روايات

رواية أسرار عائلتي الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم أروى مراد

رواية أسرار عائلتي الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم أروى مراد

رواية أسرار عائلتي البارت الرابع والعشرون

رواية أسرار عائلتي الجزء الرابع والعشرون

رواية أسرار عائلتي
رواية أسرار عائلتي

رواية أسرار عائلتي الحلقة الرابعة والعشرون

يجلس محمد بمكتبه في شركة والده التي يعمل بها شارد الذهن ، فقد إنفصل عن زوجته وحبيبته منذ فترة وجيزة بسبب إهمالها لأبنائهم .. لكن حبه لها لم يشفع لها عنده وإنساق وراء عقله مفكرا في أنها لا تصلح أن تكون زوجة أو أما بالنسبة له !
تنهد بضجر وحاول التركيز في عمله ونسيانها ولكن قاطعه عن ذلك سماعه لطرقات على الباب ، تلاها دخول شخص لم يتوقع كما لم يحبذ وجوده الآن .
إقتربت منه بثينة بإبتسامة لم ترحه ووقفت أمام مكتبه قائلة :
– أنا عايزة اتكلم معاك شوية ، ممكن ؟
زفر محمد بضيق فهذا ليس وقتها على الإطلاق ، لكنه لم يرد إحراجها فأومأ موافقا وأشار لها بالجلوس .. جلست قبالته بهدوء وإلتزمت الصمت لثوانٍ قبل أن تقطعه متسائلة :
– عامل ايه ؟
– كويس ..
نفت برأسها وهي ترمقه بطريقة غريبة قائلة :
– لا مش كويس ، واضح انك متأثر من انفصالك عنها مش كده ؟
رفع محمد أحد حاجبيه بإستغراب تحول إلى حدة ظهرت بعينيه وصاح :
– عايزة ايه من الاخر يا بثينة ؟
فركت بثينة أصابعها وهي تنظر إليه بتوتر ، لا تدري إن كان ما ستقوله صواب أم أنها ستهين نفسها .. لكنها لا تريد أن تضيع حبيبها من بين يديها بعد أن سنحت لها الفرصة لتمتلكه .. ذلك الذي أقنعت نفسها كما أقنعتها والدتها بأنه سيكون لها .. أخذت نفسا عميقا ثم قالت بسرعة :
– أنا عايزاك تتجوزني !
إتسعت عينا محمد بصدمة من عرضها المفاجئ لكنه سرعان ما عقد حاجبيه متحدثا بحدة :
– انتِ عارفة انتِ بتقولي ايه ؟

 

 

