روايات

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل السادس 6 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل السادس 6 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة البارت السادس

رواية صدفة لم تكن عابرة الجزء السادس

صدفة لم تكن عابرة

رواية صدفة لم تكن عابرة الحلقة السادسة

“ألم يحق للقمر أن يستأنس بنجمته ؟”
*************************
صعدت هي أولًا و هو خلفها حتى توقفا أمام شقتها، فطرق هو الباب مبتسمًا وهو يقول بنبرةٍ خافتة:
“الخوف مش من الحج خليل، الخوف من الحجة هنية”
فلتت ضحكة خافتة منها فيما
فُتح الباب لهما في تلك اللحظة فتلاشت بسمتهما عند رؤية من قام بفتح الباب الذي نظر لهما شزرًا، فيما نظرت “منـة” أمامها بدهشةٍ، على عكس “رائف” الذي رفع حاجبيه وهو يقول بتهكمٍ:
“على حد علمي أنا مخبط على باب شقة الاستاذ خليل، معرفش أني خبطت على زريبة بالغلط”.
نفخ “مـاجد” أوداجه ثم قال بنبرةٍ تهكمية هو الأخر:
“وأنا على حد علمي كدا كنت فاكرك بني أدم محترم، معرفش إنك حقير و ندل”
حينئذٍ رفع “رائف” صوته منفعلًا بغضبٍ:
“احترم نفسك يالا !! وربنا المعبود ادفنك هنا….لِم لسانك”

 

رفع “ماجد” حاجباه بسخريةٍ ثم أشار عليه باستخفافٍ وهو يقول بإهانةٍ له:
“دا ؟؟ تسيبيني أنا علشان دا، طب كنتي شوفي حد عليه القيمة شوية، مش دا برضه البياع بتاع السوبر ماركت ؟؟”
الحديث ربما يبدو عاديًا للبعض، لكن للبعض الآخر بمثابة الخنجر الذي طَعن في الجرح و أصابه بمقتلٍ، تبدل حال “رائف” في التوِ و اللحظةِ وبدت نظرة الانكسار على عيناه و ملامح وجهه الذي ارتخىٰ بحزنٍ، بينما “خليل” اقترب عند جملة “ماجد” يقول بمعاتبةٍ:
“عيب كدا يابني، رائف طول عمره محترم و مصعب ميتخيرش عنه عندي، هي دي التربية اللي أهلك علموهالك؟؟”
كان “رائف” يقف صامتًا حتى لا تُسجل قضية القتل الأولى في حياته لِــ ذلك المدعو “ماجد”، حسنًا لربما قد يحتاج ذلك الشرف لحين إشعار آخر، لكنه لم ينكر انكسار قلبه بذلك الحديث، و تلك النظرة التي رمقه بها الأخر، يبدو الأمر وكأنها حقًا نجمة لم يليق هو بها، بينما هي تدلىٰ فكها بصدمةٍ لم تتوقع مدىٰ حقارة تفكيره و دناءة انسانيته، لذلك حانت منها التفاتة نحو “رائف” الذي رغم قسوة ملامحه، إلا أنها استشفت الانكسار في نظرته لذلك وبدون تفكير تدخلت تقول بنبرةٍ جامدة:
“تخيل فعلًا سيبتك أنتَ المهندس ماجد علشان رائف بتاع السوبر ماركت، دا تفكير الناس المرضى اللي متربوش أصلًا، لكن في الأساس بقى أنا سيبت راجل علشان واحد بـ ١٠٠ راجل، شوف كام مرة ننزل سوا وكام مرة نتكلم سوا، ولا مرة حسيت فيها أني متطمنة رغم اني المفروض مع راجل، يعني أكون متطمنة، بس دا محصلش ولا مرة، رائف بقى مجرد ما اسمه

 

