراش: إنتِ كويسة
ماسة نظرت إليها بحزن: ماحدش يسألني السؤال ده، لإني مش عارفة معنى كلمة كويسة دي إيه.
سلوى تساءلت بفضول: ماسة لو سليم قالك هاتسامحيه؟!
صمتت ماسة للحظات، أغمضت عينيها بوجع هبطت دموعها فتحتها: صعب يا سلوى ده بيتاجر فى البشر، بس هطلب منه الأمان ليكم، لو مقابل أعيش معاه هعمل كدة، أنا أضحي بنفسي وإنتم لا، برغم إن نفسي كل ده يكون كذب بس شفت بعيني وكل إللي فات بيأكد كلامهم، طب وإنتي هاتسامحي مكي.
سلوى بغضب: مستحيل أسامحه لإني سألته كتير وقالي لا… كداب.
صمتت ماسة للحظات ثم قالت بألم وضعف:
أنا بكذب يا سلوى، أنا هاسامح سليم لو كان تاب أو قالي سامحيني وهتغير… أنا بحبه أوي أوي، أنا بكره قلبي أوي علشان لسه بحبه بعد كل ده.. أنا بكره نفسي..
نظرت سلوى إليها بمرارة وألم، وهنا انهمرت دموعها أخيرًا.
تبادلت ماسة معها النظرات، ثم فتحت ذراعيها لها بقهر على حالتهما. ضمتا بعضهما، وأخذتا تبكيان بحرقة.
💞________بقلمي_ليلةعادل _______💕
قصر الراوي الخامسة مساءً
ترجّل سليم من سيارته بعد أن أوصل ماسة عند عائلتها، ثم إتجه مباشرة إلى مبنى الكاميرات في الداخل، كان عثمان وبعض الحراس جالسون يراقبون.
سليم بأمر حاسم: هات لي تسجيلات الكاميرات قبل حادثة والد ماسة بيوم.
ابتسم عثمان بهدوء وبدأ بتشغيل الفيديوهات. جلس سليم يشاهدها بتركيز، دون أن يلاحظ شيئًا غريبًا أو مثيرًا للريبة.
لكن، ننتبه أن بعض الفيديوهات المرتبطة بماسة قد حُذفت، تحديدًا تلك التي ظهر فيها وهي تصعد سيارة رشدي، يوم الذي رأت سليم وهو يقتل الشاب.
أما يوم الحادثة نفسه، فلم يظهر فيه شيء لافت… كل شيء بدا عاديًا.
(نحن نعلم أنهم اختاروا غرفة ياسين أو غرفهم لإتمام أي إتفاق خبيث، حتى لا يظهر شيء في الكاميرات، أو لتجنب الميكروفونات التي ربما زرعها سليم.)
زفر سليم بغضب، لأنه لم يصل لأي شيء.
غادر المبنى متجهًا إلى القصر.
بمجرد دخوله، توجه نحو المطبخ، حيث كان جميع الخدم منشغلين في تحضير الطعام. وما إن رأوه، حتى توقفوا عن العمل ووقفوا بإحترام.
سليم بثبات: أقفوا كده كلكم جنب بعض.
اصطفوا في صف واحد، وبدأ يراقب وجوههم بعينيه الحادتين.
سليم بأمر واضح: سحر، أطلعي فوق، استنيني في الجناح.
صعدت سحر على الفور، بينما ظل سليم واقفًا، يحلل ملامحهم، ثم قال بنبرة حادة: قولولي، يوم الحادثة إللي ماسة خرجت فيها وكسرت البوابة…في حاجة غريبة حصلت؟
بس قبل ما حد يجاوب، نصيحة: فكروا كويس، لو عرفت إن حد فيكم بيكدب أو مخبّي حاجة إنتو عارفين أنا مين، مش جديد عليكم، نرجع كده للماضي فاكرين أمجاد؟ من تسع سنين؟
عفاف، الخادمة الكبيرة: والله يا بيه، ماحصلش حاجة، الست هانم من يومها تعبانة، مابتاكلش، وعلى طول في أوضتها. يعني لو نزلت، تتمشى في الجنينة شوية وخلاص.
قالت خادمة أخرى: مفيش أي حاجة نقدر نقولها يا باشا.
أماني رئيسه الخدم: سليم بيه لو حصل اي حاجة ملفته للانتباة، اكيد هنبلغ حضرتك.
سليم هو ينظر لها بنوع من التحديد: إنتي الوحيده يا اماني اللي لازم تفكري في الموضوع ده عشان انا عارف انك عندك ولاء كبير للهانم.
نظر إليهم سليم نظرة طويلة، ثم قال بهدوء متوتر: تمام أخرجوا كلكم. مش عايز حد هنا.
خرج الخدم بسرعة، ثم أخرج سليم هاتفه واتصل: تعالى لي يا مكي.
جلس على مقعد منتظرًا، وبعد قليل دخل مكي.
مكي: خير يا سليم؟
سليم: أنا عايز تسجيلات الكاميرات إللي هنا.
مكي بهدوء: حاضر، هروح أجيب اللاب توب.
عاد بعد دقائق حاملاً الجهاز، وجلس بجانبه، وبدأوا معًا مراجعة الفيديوهات.
سليم وهو يركز: أنا عايز كل الكاميرات في القصر.
أجابه مكي وهو يشير للشاشة: أنا بصيت عليهم كلهم يوم الحادثة، بس مفيش أي حاجة مثيرة للشكوك.
فتح الفيديوهات وبدأ يشرح: بص، وهي نازلة من على السلم، شكلها متعصبة وزعلانة، ركبت عربية صافيناز من غير ماتكلم حد وخرجت باقي الفيديو أهو.
ظل سليم صامتًا للحظة، ثم قال بأمر واضح: من النهاردة، تخترق تليفون ماسة وسلوى وتزرعلي كاميرات في كل ممرات الأوض فوق.
سأله مكي بقلق: إيه إللي ممكن يكون حصل شاكك بإيه؟
سليم بعصبية مكتومة: لو كنت عارف، كنت قلتلك، لكن إللي بيحصل ده، مش طبيعي، دي مش تصرفات ماسة،مش مراتي أنا بحاول أفهم وأوصل لحاجة، هطلع أتكلم مع سحر، يمكن عندها معلومة.
تابع بأمر: الكاميرات تتحط من النهاردة محدش يعرف، ولو حد عرف، قول له أوامر سليم، الكاميرات تتوزع على كل الزوايا، تبين مين دخل ومين خرج، واضح؟
مكي: ماشي لو عايزه احطلك في اوضهم كمان نحط.
سليم: لا اوض النوم مش هينفع.
صمت للحظه، سأله سليم فجأة: هي سلوى هتروح الجامعة إمتى؟
مكي بضيق: مابنتكلمش من يومها، بس احتمال تروح يومين كده الكلية علشان جدول الامتحانات.
سليم: تمام. اليوم إللي هتبقى فيه برّه، أنا عايز أكلمها، أكيد عندها حاجة.
مكي بيقين: مش هتقول.
سليم: مش مهم تقول، بس عايز أشوف رد فعلها، عايز أشوف إللي مابيتقالش إللي ورا العيون، سلوى وماسة سرهم مع بعض.
مكي: عموماً أنا هروح لها النهاردة أو بكرة لو عرفت حاجة هعرفك.
هز سليم رأسه بإيجاب وتحرك للخارج.
جناح سليم وماسة
صعد سليم إلى الجناح، كانت سحر في انتظاره. ما إن دخل حتى وضعت يدها على صدرها وهمّت أن تتحدث.
جلس سليم على مقعد التسريحة فوضع قدمًا فوق الأخرى، ورفع عينيه نحوها بهدوء: قوليلي يا سحر… ماسة هانم يوم الحادثة أو قبليها بيوم، حصل أي حاجة غريبة؟ حاجة ممكن تكون مثيرة للانتباه؟
سحر بتوضيح: لا والله يا بيه، هي بس كانت تعبانة شوية، مابتاكلش كويس، بس الحمد لله.. هي مارجعتش للفترة إللي كانت فيها دايمًا نايمة، او بتنام طول النهار وتصحى بالليل.
أشار لها برأسه بتفهم: أيوه، أيوه، أنا فاهم ده، بس أنا أقصد حاجة تانية، حاجة حصلت فعليًا؟
سحر هزت رأسها: لا يا بيه، يومها ماحصلش حاجة خالص، هي مانزلتش من الجناح أصلًا، فطرت فوق، هي بس كانت متوترة شوية، يعني كأن فيه حاجة مضايقاها، بس ماقالتش حاجة.
مسح سليم جبينه، وفكر قليلًا، ثم نظر لها: مش لازم تكون حاجة حصلت لها هي… مش اتفقنا إن عينك تبقى على الكل؟
سحر بتفكير: هو يومها كان عادي، الست فايزة والست صافيناز ماراحوش المجموعة، ورشدي بيه جه بدري شوية، ماكانش فيه حاجة غريبة… سيدي عزت مابتش أصلاً في البيت وحضرتك عارف إن ياسين بيه أصلاً مش موجود والباقي عادي يعني في مواعيدهم.
ترددت قليلًا ثم أضافت وكأنها تذكرت: بس فيه حاجة حصلت بعد الحادثة بيوم تقريبًا.
عدل سليم جلسته:إيه إللي حصل؟
سحر وهى ترفع كتفها: أنا مش عارفة لو مهمة ولا لأ… بس هقول لحضرتك. كنت داخلة أنضف الجناح، لقيت الست صافيناز خارجة من أوضة اللبس، ولما سألتها زعقتلي وقالت لي مالكيش دعوة. أنا كنت هقول للهانم علشان خفت، لو حاجة ضاعت يتهموني بيها. لكن هي كلمت الهانم، وبعدها الهانم نزلتني، ومعرفش اتكلموا في إيه.
سليم تساءل وهو بيكتم غضبه: يعني صافيناز كانت في أوضة الدريسنج وماسة ماكانتش موجودة؟
سحر بتأكيد: أيوه، ماسة هانم كانت تحت، قاعدة في الجنينة قبل ماتروح لأبوها.
سليم وهو بضيق عينه بتذكر: وده كان تاني يوم الحادثة؟
سحر: أيوه يا بيه.
سليم أومأ برأسه: طيب، روحي إنتِ دلوقتي بس عايزك تفتحي عينيكي على كل. أكتر من كده، اتفقنا؟
هزت راسها بإيجاب وخرجت.
