رواية لأجلها الفصل الرابع 4 بقلم أمل نصر
رواية لأجلها الفصل الرابع 4 بقلم أمل نصر
رواية لأجلها البارت الرابع
رواية لأجلها الجزء الرابع

رواية لأجلها الحلقة الرابعة
توقف بالسيارة للتي تقله مع شقيقه من مسافة بعيدة الى حد ما من المنزل المقصود، ولكنها تمكنها من مطالعته من الخارج، ليستائل نحو شقيقه:
– باين من شكله، ان البيت قديم لكنه مأصل، دي حاجة مش محتاجة ذكاء، لكن انت متأكد انها مش ساكنة هنا؟
اجابه معاذ بهيام يتخلل نبرته:
– وه يا واد ابوي ما هي لو ساكنة هنا انا مكنتش هسيب مطرحي، انشالله حتى أبيت وسط الزرع المهم ان اشوفها وأطل عليها.
– اممم أنت هتقولي
تمتم بها حمزة شبه ساخرا ليردف بحزم:
– ماشي يا عم الحنين، لم نفسك واعرف اصلها وفصلها عشان نخلصه من الموضوع ده ونشوفه ينفع ولا لاه، وبالمرة اتأكدلي من اااا……
توقف يتابع ببعض بارتباك:
– تتأكد يعني من موضوع اللي ماشية معاها دي ان كانت امها صح ولا….
– ولا ايه؟ إنت مش مصدق يا حمزة انها امها فعلا؟
حاول إخفاء ما يشعر به، ليجيبه بجدية:
– يا سيدي مش حكاية أصدق ولا مصدقش، انا بس بقولك تلم اكبر معلومات عنهم عشان لما افتح مع امك اتكلم بقلب جامد، اتفقنا يا سيدي
– اتفقنا يا باشا.
تمتم بها معاذ بحماس ليدير الاخر محرك السيارة بعقل مشتت قائلا:
– تمام يا سيدي وربنا يعدلها
………………………….
عادتا الاثنتان من الخارج، بعد انجاز هذا الشيء الهام الذي خرجن من اجله، وجاء الان موعد المواجهة كما يبدوا من هيئة هذا المتجهم الذي وجدنه جالسًا داخل الشقة التي تسكن بها مزيونة وابنتها، في لفتة نادرة لا تحدث الا نادرا، فالمعتاد انه لا يلتقي بهما الا في الضرورة وفي ذاك الجزء الفاصل ما بين شقة مزيونة والطابق الثاني الذي يسكن به مع اسرته وصفا زوجته، لكن ان يكون هنا الان وبتلك الوضعية، حيث كان واضعًا قدمًا فوق الأخرى، يدخن بشراهة جعلت المنزل يبدو كمدخنة، يستقبلهما رافعًا حاجبًا بشر:
– حمد على السلامة، يارب تكونو انبسطوا في مشواركم.
– اممم
زامت بها مزيونة تحرك رأسها بتفهم، وقد تيقنت الان ان المعركة قد بدأت باكرا بفضل صفا التي لا تقصر ابدا في شحنه سريعًا ضدهما.
لم تتأثر او تهتز برؤيته فهي تستعد لذلك منذ فترة اليوم طويلة وليس اليوم، عكس ابنتها، والتي تجلى الخوف في نبرتها:
– الله يسلمك يا بوي، امي طلعت معايا تتفجلي مع الاستاذ سيد عشان يشركني في مجموعته الجديدة قبل ما يقفل العدد وملقاش حد يديني درس الانجليزي
لهفتها في الحديث ولهاثها ايضا، يؤكدان دون جهد توترها، ولكنه مع ذلك لم يهتم وقد لفت انتباهه شيء اخر، شيء تفاجأ به رغم توقعه منذ فترة طويلة، زوجته العزيزة وقد بدلت اليوم ملابسها من الأسود للألوان ، لتكشف عن جمالها المتخفي منذ سنوات عديدة لم يعد يذكرها، وقد نضجت والتف عودها بعد الضعف الشديد والمرض الذي جعله ينفر منها قديما، لتصبح كالثمرة الطازجة، سب نفسه لأكتشافه المتأخر وعيناه تمشط منحنياتها بسفور حتى عقب ساخرًا:
– ايوة…… واللي تروح تتفق ع الدرس تغير للالوان ، دا باين الاستاذ سيد عزيز جوي.
اجفلها حقا بوقاحته حتى برقت عينيها نحوه بغضب شديد، لتأمر ابنتها:
– روحي ادخلي جوا يا ليلى، وسيبني اتكلم مع ابوكي.
