رواية جبر السلسبيل الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نسمة مالك
رواية جبر السلسبيل الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نسمة مالك
رواية جبر السلسبيل البارت السادس والعشرون
رواية جبر السلسبيل الجزء السادس والعشرون
رواية جبر السلسبيل الحلقة السادسة والعشرون
“بسم الله الرحمن الرحيم.. و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم “..
قليلاً أو ربما يكون نادرًا إن وجد رجل يقدر غيرة أمرأته عليه، يتقبل تقلبات زوجته النفسية التي تصل في بعض الأحيان إلى حد الجنون من شدة حبها له..
مما أجبر “عبد الجبار” لكظم غيظه من تصرفات “خضرا” زوجته، و صبر على نوبة غضبها العارمة التي جعلتها تفقد السيطرة على أقوالها، و أفعالها و ما تتفوه به أمامه..
فضل الصمت التام و تركها تتحدث صارخة بكل ما تحمله بقلبها من أوجاع و ألالام تنهش روحها، وقف أمامها بقمة الثبات رغم أنه يغلي بداخله خاصةً حين قالت بندفاع..
“أني وافجت على جوازك من سلسبيل بالذات و طلبتها لك بيدي بعد ما الدكتور خبرني أنها لا تقدر على حبل و لا خلفة و لا تقدر تعطيك حقوقك!!!”..
هجمت عليه فجأة و بدأت تلكمه على صدره بقبضة يدها لكمات عنيفة ، و تابعت بصراخ قائلة..
“مكنتش خابرة إنك هتعشجها.. مكنتش خابرة إن عشجك ليها هيخليها تطيب .. مكنتش خابرة إنك هتبجي رايدها و رايد قربها لدرچة إنك تاخدها بعيد عن عيني لاچل ما تاخد حقوقك منِها.. مكنتش خابرة إن نار الغيرة وچعها واعر قوي قوي أكده”..
كانت “بخيتة” تجلس على إحدي المقاعد خلفهما، مستندة على عكازها الخشبي،تتابع ما يحدث بأعين يتطاير منها الشرر حين رأت هدوء و صبر ابنها على زوجته، و كم تمنت لو أن يفقد السيطرة على أعصابه و ينقض عليها يرد لها لكماتها هذه أضعاف مضاعفة..
أو يتركها لها و تقوم هي بهذه المهمة، يُتيح لها الفرصة فقط حينها لن تترد و لا تفكر مرتين و ستنهال عليها بعكازها لن تتركها إلا و هي جثة هامدة..
لكنها عوضًا عن ذلك بقت صامته، لم تقدر على النطق بحرف واحد بعدما رأت ملامح “عبد الجبار” الهادئه هدوء ما قبل العاصفة و التي لا تبشر بالخير أبدًا ..
لتزيد “خضرا” بالاندفاع بحديثها المتهور الذي كان بمثابة سكب الزيت فوق النيران حين قالت بوعيد..
“مبقاش عندي طاقة أصبر أكتر من أكده.. كل اللي خططت ليه بجي سراب من وجت ما دخلت على حُرمة غيري.. مهستناش تاني كيف ما اتفجت مع أمك إني أصبر على سلسبيل لحد ما تبجي حبلة منك و تموت وهي بتچبلك الواد و ابجي أنا أمه كيف ما قالتلي”..
“اه يا عفشة يا بت المركوب”..تمتمت بها “بخيتة” التي جحظت عينيها بصدمة من ما قالته زوجة ابنها..
ساد الصمت حين صدح صوت رنين هواتف”عبدالجبار ” بأنٍ واحد، تبدلت ملامحه الهادئة لأخرى متلهفه و هو يرى إتصال من” عفاف” علم من خلاله بستيقاظ أميرته النائمة، و بنفس اللحظة إتصل” حسان ” الذي تركه لحراسة “سلسبيل ” ..
” خير يا حسان”..
ليصيح “حسان ” ما أن سمع صوته قائلاً بستغاثة..
“انچدنا يا كبير..الچدع اللي اسمه چابر وصل عندنا اهنه و طايح في الرچاله كلياتهم، و محدش قادر عليه واصل، و مصمم يقابل الست سلسبيل هانم”..
جن جنون “عبد الجبار ” و أسرع بالسير للخارج بخطوات أشبه بالركض و هو يقول بأمر..
” امنعوه يا حسان.. فاهمني زين امنعوه بأي طريقة حتى لو بضرب النار.. و إني چايلكم في الطريق”..
ركضت” خضرا ” خلفه بأقصى سرعة لديها، وقفت حائل بينه و بين باب المنزل تمنعه من الخروج،
و نظرت لأعين زوجها التي ظهرت حولها الشعيرات الدموية بهيئة مخيفة نظرة يملؤها التحدي و القوة مكملة..
“إني هخيرك لأول و آخر مرة يا عبد الچبار.. بين سلسبيل “..
صمتت لبرهةً،و ابتعلت رمقها بصعوبة بالغة حين رأت عينيه تتسعان بغضب و تبرز عروقه بخطورة، مع ذلك تحدثت بتأنٍ بالغ دون أن يخيفها الوضع أو نظراته المحذرة..
” وبناتك.. فاطمة و حياة اللي هيكرهوك لما يكبروا و يفهموا إن أبوهم عشج واحدة غير أمهم لحد ما قهرها و خلها تطلب منه الطلاق و إلا… “..
“و إلا أيه يا خضرا!!!”..
أردف بها “عبد الجبار” بلهجة لا تخفي غضبه المشحون أبدًا..
“هجتلك نفسي”..
قالتها و هي تهرول تجاه سكين كان موضوع فوق طبق الفاكهة أخذته بلهفة، و وضعة نصله على معصم يدها..
تفاقم شعوره بالحنق مع استمرار حديثها و أفعالها المثيرة للأعصاب، فامتدت يده نحوها و هم بالقبض على السكين الذي بيدها، لكنها تراجعت للخلف مبتعده عنه على الفور، و ضغطت بالنصل الحاد على يدها تسببت بجرح بدأ ينزف ببطء تثبت له به أنها جادة وحديثها هذا لم يكن مجرد تهديد..
تمالك أعصابه معبئًا نفسًا عميقًا إلى رئتيه، و هو يقول بصوتٍ أكثر لينًا..
“اعقلي يا بت الناس و أرمي السلاح اللي في يدك ده”..
حركت رأسها له سلبًا، و انفجرت باكية بنوبة بكاء حادة، و قد بدأت تفقد سيطرتها على غضبها و حتي أعصابها، و تحدثت بتقطع من بين شهقاتها قائلة..
“مش هتهملني و تروح لها يا عبد الچبار.. مش هفرط فيك مرة تانية يا خوي.. إني كنت غلطانة لما طلبتها لك بيدي اللي تستاهل قطعها دي”..
أنهت جملتها و ضغطت أكثر على السكين لينهمر الدماء من جرحها بغزارة أكبر أمام أعين زوجها المذعورة..
” بكفايكِ يا خضرا.. أنتي مراتي و سلسبيل كمان مراتي و إني مهظلمش واحدة منِكم لو على رقبتي.. فستهدي بالله يا غالية و أرمي اللي في يدك ده و همليني أروح أشوف الچدع المجنون اللي عايز يتهچم على الدار و يقابل مراتي في غيابي”..
قالها بصوتٍ جوهري هز أركان المنزل لكن به نبرة متوسلة..
” على جتتي المرادي أسيبك تروحلها يا أخوي”..
نطقت بها بأصرار و نبرة جادة لا تسمح بالجدال، جعلته اصطك على أسنانه بقوة كاد أن يهشمها، و دار حول نفسه ممسكًا جبهته بكف يده و قد بدأت أعصابه تنهار هو الأخر حين تخيل وصول المدعو “جابر” لزوجته..
…………………………. صلِ على محمد…….
“سلسبيل”..
بدي عليها الرعب، الفرحة، الصدمة، الدهشة، الذهول، و الكثير من المشاعر المختلطة حين وصل لسمعها تلك الجملة..
“أنا جابر يا سلسبيل”..
“جابر!!!”..
نطقت بها بداخلها، دون أن تحرك لسانها أو حتى شفتيها..
هذا الإسم الذي أجبرها والدها على عدم ذكره نهائياً، و إلا سينحر عنقها..
دمعة حارقة هبطت من عينيها حين داهمتها ذكري أبشع ليلة بعمرها..
.. فلاش باااااااااااك..
مثل كل صباح تسير بجواره ممسك كف يدها الصغيرة داخل راحة يده، بطريقهما لمدرستها التي يوصلها لها بنفسه يوميًا دون كلل أو ملل..
“ماما هتخف أمتي عشان أشوفها بقي.. واحشتني أوي يا جابر”..
أردفت بها الصغيرة “سلسبيل” صاحبة السبع سنوات..
تنهد “جابر” بحزن يحاول إخفاءه عنها، و اجابها بابتسامة دافئة قائلاً… “قريب.. هتخف قريب يا حبيبتي”..
مال عليها و حملها على يده، غمر و جنتها الممتلئة بقبلة عميقة مدمدمًا..
” اممم.. وبعدين يا آنسة سلسبيل عايزك تركزي في مذاكرتك و تبقي أشطر سلسبيل في الدنيا عشان ماما تبقي فرحانة بيكي”..
“و أنت كمان يا جابر هتفرح بيا و تجبلي عروسة و لعب و حاجات حلوة”.. قالتها بفرحة طفولية و هي تصفق بحماس بكلتا يدها..
ضمها لصدره مقبلاً جبهتها بحب مغمغمًا..
” طبعًا فرحان بيكي يا عيون جابر.. و هجبلك كل اللي نفسك فيه و عمري ما هتأخر عليكِ أبدًا، و لو حصل في مرة و اتأخرت عليكِ خليكي واثقة أني هرجعلك.. هرجعلك و مش هسيبك أبدًا “..
ختم حديثه بقبلة أخرى على خدها الناعم، و انزلها أمام باب مدرستها، ركضت هي للداخل مسرعة و وقفت ثانيةً و استدارت تبحث عنه، كان مازال واقفًا يتابعها بلهفة و ابتسامته تزين محياه الحزينة..
لوحت له بكفها، و ابتسامتها البريئة التي رآها للمرة الأخيرة، و ظل مكانه حتى تأكد من وصولها لفصلها، و انصرف على أمل العودة لها في موعد خروجها..
كان “قناوي” يقف على مسافة كافية يتابعهما بأعين كأعين الصقر مشتعلة بالغضب، انتظر حتى تأكد من ذهاب “جابر” واندفع تجاه المدرسة بسيارة مملوءة بالرجال جميعهم مسلحون..
أخذ جولة ليست كبيرة داخل المدرسة و خرج منها ساحب خلفه ابنته التي تبكي و تصرخ مرددة بذعر..
“أنا عايزة جابر”..
حملها من حقيبتها الصغيرة الموضوعة على ظهرها، و دفعها لداخل السيارة قبل أن يجذب الحقيبة منها بعنف، و ألقاها بمنتصف الطريق أمام أعين ابنته التي تنظر لحقيبتها بحسرة و تبكي بحرقة ..
“شنطتي فيها كتبي.. يا جابر تعالي وديني لماما”..
قبض والدها على عنقها بعدما صعد بجوارها، و انطلقت السيارة بهما نحو الصعيد، جذبها عليه حتى أصبح وجهه ذو الملامح المخفية مقابل وجهها الملائكي و تحدث بصوتٍ كفحيح الأفاعي قائلاً..
“من انهارده مافيش لا مدرسة، و لا جابر و لا حتى أمك”..
اجهشت الصغيرة ببكاء مرير، و بتوسل همست بصوتٍ مرتجف من شدة فزعها..
“ونبي يا عمو وديني عند جابر عشان ياخدني عند ماما”..
“عمو!!!”..صفعها بكف يده على وجهها بقسوة مكملاً..
“بتقولي لابوكي عمو!!!.. و جابر أيه اللي رايداه ياخدك لأمك.. أمك خدها ربنا.. عقبال ما ياخدك انتي كمان و يبقي جبر واحد لم العفش كله”..
ذادت صرخات الصغيرة تُنادي علي والدتها و جابر دون توقف..
” اكتمي يا بت.. اكتمي لخلص عليكِ بيدي”..
قالها و هو يهبط بكفه على وجنتيها بصفعات متتالية، و جذب شعرها بقبضة يده كاد أن يقتلعه من جذوره مكملاً بوعيد..
” لو سمعتك بتنطقي اسم چابر ده مرة تانية هقطع لسانك و بعد أكده هدبحك و أفصل رأسك عن جتتك.. فاهماني زين ولا اقطعلك لسانك دلوجيت “..
قال الأخيرة و هو يخرج سلاح أبيض من جيب جلبابه وفتحه أمام عينيها المذعوة التي تنهمر منها العبرات، بهمس مرتعد قالت..
“ف فاهمة.. مش هنطق اسمه تاني أبدًا”..
بينما” جابر ” قد أتاه إتصال من المدرسة أخبروه بما حدث لملاكه الصغير، أخذ الطريق بأكمله راكضًا، و لكنه قد وصل بعد فوات الأوان، فور وصوله لمح حقيبتها التي ابتاعها لها خصيصًا ملقاه على الطريق أمام مدرستها..
و كأن روحه غادرت جسده، سقط على ركبتيه أرضًا بجوار حقيبتها، و مد يده المرتعشة امسكها و انتصب واقفًا، و بدأ يبحث عنها و يركض هنا و هناك و هو يصرخ بأسمها بقلب ملتاع كُتب عليه الفراق..
.. نهاية الفلاش باااااااك..
فاقت من شرودها على صوت “جابر” الذي يُنادي عليها بصوتٍ متلهف، يملؤه الوجع، مسحت عبراتها التي أغرقت وجهها و دارت بعينيها بأرجاء الغرفة تبحث عن شيئًا ترتديه فوق روبها الحرير..
“أوعى تقولي إنك هتخرجي تقابليه يا بنتي!!!!”..
قالتها “عفاف” و هي تلحق بها نحو غرفة الثياب..
“أيوه هخرجله.. ده يبقى ابن خالتي”..
أردفت بها “سلسبيل” و هي تبحث بتوتر بين أغراضها الكثيرة جدًا..
“لا يا بنتي..اسمحيلي اعتبرك زي بنتي و خليني انصحك لوجه الله.. اللي هتعمليه ده غلط و ميصحش” ..
نطقت بها” عفاف ” بتعقل، و صمتت لثوانٍ و تابعت بهدوء..
“ميصحش تقابلي راجل في بيتك و جوزك مش موجود حتى لو الراجل ده ابن خالتك”..
تنهدت “سلسبيل” بصوتٍ اختنق بالبكاء قائلة..
“أمال اسيبو يضرب في رجاله عبد الجبار و هما يضربوا فيه لحد ما واحد منهم يتعور؟”..
” يا بنتي أفهمي جوزك أكيد عنده علم بوجود ابن خالتك ده، و هو اللي أمرهم يمنعوه يدخل البيت، و بصراحة حقه من لهفة الشاب ده عليكي”..
أطبقت” سلسبيل” جفنيها تكبح عبراتها من الهبوط ثانيةً و بقلة حيلة قالت..
” طيب قوليلي أعمل أيه أنا دلوقتي! ، و فين عبد الجبار”..
أثناء حديثها، صدح صوت رنين هاتف” عفاف”..
” ده عبد الجبار بيه”..
قالتها وهي تضغط زر الفتح ليأتيها صوته في الحال قائلاً بصوت يظهر عليه الخوف و القلق..
“عفاف.. خدي سلسبيل و أخرجي بيها من الباب السري دلوجيت.. في عربية مستنياكم قدام البوابة اركبوا فيها..سمعتي زين اللي قولته!”..
“سمعته و هنفذه دلوقتي حالاً يا عبد الجبار بيه”..
“عبد الجبار” بلهفة..
” اعطي التليفون لسلسبيل”..
مدت يدها لها بالهاتف، فأخذته منها بأصابع مرتجفه، و همست بصوتها الباكي قائلة..
” عبد الجبار.. أنت فين.. سبتني لوحدي ليه”..
” هششش.. أهدي يا بت جلبي.. أني چارك
مهسبكيش واصل.. بس اسمعي كلام عفاف، و اعملي اللي هتقولك عليه، و إني أقل من ساعة هكون وياكِ”..
أنهي جملته، و ألقي الهاتف من يده بعدما سمع صوت “عفاف” التي اعطتها “سلسبيل” الهاتف، تقول بعملية..
” أنا هخرجها من البيت و هفضل معاها اطمن سيادتك”..
” دكتور بسرررررعة”..
صاح بها” عبد الجبار ” الذي وصل للتو إلى إستقبال المستشفى بسيارته، و هو يحمل” خضرا ” الفاقدة للوعي على يده، و دلف بها لداخل غرفة الكشف تاركًا بكل خطوة يخطوها آثار لدمائها النازفة من معصم يدها المقطوع……
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية جبر السلسبيل)