شعر سليم بالضيق أكثر، لم يصل لشيء حاسم، لكن مالفت انتباهه هو تواجد صافيناز في غرفة الملابس.
حدق في الفراغ بشك، ثم خرج وتوجه مباشرة إلى غرفة صافيناز، فى الطابق الثاني وطرق الباب.
غرفة صافيناز.
تجلس صافيناز على المقعد تبحث في هاتفها.
صافيناز: تفضل.
دخل.سليم وقال بهدوء: إزيك يا صافي؟
صافيناز وهي تضيق عينيها: تمام يا سليم… غريبة يعني.
سليم متعجبا: غريبة ليه؟
صافيناز توقفت أمامها: يعني مابتجيش أوضتي خالص، نادرًا.
دخل سليموفي موضوع مباشرة قاتل تساءل: دخلتي ليه أوضة ماسة من غير إذن، كنتي بتعملي إيه؟
صافيناز بثبات: كنت بدور عليها.
سليم متعجباً: تدوري عليها في الدرسنج روم؟
صافيناز بتفسير: الباب كان مفتوح، فافتكرتها جوه، قعدت أنادي عليها ماردتش، بصيت لقيت الـدريسنج منور، قلت يمكن جوه، بس مالقيتهاش، وأنا خارجة لقيت سحر، اتكلمت معايا كأن الأوضة أوضتها، فردّيت عليها بطريقتي. ممكن تكلم ماسة وتسألها.
سليم بأمر: صافيناز ماتدخليش الأوضة دي تاني غير لما تكون ماسة جوه.
صافيناز بإصرار: قلتلك كنت فاكراها جوة، وبعدين إحنا متربيين، مش زي رشدي.
نظر سليم لها بنظرة جامدة: أظن سمعتي أنا قلت إيه.
كاد ان يتحرك لكنه توقف فجأة وسألها: هو إنتي أصلاً كنتي عايزة ماسة ليه؟
تنهدت وهي تجلس على المقعد مجدداً: مافيش، كل الحكاية إني كنت عايزة أفهم منها إزاي عملت كده في البوابة… الموضوع ماكانش يستاهل، يعني تكسر البوابة؟؟ إللي عملته مش طبيعي الصراحة مايطلعش من ماسة البريئة.
نظر لها سليم مطولا. رمقها من أعلى لأسفل لم يرد وتحرك مغادرا بصمت.
بمجرد أن خرج، هرعت صافيناز إلى الكومودينو، فتحت الدرج وعدّت على الميكروفونات، واطمئنت أنها مازالت في مكانها.
أخذت هاتفها، وأسرعت بالاتصال بماسة: أيوه يا ماسة… بقولك إيه، لو سليم كلمك وسألك على حاجة، لما دخلت أوضتك، قولي له إني كنت بسألك على بابا وإزاي عملتي كدة في البوابة، علشان هو دخل وسألني، وقولت له إنك كنتي سايبة أوضة اللبس مفتوحة والنور شغال.
ماسة بزهق: حاضر يا صافيناز… عايزة حاجة تانية؟
صافيناز: لأ، مش عايزين حاجة تانية. سلام.
أغلقت صافيناز الخط، وجلست تفكر.
فيلا عائلة ماسة الخامسة مساءً
غرفة سلوى
جلست ماسة على طرف الفراش، وسلوى مستلقية تضع رأسها على قدمها، تحدق في السقف بعينين تلمعان بالحزن، بينما كانت ماسة تمرر اصابع يديها بهدوء بين خصلات شعرها، كأنها تحاول سحب الألم منها، لكنها أيضًا شاردة، تائهة في التفكير، لا تستوعب ما عرفته عن سليم، ولا تهديدات رشدي التي تحاصرها.
رنّ هاتف سلوى فجأة، قطع الصمت كالسهم
نظرت إلى الشاشة، ثم قالت وهي تنظر إلى ماسة: ده مكي.
اعتدلت من وضعها وجلست، نظرت لها ماسة بتحذير: سلوى، هتنزلي تتكلمي معاه؟ عادي؟ علشان خاطري.
هزّت رأسها بإيجاب، بصمت موجوع: حاضر يا ماسة.
أجابت بتنهيدة ثقيلة وهي تنهض: ألو يا مكي.
مكي بجمود: إنتي مابترديش على طول ليه؟
سلوى: كنت في الحمام.
مكي ببحة رجولية: أنا تحت، إنزلي.
سلوى: حاضر… هنزل.
نهضت سلوى، وارتدت روبًا طويلًا فوق البيجامة، ثم هبطت إلى الحديقة بخطى هادئة، وكأن الأرض أثقل مما تحتمل.
في الحديقة
كان مكي يجلس بجانب سعدية بعد أن اطمأن على مجاهد.
مكي: إن شاء الله ماما هتيجي لكم كمان يومين كده.
سعدية، وهي تربّت على قدمه: تيجي وتشرف وتنور يا حبيبي.
اقتربت سلوى وقالت بهدوء: هاي
جلست على المقعد المقابل وقفت سعدية لتنسحب بلطف: أنا هدخل بقى لأبوكي، وهخلي انجي تعملكم عصير.
وما إن ابتعدت، حتى نظر مكي إلى سلوى بنظرات ممتلئة بالشك والتساؤلات: عاملة إيه؟
سلوى وهي تنظر أمامها: تمام.
مكي: بتذاكري ولا إيه؟
تنهدت: آه، بذاكر، خلاص، أقل من شهر وهبدأ الامتحانات.
نظر لها مكي مركزًا في ملامحها: أتمنى تكون أعصابك ارتاحت وهديتي.
نظرت له بتمثيل واضح: أنا كويسة على فكرة.
مكي بإعتراض: لا إنتي مش كويسة على فكرة.
نظرت له مستنكرة: جبت منين الثقة دي؟!
مكي بثقة ومعرفة: أنا بقالي تمن سنين عارفك، أنا حافظك يا سلوى، إنتي تغيرتي، وماسة كمان، إنتي اتغيرتي من بعد يوم عيد الميلاد، وماسة من يوم ما فكرت تهرب لأول مرة، أنا لحد دلوقتي ما طقلتش لسليم، مع إن المفروض أقول، بس مش عايز أزودها عليها لأن سليم فاكر أن هي أتغيرت من يوم الحادثه.
تنهدت سلوى محاولة إقناعه: مافيش حاجة يا مكي، أنا زعلانة على أختي،
سألها مستغربًا: ومالها أختك.من الأساس؟! إيه إللي حصل؟ شك فيها وخلاص يا ستي، غلط واعتذر، في إيه؟!
سلوى بهدوء: هي مضغوطة وتعبانة، وأنا كمان عندي امتحانات.وموضوع الجواز ده كل مايقرب بيخوفني حاسّة إننا مستعجلين اوي، كل ما بشوف المتجوزين إللي حواليا بخاف أكتر، وإنت كمان أسلوبك معايا آخر مرة كان صعب، حتى لو كنت غلطانة، خوّفني منك زيادة.
نظر لها مكي، ممدًا وجهه بعدم اقتناع: هحاول أقنع نفسي، أنا هسيبك تخلّصي امتحاناتك، وهسيبك تساندي أختك، بس أنا عينيا عليكم إنتوا الاتنين، عشان أنا مش داخل دماغي أي حاجة من إللي بتقوليها دي.
نظرت له وضيقت عيناها: إيه إللي ممكن يكون سبب تغييراتي مثلاً؟
مكي: ياريتني أعرف، كلمة واحدة في الحكاية وكنت كملتها.
سلوى نافية تحاول إقناعه: مافيش حكاية، ومافيش أصلاً كلام غير إللي أنا قلته.أنا مش عارفة تغيّرات إيه إللي بتتكلم عليها، إنت إللي بتتوهم وتكبّر المواضيع مش أكتر.
مكي بهدوء: أتمنى، المهم، ماسة عاملة إيه دلوقتي؟
سلوى: بتفكر.
مكي بإستنكار: كانت تستاهل إنها تهرب!!
سلوى أوضحت: ماسة ماكنتش بتهرب، كانت بتحاول تفصل، مش أكتر، ولإنه مش موافق ومصمم، عملت كده.
مكي: كانت هتروح فين؟
زفرت سلوى بإختناق: اسألها هي.
حك مكي في خده: طيب يا سلوى، أنا همشي.
سلوى: ماشي.
نظر إليها مكي بصمت…فقد كانت في الماضي تتمنى لو يبقى لوقتٍ أطول، وكانت تحزن وتُحدث مشكلة إن رحل مبكرًا عنها،أما الآن، فقد التزمت الصمت، صمتها كان يثير جنونه.لقد تأكد من نظراتها الهادئة أنها تُخفي شيئًا مسحه وجهه ونهضه وتحرك دون ان يقول شيئا بينما هي جزت على اسنانها وقامت بدفع الطاوله بقدميها واخذت تبكي.
الجونة، شاطئ البحر، الثانية مساءً
نرى هبة تضحك بسعادة وهي تمسك بيد نالا التي تسبح في عوامتها، بينما ياسين يرش عليهما الماء ضاحكًا. وبعد قليل، خرجوا من البحر، وجفّفت هبة جسدها وارتدت فستان البحر، ثم أعطت نالا للدادة كي تغيّر لها.
هبة بالإنجليزية بابتسامة: ميشيل، بليز غيري لنالا وماتنسيش كريم الشمس.
ميشيل: أمرك
عادت هبة وجلست بجانب ياسين الذي كان يدخن سيجارته. وضعت نظارتها الشمسية: بقولك إيه… أنا مبسوطة أوي هنا. ما تيجي نعيش هنا على طول؟
ضحك ياسين: ونسيب الشغل والمجموعة؟!
هبه تسألت: ما فكرتوش تعملوا مدينة شبه الجونة؟ مش كمباوند… لأ، مدينة حقيقية
ياسين: عندنا “مدينة الأحلام” جوه القاهرة، وفي مشروع في الساحل…
قاطعته هبه: بس دي مش مدينة، دي منتجعات. الجونة مختلفة… بلد متكاملة كانها محافظه.
ياسين باهتمام: تبقى فين بقى؟
هبه بحماس: في سينا، في أراضي فاضية، كمان سياحية، وكل اللي ناقص مشروع قوي.
