رواية يناديها عائش الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش البارت الثالث والثلاثون
رواية يناديها عائش الجزء الثالث والثلاثون
رواية يناديها عائش الحلقة الثالثة والثلاثون
أحبها بلا سبب بلا مُبرر بلا مِيزة بلا مُبادرة…أنا فقط احُبها هكذا دون إرادة.
_________♡
السـاعة الواحدة والنصف صباحـًا وبـدر ما زال مُتسطحـًا على تلك الأريكة متوسطة الحجم، يضع ذراعهه تحت رأسه والذراع الآخر على بطنه، يُحـاول جاهدًا إطبـاق جفونه والنوم، ولكن كثرة التفكير بأمـور حياته وحياة أشقاءه تزيد من إرهاقه وقلقـه حيـالهم، نعم هاجر ستتزوج وستكون في مسؤولية رجل آخر، البعض سيظن أن العبء سيقل عنه، فلم يتبقى إلا سيف ووالدته، ولكن ما لا يعرفه أحد.. أن بـدر في قمة هلعه وخوفه على هاجر، من كثرة حُبه لها يشعر بأنـه سيجن جنونه إذا لم يأتي الدواء بمنافعه وتوفت.5
“توفت” ؟ الكلمة نفسها عندما تأتي في مخيلته يكاد يفقد صوابه، ليتـه مكانها.. ليته هو المريض وليست تلك الوردة الشابة الجميلة، لا يُنكر أنه يكره حياته بل يأس منها، ولكنه يتصنع الصبر فقط والقوة أمام الجميع، بالتحديد أمام أسرته الصغيرة، فهم بدونه لن يستطيعون التقدم خطوة واحدة.. أو كما يقول التعبير الدارج
” هو دراعهم اليمين “
وماذا عن سيف الإسلام ؟ ماذا سيفعل حيـاله؟
لِمَ كل تلك الإبتلاءات ؟ ألا يستطيع أن يرتاح قليلًا ؟ أليس من حقه أن تبتسم له الحياة كما ابتسمت لغيره ؟ أيعقل أن يكون كُل ذلك إبتلاء من الله؟ هل هو نبي مثلًا ليتحمل كُل هذا ؟
ماذا إذا كانت كل تلك المصائب عقابـًا له على ذنبٍ يفعله بإستمرار ولا يستطيع التخلي عنه، بل يجهل من الأساس ما هو هذا الذنب ؟
أي ذنب قد فعله؟..3
لم تترك تلك الأسئلة عقل بـدر في هذه الليلة، أخذت تدور وتدور حتى أطبق عينيه يسترد أنفاسه بعمق، وكـأنه يشعر بأحد يسحبها منه.. نهض من مكانه ليغسل وجهه بماء بـارد، علّه يفيق من الحُلم، ليت كل ما يحدث مجرد حُلم سخيف، حتى إن كانت تلك أضغاث أحلام فهي مؤذية وبغيضة جدًا على قلب إنسانٍ خُلق ضعيفـًا، قلبه هشـًا ورقيقـًا يؤلمه لأتفه الأسباب.
نظـر في ساعة الحائط فوجد العقرب يقترب من الثالثة، هذا هو موعد قيام الليل، موعد لقاءه مع الله كما يفعل دائمـًا وكما علمه أباه، يعلم جيدًا أن الله سبحانه وتعالى ينزل كل ليلة للسماء الدنيا في الثُلث الأخير من الليل ويختلف توقيت الثُلث من بلد لأخرى، وكما يقول الحديث الشريف:
“ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر” متفق على صحته.”
وهو سبحانه أعلم بكيفية نزوله.
فعلينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله، ومع كونه استوى على العرش، فهو ينزل كما يليق به ..
والثُلث الأخير يكون تحديدًا قبل الفجر ببضع دقائق، وقال الله -تعالى-: (وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهودًا)، وقيام الليل في الثلث الأخير له فضائل وميّزات على غيره، والذين يُقيمون الليل فقد حازوا على الأجر الكبير والخير العظيم من هذا الفضل، والذي يتكرر في كل ليلة، قال -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)
ويُستحب للإنسان أن يُخصص وقتـًا قبل الفجر فيستغفر الله -سبحانه وتعالى-، ويطلب العفو والرحمة والعتق من النار، فهذا الوقت يكون فرصةً عظيمة؛ فهو وقت نزول الخير والرحمة إلى السماء الدنيا، فيقول الله -سبحانه وتعالى-: هل من مذنب فأغفر له -كما في الحديث.
وفي الليل توجد ساعة لا يُردّ فيها سائل رفع يده بالدعاء أو الاستغفار، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ مِنَ اللَّيْلِ ساعَةً، لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ).
لقد اعتاد بـدر على قيام الليل في ذلك الوقت تحديدًا ليُقابل ربه ويحكي له كل شيء يدور في قلبه وعقله، اتخذ الله رفيقـًا منذ أن أدرك الدين وفهمه جيدًا، منذ أن كان طفلًا في الثامنة يحمل في جوفه ثمانية أجزاء حتى بلغ الثالثة عشر وأكرمه الله بختم القرآن الكريم وهو يعلم ويفهم معنى القُرب من الله، يدرك ما هو التوحيد ومعنى قول ” اللـه أكبر”، ظل على هذا الحال حتى عُمره هذا، ولكن في الأشهر الماضية بدأ عقله بالتشتيت وأصبح قلبه يحمل أعلى مراتب العشق لله سبحانه وتعالى ولعائشة ابنة عمه، وهذه كارثـة في حد ذاتها، أن يتساوى حُب الله مع حُب العبد؛ لذا بدأ بـدر بالتزحزح تدريجيـًا عن الإستقامة حتى أصبح في حالة غم وحزن دائمـًا وأصبح مشتت الذهن، لا يدري ما الذي يحدث له وماذا يفعل وكيف يتخطى هذا، كل يوم يمرّ عليه تتزايد الهموم فوق عاتقه، يشعر بأن الله غير راضِ عن شيء يفعله ولكن لا يعلم بعد ما هو هذا الشيء، لم يعد يصلي الفروض في وقتها، أهمل في الوِرد القرآني اليومي له، لم يعد يعطي الدروس الدينية في المسجد للصغار والكبار كما كان يفعل قديمـًا، حتى ذِكرُ الله أصبح ثقيلًا على قلبه..4
وجد قدميه تسوقانه لإستكمال طريقه نحو المطبخ بدلًا من الوضوء لقيام الليل؛ ليعدّ كوبًا من شاي له، وبعد أن انتهى أخذه وكاد أن يجلس لكن الكهربـاء انقطعت والجو في تلك الليلة كان حارًا جدًا.1
وضع كوب الشاي على المنضدة، وأول شيء جاء على ذهنه حين انقطعت الكهرباء هي “عائـش” صغيرته المتمردة التي ستجعله يهذي كالمجنون قريبـًا من أفعالها الطائشـة، يعلم أنها تخاف الظلام جدًا.. طرق على باب غرفتها وهو يُنادي بإسمهـا عدة مرات، ولكن لم تصله إجابه، الباب موصد بالمفتاح من الداخل وهي الآن تغطّ في النوم بعمق، حتى أن صوت الراديو الذي يعمل بدون كهرباء عالٍ ؛ لذلك سيُصعب عليها سماع الأصوات من الخارج.4
فكر بـدر كثيرًا ماذا يفعل ليفتح باب غرفة تلك المجنونة.. ساقه عقله أن يأخذ مفتاح الغرفة التي بجوارها ويُدخلها في ثقب المفتاح الأخر فيقع للداخل ويُفتح الباب.. وبالفعل نجحت الفكرة.. وحين دلف للداخل كانت الكهرباء قد عادت.