سمعت منها ولكنها لم تتحرك، لتطالعها باستجداء، ورغبة في عدم تركها وحدها معه، لتضطرها ان تعيد عليها بحزم:
– جولتلك خوشي جوا يا ليلى، انتي مبتسمعيش الكلام؟
تدخل عرفان هو الاخر متهكمًا:
– اسمعي الكلام يا بت، دا انتي مش سايبة امك مع حد غريب حتى، ولا أنتي كمان نسيتي انها مرتي؟
تضاعف الحنق داخلها، لتجبر ابنتها على التحرك وهي تدفعها بخفه حتى سارت بخطوات ثقيلة إلى أن وصلت الى غرفتها لتلتصق بالباب وتتصنت لحديثهما بترقب.
اما عن مزيونة، وفور أن اختلت الأجواء بينها وبينه، خرج صوتها بانتقاد نحوه:
– ياريت تخلي بالك من كلامك، عشان البت صغيرة متفهمش في تلميحاتك الماسخة.
ضحك بهفة لينهض مقابلا لها يعقب على قولها:
– تلميحاتي انا ماسخة، ومسخرتك وانتي بتطلعي تجابلي رجالة غريبة، باللبس الملون يا غندورة، اللي ماعملتيها لجوزك الغلبان.
زجرته بعيناها تحذره:
– للمرة التانية هجولك انتبه لكلامك، انا بت الأحرار، وسمعتي تاج على راسي، انت ايه اللي جابك بيتي اصلا؟
ضحك بخفة ليقترب ويده امتدت لتلامس انامله وجنتها مرددًا:
– جابني الهوا يا مزيونة.
أبعدت اصابعه عنه بازدراء وارتدت للخلف تبتعد عنه، لتثير به التسلية:
– تصدجي بالله انت كنت جاي ومستحلفلك، بقالي ساعة مستنيكي بعبي وبفضي في صدري منك، لكن سبحان الله بعد ما شوفتك، وحتي وانا دمي محروق منك، اعصابي بردت، ويدي اللي كانت بتاكلني لضربك كفين اعدلك بيهم، دلوك بتوزني على حاجات تانية….
هم ان يقترب ولكنها تراجعت مرة اخرى لتهدر به:
– أوقف مكانك واياك تقرب خطوة تانية.
صيحتها الهادرة جعلته يستفيق من نشوته، فيتذكر غضبه منها:
– حلو……..، كويس جوي انك فكرتيني للسبب الأساسي لمجيتي، الهلفطة اللي سمعتها من صفا تشيليها خالص من مخك، عشان انا راجل مبرجعش في كلمتي، البت هيجي عريسها النهاردة ومش بعيد نقرأ فاتحة، هندسي نفسك كدة وفطمي البت من الهبل اللي عششتيه ف مخها عن التعليم والكلام الفاضي، تروح بيت جوزها عايزها تكمل هو حر، انما غير كدة انسي.
– وان جولتلك مش هيتم وبلاها منه احسن.
قابل لهجة التحدي خاصتها بمزيد من العنجهية والاستخفاف:
– دا على اساس اني بتهدد يعني، مش بجولك اعصابي بردت يا مزيونة، ومليش غاية اتعصب عليكي، كانه يوم سعدك، اهدي واعرفي مصلحتك فين؟ ونيمي البت بدري عشان انا ناويت اخليها معاكي الليلة دخلة جديدة، دا كمان أمر ومفيش منه رجوع .
لم يلقى منها ردًا هذه المرة سوى ابتسامة غامضة وغير مفهومة، ليسحب نفسه ويتحرك بزهو انتصاره المزيف، حتى إذا خرج من عندها غمغمت هي في اثره:
– نجوم السما اقربلك.
…………………………….
