رواية سمال الحب الفصل الخامس عشر 15 بقلم مريم محمد غريب
رواية سمال الحب الفصل الخامس عشر 15 بقلم مريم محمد غريب
رواية سمال الحب البارت الخامس عشر
رواية سمال الحب الجزء الخامس عشر
رواية سمال الحب الحلقة الخامسة عشر
#سمال_الحب
#وقبل_أن_تبصر_عيناكِ ج٢ _ الفصل ( ٥٩ ) :
_ ليتك كنت ! _
في كيسًا من القش الذي يُستخدم عادةً في تعبئة الفاكهة الخضروات، وضعت جثة “عاصم السويفي” بها بناءً على تعليمات ولي عهد عائلة “الجزار”.. “رزق الجزار” …
إنطلقوا به مجموعة من الرجال الموثوقين الأشدّاء، و ألقوا به في عقر داره، وسط ساحة الحي الذي ولد و ترعرع به، ثم ولّوا مدبرين بسرعة
و على ما يبدو أن إخوته و رجالهم لم يكونوا على علم بعد بنبأ إختطافه، ناهيك عن نبأ قتله و تنفيذ حكم القصاص فيه بأبشع الصور
كانت صدمة ماحقة، تلك التي نزلت عليهم جميعًا، حين أقبل الأخ الأوسط و كشف عن رأس أخيه المقطوع، لينتشر الخبر كالنار في الهشيم و يصل إلى مسامع الأب، فيندفع “رضوان السويفي” بين رجاله و أولاده صارخًا :
-لأاااااااااااااااااااا. عــــاصم. إبنـــــــــي. عـــــــــاصـــم لأاااااااااااااااااااااااااااااا …
كان هو الوحيد الذي بدرت عنه الصدمة بالأفعال و الإنهيار الهستيري و هو ينكب فوق جثة إبنه و يمسكه تارة و يهزّه بعنفٍ تارة، بينما البقية من حوله ساهمون، مصعوقون.. و غاضبون !
إذ رأوه، شاهدوا أخيهم و كبيرهم فوق أنه أُخذ من بينهم و ذُبح، إنما قد ألبسوه أيضًا رداء العار، ثوب حريمي لا يستر عريه البتة
كانت لطخة سوداء، وحل غرسوا فيه، لن يغسله إلا الدماء، ربما تكون دماؤهم جميعًا هذه المرة !!!!
_______________
كان هو فقط الذي تجشّم على نيل قسطًا من الراحة، بعد أن بزغ الفجر و أشهد الحي كله على أخذه بثأر أخته الصغيرة أمام أعينهم، صعد في هدوء إلى شقته و ألقى بجسمه فوق سريره موصيًا زوجته بإيقاظه قبيل الشروع بمراسم الجنازة
نام كطفلٍ و هو لا يزال مغطى بالدماء، دماء الوغد، الذئب الذي أكل أخته و نهش لحمها و عِرضها بلا رحمة، و كم كان مرتاحًا و قرير العينين ؛
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
إن كان للحظ مسمّى فهو بالتأكيد “ليلة”
لا يمكن أن يحصل عليها رجل و لا يشعر بالسعادة و العرفان، إنها امرأة لا يُكررها الزمان، حقًا، لعبت مع كل الأدوار التي هو بأمس الحاجة إليها
و آخرهم الآن، حين أيقظته مبكرًا بلطفٍ و اصطحبته من يده إلى دورة المياه، و بدأت تحممه بأمومةٍ محضة و تنظفه و تعتني به جيدًا …
بينما هي، كان هدفها الأسمى هو إنتشاله من تلك الحالة السوداوية، و إنقاذ عقله من الذكريات التصادمية التي خلّفته جرائره مؤخرًا، و بذكائها نجحت بجدارةٍ، حيث ملأت له المغطس البيضوي و أجلسته فيه و طفقت تدلك كتفيه و عنقه الطويل الصلب بأصابعها السحرية، لدرجة أنه فعليًا كاد ينسى إسمه
لولا همساتها قرب أذنه و إشعاره بأنفاسها الدافئة الحلوة …
-رزق. رزق.. إنت حبيبي. إنت نصي التاني. و جوزي. روحي. روحي إنت يا رزق.. و أعظم راجل قابلته في حياتي. خليك واثق في نفسك دايمًا. خليك قوي. إنت كبير العيلة دي. كبير الحي كله. منغيرك كل حاجة تنهار.. سامعني يا رزق ؟ إنت و بس يا حبيبي. إنت و بس !
كالمسحور بقى ينصت لكلامها مغمضًا عيناه، بينما لم تتوقف لحظة عن إلهائه و إشغال ذهنه، كانت تعلم بأنه يحتاج للدعم الشامل، و هو ما قدمته بكل ذرة من كيانها دون كللٍ و أو مللٍ …
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
-و بعدين يا عمي ؟!
إلتفت “النشار” إلى عبارة “علي” …
كان يناقش بضعة أمور مع أبناء عمومته الآخرين “إمام” و “عبد الله”، تطلع نحو “علي” قائلًا و الأرق بادٍ عليه :
-في إيه يا علي ؟
أبدى “علي” إمتعاضه :
-عمي سالم مش ناوي يطلع من الأوضة. ده بايت جوا مع سلمى من ليلة إمبارح و خلاص صلاة الضهر مافيش عليها كتير.. كده ماينفعش
ضم “إمام” صوته لصوت إبنه :
-و الله أنا كنت لسا بقول كده. و بعدها مع سالم يا إبراهيم ؟
حوّل “النشار” بصره صوب “إمام” مرةً أخرى مدمدمًا بجدية :
-أنا هاخش له !
في جهة أخرى، النساء يسندن “هانم” التي عاندت الجميع و نهضت صارخة بحرقةٍ :
– سيبوووووووونـــي. أنا عايزة بنتي. عايزة أروح أشوف بنتــــــي.. سيبووووووووووووونـــي. يا سلمــــــــــى. يا بنتـــــــي. آااااااااااااااه بشرب نارك يا ضنى أمك. يا سلمــــــــــــــــــى …
______________
أصوات الصراخ التي إنقطعت بشكل مؤقت خلال الساعات القليلة الماضية، ها هي تضج بجنابات المنزل من جديد، حتى أنها اخترقت مسامعه و هو بالطابق الأخير و بداخل غرفة نومه
كان تحت تصرف زوجته، تشرف على تلبيسه طقمًا مؤلفًا من سروال جينز غامق و قميصًا أسود مرفوع الأكمام، حتى أنها في الأخير مشطت له خصيلات شعره الحريرية و رتبته بشكلٍ جميل …
ثم كأنما كانت بانتظار اللحظة المناسبة، إرتدت خطوتين للخلف و نظرت بوجهه المتجهم مليًا، و قالت رافعة حاجبها :
-إنت إزاي تاخد لانچري من بتوعي بمنتهى البساطة كده منغير ما تقولي ؟!!
إعتلت نظرته الميتة لمعةٍ ضارية و هو يقول بهدوئه المخيف :
-إنتي إضايقتي يعني ؟ كنت فاكرك هاتنبسطي لما تشتركي في أخد تار بنت عمك !
تنهدت “ليلة” بعصبيةٍ و قالت عاقدة ذراعيها أمام صدرها :
-لو كنت أخدت رأيي و إنت بتنقي كنت إديتلك اللانچري الفوشيا أبو ترتر !!
المزاح… لم يكن في وارده حقًا بأيّ طريقة كانت
و هو الأمر الذي تعلمه، و مع ذلك حاولت، عندما لم يتبادر لديه أيّ ردة فعل، اقتربت منه مرةً أخرى و أحاطته بذراعيها هامسة :
-أنا بس عايزة أقولك إني دايمًا جمبك. عمري ما أسيبك و علطول في ضهرك. و لحد ما تمر من الأزمة دي.. أنا هفضل معاك كل لحظة
لعل هذا فقط ما كان بحاجة لسماعه منها ؛
و لأول مرة يصدر عنه تصرف نحوها، فاجأها إذ ضمها بساعِده بلحظة، عانقها بقوة و لم يتفوّه بكلمة طوال دقائق …
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
ظهوره المهيب طغى على الأجواء فورًا
الجميع إنتبه له، أثناء هبوطه الدرج و من خلفه زوجته، لبوؤته الشرسة القوية، كما لو أنها تشد عضده، تبث فيه قوة على قوته
يشقّ “رزق” طريقه داخل شقة الجدة “دلال”، أعمامه و أولادهم هناك، جميعهم يقفون أمام باب الغرفة التي ضمّت كلًا من أبيه و أخته الراحلة …
-كويس إنك جيت ! .. قالها “علي” بامتنانٍ حقيقي عند رؤيته
-إتصرف مع أبوك. مش عايز يفتح لنا
تجاوزهم “رزق” بحزمٍ و توّجه ناحية الباب، قرع عليه مرتان و هو يهتف بثباتٍ :
-أبويا.. إفتح الباب
لم يُكرر “رزق” طلبه، دقيقة بالتمام و فتح “سالم” الباب الموصد من الداخل، ظهر من ورائه و قد كان في حلّته السوداء، الجلباب العباءة الشهيرة، تحيط بعيناه دوائر سوداء، و لا يبدو عليه أيّ إتزان، لكنه لا يزال متماسكًا …
اقترب “رزق” منه و أمسك بذراعه كأنما يمدّه بالعون و قال بخفوتٍ صارم :
-الجنازة هاتطلع دلوقت
تعلّقت نظرات “سالم” المتهالكة بنظرات “رزق” المحتدة، اومأ له مستسلمًا و مسلمًا له زمام أموره كلها، فأدار “رزق” رأسه و أشار إلى “علي” معطيًا إياه الضؤ الأخضر …
تحرّك الأخير يتبعه محارم الشابة الراحلة “حمزة” و “إمام” و “عبد الله”، بقى “رزق” مع أبيه للحظة يوصيه بتمالك أعصابه و البقاء هادئًا
ثم ولج للداخل، كانوا رجال العائلة يهموا بالاقتراب من جثمان “سلمى” المكسو بالكفن الأبيض الملبّد بالدماء، لكنه جمدهم بصوته الخشن :
-محدش يلمسها !
و أقبل هو عليها، وقف عند رأسها و مد يديه كاشفًا عن وجهها الشاحب حتى البياض الماهق، شعر بإنقباضة قلبه و هو يمعن النظر و يشبع عينيه من رؤيتها للمرة الأخيرة
خديها المكتنزين المتوّردين و شفتاها، الدماء قد إنسحبت منهم تمامًا، ماتت حقًا و لم يعد بها أيّ ملمحٍ حي
عض على شفته السفلى بقوة كابحًا دموعه التي ألحت لتطفو على سطح نظراته، صاح فجأة دون أن يحيد عنها طرفة عين :
-إندهوا مرات أبويا عشان تشوف سلمى ..
كان يعلم من صراخ الأم المتواصل على الطرف الآخر بأنها لم ترها و لم تودعها حتى الآن، نفذت أوامره في الحال و ذهب “حمزة” ليحضر أمه، عاد بها يسندها
بينما يفسح لها “رزق” مجالًا، فترتمي “هانم” فوق جثمان إبنتها نائحة و باكية من عمق أحشائها، راحت تقبلها بكل ما وسعها و تحتضنها و هي تردد من بين نشيجها المحموم :
-سامحيني. سامحيني يا بنتي. أنا السبب. أنا إللي موتك و مش المرة دي. أنا موتك كتير أوووي.. سامحيني يا سلمى. أنا مش هاسيبك يا قلب أمك. أنا جايالك قريب. مش هاسيبك لوحدك يا سلمى. يا حبيبتي يا بنت عمري. عمري كله …
بصعوبة إنتزعوها من فوق إبنتها الهامدة، ليتخذ “رزق” محلها، فيدنو من أخته و يقبّل جبينها مطولًا و هو يمسّد على رأسها بحنو لآخر مرة، و تشممها بقوة لآخر مرة أيضًا
ثم غطى وجهها ثانيةً و حملها على ذراعيه برفقٍ، وضعها بالنعش و أغلق عليها بالغطاء
و قبل أن يقدم على الخطوة التالية تفاجأ بزوجة أبيه تتجه نحوه باندفاعٍ، عبس دون أن ينبس بحرف، لتذهله أكثر حين قبضت على يده و رفعتها لتطبع قبلة متضرعة على ظاهرها على مرآى من الجميع
حبس أنفاسه باللحظة التالية عندما بسطت ذراعيها حوله و عانقته، لم يصدق ما يحدث، بينما يسمعها تغمغم في أذنه :
-ياريتك كنت إبني.. ياريتك كنت إبني أنا يا رزق !
زم “رزق” شفتيه بشدة مسيطرًا على إنفعالاته بمشقّة، حتى إبتعدت عنه “هانم” أخيرًا، و أخرجها “حمزة” من الغرفة
و بالعد معًا رفع “رزق” مع بقية الرجال قواعد النعش، بينما يهتف “النشار” بصوته القوي :
-لا إله إلا الله
ردد الجميع ورائه …
-لا إله الله إلا الله
-يفنى العبد و يبقى الله
-يفنى العبد و يبقى الله
-لا إله إلا الله
-لا إله إلا الله
-يفنى العبد و يبقى الله
و ظلّوا على هذا حتى خرجوا من البيت و إنطلقت الجنازة المهيبة التي ضمت حشد لا يمكن أن يجتمع لأجل طفلة !
يتبع ….
- لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية سمال الحب)
نزليهأ واتباد
الروايه جميله