ياسين ابتسم: فكرة حلوة، وممكن كمان نعمل حاجة شبه كده في الغردقة ونبقى منافسين.
هبه بانبساط: أيوه! بقى خلّي أفكار الراوي تطلع!
ياسين بجديّة خفيفة: بابا عايزنا نرجع بكرة، الشغل واقف.
هبه بهدوء: أنا مش راجعة القصر
ياسين: هنرجع يومين، لو سمحتي عشان الهانم والباشا ميزعلوش.
ترددت هبه قليلًا: ماشي، بس نرجع القصر كل شهر أو اتنين كام يوم بعدين نرجع فيلاتنا حقيقي انا مش قادره اعيش في البيئه دي.
ياسين وهو يطفئ السيجارة: خلاص… اتفقنا.
فيلا عائلة ماسة
الشرفة الرابعة مساءً
جلست سلوى على الأرجوحة، شاردة، تفكر في كل ما يحدث… في مكي، تشتاق إليه رغم معرفتها بحقيقته، لكن الغضب يمنعها من الغفران. حزينة على حياة لم تختَرها، وعلى أحلام تلاشت فجأة، كما فُرضت عليها واقع لا تريده.
أمامها وقفت ماسة عند السور، شاردة، تحاول تهدئة ضجيج عقلها المتعب. كيف ستحمي عائلتها؟ وكيف تتخلص من سليم لتنجو من رشدي وعائلته التي تشبه الضباع المسعورة؟ تمسك مج النسكافيه وتغلق عينيها، علّ النسيم يخفف من ثقل قلبها.
بعد دقائق، رن الهاتف الذي أعطاه لها رشدي ولم يفارق ملابسها. أمسكت به بتوتر، لا أحد يملك رقمه سواه. وضعت يدها على صدرها، تشعر بالاختناق وكأن أنفاسها تُنتزع بلا رحمه.
نظرت لها سلوى بعينيها، اقتربت منها، همست: رشدي.
هزّت ماسة رأسها بصم، أخرجت أنفاسًا ثقيلة ثم رفعت هاتفها على أذنها وقالت بجمود: إيه يا رشدي؟
أتاها صوت رشدي من الإتجاه الآخر حيث يجلس في غرفته وقال بنبرة جدية: أنا مش سامع أي أخبار، إيه؟ إنتي نسيتي الاتفاق ولا إيه؟
ماسة بنبرة مختنقة: أنا مانسيتش أي حاجة يا رشدي، بس زي ما قلتلك، أديني هنا، أهو قاعدة، بفكر، زي ماقلتلك بعدين أنا لسه جاية إمبارح أصبر.
قاطعها رشدي بنبرة باردة ممزوجة بتهديد حاد: أنا مش هستنى كتير يا ماسة.
ماسة بضجر استندت بظهرها على السور: هو إنت مش كل إللي همك إن سليم يبقى مذبذب؟ إنتي عايزني أصدق إن سليم دلوقتي مش مذبذب؟
ضحك رشدي وقال بنبرة ساخرة وهو يتوجه لركن الخمور وسكب في الكاس: سليم أصلاً مش في المجموعة، ده مابيجيش.
ثم أضاف وهو ينظر بغل بنبرة أكثر برودة وهو يتلاعب بالكأس بين يديه: بس أنا بقى مش عايزه مذبذب عايزه منهار، منتهي..
صمت لحظات ثم احتسى ما في الكأس وقال بنبرة ساخرة:
بعدين أنا قلت أكلمك أطمن عليكي وبالمرة أفكرك بالاتفاق، علشان لو عقلك وزك وهو بيستريح وبيفكر،
ماتنسيش إن فيه ناس تانيين بإشارة واحدة مني حياتهم هاتنتهي.
ماسة بغضب تتحدث من بين أسنانها: قلتلك أنا مش ناسية، وإحنا على اتفاقنا. تفتكر يعني أنا ممكن أعيش مع سليم بعد إللي عرفته؟
تابعت بنبرة مختنقة مقهورة، عيناها تملأها الدموع من الخذلان: أو ممكن أنام في حضن واحد بيتاجر في البنات وفي لحوم البشر؟ إنت تبقى مجنون.
تبسم رشدي ابتسامة جانبية: أصل النظرة إللي أنا شفتها في عينك
قاطعته ماسة بشدة ممزوجة بنبرتها المبحوحة:
حتى لو لسة بحبه يا رشدي، استحالة. ماتقلقش، همشي، يعني همشي… عشان أنا مش هاعيش في حضن سليم تاني بعد إللي عرفته عنه،وعن إجرامه. أهلي عندي أغلى من روحي، مستحيل أخاطر بيهم. فياريت تبطل إزعاجي وتسيبني أهدى عشان أفكر في حل، علشان صدقني هي مش هتتحل بسهولة.
رشدي بهدوء: أنا عارف إنها مش هتتحل بسهولة، وبحاول أفكرلك، لإني متأكد إنك هاترجعي قريب. أكيد مجاهد وسعدية هيرفضوا الطلاق، أصل أوعي تفهميني يعني إنهم هايوافقوا.
زفرت ماسة بإختناق والتفتت مرة أخرى ونظرت للحديقة: طيب يا رشدي، طيب.
صمت رشدي للحظات ثم قال بجمود: بقولك إيه يا ماسة، بصي كده على الفيديو إللي أنا بعتهولك.
عقدت ماسة بين حاجبها متعجبة: فيديو إيه؟!
رشدي وهو يحتسي ما في الكأس: أفتحي بس يا ست الحسن.
ماسة وهي تقلب وجهها: أصبر.
كانت تقف بجانبها سلوى تستمع لكل شيء بضيق، نظرت لها بعينيها بمعنى :عايز إيه؟ ردت ماسة بنظرها معناها: هانشوف.
فتحت ماسة الرسائل، وجدت فيديو… شقيقها يوسف يجلس في أحد المقاهي، وفي الجهة المقابلة، قناص يجلس في مبنى، مصوب سلاحه نحو يوسف. اتسعت عيناها وصرخت وضعت الهاتف بسرعه على أذنها بتوسل: رشدي! رشدي! إحنا على اتفاقنا والله العظيم هعملك كل إللي إنت عايزه!
نظرت لها سلوى باندهاش وأمسكت يديها وقالت بخوف: في إيه يا ماسة؟
تبسم رشدي الذي استمع لصوت سلوى وقال بجبروت لكنه مليء بالتهديد: بالراحة، أنا بس حبيت أفكرك… قولي لأختك إللي جنبك هي كمان، أوعي تنطقي، أصل أنا عرفت إنك حكيتي كل حاجة لسلوى.
ماسة بتوسل وبكاء: رشدي… أبوس إيدك، مالكش دعوة بحد من إخواتي. والله العظيم هعملك كل إللي إنت عايزه، أرحمني بقى كفاية كده، والله ما هنتكلم.
تحرك رشدي في الغرفة وهو يقول بصوت بارد: أنا بس بفهمك أنا ممكن أعمل إيه، ولازم تفهمي حتى لو أخوكي ماكانش قاعد في قهوة مكشوفة، هعرف أوصله، وأوصل لأي حد… نسيت أقولك على حاجة؟ قولي لسعدية إن التايير إللي هي لبساه بجد شكله جميل، بس خليها هي كمان تبقى تاخد بالها وهي بتعدي الشارع… سلام.
أغلقت الهاتف معه على عجل، ثم هرعت تتصل بسعدية بجنون، بينما كانت سلوى تمسك بيديها بقوة، تحاول تهدئتها وقد ارتسم الذعر على وجهها: فيه إيه يا ماسة؟ فهميني!
سحبت ماسة يديها من قبضة أختها، وبدأت تتحرك في الشرفة ذهاباً وإياباً، حتى جاء صوت والدتها من الطرف الآخر، فهتفت فورًا: أيوه يا ماما! إنتي فين؟ إنتي كويسة؟
سعدية من اتجاة أخرى، بصوت هادئ يفيض طمأنينة: أيوه يا حبيبتي، كويسة، بجيب شوية حاجات من السوق، في إيه؟ مالك؟
تنفّست ماسة بارتياح، وشدت يدها إلى صدرها محاولة تهدئة دقات قلبها المتسارعة: مافيش…هو. هو إنتِ كنتِ هتعدي الشارع ولا حاجة؟
ضحكت سعدية بخفة: لا يا حبيبتي، أنا جوة السوبر ماركت دلوقتي. في إيه يا ماسة؟
أجابت سريعًا، محاولة إخفاء قلقها: مافيش يا ماما… مافيش. تيجي بالسلامة. سلام.
اغلقت الهاتف فجأة، جزت على أسنانها ، ثم رمت الهاتف وقالت بغضب: حقير سافل.
كانت تنظر لها سلوى بعدم فهم. مدت يدها وأمسكت الهاتف من على الأرض وفتحته، ثم نظرت إلى الفيديو مجددًا. شعرت بالخوف، اهتزت يداها وارتعش صوتها، وأمسكت يد ماسة: هتعملي إيه يا ماسة؟ هنعمل إيه والله ما هتكلم أنا كمان ولا هقولك تاني قولي لسليم؟
لم تستطع ماسة التوقف. لم تتحمل قدماها الوقوف أكثر من ذلك وكأنها أصيبت بالشلل. جلست على الأرض وهي تبكي بحرقة وتضع يدها على فمها لكتم صوتها.
جلست سلوى أمامها وهي تمرر عينيها عليها فلا تجد دموعًا كي تنزفها، لكن كان قلبها قد نزف.
مدت يديها المرتعشة وربتت على قدم ماسة وهي تقول تقول اطمئننها برغم الخوف الذي يسكنها: خلاص أهدي، طيب أهدي، هنفكر في حل، مش هيعمل حاجة هو بيخوفنا بس، بس لازم نفكر في حل. إنتي ناوية تعملي إيه طيب.
رفعت ماسة عينيها نحوها وقالت بصوت مبحوح: هعمل إيه؟ هقولهم إني عايزة أطلق. خلاص، مش هينفع نسكت أكتر من كده.
سلوى: مش هيوافقوا، ماحدش هيوافقك.
ماسة بتعب: مش مهم، هقول أي حاجة بس سلوى، أحلفي إنك مش هتتدخلي.
سلوى متعجبة: يعني إيه ماتدخلش يا ماسة؟
ماسة بتحذير: طول ما أنا تحت، أوعي تنطقي بنص كلمة. إنتِ مابتقدريش تمسكي نفسك، مابتقدريش تمسكي لسانك. قولي والله العظيم ماهتكلم.
سلوى بإختناق: يا ماسة، فهميهم وقولي لهم الحقيقة على لاقل ليابا وماما ياخدو حذرهم.
ماسة بغضب مكبوت: مش هينفع حد يعرف الحقيقة يا سلوى؟ ماتتعبنيش بقى، أحلفي.
سلوى: والله العظيم ما هقول لحد عن السر ده.
نظرت لها ماسة بقهر ثم ضمتها إليها وأخذتا تبكيان بحرقة.
اماكن وأوقات مختلقة/في شمال سيناء
مظهر عام للمدينة تلك المدينة الساحرة حيث جبال شامخة تعانق السماء، بحر صافٍ كمرآة، وبيوت صغيرة تحتضن الهدوء، سانت كاترين.
قبل موعد الامتحانات بأيام، شعر عمار أن رأسه تكاد ينفجر من كثرة الضغوط.فقرر أن يسافر مع أصدقاءه لبضعة أيام.
أختار سيناء، حيث البحر يهمس، والجبال تحكي.
نشاهد عمار يسبح في مياه البحر الزرقاء، يغمض عينيه وكأنه يغتسل من التعب، ويصعد الجبل بخفة ومرح، ضحكاته تتردد بين الصخور مع أصدقاءه، وفي الليل يجلسون حول نار صغيرة، والنجوم فوقهم تنصت، وأحاديثهم تتناثر في الهواء البارد.
وذات مرة كانوا يتجولون على أطراف الطريق الجبلي، توقف رامي فجأة (أحد أصدقاء عمار)
اقترب من أحد العرباوية الجالسين على حافة الطريق حديث سريع ونظرات حذرة… ثم يده تمتد، بكيس صغير يختفي في جيب معطف رامي، عاد إلى السيارة، لكن أدهم لمح كل شيء.
نظر له أدهم وعلق: إنت ناوي تنزل بيه؟
ضحك رامي: يا عم دي حتة صغيرة يعني، وبعدين ده حشيش سيناوي… ماتقلقش.
في تلك اللحظة، كان عمار منهمكًا في تصوير الغروب، ولم يلحظ شيئًا، عادوا إلى السيارة وأكملوا الطريق.
الجامعة الأمريكية، الثانية عشر ظهرًا.
خرجت سلوى من البوابه بخطى هادئة كانت، توقفت سيارة بانتظارها. اقترب الحارس وفتح لها الباب الخلفي بأدب، وما إن استقرت على المقعد، حتى شهقت بخفوت.
كان سليم يجلس هناك، ساق فوق ساق، ذراعه ممدودة على ظهر الأريكة بثقة تملك. عيناه مستقرتان عليها، كأنهما تبحثان في أعماقها عمّا يُخفى، تراجعت دون أن تشعر، قبل أن تستعيد توازنها بسرعة.
سلوى بصدمة: سليم؟!
ابتسم ابتسامة واثقة، بنبرة ثابتة تكاد تكون هامسة: إزيك يا سلوى؟ عاملة إيه؟
ابتلعت سلوى ريقها بصعوبة، وردّت بصوتٍ شبه مبحوح: أنا كويسة.
تأملها سليم طويلًا، يفتش في ملامحها عن شيء لا تُفصح عنه الكلمات: قوليلي يا سلوى… إيه إللي حصل يوم الحفلة؟
ارتبكت سلوى، رفّت عيناها، وردّت: مش فاهمة، تقصد إيه؟
نظرته صارت أكثر حدة، بينما نبرته ظلّت هادئة بشكل مخيف: بصي، أنا مابحبش التلاعب بالكلام. هسألك سؤال، تردّي عليه… بإجابة واضحة.
رفعت رأسها فجأة، كأنها تحاول التمرد، وقالت بحدة: وأنا كمان بسألك… آية اللي عملت معايا يوم الحفلة؟
سليم بهدوءٍ قاتل، وصوتٍ يحمل في عمقه تهديدًا مستترًا: لأ، أنا إللي بسأل، وإنتِ إللي هاتجاوبي. يلا.
زفرت بضيق واضح: أنا قلت لمكي إني معرفش حاجة. ماسة كلمتني، وقالتلي فيه حفلة، روحت معاكم. وهناك، في الحمام، قالتلي إنها ناوية تهرب، من الضغط، من سليم، من كل حاجة… كانت عايزة تهدي أعصابها.
رفع حاجبه قليلًا، نبرته غامضة: والنقاب؟ والإسدال؟ وكل التفاصيل دي؟ ماتعرفيش عنها حاجة؟
أجابت سلوى بإصرار: والله ما أعرف. هي بس قالتلي يومها في الحمام.
ضحك سليم ضحكة قصيرة، ساخرة، واقترب قليلًا.
قالتلك يومها؟ مع إنكم ماكملتوش في الحمام أكتر من ٣ دقايق؟
توترت، سلوى حكت أنفها، زاغت عيناها: ااتكلمنا قبلها بردو… لما سبتنا.
أومأ سليم كمن ألتقط الكذبة: بس إنتي لسة قايلة اتكلمتوا بس في الحمام؟
صمتت، لم تجد ما تقول. نظراتها المرتبكة فضحتها.
ظل ينظر أمامه للحظات، ثم قال بنبرة هادئة كأنها تحمل ألف معنى: عموماً، أنا اتاكدت إللي كنت عايز أعرفه. بس سؤال كمان..
التفت إليها، نظرته كانت أكثر لينًا، لكنها لا تزال تختزن الخطر: لو ماسة عندها مشكلة، وإنتي كمان عندك، يا ريت تقولوها بدل ماتفضلوا تلفوا وتدوروا. مش هتلاقوا حد أحسن مني تقولوا له.
حاولت التبرير: صدقني مافيش حاجة… كل الحكاية إن ماسة أعصابها تعبانة، وإنت عارف.
رفع حاجبه، وقال بسخرية خفيفة: تعبانة ده يخليها تهرب بالطريقة دي؟ وتعرض نفسها لموقف بشع زي ده؟!
سلوى بتوضيح حاد: ماكانتش بتهرب… كانت عايزة تمشي، لأنها حاسة إنك مانعها تخرج.
حك خده بإصبعه، صوته ملئ بلاستخاف: هو إنتوا ليه بتحاولوا تقنعوني بالكدبة الغبية دي؟
سلوى: علشان دي الحقيقة.
هز رأسه نافيًا بثقة: لا، مش الحقيقة.
نظرت أمامها، وكأنها تُنهي الحديث: أنا إللي عارفاه قلته لك يا سليم.
ظل صامتًا لثوانٍ، ثم باغتها بسؤال مفاجئ.: وإنتي بقى, متغيّرة مع مكي ليه؟ ماسة وفهمنا، طب إنتي؟
ترددت لحظة: أنا؟ مش متغيّرة ولا حاجة، أعصابي بس مش مستقرة.
ابتسم ابتسامة جانبية: لا ألف سلامة على أعصابك.
ثم قلب عينيه فجأة، ونظر في عينيها مباشرة، كأن كلماته تنبش داخلها: سلوى، لآخر مرة هسألك… مخبية إنتي وماسة إيه؟
خفضت نظراتها، ثم همست: مش مخبية حاجة، وماعرفش حاجة.
ظل صامتًا للحظة، ينظر أمامه، وكأن الإجابة وصلت له، ليس من حديثها، بل من رعشة صوتها، من نظرتها المكسورة، ومن ضيق نفسها.
حرّك رأسه بهدوء، وكأن القرار قد اتُخذ، ثم التفت لها بنظرة حادة وثابتة: لازم تعرفوا، ومهما كان إللي إنتوا مخبّيينه… أنا هوصله. وهعرفه.
قال كلمته الأخيرة، وهبط من السيارة، خطواته ثابتة وباردة، قبل أن تستوعب سلوى ما حدث، كان مكي قد صعد مكانه خلف المقود، وأدار المحرك، وسلوى، ظلّت صامتة، مشاعرها تشتعل، وقلبها يدق بلا انتظام.
واثناء ذلك نظرت سلوى له بإستغراب: رايح فين
نظر لها في مراية السيارة: هاروحك بعدين عايز أتكلم معاكي شوية هوقف العربية على جنب.
هزت رأسها بموافقة أوقف السيارة بجانب الطريق هبط منها وهي أيضا وتوقفوا بجانبها.
سألها مكي وهو يتأمل ملامحها الحزينة: عاملة إيه؟
سلوى بهدوء: الحمد لله، بذاكر، الإمتحانات خلاص قربت، أقل من عشرة أيام.
مكي: ربنا يوفقك. إحنا على اتفاقنا، صح؟
سلوى: آه طبعًا.
نظر إليها قليلًا بنبرة عاتبة:وهتفضلي ماتكلمنيش كده؟!
رفعت عينيها إليه: مش إنت إللي عايزني أذاكر وأنجح وأجيب درجات عالية وماشلّش؟ سيبني بقى، أركز في مذاكرتي.
تنهد مكي وظم شفتية، أخفض نظره للحظة قال بتنبيه: طيب ياسلوى، بس أنا مش صبور زي سليم.
لم ترد، ولم بنظرها ترد كتفى بأن يفتح باب السيارة وقال بجمود :اركبي يلا، أوصلك.
صعدت في صمت، والأجواء مشحونًة بكلمات لا تقال
وخلال أيامٍ قليلة…
انعزل سليم في يخته بمدينة العين السخنة، رسى هناك في منتصف البحر، هاربًا من الضجيج، يبحث عن تفسير لما حدث، عن خلاصٍ من الحيرة، التى تنهشة
ظل يعيد كل لحظة في ذهنه، كل لحظة، وكأن جبالًا كأن جبال بتنزل على رأسه بلا توقف.
ماسة تتركه في أكثر الأوقات التي يحتاجها فيه،
لم تكتفِ بالغياب، بل زادت عليه الألم بدل ما تخففه.
يسأل نفسه: كيف انتهت علاقتهما إلى هذا الحد؟ كلاهما تغيّر، لكن لا بدّ أن شيئًا ما قد حدث… غامض، ثقيل، يطارده ككابوسٍ لا ينتهي.
مستحيل أن يكون الفيديو سببًا في كل هذا الانهيار.
حتى لو وُجدت تراكمات وضغوط، ليس منطقياً أن تنهار العلاقة هكذا في لحظة، ذلك اليوم الذي جمعهما، وما تخلله من عشق، لا يزال حاضرًا في قلبه، حتى لو إدّعت ماسة أنها لحظة ضعف
لقد وعدته بالتفكير… لا بالطلاق. فما الذي تغيّر؟
ما الذي حدث يوم حادثة والدها؟! كانت فقط تطلب وقتًا، فلماذا اختفت فجأة؟ لماذا تعقّد كل شيء؟
عجزه عن الفهم الذي ينهشه عقلة، يحرّض جنونه، ويضاعف اضطرابه، كان واثقًا أن شيئًا ما تغيّر يوم الحادثة… شيء خفيّ جرّهما إلى الهاوية، دون أن يملك دليلاً، سوى شعورٍ مفترس ينهش قلبه.
بينما التزم مكي الصمت انتظارًا لانتهاء امتحانات سلوى كما قالت، رغم أنه كان على يقين بحدوث شيء كبير، لكنه كان عاقلاً يمنحها المساحة، لا يفتعل المشاكل أو يضغط عليها، على عكس سليم تركها تفعل ما تشاء. بالطبع، كان يشعر بالضيق والغضب والحزن، لكنه لم يُظهر ذلك، ولم يحاول الاتصال بها إلا قليلاً للاطمئنان عليها فقط.
أما ماسة وسلوى، فكانت لا تغادر غرفة سلوى، تحبس نفسها في صمتٍ ثقيل، قلباهما يحترقان وكأنّهما يحملان جمرًا في الضلوعهما، يحرقهما مع كلّ دقيقة تمرّ، وكلّ لحظة صمتٍ تزداد ثقلاً.
كانت ماسة على وجه الخصوص تعيش جحيمًا لا يُحتمل، تحت حصار رشدي الدائم. يطاردها
بكلماته الجافة، وبتهديداته وصوره المرعبة: ماذا فعلتِ؟ تحرّكي! ويرسل لها صورًا لوالدها وإخواتها في أماكن متفرقة، ثم يتبعها برسالة مريعة: قد لا يعودون مجددًا.. أو صورة لقنّاصٍ يرصدهم عن قرب، ينتظر فقط إشارة واحدة منه ليطلق النار.
حاصرها بالخوف، كأنها سجينٌ مظلوم صدر بحقه حكم الإعدام وينتظر لحظة تنفيذ الحكم في صمتٍ خانق.
ظلّت على هذا الحال، وفي لحظة انهيار، قررت مواجهة والديها، وأخبرتهما برغبتها في الطلاق
لكن ما كان يمزّقها أنها لا تملك سببًا واضحًا أو مقنعًا لا تريد الكذب، ولا تقدر على قول الحقيقة. لا يمكنها الاعتراف بأن رشدي هو من يقف خلف قرارها، يهددها في كل ساعة، ولا أن سلوكها ليس رفضًا لسليم، بل محاولة لحماية من تُحب.
_______💞بقلمي_ليلةعادل⁦_______💞
فيلا عائلة ماسة الثانية مساء
غرفة الليفنج
سعدية تجلس على الأريكة تقشر برتقالًا، وبجوارها يوسف، بينما تمدّد مجاهد صامتًا، لا يغادر الغرفة منذ الحادثة. الجميع منشغل بمشاهدة مسرحية “ريا وسكينة، ومندمجين معها، حتى دخلت سلوى، وتبعتها ماسة وقد قررت فتح موضوع طلاقها من سليم.
وما إن وقعت عينا يوسف عليهما حتى قال ممازحًا:
وأخيرًا شفناكم، ده أنا بدأت أنسى إنكم قاعدين معانا في البيت.
سعدية وهي تضحك: عندك حق.
جلست ماسة بجوار والدها على الأريكة وقالت بكذب: ما إنتم عارفين عندنا امتحانات.
يوسف ساخرًا: على أساس يعني أنا ماعنديش امتحانات.
سلوى وهي تجلس على المقعد: إنت فاشل وعمار فاشل زيك قال إيه سافر يغير جو.
نظرت ماسة إلى والدها، وضعت يدها على قدمه المجبّسة وسألته: قولي يا بابا عامل إيه دلوقتي أحسن؟
مجاهد برضا: الحمد لله يا بنتي أهو هنعمل إيه بتتعبني شوية باخد مسكن.
ماسة: إن شاء الله هتتحسن وهتبقى كويسة، هو إنت ليه بقيت بتقعد هنا على طول؟ أنا ملاحظة ده.
مجاهد: كدة أحسن يابنتي، مين هيطلعني وينزلني كل شوية؟ أنا بقيت بنام هنا.
ماسة بإقتراح: ليه طيب؟ ممكن نفضي أوضة،ونجيب لك سرير، إيه رأيك؟
مجاهد وهو يلوح بيده: وعلى إيه؟ كلها ثلاث أسابيع وأفك رجلي.
سعدية بدعاء: على خير إن شاء الله يا أبو عمار.
نظرت سعدية لماسة وهي تمد يدها بموزة: خدي كلي دي…
أخذتها ماسة، أكملت سعدية وهي تدقق في ملامح ماسة بتهكم:
إنتي يا بت وشك بقى زي اللقمة، وتحت عينك أسود! إيه المنظر إللي إنتي فيه ده؟ وإيه إللي إنتي لابساه ده؟ يا بت إنتي ست متجوزة، لازم تلبسي ملون، وشك على طول يكون منوّر، وخدودك دي كده حُمَر.. زي الطماطم! ده إنتي متجوزة راجل ستات مصر كلها مصر إيه، ده ستات العالم كله نفسهم بس يرمش لهم! إملي عين رجلك، علشان ما يبصش برّه، بالمنظر إللي إنتي فيه ده! أنا إللي هقول له بص، بطلي يا أختي تلبسي التيشرتات إللي شبه بتاع إخواتك دول.
مجاهد مهدئًا: يا سعدية، ما هي قاعدة معانا، هتلبس لمين يعني؟ لما جوزها يرجع تبقى تلبس له إللي هو عايزه، وبعدين ماتخافيش، ماسة ما شاء الله عليها زي القمر، مهما لبست زي القمر.
يوسف ممازحًا: أيوة يا عم، مين يشهد للخرزة الزرقاء بتاعتنا؟
ماسة تبسمت: بقولك إيه يا بابا، هو إنت فتحت سليم في موضوع الفلوس ولا لسة؟
ضيق مجاهد عينه مستفسرًا بقلق: قولي لي يا ماسة بصراحة، هو سليم قالك حاجة؟
هزت ماسة رأسها بلا: لا والله خالص، حرام عمره ماقالش حاجة، بس الواحد لازم بقى يبقى حسيس، هو صرف علينا كتير.
تدخلت سعدية بقلق: إنتي مش عاجباني بقالك فترة متغيرة، والموضوع ده،حاسة إن فيه “إنّ.
ماسة بتأكيد: مافيش إن يا ماما، مافيش حاجة.
صمتت ماسة لحظات، نظرت إلى سلوى، لا تدري كيف تبدأ، فهي تعلم جيدًا أن الأمر سيشعل النار ، فلا تملك أي أسباب قوية تجعلهم يرفقون بها.
مسحت وجهها، تنهدت وأخذت نفسًا كأنها تحاول استجماع قوتها الهشة، ثم قالت: بابا… ماما… أنا كنت عايزة أقولكم على حاجة مهمة، بس أنا عايزاكم تسمعوني من قلبكم و تفهموني،وتحسوا بيا.. ممكن؟
مجاهد بقلق: خير يا بنتي، وطي التلفزيون ده شوية، ولا أقفله يا يوسف.
أغلق يوسف التلفاز، وبدأ الجميع يركز معها.
قالت ماسة بصوت متلعثم قليلًا وهي تعبث بأطراف السويت شيرت بألم خنق نبرة صوتها: يعني، الفترة الأخيرة، أنا وسليم كان بينا مشاكل كتير، وأنا أعصابي تعبت، مابقيتش قادرة أتحمل، حاسة بوجع كبير، مابقيتش قادرة أتحمل الوجع أكتر من كده، ولا أتحمل الصداع إللي بقى ملازمني، ولا أتحمل انفعالاته وغضبه كل شويه على أتفه الأسباب إللي وصلت للتهديد كمان… فـيعني، أنا اتكلمت معاه، وجيت هنا علشان أفكر في علاقتنا، وبصراحة لما فكرت شفت إن الأصلح إن إحنا نسيب بعض… فأنا عايزة أتطلق من سليم.
سكت الجميع في صدمة واستغراب، ثم ضحكت سعدية: بت يا ماسة، بطلي هزار.. طلاق إيه؟
ماسة برجاء: ماما من فضلك اسمعيني.
توقفت سعدية بغضب وهي تصيح بها: أسمع إيه؟ أسمع التخاريف إللي إنتي بتقوليها دي؟ أعصابك تعبانة من إيه يا بت؟ بتاكلي بالدين، ولا بتنامي من غير عشا؟ ولا قافشة جوزك كل يوم مع واحدة؟ ولا جوزك مدمن وبيصرف تعبك وشقاكي على نسوان عيلته ومزاجه، ولا بيضربك؟
ماسة بإنفعال: هو لازم يعني يكون بيضربني ويشتمني و واخد فلوسى علشان يبقى راجل وحش؟ بعدين هو راجل وحش من غير مايعمل كل ده… ده شكّ فيا!
يوسف متهكما بإعتراض: ماسة، إللي إنتي بتقوليه ده مش عاجبني، ويوم ماحصلت المشكلة كنت معاكي، بس لما فهمت اتضايقت منك! زميلك مين ده إللي تقعدي معاه.
ماسة تحاول توضيح: يا يوسف، أنا ماقعدتش مع حد، ده كان قاعد مع صاحبتي! الموضوع كله صدفة.
يوسف بصرامة وبحة رجولية: المفروض أول ماتلاقي صاحبتك هتقعد معاه، تمشي! أنا “مي” لو عملت حركة زي دي، هعمل معاها مشكلة! وهي لسه ماتخصنيش لحد دلوقتي مجرد واحدة معجب بيها، ولو مراتي، أقسم لك، كنت لطشت لها!