اما عنه، وبعد أن خرج من عندها مشتتًا، حتى كاد أن يخطأ وجهته في الصعود إلى الطابق الاخر، ذهنه مشغول بها، وعقله يستعيد ذكرياته القديمة معها، اول امرأة دخلت حياته كرجل وعاشرها، كانت صغيرة في عمر الثالثة عشر وهو في الخامسة والعشرين، اختارها وتعلق يها منذ اول مرة وقعت عينيه عليها، لقد كانت بهية وساحرة تلحقها العيون أينما حطت قدميها، يذكر انه اجبر والده لدفع اكبر مهر في البلدة حتى يتمكن من اقناع والدها للموافقة على تزويجها إليه، كانت كالتفاحة الطازجة، شهية ولا يشبع منها ابدا، حتى حملت بابنتها وتبدل حالها ، جسدها الصغير لم يكن مستعدا ابدا لحمل اطفال، فضعفت وهزلت حتى جاءت القاسمة بولادة متعسرة نزفت على أثرها حتى كادت ان تموت مع الطفلة، لولا نجدتها بصعوبة من قبل الأطباء الذين اقروا بعد ذلك أن حملها مرة أخرى هو شهادة الموت لها،
ولكنه لم يستمع واعتبره محض هذيان ليس أكثر، ليمارس دوره الطبيعي كزوج دون اكتراث برفضها ومرضها حتى حملت بطفل ثاني ولكنها أسقطت من اول شهر واصابها النزيف مرة اخرى، وبصورة جعلتها تمكث في المشفى لأيام عدة، فأصابها المرض بعد ذلك حتى زاد من ضعفها وهزلها، لتصبح كالجثة المتحركة، وما كان يجعلها متعلقة بالحياة هو ابنتها وفقط، حتى مل هو وضجر رغم صبره عليها اكثر من سنة
هو ليس راهبا لأن يعيش بدون نساء، أو مع امرأة مريضة ان لمسها عانت بعدها لأيام، حتى ينفضح امره امام الجميع رغم علمهم بحقه بها كزوجة من واجبها ان تلبي رغباته….
عند خاطره الاخير فاق من شروده على رؤية من حلت مكانها، صفا ابنة خالته والتي كانت مقدرة له منذ مولدها، ولكنه فضل مزيونة الجميلة عليها، قبل أن يعود اليها مضطرا، لحاجته الشديدة لامرأة تلبي احتياجاته وتلد له الأطفال، خصوصا الاولاد ، بعد أن صار الانجاب من مزيونة أمر شبه مستحيل.
– عملت معاها ايه؟ اوعى تكون ضربتها؟
قالتها متصنعة الجزع في نبرتها، حتى كادت ان تضحكه لعلمه بأن ضربه لمزيونة وابنتها هو أجمل الاماني لها، وللأسف مضطر ان يحبط املها:
– لا يا صفا طمني قلبك، مضربتهاش عشان مليش مزاج ، كفاية بس اني امرتها وهي عارفة انها متقدرش تطلع عن طوعي.
قالت بملامح ارتسم عليها الاستنتكار، رغم تصنعها غير ذلك:
– ااه، وعلى كدة معرفتش راحت فين وهي ساحبة بتها معاها.
رد ببرود كاد أن يجلطها وقدميه تتخذ طريقها إلى داخل المنزل:
– راحت مطرح ما راحت عاد، جهزي انتي بس القعدة من دلوك للضيوف مش عايز حاجة ناقصة لو طلبت وعشينا نسايبنا .
– نسايبنا!
غمغمت بها من خلفه بغيظ يفتك بها، لا تصدق ان الامر سوف يسير بهذه السهولة، أيعقل ان تكون استسلمت ولن تعارضه، اللعنة ان قبلت ايضا بذاك الأمر الاخر بأن يأخذ حقه بها كزوجة، سوف تكون هي الخاسرة وقتها، بعدما عادت مزيونة لعهدها الأول.
………………………
دلف لغرفته يرتمي على فراشه بمرح يغمره، لقد اخذ الموافقة من شقيقه، والذي تحمس اليوم بعدما رأى ليلى الجميلة ووالدتها الصغيرة هي الأخرى، كان اللقاء بهما كارثي وكاد ان يفقده الأمل في الارتباط بها، ولكنه الأن اكتفى بالوعد الذي أخذه من شقيقه بعد ذلك
عليه فقط ان يعرف مكان منزلها بالضبط، لقد عرف من احد اصدقاءه اليوم بمحل عمل ابيها، مزرعة الفواكة التي يمتلكها بمشاركة مع احد الرجال.
يتبقى فقط المنزل وهو ما سيذهب إليه اليوم بمرافقة زميله
– ااااه
تأوه بصوت مسموع يردف بلوعة:
– امتى تيجي العشية واعرف بيتك يا ليلى، يارب أتمكن من شوفتك، يارب تيجي بدري من سفريتك يا حمزة وتخلصلي الموضوع ده، انا عارف انك متغلبش
……… ………..
مساءًا وقد اقتربت اللحظات الحاسمة
كان القلق والترقب هما سيدان الموقف في منزل مزيونة وابنتها، بعد أن أرسل لهما عرفان قبل قليل ابنه ناصر، يأمرهما بالصعود إليه حتى ان أتى العريس المنتظر واسرته، تتم الجلسة في الطابق الأعلى، مقر سكنه الدائم مع صفا وأولاده.
