رواية سمال الحب الفصل الثاني 2 بقلم مريم محمد غريب
رواية سمال الحب الفصل الثاني 2 بقلم مريم محمد غريب
رواية سمال الحب البارت الثاني
رواية سمال الحب الجزء الثاني
رواية سمال الحب الحلقة الثانية
_ بنت السلطان ! _
كانت قريبة جدًا لتسمع كل تلك الجلية الناجمة عن مجيئ و إستقبال رجل العائلة المفضل، و المفاجأة الكبرى أنه لم يأتي بمفرده، بل كانت برفقته شقيقتـــه …
أجل
شقيقته من أمه الراحلة، السيدة “كاميليا” زوجة عمها “سالم الجزار” و الذي طبّق جنون العشاق و تقمص شخصيات أعتى الأساطير في الحياة الواقعية و قتل معشوقته من شدة عشقه لها
الجميع صار على علمٍ بالحادثة الأكثر شناعة، العائلة كلها، لم يخرج من بينهم هذا السر الذي فضحه “رزق” قُبيل رحيله، و لا يجرؤ فردًا منهم على إفشاؤه، و إلا فإن “سالم” لذو بطشٍ مميت …
كانت “فاطمة” تجلس أمام التلفاز متظاهرة بمتابعة أحد الأفلام الكوميدية، من دون أن تضحك شأنها كعروس، كم مرّ على زواجها ؟
قاربت على إتمام العام، لم يضحك وجهها مرة منذ عقد قرانها على “مصطفى”.. كانت حياتها جحيمًا.. و لم تزداد بمرور الأيام إلا جهنم مستعرة …
-و بعدهالك يا بطة !
إنتبهت “فاطمة” لعبارة أمها، ردت بجفاء من غير أن تكلف نفسها عناء النظر إليها :
-خير ياما ؟
أمها “نجوى” التي كانت تجلس خلفها أمام منضدة كيّ الملابس، باشرت طيّ القمصان الخاصة بـ”مصطفى” و وضعها جانبًا و هي تقول بفمٍ ملتوي :
-خير إزاي يا عين أمك ؟ هو إنتي طول ما سايقة العوج في حياتك مع جوزك كده هايبقى عمره في خير ؟ يابنتي إرحميني و إرحمي نفسك.. و إرحمي جوزك المسكين ده إللي مغلباه معاكي
تأففت “فاطمة” منفعلة و هي تطيح بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز …
-يوووووووه بقى.. مش هانخلص من الشريط ده. كل شوية تسمعيني نفس الكلمتين.. عايزة مني إيـــه ؟؟؟؟
كان قد هبت من مكانها و وقفت مواجهة لأمها، بينما لا تزال الأخيرة تجلس في هدوءٍ، أجابتها ببرودة :
-عايزاكي تعقلي يا فاطمة. إللي إنتي فيه ده مايرضيش رب و لا عبد. في شرع مين تحرَّمي نفسك على جوزك من ساعة ليلة الدخلة.. ده إفترى هاتتحسبي عليه
في خضم هذا الاندفاع، لا تعرف “فاطمة” كيف تمالكت نفسها لتقول صالبة ذراعيها بتعبيرٍ مستهجن :
-أنا مش مفترية و لا أنا محرَّمة نفسي عنه. هو إللي بمزاجه مش بيقرب مني. مطلوب مني إيه بقى.. أتمسح فيه و لا أترمي تحت رجليه و أقوله ونبي لاتقرب مني !!!
بغيظٍ هتفت فيها “نجوى” …
-منغير نأورة ياختي. هو لو شايف ريق حلو منك كان إتشجع.. إنما إنتي إللي بتصديه و هو من كرم أخلاقه سايبك براحتك
إنفجرت “فاطمة” في هذه اللحظة :
-كرم أخلاقه ؟؟؟؟
و كان فين كرم أخلاقه ده الليلة إياها ؟ إنتي ناسية عمل فيا إيه… دي كانت دخلة على الهوا و الخلق كلهم سمعوني و أنا بصرخ و كله كوم و أهلي إللي سكتوا و سابوني في الوضع ده كوم تاني !!!!!