دلف لعندها واقترب من فراشها، فوجدها تلُف نفسها بالغطاء جيدًا كأنها في الشتاء، رغم أنها وضعت المروحة أمامها مباشرة وجعلتها على أقصى سرعة، أيّ جنون هذا قد يجعل المرء يضم فصلين من فصول السنة مع بعضهما !؟6
ابتسم ابتسامة خفيفة ثم أبعد المروحة عنها قليلًا خوفـًا عليه من أن تصاب بوعكة صحية، وأخذ يهزها هزات طفيفة وهو يهمس
“عائـش.. مُدللتي !”3
تقلبت عائشة على الناحية الأخرى وهي تفتح عينيها نصف فتحة وتقول بصوت ناعس
— كحـك2
“كحـك!!”
رددها بـدر وهو يقضب جبينه بدهشة، ثم ضحك بصوت عالٍ وتسطح بجانبها ليُحيطها بتملك وحُب حتى ألصـقها فيه وأخذ يُداعب شعرها وهو لا يستطيع التوقف عن الضحك؛ بسبب ما هذيت به وهي نائمة، حتى أرغمتها صوت ضحكاته الرجولية على الإستيقاظ.. فنهضت من جانبه وهي تفرك عينيها وتحك شعرها عشوائيـًا، ثم تثاءبت دون أن تضع يدها على فمها، ففعل هو ذلك بدلًا منه بيده الحانية عليها.
تأملته للحظات بنظرات مستفسرة، أما هو كان هائمـًا بنظراته في قسماتِ وجهها فكان يُطالعها مُبتسمـًا بعشق.
قالت وهي تشير لضوء الكشاف الذي أضاءه اثناء انقطاع الكهرباء
— هو النور كان قاطع؟
— اه.. من شوية
–وإنت بقى إن شاء الله دخلت هنا إزاي ؟
أوعى تكون كسرت الباب بجسمك اللي زي المصارعين ده.. أكسر دماغك وربنا1
اتسعت ابتسامته ثم ضحك بخفة وجذبها ليعانقها دون أن يتحدث، ولكنها سحبت نفسها منه سريعـًا هاتفة
— إيه يا عم سوما العاشق.. إنت جاي تخيب هنا ولا إيه؟.. إمشي إطلع برا
ضحك قائلًا بقلة حيلة
— بدر الخياط بقى سوما العاشق ! لله الأمر من قبل ومن بعد.
عقدت عائشة يديها على صدرها ورفعت حاجب وأخفضت الآخر بنظرة تحدي لتقول
” هو أنا مش قُولتلك بكرهك.. جاي عندي في أوضتي ونايم على سرير ليـه ؟؟ إنت نو كرامة خالص !! “5
–إنتِ شايفه إن حُبي ليكِ قلة كرامة؟4
بإيماءة بسيطة وإصرار على العناد
–ايوه إنك تجري ورا حد مش عاوزك دي قلة كرامة.. وبعدين مش كُنت بتقولي أيامك الجايه كلها سواد وعمال تهدد فيا.. أومال فين الكلام ده يا عم الحمش !5
تنهـد بـدر بضيق قبل أن يقول
–هو أنتِ بتحبي جلد الذات ليه؟ عاوزاني أعاملك وحش يعني ؟ عاوزاني أقسى عليكِ يا عائش!
عاوزاني أتمرد على قلبي.؟1
“يعني إيه تتمرد على قلبك ؟”1
“أنتِ قلبي يا عائش.. مينفعش أقسى عليكِ..وجودك جنبي بيخليني أطمن.. مش عايزك تحبيني بس سيبيني أحبك.. سيبيني أعشقك يا عائش.. فكرة إن أبطل أحبك إلغيها من قاموس حياتك.. متحاوليش تكرهيني فيكِ عشان أنا عشقت وانتهى”4
قال بـدر ذلك بعد أن احتوى وجهها بكفيه وهو على شفا حفرة من الإنهيـار، لقد فاض به الكيل من كُل شيء.
شعرت بغباءها وحماقتها معه، فحاولت تغيير مجرى الحديث قائلة بحزن مصطنع
— مش أنا حلمت بكحك
تساءل متعجبـًا
— كحك ! أنتِ كنتِ بتحلمي لما قُلتِ كحك !
أومـأت ضاحكة
— حلمت إن طالعة من الجامعة وشايلة صينية كحك على راسي.. الكحك ده بقى…..
وضع يده على فمها مقاطعـًا
— ده نجاحك إن شاء الله.. متفسريش الحلم بحاجة وحشه ولو على سبيل الهزار عشان بيتحقق2
هتفت بدهشة بعد أن أزاحت يده عنها وأخذت تداعب كفه بإبهامها دون أن تعي
–بتكلم بجد !!
أومـأ قائلًا
–ايوه بجد.. جاء عن النبيِّ (صَّلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح أنَّه قال: «الرؤيا على رِجْل طائِر ما لم تُعَبَّر [تُفسَّر]، فإذا عُبِّرَت [فُسِّرَت] وَقَعَت [تحقَّقت]» (حديث صحيح – صحيح الجامع)
“مش فاهمه.. إشمعنا رجل طائر ؟”
كان بـدر بشعر بشعور رائع لا مثيل له وهي تداعب كفه دون وعي منها، ولكن من نظراته الثابتة لها توترت ولا حظت ما تفعله فابتسمت بخجل وسحبت يدها، لكنه أخذها ورفعها لفمه ثم قبلهما برقة وهو ينظر لعينيها بحُب، واعتدل ليجلس ويسند ظهره على الوسادة خلفه ثم سحبها معه ليفسر لها الحديث كأنه يشرح لطفل صغير.