بالطبع مزيونة لم تنفذ، لا هي ولا ابنتها التي تقف خلف باب الشقة الان على اعصابها، تراقب الحركة في المدخل وقدميها لا تكف عن. الاهتزاز بصورة ازعجت والدتها التي تتحلى بالبأس من أجلها، تسيطر على ارتعاش أطرافها بصعوبة حتى لا ينتقل التوتر اليها وهي لا ينقصها:
– ابويا بجالو لحضة طويلة بعتلنا، انا خايفة ينزل دلوك ويسحبني من شعري
– ردت عليها بسأم:
– اطمني مش هيسحبك غير لما ياجي العريس
جمدت ليلى وانسحبت الدماء من بشرتها ، تطالعها بفزع جعل مزيونة تسارع للتصحيح ملطفة:
– يا بت بهزر مجصديش، بلاش الخوف ده اجمدي بقى .
بتعب أوشك ان يوقعها تحاملت ليلى تترك محلها خلف الباب وتحركت حتى جلست على اقرب مقعد وجدته امامها لتسقط بثقلها عليه، مرددة:
– اجمد ازاي بس وابويا في اي لحظة متوقع يبقى فوق رأسي وراسك، لو عريس الهنا ده طب الأول قبل الجماعة ما يوصولوا، انتي متصلتيش ليه تستعجليهم؟
زفرت مزيونة بسأم تجيبها للمرة الالف؛
– عشان مينفعش ازن واوجع مخهم، دي مش عيال صغيرة بيروحو ويجوا في كلامهم، دي ناس كبيرة وكلمتها بالف حساب، اهدي انتي بس وكل حاجة هتم زي ما احنا عايزين، اهدي.
– اومأت تحرك رأسها بنعم، ولكنها شردت بعدها في نفس اللحظة، تخشى غضب ابيها، وتأخر من تنتظرهم بحق.
– بت يا ليلى.
انتفضت بفزع فور أن سمعت النداء بأسمها من قبل ابيها الذي تعرف صوته جيدا، قبل أن يجفلها بحضوره داخل المنزل حينما دفع الباب الخارجي كي يلج اليهم، فوفعت عينيه عليها يقيمها سريعا ببصره ليردف صائحا:
– لساكي ببجامة البيت وانا بعتلك بجالي ساعة انتي وامك الغندورة
– تلجلجت أمامه بخوف:
– يابا ما هو ما هو .
– ما هو ايه يا بت الكل……… اخلص ياللا اتحركي.
ركضت على أثر صيحته الأخيرة ، تختفي من امامه داخل غرفتها تنفيذا لتعليمات والدتها التي نبهت عليها سابقا بذلك كخطة بديلة رغم اعتراضها، قلبها يضرب بجنباتها بقوة، يوشك على الخروج من صدرها، وهي تراقب الموقف من محلها،
اما عن مزيونة فقد ظلت على سكوتها المريب دون أدنى اعتراض، لينتهز عرفان الفرصة باعتقاد منه ان الامر بين يديه وسيتم ما يريده، ليزيد من قربه هامسًا بغزل مبطن:
– كويس انك جلعتي الألوان ورجعتي للعباية السودة، بصراحة اخاف تطلعي مع بتك، العريس وابوه يتلخبطوا بينك وبينها، وأن كان على لبس الألوان
توقف يمسخ على طرفي شاربه يردف بتنهيدة ساخنة:
– ليكي عليا اجيبلك كل الألوان، الشفتشي والناعم وكل اللي اتحرمنا منه السنين اللي فاتت، اه لو تعرفي انا مشتاقلك كيف؟……. نخلص بس من البت دي ونعيش شهر عسل من جديد، ونعيد اللي فات منينا،
سكوتها المستمر كان يحفزه على المواصلة، بظن منه ان تبادله نفس الشعور:
– اتلم عليكي بس يا مزيونة، وهتلاقيني لزقت ف البيت ومش طالع واصل.
ختم بضحكة متحشرجة اثارت قرفها منه، ولكنها تماسكت تخفي انفاعلاتها، حتى أتى الفرج على حين غفلة، بطرقة خفيفة على باب المنزل وصوت يصدح بالنداء :
– عرفان يا اشقر، انت فين يا ولد؟
انتفض المذكور يهرول نحو باب المنزل كي يستقبل صاحب الصوت الوقور، رغم استغرابه لحضوره:
– عم الشيخ خميس، دا ايه الزيارة ال…….. المفاجأة دي
تقطعت الكلمات منه حينما انتبه للرجلين الآخرين المرافقين له، ليضطر ان يرحب بهما ايضا، ولكن بتوجس:
– يا مرحب بالاستاذ نعيم، منور يا عم جاد .
دلف الرجال بصحبته لتتلقفهم مزيونة بلهفتها:
– عم الشيخ خميس.
ربت الرجل العجوز على يدها بخفة ليضمها بين كفيه حتى جلس وأجلسها بجواره، امام عرفان الذي تسربت داخله الريبة، وهو يتابعهم.
ليبادره العم جاد الحديث بمراوغة:
– شكلنا فاجأناك بحضورنا، لا تكون كنت مستني حد غيرنا .
ارتفع حاجبه باستدرك ، ليجيبه مرددا:
– كنت! لا مكنتش، انا فعلا مستني ضيوف مهمين، بس انتو كمان مفيش أغلى منكم، مع اني مستغرب شوية
مجيتكم المفاجئة يعني؟
ليس غريبا عليه الجلافة في الرد رغم ادعائه غير ذلك، لتسارع مزيونة في التصليح:
– البيت بيتك يا شيخ خميس، انت والأستاذ نعيم وعم جاد، زيارتكم انتو الأهم فعلا .
قالتها بمغزى نحوه ضاعف من شكوكه، ليأكده المتر نعيم بقوله:
– اسفين على الزيارة لو جات في وقت مش مناسب، على العموم احنا مش هنطول عليك، هما كلمتين وهنلم نفسها ونقوم
– كلمتين ايه؟
جاءه الرد من الشيخ خميس:
– كلمتين تقدر تعتبرهم نصيحة في البداية كدة قبل أي شيء، احنا جايين نفكرك بالعهد اللي اتاخد زمان على ايدنا احنا التلاتة وكان ساعتها معانا ناس ورحلو من ضمنهم الحج شريف الحر، والد مزيونة واخوها اللي برا البلد دلوك في شغله، افتكرتهم ولا تحب نعيد عليهم من تاني؟ انا راجل كبرت صح، لكن عقلي مازال بخيره
تغضنت ملامحه بغضب وقد بدأ عقله يفطن لمغزى الزيارة، ليظل على صمته، يتابع الرجل العجوز وهو يردف:
– خالفت ليه الشروط يا عرفان؟ مش احنا متفقين انك هتعلم البت، ولا انت هتخالف كمان وصية الراجل اللي حطها في رقبتك امانة قبل ما يموت .
– ااااه
صدرت من حلقه كزمجرة، يركز ابصاره نحو زوجته التي تطالعه بتحدي يزيد من حنقه:
– يعني انتوا ملمومين بصلاة النبي جايين تفكروني بكلام عدى وفات عليه سنين، لا وفي ايه؟ في وقت ما انا مستني نسايبي اللي هيقروا معايا فاتحة البت على اساس اني راجل هفية، هتبعكم واكسر كلمتي مع الرجالة، مش عيب برضو ناس كبيرة وعليها القيمة زيكم يمشوا ورا مرة عقلها ناقص زي دي؟
– انا عقلي يوزن مية من عقلك
صدرت منها كرد على كلماته لينتفض من محله صائحًا بها:
– لمي نفسك يا بت، انا لسة حسابي مجاش معاكي اصلا، راحة للرجالة الغريبة تلميهم عليا عشان يكسروا، دا انا اكسرك انتي قبليها وماليكي عندي ديه.
تدخل العم جاد بحدة يوقفه:
– صلي على النبي في قلبك يا عم عرفان وبلاش الافترا ، مرتك احنا مش اغراب عنها، ولا عنك انت كمان، هي عملت بالاصول واحنا مبنعملش اكتر منها، جاين نفكرك بالشروط القديمة وانت حر، وهي كمان حرة تشوف مصلحتها ومصلحة بتها فين؟
– بت ميييين؟
صدرت من عرفان بقوة وعيناه ذهبت نحو ابنته التي وقفت بالقرب تتطلع إلى ما يحدث بصمت ليشدد في توجيه الحديث نحوها ونحو الجميع:
– عشان نبقى واضحين، الكلام في القديم عليه الرديم ، وبتي انا ابوها وعارف مصلحتها زين، يعني لمتكم دي من غير زعل ولا كسوف ملهاش لازمة..
– يبقى انت كدة جيبت آخرها وبرضك مفيش كسوف.
صاحت بها مزيونة امامه بقوة تسبق المتر نعيم الذي ايد ردها:
– واحنا على استعداد لكل الاجراءات
قالها الرجل لتبدأ حرب الكلمات بين عرفان المصمم على الفتك بها وبابنتها وبين الثلاث الرجال الذين تولوا اليوم مهمة الدفاع عنها.
………………………….
وفي الخارج
كان قد توقف هذا العاشق بمساعدة صديقه الذي دله على العنوان، ليمارس مهمته بنشاط في السؤال عنها وعن اسرتها، حتى يتثنى له جمع المعلومات اللازمة لتقوية موقفه مع شقيقه، امام المواجهة الحاسمة ضد والدته، ولكن بعض الأصوات التي كانت تصدر من الداخل جعلته يسترق الانتباه مع صديقه وبعض الرجال الذين التفوا معه، في تساؤول عما يحدث بالداخل حتى أوقفوا طفلا صغيرا من اهل المنزل للأستفسار منه:
– واد يا ناصر ايه اللي حاصل في البيت جوا؟
– وانتم مالكم؟
قالها الطفل بجرأة غير عابئا بفضول الرجال الذين لم يملوا المحاولة معه:
– يا ولدي احنا بنسأل احسن عايزين نعرف بس عشان نطمن، دا كمان في ضيوف دخلالكم
قال احدهم فتوجهت ابصار الجميع نحو مدخل المنزل الذي توقفت أمامه سيارة، وترجل منها رجل وامرتان، وشاب منمق الهيئة بصورة اثارت التوجس بقلب معاذ ليتدخل هو الاخر بسؤاله إلى ذاك الصغير المتمرد:
– هما الجماعة دول قرايبكم يا عسل؟
وفي إجابة أتت تزلزل الأرض من اسفله:
– لاه دا خطيب اختي، والنهاردة قراية فاتحتها……
لم تكن صدمة، بل كانت شيء اخر لا يعلم له اسمها ، جعله يشعر بتكسر قلبه إلى أشلاء متفرقة، بوجع يفوق الاحتمال يكتنفه ولأول مرة، حتى غادر دون الانتظار.
…………………………..
اما في الداخل وقد كانت المشاجرة على اشدها، حتى دلف ضيوف عرفان المنتظرين، تتلقفهم صفا المراقبة كعادتها من بعيد، لتمارس دورها في استغلال الفرص فتزيد الوضع اشتعالا، بإدخالهم وادعاء الترحيب، حتى ان سألوا عن سبب الأصوات العالية والشجار، وجهتهم بخبث نحو شقة مزيونة والجلسة الحامية داخلها.
وقد كانت تصل في هذا الوقت اشدها:
– طلجني يا عرفان، ما دمت مش عامل قيمة لكلام الناس الكبيرة وعايزة تنقض الشروط، يبجى ما بدهاش، مفيش ولا سبب واحد تاني يخليني على زمتك .
قابل عرفان انهيارها بعنجهية وتكبر:
– دا لما تشوفي حلمة ودنك، شكلك فاكرها سايبة مش انا اللي تمشي حرمة كلمتها عليا
تولى المتر نعيم الرد حازمًا، يفاجئه:
– لا يا عرفان باشا مدام وصلت لكدة يبقى انت تستاهل الخلع، اطمن احنا مشينا في الإجراءات من دلوك، لأننا كنا عارفين اللي فيها .
– خلع يا محامي الغبرة دا انا هطلع روحك النهاردة.
تمتم بها عرفان لينفض عنه الجزء الباقي من تماسكه،
فينقض عليه يمسكه من رقبته، غير مكترثا بكبر عمره، ولا حتى توقير العجوز شيخ البلدة
– حرام عليك شيل يدك عنه، دا كد ابوك
صرخت به مزيونة في محاولة لم يستجب لها، ينتوي تأدبيها فيما بعد، لكن منعه زوج ذراعان قويان تسحبه بقوة عن الرجل، ليتفاجأ بشريكه العيسوي وابنه العريس المنتظر همام….
صدمه افقدته النطق، وقد اكتست ملامحه الحرج، غير قادرا على مواجهتهم او الرد على اسئلتهم:
– ايه اللي حصل يا عم عرفانذ؟ دا المتر نعيم مفيش راجل في احترامه ف البلد
– الراجل في بيتك وبتتعرك معاه، دا كلام برضك يا شريكي؟
امام ارتباكه الملحوظ وجدت مزيونة فرصتها :
– عايز يموته عشان بلغه بالدعوة اللي رفعتها انا عليه، عشان يخلعني منه.
سمع منها واشتعلت رأسه يقاوم تكبيل الرجلين له، يريد الفتك بها:
– خلع لما يخلع ضروسك، دا انا اخلع روحك جبلها.
أوقفه الرجال بالعنوة تقدمه نحوها، ليحكما السيطرة عليه، ولتضاعف هي من حرجه اكملت:
– همام يا عيسوي، مع احترامي ليك ولابوك ولعيلتك كلها:
– انا معنديش بنات للجواز دلوك يا ولدي، بتي هتكمل تعليمها.
– لاااا دا انتي بجى اللي جبتيها لنفسك.
قالها ليتمكن هذه المرة من ابعاد الرجلين عنه، وقد نالت منهما الصدمة، لترتخي ذراعيهما ويتمكن هو من إزاحة العم جاد الذي حاول ان يتصدر له،
فلم يتبقى سوى الشيخ العجوز والمحامي الكهل هو الاخر كجدارين ضعيفين لحمايتها ، يعلم أنه قادر على دفعهما بإصبعه، حتى يصل اليها ويخنقها أمامهم ، لكن اوقفه صرخة واحدة أتت من داخل المنزل لفتت ابصار الجميع نحو صاحبتها، وهي تجري مندفعه نحو والدتها صائحة:.
– إياك تقرب من امي، والله أرمي نفسي في المشروع لو مسيت شعرة منها
ضمتها مزيونة اليها تحميها وتحتمي بها في نفس الوقت، فتزيد عليه ليلى بجرأتها:
– اسمع يا عم عيسوي انت وولدك، انا مع امي في اي كلمة تقولها، ولو ابويا مشى كلمته هيبجى غصب عني، لو تقبلها على نفسك انت وولدك عاد؟
جاء رد الرجل الفوري بإحباط تخلل نبرته، موجها نظرة قاسية نحو شريكه:
– لا يا بتي وعلى ايه؟ انا ولدي تتمناه الف واحدة غيرك ، احلى وأصغر كمان، يا للا بينا يا همام.
جر الاخير اقدامه بصعوبة، موجها ابصاره نحو عرفان الذي شعر وكأن برميل مياه باردة أسقطت عليه، بعد ان فقد احترامه ومكانته امام الجميع، مصمصت الشفاه من النساء الواقفة في مدخل الشقة بجواز زوجته الثانية صفا، والتي لم تقصر هي الأخرى، كرامته التي صارت في الأرض تحت اقدام تلك المزيونة وابنتها، وقد تحلت بالقوة اليوم من اجل ان تكسره، ولكنه لن يسمح
على صوته فجأة يلملم المتبقي منه، كي يرد اعتباره، منتقما منها:
– مزيونة يا بنت شريف الحر……. انت طالق، تلمي هدومك، وتاخدي بتك في يدك، من الليلة ملكيش بيات فيها
…………………
وقد كان
رمى عليها يمين الطلاق لتترك منزله بحقييبة ملابسها، وتأتي لتبيت ليلتها هنا داخل منزل والديها الطيني القديم، رغم اصرار الثلاث رجال من أصدقاء المرحوم والدها لأصطحابها إلى منازلهم، أو على الأقل الذهاب بها إلى منزل شقيقها الغائب هذه الليلة في عمله حتى يعود ، ولكنها رفضت ان تحمل احد مسؤوليتها، تحمد الله انها نظفته صباحًا من الاتربة، ليتثنى لها الآن النوم على حصيرة نظيفة ، كانت قد فرشتها على الأرض ومعها وسادة وغطاء يضمها مع ابنتها التي التصقت بها، تستمد الدفء منها:
-تفتكري هنقدر نكمل ياما؟ منين هنجيب حق الدروس والاكل والشرب والمدرسة، انا مصاريفي كتيرة ياما وخالي يدوب بيكفي مصاريف بناته.
زادت مزيونة من ضمها إليها، تطمئنها قائلة:
– ومين جالك اننا هنعتمد على خالك ولا غيره، احنا دلوك بقينا احرار، لو هناكلها بدقة مش هنجصر، هتتعلمي يا ليلى غصب عن الظروف وعن الكل، سمعاني يا بتي .
– سمعاكي ياما.
غمغمت بها بصوت ناعس ، لتغوص بعدها في عالم الاحلام، فتبتسم والدتها بحب، وقد نالت غرضها اخيرا بالخلاص منه ومن كل ما يخصه، ولتبدا من الغد رحلة كفاح اخرى، أقوى واشد عما سبق، ولكن تميزها الحرية ، وما أجملها من كلمة
غلبها النوم هي الأخرى حتى ايقظهم صوت طرق قوي كاد أن يخلع الباب وصياح من الخارج:
– افتحي يا مزيونة، الليلة دي هخلص عليكي ، انتي وبت الكل…… التانية
انتفضت هي وابنتها عن الفراش بجزع ، لتذهب نحو اول شيء وجدته امامه، عصا والدها الراحل ، امسكتها ليخرج صوتها بتهديد رغم ارتجافه:
– امشي وروح على بيتك يا عرفان، ما تجيبش لنفسك الكلام، انت خلاص بقيت طليقي، يا افضحك واقول بووو
ضحك بشر مغمغمًا:
– والله ضحكتيني، طب صرخي مع نفسك بقى.
قالها ليشرع بعدها في كسر الباب الخشبي، عبر الدفع بجانب الجسد الضخم عليه مرة واثنان والثالثة كان في الداخل معهما، مرددًا بفحيح:
– هااا ، وريني بقى صوتك هيوصل لحد فين عشان انا الليلة دي مش هعتقك لا انتي ولا بتك،
صرخت بأعلى صوتها فور أن انقض عليها يحاول نزع العصا منها حينما حاولت ضربه بها.
– بعد عنينا يا عرفان، انت مش طلقت وخلاص خلصنا منك .
اه يا حلوة ما انا طلقت، بس لازم اربيكم الليلادي.
قالها لتنشب بعد ذلك المعركة الغير متكافئة بينه وبينهما، يضربها وتضربه، وليلى التي كانت تحاول دفعه عن والدته تطولها يده هي الأخرى، يفاجئه القوة الجديدة من مزيونة، ورغم ذلك هو عازم على كسرها الليلة واخذ حقه منها في الحرام مادامت لم تقلل بحقه كمها في الرام في الحلال
– بعد عني يا عرفان
– ابعد عن امي حرام عليك، يا ناس اللحقونا ياناس
تلك الأصوات التي صارت تصدح في اجواء المكان الخالي إلا من محاصيل الخضروات والأشجار، في تلك الليلة الغريبة لتصل إلى ذلك الذي كان يقود السيارة عائدا من سفرته السريعة، ليفاجأ بمصدرها من داخل المنزل المهجور كما يعلم، والوحيد في هذا المنطقة.
وبدون ادنى تفكير أوقف السيارة يترجل منها مهرولا نحو المنزل المفتوح على مصراعيه، ليتفاجأ بما أشعل الدماء برأسه، تلك الجميلة التي رأها اليوم، يضربها رجل في قوة الثور وهي تقاومه بما تستطيع وابنتها تساعد
– بتمد يدك على حريم يا عديم النخوة
صدرت منه تلفت الانتباه نحوه، قبل أن يهجم بقوته، يسحب عرفان إليه، فيباغته بضربه قوية برأسه على جهته القاسية افقدته اتزانه، ليكررها عدة مرات حتى كاد أن يصيبه ارتجاج في الرأس، ليقع ارضا فاقدًا للوعي ، فصرخت ليلى :
– ابويا، ليكون مات ياما ليكون مات
شعر بالحرج والتف نحوها بأسف:
– انا اسف لو أدخلت مكنتش اعرف جوزك
– طليقجي مش جوزي.
وصلت إليه العبارة كماء مثلج رطب على قلبه، فاندفع يريد المزيد من التأكيد:
– يعني مش متجوزة حد غيره؟
– لا يا أخينا لا هو ولا غيره، دا انا ما صدجت خلصت منه اصلا.
شعور بالارتياح كاد أن يفقده صوابه، لولا استدراكه لخطورة الموقف، وهذا الأحمق الذي كان تسطح الأرض كالجثة امامهم، ليجثو بركبته اليه، يتقحص حالته، ثم ينهض سريعًا يهديء من روع الاثنتان:
– اطمنوا متقلقوش، دلوك اخده ع المستشفى نسعفه، يا ابعت لحد من عيلته يشيلوا نصيبتهم مع نفسهم.
ردت مزيونة بتحدي:
– يبجى التانية انا همليك نمرة عيال عموا ، عشان ياجو وتشهد بنفسك على اللي شوفته يا استاذ ااا
– حمزة، حمزة القناوي، بس ياريت قبل كل شيء تغطى نفسك عاد الأول، لا مؤاخذة يعني .
قال الأخيرة يبعد ابصاره عنها بصعوبة، لتتدارك هي لتفسها، بتلك العباءة النصف الكم التي كانت ترتديها وشعرها المنطلق دون حجاب او طرحة، يزين جانبي وجهها، فشهقت تهرول أمامه بخجل:.
– يا مري، انا كنت نايمة وماخدتش بالي، منك لله يا عرفان
ضحك بخفة يحاول التخفيف عنها، رغم سعادته بمشهدها الفاتن، والذي سوف يظل عالقا بذهنه إلى انتهاء عمره:
– مستورة يا بوي مستورة،
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية لأجلها)