حاولت ماسة تمسك دموعها: بس هو متخانقش معاه علشان كده، طريقة سؤاله نفسها كان فيها نوع من الشك، وأنا مش هقبل ده وكمان عصبيته وطريقته دي، حقيقي أعصابي تعبت.
تنهد مجاهد وقال بحكمة: يعني علشان جوزك إنفعل شوية ولا زعق، تقومي الدنيا وتقعديها؟ الست العاقلة إللي بتحب جوزها لازم تتعامل مع المشكلة بحكمة، إنتي لما تشوفيه منفعل، تسكتي، تشربي غضبه، وبعد شوية تقولي له بعتاب: يا حبيبي، إنت كنت متعصب أوي، وأنا خفت منك وزعلت، كل إللي بطلبه منك إنك تتكلم معايا بهدوء، فهمني غلطتي، واعتبرني بنتك قبل ما أكون مراتك، ساعتها، هتلاقيه من نفسه جايب لك وردة، شوكولاتاية، ولا حتى بيضحكلك ضحكة تراضي قلبك وبيعتذرلك.
ربت على قدميها وتابع بحنان:
بصي يا بنتي، سليم عصبي؟ آه. بيهددك وبيتصرف تصرفات غريبة؟ مصدقاك، بس الحياة مش بتمشي على مزاجنا، ولا الناس بنفصّلهم على هوانا. جوزك واقع في حفرة، مش عارف يطلع منها، وكل ما الوقت بيعدي وهو فيها، غضبه بيزيد، بيحس بالعجز. ساعات الراجل بيزعق مش لأنه قاسي، بس لأنه مش عارف يعبّر. الست لو ردت الغضب بغضب، النار بتزيد، لكن لو قابلته بحنية وهدوء، الدنيا بتهدى. وإنتي يا ماسة، ست واعية وعارفة تفرقي بين اللي يتحب واللي يتحاسب.
ماسة بألم وهي تنظر أمامها: وأنا بقول لك يا بابا، سليم يستاهل يتحاسب.
سألها مجاهد: ليه يا ماسة القسوة دي؟ ليه العند ؟ فهميني، بيعمل لك إيه؟
ماسة محاولة التوضيح: حاجات كتير يا بابا، بس أنا ماكنتش بتكلم.
سعدية بضجر: طب ماتتكلمي وتفهمينا! إنطقي.
صمتت ماسة للحظات، لا تعرف من أين تبدأ. أغمضت عينيها، تشعر بثقل فوق صدرها، كأن عقلها وقلبها على وشك الانهيار. الضغط فاق قدرتها حتى على الكذب أو إرضائهما بكلمة. كل ما أرادته أن يستمعا لها ويصدقاها دون نقاش، لكن ذلك كان مستحيلاً… ولهذا، انفجر غضبها.
نهضت ماسة وصرخت ببحة وانهيار: يا جماعة، إنتم مش فاهمين حاجة! سليم ده راجل وحش، والله العظيم راجل وحش، وأنا مابقيتش قادرة أستحمله! إنتم مش فاهمين حاجة، ولا هاتفهموني! بس علشان خاطري، أنا لازم أطلق! مش لازم تقتنعوا، المهم أنا مقتنع، أنا شايفة إن ده هو إللي هيريحني وإنتم لازم تعملوا آللي يريحني!
سعدية صاحت بها غاضبة: لو مشيناكي على هواكي، وعلى إللي يريحك، يبقى معندناش أصل، ولا عقل، يعني علشان نفسيته تعبت شوية، نرمي الراجل؟
ناخده لحم ونرميه عضم… لو كل ست نفسيتها تعبت شوية علشان جوزها زعلان ونفسيته تعبانه، كانت نسوان البلد كلها أتطلقت! ماكانش في بيت فيكي يا بلد إلا والنسوان كلها مطلقة! جوزك عنده مشكلة، تتحمليه علشان جوزك فيه حاجات كتير حلوة، أبوكي لسة قايلك، مش هنفصل الناس على مزاجنا، وإنتي كمان فيكي عيوب، ومش عاجبه! بس متحمل، بيبص للحلو إللي فيكي…
فقدت سعدية قدرتها على التماسك، اشتد غضبها وارتفع صوتها، وأخذت تلوّح بيديها نحو وجه ماسة بانفعال حاد، كأن الكلمات لم تعد تكفي للتعبير عن سخطها. كانت غاضبة حدّ الاشتعال، لا تستوعب تصرفات ماسة أو كلامها، تراها جاحدة، بلا أصل، لا تقدّر ما تملكه، ولا ترى الخير من حولها.
أضافت بنبرة جعلت صوتها ينبح:
إنتي ليه يا بت بقيتي أنانية ومتجبرة كده؟ ردي عليا يا بت، بقيتي زبالة ليه كده؟
فجأة دون سابق إنذار صفعَتها على وجهها بقوة.
تفاجأت ماسة بصفعة مباغتة، وضعت يدها على وجنتها في ذهول، واتسعت عيناها حتى خُيّل أنها ستخرج من محجريهما. خرج صوتها متحشرجًا، متهدّجًا، بالكاد تشكّل في حنجرتها: إنـتِ… بتضـربينـي؟
لم تعطيها سعدية فرصة بل جذبتها من شعرها وهي تصيح بها بقوة: وأكسر عضمك كمان! أبوكي بقاله ساعة بيفهمك، وبيرصلك في الكلام ويقولك اتحملي من إمتى يا بت وإحنا عاملين نقولك استحملي وأصبري جوزك أصيل وأساسه مش وحش ومدلعك بزيادة وإنتي مافيش.
نظرت لمجاهد وهي تقول بإستهجان: شفت يا مجاهد؟ قلتلك بناتك دول عايزين يتضربوا بالجزمة، ماينفعش معاهم الحكم والمواعظ والطبطبة!
بناتك دول عايزين يتضربوا بالحزام زي زمان، لإنهم مش متربيين! اتعودوا على السَرمحة والصياعة والأنانية!زأنا هاربّيكي يا بنت بطني!
طلاق إيه يا بت؟ إحنا ماعندناش مرة تطلّق، الست بتفضل متشعلقة في رقبة جوزها لحد ماتنزل قبرها، ولو جوزها سبقها، تفضل عايشة على ذكراه وتربّي عيالها! عايزة إيه يا بت؟ عايزة أكتر من العيشة إللي إنتي فيها؟ يامعفنة يا أنانية؟ ده مِعَيِّشِك في قصر وبيأكلك وبيدلعك آخر دلع ده جوزك زي الدهب الأصلي.
فجأة سحبت ماسة شعرها ودفعت يديها بقوة ونظرت لها نظره مليئة بالغل والغضب وهي تقول بصياح:
هو إنتي كل حاجة بالنسبالك أكل وشرب وفلوس؟ وأنا فين؟! أنا فين من كل ده؟! فكري فيا شوية؟! أنا محدش حاسس بيا؟! ما حدش حاسس بوجعي،
ماحدش شايفني بتدوسي عليا وعلى قلبي وعلى إحساسي مش شايفين غير سليم ووجع سليم وأنا طظ أولع أتحرق شوفيني شوية بقى حرام عليكي شوفيني شوية ولو مرة واحدة. أنا بنتك إنتي ليه بتعملي فيا كدة.
حاول مجاهد الاعتدال وتدخل بصوت حاد:
إنتي بتِزعقّي وأنا قاعد مش محترمة وجودي، ده إنتي لو بتكلمي جوزك كدة تستاهلي يديكي باللي برجله، إنتي عمرك شوفتي أمك بترفع صوتها عليا إحنا مش شايفينك ازاي يا ماسة؟؟ لا شايفينك وشايفينك كويس اوي، أمك صح بقيتي وحشة.
ماسة بإنفعال شديد حتى نبح صوتها: لا أنا مش وحشة، ولا قليلة أصل، إنتم مش شايفين حاجة! إنتم عمي! عمي! كل إللي فارق معاكم الفلوس، وإنه الراجل إللي عيّشنا عيشة كويسة، مش فارق إيه بيحصل لي! ماحدش فكر فيا ثانية واحدة زي ما فكرتوا في سليم، وإللي حصل لسليم، كأن كان لوحده في الحادثة،وأنا كنت متفرجة محدش عاش إللي أنا عشته، أنا الألم اللي جوايا مالهوش وصف..
يوسف متعجباً: إيه إللي بيحصل فيكي يا ماسة؟ ماتقوليلنا، ولو ماجبنالكِيش حقك، قولي علينا مش رجالة!! بس فهميني إحنا مش فاهمين منك حاجة، بتقولي راجل وحش، طب عملك إيه الراجل الوحش.
سعدية بسخرية وهى تضع يدها في وسطها:
قولي يا ختي لاخوكي، قولي لرجالة البيت، يا حبيبتي جوزك بيعمل فيكي إيه يا ماسة؟
بيمسكك سلك عريان كل يوم؟
يوسف وهو يرفع يده مستوقفًا والدته: إستني ياما… واضح إن فيه حاجة إحنا ما نعرفهاش.
ثم ألتفت إلى ماسة بنبرة أكثر هدوءًا لكنها حازمة:
قولي يا ماسة، فهمينا قبل ماتعاتبينا وتزعلي وتقولي إننا مش حاسين بيكِ، اتكلمي، ومالكيش دعوة بأبوكِ وأمك، إنتي عارفاني أنا وعمار… مابيفرقش معانا
وأديكِ شفتي، يوم ما جه أخدك بالعافية، عمار عمل إيه، وإللي خلاني أسكت وقتها إني عرفت إنه كان عنده حق في إللي عمله معاكي.
ثم تابع بلهجة صارمة: هتقولي دقيقة ولا مش دقيقة؟ أنا ماليش في الكلام ده، يلاا قولي أنا سامعك.
صمتت ماسة للحظات، عاجزة عن التفكير أو صياغة كلمات مقنعة. رأسها كان خاليًا تمامًا، وكل ماخطر ببالها أن تُلفّق شيئًا، أن تقول ماقد يُقنعهم، أو يبعدهم عن طريقها.
بصوت مرتعش متلعثم، تحمل نبرته مرارة التزييف:
بيهددني.. وبيكلّمني بأسلوب مهين… بيضربني!
و… وبيخوني، وأنا كنت عارفة وسكتُّ، بس خلاص، مش قادرة أتحمّل. كمان يشك فيّا، بيراقبني طول الوقت، حتى قالي هفضّل لحد إمتى أصرّف على أهلك؟
يوسف بإنفجار غاضب: إنتي كذّابة يا ماسة!
ماسة وقد اتسعت عيناها بصدمة: أنا مش بكذب دي الحقيقة.
يوسف وهو يهز رأسه غير مصدق، صوته يفيض بالخذلان: مستحيل أصدّق..؟! أنا أعرفك أكتر من نفسك، لو سليم عمل معاكِ ربع إللي بتقولي عليه، كنتي اتكلمتي من زمان.
ماسة بتلعثم: كنت مستحملة وبعدين هو زاد دلوقتي
سعدية، وقد بلغ غضبها ذروته، تصرخ بإنفعال:
كذابة! مجرمة! بتألّفي على الراجل علشان تطلعيه وحش قدّامنا؟ مستحيل أصدق إن سليم بالشكل ده! ده بقاله سنين متجوزك ماشفناش منه حاجة وحشة أبداً.
ماسة بصوت مبحوح يخرج من أعماق الاختناق:
سليم… أبشع من كده! أبشع من كده بكتير… كفاية! مش لازم أقول كل حاجة!
سلوى لم تطيق الصمت أكثر برغم من حلفانها أنها لن تتدخل كما طلبت ماسة: ما كفاية بقى! حرام عليكم!
إنتم بتعملوا كده ليه؟ ما تسيبوها تعمل إللي هي عايزاه! هي حياتها ولا حياتكم.
فجأة سعدية لفت وضربت سلوى بالقلم: إنتي تخرسي خالص! عشان إنتِ عايزة جزمة قديمة على وشك وبقك! والله العظيم شكلك إنتي إللي بتقوّيها.. يوسف خدها من قدامي علشان أقسم بالله هموّتها!
يوسف وهو يسحبها من كتفها تعالي يا سلوى هنا! ومالكِيش دعوة!
حاول مجاهد أن يقوم لكن لم يستطع، قال بصوت ضعيف مكسور: أنا عرفت دلوقتي اني ماعرفتش أربي..سعدية، خدي بنتك وديها لبيت جوزها، وقولي لجوزها: أبوها بيقول لك اعمل فيها مابدالك إخصّ عليكي يا ماسة، إخصّ عليكي! وصلت بيكي إنك تِتْبَلّي على الراجل.. يا بنتي إنتِ لو عندك حق، هجيبهولك، ولو جوزك عنده حق، مش هقدر أتكلم.
أنا روحت له لحد الشركة بتاعته وكلمته وفهمته،
قلت له: أوعى تكون فاكر عشان الفلوس والعيشة إللي عيشتها لنا، هسيب بنتي! بنتي عندي بالدنيا!
ولو فضلت مزعل بنتي أنا هاخدها..
والراجل ماستحملش عليكِ الهوا، أول ماحس إنك تعبانة وزعلانة، جِري قدم لك في الجامعة وخرجك!عايزة أكتر من كده إيه يا ماسة؟
ماسة بحزن ووجع جلست بإنهيار وكأن هناك أحدهم يقوم بخنقها: والله العظيم إنتم مش فاهمين حاجة.
أكملت بصوت مهزوز: بقولك بيضربني وبيهددني، بيقول لي: هندمك وهوريكي لو ماتعدلتِيش! وأنا مش هقدر أعيش مع واحد بيعمل كده!
سعدية: يا ختي على الدلع!
تابعت بتحذير: طب يا ماسة بيضربك وبيهينك وبيشتمك ماعندناش طلاق! وهترجعي لجوزك النهاردة! وكلمة كمان، والله العظيم همسح بيكي المكان كله! عشان انا دمي محروق منك، جاتك القرف في شكلك! عيلة معفنة زبالة!
نظرت لها ماسة بغضب ضغطت على أسنانها: أنا أصلًا مش باخد رأيكم! أنا هتطلق! ده قرار! لازم تعملوا حسابكم كويس لإن الحياة إللي إنتم عايشينها دي، هاتسيبوها قريب!
سعدية بشدة: بس يا بت بدل ماديكي على وشك،
أنا هروح البس عيلة جاحدة صحيح.
خرجت سعدية لتُحضر عباءتها، بينما كانت ماسة واقفة أمام مجاهد تبكي، لا تدري ما الذي ينبغي أن تفعله…
نظرت إليه برجاء، وقالت وهي تميل عليه وتمسك يده: يا بابا، أبوس إيدك، أبوس إيدك أفهمني…
مش هينفع أرجع… أنا لازم أطلق… لازم أمشي…
لكنه لم يُصغِ إليها، بل مدّ يده وصفعها على وجهها!
ماسة بقهر وشعور بالخذلان: إنت كمان بتضربني؟
مجاهد بضيق وحزن: أنا مش عايز أتكلم معاكي، إنتي كسرتيني يا ماسة..
تابع بشدة: مش عايز أسمع حسّك! إنتي حظك إن أنا مكسور، أقسم بالله، أنا لو بعافيتي، كان زماني كسّرتك تحت رجليا دلوقت!
ثم دفعها بقوة: أبعدي عني!
حاولت سلوى أن تتدخل، لكن ماسة أمسكت بيديها وقالت ببكاء: بس أسكتي! أسكتي خالص.
وصلت سعدية، وأمسكت بيد ماسة بعنف: يلا معايا يا بت! يلا قدّامي على بيت جوزك!
صرخت ماسة: لا! أنا مش هروح في حتة!
مجاهد بصوت غاضب: لا، هتروحي! مش عايزك في بيتي! أطلعي برّه! يلاا برّه! روحي على بيتك!
أنا مش عايز أشوفك هنا! وإنتي يا سلوى، أطلعي فوق على أوضتك! مش عايز أشوفك تحت!
ماسة بخذلان و كلمات تخرج بصعوبة: إنت بتطردني يا بابا، علشان سليم؟ بتتخلى عني؟!
مجاهد وهو ينظر أمامه بحزن: أيوة أنا بطردك علشان إنتي للأسف مش متربية! عشان أنا قلتلك هجيبلك حقك لو عندك حق، بس إنتي ماعندكِيش أي حق! بتتبلي على الراجل عيني عينك، وكمان مش عايزة تستحمليه في أزمته! يا خسارة تربيتي فيكي!
بقول لك إيه يا سعدية؟ لو جوزها عايز يطلقها، قولي له إحنا موافقين، لو عايز يضربها، يرميها، يعمل إللي هو عايزه! أنا ماليش دعوة! شِلت إيدي من عليها، علشان بنتك دي ما كانتش تستاهل غير واحد زي صبري إللي كان هيتجوزها ويمرمطها !
سعدية بتأييد: عندك حق يا أبو عمار
نظرت لماسة قالت باستهجان: إنتي عارفة صبري ده عمل إيه؟ قتل مراته! وهو في السجن دلوقتي! إنتي كنتي عايزة واحد زيه كده؟ يرنّك كل يوم علقة، وفي علقة منهم تتصفي وتموتي؟ زي مراته،، تفوّ عليكِ!
يلا قدامي!
تحركت ماسة مع سعدية بإنكسار شديد، فهي غير قادرة على النطق بحقيقة طلبها للطلاق،،،لكنها اختارت الصمت لكي تحافظ على حياتهم وتظهر بهذه الصورة أمامهم.
سلوى نظرت لمجاهد: والله العظيم بُكرة تندموا.
يوسف: لو إنتي عارفة حاجة، قولي!
سلوى زفرت بضيق: ماعرفش حاجة غير إللي ماسة قالتها.
تحركت سلوى وتركت لهم الغرفة وتوجهت للخارج بحزن على ماسة.
اقترب يوسف من مجاهد: بقولك إيه يا بابا… تفتكر فيه حاجة إحنا مانعرفهاش؟
هز مجاهد رأسه رافضًا: إخواتك اتدلّعوا يا يوسف، وعايزين يعيشوا حياة مش بتاعتهم، نسيوا إحنا مين. عايزين يقلدوا صحابهم! أول ما جوزها يِشخَط شَخطة، تسيب البيت وتمشي! مش عاجبهم عيشة أهلهم، نسيوا أصلهم.
يوسف بحيرة: المشكلة إن سليم راجل محترم جدًا، والله يا بابا، من يوم المزرعة ماشفناش منه حاجة وحشة، علشان كده أنا مش مع أختي.
مجاهد: والله يا ابني، عندك حق! هو أنا كنت هسيب بنتي تتهان؟ بس الراجل بقاله سنين ماشوفتوش عمل حاجة وحشة… أختك، الله يسامحها، مش عارف ليه بقت كده! إزاي توصل بيها البجاحة إنها تتبلى عليه بالشكل ده؟!
يوسف بشك: يمكن موضوع موت بنتها ده إللي مأثر فيها.
مجاهد برفض: لا يا يوسف! موت بنتها إيه؟ دي وحده اتعودت على الدلع والأنانية! لما جوزها تعب له شوية، مابقيتش قادرة تستحمله! أنا ماعرفتش أربيها يابني.
تنهد يوسف: إنت بس ماتزعلش نفسك.
السيارة
جلست سعدية ،جانبها ماسة في الأريكة الخلفية، تبكي بصمت ووجهها متجه إلى النافذة.
سعدية بتهكم: كلمي جوزك شوفيه فين، علشان مش عايزة أروح القصر وأبهدلك وأفرّجهم عليكي، إنتي بنتي برضه، وعايزاكي تروحي وإنتي رافعة راسك.
ماسة بصوت مكسور: رفعه راسي؟ هو أنا كده رافعة راسي؟ إنتِ مش عارفة إنتِ بتعملي فيا إيه… بكرة هتعرفي.
تنهدت سعدية بضيق: والله إنتي إللي بكرة تشكريني أنا بحافظ على بيتك، أنا مش عارفة إيه إللي جرالك.
ماسة بقهر وهي تنظر أمامها: فكري فيها، أنا كنت ماشية كويس وراضية، إزاي حالي يتغير كده؟ ده ماخلاكيش تحسي إن فيه حاجة غلط !! هو سليم ده إيه؟ نبي؟ أستغفر الله العظيم.