بيتقال أنا بتطمن أصلًا، عارف ليه ؟؟ علشان شاب مكافح و مجتهد وبيراعي ربنا في حياته وفي الناس اللي معاه، للأسف مش كل اللي معاهم شهادات كبيرة ناس متربية، بس كل اللي متربيين مش شرط يكونوا معاهم شهادات عالية، فرصة سعيدة يا أستاذ ماجد، أظن حاجتك وصلتك و مفيش أي حاجة تخليك تيجي هنا، غير لما اعزمك على خطوبتي إن شاء الله، هي قريب مش بعيد، فرصة سعيدة”
رفرف “رائف” بأهدابه عدة مراتٍ لا يصدق أنها هي من تتحدث بتلك الطريقة، بينما “ماجد”
استشاط غضبًا منها ومن حديثها الذي كَنَّ له كامل التحقير و التقليل من شأنه، لطالما كان مُحبًا لنفسه، مُصابٌ بغرور العظمة، اعتاد على تعظيم الناس له و لشأنه، كأنه نرجسيًا بالفِطرة.
لذلك ابتعد عن باب الشقة يمر من جوارها وهو يقول بتهكمٍ:
“افتكري إنك أنتِ كل مرة اللي كنتي بتيجيلي علشان ماسبكيش، لو ناسية أنا بفكرك”
قبل أن تنطق هي تدخل “رائف” يقول بنفس التهكم:
“ماهو إحنا قولنا قبل كدا البقر لازم معاها الحنية علشان بتقفش بسرعة، يلا يا ماجد من هنا، اتفضل”
التفت له “ماجد” يقول بثباتٍ:
“فيه حاجة ليك عندي، مش ناوي تاخدها ؟؟؟؟”

 

انتبه له “رائف” فأوشك “ماجد” على صفعه بالقلم، لكنه تفاجأ بـ “خليل” يمسك كفه يرده حركته تلك وهو يتشدق بنذقٍ:
“لأ بقى !! كدا كتير، احترم نفسك يا جدع أنتَ وبطل قلة أدب، دا أنتَ عديم الرباية بصحيح”
تحرك “ماجد” نحو الأسفل بعدما شملهم بسخطٍ يُقلل من شأنهم، بينما “مـنة” نظرت لوالدها، ففهم مغزى تلك النظرة لذلك قال بنبرةٍ تغلفها الطيبة:
“متزعلش نفسك يابني، دا واد قلبه أسود ربنا يهديله حاله، الضُفر اللي يطير منك يساوي ١٠٠ من عينته هو، أوعى تزعل”
انتبه له “رائف”، فأجبر شفتاه على التبسم، حينها تحرك والدها نحو الداخل بعدما لَمَح لأبنته بنظرته، فأومأت له ثم تحركت تقف مقابلةً له وهي تسأله بتعجبٍ:
“مالك شكلك متضايق كدا ليه؟؟ أوعى يكون واحد زي دا مزعلك”
ابتسم بسخريةٍ ثم قال:
“لأ وعلى إيه ؟؟ حرق دمي بس”
ردت عليه بحماسٍ:
“مينفعش، واحد زي دا مينفعش يزعلك يا رائف، أنتَ اللي حارق دمه، غرور العظمة اللي عنده اتدمر بكلامي ليه، ومش قصدي أقلل منك بس هو مش متوقع إنه ممكن يتساوى بحد تاني، ما بالك بقى أني بفضلك أنتَ عليه؟؟”

 

رفع رأسه بعدما كان مُطرقًا لها بالأسفل، يطالعها بحيرةٍ، فأضافت هي بتعلثمٍ:
“قصدي يعني…. إنك…. إنك عندي أحسن منه مليون مرة، واحد زي دا مينفعش تتقارن بيه أصلًا، فيه فرق السما والأرض بينكم”
رد عليها بنبرةٍ طغى عليها الحزن:
“الفكرة أني مبحبش حد يقلل مني، لولا وجودك أبوكِ كان زماني فرتكته في أيدي، بس هقول إيه، احترمت وجوده و علشان ميجيبش سيرتك بكلمة واحدة تزعلك، الله يسامح اللي كان السبب إنه يدخل حياتك ويحطنا في الموقف دا”
سألته بعدما انتبهت لحديثه:
“مين ؟؟ تقصد مين يا رائف”
رد عليها بنبرةٍ جامدة:
“أمك يا منة، مش هي اللي رفضتني في الأول علشان دا، على أساس أنه اتقدم قبلي؟؟ لو كانت وافقت من الأول مكانتش الأشكال دي بقت في حياتنا، بس نقول إيه بقى ؟؟ ربنا يسامحها”
سحبت نفسًا عميقًا ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
“معاك حق بس هي مكانتش تعرف أنه شخصية حقيرة كدا يا رائف، كل همها أنها تفرح بيا، المهم أنا عاوزة مين و بقيت مع مين”
سألها هو بأوج اهتمامه:
“و أنتِ عاوزة تكوني مع مين؟”

 

_”عاوزة أكون معاك أنتَ…مع رائف الشهم الحنين اللي وأنا معاه كنت مبسوطة و متطمنة”
لم يدري لماذا تحديدًا دونًا عن البقية هي التي تتسبب في إسعاده و فرحه، تبدو وكأنها كما نجوم السماء لشخصٍ يسير تائهًا حائرًا في صحراءٍ كاحلة، فوجد نجمةً تُضيء ليلته و تزيل من الليل عتمته، وتصبح المرشد له في الظلام، تلك هي “مِـنة” التي أحبها و جمعت كل ما يحتاجه المرء حتى يظل شامخًا، لذلك ارتسمت البسمة الصافية تُزين مُحياه ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“ماكنتش بصدق إن الست قادرة تتسبب في قوة الراجل، بس دلوقتي عرفت إن لو القمر بينور فهو من الأساس واخد النور دا من الشمس، يعني زي ما هي أساس النور، أنتِ أساس القوة”
ابتسمت له بحماسٍ وسألته:
“يعني خلاص مش زعلان ؟؟”
ضحك بخفةٍ ثم قال بقلة حيلة:
“هبقى جاحد بصراحة لو زعلت بعد كلامك دا، لأ مش زعلان يا منة، أدخلي يلا علشان محدش من الجيران ينزل و يشوفنا كدا”
حركت رأسها موافقةً وقبل أن تلتفت للداخل، اوقفها بقوله:
“إن شاء الله هنروح نجيب الدهب آخر الأسبوع، مناسبك؟”
حركت رأسها نفيًا ليعقد حاحباه بتعجبٍ منها، فيما أضافت هي بتفسيرٍ:
“مُصعب خطوبته آخر الأسبوع دا إن شاء الله، بس لسه هنتأكد من الميعاد، أكيد هتيجي معايا؟”
حرك رأسه موافقًا ثم تنهد بعمقٍ وقال:
“منة…..خلي بالك من نفسك، عن أذنك وهبقى أكلمك بليل”
تحرك “رائف” من أمامها، بينما هي نظرت في أثره براحةٍ ثم دلفت الشقة حينما اختفى أثره تمامًا من مرمى بَصَرُها.
_________________________
دلف “رائف” شقة والدته فوجدها كما هي تجلس أمام التلفاز وما إن رأته يقترب منها، قامت باخفاض مستوى الصوت ثم سألته باهتمامٍ جليٍ:

 

“حمدًا لله على سلامتك، عملت ايه ؟؟ هاه اتبستطوا سوا ؟؟ أوعى تكون قولتلها حاجة زعلتها، عرفاك لسانك مَبرد”
حرك رأسه نفيًا ثم ألقى مفاتيحه على الطاولة وسحب المقعد يجلس مقابلًا لها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“بالعكس اليوم كان حلو معاها، و أنا وهي كنا راجعين مبسوطين، بس نقول إيه بقى ؟؟؟ الشِلحف اللي كانت مخطوباله كان تحت وقابلته على الباب عندهم، بس أهو غار في داهية إلهي ما يرجع منها”
سألته “كريمة” بنفس الاهتمام بعدما انتبهت لحديثه، بينما هو تنهد بعمقٍ ثم قام بسرد ما حدث مع ذلك المدعو “ماجد” بنبرةٍ تباينت بها مشاعره، لكنه دومًا كما الطفل الصغير يشكو من هموم دنياه لوالدته، فحتى إن لم تفعل ما يرضيه، لكنها دومًا تُطيب بخاطره، فيكفيه من كل بلدان العالم أن يكون حضنها هو الميدان الآمن في حياته.
أنهى سرد الحديث ثم أضاف بحيرةٍ غلفت نبرته وأظهرت تخبطه:
“معرفش ليه اتضايقت رغم إن دا مش طبعي خالص، وعمري ما فرق معايا كلام حد، بس دا تحديدًا كلامه جه بمقتل، حسيت أني قليل قصادهم، رغم إني معايا شهادة، بس مش ذنبي إن هو في هندسة و أنا كلية الشعب، مش ذنبي إن اللي زيه البلد بتوفرلهم شغل و أنا فيه مني كتير ومش لاقيين فرصة واحدة”
شعرت “كريمة” به و بحزنه لذلك ربتت على كتفه وهي تقول بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسمت له:
“من امتى والناس بفلوسها و تعليمها يا قلب أمك؟؟ الناس طول عمرها بتربيتها و أخلاقها، ومش بكلامها لأ، بأفعالها هي، هو أنتَ هتقف قدام ربنا تقوله أصل أنا خريج هندسة ؟؟ ولا خريج معهد ؟؟ لأ طبعًا، هتقف بأعمالك، وبقلبك و الإيمان اللي جواه، ربنا يجبرك ويسعدك، أوعى تزعل نفسك، ولا تزعل خطيبتك منك”
ابتسم لها وهو يقول بعدما تذكر دفاعها عنه:
“أهي خطيبتي دي قادرة تخليني أوصل فوق السحاب، كلامها معايا وعني قصاد البغل دا خلاني عاوز أبوس راسها، أول مرة حد يدافع عني كدا و يخليني فرحان، رغم أنها بنت يعني المفروض أنا اللي ادافع، بس مقدرتش امنعها، حسيت الدنيا بتصفني بصراحة، حبها زاد في قلبي أضعاف”
سألته والدته بنبرة ضاحكة:

 

“يعني حابب أهو !! شكلك واقع أوي يابن كريمة”
ابتسم بقلة حيلة ثم قال بصدقٍ وحبٍ اقطرته حروفه:
“مش واقع بس حابب، مكانتش ناوي بس هي خلتني غاوي بصراحة، حتى العيوب هي بتحليها، منة بالنسبة ليا لغز صعب حد يفكه، معرفش هي قوية ولا ضعيفة و معرفش هي بتحب كل الناس زي بعض ولا أنا عندها حاجة تانية، بس كل اللي أعرفه أنها اسم على مُسمىٰ….منة”
سألته والدته بتأثرٍ:
“طالما أنتَ عاوزها وهي عاوزاك يبقى ربنا يحفظكم ويبعد عنكم الشر يا رب و المؤذيين يارب”
فور انتهاء حديثها طُرق باب الشقة فتحرك نحوه يفتحه ليجد أمامه “باسل” ابن خاله، حينها التفت لوالدته يقول بسخريةٍ:
“أنتِ متأكدة إنك متوضية؟؟ ولا قاعدة في اتجاه القبلة غلط ؟؟”
فهمت والدته مقصد حديثه لذلك كتمت ضحكتها وهي تنظر أمام التلفاز متعمدة تجاهل الأخر، بينما “باسل” قال بعدما حمحم بخشونةٍ:
“ازيك يا رائف، هتدخلني ولا ننزل نتكلم تحت ؟؟”
تنهد “رائف” وقال بثباتٍ:
“الأصول بتقول إن اللي يخبط على بابك يشيلك الحق حتى لو مكانش صاحب حق، اتفضل”
أشار له بالدخول، فدلف الأخر وهو يقول لتلك الجالسة التي تتجاهله بقصدٍ:
“ازيك يا عمتي، عاملة إيه؟؟”
أجابته بفتورٍ بعدما نظرت لابنها:
“كويسة الحمد لله…خير”
تنحنح يُخفي حَرجه ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“كنت عاوز اتكلم مع رائف كلمتين كدا، أهو نصلح الدنيا بيننا أحسن ما تفضل كدا”

 

سحب له “رائف” المقعد من طاولة السفرة ثم أشار له وقال:
“اتفضل يا باسل اقعد، خير؟”
جلس “باسل” على المقعد و جلس مقابلًا له “رائف” ثم قال:
“ماما اعمليلنا شاي خلينا نشوف آخرة القول إيه”
تحركت “كريمة” نحو الداخل، بينما “باسل” انتظر حتى اختفى أثرها تمامًا ثم قال:
“أنا عاوزك بخصوص المحل”
ابتسم “رائف” بتهكمٍ وأرجع جسده للخلف وهو يقول:
“يعني هتكون جاي علشان سواد عيوني ؟؟ مانا عارف اللي فيها، خير يا باسل ؟؟”
رد عليه الأخر بثباتٍ:
“هديك راس المال اللي معايا و تشغله معاك في المحل، ويبقى ليا في الايراد نسبة منه”
رد عليه “رائف” بتهكمٍ:
“يا سلام ؟؟ تديني فلوس احطها في المحل و أشغلها، وابقى شريكك، ومرة واحدة كدا تطلب مني الفلوس و احتار أنا، مستحيل دا غير أني مبحبش الشركا، لو جدك كان عاوزها شراكة كان قسمها كدا، بس هو سلم بشرع ربنا و بالحقوق اللي رجعت لصحابها، يعني أنسىٰ”
أبتسم له “باسل” بغموضٍ وهو يقول:
“أظن دلوقتي أنتَ راجل خاطب و عريس على وش جواز يعني محتاج تكبر و تكبر نفسك و اسمك معاك، منة برضه مُدرسة و ليها كيانها، طب دا مالك ابني بيموت فيها”

 

حاول “رائف” التماسك بأخر أوتار الصبر التي أوشكت على الانفلات من يده وهو يقول:
“وهو أنتَ عرفت منين؟؟ ولا تعرفها هي أصلًا منين ؟؟”
ابتسم له ببرود وهو يقول:
“سلامة العقل يا رائف، نسيت اننا كنا قاعدين هنا من قبلكم قبل ما جدك يبنيلنا الشقة مع خالك ؟؟ طب دا فكري مكانش بيقولها غير يا عروستي، بس نقول إيه بقى ؟؟ على رأي خالك تبقى في إيدك وتقسم لغيرك”
ضرب “رائف” سطح الطاولة وهو يقول بانفعالٍ:
“لم نفسك و متجيبش سيرتها على لسانك دا تاني، وكلام العيال والهبل دا تنساه خالص، مفهوم ؟”
رد عليه ببراءةٍ زائفة:
“يا جدع بالراحة مالك ؟؟ بعدين دي كانت لسه في أولى جامعة، يعني مش من كتير، بس برضه مراحتش لحد غريب، رغم إن أمها كانت هتموت و تجوزها لواحد فينا وقولنا فكري انسب ليها، مبروك عليك يا رائف”
ربت على فخذه بعدما تيقن أن ما أراده حدث و استطاع حرق دمه ببراعةٍ، ثم وقف حتى تقابل مع عمته تقول بضجرٍ:
“الشاي أهو….”
رد عليها بعدما ابتسم باستفزازٍ:
“بالهنا يا عمتي، بكرة نشرب الشربات بتاع رائف إن شاء الله”
خرج من الشقة بعدما طالعته هي بسخرية وتهكمٍ، وما أن أغلق الباب بعد خروجه قالت بنبرةٍ جامدة:
“نشربها سادة على روح أبوك يا بعيد”
انتبهت لابنها الذي تبدل حاله خلال ثوانٍ، فجلست مقابله تسأله بتعجبٍ:
“يوه ؟؟ مالك يا حبيبي؟؟ ما أنتَ كنت كويس، قالك إيه اللي يتحرق دمه دا”
نظر لها بأعين خاوية وهي إلا ثوانٍ من بعد تلك النظرة ثم خرج من الشقة بأكملها دون أن ينبث ببنت شفة، مما جعل “كريمة” تنظر في أثره بدهشةٍ ثم قالت بصوتٍ حزين و قلبٍ مكلومٍ:
“منكم لله يا كرم أنتَ و عيالك، طافيين فرحة ابني علطول، حسبي الله ونعم الوكيل فيكم”
_________________________
نزل “رائف” الطابق الأسفل ثم طرق الباب بعنفٍ حتى فتحه له “مُصعب” فسأله بنبرةٍ جامدة:
“فين أبوك يا مصعب ؟؟”
أشار له نحو الداخل وهو يقول بتخبطٍ من عنفه الغير مبرر و هيئته الغاضبة، بينما “رائف” حاول ضبط انفاسه وهو يقول:
“طب معلش قوله أني عاوزه”
أشار له بالدخول وهو يقول:

 

“ادخل بس يا رائف، ادخل هما كلهم جوة أصلًا”
دلف “رائف” يجلس على الأريكة يهز قدمه بغضبٍ، بينما “مصعب” دلف لهم يناديهم له حتى خرجوا خلف بعضهم كما السرب، اقترب منه “خليل” يسأله بتعجبٍ:
“أهلًا و سهلًا يابني، مالك؟؟”
وقف “رائف” أمامه وهو يسأله بنبرةٍ جامدة:
“عم خليل، أنتَ عاوزني جوز بنتك ولا لأ ؟؟ راضي إنها تكمل حياتها معايا ولا لأ ؟؟؟”
على الرغم من الحيرة التي تلبسته قال بتخبطٍ:
“أيوا يابني عاوزك جوزها و موافق عليك، خير يا رائف ؟”
وقف مقابلًا لها يسألها بثباتٍ:
“منة !! عاوزاني ولا لأ ؟؟ موافقة عليا كـ رائف ولا أنا عريس زيي زي غيري ملهوش مكانة عندك ؟؟”
رفعت عيناها نحوه ثم نظرت في وجه أبيها و أخيها ثم عاودت النظر له تقول بخجلٍ:
“قولتلك إني عاوزاك أنتَ يا رائف، مش علشان عريس متقدملي، بس علشان أنتَ رائف، أظن قولتها كتير ليك”
تنهد بأريحية ثم اقترب من “هنية” يقول بنبرةٍ جامدة:
“بسببك النهاردة أنا اتعرضت للإهانة مرتين، مرة من الزفت ماجد ومرة من باسل، علشان خاطر إيه ؟؟ علشان حضرتك مش طايقة كلام الناس، و عاوزة تجوزي بنتك وخلاص، أنا مش فاهم هي استحملت ازاي؟؟ أنا مش قادر استحمل، ازاي كنتي بتيجي عليها علشان واحد يعايرها إنها كانت بتصالحه لما بيزعل، وازاي كنتي عاوزاها تتجوز فكري ابن خالي ؟؟ طب ماجد ويمكن علشان شغله و شهادته، إنما فكري بقى ؟؟ علشان إيه ؟؟ شهادته اللي سقط فيها ٣ مرات ولا شغله اللي كله ورث من جده على ورث عيلة أمه؟؟ الغريب إنك عندي أنا و محسساني أني قليل، مخلياني أحس أني أقل منهم ومينفعش أطولها، رغم إن الغلط غلطك، و دي مش صدف أبدًا”
تنهدت بعمقٍ فسأله “خليل” بتعجبٍ من حالته تلك:
“يابني مالك بس ؟؟ حد زعلك؟”
التفت له يقول بضجرٍ:
“آه يا عمي كتير مزعلني، فيه إن واحد زي ماجد دا يقلل منها و يزعلها قصادي و اقف متكتف، وفيه إن واحد زي باسل ييجي يرميهالي إن أم خطيبتي كان نفسها واحد منهم يتجوزها، أنا راجل دمي حر ومش هقدر اتحمل كدا”

 

سأله “مُصعب” بثباتٍ:
“طب و إيه اللي يرضيك يا رائف؟؟ عاوز إيه علشان ترضى؟”
التفت له يقول بنبرةٍ جامدة:
“عاوز اتجوز مـنـة، علشان اللي يفكر يبصلها بعين أفقعله الاتنين، مش خطوبة !! جواز علشان أضمن إنها هتبقى ليا، قولتوا إيه ؟؟”
احتلت الدهشة ملامحهم جميعًا، فقال “خليل” بنبرةٍ هادئة:
“طب وحد الله يابني شكلك متعصب دلوقتي، نخلص خطوبة مصعب علشان دي واخدة كل تركيزنا و وقتنا و بعدها نتفق على كل حاجة، و إن شاء الله نوصل لحل لينا كلنا….بس اهدا كدا واعتبرني أبوك”
تنهد “رائف” بضجرٍ ثم التفت له يقول بنبرةٍ أهدأ:
“صدقني دا شرف ليا، متشكر ليك جدًا إنك قدرتني و اعتبرتني زي ابنك، أنا آسف أني انفعلت”
ابتسم له “خليل” ثم أشار نحو ابنته التي اخفضت راسها و بدا الحزن على معالم وجهها، فحرك رأسه موافقًا ثم اقترب منها يقول بنبرةٍ صادقة خافتة:
“والله العظيم أنا متعصبتش كدا غير علشان أنتِ غالية عندي أوي، خايف حاجة تحصل تضيعك مني و أنا ما صدقت أوصلك، لو مش عاوزة تكوني معايا أو خايفة مني، قوليلي علشان معشمش نفسي بحاجة مش هتكون ليا”
رفعت عيناها الدامعة له وهي تقول بصوتٍ متحشرجٍ:
“أنا تعبت والله العظيم، الضغط عليا كتير و أنا مش قده، مش قادرة أعيش مرتاحة شوية، كل شوية تحصل حاجة تتسبب في زعلي و أنا مليش علاقة بكل دا، كلها حاجات مفروضة عليا و أنا مش عاوزاها، و مجبورة اختارها”
نظر لها بترقبٍ حينما ظن أن حديثها ينطوي عليه، وأنه المفروض عليها، لكنها تفاجأت به تقول بنبرةٍ باكية:
“حتى أنتَ….قولتلك إني عاوزاك و اختارتك وبرضه كل شوية تسألني، لو مش مصدق امشي يا رائف علشان أنا مش هعرف اثبتلك أو أقولك حاجة اكتر من كدا”
رفع كفاه يمسح وجهه بعنفٍ ثم سألها بنفاذ صبرٍ:
“يعني إيه ؟؟ أنتِ عاوزاني ولا إيه ؟؟ موافقة يا بنت الحلال تتجوزيني؟؟؟”
مسحت دموعها ثم قالت بنبرةٍ جامدة:
“اطلع نام يا رائف وبكرة الصبح نتكلم، شكلك مش فاهمني أو بتتلكك بصراحة”

 

ابتسم لها ثم التفت يقول لوالدها بنبرةٍ طغىٰ عليها المرح:
“عم خليل عندك بدلة غير بتاعة خطوبة مصعب ولا أجيبلك واحدة من بتوع أبويا؟؟ هتريحك”
رد عليه باستخفافٍ يسخر منه:
“هتريحني زي ما ريحته كدا ؟؟ اطلع يالا بدل ما أحلف مافيه جواز ولا خطوبة ولا حتى معرفة بيننا”
اتسعت ابتسامته ثم قال بمشاكسىةٍ:
“قاسي قاسي قاسي وجرح احساسي عم خليل، تصبح على خير”
رحل من أمامهم بينما “خليل” ضرب كفاه ببعضهما، و سط ضحكات “مصعب” و ابتسامة “منة” التي ضحكت رغمًا عنها، فيما قالت “هنية” بضجرٍ:
“بارد و دمه تقيل مش فاهمة عاجبكم فيه إيه، مفيهوش حاجة عدلة غير الجبنة الرومي اللي عنده”
نطقت “مـنة” تعاندها:
“لأ على فكرة كله حاجات حلوة، أقولك على حاجة، هو مفيش زيه أصلًا”
نظروا لها بتعجبٍ فدلفت هي للداخل بثباتٍ ورأسٍ مرفوع، فيما سأل “مصعب” والده بثباتٍ يتتافى مع أصل كلماته:
“عندك بدلة بصحيح ولا نتصرف؟”
_________________________
بعد مرور عدة أيام قليلة في الشقة المقابلة لشقة جدة “مـنة” كانت الأنوار تُزين الشُرفة منذ السقف حتى نهاية درابزون الشُرفة و المكان متكدس بالجيران، حيث يقدمون التهنئات و المباركات.
كان “مصعب” جالسًا على المقعد المخصص له يرتدي سُترةً باللون البيج و أسفلها القميص باللون الأسود و كذلك البنطال، و كانت عروسته ترتدي الفستان باللون الذهبي لمعته هادئة، كانت رقيقة كعادتها منذ صغرها.
ارتفع صوت الزغاريد في الأرجاء يصل صداه لخارج البيت، بعد وصول أصدقاء العروس، فيما ابتسم “مصعب” بسعادةٍ حينما اقتربت منه والدته تعطيه علبة مخملية باللون الأسود بداخلها الذهب الخاص بالعروس، و دبلته السوداء تجاورها.
كانت “منة” تقف على بعدٍ منهما بمفردها ترتدي فستانًا باللون الأحمر القاتم “النبيذي” والحجاب باللون البيج يلائم الحقيبة و الحذاء و بشرتها المتوسطة بين السمراء و البيضاء، لمحها “رائف” الذي كان يقف مع شباب المنطقة يرتدي حلةً باللون الرمادي القاتم اسفلها القميص باللون الأبيض ليبدو في وسامته الشرقية المتواضعة، اقترب منها يقف مجاورًا لها وهو يبتسم بهدوء، حتى تصنعت هي تجاهله ثم نظرت أمامها تُثبت نظرها على توأمها.

 

سألها هو بسخريةٍ بعدما وقف مجاورًا لها:
“يا سلام ؟؟ طب عبريني طيب، بقالي حوالي أربع أيام معرفش عنك حاجة، و بتعدي من غير ما تعبريني، بتتقلي ؟؟”
تنهدت بعمقٍ ثم قالت بضجرٍ:
“مش محتاجة اتقل، بس مبحبش حد يشكك في كلامي يا رائف، مبحبش اثبت حاجة لحد، أظن أنا مش وحشة علشان أشوف إنك مش مصدقني أني عاوزاك”
اتسعت ابتسامته أكثر وهو يقول:
“طب والله العظيم كلمة عاوزاك دي منك بتدغدغ قلبي من جوة”
كتمت ضحكتها وهي تنظر للجهةِ الأخرىٰ تهرب منه، فيما قال بمشاكسىةٍ:
“يا سلام هو دا الكلام”
زفرت بقوةٍ ثم قالت بضجرٍ:
“لو سمحت اسكت بقى مش ناقصة تعصبني، علشان افتكرت أني ليا حق عندك من فترة كبيرة”
عقد ما بين حاجبيه يطالعها باهتمامٍ، فقالت هي بنبرةٍ جامدة:
“من حوالي سنة وكام شهر كدا حضرتك ضربتني بالكورة في راسي، وفضلت مصدعة يومين، رائف دي كانت صدفة ؟؟؟”
رفع حاجبه وهو يقول بتهكمٍ:
“هي الهرمونات طفحت دلوقتي ؟؟ فاكرة حاجة مزعلاكي من قبل ما أكون معاكِ أصلًا؟؟ على العموم ماكنتش صدفة، أنا كنت قاصد و بنتقم علشان عرفت إنك رفضتيني”

 

ضيقت جفونها تطالعه بشرٍ فصدح صوت هاتفه في تلك اللحظة، حينها أخرجه من جيب بنطاله وما إن رأي اسم المتصل، زفر بقوةٍ وقال بضجرٍ:
“هتلاقيك خربت الدنيا يا مودي الزفت، أقسم بالله هعلقك”
فتح الهاتف وهو يقول بنبرةٍ عالية:
“أيوا يا مود…..”
_”الحق يا رائف حصل حريقة في المحل و الكهربا مسكت فيه”
قاطعه “مودي” بذلك الحديث بصوتٍ متقطعٍ غلفه الخوف و الحزن معًا.

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صدفة لم تكن عابرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *