رواية وكأنها لي الحياة (شظايا قلوب محترقة 2) الفصل الأول 1 بقلم سيلا وليد
رواية وكأنها لي الحياة (شظايا قلوب محترقة 2) الفصل الأول 1 بقلم سيلا وليد
رواية وكأنها لي الحياة (شظايا قلوب محترقة 2) البارت الأول
رواية وكأنها لي الحياة (شظايا قلوب محترقة 2) الجزء الأول

رواية وكأنها لي الحياة (شظايا قلوب محترقة 2) الحلقة الأولى
“لا إله إلَّا أنتَ سبحانك إنِّي كنت من الظالمين ”
لم أكن يومًا بطلةُ الحكاية…
كنتُ ورقةً بلا ملامح، تتقاذفها الأيادي دون اكتراث..
ورقمًا باهتًا في ملفٍّ بارد، لقيدٍ طويلٍ مااخترته، وما كنتُ يومًا حرَّةً فيه..
الآن..لا ماضٍ يُروى عنِّي، ولا حاضر ينطقُ باسمي…
لم تُزرع لي شجرة، ولم يُكتب لي تاريخ، لم يُعلَّق على عتبةِ أي بابٍ أملٌ باسمي..
عشتُ كظلٍّ يتوارى خلف الجدران،
كصوتٍ مبحوحٍ يُبتلعُ وسطَ الزحام،
كوجهٍ لا يتركُ على المرايا سوى الفراغ..
كبرتُ…
لكنهم ظلُّوا يرونني كما كنت:
ورقةٌ صامتة..
لكنَّني، قبل أن أُنهي الحكاية…
سأتركُ كلَّ شيءٍ خلفي،
كما تُتركُ الأرضُ بعد الحريق،
فقد لعنني الماضي بلا ذنب،
فلا أنا ابنةَ الحاضر…
ولا أنا من بقيَ لها مكانًا في الغد.
وإن قرأ كلماتي من كان يومًا عشيقُ روحي وزوجي،
فلا تحزن…لقد قاتلتُ كثيرًا لأبقى، لكنَّهم خذلوني، وإن مرَّ اسمي ذات يومٍ على خاطرك أن تنساه، ولا تعاقب قلبك بالحزنِ إن ذكرني..
ويا صغيري…سامحني..
فلم أترككَ لأنَّني أردت، بل لأنَّهم لم يتركوا لي خيارًا.
#ميرال الشافعي..
أولًا قبل القراءة أوَّل الفصول
فلاش باك قبل خمسِ سنوات..
أتمنَّى الجزء دا يعجبكم زي الجزء الأول..
بإحدى الأحياءِ الشعبية التي تنتمي إلى محافظةِ القاهرة، خاصَّةً بذلك المنزل، الذي يتكوَّنُ من طابقينِ يحتوي على شقَّتين، كانت شقَّةً صغيرةً تحتوي على غرفتينِ ومطبخ وحمَّام، طرقاتٍ سريعةٍ على بابِ الشقَّة ثمَّ دلفت فتاة تبلغ من العمرِ عشرينَ عامًا، تُدعى هند إلى والدتها السيدة نعيمة:
– ماما أنا جيت..
خرجت نعيمة من المطبخ وهي تحملُ مغرفةَ الطعام:
– حمد الله على السلامة، حبيبتي، غيَّري هدومك واطلعي لمروة، قولي لها تنزل تتغدَّى معانا.
– حاضر ياماما.
بعد دقائق، صعدت هند تطرقُ الباب، ففتحت الطفلةُ الصغيرة:
– أبلة هند ياماما..قالتها طفلةٌ ذات الأربعُ سنواتٍ ونصف..خرجت مروة سريعًا:
– هند، في حاجة؟
– أيوه، أبلة مروة..ماما خلَّصت الأكل وطلبت منِّي أطلع لك علشان تنزلي تتغدِّي معانا..إنتي والسفروتة الصغنَّونة دي وبتقولِّك مفيش أعذار زي كلِّ يوم..
قالتها وهي تنحني لتحملَ الصغيرة وتقبِّلها بحرارة.
انطلقت ضحكاتُ الطفلة، خاصَّةً حين دفنت وجهها في عنقها.
ربتت مروة على كتفها بلطف:
– حبيبتي، اشكري ماما، أنا عملت أكل..
شهقت هند باعتراض:
– إنتي عايزة ماما تزعل؟! لا وحياتك
ياأبلة مروة، علشان خاطري بلاش تزعَّليها، دي عاملة المحشي اللي بتحبيه..
بصِّي، أنا هاخد شمس، وإنتي غيَّري هدومك وانزلي.
قالتها هند وهي تحملُ الطفلة تتوجه بها إلى الطابقِ السفلي، ولكن تعلَّقت الصغيرةُ بملابسِ والدتها:
– ماما، أروح مع أبلة هند؟
انحنت مروة وطبعت قبلةً على وجنتيها:
– ما تتشقيش يا روحي..ماشي.
– حاضر ياماما.
مضت هند وهي تقول:
– ما تتأخَّريش علشان المحشي
مايبردش.
ظلَّت مروة تراقبُ خطواتهم حتى اختفيا من أمام ناظريها، حينها فقط سمحت لعينيها بالانفجار بصمت:
– ومين له نفس ياكل محشي، ياهند؟
دلفت إلى الداخل، تتأمَّلُ أركانَ المنزلِ الصغيرِ الذي لم يتجاوز الغرفتين وحمامًا ومطبخًا..
كأنَّها تبحثُ عن طيفٍ غائب…
لكن كيف لها أن تراهُ هنا؟.
وهو الذي لم يربطهُ بها سوى ماضٍ، دوِّنَ في القلوب…هل سيحيا بعد كلِّ تلك السنوات..وهو الذي لم يربطهُ بها سوى ماض، دوِّنَ في القلوب…هل سيحيا بعد كلِّ تلك السنوات، استندت على الباب ونزلت بجسدها خلفه، تحتجزُ دموعها خلف أهدابها، فاليومُ يومًا مميزًا لديها، يوم ميلادِ عاشقِ الروح، نهضت متَّجهةً إلى هاتفها وقامت بفتحهِ سريعًا، وبدأت تتفحَّصُ صفحةِ غادة، ولكن يبدو أنَّ هذا العام ككلِّ عالمٍ لم تظهر بها شيئًا يخصُّه، سوى من كلماتها الغامضة..
جلست على الأريكة وتنهَّدت بعدما فقدت الأمل في الوصولِ لأيِّ شيءٍ يخصُّه، بعد إغلاقهِ لكلِّ حساباتهِ الإلكترونية..
استمعت إلى خطوات هند مرَّةً أخرى، أزالت دموعها وقامت بفتحِ الباب..توقَّفت هند تتطلَّعُ إليها بحزنٍ بعدما وجدت آثار دموعها، اقتربت منها:
-اتأخرتي، ماما غرفت الأكل، علشان خاطري انزلي كلي معانا، ماما هتزعل أوي..
-هند، فاضية نخرج مشوارنا؟..
أومأت برأسها، مشوار كلِّ شهر كالعادة، طيب ليه توجعي قلبك كدا، والله إنتي بتظلمي نفسك أوي..
-مينفعشِ ياهند، حبيبتي إنتي لسة صغيرة، بكرة تكبري وتحبِّي وقتها هتعرفي حبيبك أهمِّ حاجة في حياتك، أهمِّ حاجة تشوفيه سعيد ومرتاح..
-وحضرتك شايفة كدا؟..حضرتك شايفة أنُّه سعيد ومرتاح، طيب حقِّك على نفسك فين أبلة مروة..
على العموم هحترم رأيك ومش هنتناقش في حاجة حضرتك مقتنعة بيها، انزلي نتغدَّى، وحاضر هروح معاكي تشوفي جوزك وإنتي مختفية زي الحرمية كأنِّك بتسرقي النظر له..
قالتها هند وغادرت الشقَّة، بينما ظلَّت ميرال متوقِّفة تتابع أثرَ خروجها إلى أن اختفت وهمست:
-ومستعدة أتنازل عن روحي مش سعادتي بس ياهند، حقِّي لمَّا أشوفه مرتاح..
بعد عدَّةِ ساعات، خرجت ترتدي عباءة سوداء بنقابها، وتحرَّكت بجوار هند، توقَّف أمامهما ابن عمِّ هند:
-رايحة فين ياهند؟..
تأفَّفت بضجر، ثمَّ هتفت بامتعاض:
-وبعدهالك ياأنس، هتفضل عامل زي حارس محطة القطر كدا، وسَّع كدا..
قالتها وتحرَّكت تسحبُ يد ميرال تهمسُ إليها:
-ربنا يستر وميجيش ورانا، معرفشِ راجع بدري ليه النهاردة؟..
ضحكت ميرال تهزُّ رأسها قائلة:
-الحب بهدلة..
-حب، حب إيه دا؟!..حبُّه حنش طويل يلسعه..
قهقهت ميرال بصوت مرتفع، تطبق على ذراعيها:
-اسكتي يابنتي، والله الواد جدع وزي العسل..
أشارت بيديها باعتراض:
-أيوة جدع محدش قال حاجة، بس الجدعنة دي بعيد عنِّي..توقَّفت بخطواتها وغمزت بعينيها:
-أنا نفسي في حد زي الباشا اللي بنتعامل معاه زي عسكر وحرامية..
تجمَّد جسدها للحظاتٍ ثمَّ قالت:
-تفتكري ممكن حد يشغله؟..
يارب صبرني ..قالتها برفعة يدها للأعلى مستغيثة، ثم تحركت تهمهم
-أنا في الآخر هروح أعترف بكلِّ حاجة..
لكزتها ميرال وتحرَّكت بجوارها، إلى أن أوقفت سيارة أجرة، متَّجهةً بهما إلى وجهتهم…توقَّفت السيارة أمام إحدى الشركاتِ الأمنية الكبيرة، لتترجَّلَ ميرال تنظرُ إلى اللافتة بقلبٍ ينتفض باشتياق، وعيناها على الاسمِ الذي جعل قلبها كمعزوفة…سارت إلى مكانها المعتاد وتوقَّفت تنتظره..
بكمبوندِ آل الشافعي..
خرج من مكتبهِ وهو يتحدَّثُ بهاتفهِ المحمول، بنبرةٍ لا تقبلُ الجدال وصوتٍ حازم:
– لا، عايز تدريب أعلى من كده، كلِّم الظابط شريف، هوَّ هيبعتلنا حد نثق فيه ويكون كفؤ.
– تمام، إلياس باشا.
ركض يوسف إليه، يلهثُ بخفَّة، وعيناهُ تلمعانِ بتنفيذِ وعدٍ لوالده:
– بابا، حضرتك خارج؟
رفع إلياس نظرهِ إليه متسائلًا:
– محتاج حاجة؟
طأطأ يوسف رأسهِ وهمس بصوتٍ مكسور:
– حضرتك قلت إنَّك هتلعب معايا تنس النهاردة..ودي تالت مرَّة تأجِّل.
تنهَّد إلياس، واقترب منهُ وربتَ على رأسهِ بحنو:
– ماشي يا حبيبي..هعدِّي على الشركة أخلَّص شوية حاجات ضرورية، وبعد كده هرجع نلعب سوا.
أشاح يوسف بوجهه، ونطق بصوتٍ يحملُ خيبةً ثقيلة:
– كلِّ مرَّة يابابا نفس الكلام…خلاص، مش عايز ألعب.
تمتم بها وهو يهمُّ بالمغادرة، لكن استوقفهُ صوتُ إلياس الغاضب:
– في ولد محترم يكلِّم باباه كدا، ويسيبه ويمشي بالطريقة دي، أنا علَّمتك كده؟
تسمَّر الطفلُ مكانه، وبدت نظراتهِ حائرة، لحظةُ صمتٍ على وقعِ خطواتِ فريدة وهي تهبطُ من أعلى الدرج:
– إلياس..مالك ومال الولد؟
صرخَ فجأة، وأردف بملامحَ متجمِّدة:
– مش متربِّي..
اهتزَّ جسدُ يوسف من هولِ الكلمة، وكأنَّها صفعةٌ هوت على قلبه..
– إلياس، اهدى شوية…قالتها فريدة.
لم يردّ، بل خطا خطواتٍ واسعةٍ خارجًا من المنزل، يسبُّ نفسهِ بمرارة،
صعد سيارتهِ وقادها بسرعةٍ جنونية، يضربُ المقودَ بيدهِ ويجزُّ على أسنانهِ من الغيظ، لم يشعر بالدموعِ وهي تفرُّ من عينيه، تهوي على وجنتيه كأنَّها نار..
ركنَ سيارتهِ إلى جانب الطريق، وفكَّ أوَّل زرٍّ من قميصهِ حين شعر بشيءٍ يخنقه، كأنَّ أحدهم يطبقُ على عنقه.
أمال رأسهِ للخلف، عاجزًا عن كبحِ الآلام التي نزفت دون توقُّف…وذكرياتُ الماضي تنهشُ صدرهِ كجراحٍ لم تلتئم بعد.
دقائقَ معدودة ثمَّ قام بقيادةِ سيارتهِ مرَّةً أخرى، وصل إلى شركتهِ الأمنية، ثمَّ ترجَّل من سيارته، باقترابِ أحد الحرسِ إليه سريعًا، ليصعدَ السيارة متحرِّكًا بها، بينما اتَّجه هو إلى الداخلِ مع إرتفاعِ رنينِ هاتفه:
-إلياس إنتَ فين؟!..توقَّف حينما استمعَ إلى صوتهِ الحزين:
-فيه إيه، صوتك ماله؟!..
-بابا تعبان أوي ونقلته المستشفى..استدار سريعًا وتساءلَ بقلبٍ ينتفضُ بالخوف:
-أنهي مستشفى ياإسلام، أنا جاي حالًا..
بينما في ذلك الركن كانت واقفةً تتابع تحرُّكهِ للداخل، ربتت هند على كتفها:
-نمشي، ولَّا ناوية تدخلي؟.
هزَّت رأسها بالنفي وأشارت إلى الطريق، بعدما فقدت النطقَ من بكائها..
تحرَّكت متَّجهةً إلى سيارةِ الأجرة المتوقِّفةِ بخروجهِ السريع من الشركة، ترنَّح جسدها بسببِ قالب الطوبِ الذي يُوضعُ بجوار أحدِ الأشجار، ليهتزَّ جسدها حتى كادت أن تسقط لولا جسدهِ خلفها، صرخت هند باسمها:
-مروة..باستنادها بذراعيهِ معتذرًا:
-آسف ماأخدش بالي..هنا توقَّف كلَّ شيءٍ سوى من ارتجافِ جسدها بين ذراعيه، أطبقت على جفنيها، محاولةً أخذَ أنفاسها بانتظامٍ وهو يشير إلى هند التي تحدِّقُ به بقوَّة:
-اسنديها، شكلها دايخة، ثمَّ أشار إلى أحد الحرسِ الخاصِّ بالشركة:
-ساعدوها..كلَّ هذا وهي تستمعُ إلى صوته، تلك النبرةِ الشجيةِ ترسلُ إليها ذبذباتٍ تحرقُ جسدها بالخيانة، ممَّا أوصلها إلى أن تتمنَّى أن تلقي نفسها بأحضانهِ ببكاءٍ صارخ، ولكنَّها أضعفُ من هذا كلِّه، ظلَّت على حالتها، إلى أن اتَّجه بنظرهِ إليها:
-إنتي كويسة..اقتربت هند منهما بعدما شعرت بحالةِ ميرال:
-شكرًا يافندم..قالتها وهي تسندُ ميرال ومضت متَّجهةً ناحيةِ سيارةِ الأجرة..كعاصفةٍ تتعثَّر برياحها الهوجاء، واشتياقها له يلتهمُ قلبها كما تلتهمُ النيرانُ سنابلَ القمح، غرزت كفَّها بذراعِ هند، وارتعش قلبها تهمسُ بخفوت، حتى لا يصلَ صوتها إليه:
-هند مشِّيني من هنا بسرعة..
فتحت باب السيارة، لتساعدها بالصعود، بينما توقَّف إلياس يراقبُ خطواتها الضعيفة، وفجأةً صاح بصوته:
-استني عندك..قالها واقتربَ منهما، وعيناهُ على تلك التي تهربُ بعينيها تحت نقابها..أحسَّت بشللٍ في كلِّ خلايا جسدها واشتعلت عيناها بالدموعِ بكلِّ خطوةٍ يقتربُ منها..ابتلعت ريقها بصعوبة، تنظرُ إلى هند التي تحاولُ أن تجدَ مخرج…
-ليه بلاحظ وجودكم هنا كلِّ فترة، أنتوا مين، وبتعملوا إيه هنا؟..في مكان زي دا…أشار بيدهِ إلى المكان واستطرد:
-دي شركة أمنية..
حمحمت هند وحاولت الحديث بتلعثم:
– إحنا بس كنَّا..أشار إليها بالصمت، ثمَّ اتَّجه بنظرهِ لتلك التي تختفي تحت نقابها:
-هيَّ مش بتتكلِّم ليه!!.. إنتي بوصِّيلي..
تجمَّع الحرسُ حوله على صوتهِ مع خروجِ السائق من سيارةِ الأجرة:
-بتعملوا إيه قدَّام شركتي؟..وكلِّ فترة بشوفكم هنا..
ماهو أصل..رفع سبَّباتهِ إلى هند واقترب من ميرال وعيناهُ تتفحَّصُ كلَّ حركةٍ من جسدها..تراجعت للخلف مذعورةً من اقترابه، وانفجرت دموعها، كاتمةً صرخةً توغَّلت صدرها، وهي تراهُ يرفعُ سلاحهِ عليها:
-ارفعي النقاب دا..
اوووووبس ميرو، جالك الموت ياتارك الصلاة، ياترى ايه اللي هيحصل..يالا بينا ندخل على الحزن
🙈🙈🙈
قبل خمسِ سنوات…
خرج مسرعًا يبحثُ عنها في كلِّ مكانٍ اعتادت الذهابَ إليه، ولكن دون جدوى..رفع هاتفهِ بيدٍ مرتجفة، واتَّصلَ بأرسلان:
– أرسلان…شوفلي بنتِ عمَّك فين..
نطقها بقلبٍ يرتجفُ خوفًا من فقدانها.
هبَّ أرسلان واقفًا، وتحدَّثَ بنبرةٍ تحملُ مزيجًا من الدهشةِ والقلق :
– إيه اللي حصل؟!
سألهُ حينما شعر ببحَّةَ البكاءِ في صوته، ذاك الصوتُ المختنقُ الذي لم يعتدهُ منه.
أنزل رأسهِ على مقودِ السيارة، وتمتمَ بنبرةٍ متقطِّعة:
– شوفلي ميرال فين..تليفونها، عربيتها…أيِّ حاجة..
– حاضر، حاضر…هنزل حالًا وأشوف هعمل إيه..اهدى، وهلاقيها بإذنِ الله.
أغلق الهاتف دون أن يضيفَ شيئًا، وأغمضَ عينيه، تاركًا دموعهِ تنفجرُ دون قيد:
– آاااااه..
صرخ بها وهو يضربُ المقودَ بقبضته،
دوى رنينُ الهاتف، التقطهُ بسرعةٍ ظنًّا أنَّها هي، لكن خاب ظنه…كانت والدته..
أغلق دون أن يجيب..
حرَّك السيارة مجدَّدًا، يجوبُ شوارعَ القاهرة تائهًا، معذّبًا، لا يدري إلى أين يذهب، بينما لا يتوقَّفُ عن محاولةِ الاتصالِ بها… ولكن بلا رد..
عند ميرال..
كانت تسير في الطرقاتِ بلا هدف، تتخبَّطُ بين الأرصفةِ وكأنَّها غريبةٌ عن هذا العالم..
دموعها تسيلُ في صمت، لكن بداخلها كانت عاصفةً لا تهدأ..
لا ترى، لا تسمع، لا تشعرُ بشيءٍ سوى وجعٍ ينهشُ قلبها بلا رحمة..
ثمَّ دوى صوتُ مصطفى، كعويلٍ يخرقُ جدران قلبها قبل أذنها..
توقَّفت فجأة، وصرخت…صرخة بكل ماتشعر به من آلام، اختل توازنها وترنح جسدها فاتجه إلى الرصيف
وجلست عليه تبكي، بكت حتى اختفى صوتها، وشعرت بألمِ حنجرتها، و كأنَّ الحزنَ أصبحَ ملاذها..
ارتفع رنينُ هاتفها مرارًا، نظرت إليه، لتجد رقمه مع صورته تنير عتمة قلبها قبل شاشة هاتفها، تلمسته، ثمَّ تمتمت:
“آه ياقلبي وروحي…
صمتت ثمَّ نظرت أمامها تهمسُ لنفسها بشرود:
– بس هوَّ ذنبه إيه؟
أنا اللي غلطت لمَّا فكَّرت في سعادتي، ونسيت إنَّها مش مكتوبالي، هتهربي لحدِّ إمتى ياميرال، أقرب الناس مش قادرين ينسوا، يبقى الغُرب هيعملوا إيه؟”
نهضت من مكانها واتَّجهت إلى سيارتها، صعدتها وانطلقت كالمجنونة، لا ترى أمامها، ولا تسمع سوى ظلالِ كلماتِ مصطفى وهي تتراقصُ في أذنيها كناقوس يدق بالخطر..تلك الكلمات… سلبت روحها، واقتلعت ما تبقَّى من أمانٍ كانت تتشبَّثُ به كالغريق.
كم حاولت أن تبني عالمًا نظيفًا لميرال، عالمًا خاليًا من السموم، كما وعدت زوجها، لكنَّها فشلت..مازال الماضي يخنقها، يلتفُّ حول رقبتها كالأفعى، ويعيدها قسرًا إلى نقطةِ الصفر…إلى تلك النقطة التي طالما تمنَّت أن تُسحبَ روحها فيها وينتهي كلَّ شيء.
تأجَّجت الذكرياتُ تصفعها، وتخنقُ أنفاسها..لا بد أن تقتلَ الألم، أن تقتلعَ جذوره…فإمَّا حياةَ كريمة، أو غرقًا نهائيًّا في وحلٍ لا قاع له.
أصبحت قيادتها جنونية يصاحبها عنف، حتى كادت السيارة تنقلبُ بها، ممَّا جعلها تقفُ على الطريقِ لدقائقَ تأخدُ أنفاسها التي شعرت بانسحابها، نظرت إلى الطريقِ المؤدِّي إلى السجن..ليطوفَ أمامها ظلُّ وجهِ رانيا، كحرباءٍ سامة، تنفثُ سمَّها بلا حياء..تحرَّكت بالسيارة إلى أن وصلت إلى بوابةِ السجن، رفضوا طلبها بادئَ الأمر، فقد انقضى موعدُ الزيارة، لكن حين نطقت باسمها الكامل، أنا ميرال السيوفي، والستِّ اللي جوَّا تقربلي، أنا مرات الرائد إلياس السيوفي، تراجعَ العسكري وهو يحدِّقُ بها بذعر:
– حضرتك…مرات إلياس السيوفي؟
– أيوه…نطقتها بخفوتٍ حتى
سمحوا لها بالدخول، وجلست تنتظرُ رانيا، بعد دقائق جلبت السجَّانة رانيا… دخلت بخطا حذرة، ملامحها شاحبة، وجهها فقد حيويته، ظنَّت أنَّ من يريدها أحدُ الرجال..من كانت تعملُ لديهم، لكن حين وقعت عيناها على ميرال، تجمَّدت لحظة، ثمَّ لهثت بنداءٍ مرتجف:
“مروة بنتي حبيبتي…”
رفعت ميرال كفَّيها فجأة، تأمرها بالصمتِ والابتعاد، ثمَّ وقفت بثبات، رغم انتفاخِ عيناها بالبكاء، ومازالت لم تكفَّ عن النزف، ثمَّ قالت بنبرةٍ قاسية:
– أنا جاية النهاردة علشان أقولِّك إنِّ أكتر اتنين كرهتهم في حياتي…إنتي وجوزك.
اقتربت خطوة، وغرست عينيها داخل عينا رانيا حتى كادت تقتلها بنظراتها ثمَّ انفجرت صارخة:
– أنا بكرهك…بكرهك…بكرهك..
ونفسي الأمَّهات اللي زيك يتحرموا من ولادهم..
نفسي ربِّنا ياخدني دلوقتي ولا أكون بنتك…
أنا بكره كلِّ حاجة فيَّا علشان حاسة إنِّ فيها شبهك، فيها من ريحتك، إنتي لعنة حياتي يارانيا..لكزتها وتابعت مشمئزة:
– عمري ماهسامحك، إنتي دمَّرتيني… كسرتيني قدَّام نفسي، خلِّتيني أكره حياتي..
تعثَّرت رانيا بخطوةٍ إلى الأمام، محاولةً الاقتراب، لكنَّها انتفضت كمن لُسِع بنار:
– ابعدي، إنتي إيه ياشيخة، إياكي تقرَّبي..
قالتها بانهيار، وجسدها يرتجفُ بالكامل، ودموعها تتساقطُ كالسيل..
ثمَّ هدأت قليلًا، لتكمل بصوتٍ متهدِّجٍ يختنقُ بالغصة:
– ربِّنا وصانا عليكم…قال “وبالوالدين إحسانًا”، بس أنتوا مش والدين أبدًا، فين رحمة الأب والأم فيكم؟!.
أشارت على قلبها وهتفت بقلبٍ يئنُّ متألِّمًا:
– أعمل إيه وأنا قلبي مش قادر يبرّ؟
– أعمل إيه وأنا مش قادرة أعترف بيكم؟ مش قادرة أشوفكم غير لعنة؟!
صرخت تدفعُ رانيا كالتي فقدت عقلها:
– ليه عملتوا فينا كده؟! ليه خلِّيتونا نكره أجمل نعم ربِّنا؟!
– نفسي أعرف…إيه الحكمة في إنِّك تكوني أمي؟! ليه ربِّنا ماحرمكيش من الأمومة؟..
ضربت على صدرها وصرخت بانهيارٍ وجسدها يرتجف:
– أنا ذنبي إيه؟! قولي ليه أنا اللي طلعت من بين إخواتي بيكم، حتى رؤى…أمَّها ستِّ نضيفة وشريفة، ليه أنا اللي كان لازم أتحمِّل حقارتكم؟!
أدارت ظهرها، ثمَّ صرخت أخيرًا قبل أن تختفي:
– أنا بكرهك يارانيا، وبكره راجح… وبكره حياتي كلَّها بسببكم…ربِّنا يخلَّصني من الدنيا دي.
قالتها واختفت خلف الباب، وتركت رانيا كتمثالٍ محطَّمٍ يهوي على المقعد، تمسحُ عرقها بأناملَ مرتجفة، والذهولُ يغمر ملامحها..تتمتمُ لنفسها كأنَّها تستعيدُ الوعي:
– عملت إيه في البنت يابنِ فريدة، إيه اللي وصَّلها لكده؟!
سمعت همسات السجَّانة تلوِّحُ لها، وتهمسُ بإلحاح:
– يلَّا يارانيا، قبل ما حدِّ من الضباط يشوفك وتبقى كارثة.
رفعت عينيها إليها، قالت بصوتٍ مبحوح:
– عايزة تليفون ضروري وصدَّقيني، هدِّيكي قدِّ اللي فات…بس لازم أعمل مكالمة دلوقتي.
نظرت السجَّانة حولها، ثمَّ أشارت لها:
– طيب، روحي الحمَّام، وأنا وراكي.
بعد دقائق، فتحت باب الحمَّام وراقبت المكان، ثمَّ سلَّمتها الهاتف بهمس:
– بسرعة..لو حدِّ شافك تبقى مصيبة.
هزَّت رانيا رأسها ثمَّ رفعت الهاتف، وأدخلت رقمًا حفظتهُ عن ظهرِ قلب، رقمًا نزعتهُ من بين أوراقٍ قديمةٍ ككنزٍ مخفي…
قرَّبت الهاتف من أذنها، ثمَّ همست:
– مختار باشا…
عند ميرال، خرجت بجسدٍ يترنَّح، تستندُ على الجدران، إلى أن وصلت سيارتها، توقَّفت متجمِّدة تشعرُ بأنَّ الدماءَ تجمَّدت بعروقها،
بعدما سمعت صوتَ المسؤل عن السجن، وهو يركضُ خلفها:
-مدام، بلَّغي سلامي للباشا الكبير، مصطفى باشا السيوفي، أنا حاولت أكلِّمه دلوقتي علشان أعرَّفه، لكن ماليش الشرف أسمع صوته، هنا فقدت الاحساس بالحياة، توقَّفت صامتة جامدة، وكأنَّها على حوافِّ الانهيار، كلَّ مافعلتهُ هزَّت رأسها، محاولةً كبحَ دموعها أمام الرجل، لكن داخلها يصرخُ ويصرخ، ودَّت لو تصرخ وتملأُ الدنيا بصراخها على ما تشعر به، استدارت إلى سيارتها وهي تعاني بارتجافٍ كاملٍ بجسدها:
– امشي من هنا بسرعة، امشي ياميرال، مابقاش ليكي حياة معاهم..قالتها وصعدت سيارتها وقادتها تسيرُ بها بين الطرقاتِ والأمكنة، حتى توقَّفت أمام النيلِ لدقائقَ تنظرُ إليه بصمت، ثمَّ ترجَّلت، تسحبُ وشاحها خلفها كأنَّها تجرُّ ثِقلَ حياتها المكسورة..
وقفت على الضفَّة، تحدِّقُ في المياه بعينينِ زائغتين:
– “هينفع أرمي نفسي وأرتاح؟
ولَّا أعيش عاهة في حياة جوزي وابني؟”
وضعت كفَّيها على بطنها، بعدما تذكرت طفلها وجنينها، وقالت من بين شهقاتها:
– “عارفة يايوسف…إنتَ ملكشِ ذنب، وأنا واللهِ يابني ماكان ليَّا ذنب،
بس محدش بيختار قدره..كلُّه قدر ومكتوب..متأكدة إنِّ ماما فريدة هتربيك كويس، وباباك كمان..دموعٌ فقط تنسابُ على وجنتيها وهي تتخيَّلُ حياتهم دونها..
نظرت إلى صورتها المنعكسة في الماء، ثمَّ التفتت إلى سيارتها..
لحظات، وعادت إليها، أدارت المحرِّك…
ثمَّ رنَّ الهاتف مرَّةً أخرى..
بسطت كفَّها المرتجفة، وضغطت للرد..
لتستمعَ إلى صوتِ متيِّمها، يبدو أنُّه يعاني مثلها، أغمضت عينيها ودموعها تعلمُ مجراها وهي تستمعُ إلى نبرتهِ الضعيفة:
– “حبيبتي، إنتي فين؟”
– “أنا بحبَّك أوي ياإلياس…همست بها بضعف، ثمَّ تابعت، صدَّقني، إنتَ أكتر حد حبِّيته في حياتي..
ولو بتحبِّ ميرال…لازم تسامحها.
يوسف..ابني…خلِّيه في حمايتك.”
قالتها، ثمَّ شهقت شهقةً من أعماقِ وجعها..
– “متزعلوش منِّي…حافظ عليه..
لو بتحبِّ ميرال بجد، متئذيش الولد.”
هنا شعر وكأنَّ أحدهم يطوِّقهُ بطوقٍ من النيران ليهتف بتقطُّعٍ غير مستوعبًا مانطقته:
– “ميرال..حبيبتي، أنا جايلك، دقيقتين وهكون عندك…
إنتي فين؟ أرجوكي حبيبتي قولي إنتي فين”
– “مبقاش ينفع يابنِ عمِّي، مش إنتَ ابن عمِّي ياالياس، تنهَّدت بغصَّتها التي تلتهمُ داخلها وتابعت حديثها:
– على قدِّ ماكنت أسعد واحدة إنَّك قريبي على قدِّ ماكرهت القرابة دي، إلياس أنا ماليش ذنب.
-ميراااال..صرخ بها يهتفُ بقلق:
-حبيبتي إنتي فين؟! نطقها بعجزٍ وأنفاسٍ مرتفعة، ناهيك عن قلبهِ الذي يرتجفُ من الرعبِ عليها..
افتح الكاميرا ممكن..
لم يدعها تكملُ حديثها، ليفتحَ كاميرا هاتفه، اتسعت حدقتاه بفزع حقيقي، وهنا انهارت كلَّ الحواجز وهو يراها بتلك الهيئة، وكأنها لوحة مرسومة من الألم، ياالله ماهذا الذي اراه، ربي لقد نخر عظامي بقسوة مارأيت، هل هذه زوجتي، خصلاتها التي تطيرُ بفعلِ الرياحِ بشكلٍ عشوائي على وجهها، عيناها المنتفخةُ من البكاء، وأنفها الذي أصابهُ الاحمرار كالذي يعاني من حمَّى شديدة، وملابسها الرثة التي أظهرت بعض جسدها وهي غير واعية بما يدور حولها، لمسَ وجهها بأنامله:
-ميرال..تمتم بها وعيناهُ تحتضنُ كلَّ إنشٍ بها..ليزيد انين آلامه اضعاف مضاعفة، وعيناه تموج بغضب يريد أن يحرق نفسه لما أصابها..
طالعته بنظرات فقط، كأنها تحفظ كل انش به، وراحت عيناها تطوف عليه رغم الألم الذي انبثق منها، إلا أن الهدوء الذي تملكها جعل اضطرابها النفسي يزداد…دقيقة وهي تنظر إليه بصمت، تنظر إليه وهو يتحدث:
-حبيبتي، متخوفنيش عليكي
ابتسامةٍ حزينةٍ بعيونٍ لامعةٍ بالدموع، لتتقابل الأعين في ألمٍ استوطن قلوبهم قبل ملامحهم..لتقول:
– ميرال خلاص، مالهاش مكان في حياتك ياالياس…أنا كنت عارفة، السعادة مش ليَّا، كنت حاسة، علشان كدا عيش… وأنا مسامحاك.”
– “ميرال، متعمليش فيَّا كده يا روحي…مش أنا حبيبك؟
في حد بيعذِّب حبيبه بالشكلِ ده؟!”
– “إنتَ بتحبِّني بجد، ياإلياس؟”
قالتها وعيناها تعانقُ عيناهُ المذعورة عليها:
صرخ صرخةً مزَّقت سكونَ الليلِ واخترقت قلبها:
– “أنا بعشقك…وحياة ربِّنا، بعشقك!”
أغمضت عينيها مبتسمة، وهمست بنبرة مغموسة بالألم:
– “وأنا كمان بحبَّك…سامحني
ياحبيبي.”
قالتها وأغلقت الخط، ثمَّ ضغطت على دوَّاسةِ الوقود..ليتوقَّف نبض قلبهِ عمَّا يدورُ بعقله، التقطَ شاطئَ النيلِ من خلال الفيديو، ولكن أين؟..شعر بالعجز..بكلِّ شعور القهرِ الذي أفقدهُ القدرة على التماسك..ضرب على المقود، والعجزُ بداخلهِ محا الأبجدية داخله، فبدا كمرجلٍ يغلي من نيرانِ الفقدِ الذي رسمهُ عقلهِ من خلال كلماتها..هنا صرخ كالذي فقد كلَّ مايملكُ؛ وقاد السيارةَ بسرعةٍ جنونيةٍ رغم أنَّه لا يعلم أين وجهتهِ ولكن تحرَّك بالسيارة دونَ هدى..
دوى رنينُ هاتفهِ ليشقَّ الصمت:
-إلياس عرفت مكان ميرال، وأنا رايح لها، هبعت لك اللكويشين.
-أرسلان، ميرال هتموِّت نفسها، كلِّمتني الحقها، دي مش حاسة بتعمل إيه.
-حاضر، أنا خلاص قدَّامي عشر دقايق..
بعد فترة، وصل أرسلان إلى الموقع الذي دلَّت عليه إشارةُ هاتفها، ترجَّل من سيارتهِ بارتباك، يدورُ حول نفسهِ يبحثُ بعينيه، ثمَّ رفع هاتفهِ إلى أذنه:
– شوفلي التليفون اللي عندك على الجهاز…فين مكانه؟
لم تمر سوى لحظاتٍ حتى جاءهُ الرد:
– في نفس المكان يافندم.
تقدَّم بخطا متوجِّسة نحو الشاطئ، يبحث بعينيهِ بقلقٍ متصاعد..وفجأة توقَّف، وتسمَّرت عيناهُ على آثارِ عجلاتٍ واضحةٍ في الطين، تَتَبَّع الخطا ببصره…حتى رأى ماجمدَ الدمَّ في عروقه..سيارة تسقطُ من فوق الضفة..وهنا صدمةٌ كادت أن تزهقَ روحهِ وهو يرى أنَّ السيارة لم يظهر منها سوى جزءٍ قليل، بالكادِ يُرى، وتبدأُ بالاختفاءِ الكاملِ تدريجيًا..
تصلَّب في مكانه، كأنَّ كلَّ شيءٍ حولهِ قد توقَّف..وانحبست أنفاسه، وعقلهِ يرفضُ التصديق..
هل يُعقل؟!.
هل هذه سيارة ميرال؟!
هزَّ رأسهِ بعنف:
– لا..مستحيل، مش ممكن..أكيد مش هي..
قالها مع وصولِ إلياس، الذي ترجَّل من السيارةِ يركضُ نحوه، وقلبهِ يرتجفُ من الخوفِ بشعورٍ غامض، مرعب، وما إن وقعت عيناهُ على أرسلان الواقفِ كالتمثال، حتى انكمشَ قلبهِ ليهمس:
– أرسلان؟!
همس بها بصوتٍ أثقلُ من أنفاسِ صدره، وعيناهُ تتنقَّلُ بين أرسلان… وبين المياه.
استدار إليه أرسلان ببطء، ينظر إليه بعينينِ متَّسعتين، تطلُّ منهما دموعًا على وشكِ الانفجار..لم يتكلَّم، لكنَّه رفع هاتفهِ مجدَّدًا، وضغطَ الرقم:
– عايز فريق إنقاذ نهري فورًا…العنوان (…..).
في تلك اللحظة…التفت إلياس سريعًا ينظرُ إلى المياه..
هل شعر أحدكم من قبل بخنجرٍ باردٍ يُغرزُ في منتصفِ الصدر؟
لا يخترقُ بسرعة، بل يتحرَّكُ ببطء… يمزِّقُ الأعصابَ تمزيقًا؟
بل اقسم لك عزيزي القارئ إن هذا المشهد اصعب من أن يتخيله عقل، أنه نزيف روح وانسحاب انفاسًا ببطء، كالذي يرتقي إلى ربه وأعماله اسوء مايكون
هذا ما شعر به إلياس، حين سمع كلماتَ أرسلان، وهو ينظرُ إلى الماء..يرى اخر جزء من السيارة بإختفائها كاملًا
شهق…شهقةً مبحوحةً محشوَّةً بالوجع، ثمَّ فجأة، ودون تفكير…
ألقى بنفسهِ في المياه…
كأنَّما يحاولُ أن ينقذَ روحهِ قبل أن تغرقَ مع جسدها…
بمنزلِ يزن قبل ساعات..
صعدت إلى غرفتها بعد نطقهِ لكلماتٍ شطرت قلبها، سحبت عقدها بقوَّةٍ تنزعهُ من عنقها لينفرطَ حبيباتهِ تتساقطُ ويرنُّ صوتها على الأرضية، لتجلسَ تبكي بشهقاتٍ مرتفعة، ممَّا جعلها تضعُ كفَّها على فمها تمنعُ بكاءها..
بينما عند يزن..
دلف إلى غرفتهِ بأنفاسٍ مرتفعة، كالمتسابقِ بمارثون رياضي، يحدِّثُ نفسه:
“إيه اللي عملته دا، إنتَ عايز إيه، مش كفاية وجع قلب لحدِّ كدا”
أطاح الكوبَ الذي يُوضعُ على الكومودينو بكفِّهِ بغضب، ونفرت عروقَ رقبتهِ ممَّا ثارت نيرانُ غضبهِ
التي لو خرجت لأكلت الأخضرَ واليابس..
ارتفع رنينُ هاتفه..نظر إليه وجدهُ أرسلان، تراجع بجسدهِ يستندُ على الجدارِ خلفه، رغم تكرارِ الرنين ولكنَّه لم يكترث، مرَّت دقائقَ معدودة ليرتفعَ رنينهِ مرَّةً أخرى، نظر إليه وجدهُ طارق..
ظلَّ ينظرُ إلى الهاتفِ وهو لايريدُ أن يتحدَّثَ مع أحد، رنين متواصل، ممَّا جعلهُ يلتقطَ الهاتف:
-أيوة ياطارق..
-عربية ميرال غرقت في النيل يايزن، وبدوَّروا على جثَّتها في النيل، تعالَ علشان نشوف جثِّة أختك فين..
نظر للهاتف، ثمَّ ضيَّقَ عيناه وكأنَّه لم يستوعب ماالتقطهُ سمعه..
-ماذا قال هذا المعتوه، وعن أيِّ ميرال يقصد، أفاق من حديثهِ مع نفسهِ على صراخِ رؤى:
-عايزة أروح لها ياطارق، أكيد فيه حاجة غلط، ودِّيني عند ميرال ياطارق..
هنا هبَّ من مكانهِ وكأنَّهُ استوعبَ ماقيل:
-طارق إنتَ قولت إيه؟!.أنا سمعت غلط، صح؟!.
-ميرال لقيوا عربيتها في النيل، وبيدوَّرا عليها، لسة أرسلان قافل معايا.
-لا..لا..لا قالها بصراخٍ اهتزَّت جدرانُ المنزلِ على أثره..
-أكيد مش حقيقة، لا..ميرال لا..فين الكلام دا، ابعتلي المكان بسرعة..
استمعت رحيل إلى صراخه، نهضت من مكانها سريعًا وخرجت من الغرفة، ظنًّا بأن أصابَ أطفالها شيئًا، خرج من الغرفةِ وعيناهُ تذرفُ دموعها بغزارة، رفعت عينيها إليه ولكنَّه تحرَّك سريعًا، وهي غير مستوعبة لمايصير..
ركضت خلفهِ حافيةَ القدمين:
-يزززن، لكنَّه أكملَ طريقهِ وهو يهمسُ لنفسه:
-أكيد مش هتعملي في أخوكي كدا، أكيد ياميرال مش هتكسريني كدا،، لا..فيه حاجة غلط..
وصلت إليه وتوقَّفت أمامهِ تفردُ ذراعيها لتوقفه:
-يزن إيه اللي حصل؟.
نظر إليها بدموعٍ فقط، اقتربت منه بعدما وجدتهُ بتلك الحالة:
-إيه اللي حصل، مين اللي كان بيكلِّمك؟..
-ميرال عربيتها وقعت في النيل، لازم ألحق أختي..
شهقت بذعرٍ وعينيينِ جاحظتين..
ميرال!!..يزن، قالتها وركضت خلفهِ بهيئتها، من ردائها الشفَّاف الذي يكشفُ جسدها، توقَّف مستديرًا إليها:
-رايحة فين؟.
-هاجي معاك..طاف بعينيهِ على هيئتها ثمَّ أشار إلى الداخل:
-ادخلي جوَّا، ومش عايز كلمة واحدة، هنسيب الولاد إحنا الاتنين..
فتحت فاهها للحديث ولكنَّه أشار إليها:
-مسمعشِ صوتك، جوَّا..قالها وصعد إلى سيارتهِ وقادها خارجًا من المنزل.
في قصرِ الجارحي..
كان الجميعُ على طاولةِ الغداء، ولكن قطع صمتهم صوتُ ملك:
– بابا، فيه موضوع عايزة أكلِّم حضرتك فيه…
لكنَّها توقَّفت عن الحديث بعدما ارتفع رنينُ هاتفِ إسحاق، فالتقطهُ ونظر إلى الشاشةِ التي أُنيرت بصورةِ أرسلان، رفع عينيهِ نحو غرام وسأل:
– هوَّ أرسلان فين؟.
هزَّت كتفيها بقلق وقالت:
– معرفش، نزل النادي من ساعتين، ولسة مرجعش، قام بالردِّ على الهاتف:
– أيوة ياعمُّو؟
جاءهُ صوتُ أرسلان باكيًا، مختنقًا بالدموع:
– عمُّو، اتصرَّف بسرعة وابعتلي فريق غطَّاسين، اللي جم مش قدِّ المسؤولية..
هبَّ إسحاق واقفًا، مذعورًا:
– أرسلان، مالك؟! فريق غطس إيه؟!
– ميرال…ميرال مرات إلياس وقعت بالعربية في النيل، ومش عارفين نوصلَّها، إحنا بنموت هنا..
انطلق إسحاق خارجَ القصرِ وهو يتحدَّثُ إليه:
– أرسلان، إنتَ فين؟ ابعتلي العنوان
ياحبيبي وأنا هتصرَّف حالًا.
ركضت غرام خلفه، تنادي باسمهِ بقلق:
– عمُّو إسحاق..
توقَّف والتفتَ نحوها، كانت تهرولُ إليه بقلبٍ يرتجفُ خوفًا، وخلفها فاروق وصفية، توقَّفت تتنفَّسُ بصعوبةٍ وتساءلت بصوتٍ مرتجف:
– في إيه؟!
لكن فاروق قاطعها، وقد بدا القلقُ على وجهه:
– إسحاق، خير؟! وفين أرسلان؟.
– مش خير أبدًا..كلِّ اللي فهمته إنِّ ميرال مرات إلياس وقعت بالعربية في النيل..
شهقت غرام، بينما خرجت همهماتٌ مصدومة من فمِ صفية، وانهمرت دموعُ غرام بعنف، تهزُّ رأسها رافضةً تصديقَ ماتسمعه:
– لا مستحيل، إزاي؟! إزاي تقع في النيل؟!
ركب إسحاق سيارتهِ وانطلق، عاجزًا عن الردِّ على أيِّ سؤال..
عند إلياس:
قفز كمن فقدَ عقله، يغوصُ في ظلمةِ النيلِ كأنَّها احتوتهُ لتكونَ قبرهِ معها..
صرخ بصوتٍ خرج من قلبهِ لا من حنجرته، صوتًا لا يُشبهُ البشر، بل صوتُ قلبٍ انتُزعَ منه نبضهِ عنوة:
– ميــــرااال!..
اخترقت صرختهِ سكونُ النيل، وتُزلزلَ ضفافه..
وصل إلى السيارةِ الغارقةِ في قاعِ النيل، تفحَّصها بعينينِ تلتهمها كأنَّها الحاجزُ بينهِ وبينها، ضرب زجاجها بجنون، كأنَّ انكسارِ زجاجها يعيدها إليه..
نزفت يده، كحالِ قلبه، ياالله ماأقسى من أن تلمحَ الموتَ يبتلعُ من تُحب، ولا تملكُ غير العجز.
دار حول السيارة، يسبحُ كمن يبحثُ عن أنفاسه، كمن يريد أن يعودَ نبضهِ الذي توقَّف عن الحياة..
ثم رفعَ رأسهِ من الماء، صارخًا باسمها، يشعر باختناقِ روحه:
– ميــرااال..
وصل إسحاق الذي راقب المشهدَ منذ ترجُّلهِ من السيارة، ليهمسَ باسمِ أرسلان، لكن عينيهِ كانت معلَّقةً بالماء، لا يشعرُ سوى بالضربةِ القاضية التي تقضي على أخيهِ من فقدانِ زوجته..
-أرسلان..تمتم بها إسحاق مرَّةً أخرى وهو يقتربُ منه، ورغم ذلك لا يسمعُ إلَّا نداءَ أخيهِ الممزَّقِ باسمِ زوجته،
وضع كفِّه على كتفِ أرسلان الذي مازال يراقبُ حركاتِ إلياس بالمياه،
رفع عينيهِ المحتجزةِ بالدموع يشيرُ إلى إسحاق:
– عربيتها في الميَّة ياعمُّو..
نطقها أرسلان بصوتٍ مبحوح، مع وصولِ فريقِ الإنقاذ،
ليصرخَ بهم:
– بسرعة..يمكن لسه عايشة…
“فين إلياس؟”
تساءل إسحاق، ليشير أرسلان للماءِ بخوف:
– نزل…ومش عارف راح فين، كان هنا من شوية..
في تلك اللحظة خرج إلياس إلى سطحِ الماء، بجسدٍ يرتعش، ووجههِ كأنَّما خرج من كابوس، يلتفتُ في كلِّ اتِّجاه، يناديها كمن فقدَ ذاكرته:
– ميرااال.. دقائق تالية كانت مجرد هامش لتلك الحياة التي تحاول أن تسلب روحه، وتدفنه بقبرٍ دونها، واقع مرير يشعر به ويسحبه إلى هوة سحيقة، وهو يكاد يجن من عدم ايجادها
نزع أرسلان سترته، وتمرَّد على صوتِ العقل، وقلبهِ يصرخ: “مش هسيبه لوحده!”
أمسكهُ إسحاق قائلًا:
-هتعمل إيه؟!..فريق الإنقاذ كلُّه تحت..
تخلَّص من قبضةِ إسحاق، وقفز بالمياهِ دون أن ينطق، ظلَّ يسبحُ إلى أن اقتربَ من إلياس، حاول أن يمسكه، ويقنعهُ بالخروج، ولكن إلياس لم يكن هنا، كان غارقًا بمرارِ فقدانها، أمسكَ ذراعهِ وقال:
– إلياس…الإنقاذ جه، هيلاقوها…
لكنَّه صرخ في وجهه:
– هيَّ مين؟! دي مراتي أنا، إنتَ مجنون!! تاه بنظراتهِ بالأرجاء، والظلام بدأ يغطي سطح النيل، يهمسُ لنفسهِ بحزن، بس هيَّ راحت فين؟!!
ظلَّ يدور بعينيهِ بجنون، وهو يتخيَّلها تطفو فوق المياه، ليتبعَ سراب جسدها..يسبح، ويصرخ وهو يغوص، و يضربَ الماء كأنَّها الحاجزُ بينهِ وبينها، ليشعر هنا بأنَّ النيل صار عدوِّهِ الأبدي.
ثلاثُ ساعات وهو يبحثُ عنها، والوقت يطحنُ قلبهِ، كلَّ دقيقة تمرَّ كأنَّها عامٌ من الجحيم..
فقد رجالُ الإنقاذ أثرها بعدما استخدموا كلَّ أساليبهم ، فاتَّجهوا إليه
يحاولونَ إخراجه، لكن من يُخرِج قلبًا قرَّر أن يُدفنَ حين توقَّف نبضه؟..
لم يقوى على فكرة فقدانها، يشعر بوحوش داخله، تترجاه بالمكوث نحوها، لقد انشق الصدر وصرخ عظامها لتفتك بكل مايحمل ماآلام
سحبهُ أرسلان من ذراعه بعدما وجد ملامحَ الإرهاقِ على وجهه:
-إلياس..اطلع وفريق الإنقاذ بيدوَّر..
– ابعد عنِّي..
قالها إلياس، يدفعُ أرسلان بآخرِ ما تبقَّى فيه من قوَّة، ثمَّ عاد يغوص… كأنَّه يريد أن يُدفنَ معها، أو لا يخرجَ إلَّا بها..
رآهم إسحاق، الذي صرخ الألمُ داخله، يشير إليهم:
– خرَّجوه..خرَّجوا حضرةِ الظابط، حتى لو غصب عنُّه..
لكنَّهم لم يعلموا أنَّ مابداخلِ إلياس لم يعُد إنسانًا…بل بركانًا من الألمِ انفجر، بكلِّ ماتبقَّى منه…لم يكن رجلًا غرق في حب، بل دُفنَ بالألمِ الذي نزع روحهِ وهو يدفعُ ويصرخُ بهم بجنون:
-عايز مراتي..
لم يتحمَّل إسحاق ذلك المشهد، فقام بنزعِ جاكيت بذلته، ونزل المياه، في محاولةٍ للسيطرةِ على حالةِ الذعرِ التي أصابت إلياس، وصل إليهم ولم ينطق بحرفٍ واحد، نظر إلى أرسلان الذي فهم نظراتهِ ليقتربَ منهُ وبحركةٍ واحدةٍ فعلها أفقدهُ وعيه..ثمَّ قام بإخراجهِ من المياه، مرَّت ساعاتٌ والخبرُ تسلَّل إلى بعض الصحف، ليتمَّ نشرَ الخبر، انقلابُ سيارةِ ميرال السيوفي بالنيل في ظروفٍ غامضة..
وصل الخبر إلى إسحاق الذي سيطرَ على الخبر؛ وتمَّ حذفهِ من جميع وسائلِ الإعلام وتولَّى بنفسهِ المراقبة عن أيِّ أخبار تخصُّ عائلة السيوفي
بينما بفيلا السيوفي قبل عدَّةِ ساعات.. بعد خروج إلياس للبحثِ عن ميرال،
اقتربت فريدة من مصطفى وعيناها تلقيهِ بوابلٍ من الأسئلة، إلى أن قاطعهم إسلام:
-ماما فريدة الورق دا وقع من ميرال، خلِّيه معاكي لمَّا ترجع..بسطت كفَّها تسحبهُ من يده، ليقع بصرها على صورةِ جنينها، ابتسمت وتورَّدَ وجهها:
-ميرال حامل!!.
هنا ارتجف جسدُ مصطفى وهو ينظر إليهم بأسى، ثمَّ أردف بنبرةٍ مختلطةٍ بالأسفِ والحزن:
-مش هقدر أتغدَّى معاكم، أنا تعبان هطلع أرتاح شوية..
أمسكتهُ فريدة تنظر إليه باستغراب:
-مصطفى مالك فيه إيه؟!..إنت تعبان؟ وليه كنت بتزعَّق لإلياس؟!..ولكن قاطعهم دخولُ غادة:
-مساء الخير..تمتمت بها مبتسمة..رفع مصطفى نظرهِ إليها وقال:
-غادة تعالي عايزك في المكتب..
ضيَّقت عينيها تتطلَّعُ إلى فريدة:
-بابا ماله؟!..
-معرفشِ يابنتي، حتى إلياس كان هنا وصوتهم كان عالي.
أومأ إسلام قائلًا:
-أيوة فعلًا أوَّل مرَّة أشوف بابا وإلياس بالحالة دي.
ربتت فريدة على كتفهِ متمتمة:
-عادي حبيبي بيحصل ياما بين الأبِّ وابنه، اطلع غيَّر هدومك لحدِّ ماأخوك يرجع هوَّ ومراته علشان نتغدَّى، ثمَّ اتَّجهت بنظرها نحو غادة:
-وإنتي حبيبة ماما ادخلي لبابا، اتأسِّفي له الأوَّل على اللي قولتيه من كام يوم، وعلى فكرة هوَّ خلاص مش هينقل من الفيلا، دا كان اقتراح إسحاق الجارحي، واللهِ أنا ماكنت أعرف زيِّكم، بس حلِّيناها، مقدرشِ أبعد عن البيت اللي شوفت فيه السعادة الحقيقية، لو مكنشِ معاكم ياأستاذة غادة يبقى مع أخوكي اليأس على رأي ميرو..
اقتربت غادة تحتضنها:
-آسفة ياماما أنا مقصدتش أزعَّل حد والله، كنت مخنوقة ومعرفشِ اتكلِّمت معاكم كدا إزاي، حتى إلياس كمان زعلان منِّي..
مسَّدت على رأسها مع قبلةٍ حنونةٍ على وجنتيها:
-مش زعلانة منِّك، إنتي بنتي حبيبتي اللي مقدرشِ أزعل منها، المهم ادخلي اتأسِّفي لبابا، علشان شكله زعلان أوي وجابها في أخوكي ياأستاذة..
-حاضر ياماما..قالتها ودلفت للداخل، بينما نظرت فريدة إلى صورةِ الجنين تتمتم:
-ياترى إيه اللي حصل خلَّى ميرال تخرج بالطريقة دي، وإيه اللي حصل مع إلياس ومصطفى؟..أدخل أسأل مصطفى ولَّا أستنَّى لمَّا إلياس يرجع..
فركت جبينها بإرهاق، واتَّجهت إلى المقعد، جلست عليه ورفعت هاتفها تحاولُ مهاتفةِ إلياس، مرَّة، اثنتان، ثلاثة، ولكن لا يوجد رد..
شعرت فريدة بالتوتُّر، فنهضت واتَّجهت إلى غرفةِ مكتبِ مصطفى..
وضعت كفَّها على مقبضِ الباب تستعدُّ لفتحه…لكن فجأة، خرجت غادة تركضُ صاعدةً إلى الأعلى، ودموعها تنسابُ على خدَّيها.
توقَّفت فريدة في مكانها، تنظرُ بقلقٍ إلى ركضها المفاجئ، ثمَّ هتفت مناديةً بصوتٍ مضطرب:
– غادة!! حبيبتي، إيه اللي حصل؟!
في تلك اللحظة، خرج مصطفى بدورهِ من المكتب، متوجِّهًا إلى الأعلى بخطواتٍ سريعة..
أمسكتهُ فريدة من ذراعه، تتفحَّصُ ملامحَ وجههِ بعينينِ ممتلئتينِ بالقلق:
– مالها غادة؟ إيه اللي حصل؟!
لكن مصطفى اكتفى بجملةٍ مقتضبة، حاول أن يبدو هادئًا وهو يهمُّ بالابتعاد:
– فريدة، لو سمحتي…أنا تعبان، نتكلِّم بعدين.
-بس..
قاطعها وهو ينزلُ كفَّها عن ذراعه:
– لو سمحتي…
قالها بتحفُّظ ثمَّ تحرَّك مسرعًا إلى غرفته.
ظلَّت هي واقفة مكانها، تراقبُ خطواتهِ حتى اختفى عن ناظريها، وقلبها يضجُّ بالأسئلة:
“هوَّ فيه إيه بالضبط؟ شكل الموضوع كبير…”
وفجأة، لمعت في ذاكرتها صورةُ دموعِ إلياس التي رأتها سابقًا…فحاولت الاتِّصال به مجدَّدًا بيدٍ مرتجفة.
عند إلياس…
بعد أن أخرجهُ إسحاق وأرسلان من المياه، وضعهُ أرسلان على الشاطئ بمساعدةِ إسحاق..
لم تمرّ سوى دقائقَ معدودة حتى عاد إليه وعيهِ تدريجيًا…اعتدل وجلس أرضًا، لا بقوَّةِ الجسد بل بثقلِ الروح، جسدهِ يرتجفُ كما لو أنَّ عظمهِ ينهارُ قطعةً قطعة، حاول النهوض، ولكن قدرتهِ تهاوت وضعُفت، ترنَّح جسده، وخطا يجرُّ أقدامهِ بصعوبه..ينظر إلى ظلمةِ النيل..مدَّ يديهِ للماء…
وصوتهِ خرج مشروخًا، ممزَّقًا كأنَّما حلقهِ يحترق:
– ميرااااال…!!
لكن إسحاق أمسكهُ بقوَّة، ودفعهُ للخلفِ صارخًا فيه:
إلياس..فوق بقى، إنتَ مجنون؟ مراتك مش هنا، ممكن النيل يكون رماها بعيد…أو يمكن ما كانتشِ في العربية أصلًا.
فريق الإنقاذ شغَّال…اهدى شوية، إنتَ مش شايف نفسك؟!
هزّ رأسهِ رافضًا حديث إسحاق، وعيناهُ لا تفارقُ النيل، الذي باتت ظلمتهِ كظلمةِ القبر..ترقرقت عيناهُ بالدموع، يحدِّقُ فيهِ كأنَّها ستخرجُ منه…علَّها تطفو بقساوةِ قلبها الذي رمتهُ بها إلى غياباتِ الجب.
ربت أرسلان على كتفه، بينما تحرَّك إسحاق نحو فريقِ الإنقاذ، الذي هزَّ رأسهِ بأسف:
– مفيش أيِّ أثر ياأفندم..بحثنا أكتر من عشرة كيلو من موقعِ الحادث، ولسَّه الفريق شغَّال…بس مفيش أمل، ممكن ما كانتشِ في العربية، أو النيل خدها بعيد أكتر..عالعموم، هنكمِّل البحث.
أومأ له إسحاق واتَّجه بنظرهِ إلى إلياس الذي كان يراقبهم بصمت، ثمَّ رفع عينيهِ إلى أخيه:
– يعني إيه ياأرسلان؟ ميرال غرقت في النيل؟! ولَّا مكنتش هنا أصلًا؟… إزاي مش عارفين نوصلَّها؟!
أخذ أرسلان نفسًا عميقًا، وقال بنبرةٍ متماسكة:
– إلياس، اسمعني كويس…إيه اللي حصل ووصَّل الأمور لكده؟ أنا سمعتها من كام ساعة بتتكلِّم مع غرام وكانت فرحانة..بتقولَّها رايحة للدكتورة علشان شاكَّة إنَّها تكون حامل، إيه اللي قلب كلِّ ده؟!.
هنا..تذكَّر دخولِ إسلام، وهو يحمل بعض الأوراقِ بين يديه، وتمتمَ بخفوت:
– يعني..ميرال حامل؟..
تمتم بها بينهِ وبين نفسه، وتذكَّر حديثُ مصطفى وحديثها، ونبرةُ صوتها التي أصابتهُ بالصمم:
-مش عايزة حد يعايركم بيَّا، هنا هبَّ من مكانهِ كالمجنون، يدفعُ أرسلان بعنف:
– يبقى كانت في العربية!..كانت فيها، كانت عايزة تموت…
صرخة مزلزلة خرجت من صدره، وانقضَّ على أرسلان يضربهُ بجنون، لكن قوَّةَ أرسلان الجسمانية مكَّنتهُ من السيطرة عليه.
وصل إسحاق سريعًا، وساعد في تهدئته، لكن إلياس كان يهتفُ كالمخبول:
– محدش يقرَّب منِّي..
فاقت حالتهِ حدَّ الجنون، وبدأ يتخيَّلها تغرقُ أمام عينيه، وصراخها..عيناها الممتلئتانِ رجاء، لينهار ولم يعد لهم قوَّةَ السيطرةِ عليه..
لطمهُ إسحاق بقوَّةٍ على وجهه:
– فوق بقى!..حتى لو هيَّ في النيل، مراتك ماتت…عايز تسمعها؟ مراتك ماتت..
سكت إسحاق لحظة ثمَّ صرخ فيه:
– يلَّا، انزل النيل وموت وراها، سيب ابنك يتيتِّم، يلَّا ياحضرة الظابط،ثمَّ أشار إلى فريقِ الإنقاذ:
– محدش يقرَّب منُّه…سبوه يدوَّر براحته.
صمتًا مميتًا بالمكان بعد نطقِ إسحاق بتلك الكلماتِ ليردِّد:
“ماتت؟!”
ردَّدها إلياس كمن يلوكُ جمرة، يتذوَّقُ الحرفَ كنارٍ تلتهمُ أحشائه، ثمَّ تراجع
وحدَّق في وجوههم بذهولٍ كأنَّه لم يستوعب ماتلفَّظه إسحاق..
ثمَّ نطقَ الكلمة من بينِ أسنانه، وكأنَّها نجاسةٌ دنَّست قلبه:
– “كدَّاب..!”قالها بخفوت ودموعه خير دليل على حالته، خطى بترنح واقترب من حافَّةِ النيل، يجرُّ قدميهِ بخطواتٍ متكسِّرة كأنَّ كلَّ عظمةٍ في جسدهِ تنزف، ولم يعد لديه القدرة على الحركة، ليجثو على ركبتيه، ونادى بصوتٍ مذبوح..فقد به حنجرته:
ميراااال..
الاسمُ نفسهِ أصبح نشيجًا، صار نصلًا يمزِّقُ صدرهِ من الداخل، يصرخُ به، لا ليناديها فقط، بل لينتزعها من فمهِ كما يُنتزعُ القلب.
بفيلا السيوفي..
ظلَّت فريدة تتحرَّكُ ذهابًا وإيابًا، ولسانُ حالها:
-يارب طمِّني عليكي يابنتي يارب، قالتها وهي تفركُ كفَّيها ببعضهم، رفعت نظرها إلى إسلام:
-مردش عليك بردو؟.
هزَّ رأسهِ بالنفي وقال:
-غادة اتِّصلي بميرال، يمكن تردِّ عليكي، هيَّ بتحبِّك وهتردّ على طول.
-يعني هتحبِّني أكتر من جوزها وماما فريدة ياإسلام، أنا معرفشِ إيه اللي حصل بس حاضر ححاول..
رفعت الهاتف الى أذنها ولكن لم تسمع سوى:
-هذا الهاتف ربَّما يكون مغلق..
نظرت لهاتفها وقالت:
-بيقول ربَّما يكون مغلق، دي قفلت التليفون..
-يارب جيب العواقب سليمة يارب، ياترى إنتي فين يابنتي..
بينما بغرفة مصطفى بالأعلى
حاول مصطفى الوصولَ إلى إلياس، ولكن هاتفهِ مغلقًا، شعر بألمٍ يشقُّ صدره، استمع إلى رنينِ هاتفهِ ليقطعَ خوفه، رفعهُ سريعًا وهو يردِّد:
-إلياس..
ولكن استمع إلى أحدهم:
-لا يافندم أنا شعيب مأمور الحجز، حبِّيت أطَّمن على مدام إلياس، أصلها كانت في زيارة للمسجونة رانيا الشافعي، وقابلتها..كان شكلها تعبان..
هنا شعر وكأنَّ أحدهم يخنقه، يتمتمُ
-“رانيا”..قالها بخفوتٍ ليكملَ الرجل:
-يارب تكون بخير.
-أيوة الحمدُ لله..قالها وأغلقَ الهاتف بعدما فقد القدرة على الحديث، ثمَّ اتَّجه إلى أحدِ الأرقام:
-شوفلي عربية مدام ميرال السيوفي فين بسرعة، وكمان إلياس، دقيقتين وتردِّ عليَّا.
-حاضر يافندم.
ظلَّ يجوبُ الغرفة، وهو يشعر بتوقُّفِ نبضه، يحدِّثُ نفسه:
-ليه راحت لرانيا، معقولة يوصل بها الحال تستغيث برانيا؟!..تحرَّك إلى الأسفل وجد فريدة وغادة يحاولانِ الاتِّصال بإلياس ..
-فريدة..محدش منهم رد؟.
هزَّت رأسها، والخوفُ ينبثق من عينيها..
اقترب منها ينظرُ إليها نظرات أسفٍ وقال:
-أنا عملت اتَّصالاتي وإن شاءالله هنلاقيها، ممكن تهدي، متنسيش ضغطك..
مسحت على وجهها تهزُّ رأسها بالنفي وأردفت معترضة:
-أهدى إزاي!!..انا قلبي مولَّع نار، إيه اللي حصل بس…التفت إسلام لوالدهِ وتساءل:
-بابا إيه اللي حصل، طيب هيَّ متخانقتش مع إلياس، طيب ليه تخرج بالطريقة دي؟..
قاطعهم رنينُ هاتفه:
-مصطفى باشا، عرفنا مكان العربية، آسف كان بودِّي أقولَّك أخبار كويسة، لكن العربية غرقت في النيل وفريق الإنقاذ بيدوَّر على الجثة.
-جثة..هل نطقَ الجثة، أم أنِّي أصبتُ بالجنون، سقط الهاتفَ من يديهِ وخانتهُ ساقيهِ ليهوى على المقعد، يشعر بأنَّ الأرضَ تدورُ به، بل اختناقًا كاد أن يسحبَ أنفاسهِ مع شحوبِ وجهه..
هرول إليه إسلام وجثا بركبتيهِ بعدما وجد شحوبَ والده، فتح زرايرَ قميصهِ وبدأ يدلِّكُ صدر والده:
-بابا..مالك إيه اللي حصل؟!
ثقُلَ لسانهِ واغروقت عيناهُ حتى فقد النطقَ كاملًا، وتعلَّقت عيناهُ بعيني فريدة التي تسمَّرت بمكانها تنظرُ إليه بهلع، سحبت أقدامها بصعوبة، واقتربت منه، تجلسُ بجوارِ إسلام:
-مصطفى مالك؟.. ولكن هنا لم يشعر سوى بغمامةٍ سوداء ليذهب لعالمٍ أراد من اللهِ أن لا يوقظهُ منهُ أبدًا.
صرخت فريدة بجوارها غادة التي بكت بصياحٍ تحتضنُ رأسَ والدها بعدما فقدَ وعيهِ بالكامل، رفع إسلام هاتفهِ وطلب سيارةَ الإسعاف؛ لتصلَ بعد دقائقَ معدودة يحملهُ المسعفون بحالةٍ من الذعرِ والخوفِ انتابت فريدة ونجليه.
مرَّت الساعات، والقلوبُ تحترقُ ألمًا، تسلَّلت الأخبارُ بين الناس:
ميرال السيوفي، زوجة إلياس السيوفي، سقطت في النيل بسيارتها…ولم يتمّ العثورُ على جثتها.
سقطت فريدة مغشيًّا عليها من هولِ الخبر، وشلَّ الحزنُ أطرافها، فيما انهار الجميعُ من الفاجعة…
ثلاثةُ أيامٍ بلياليها مرَّت، وفريقُ إنقاذٍ نهريٍّ كامل، بأعلى مستوى، لم يتمكَّن من العثورِ على ميرال…
مرَّت أيامٌ أخرى لم يفهم فيها معنى الوقت، كلَّ شيءٍ توقَّف عند لحظةِ ارتطامِ عربتها بالماء، وخبرِ فقدانها، كأنَّ الزمنَ جُمِّد على جثتها المفقودة.
دموعهِ لم تتوقَّف، أصبح أقربُ لرجلٍ هش، بعدما كان لا يعرف للضعفِ مذاقًا، مضىت أيامهِ تمرُّ بخطا رجلٍ لم يعد يخشى السقوط، لأنَّه سقط بالفعل.
ككلِّ صباح يأتي يجلسُ بمكانِ فقدانها، يقنعُ نفسهِ أنَّها ستعود إليه، ولكن ليت الأماني بالتمنِّي..
لم يتركه أرسلان دقيقة قط، وكذلك إسلام الذي أصبح ظلُّه..
هذا اليوم كان أليمًا كحالِ أيامه بعدما اختفت، جلس يراقبُ الرافعة وهي تُخرجُ سيارتها الغارقة، شعر أنَّ قلبهِ يُنتزعُ معها، قطعة…قطعة.
انكمش جسدهِ تلقائيًا، كمن يتلقَّى ضربةً خفيَّةً في صدره، وحين وقعت عيناهُ على هاتفها المحمول…
ارتجف، وأراد أن يصرخ، أن يركض، أن يُمزِّقَ وجهَ من يلمسهُ غيرها بأظافره، لكنَّه لم يقو، فقط استدار..
لم يكن يهرب من الهاتف، بل من الحقيقة، من كلِّ شيءٍ يخصُّها…
من عطرها الذي ظن أنه مازال عالقًا على مقاعدِ السيارة، من خيطِ شعرها الذي رآه اخر مرة وهو ملتفِّ حول زجاجِ النافذة، من صورتها تبتسمُ له وهو يخونها بالخوف، يُخونها بالنظرات باخر مكالمته..
اقترب أرسلان وجلس بجانبه، بصمتٍ موقَّر..
لكنَّه لم يشعر به، كان غارقًا في هاويةٍ أشدُّ ظلمةً من النيلِ نفسه..ربت على كتفهِ وتمتم بخفوت:
-حبيبي هتفضل كدا، أنا مش عارف أعملَّك إيه، بس حالتك دي بتموِّتني.
استدار إليهِ واغروقت عيناهُ بالدموع وهمس بصوتٍ خافتٍ يعاتب نفسهِ:
– تفتكر إحنا عملنا إيه في حياتنا علشان نتعاقب كدا؟
ولَّا بالأصح…أنا عملت إيه؟
نظر إليه أرسلان بذهول، فتجنَّب نظرته، وابتعد يدورُ بنظراتهِ بالمكانِ وهو يقول:
– دي دعوة أم…أم قبضت على ابنها وهوَّ بريء وعذَّبته..
ولَّا أب مات مكسور بعد ماابنه اتقتل قدّامه؟
أنا ظلمت…أه أكيد ياأرسلان، أنا ظلمت..
أصبحت عيناهُ تجري بدموعٍ حارقة وهو يضيف:
– ظلمت راجح؟ يمكن..قالها وهو يهزُّ كتفه، ثمَّ اختنق صوتهِ وأكمل:
ظلمت رانيا؟ أكيد…أه ماأنا غصبت عليها تسيب بنتها، قلتلها إنتي
ماتستحقيش تبقي أم، وأنا مين علشان أقول كدا؟ مين أنا علشان أحكم على قلوب الناس؟!
ثمَّ همسَ بحشرجة:
– بس كنت خايف عليها؟!
أنا ماكنتش خايف عليها بس، أنا كنت بخاف من اللي فيها، خوفت يعايروها.. نسيت إنَّها مراتي وحبيبتي قبل
ماتكون بنتِ راجح، أنا كان ليَّا فيها أكتر منهم، مكنش لازم أجبرها على حاجة وأنا عارف إنَّها هتموِّتها كلِّ يوم..
ضرب الأرضَ بقبضتهِ وهو يهتف:
– ظلمتها، لمَّا رجعت آخد حقِّي من الدنيا، وكانت ميرال التمن.
وقف فجأةً كمن أصابهُ البرق، وصاح:
-واللهِ أنا كنت خايف عليها، بس خوفي اتعكس بالظلم، أنا عمري مافكَّرت في نفسي ياأرسلان، حتى في قضية بابا جمال، أنا بس حاولت أجيب حقِّ أبونا اللي اندفن ظلم، حقِّ أمِّنا اللي اتَّهموها بشرفها، أنا سمعت كتير أوي عنها، دا قالوا إنَّها باعت ولادها علشان تستمتع بحياتها، تفتكر كان لازم أسكت وماردش حقِّ أمَّك و أبوك!!.
-إلياس إحنا مغلطناش، حقِّ أبوك علينا وعملناه، وحقِّ ماما لو مكنشِ جه، يبقى إحنا مينفعشِ نكون ولادها، أنا معرفشِ ليه بتقول كدا، أنا شايف بردو إنِّ رانيا مالهاش حق في ميرال، لأنَّها متستهلش..
-وفريدة كانت تستهالك ياأرسلان؟..
فريدة عملت لك إيه؟.
-لا إنتَ اكيد اتجنِّنت، فريدة أمِّنا وإحنا اتَّخدنا غصب عنها..
-طيب ماهي ميرال اتَّخدت من أمَّها وأبوها غصب عنها، ليه حلَّلته لنفسك وحرَّمته على غيرك؟..
عرفت ليه أنا ظلمت يابنِ أمِّي وأبوي..
نهض من مكانهِ ينظرُ إلى أخيه، ثمَّ التفتَ إلى إسلام الصامت:
-مصطفى السيوفي قالها علني، أنا ماليش سلطة على أخواتي، وهيَّ بنتِ مجرم، وهتفضل طول حياتها بنتِ راجح المجرم، ولو كان يعرف بإجرام أبوها دا، كان مستحيل يجوزهالي، ميرال سمعت كلام حضرةِ اللوا، ودي واحدة بتتعالج نفسي من عيلتها، كنت منتظر منها إيه!!..
اتَّجه بنظرهِ إلى النيل:
-معرفشِ إن كانت جوَّا النيل أو برَّاه، بس هيَّ كدا ماتت ياأرسلان، يعني حتى لو هيَّ عايشة مش هتعيش ميرال السيوفي، أمَّا لو ماتت يبقى دا أكبر عقاب ليَّا على الظلمِ اللي عملته في حياتي..
قالها وتحرَّك مغادرًا ومازال يتمتم:
-من النهاردة كلِّ واحد لازم يرجع لأصله..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وكأنها لي الحياة (شظايا قلوب محترقة 2))