أبعدت عينيها عنه ولم تجبه ، فزفر هو بغضب ثم حاول إستعادة هدوئه وهتف بنبرة لم تخلو من الحدة :
– أنا مش عارف انتِ متمسكة بيا كده ليه بس عايزك تعرفي انك بالنسبالي بنت عمتي وبس ، ونظرتي ليكِ مش هتتغير خالص ولا هعتبرك حبيبة ولا هقدر افكر مجرد تفكير اني اتجوزك !
شعرت بكلماته تصيبها بشدة ، وقبل أن تتفوه بحرف واحد دفاعا عن نفسها سبقها هو مردفا :
– حافظي على حبك للي يستاهلك يا بثينة وانسيني وبلاش تمشي ورا كلام عمتي ، عمتي دايما بتحب كل حاجة تقولها تحصل ومش هتفكر انها كده بتكون سبب في إهانة كرامتك .
أخفضت رأسها وهي تشعر بأنه يهدم فرصها للحصول عليه بكلامه هذا ، ورغم عدم إقتناعها تماما بما قاله إلا أنها وقفت ثانية وتمتمت قبل أن تغادر :
– تمام ، أنا أسفة على ازعاجي ليك واوعدك اني هنساك ومش هفكر اقرب منك خالص بعد كده ..
.
أفاقت من شرودها بالماضي عندما وجدت نفسها تقف أمام خالها وعائلته الكبيرة بعد أن دخلت القصر صحبة إبنتها ، وقعت عينها عليه وهو يقف بعيدا ويشيح بوجهه عنها شاعرا بالضجر لوجودها .. لم تره منذ ذلك اليوم سوى في حفل زفافها من إبن صديق والدها والذي قبلت به دون تفكير رغم رفض والدتها محاولة أن تنساه به .. وللحق فإن زوجها نجح وبجدارة في أخذ عقلها وتفكيرها وكذلك قلبها ، لكن القدر أصر على معاقبتها بمرضه وهاهي الآن مضطرة للسفر معه بحثا عن علاج له وترك إبنتها الواقفة بجوارها بين عائلة خالها .
بدأ الجميع بالترحيب بها لكنه كان ترحيبا باردا كما توقعت ، إنتهى برؤيتها لرسلان الذي ألقى عليها السلام بجمود ثم إبتعد ليشير إلى فتاتين لم يسبق لها رؤيتهما لتتبعاه إلى خارج القصر .
عضت على شفتيها بندم وهي تذكر معاملتها السيئة معه منذ علمت عن طريق الصدفة بأنه إبن غير شرعي .. هي الآن نادمة على أشياء كثيرة فعلتها ، قالتها أو شعرت بها بسبب طيشها عندما كانت لا تزال شابة .. والآن خوفها الأكبر من أن تكون إبنتها بذات طيشها فقد لاحظت أنها تشبهها كثيرا في التصرفات ، لكنها وعدت نفسها بأنها ستهتم بذلك الأمر عندما تعود فقط من السفر ..

دخلت معهما تلك المكتبة الكبيرة بصمت وهي ترى حماس مريم الذي ظهر في عينيها فور رؤيتها لكمية تلك الكتب الموجودة بها ، وبدون شعور منها سحبت يد بدور وتعمقت داخلها بسرعة تاركة رسلان ينتظرهما عند المدخل .. توقفت بعد ثوان عند الرفوف التي تحمل الكتب ذات التصنيفات المفضلة لديها تحت إستغراب بدور منها .
إلتفتت إليها مريم أخيرا لتلاحظ إستغرابها ويدها التي لا تزال تمسك بها فسحبتها بسرعة متمتمة ببسمة صغيرة وإعتذار :
– أنا أسفة أنا ببقى تلقائية لما اكون مبسوطة عشان كده سحبتك معايا من غير ما اخد بالي .
هزت بدور رأسها ومازالت على إستغرابها من لطف مريم المفاجئ ، لكنها إختارت إلتزام الصمت وظلت تتابعها وهي تمسك بالكتب بحماس وتقلبها بين يديها ثم تحدثت أخيرا :
– هو انتِ بتقراي ايه بالضبط ؟
إلتفتت إليها مريم بإنتباه وقالت :
– يعني التصنيفات الي بقراها ؟
– اها ؟
– بقرا رومانسي ، فانتازيا ، خيال علمي وساعات بقرا رعب .
– وبتستفيدي منها ايه ؟

 

 