سعدية بحدة: لا يا ختي، جوزك مش نبي، بني آدم عادي، بس ماعملش حاجة غلط نزل لك الجامعة، وخلاكي تروحي كل حتة، رغم إنه مش مرتاح، بس عمل كده علشانك، علشان ما يشوفكيش مكسورة. جه على نفسه وعلى كرامته علشانك. وفي الآخر؟ اتعوجتي عليه علشان بيحبك! هي الست كدة لما تلاقي جوزها طيب وابن حلال، تتمرع عليه، تقلب وشها. لكن لو كسرها ويديها بالجزمة ويصبحها ويمسيها بعلقة، تلاقيها على عجين ما تلخبطوش، طب يا ريتني مكانك، روحي عيشي مع أبوكي وإخواتك، وأنا أجي مكانك، والله ما أطلع من الأوضة، خدامين يخدموني، وجوزي يحقق لي كل إللي نفسي فيه.
نظرت إليها ماسة بجمود ويأس: هو إنتي لسه فاكرة إن مشكلتي في الحبس؟ أسكتي يا ماما، مش خلاص رجعتيني؟ أنا كنت متأكدة إنك هاترجعيني، وإنكم مش هاتصدقوني وتقفوا معايا.
رفعت سعدية حاجبيها: يا بت قولي كلام يدخل العقل، جوزك عمل إيه؟ فهميني.
نظرت ماسة للأرض: قلتلك كان بيضربني وبيهيني.
صرخت سعدية وضربتها في كتفها بإصرار: والله العظيم كذابة يا ماسة!
هتفت ماسة بمرارة: أنا مش بكذب! والله العظيم كان بيضربني، واستحملت وسكت، شخصيته صعبة، وبرضه استحملت. ما كنتش بقولك علشان ماتزعليش منه.
سعدية هدأت قليلًا: كان.. يعني من زمان وتغير، أمال مالك..
صمتت للحظات وهي تركز النظر بها: ماتقولي يا بت إللي في قلبك.
ماسة بصوت منخفض: في حاجات ماينفعش تتقال.
تأففت سعدية وقالت بتهكم ونبرة غاضبة: إللي ماينفعش يتقال إنك بقيتي بتدلعي، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي، والله لو ماتعدلتي أنا إللي هقول لسليم يطلقك، علشان إنتي ماتستاهليش ظفره إللي بيطيره ! الست إللي تلاقي الحب إللي بيحبهولك جوزك، ما تقومش من على سجادة الصلاة تحمد وتشكر ربنا عليه، قولتلك يابنتي ماحدش كامل، بس إنتي مش راضية، عينك قوية وجاحدة وبقيتي وحشة، روحي بيت جوزك، ومش عايزة أشوفك تاني. من اللحظة دي لا إنتي بنتي ولا أعرفك. تفو عليكِ وعلى تربيتك! منك لله، قلبي غضبان عليكي يا ماسة لحد ما تتعدلي.
تمتمت ماسة وهي تبكي: هو أنا ناقصة دعاوي؟ أرحميني.
نظرت أمامها بصمت، تشعر وكأن حبلًا يلتف حول عنقها ويمنعها حتى من الكلام.
وصلت السيارة إلى قصر الراوي
قصر الراوي، الخامسة مساءً
دخلت ماسة ومعاها سعدية القصر، لم يكن سليم موجودًا، مازال بالطريق بعد ان اتصلت به ماسة لكي يعود فلم تكن تعرف انه بالسخنه وليس بالمجموعة. أما رشدي، فكان واقفًا في الداخل، فى أعلى الدرج، وما إن رأى ماسة تدخل حتى ضحك ضحكة خفيفة. حين رآها تصعد السلم، أشار لها بيده بسلام، لكنها فهمت طريقته جيدًا.
انتظرت ماسة مع سعدية في جناح حتى عاد سليم.
جناح سليم وماسة
دخل سليم وهو يضع هاتفه ومفاتيحه على الطاولة: مساء الخير.
سعدية: مساء النور ياحبيبي، عامل إيه؟
نظر سليم إلى وجه ماسة، رآه محمرًا ودموعها واضحة، ثم نظر إلى والدتها وهو يقول: أنا كويس.
نظر مرة أخرى لماسة سألها بإستغراب وقلق: وشك عامل كده ليه؟ مالك؟
تقدمت سعدية قائلة بأسف: هي هتفهمك على مهلها. بص يا ابني، إحنا غلطنا في حقك، وحقك على راسنا. اللي عايز تعمله معاها أعمله، تطلقها، تضربها، تربيها، اللي يريحك. إحنا خلاص شيلنا إيدينا منها، بنتنا مش متربية معلش يا ابني، حقك علينا، وإن شاء الله تتعلم الأدب، ولو ما اتعلمتش، علمها إنت. ولو زهقت، طلقها، ولو هتتجوز عليها، برضه حقك، مش هنقولك حاجة للأسف بنتي ما تستاهلكش، أضربها كمان، ولا يهمك.
استدارت نحو الباب: هسيبكم مع بعض… وحقك علينا يا ابني. مجاهد كان عايز ييجي، بس تعبان.
ثم نظرت لماسة بتهكم: انتي يا زفتة، اسمعي كلام جوزك وقولي له حاضر ونعم، وبوسي راسه واعتذريله فاهمة؟ كتك القرف!
خرجت سعدية وأغلقت الباب خلفها. جلس سليم بجوار ماسة، تطلّع إلى وجهها بصمت. مدّ يده ولمس خدها برفق، لم يفتَهُ أثر الصفعات عليه، فعضّ على شفته بضيق عميق وتنهد بمرارة.
سألها: إيه إللي حصل؟
ماسة بإنكسار: إزاي سبتها تزعقلي وتشتمني، وماتدخلتش؟
سليم ببرود: أتدخل ليه؟ مش دي مامتك؟
نظرت إليه ماسة بذهول: ومن إمتى بتسمح لحد يكلمني كده؟ حتى لو أمي! ليه ماقلتلهاش ليه ملهاش دعوة؟ وأنك إللي وافقت اني قعد عندهم شوية!
سليم متعجباً: هو إنتي مش بتفتكري إني جوزك غير لما حد ييجي عليكي؟ إنتي كنتي رايحة هناك وإنتي عارفة إللي هيحصل!
صاحت ماسة ببكاءوقهر: أنا اتضربت واتبهدلت بسببك! ورجعت هنا وأنا مكسورة! أكيد إنت فرحان، إني ماليش حد، وإن أهلي بقوا معاك، وأنا لوحدي، ماليش سند بس أنا هبقى سند لنفسي.
اقترب منها متعجباً قال بضجر: في إيه يا ماسة؟ إيه الكلام الكبير ده؟ سند لنفسك إيه؟ هو إحنا في حرب؟ إيه كل إللي إنتي بتعمليه ده؟ إيه شغل الأفلام القديمة ده؟ أنا من إمتى ماكنتش سند ليكي، أنا زهقت من طريقتك دي بجد، أنا لو خاينك على سريرك، وضاربك، والله العظيم ماهتتكلمي معايا بالطريقة دي أنا عايز أفهم، أنا عملت إيه؟
كادت أن ترد لكنه سبقها بنبرة غليظة وعدم تصديق وهو يرمقها بنظرة قوية: وماتقوليش بفكر ومش قادرة أسامحك علشان العبط؟ ده أنا مش مصدقه، ولا هصدقه، ومش هصبر كتير على سكوتك وهتنطقي ياماسة.
ماسة بعناد: هتعمل إيه؟ هتنطقني بالعافية؟
سليم بنبرة باردة لكنها تحمل في طياتها الكثير: عندي أساليب بعرف أنطقك بيها… بلاش تخليني أستخدمها معاكي. ليه مصرّة تخليني أطلع حاجات جوايا مش عايزها تطلع معاكي إنتي بالذات؟
صمت للحظه ثم قال: أنا مش هدافع عنك يا ماسة، مش هدافع، علشان تحسي بقيمتي، وتعرفي أنا قد إيه كنت خايف عليكي، وبحميكي إزاي حتى من أهلك.
هتفت ماسة: طب أنا عايزة أطلق! مش عايزة أعيش هنا، ولا أعيش معاك! طلقني!
مسح سليم وجهه بكفيه، فجأة أمسك بالطاولة وقلبها بعنف، تناثر كل ما عليها على الأرض.
نظر لها بحدة وقال بزهق: ماسة كفاية علشان أنا صبرى بدأ يتلاشى.. بلاش أرجوكي.
ترك الغرفة وأغلق الباب خلفه بعنف حتى كاد أن ينكسر.
جلست ماسة تبكي، تشعر أن العالم كله ينهار فوق رأسها. كل شيء يخنقها، لا ملجأ ولا مفر. تعلم جيدًا أنها لن تُطلّق، ولا أحد سيقف في صفها، ولا حتى تملك حجة مقنعة لتطلب الطلاق. هي تعلم إنهم معهم كل حق، لكن لا أحد يعلم أنها تحاول فقط حماية عائلتها من شرور رشدي وضغوطه… لا أكثر.
سيارة أصدقاء عمار
كانت الأجواء هادئة، والموسيقى خافتة، والطريق ممتد أمامهم كسطر لم يُكتب بعد، لكن عند مدخل النفق… ظهر الكمين، أمرهم الضابط بالتوقف. بدأ التفتيش.
ارتبك رامي، ويده ترتجف وهو يُخرج بطاقته. الضابط رمقه بنظرة طويلة، كأن شيئًا لم يعجبه،قال بحدة: نزل لي العيال دي.
هبطوا جميعًا، والصمت ينمو بينهم كوحش خفيّ.
بعد دقائق، صرخ أحد العساكر من جهة شنطة العربية:
يا فندم… لقيت كيس في جيب الشنطة!
اقترب الضابط، فتح الكيس، شمّه، ثم نظر لعمار مباشرة: شنطة مين دي؟
رامي رفع إيده، وصوته متوتر: أنا… بس أنا ما أعرفش يا باشا… أنا ما ليش دعوة!
الضابط بنبرة ثابتة: الكيس ده بتاعك؟
بسرعة، صوته يرتعش: لا والله! الشنطة بتاعتي، بس أنا ما معيش حاجة… ولا أعرف ده جه منين أصلاً!
لكن القانون لا يصغي كثيرًا للأصوات المرتبكة.
الضابط بصرامة: كله على القسم، ونشوف بقى دي تبع مين!
وبالفعل، أخذهم العساكر في البوكس، والتوتر يسري فيهم كالنار في الهشيم.
رجاء محدش ينسى يضغط لايك عشان تساعدوا الرواية تنجح

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *