رواية عقاب ابن البادية الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ريناد يوسف
رواية عقاب ابن البادية الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ريناد يوسف
رواية عقاب ابن البادية البارت السادس والثلاثون
رواية عقاب ابن البادية الجزء السادس والثلاثون

رواية عقاب ابن البادية الحلقة السادسة والثلاثون
نظر آدم لسالم بنظرة غاضبة ممزوجه بالسخط والشفقة معاً، فسخطه على رأفة قلبه بها حتي بعد أن القته للتوا من اعلى سفاح الجبال دون رحمة!
والشفقة لأجل قلبه الذي لا يقوى على كرهها او النفور منها وإقتلاعها من داخله، حتى بعد كل هذا الكم الهائل من الجروح الذي تسببت له بها ومازالت.
فهِم سالم نظرته وأبعد يده عن ذراع رجوه، ونظر إليه ثم إليها يحثه على الاعتذار منها وتطييب خاطرها،ولكن آدم أبى ذلك، وابتعد بخطوات تضرب الارض نفوراً من رجوة ومخالطتها وقربها، وحتى عيناه سبقت خطواته هرباً؛ حتى لا تنظران لمن تسببت لرفيقه في كل هذه المعاناة وهذا الكم من الأذى.
وصل آدم إلى خيمة عوالي، فنادى عليها بصوته الرخيم، وماإن سمعت عوالي صوته حتى خرجت مهللة ومرحبة، فإستقبلته داخل خيمتها، وهناك اخذ منها الاوراق وباح لها بكل مايؤرق قلبه؛ فلطالما كانت الشيخة عوالي ملاذ قلبه التائه وطمأنينته، وها هي تنصحه هذه المرة بما لم يتوقع منها، وأتت نصيحتها مطابقة لرأي الجميع،
فقرر آدم ان يُعيد النظر في الامر، وأن يراجع قلبه في محبته لحياة، وأن يجرب الابتعاد عنها قليلاً لعله يستطيع، ربدأ عقله يدرك أن ماإجتمع الكل على رفضه لن يأتي من ورائه سوى المزيد من التعب.
قضى بقية اليوم مع رابح وباقي شباب القبيلة بعد أن اخبر عمه قصير بما يريده الشيخ منصور، وقرر قصير شراء إحدى المبنيين، والاخر تركه لآدم ليشتريه هو.
أما سالم فقد توارى عن انظار الجميع وجلس بمفرده فوق الربوة يتدبر أمره، فمن كان مجيئه للبادية بمثابة عيده، أصبح مجيئه بمثابة خنجر مسموم يندس في قلبه في كل مرة فيضعفه، فلا هو السم المميت، ولا عاد يقوى سالم على تحمل ألمه، فقرر هو الآخر الاستماع لنصيحة الشيخ منصور والبحث عن اخرى علها تستطيع ان تنتشله من عالم الضياع الذي هو فيه الآن،
ولعله صدقاً لا يفل الحبيب إلا الحبيب، وأن دخول شخص جديد في حياته يأخذ حيزاً ولو صغيراً في قلبه، ويكبر مع الوقت حتى يطرد سكانه القدامى، ويستوطنه هو.. أمنية بعيدة المنال وسالم يعلم ذلك جيداً، ولكنه يجب أن يحاول.
فذهب إلى عمته عوالي وإستأذن بالدخول، جلس بجانبها صامتاً لبرهة من الوقت وهي تراقب سكوته ثم اردف بشرود:
-عمتي اريدك تختاريلي عروس على ذوقك ونقاوة عينك، واعرف الشيخه عوالي ايش تختار.
عوالي بفرحة:
– هااا نويت تترك الدروب اللي ماعادت تليقلك ياسويلم؟
والله انك فرحت قلبي وبردت نارا عليك، تم ياوليدي ومايصير خاطرك الا طيب، وراح تشوف شلون عمتك راح تجيبلك اللي مو بس تنسيك رجوه، لا اللي تنسيك امك وابوك والقبيلة كلها واسمك بعد.. روح ياوليدي وبقي الامر بيني وبينك واتركني اختارلك وافاضل بين بنيات القبيلة بنيه بنيه لحين اجد اللي تلوقلك.
– معك كل الوقت اللي تحتاجينه ياعمتي، بس بالله عليكي ماتجيبيلي اللي تزيد اوجاعي وتزود وجيج الراس، انا ودي ارتاح ياعمتي ارتاااااح.
– راحتك عندي ياسويلم، قوم امشي لرفاقك وتسامر معهم وجالس حبيبك اللي مايهون عليه زعلك وضرب الفانص لاجلك وهو يده ماتنمد على حرمه ولا بنيه، بس لاجلك هانت مبادئ العقاب وخان عهد الرجال.
أومأ لها برأسه ونهض مغادراً، ومسح المكان بعينيه باحثاً عن عقابه، ولكنه لم يجده، فتتبع صوت الهرج والمرج واقترب من الشباب فوجده جالس معهم، يشاركهم الحديث ولكن عقله شارد وعيناه زائغة،
فإقترب منه سالم وجلس بجواره واخذ من يده العصا وبدأ هو بالرسم على الرمال بدلا عنه، فتبسم آدم وهو ينظر لما يفعله وهمس له:
-من يومك تكملني وتكمل حتى خطوط يدي، بس شايفك قفلت كل الدواير وماخليتهن يتداخلون!
– من الحين كل الدواير بدها تنقفل ومافي دواير تتداخل، خلص ياخوي مابقى فيه مجال نلف بالدواير لنبحث عن المخرج، خلي نعرف ان مافي مخارج ونبقى داخل الدايره وهي مغلقه.
– حكيك يحمل معاني كثيره ياخوي،وياهل ترى حددت مين اللي راح تبقيه جوات دايرتك ولا طلعت الكل وقفلت على حالك وبس هيك؟
– لا.. طلعت ناس وبقيت ناس،لان البعض ماينفع يغادر والبعض ماينفع يضل.
نظر إليه آدم وتلألأ السؤال في عينيه ورفت شفتاه تريد أن تسأل ولكن خوفه من الجواب منعه، فأجابه سالم دون أن يسأل:
-انت بقلب الدايره وبقلب صاحب الدايره ياعقاب، انت مااذنبت ولا سويت شي، ومو سالم اللي يشيل ذنب حدا لحدا تاني، انت الك مكانه مايأثر عليها غياب حدا او حظوره، بعده أو قربه.
تبسم آدم وزفر بإرتياح، فما قاله سالم للتو هو مبلغ همه وشغل عقله الشاغل،
أما الآن فلا خوف ولا خجل من ذنب لم يقترفه والتصق به بفضل تلك المجنونه.
انتهت السهرة وعاد الجميع إلى الخيام، أما آدم فقرر اليوم أن ينام في غرفته، مع ذكرياته واشيائه التي تذكره بعشر سنوات من عمره قضاهم هنا واكتسب فيهم كل شيئ، وليس لديه استعداد ان يخسر مما اكتسبه اي شي، لا محبة ولا صداقة ولا أخوة.
وفي سكتة الليل والوقت الذي يسبق اذان الفجر، لم يستطع آدم النوم وهو يفكر في كل مايحدث معه، فأمسك بهاتفه وهاتف من ستشاركه قلقه وحيرته، ومن أول مرة اتاه صوتها مجيب وكأنه الغيث لقلبه الظمآن،
فقاوم حنينه وكتم تنهيدة وجع لا تخرج من جوفه إلا على اثر صوتها الحنون، وتحدث معها بجدية على غير عادته، فأخبرها بما يجول في في خلده…
– حياة.. ياحياة، أنا قررت قرار وابغيكي تدعميني فيه، بعرف عقلك كبير وقلبك أكبر وووو.
– أنا معاك ياآدم.. وموافقه وبأيد قرارك كمان، فعلاً علاقتنا مستحيله وكل الظروف معانداها، إحنا لازم نبعد حتى عشان خاطر الناس المتعلقه فرقابنا دي ومينفعش نخذلها.
كانت الكلمات تخرج من جوفها هادئة ولكنها مغلفة بنيران يكاد يشعر بحرارتها في كامل بدنه، وصوتها المهزوز ونبرتها المهزومة شرحت ماتشعر به في هذه اللحظة، فرد عليها هامساً:
-حقك علي ياحياة الروح والله مو بيدي، بس وعد مني إذا الأمور تحسنت وإذا صار مجال وزواجنا أصبح شي عادي ماراح اتردد لحظة بإني اخطفك من براثن الدنيا واخبئك بروحي وادير بالي عليكي لآخر العمر.
– وأنا ياآدم مش هوعد ومش هقولك اني هستناك لآخر العمر عشان أخاف أوعد وماأوفيش، كل اللي هقولهولك إني هفضل أحبك لآخر العمر، وغلاوتك في قلبي هتزيد مع الأيام متقلش، جايز هبقى على إسم واحد غيرك، وجايز ولادي متكونش إنت أبوهم ولا حياتي هتكون زي ماخططتلها معاك، بس الأكيد إن قلبي هيفضل ملكك بلا منازع.
– لا تراهني عالقلوب ياحياة فسبحانه يقلبها كما يشاء، واللي اليوم غالي بالغد وارد كتير تتغير مكانته.
– مش هراهن على حاجه ياآدم.. اعتبرهم كلمتين فارغين اتقالوا فلحظة وداع واللحظات دي المشاعر هي اللي بتتكلم ومشاعرنا ملهاش عقل تفكر بيه.
بعد دقائق من الصمت نطق الإثنان في آن واحد:
-ودلوقتي هنعمل ايه؟
-والحين ويش راح نسوي؟
ضحك الإثنان معاً واختلطت دموع حياة بضحكتها وأردفت بحزن بالغ:
-وجودك كان مكملني ومش عارفه من بعد ماحسيت اني لقيت نصي التاني هعيش ازاي من غيره، صعبه لما ترجع لنقطة الوحده من بعد مالقيت رفيق وخليل وحبيب وصاحب يحلي أيامك.
– بترجاكي ياحياة لاتزيدي اوجاعي بهالحكي، والله اذا تفتحين قلبي هالحين راح تشوفي محرقة وبيها روحي عم تحترق، سلام يامنية الروح وديري بالك على حالك وماتنسين إن عقاب راح يضل يحوم بسماكي وحولك وإذا فكر حدا مجرد تفكير أنو يأذيكي ماراح تشوفي منه غير بقايا.. كوني هانيه أنا دوووم بجوارك.
– ربنا مايحرمني من وجودك جنبي ولا حواليا.. طيب نقول باي ونتمنى لبعض حياة سعيدة.
– ليش ليش، وين بدك تروحي.. يعني أذا مو أحباب مايصير نضل أصحاب، مايصير نحكى لبعضنا ايش متعبنا ونرمي حمولنا ع بعض، عندك العلاقات كلها مرتبطه مايصير نلغي علاقة وتستمر الآخرى؟
-هكدب عليك لو قولتلك ينفع.. لا يا آدم مينفعش، مينفعش اكون مجرد صديقة بعد ماكنت حبيبه، مينفعش تفضل تحكيلي مشاكلك وهمومك وأنا أحلهالك واشاركك فيها لحد مايجي اليوم اللي الاقيك فيه جاي تكلمني عن وحده تانيه دخلت حياتك، مينفعش ياآدم صدقني.. وسامحني.
-مس
مااظن الدنيا راخ تهاديني بغيرك وحده تسكن روحي وتفهمني وتستولي على عباراتي وتكون محور احاديثي، اللي حدث معك ياحياة الروح متل الموت والولادة مايجرا مرتين، حبى إلك ماراح يتكرر ولو أتي بعده الف حب ماراح يكون متله. إنت تباشير هالروووح وأول حصاد القلب يادقة القلب.
تنهدت حياة بعد أن إبتلعت خصة كادت تختنق بها، فمن بعده سيسمعها هذا الكلام، ومع من سوف تشعر بهذا الشعور اللذيذ، وكم تمنت في هذه اللحظه أن يكون حلماً وتفيق منه، حلم جميل ليس إلا وتستيقظ لتجد كل شيئ كما كان وقلبها على سيرته الأولى، خالي ولم يسكنه أحد، أقسمت وقتها أن تأخذه وتفر هاربة من خوف أن تعيش هذا الألم مجدداً.
– ويش فيك ياحياة ليش هاد الصمت؟
-اقول ايه ياآدم، لحظات الوداع مبيتقالش فيها كلام كتير.
– كافي لا تذكرين كلمة الوداع مره ثانيه بالله عليكِ، هي الكلمه بتسَكن روحي الوجاع.
– سلامة روحك من الاوجاع.. طيب ياآدم انا هقفل معلش عشان مش قادره اتحمل اكتر من كده.
– ابقي معي شوي بالله عليك.
– لا معلش صدقني مش قادره.
– انا معاود بعد يومين او ثلاثه عالاكثر.. رتح تكوني بإنتظاري واشوف اللهفه بعيونك متل ماتعودت ولا خلاص من الحين راح تروح اللهفة والشوق؟
-تعالا بالسلامة ولكل مقام شعور وإحساس متسبقش الاحداث.
– إي والله معك حق.. لكل مقام شعور.
اغلقت المكالمة والقت الهاتف من يدها لتستسلم لموجة عاتية من البكاد والنحيب، نحيب اتت على إثره أمها مهرولة تتسائل عما حدث، ولكنها لم تجد من إبنتها الجواب الشافي، فعادت كما أتت، ولكنها علي يقين بأنه حتماً آدم من تسبب لإبنتها في هذا كله، ولكن ماذا حدث بينهم ياترى؟
أما في غرفة ياسين..
-يبني إهدا واقعد وفكر إنت وقاعد زاولتني والروح والجي في الأوضه مش هيخليك تفكر أحسن.
– افكر ايه هو انا عاد فيا مخ افكر بيه؟ أفكر فأيه ولا إيه وإبن اخوك خربها من كل حته، عامل زي الطوفان جه وأخد كل حاجه فوشه وبلع كل اللي بقالي سنين بتعب عشان احققه.. الحيوان الهمجي تربية المعيز والجمال ده.
لترد عليه أمه فريال:
– لا وإنت الصادق دا تربية دماغ سم، تربية منصور الكلب اللي سقاه من حوضه وخلاه غول زيه محدش يعرف ولا يقدر يواجهه.. لعبها صح عمك وغلبنا.. بس علي مين الفرصه لسه موجوده.
– فرصة إيه وهو أخد كل حاجه وعمال يبرطع وكان الدنيا كلها بتاعته ومحدش عايش فيها غيره.
– وانا بقول لسه الفرصه قاعده واللي اخده كله نقدر نرجعه
الفصل الثاني والثلاثون مرحبا بك مليون سنه في البيت
–
في صباح اليوم التالي في مقر شركة يحيى..
دلف ياسين لمكتب ابيه كالأعصار وهو يمسك في يده بعض الأوراق وقام برميهم على المكتب أمام إبيه بغضب وقال له وهو يزمجر:
-اتفضل شوف لما بتتطربق بتتطربق من جميع النواحي ازاي.. الصفقة اللي مصدرينها وقابضين نص تمنها والنص بعد الإستلام هتقعد اسبوع في عرض البحر بسبب عطل مفاجئ في السفينه، والصفقة المستوردينها الشركه المصدره رجعت في اتفاقها ورفضت تبعتها بحجة ان معندهاش اللي يغطي الطلبيه وهتدفع الشرط الجزائي، يعني بكده اتخرب بيتنا رسمي وانضربنا في السوق وخلاص كل الاوتيلات والمستشفيات الخاصة والمنتجعات اللي بنتعامل معاها هتشوف بديل وهتلغي التعامل معانا.
أمسك يحيي الأوراق وكانت عبارة عن فاكسات وتأكد من كلام إبنه، ثم القاهم من يده بعيداً وهو يقول:
– دي لو مترتبه من شياطين الارض متجيش كده ابداً، يعني ايه لا وارد ولا صادر؟
– ومين قالك انها مش مترتبه من شياطين، او خلينا نقول شيطان متبعدش عليه حاجه، بيعرف كل حاجه وبيتكلم كل اللغات وعنده السلطة اللي تخليه يعرف يعمل كده.
– تفتكر يكون هو؟
-مش افتكر دا انا متأكد.
– إذاً عليك بيه ياياسين، إعمل اللي كنت مانعك منه، بس متبقاش غشيم وتحط نفسك في موضع شك، خليك بعيد وخد حذرك.
– متقلقش انا عامل حسابي ومخطط لليوم دا من مده ومستني إشارة التنفيذ بفارغ الصبر.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عقاب ابن البادية)