تفاجأت مريم من سؤالها لكنها أجابت ببساطة :
– هما فيهم حاجات كتيرة ممكن تستفيدي منها بس أنا بصراحة بقراهم للمتعة .
أومأت بدور برأسها ثم أردفت بتردد :
– طب بما انك بتقراي رومانسي كتير يعني انتِ .. خبيرة في أمور الحب وكده صح ؟
رمقتها مريم بتعجب ولكنها ورغم عدم خبرتها إلا أنها فعلت معها كما فعلت مع رسلان وإدعت الخبرة وهي تومئ برأسها بغرور وتقول :
– ايوة أنا خبيرة طبعا ، لو عايزة تستشيري حد في الأمور دي فانتِ وصلتِ للشخص الصح !
أخفضت بدور رأسها بتفكير ثم رفعته قائلة بهمس :
– طب اوعديني الاول ان الي هنتكلم فيه هيفضل سر بيننا .
– اوعدك .
أخذت بدور نفسا عميقا ثم قالت :
– أنا مش عارفة أحدد مشاعري ناحية رسلان ، أنا متعلقة بيه وده الي أنا متأكدة منه بس مش قادرة اتخيل اني مراته .. لما كنت عايشة مع خالي كنت دايما بتمنى يبقى عندي اخوات اولاد عشان يحموني منه وفرحت اوي لما امنيتي الي كنت فاكرة انها مستحيلة اتحققت واول ما شفت رسلان حبيته كأخ ليا وحتى بعد ما عرفت الحقيقة فضلت نظرتي ليه هي نفسها .
سكتت لتأخذ نفسها ثم تابعت :
– بس ساعات بحس برضه اني بحبه حب تاني بس في نفس الوقت مش عايزة اوافق عليه وأخسره كأخ شبه الي اتمنيته انتِ فاهماني ؟
نطقت بكلماتها الأخيرة بحيرة فأومأت مريم بتفهم مصطنع رغم أنها لم تفهم شيئا من كلام بدور الذي كان معقدا بالنسبة لها إلا أنها وجدتها فرصة مناسبة لتقنعها بالموافقة فتحدثت متصنعة الحكمة التي لم تلق بها :
– أولا ، هو صحيح ان أبوكِ وأخواتك المفروض يكونوا سندك في الدنيا بس انتِ في الاخر هتتجوزي وتسيبيهم وهيبقى جوزك هو سندك بعدهم يعني لو خسرتِ رسلان كأخ هتكسبيه كزوج .. بس لو متجوزتيهوش أكيد هو مش هيوقف حياته عليكِ وهيتجوز واحدة تانية وهيبقى مهتم بيها أكتر منك .. تخيلي كده هيتجوز واحدة تانية !
لم تستطع بدور تخيل ذلك ولم تحاول أصلا فقد صبت كل تركيزها على جملة مريم ” أكيد هو مش هيوقف حياته عليكِ وهيتجوز واحدة تانية ” ولا تدري لماذا شعرت بألم في قلبها عند تفكيرها بأنه سيتخلى عن فكرة الزواج بها إن رفضته ولن يبقى متمسكا بها .
لاحظت مريم شرودها فظنت أنها تتخيل الأمر كما أخبرتها لكنها تفاجأت بها تبتسم لها بعد ثوان قائلا :
– خلاص يا مريم شكرا ليكِ وآسفة على كل حاجة عملتها معاكِ من أول ما شفتك ، انتِ طلعتِ طيبة خالص !
إبتسمت مريم هي الأخرى وهتفت بمرح :
– خلاص مش مشكلة سماح المرادي !

 

 

” هناء رجعت خلاص ، متقلقيش ”
أرسلت تلك الرسالة إلى بدور حتى لا تقلق ثم إلتفتت إلى إبنة خالتها وأختها الوحيدة لتجدها تنظر أمامها بشرود ، إبتسمت لها بحنان وجلست بجوارها هاتفة بمحاولة للتخفيف عنها :
– القمر زعلان ليه ؟
إنتبهت إليها هناء وأجابت بحزن :
– هكون زعلانة ليه يعني ؟ مانتِ شايفة حالتي ! أنا مش فاكرة حاجة يا دينا ولا حتى فاكراكِ أو فاكرة أي حاجة عديتها معاكِ !
إنعقد حاجبي دينا بحزن فهي أيضا تتألم لتلك الفكرة لكنها حاولت أن تبعث الأمل في نفس هناء وفي نفسها هي أولا فقالت بثقة :
– متقلقيش ان شاء الله هترجعي تفتكري كل حاجة قريب .. خالو بيقول انه فقدان ذاكرة مؤقت .
أخفضت هناء رأسها دون رد وكادت تعود إلى شرودها لولا علا _ والدة دينا _ التي دخلت الغرفة وهي تحمل طبقا من الحلويات وقالت :
– بصوا عملتلكم ايه !
قالت تلك الكلمات وهي تضع الطبق على حجر هناء فهتفت دينا بمرح :
– اتعودي على الحاجات دي كل يوم عشان ماما بتحب تعملها دايما لدرجة انها كانت عايزة تشتغل في محل حلويات بس بابا الله يرحمه كان رافض انها تشتغل ..
رمقتها علا ببرود ولم تعلق فأردفت دينا بإستفزاز لم تقصده :
– بصراحة مش عارفة ازاي اتقبلت رفضه بسرعة ، أنا لما اتجوز مش هسيب جوزي يقولي لا ولو ح …
قاطعتها علا بسخرية :
– وانتِ هتتجوزي ازاي وانتِ كل ما يجيلك عريس ترفضيه بسبب ومن غير سبب ، ده حتى يامن الولد الحليوة رفضته مرتين مع انه شاريها وكمان محترم وعنده فلوس يعني كان هيعيشها في جنة بس نقول ايه بس على البت الي مش بتقدر النعمة دي !
قالت كلماتها الأخيرة وهي تخرج من الغرفة وتضرب كفيها ببعضهما بحسرة ، بينما لوت دينا شفتيها بضيق وتمتمت وهي تذكر إختطافه لها :
– لا محترم اوي !
تطلعت هناء إلى دينا بإستغراب وتساءلت بعد تأكدها من خروج علا :
– معلش بس هو مين يامن ده ؟
أجابت دينا وهي تشير بيدها إلى مكان عشوائي :
– ابن عم صاحبتي الي ساكنين هنا جنبنا ، مش عارفة هو يعرفني ازاي بس بعد ما شفته أول مرة لقيته جه وخطبني بس أنا رفضت .
– ورفضتِ ليه ؟
هزت دينا كتفيها مجيبة ببساطة :
– مش عايزاه .
– بس على حسب كلام خالتو علا هو خطبك مرتين وشاريكِ صح ؟

 

 

أومأت دينا برأسها ثم أردفت :
– بس أنا مش بحبه !
نظرت هناء إليها بتمعن ثم قالت :
– انتِ بتحبي واحد تاني ؟
نظرت إليها دينا بصدمة لكنها أومأت برأسها ثم تساءلت :
– عرفتِ ازاي ؟
رفعت هناء كتفيها قائلة :
– توقع مش أكتر .. بس هو مين الولد الي بتحبيه ده ؟
– واحد كان زميلي في الثانوية ..
– يعني انتِ بتحبيه من الثانوي ؟
تساءلت هناء بدهشة فأومأت دينا بإيجاب وأردفت :
– ايوة ومن اولى ثانوي كمان وهو برضه كان دايما بيلمحلي انه بيحبني بس من أول ما دخلت الجامعة مشفتوش .
– طب حبيتيه ليه ؟
أجابت دينا بعد تفكير :
– شخصيته جذبتني ، تحسي ان عنده كاريزما وفي نفس الوقت فرفوش والكل بيحبه !
أومأت هناء بتفهم ثم فاجأتها بسؤالها التالي بعد ثانيتين من الصمت :
– افهم من كلامك انه لو مظهرش في حياتك هتفضلي ترفضي العرسان الي بتجيلك لحد ما تعنسي ؟

– هروح عند دينا الأول لما نرجع عشان اطمن على هناء ، ايه رايك تروحي معايا يا مريم ؟
قالتها بدور التي تجلس بجانب مريم بسيارة رسلان في الخلف فأومأت مريم موافقة وهي تحاول كتم ضحكاتها على نظرات رسلان الحانقة لهما بسبب إصرارهما على عدم جلوس إحداهما بالمقعد الأمامي ليأخذا راحتيهما بالحديث فبدا وكأنه سائقهما الخاص .
لم تنتبه بدور إلى نظراته أو ضيقه وسكتت ناظرة إلى الطريق عبر النافذة حتى بدأت تشرد في حياتها التي تغيرت فور ظهور أبيها وإختفاء خالها منها ، والقصة التي سمعتها من والدها والتي تشعر أن وراءها قصة أخرى فهي متأكدة أن والدتها لم تتزوج منه إنتقاما لأخيها كما أخبرها .. وما سيساعدها على معرفة الحقيقة الكاملة هو …
إنتفضت من مكانها فجأة جاذبة إنتباه كل من رسلان ومريم وتساءلت موجهة سؤالها إلى رسلان :
– انت عملت ايه في حكاية الست الي شبه ماما الي شفتها في المول ؟
نظر إليها رسلان من خلال مرآة السيارة مجيبا بهدوء :
– عرفت اوصل للمكان الي هي ساكنة فيه بس لسه مشفتهاش .. هروح بكرة …
قاطعته بدور صائحة بلهفة :
– هروح معاك !
سكت رسلان وحول نظره إلى الطريق دون أن يجيب ، وكانت هي تنتظر إجابته بلهفة حتى قال أخيرا :
– هفكر .

 

 

جلست بجوار إبنتها وخالها حول مائدة الطعام بعد إصراره على تناول الغداء معهم أولا ثم المغادرة لتجهز نفسها للسفر .. إنتبه عبد الرحمن إلى غياب عائشة وياسين فتساءل بإستغراب :
– امال عائشة وياسين فين ؟
هز الجميع أكتافهم بجهل وأردف أكرم وهو يبحث عن بدور ورسلان :
– بدور ورسلان كمان مختفيين .
– رسلان اخد مريم وبدور معاه وقالي انهم هيتغدوا برا، بس ياسين مقاليش حاجة .
وفور إنتهاء عبد الرحمان من إلقاء كلماته، دخلت عائشة بهدوء وألقت التحية ثم جلست بجوار خالد ونظرت إليه نظرة فهم معناها فأومأ برأسه ثم وقف وتحدث مخاطبا عبد الرحمن :
– أنا هروح أجيب ياسين واجي، مش هتأخر يا جدو .
عقد عبد الرحمن حاجبيه بإستغراب وقبل أن يسأل عما حدث وجد خالد يخرج من غرفة الطعام سريعا ومعه عائشة فشعر بالقلق على حفيده ولم يستطع أن يمد يديه إلى الطعام من قلقه .. لكنه إبتسم عندما عاد خالد بعد دقيقتين ومعه ياسين وعائشة وخلفهم آخر شخص توقعوا قدومه، شخص جعل عيني محمد تجحظان وهو يهمس :
– يمنى ؟
إبتسمت يمنى وهي تنظر إلى عبد الرحمن قائلة :
– ايه يا عمي هو أنا مش مرحب بيا هنا والا ايه ؟
نظر إليها عبد الرحمن بغموض ثم هتف وهو يشير لها بالجلوس :
– لا ازاي يا بنتي اتفضلي .
حولت أنظارها على جميع من بالغرفة وخاصة بثينة التي حاولت تجنبها قدر المستطاع بإستغراب من تواجدها هنا .. جلس كل واحد بمكانه وجلست يمنى بجوار عائشة ثم بدؤوا في تناول الطعام في جو ساده التوتر بسبب ظهور طليقة محمد فجأة، وتحديدا في نفس الوقت الذي حضرت فيه بثينة .
ومن جهة أخرى، كان هو ينظر إلى طبقه بتشتت ولم يأكل منه شيئا .. لم يرها منذ فترة طويلة، فقد كان يتجنب مقابلتها ولو صدفة حتى لا يضعف أمام مشاعره ناحيتها والتي بقيت مخلصة لها طوال هذه السنين .. وظهورها أمامه بعد كل هذه المدة شقلب كيانه، وحرك مشاعره التي كانت في سبات عميق بسبب غيابها الطويل .
لعنها في سره بسبب ما فعله ظهورها به في لحظة، غير مدرك لحالتها التي لم تكن أفضل من حالته، فهي أيضا تشتاق إليه، ورغم زواجها من آخر إلا أنها مازالت تحتفظ بمشاعرها ناحيته، وكان قرار ظهورها هذا نابعا من غيرتها التي لم تنتهي عليه، مِن هذه التي تدعى .. بثينة !
حولت أنظارها إلى هذه المرأة التي كانت قبل سنوات شابة صغيرة تتدلل على حبيبها .. وعندما علمت بقدومها الآن لم تستطع منع نفسها من المجيء لتضع لها حدا إن حاولت التقرب إليه ثانية .. لكنها كانت تبدو هادئة ولا يظهر بأنها تنوي على شيء، على عكس إبنتها التي لاحظت يمنى نظرات الإعجاب التي كانت توزعها على شباب العائلة بما فيهم خالد وعدي وكذلك ياسين !
بعد إنتهائهم من تناول الغداء، إختفى محمد من بينهم تماما تجنبا لمواجهتها وجلست يمنى مع إبنتها حيث الجميع وهي سعيدة لترحيبهم بها متناسين ما حصل سابقا .. إلى أن جاء موعد ذهاب بثينة، والتي ودعت الجميع حتى إبنتها ثم خرجت من بوابة القصر لكن صوت يمنى التي تبعتها أوقفها :
– استني .

 

 

إستدارت إليها بثينة بهدوء ثم قالت بإبتسامة :
– مش عارفة انتِ هنا ليه بس واضح انك لسه بتغيري على محمد مني حتى بعد إنفصالكم، بس متقلقيش أنا مبقتش بحبه ولا بفكر في …
قاطعتها يمنى قائلة بحدة رغم الراحة التي سيطرت عليها عند سماعها لكلماتها :
– أنا مش جاية عشان كده لان مبقاش في حاجة بيني وبين محمد .. أنا بس جاية أقولك اني مش هسكت لبنتك لو فكرت تلف حوالين أولادي والا جوز بنتي زي ما مسكتلكيش زمان .
تجاهلتها بثينة وهي تتابع طريقها لكنها في الحقيقة كانت قلقة وخائفة من أفعال إبنتها .. بينما إستدارت يمنى إلى خالد الذي خرج خلفها وهمست له بهدوء :
– روحني دلوقتي يابني ..

وقف بسيارته أمام منزل دينا لتنزل منها بدور ومريم بعد أن قضوا كامل اليوم خارج القصر فقد أخذهم بعد ذهاب مريم إلى المكتبة إلى مطعم فاخر لتناول الغداء ثم إلى البحر .. ولا ينكر أنه ورغم عدم حبه للخروج شعر بالسعادة لرؤية فرحتها ولتواجدها تحت أنظاره طوال الوقت .. لكن الرحلة إنتهت وعاد هو إلى القصر تاركا إياها مع مريم عند صديقتها .
دخلت الفتاتان المنزل بعد أن فتحت لهما علا الباب وأوصلتهما إلى غرفة هناء حيث تجلس هناك رفقة دينا، وفور وقوع عين بدور عليها ركضت نحوها وهتفت بلهفة :
– كنتِ فين يا هناء ؟ دينا قالتلي انك كنتِ مختفية انتِ كويسة ؟
نظرت إليها هناء بإستغراب ثم حولت أنظارها إلى دينا التي تنحنحت قبل أن تلقي عليهم ذلك الخبر :
– هناء فقدت الذاكرة يا بدور .
رفعت بدور رأسها إلى دينا وطالعتها بصدمة، بينما همست مريم بعدم تصديق :
– فقدت الذاكرة ؟ ازاي وايه الي حصل ؟
رفعت دينا كتفيها بجهل ثم قالت مخاطبة هناء وهي تشير إلى بدور :
– دي صاحبتي الي حكيتلك عنها والي جنبها دي أخت ابن مرات أبوها الاولى في الرضاعة .
أفاقت بدور من صدمتها ثم خاطبت هناء ثانية بتساؤل :
– يعني بجد انتِ مش فاكراني ؟
أومأت هناء برأسها وبدأ الضيق بالظهور على ملامحها فحاولت دينا تغيير الموضوع قائلة بمرح عندما لاحظت قبول مريم وبدور لبعضهما :
– ايه ده هو انتو اتصالحتوا أخيرا ؟
نظرت بدور إلى مريم ثم إبتسمت وأومأت برأسها فتنهدت دينا بإرتياح ثم أشارت لهما بالجلوس على السرير قائلة :
– اتفضلوا اقعدوا انتو لسه واقفين ليه ؟
جلست كلتاهما ملبيتين دعوتها ثم بدأت دينا الحديث قائلة بعد أن لاحظت إحمرار وجنتيهما دلالة على تعرضهما لأشعة الشمس لفترة :
– هو انتو كنتو فين ؟
– كنا بنتفسح مع رسلان وأبشرك، بدور قررت انها هتوافق عليه خلاص !
قالتها مريم بحماس فصححت بدور قائلة :
– أنا لسه بفكر ومخدتش قرار على فكرة !

 

 

نظرت إليهم هناء بعدم فهم فإنتبهت إليها دينا وشرحت لها بهمس :
– رسلان الي هو ابن مرات أبوها الاولى خطبها من اسبوع كده وهي لحد دلوقتي مش عارفة توافق والا لا .
أومأت هناء بتفهم ثم إلتفتت إلى بدور وتحدثت مخاطبة إياها :
– وانتِ مش موافقة ليه ؟ انتِ برضه بتحبي حد تاني ؟
نفت بدور برأسها بينما تمتمت مريم بإستغراب :
– برضه ؟
ثم إستدارت إلى دينا وأردفت بتوقع :
– لا تكوني انتِ بتحبي واحد تاني وعشان كده رافضة يامن ؟
سكتت دينا ولم تجبها لكن هناء التي أومأت برأسها أكدت لها توقعاتها فتساءلت مخاطبة دينا :
– ويبقى مين حبيب القلب الي رافضة ابننا عشانه ؟
تضايقت دينا وهي تشعر بالسخرية التي غلفت نبرة مريم لكنها أخبرتها بما أخبرت به هناء قبل قليل .. وعند إنتهائها هتفت مريم بحكمة :
– على فكرة ده ممكن يكون بيلعب عليكِ وحتى لو كان بيحبك بجد ممكن تكوني بالنسباله مجرد حب مراهقة وتلاقيه دلوقتي نسيكِ .. والمفروض انك كواحدة عاقلة متضيعيش العريس المناسب الي بين ايديكِ عشان أمل ممكن يتبخر في لحظة لو عرفتِ مثلا انه متجوز .
أخفضت دينا رأسها متمتمة بصوت منخفض قليلا لكنه وصل إلى مسامعهم :
– بس أنا مش هعرف انساه واحب يامن ومش عايزة اظلمه معايا !
– بس انتِ مش مدياه فرصة أصلا عشان يخليكِ تحبيه …
قالتها بدور بإندفاع وشفقة على حالة إبن عمها لكن مريم قاطعتها بهدوء :
– على فكرة انتِ لو حاولتِ تنسي الواد ده وبطلتِ تتابعي أخباره وصوره على السوشيال ميديا هتنسيه بسهولة .
رفعت دينا رأسها إليها وتساءلت بتعجب :
– عرفتِ ازاي اني لسه بتابعه ؟
تجاهلت مريم سؤالها وتابعت :
– انتِ مش بتحبيه أصلا انتِ موهمة نفسك انك بتحبيه .. حصلت معايا قبل كده لما كنت معجبة بصاحب أخويا لما كنت في تالتة اعدادي ولما قولت لصاحبتي اني بحبه قالتلي انه مجرد إعجاب مش حب واني هنساه بسرعة، بس أنا فضلت معجبة بيه لمدة سنتين تقريبا لحد ما اكتشفت اني مش بحبه فعلا واني كنت موهمة نفسي اني بحبه عندا في صاحبتي مش أكتر .

 

 

شردت دينا في حديثها قليلا حتى أفاقها صوت بدور التي أردفت :
– انتِ مش عايزة تعرفي يامن عرفك ازاي ؟
تساءلت دينا بفضول :
– ازاي ؟
– لا ماهو مش أنا الي هقولك، لو عايزة تعرفي إسأليه هو في الرؤية الشرعية .
ثم أضافت بحماس :
– هاا ؟ أقوله انك موافقة ؟

يتبع …

اترك رد