أجفلت “نجوى” عابسة و هي تقول بجمودٍ لتعطي الأمر منطيقة يفتقر إليها كليًا :
-ده حال أي راجل مراته تعصى عليه في ليلة زي دي. هو إحنا إللي هانقول نعيده بقى كل شوية ؟ قولتلك الستات كلها على دي الحال. سواء رضيت و لا مارضيتش الدخلة بتتم يعني بتتم. و إلا بموتها إللي تصر على عصيانها. علطول يتقال عليها معيوبة …
ثم إنتفضت مكملة بغضبٍ :
-و بعدين ياختي ما حقك جالك قصاد الناس كلها عايزة إيه تاني ؟ بقولك يابت إنتي. عشان ماتقوليش أمي مانبهتنيش.. لو فضلتي بالشكل ده جوزك مش هايستحمل و ممكن يجبلك ضرة زي ما عمل أخوه. و ماتنسيش إن رزق سبقه و خلّف. مصطفى طول عمره بيغير من أخوه الكبير. أما يلاقيكي كده هايرميكي زي الكرسي و الترابيزة دول و يلف يشوف نفسه و يتجوز تاني و يخلّف. و محدش هايقول بِم. و إنتي هاتبقي النسخة التانية من حماتك.. حتى مش هاتحصليها و لا هايبقى ليكي أي لازمة في البيت ده كله …
حسنًا
لقد ضغطت عليها ما فيه الكفاية، لدرجة هطول الدموع من عيناها كالشلالات إلى حد أربك “نجوى” …
و لتغطي “فاطمة” على هذا الضعف المفاجئ صرخت بعدوانية مفرطة :
-ياريت يتجوز. يارييييييت عشان يحل عني خالص.. إن شالله أنا أموت عشان أرتاح من عيشتي !!!
و مرَّت كالعاصفة أمام أمها، ولجت إلى غرفة النوم و صفقت الباب خلفها، إرتمت فوق السرير و دفست وجهها بين الوسائد مطلقة العنان لنحيبها المتشنج
كل ما قالته أمها صحيح، و للأسف هي أيضًا قد بدأت تشعر بالغيرة، رؤية تلك التي تدعى “نسمة” تضع مولودة و تكنّى أخيرًا بالأم، أضرمت بقلبها نيران الحقد
ألم تكن هي الأولى بذلك ؟ ألا تستحقه ؟ ألا تستحق أن تغدو سعيدة بعد كل ما كابدته ؟
وآسفاه عليكِ يا “فاطمة” …
_______________
حقًا ذلك كان مؤثر جدًا
إمضاء الوقت مع العائلة، و لم الشمل هذا أثلج صدرها، و بدا لها أنها تتجاوز رهبتها من الوضع الجديد شيئًا فشيئًا
كانت مبتهجة لرؤية الترحيب و الحفاوة بها من قبل الجميع، إخوتها، جدتها، أعمامها، و على رأس كل هؤلاء أبيها الذي كان يطير بها فرحًا و فخرًا.. هذه الفتاة اليافعة الجميلة تكون إبنته
التي نعتها أخيه “عبد الله” بـ”بنت السلطان” …
في جهة أخرى لم تفطن “نور” لبراءتها إلى بعض النفوس المستنفرة، إذ عدم قبول فوري تولّد لدى كلًا من “هانم” و “سلمى” تجاه الإبنة الجديدة
أو القديمة
تلك التي لم يأتي “سالم” على ذكرها أبدًا لأسباب أحتفظ بها لنفسه و لم يبدي أحد رغبة مُلحة لمعرفتها، لكن في المقابل إنقسمت العائلة بطبيعة الحال
في العلن فريق يرحب بـ”نور” و يغدقها بالحب، و فريق يضمر لها رفضًا و كراهية بديهية.. في النهاية لم يسع أحد إلا إبداء حسن النوايا لها.. خاصةً أمام “سالم” …
-أموووااااااااه !
يرتبك “مصطفى” لمرة لا يحصيها العد حين أخذته أخته الشقيّة على حين غرّة و هو يجلس بجوارها هكذا و طبعت قبلة عميقة على خده، إبتسم من جديد و هو يرنو إليها بحبورٍ، بينما تحيط عنقه بذراعيها مدمدمة برقةٍ :
-ياخواتي على حلاوتك إنت بقى. الصور ظلماك يا مصطفى.. عارف لما شوفتك ماصدقتش إن عندي أخ أمور كده
-الله يحفظك ! .. قالها “مصطفى” بحرجٍ طفيف
-إنتي كمان زي القمر.. الله أكبر عليكي يا نور. فيكي من إسمك
إبتسمت “نور” بحلاوةٍ و جالت بنظرها على جميع دون أن تترك أخيها و قالت :
-أنا مبسوطة أوي إني جيت هنا. كنت دايمًا مستنية اليوم ده.. أنا عارفاكوا كلكوا و بحبكوا أوي
تطوعت “عبير” زوجة العم “عبد الله” بالقول بلطفٍ :
-حبيبتي نورتينا و نورتي بيتك.. ما شاء الله إنتي عروسة و قمر ١٤. ربنا يحميكي
تداخل صوت “حمزة” في هذه اللحظة :
-هاتجيبوه من برا يعني !
طالعة لرزق.. بس هي على بناتي. إنتي شبهه بالظبط. و أنا أول ما شوفتك و قبل ما اعرف إنتي مين ببصلك و أنا هاتجنن. إنتي إزاي شبهه كده.. و الله افتكرتك بنته و هو نخبي علينا أتاريكي أختي و انا و لا حسيت
ضحك الجميع بمرحٍ، لتقوم “نور” متجهة نحو أخيها الأصغر و تعانقه هو الآخر مغمغمة :
-إنت بالذات كان لازم تحس بيا. ده أنا ياما كلمتك في الصور.. و كنت حاسة إننا زي توأم كده. ده إنت إللي شبهي يا حمزة
إبتسم “حمزة” و هو ينهض ليبادلها العناق أمام أنظار الحقد الخفي بأعين “سلمى” أولًا ثم “هانم” …
في الكرسي المخصص له جلس “سالم” مراقبًا بصمت ما يدور أمامه من أحداثٍ، علا صوته في هذه اللحظة تمامًا آمرًا إبنته برفقٍ :
-نور.. تعالي هنا. خلاص بقى كفايانا سلامات.. مش هايطيروا كلهم معاكي ليل نهار لحد ما تزهقي منهم
قالت “نور” نافية ظنه و هي تمشي ناحيته متقافزة :
-أنا عمري ما أزهق منهم أبدًا.. و لا منك إنت أكتر يا بابا !
و جلست بطيب خاطرٍ على قدمه، يحاوطها بذراعه القوي و يقبل صدغها الناعم بموّدة باسمًا …
-أومال فين فاطمة و طنط نجوى و عمو إمام ؟ .. تساءلت “نور” عابسة
جاوبت الجدة “دلال” على هذا :
-دلوقتي أندهم لك يا حبيبتي. مرات عمك قالت تستريحي و بعدين ينزلوا كلهم يشوفوكي
كانت ستطرح سؤالًا، و لكن السؤال نفسه اقتحم المجلس العائلي بغتةً بصوته و حضوره القوي :
-سلامو عليكو !
و هنا تصوّبت جميع النظرات مرةً واحدة نحو “علي” الذي برز فجأة مستغربًا الجمع غير المعهود …
للحظة كاد يغفل وجود تلك الفتاة الشابة التي جلست على قدم عمه، ظنها “سلمى” لأنها توحي قليلًا بشكلها، لكنها لم تكن هي.. بل كانت …
-خش يا علي ! .. هتفت الجدة “دلال” من مكانها
-تعالى سلم على نور بنت عمك سالم
-نور بنت عمي سالم ! .. تمتم “علي” لنفسه بذهولٍ
لكنه أذعن بآلية لأمر جدته و تقدم للداخل و هو ينظر ناحية الفتاة كالمسحور، إنه يعرفها، اللعنة فإنها هي، يقسم بالله إنها هي.. تلك الحورية الشقيّة التي قابلها منذ عامين تقريبًا
أيعقل أن يراها هنا اليوم
و أن تنعتها جدته بابنة عمه “سالم” !!!
قامت “نور” عن قدم أبيها تتبعها نظرات الجميع، وقفت مكانها في ترقبٍ ضامة يديها كطفلة تتأهب لمفاجأة
أقبل “علي” عليها مادًا يده للمصافحة و لا زال يرمقها بنظراتٍ مشدوهة، إلا أنها إنفعلت بغتةً و قفزت من مكانها قابضة على كفه الضخم بكلتا يداها و هي تهتف بحماسة :
-خطيبـــي !
إتسعت عيناه من الصدمة للحظة، بينما يطغى صوت “سالم” الصلب مؤدبًا و محجمًا من تصرفات إبنته الطائشة :
-نـــور !
قولتلك إيه من شوية ؟ تعالي جمبي هنا …
لم تستأثر الصدمة بـ”علي” وحده، بل إنتقلت من فردًا لآخر و هم يراقبون “نور” التي تركت يد “علي” على الفور و ركضت عائدة إلى حضن أبيها تخبئ وجهها خجلًا بين طيات عباءته
بزدرد “علي” لعابه شاعرًا بالضياع بعض الشيء، و من حوله ران صمت القبور، إلى أن فُتح باب الغرفة القريبة من الصالة
و بعد لحظاتٍ ظهر “رزق” حاملًا رضيعته المقمطة ببطانية سميكة على ذراع، و متأبطًا يد “نسمة” التي ارتدت عباءتها السمراء الشهيرة في ذراعه الآخر …
-نــور ! .. صاح مناديًا أخته بحدة بَيّنة
-روحي ناديلي ليلة و قوليلها هانمشي.. لو لسا عاوزة تيجي معانا …
-تمشي على فين يا رزق ؟ .. عقّب “سالم” بهدوءٍ في إثر عبارة إبنه
تطلع إليه الجميع، لكنه أبقى بصره جامدًا على وجه شقيقته مشدوه التعابير، رافضًا أن يمنح والده و لو نظرة عابرة …
مع ذلك استأنف “سالم” كلامه و هو يحيط كتفيّ إبنته معلنًا ملكيته الفعلية لها :
-نور اختارت تيجي هنا. و طالما جت هنا عمرها ما هاتمشي.. محدش هايقدر ياخد بنتي مني. و لا إنت كمان. محدش يقدر ياخدك مني.. إنت مكانك هنا وسطنا !
كهرباء إكتسحت الأجواء في هذه اللحظة، حين مد “رزق” ناظريه أخيرًا مشتبكًا بعينيّ أبيه الحادتين، مثل نديّن، بقيا يحدقان ببعضهما، بينما تتحرك شفاة “رزق” ممررة عبرها لهجته الأكثر شراسة :
-نـــور… قولتلك روحي ناديلي ليلة. قوليها يلا هانمشي !!!
-بس أنا مش عايزة أمشي !
صفعته بجوابها
فنظر إليها بتخاذلٍ حق، نظرته اخترقتها بقسوة فاطرقت رأسها و هي تعض على شفتها بقوة متحاشية رؤيته، في هذه اللحظة يبعدها “سالم” عنه بلطفٍ، يقوم نافضًا شال العباءة ورائه …
جذ الخطى وئيدًا نحو “رزق”.. و للمحافظة على وضعه كأب ترك مسافة يسيرة بينهما
كان “رزق” لا يزال ينظر صوب شقيقته لم تتبدل نظرته، ليستمع إلى صوت “سالم” باللحظة التالية داعيًا إياه بلهجةٍ أكثر تعاطفًا :
-تعالى معايا فوق. عايز أكلمك في موضوع مهم.. إسمعني. بعدها لو حبيت تمشي هاسيبك تمشي.. و هاخلي نور تمشي معاك… أوعدك !
يتبع >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
- لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية سمال الحب)