” في الحديث الشريف أسلوب بلاغيٌّ بنسميه بالاستعارة التمثيليَّة، وفيه يتمُّ تمثيل شيء أو حالة بصورة معيَّنة حتَّى يتمُّ تقريب المعنى المقصود إلى الأذهان.. زي ما خدنا في المدارس يعني..
الحديث ده بقى فيه معلومة علميَّة متعلِّقة بموضوع الطائر.. إنَّ الطائر في فصل الشتاء بيقوم بعمليَّة تكيُّفيَّة بيُقلِّل فيها مقدار الفاقد من الطاقة والحرارة من جسمه للنصف.. عن طريق رفع رجل واحدة لأعلى.. والوقوف على الأرض على الرجل التانيه عشان ميضيعش كلُّ طاقة جسمه في الأرض الباردة.. فمشهد وقوف الطائر على رجل واحدة هو من المشاهد المألوفة عند الطيور في فصل الشتاء.. خصوصـًا بقى يا ست عائشة….1
قاطعته بغضب
–قولي يا عائش.. اتعودت على الإسم ده5
ضحك ثم قبْل جبينها في لُطف وقال
— بحبـك5
وأردف..
في المناطق الجليديَّة شديدة البرودة.
ولعلَّ الحديث الشريف ده يكون من دلالات الإعجاز العلميِّ في السُّنَّة النبويَّة الشريفة.
قالت وهي تنظر له بغباء
–برضو مفهمتش6
أغمض عينيه بنفاذ صبر مبتسمـًا بقلة حيلة ثم أكمل..
–هبسطهالك.. معنى الحديث الشريف بيقول إن الطائر إذا رفع رجله من فوق الأرض، كانت ليه الحريَّة في أنه يختار أيَّ مكان على الأرض ويحُطها عليها ، أمَّا لو حطها على الأرض فعلًا، فكده ثبتت رجله في المكان اللي حطها فيه.
بمعنى إن رؤيا المسلم لا يكون لها تفسير معيَّن ثابت، فهو حرٌّ يختار لها من التفاسير ما شاء، أو يختار له غيره (تفسير خير، تفسير شرّ.) فإذا اختار لها تفسيرًا أو حد فسرله يعني.. التفسير ده بيثبت على الرؤيا.. فبيصبح واقعًا متحقِّقًا لا محالة آجلًا أو عاجلًا.. لا يملك المسلم تغييره.. تمامًا زي الطائر لما يرفع رجله.. فتتعلَّق في الهواء، فهو يقدر أن يتَّخذ قراره بوضعها أينما شاء.. فإذا وضعها على الأرض ثبتت واستقرَّت في مكانها… يارب تكونِ فهمتِ.
تصنعت أنها فهمت حقـًا، بينما هو رمقها بشك..
تساءل بإهتمام
–هتبدأي تذاكري إمتى ؟.. إمتحاناتك السبت اللي جاي وبكره الإثنين 3
هتفت بتعجب
— أنت عرفت منين ؟
نظر للسقف ببراءة مصطنعة
” أصل بصراحة.. أنا في جروب الكلية بتاعتكم.. وبتابع في صمت.. وشوفت الجدول بتاعك “
تساءلت
— وإيه اللي دخلك الجروب أصلًا ؟
أجاب بصدق
” مهتم أعرف كُل حاجه تخصك “
صمت للحظات يطالعها ثم أردف
— مش عاوزك تخافي من حاجه.. أنا معاكِ ومش هسيبك الأسبوع ده غير إما أذاكرلك كل المواد وأتأكد إنك هتحلي كويس إن شاء الله
قالت ساخرة
–كل المواد في أسبوع ؟ ده عادل إمام معرفش يعملها في مرجان أحمد مرجان
قهقه عاليـًا وقال
— لا متقلقيش سيبي الموضوع عليا..
لحظات ودوى آذان الفجر في كل مكان بالحارة، فمسد على كتفها الذي يحتويه بذراعه مُداعبـًا وأردف
— يلا نقوم نصلي1
بإيماءة رأس بدت كسولة أجابت
— ماشي
قبـْلها من جبينها مبتسمـًا بلُطف ونهض من جانبها، ثم جذبها بحركة مفاجئة؛ ليحملها على ذراعيه هاتفـًا وهو يتجه بها للمرحاض
–نظرة الكسل بتاعتك دي أنا حافظها صم.. هتقعدي تقوليلي رجلي وجعاني وعايزه أنام وهصليه الصُبح وخلاص.. لأ بعد كده نصلي الفجر علطول..
“طب أنت شايلني ليه دلوقت.. حد قالك إني مشلولة ؟”
— استغفر الله العظيم.. بترمي دبش !1
تنهد مُكملًا.. شيلتك عشان متعمليش حجة بوجع رجلك.
أنزلها برفق أمام المرحاض قائلًا
— تحبي أساعدك3
التفت لتنهره بخجل
— أنت بتصطاد في المايه العكرة.. اجري يا عم ألعب في القطر اللي أنت جاي منه
انفجر ضاحكـًا على ما قالته بتعبيرات وجهها المضحكة للغاية، أغاظتها ضحكاته.. فدلفت للمرحاض وأغلقت الباب في وجهه متمتمة بغيظ
” بـارد “
هتف بـدر وهو ما زال يضحك
— متكلميش في الحمام.. الخبائث ملهاش ذنب تسمع هبلك
فتحت الباب على الفور وهي تخرج خائفة.. رمقته بغيظ وغمغمت قبل أن تدخل ثانية
–اللهم إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث
“أي من الجِن وصغاره”
ثم مدت قدمها اليُمنى، لكنه أوقفها
–الدخول برجلك الشمال وأنتِ طالعه قولي غفرانك وأطلعي باليمين الأول
فعلت ما قاله دون أن تظهر الإهتمام له.. توضأت عائشة بتكاسل وخرجت بقدمها اليُمنى وهي تنظر لبدر بطرف عينيها كأنه عدو لها، تلك النظرة الطفولية الهزلية أضحكته بشدة وجعلته يقول في عقله
“هتكمل عشرين سنة كمان يومين ولسه عقلها صغير”
توضأ بـدر وذهنه مُنشغلًا بعائشـة، فنسي أن يغسل أذنيه وأكمل وضوئه دون أن يتذكر غسلهما.3
وضع سجادة الصلاة أمام القِبلة وكانت عائشة قد ارتدت إسدالًا مخصصـًا للصلاة، كان بدر قد أهداه لها في يوم ميلادها الماضي..
تأملها مبتسمـًا بعشق ليقول
— واخده قلبي وعقلي هتاخدي إيه تاني 1
ردت بإمتعاض
— يا خويا هو أنا قولتلك هات حاجة.. ده إيه المرار الطافح ده!6
لم يستطيع تمالك نفسه، فأخذ يضحك ويستغفر الله حتى يتوقف عن الضحك بينما هي الأخرى شاركته الضحك رغمـًا عنها..
لحظات وتمالك نفسه ثم سحب نفسـًا عميقـًا ورفع يديه مُكبرًا
” الله أكبر “
لم يستطيع بـدر التركيز في الصلاة، كان مُشتتـًا للغاية لا يستطيع أن يفصل تركيزه وتفكيره عنه لحظة، رباه لقد نال منه العشق ووصل به لأعلى مراحله، لم تكن صلاته خاشعة، تبـًا ماذا دهاهُ؟ لم يعد يخشع في الصلاة !
اي عشقا لعينـًا هذا يجعل المرء يسهو في الصلاة ويغفو عن ذكر ربه؟
سلم عن يمينه وعن شماله وهو غير راضٍ عن صلاته ولا نفسه تمامًا، من خلفه عائشة سلمت هي الأخرى، ثم نهضت سريعـًا ونزعت عنها إسدالها وهي تُلقي به بعيدًا بتأفف
— اوف.. الجو حار أوي إيه ده !!
تنهد بدر بغضب من نفسه وغمغم
— ربنا يرحمنا برحمته الواسعة
هتفت عائشة
— اللهم أجرنا من حرّ جهنم1
أرادت أن تظهر بأنها تعرف أشياء في الدين هو جاهل بها، فأردفت1
–أنت مش عارف الحديث ده ولا إيه !
لما الجو يبقى حر جامد نقول زي ما أنا قُلت كده2
تساءل بدر بابتسامة باهتة
-ده مين اللي قالك كده ؟ الحديث ده ضعيف جدًا ولا أصل له.. هو مش حرام إننا ندعي بكده لكن منقولش النبي صلّ الله عليه وسلم بكلام هو مقالهوش..
زي الحديث الضعيف ده3
إذا كان الجو شديد الحرارة ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل الأرض، فإذا قال الرجل:[لا إله إلا الله ما أشد حر هذا اليوم اللهم أجرني من حر جهنم] قال الله لجهنم “إن عبدا من عبادي استجار بي من حرك وإني أشهدك أني قد أجرته منك”4
الخلاصة أن الحديث ده لا يثبت عن النبي صلّ الله عليه وسلم ، ولم يرو بإسناد مقبول..
لكن ده مش معناه أن الدعاء بمثل ذلك لا يجوز.. لا الممنوع أن يروى هذا على أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يعتقد أن هذا من الأذكار الراتبة المشروعة.. فهمتِ ؟
أومـأت بتفهم ثم بدأت بالتثاؤب متمتمة بنعاس تجلى على عينيها
— أنا هدخل أكمل نوم.. تصبح على خير1
تركها بدر تذهب للنوم، أما هو ظل جالسـًا يُسبح الله ويدعوه أن يُصلح حاله ويرده إليه ردًا جميلًا.
بعد نصف ساعة ذهب وتسطح بجانبها بعد أن رفع رأسها من الوسادة ووضعها برفقٍ على ذراعهه، ثم استسلم للنوم هو الآخر.
****
التوبة النصوح أن يتوب من الذنب، ثم لا يعود إليه، كما لا يعود اللبن في الضرع
(عُمر بن الخطاب رضي الله عنه)2
________♡
استطاعت روان أن تُبعد ذهنها عن أي شيء قد يجعل قلبها متعلق بغير الله، فنفضت عقلها من تلك الوساوس التي حامت حولها عندما رأت “مالك” وانتصرت على قلبها فلم يعد يهمها أمر “سيف” هي فقط حزينة لأجل ما أصابه، ولكنها عاجلًا أم آجلًا ستستطيع محوه من ذاكرتها نهائيـًا.2
قامت بعمل جدول مذاكرة لها تستطيع من خلاله أن تُلخص المواد الدراسية في هذا الأسبوع المُتاح، فإمتحانتها تم تأجيلها لبعد عيد الأضحى بسبب الظروف الراهنة وحالات كورونا المتزايدة بكثرة.. أول يوم ستمتحنه هو اللغة العربية وذلك سيكون يوم الثلاثاء في العشرون من أغسطس لعام(2021).
(هذا التاريخ من وحي خيال المؤلف وليس له صلة بتاريخ الثانوية العامة للعام الماضي)
جهزت روان كل شيء على أمل أنها ستستيقظ لصلاة الفجر تُصلي وتقرأ وِردها ثم تعدّ كوبـًا من عصير الأفوكادو؛ لأنه يساعد على تدفق الدماء إلى الدماغ مما يساعد على تنشيط الذاكرة والتركيز.
جاءت بمصحفها لتقرأ سورة المُلك قبل أن تنام، لمعرفتها مؤخرًا بأنها تشفع لصاحبها في قبره كما ذُكر الحديث الشريف
أن سورة الملك..من السور التي لها فضل عظيم على قارئها فهي تجادل عن صاحبها، كما تمنع عنه عذاب القبر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنَّ سورةً من القرآنِ ثلاثون آيةً، شَفَعَتْ لرجلٍ حتى غُفِرَ له، وهي: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)؛ لذا يفضل قراءتها كل يوم قبل النوم كما كان يفعل رسول الله عليه السلام.
انتهت من القراءة ثم وضعت المُصحف على قلبها وتنهدت بإرتياح قائلة
–كُنت فين وبقيت فين.. الحمد لله الذي هاداني.. يارب ثبتني يارب..
وبدون وعي تمرد لسانها داعيـًا
–أصلح سيف واشفيه يارب1
أغمضت عينيها بحزن حين تذكرت رسالته، ثم وضعت كفها تحت خدِها الأيمن واستسلمت للنوم، ابتسمت بلُطف ورضـّا من نفسها أنها أصبحت تنام على وضوء، مُدركة أنها الله وكل لها ملكـًا يسأل الله أن يغفر لها حين تتقلب في الليل، كما قال الحديث الشريف..
الملائكة تدعو لمن نام على وضوء: روى ابن حبان وحسنه الألباني عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «طهروا أجسادكم طهركم الله فإنه ليس من عبد يبيت طاهرًا إلا بات معه في شعاره ملك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهرًا»
(مصدر الحديث/رواه ابن حبان في صحيحه «1056» وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب «597».)
****
عَيْنَاهَا قَيّدَتْ قَلْبًا كَانَ حُرًا “لقائلها”1
________________♡
نفذ كريم وعده لـرُميساء ولم يحادثها طيلة الطريق أو حتى ينظر إليها، أراد أن يكون حُبه طاهرًا حتى يُراضي الله قلبه ويجمعه بها.1
أما هي شعرت بألم شديد في رأسها وأنحاء متفرقة من جسدها؛ بسبب ما أصابها في الحادث، من فرط شعورها بالألم أخذت تبكي و تُجاهد ألا يعلو صوت بكائها، هي بطبيعتها خجولة جدًا ولا تحب أن تظهر ضعفها أمام أي شخص كان.1
وصلت السيارة أمام البيت وتعجبت رُميساء من معرفة كريم لعنوان منزلهما، كاد الفضول أن يقتلها لتسأله من أين له معرفة عنوانهم، ولكنها فضلت الصمت..
مدّت يدها لتفتح باب السيارة، فسبقها كريم وفتحهُ لها قائلًا بأدب1
–اتفضلي.. حمد الله على السلامة
أجابت بهمس وهي تستند على الباب وتنزل بصعوبة من شدة الألم
— جزاك الله خيرًا
“وإياكِ”
قالها مبتسمـًا بسهو، بينما هي تحاملت على نفسها و رنت جرس منزلهم، فتحت لها والدتها ولأن ملابس ابنتها تخفي كدماتها، لم تلاحظ شيء عليها، ولكن وقع بصرها على كريم الذي كان ما زال واقفـًا وبصره مصوب تجاه رُميساء بسهتٍ وإعجـاب.
دخلت والدتها وأغلقت الباب بتعجب، وكادت أن تلقي بالأسئلة على رُميساء، لولا أن الأخيرة كشفت عن وجهها فظهر آثار الكدمات ونزعت النقاب فظهرت الضمادة البيضاء الكبيرة التي غطت جبهتها.
شهقت الأم متسائلة بـ فزع
–إيه اللي عملك فيكِ كده !!
أجابت رُميساء بتعب
–قدر الله وما شاء فعل1
ورغمـًا عنها بكت، تحت إلحاح والدتها وإصرارها على أن تخبرها بكل شيء، فعلت رُميساء ولم تنسى أن تخبرها على كريم.
أخذتها والدتها في أحضانها وظلت تُمسد على جسدها وهي تقول
— نقول الحمدلله.. الحمدلله دائمـًا وأبدًا.. الحمدلله إنك بخير يا بنتي.. الله يرحم اللي ماتوا ويغفرلهم ويشفي الباقيين.. كتر خيره الظابط ده.. مصر لسه بخير.. ربنا يحميه لأهله هو واللي زيه.1
ساعدتها والدتها على التسطح في فراشها ومن شدة الألم تناولت دواء مُسكن ثم استسلمت للنوم..حتى أصبح الصباح.
كان كريم يقود سيارته عائدًا لوجهته في العمل، وهو يفكر في رُميساء ويبتسم من حين لآخر كلما تذكر خجلها وحياؤها الشديد اللذان أذهبَ عقله للهوس بها، تمنى من قلبه أن يغير والده فكرته السوداوية هذه عن المنتقبات، نعم ليس كلهن متقربات لله ولكن هذا لا يعني أن نسُب النقاب، ليس للنقاب ذنب فيما تفعله بعض النساء الذين يرتدونه للتستر عن شيء ما..
وكما يقال هناك السيء وهناك الجيد وأصابع اليد لا تشبه بعضها، لا يجب أن نقول عن كل المنتقبات أنهن سيئون أو ينتمون للإرهاب لمجرد أننا رأينا من بعضهن سوءًا !
ليت والده يستطيع فهم ذلك ويوافقه في طلبه للزواج منها.
******
بفضل مجيء زياد، نفذ قُصي من والده واستطاع الهرب لغرفة زياد بعد أن توسل الأخير لعمه وهو يضحك بشدة على ذلك المتهور صاحب العقل الطفولي، حتى أن العقل الطفولي بريء منه.1
اخبرهم زياد بأنهم عليهم الإستعداد غدًا لكتب كتابه على هاجر، وبالطبع هلل الجميع بسعادة فقصة حبهما الطاهرة تم تداولها بين أفراد العائلة كمثال للحُب النقي الجميل الذي يتمناه كل شاب وتتمناه كل فتاة.1
احتل قصي فراش زياد نائمـًا على بطنه وقدميه كل قدم في مكان.. وذراعيه مفرودتان كأنه ينظم رحلة جوية للطيران في أحلامه الغير واقعية بالمرة، فأخر حُلم حلمه أن هناك خمس حبات من الطماطم يركضون وراءه !
ما أعجبه ! ، لقد تخطى حدود المنطق والخيال في أحلامه.5
كان زياد يتوضأ ليُصلي ركعتين قيام الليل يخصصهما للدعاء لوردته بأن يشفيها الله، فقد علم مؤخرًا من بدر أن هاجر تركت الدواء وهي في مراحلها الأخيرة، ولكن زياد لم ييأس وأخبره بأنه يثق بالله ثقة عمياء أنه سيشفيها، فهو الشافي القادر على كل شيء، ألا يستطيع شفاء عبده الضعيف !؟
انهى زياد صلاته، ثم ذهب للنوم فهو أمامه يومٍ جميلًا بإذن الله يحتاج أن يرتاح قبله ليستطيع الإستمتاع بساعات اليوم.. ولكن كيف سينام وهذا الأبلة قُصي مُتسطح بتلك الغرابة ؟
لم يترك حتى بضع سنتيمترات بل احتل الفراش بأكمله.
هزه زياد بخفة
— واد يا قُصي.. اتعدل
غمغم قصي بهذيان وهو يهز مؤخرته لزياد
— اديك في الكزلك سيف2
لم يسمع زياد إلا آخر كلمة فرد بعفوية
–سيف زمانه نايم دلوقت1
عاد قصي لهذيانه
–اديك على قد الكيف1
تنهد زياد بنفاذ صبر ثم عدله رغمـًا عنه لينام بجانبه، تحرك قصي قليلًا فوقع على الأرض.. انفجر زياد ضاحكـًا عليه حتى أدمعت عينيه، بينما قصي نهض وهو يحك شعره بنعاس ويقول
— هي الجوافة بتطلع في الصيف ولا في الحر ؟1
كان زياد ما زال مستغرقـًا في الضحك ليهتف
— طب والله أنت تستاهل اللي أبوك كان هيعمله فيك
صعد قصي على الفراش ثم اقترب من زياد ووضع يده على صدره وهو يذهب في النوم
— كُنتِ فين يا نجلاء2
“نجلاء مين الله يهديك يا شيخ هتفضحنا.. ولاه اصحى يالاه”
قالها زياد وهو يحاول أن يجعل هذا الأحمق يفيق ويكفْ عن هذا الهراء، وفي نهاية الأمر استقر زياد على تلك الأريكة الصغيرة بغرفة نومه والتي لم تريح جسده في النوم إطلاقـًا.1
*******
على بروز الصباح بدأت الأصوات في الحارة الشعبية تتناغم وتنشد في تناسق وانسجام، صياح الديك مُعلنًا عن يوم جديد من أيام الله، وتغريد الطيور التي توزعت ببراعة على أغصان الشجر،
ومأمأة الخروف، وثغاء العنزة، ومواء القطة، ونباح الكلب، وخوار البقرة، وخرير الساقية… إلخ
كُل تلك الأصوات نشهدها ونسمعها جميعـًا خاصة في المناطق الريفية أو الشعبية، جو من الألفة والبهجة يرتسم على وجوه الصغار وهم يصرخون ويلعبون الكُرة، والفتيات ذات الضفائر يلعبن بالدُمى، والرجال والنساء يشرعون في أعمالهم بعد تناولهم للفطور الشعبي “الفول والطعمية”4
أول من استيقظت في العائلة هي ذات الشعر الأحمر، تلك الوردة الرقيقة هاجر، استيقظت والبسمة تعلو شفتاها، فاليوم ستُكتب على اسم حبيبها والشخص الوحيد الذي طلبته من ربها في سجودها..2
دلفت هاجر للمطبخ وبدأت في إعداد الفطور للأسرة ولسانها يتعطر بذكر الله.
لم ينم زياد جيدًا بسبب شيئين الأول هو سعادته البالغة بأن دعاءه سيتحقق والثاني بسبب تلك الأريكة التي ألمت عموده الفقري من حدتها.
فتح بدر عينيه ونظر لتلك النائمة على ذراعهه بعمق، سحب يده من تحتها بحذر.. ثم دلف للمطبخ ليعدّ لها الفطور.
أعد البيض المسلوق والجُبن واللبن وشرائح من الخيار والخس والخبز، ثم غطاه ووضعه بجانبها وكتب لها ورقة وضعها تحت كوب اللبن، بعد أن ضبط المنبه على الإستيقاظ بعد عشرون دقيقة، يكون هو قد تحمم وبدل ملابسه ليذهب للمكان المُراد.
***
انتهت هاجر من إعداد الفطور ووضعته على المنضدة بالصالة ثم ذهبت لتوقظ سيف ووالدتها.
كانت والدتها قد استيقظت واتجهت للمرحاض، فدخلت هاجر لغرفة سيف بعد أن طرقت الباب عدة مرات تستأذنه في الدخول، أتاها صوته يخبره بأن تدخل.
كان مُسندًا ظهره على الوسادة وراءه ويعبث بهاتفه.1
قبلته هاجر من جبينه ثم تساءلت مبتسمة
–صباح الخير.. صاحي من إمتى ؟
بادلها الابتسامة قائلًا
— صباح النور يا عروستنا.. من نص ساعة..1
ساعدته على الجلوس بكرسيه المتحرك وغسلت له وجهها وشعره ثم مشطت شعره وهي تقول بمرح
— تعرف يا سيف.. أنا عندي أمل في ربنا كبير إنك هتخف2
أومأ بابتسامة باهتة1
— إن شاء الله
توجهت به أمام منضدة الطعام وجلست والدتهم و بدأوا طعامهم بالبسملة كالعادة.
وبعد أن انتهوا من طعامهم، بعد ساعة تقريبـًا جاءتها شهد وملك ونورا واثنين من أصدقاءها الفتيات المقربين لها، استعملوا الدُف وبعض أناشيد الأفراح الإسلامية في إقامة البهجة بغرفتها.. ظلوا الفتيات يتراقصون ويمرحون إلا نورا التي جلست على المقعد تصفق بابتسامة مزيفة.2
***
خرج بدر متوجهـًا لمتجر الملابس الخاص بالنساء.. وقع بصره على فستانا أبيض اللون به بعض النقوش الذهبيه من الأكتاف.. رقيقـًا للغاية تخيله على عائشة فابتسم بخفة وأحضره لها، وبالطبع لم ينسى أن يشترى لوالدته عباءة تليق بها.. واشترى لهاجر فستانا جميلًا لم يقل رقة عن فستان عائشة.
توجه لمتجر الملابس الرجالية، وأشترى قميصـًا وبنطالًا وحذاءًا لسيف يليق بخُضرة عينيه و وسامته المُفرطة.. وللأسف لم يتبقى معه نقودًا ليشتري له ملابس، ولكن مجرد أن يتخيل أسرته سعيدة هذا كفيل بأن يجعل قلبه في غبطة طوال اليوم.5
أما بالنسبة لزيـاد فهو لم ينسى أن يُصمم أجمل فستان على الإطلاق يليق برقة هاجر، بجانب الخاتم الذي صممه لها أوصى أفضل المصممين في محافظته أن يصمموا فستانـًا رقيق أبيض اللون يُشبه فستان الأميرات.1
ارتدى زياد ملابس الخروج ليذهب ويستلم الفستان، وتعلق قصي بذراعه كالأطفال خوفـًا من أن يراه والده ويضربه، فأخذه زياد معه.. ويشهد التاريخ أن قصي كان مؤدبـًا جدًا ولم يفعل أي مصائب سوى مصيبة واحدة.. انتظر لحين دخول زياد للمتجر واستلام الفستان.. ثم نزل من السيارة.1
واتجه نحو الفتاة التي كان يصوب عينيه عليها منذ أن توقف زياد بالسيارة.
وقف قصي أمامها ثم ابتسم ابتسامة صفراء، فتأملته الفتاة بتعجب.. قال لها وهو يعدل ياقة قميصه كأن واحد من كبار الدول
–معاكِ قُصي.. الشاب الوسيم الذي حير ملايين النساء2
لحظات وانتبهت حواسه لإقبال رجل ضخم عليهم والذي اتضح أنه خطيب الفتاة.1
ابتلع قصي ريقه وغمغم وهو يستدير ليهرب
–يارب أنا غلبان يا…
قطع كلامه قبضة الرجل القوية التي أمسكته من رقبته.. كاد أن يبكي وهو يحاول الفرار، فخطرت بباله فكرة وهي أن يتصنع أنه ضرير.. فبدأ يتحسس بيده أكتاف الرجل
” نجلاء فين.. نجلاء أختي كانت واقفه هنا.. نجلاء متسبنيش “1
هتف الرجل بغضب
— أنت بتستعبط يالاه !!!
“لا بستهبل ههه”1
كاد أن يتلقى ضربة قوية تلقي بحتفه ولكن جاء زياد وأنقذ الموقف، ولولا أن الرجل تعرف على زياد فقد كان المحامي لشقيقته يومًا ما، لكان قصي في تعداد الموتى الآن.1
سحبه زياد من يده كالمجرمين وألقى به في السيارة قائلًا بغضب
–أبقى تُف في وشي لو خدتك معايا في مكان تاني.. يا عيل
تمتم قصي ببراءة
” تنستر ”
عاد زياد لبيته.. وبدأت جميع العائلة في الإستعداد لكتب الكتاب وتعالت أصوات المرح والزغاريط من بيت هاجر، فقد جاء خالاتها وعائلة والدتها وبدأو يعدون أنواع الأطعمة الشهية والمختلفة للعشاء.
كانت عائشة قد استيقظت وبدأت في تناول الفطور بتذمر وعدم رضـّا، فهي لا تحب تلك الأطعمة الصحية، بل تفضل أكل “الإندومي” بشراهة حتى إذا تم فتح بطنها سيجدون مصنعـًا من الإندومي بالداخل.3
مطت شفتيها بـإمتعاض وهي تأخذ كوب اللبن
— عاملي لبن !! فاكرني بسنن1
ولكنها كانت جائعة؛ لذا أكلت الطعام وشربت اللبن رغمـًا عنها.3
انتبهت لوجود تلك الورقة.. فتحتها لتجده كَتَبَ
“صباح الجمال يا جميلتي.. أفطري وخدي دُش عشان جايبلك حاجة حلوة”3
تحولت ملامحها للبشاشة وأشرق وجهها وعلى الفور نهضت لتأخذ حمامًا باردًا ينعش رأسها.1
بعد أن تحممت عائشة وقفت أمام المرآة تمشط شعرها وفي ذلك الوقت جاء بدر.. تسحب للداخل بحذر و ببطء.. فوجدها تُغني أحد الأغاني الشعبية المبتذلة بصوتها النشاز المزعج وهي تجمع شعرها الثقيل كله على جنبا واحدا وتمشطه..
وضع بدر الأغراض من يده واستند بكوعه على الباب ليقف يتأملها بتيه وشغف وعشق، لقد أذهبت عقله وشغفته حُبـًا و ولعـًا، كان ينظر إليها كما لو أنها تحفة فنية أثرية تسلب أنظار من رأوها من شدة جمالها.
هل حدث ونظر إليك شخص بطريقة وكأنه ينتزع بها قلبك إليه كما ينظر بـدر لعائشة ؟5
انتبهت عائشة لوجوده فالتفتت له بدهشة
— أنت معايا في الاوضه من إمتى ؟
” أنا معاكِ دايمـًا “1
وقع بصرها على الحقائب الموضوعة بجانبه، فهرولت لتتفحصها غير آبه لكاحلها الذي يؤلمها كلما ضغطت عليه.1
ارتكزت على ركبتيه وهي تفحص الأكياس بلهفة، أعطى بدر لها حقيبة من الهدايا كان قد أخفاها خلف الباب.
سحبها من يديها برفق ليوقفها قائلًا
— دول حاجة أمي وأخواتي
أنطفئ وجهها و أومأت بحزن، فأردف وهو يظهر لها حقيبتها
” ودي للي مغلباني ومطلعة عيني.. اتفضلي هديتك يا عائش “
أخذتها على الفور واخرجت الفستان منها.. اتسعت عيناها بإنبهار هاتفة
— الله.. ده جميل أوي.. أنت اللي اختارته ؟
أومأ بحُب، فـإندفعت بتلقائية وتعلقت برقبته كالصغار تعانقه
— زوقك حلو أوي.. شكرا يا بدر شكرا..2
ابتعدت عنه وأخذت الفستان لترتديه وتراه على نفسها.. أما هو فكان في عالم آخر كأن سعادة البشر تجمعت في قلبه حين رآها سعيدة هكذا.
ارتدت عائشة الفستان ونادت بدر ليراه..
ابتسم بعفوية وصدقت مخيلته حين صور له ذهنه أن هذا الفستان قد صُمم خصيصًا لها.
ظلت عائشة تدور بالفستان وهو يدور معها كـأميرات ديزني وصوت ضحكاتها تملأ الغرفة، بينما بدر ظل يراقبها وقلبه يتراقص من السعادة.1
لم تضع عائشة أي مساحيق تجميل في وجهها سوا مرطب للبشرة وأحمر الشفاه الخفيف جدًا، كان ذلك قرارها، فالفستان رقيق ويحتاج لملامح ووجه طفولي رقيق يليق به.
لأول مرة تضع يدها في يد بدر برضـّا وسعادة، ليس ذلك لأنه أهداه شيء بل لاهتمامه بها وشعور الفتاة بالاهتمام من أقرب شخص لها يجعلها في قمة سعادتها.3
ذهبت عائشة برفقة بدر لبيتهم، نظر لها الجميع بإنبهار وأبدوا اعجابهم الشديد بالفستان وبملامح عائشة الجميلة.
قبْل بدر يد والدته وأعطاها عباءتها فابتسمت ودعت له، وكذلك هاجر الذي أعجبها فستانها كثيرًا.. أما سيف فقد دلف بدر لغرفته وجلس يتحدث معه قليلًا حتى استطاع أن يجعله يضحك ويخرج من دائرة حزنه قليلًا، ثم أخذه بدر ليُحممه وهو يدير عينيه عن عورته وبعد ذلك ألبسه الملابس التي اشتراها له.. فأبدى سيف اعجابه بها و بذوق بدر الرفيع.
جاء زياد أمام بيت هاجر واستدعى بدر ثم أعطاه الفستان ليعطيه لشقيقته.
أخذته هاجر وما إن أخرجته من حقيبته شهق الجميع بإنبهـار شديد من جمال وأناقة الفستان.
ساعدتها الفتيات على إرتداءه وهي تبتسم لنفسها في المرآة وتشكر حبيبها كل ثانية على تلك الفرحة العارمة التي لم تكن في الحسبان..حبيبها الأول والأبدي هو الله عز وجل، برغم عشقها لزياد، إلا أن حُبها لله رقم واحد في حياتها.
“إذا حل لُطف الله انقلبت النقم نعمًا، وتحولت المحن مِنحًا، وصار العُسر يسرًا”2
***
لم يكن كتب الكتاب في المسجد نظرًا لقرار الدولة بعدم التجمعات للحد من الإصابات بكورونا؛ لذا اتفقوا على أن يتم في باحة منزل مُصطفى الواسعة والمزينة بالورود ذات الروائح الجميلة.
الجميع سعداء إلا شخصين.. قصي وسيف.2
لم يكن قُصي على علم بما حدث لتوأمه ورفيق طفولته، فانهار باكيـًا وهو يعانق سيف بشدة وكذلك بكى سيف.1
برغم كل ما يفعله قصي إلا أنه شخصية حساسة جدًا، يمكن أن يبكى لأتفه الأشياء، ولكن أن يرى شقيقه ورفيقه سيف بتلك الحالة المأسوية فهذا بحد ذاته كفيل بأن يحطم فؤاده.1
ظلوا يتعانقان لبضع دقائق وهما يبكيان كالأطفال، رآهم بدر واستطاع بعد فترة أن يهدأهما حتى لا يصيبان الجميع بحالة غم هما في غنى عنها.1
اجتمع كلهم في باحة المنزل، كانت هاجر تتخفى خلف بدر وهي تمسك يده بتوتر شديد وخجل جعل خداها أحمر كالورد.
بينما زياد كان يختلس عليها النظرات من حين لآخر ويبتسم في صمت.
امسك بدر هاجر من يد وعائشة في اليد الأخرى، وبعد أن جاء المأذون..
جلس بدر على يمينه ووالد زياد على يساره، حيث يبدأ المأذون بالصلاة والسلام على رسول الله وبعد ذلك يطلب من الحضور قراءة سورة الفاتحة.. يبدأ بعد ذلك في سرد بعض الآيات القرآنية عن الزواج بالإضافة لبعض الأحاديث النبوية التي توضح أهمية الزواج وقيمته.
ثم طلب من بدر أن يقول
” إني استخرت الله العظيم وزوجتك موكلتي وشقيقتي “هاجر” على كتاب الله وعلى سنة رسول الله. وعلى الصداق المسمى بيننا عاجله وآجله والحضور شهود على ذلك والله خير الشاهدين.
وكذلك رد زياد بلهفة بدت في صوته أُعجب لها الجميع
“إني استخرت الله العظيم وقبلت زواج موكلتك”هاجر” على كتاب الله وسنة رسول الله. وعلى الصداق المسمى بيننا عاجله وآجله والحضور شهود على ذلك والله خير الشاهدين.4
علت أصوات الزغاريط واتسعت ابتسامة زياد وبرقت عينيه بالعشق كأن هاجر هي إحدى إنتصاراته في الحياة.
كان قصي جالس بجانب سيف وشهد شقيقته تجلس بجانبه.
مـال قُصيّ على أُذن شقيقته شهـد هامسـًا وهو يتطلع بإنبهـار لعيون زيـاد المصوبة تجاه هاجر وهي توقع في صحيفة كتب كتابهم، وكأنه يود أن يختطفها من العالم ويدخلها في ثنايـا قلبه.
–مالو زيـاد.. أول مرة يشوف نسوان ولا إيه؟
نهرتـه شهد وهي تقرصه من فخذه
— لِم نفسك.. زيـاد أصلًا بيحب هاجر
“بيحبـها بس ! ده عنيه متشالتش من عليها من ساعة مدخلت وكأنه مشافش نسوان قبل كده”1
قالـها قُصيّ وهو يمضغ العلكة ويتشدق بها كالراقصات، فوكزتـه شهد بخفة وهي تصطنع الإبتسامة، وغمغمت بخفوت
–الله يكسفك وطي صوتك.. بُكره لما تحب بجد يا حلو هتعرف إن الشخص اللي قلبك ماله بالدنيا كلها
بادلـها الهمس
“ده مش حُب ده.. هو في حد بيحب بالطريقة دي دلوقت.. هو بس منبهر بجمالها الرقيق وأخلاقها اللي مش موجود عند بنات كتير في الزمن ده.. أسأليني أنا.. أنا أعرف نسوان بعدد شعر راسي بس كلهم فستك.1
” فستـــــك ! “
رددتها شهد بإستنكـار ثم سحبته من يده وهي توزع الإبتسامة المزيفة على الجميع، وزجت به للخـارج متمتمة بغيظ منه
— يلا برا الله يكسفك.. إنت ملكش قاعدة معانا أقسم بالله.. أفرض حد سمعك !
وبعديم الحُب مش بالإنبهار الحُب بالخطفة الخطفة
اللي عُمرك ما هتقدر تفهم سببها الحقيقي.
“أخطـف واحدة نسوانـه يعني ولا إيه؟”2
تساءل بغباء ؛ فرمقته شهد بنفاذ صبـر هاتفة
— شوف يا أخي رغم إني أصغر منك بس بستعجب والله.. إنت ازاي مدخلتش موسوعة غينيس في الغباء !؟1
ثم تركته وعادت للحفل.. وبعد أن تم الاتفاق على حفل الزفاف بعد أسبوعين.
سحب زياد هاجر من يدها وتركوا الجميع يحتفلون مع أنفسهم، ثم دلف بها للداخل.
سحبت يدها منه برقة وعادت وجنتاها للتخضب بلون الحُمرة من فرط الخجل لتهمس
— مينفعش نسيبهم.
“أنا لو أطول أخبيكِ من العالم في قلبي والله مهتأخر”2
قالها وهو يخرج من جيبه ذلك الخاتم الرائع الذي صممه لها.
فتح العُلبة أمام عينيها المتسعة بدهشة وتعجب، ثم أخرج الخاتم وارتكز على ركبتيه كما في الأفلام الرومانسية، فضحكت برقة من فعلته هذه.
وضع زياد الخاتم في اصبعها بلُطف ثم قبْل يدها تحت نظرات الخجل منها.
قالت في محاولة منها لتخفي خجلها فقد أصبح زوجها الآن
— حلو الخاتم.. ربنا يباركلي فيك
“ايدك اللي محلياه”2
طبع قُبلة رقيقة على جبينها هامسـًا1
— متحاوليش تخفي خجلك أنا بحبه.. وبحب خدودك اللي بتشبه الورد.. يا وردتي
ابتسمت وأخفضت رأسها خجلًا، فقال مداعبـًا
— أنا بقول نخلي الفرح بكره وخلاص إيه رأيك ؟3
“هو انتوا هنا بتعملوا ايه وسايبنا لوحدنا؟
كانت ذلك نورا شقيقته التي بدت نبرة صوتها منزعجة قليلًا، فزعت هاجر لمجيئها بدون سابق إنذار، فتمسكت بذراع زياد بارتباك.. مما غضب زياد من فعلة شقيقته الجريئة دون أن تطرق الباب أو تستأذنهم في الدخول.
يُتبع ..
- لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية يناديها عائش)
روايه جميله جدا روايه ممتعه جدا رويه جامده اوييي روايه شيقه جدااا رويه Fantasticاوييي
.
٩
٤
٦
ر
ي
ت
تحفة
جميلة
عسل
خطيرة
جمدان
اى الحلاوة دي