رواية بحر ثائر 2 الفصل السادس 6 بقلم آية العربي
رواية بحر ثائر 2 الفصل السادس 6 بقلم آية العربي
رواية بحر ثائر 2 البارت السادس
رواية بحر ثائر 2 الجزء السادس

رواية بحر ثائر 2 الحلقة السادسة
لو مهما فعلت…
لا تخلفي وعود القلب… يا قلبي…
مهما ابتعدت… أنت لا تبتعدي…
ومهما اختلفت… أنت لا تختلفي…
ومهما صمت.. لصمتي لا تستمعي…
اسمعي ضجة الجراح داخلي….
اقتربي لقلبي مهما ابتعدت أنا…
أنت حياة أحيت قلبي…
أخشى فقدانها…
لا يغضبكِ خوفي و تَذَبْذُبِي..
فكلها محاولات لتبقي معي..
أتنفسك وتأخذين أنفاسي…
أخفيك برمش العين.. فلا تراك غيرُ عينيَّ عين…
(بقلم فيروزة)
❈-❈-❈
رحلت وتركتهم في حالة فوضى بعدما هبت رياحها الخبيثة عليهم ، وقفت تطالعه ونظرات الحزن والغيرة والتساؤلات تحتل مقلتيها وليته يريحها ولكن أمره أصعب مما تظن لذا التفت يهرب وينظر لصغيره الذي يختبئ في حضن جدته ، زفر بعمق وأردف بنبرة حادة يضخ به القوة :
– إن رأيتها مجددًا قف أمامها مرفوع الرأس ولا تخف ، أنت ابني أنا ولا يمكنها بعد الآن المساس بك .
أومأ لوالده بصمت فقبلته جدته وأردفت بنبرة مرحة كي تهون على الجميع خاصة ديما التي وقفت مكانها تطالعهم بعقلٍ شارد كأنها سافرت بأفكارها :
– يالا بس نتعشى وسيبكوا من اللي حصل ده كله ، يالا يا ديما تعالي يا حبيبتي ساعديني نحط الأكل .
التفت يطالعها مجددًا ليجدها تتحرك خطوة نحو المطبخ فأوقفها قبل أن تفعل يمسك برسغها لتلتفت تطالعه بنظرة حملت استفهامًا وعتابًا مستترًا لذا تقدم منها وسحب بذراعه رأسها إليه يقبله أمام أعينهم وابتعد يردف بصدق :
– ربنا يخليكي ليا .
لم تجد بدًا إلا أن تبتسم وتومئ ثم تركته وتحركت تهرب من أمامهم حتى لا تخونها مشاعرها وتبكي الآن ، يراضيها على مافعلته مع زوجته ؟ أم يعتذر على شيء لا تعرفه بعد؟
بعد تناولهم للعشاء وانشغال ديما مع علياء في المطبخ ، جلس ثائر مع والده في غرفة المكتب بناءً على رغبة الثاني .
نظر لابنه مطولًا والآخر شارد يستند برأسه على يده المرتكزة على سطح المكتب ويغمض عينيه بتعب ليتحدث أمجد بمآزرة :
– هتعدي يا بطل ، معلش إنت قدها .
هز رأسه بالرفض ثم رفع رأسه يتنهد بقوة ويبوح لوالده وهو ينظر في عينيه :
– كنت قدها قبل ما هي تدخل حياتي ، أنا جبت نقطة ضعف جديدة لنفسي ، كان لازم ألزم حدودي وأبعدها عني ، ماكنش لازم أحبها .
لم يعهَده محبطًا هكذا ، دومًا يميزه حماسه وتفاؤله لذا أردف :
– من امتى وانت بتركز ع النص الفاضي ؟ أنا شايف العكس تمامًا ، وشايف إنك أخيرًا دورت على مركز قوة تستند عليه بعد ما كنت قربت تقع من الوحدة والغربة والكتمان ، والنهاردة وبعد تصرف ديما اقدر أقولك إنك نجحت جدًا في اختيارك لشريكة حياتك لإن إنت مش شخص عادي ، علشان كدة لازم اللي معاك تكون ديما اللي بتحب وطنها جدًا وبتدافع عنه بكل قوتها ، وعنك انت كمان ، مارتينا مش عايزة خصم سهل أو ضعيف .
ربما والده لا يدرك كم المخاطر القادمة والتي تهاجم ثائر من كل جهة لذا استرسل بنظرة ثاقبة وهو يقرب وجهه منه ويبوح له بما يحمله من ثقل :
– عايزين يجندوا ديما علشان توقع توماس .
صمت أمجد يطالعه بصدمة وتفهم ما يمر به ابنه لذا أومأ ثم أردف بعد برهة :
– فهمت ، معاك حق ، الموضوع مش سهل ، وطبعًا إنت رفضت .
– طبعًا .
قالها بنبرة لا تحتمل التفاوض ليومئ والده مجددًا ويسترسل :
– يبقى لازم تلاقي حل بديل في أسرع وقت لإن لو التحريات أكدت إن ده حل مناسب هينفذوه حتى لو غصب عنك ، لازم تحاول تعرف اللي عند توماس إيه وللأسف ممكن يكون الحل البديل هنا ـــــــــــــ .
– مارتينا .
قاطع والده وأجابه ليومئ أمجد مؤكدًا :
– بالضبط ، إنت فعلًا بين نارين ، حاولت تتكلم مع ديما ؟
ابتسم بألمٍ وعاد يخفي وجهه بين كفيه ويدلك عينيه بإرهاق ثم طالعه يستل يديه ويستطرد :
– ودي لوحدها نار تالتة .
مد أمجد يده يربت على ساق ابنه بمساندة وأردف :
– أنا معاك دايمًا ، وعندي ثقة كبيرة فيك وعارف إنك هتلاقي حل وهتنجح في مهمتك من غير ما تخسر حب حياتك .
أومأ وتنفس مطولًا ثم قرر أن يغير الحديث ، حديثه مع والده رحمة لعقله الذي كاد أن ينفجر ، برغم أن أمجد لن يجد له مخرجًا ولكن يكفيه أن يشاركه لذا أردف مراوغًا :
– مافيش أخبار عن أحمد ؟
تبدلت ملامح أمجد ليشرد قليلًا قبل أن يخبر ابنه عن شقيقه وعن أخباره الأخيرة .
❈-❈-❈
انتهت واتجهت لغرفتها لتصلي .
دومًا كانت الصلاة هي موعدها المفضل الذي تبوح فيه وتدعو ربها بكل ما تريده .
سلمت وجلست على سجادتها تفكر ، واجهت مارتينا وتصدت لها ولكنها كاذبة إن أنكرت تأثرها فتلك زوجة ثائر وأم ابنه رسميًا ، بينما هي لم يتم الإعلان عن زواجهما بعد .
عليها أن تتخذ موقفًا جديًا وسط هذه التراكمات والخبايا ، إما أن يكون هناك توضيحًا يجعلها تتسلح وتتصدى وتقف على أرضٍ صلبة ، وإما أن تلجأ لخيارٍ لا تريده إطلاقًا .
سمعت صوت باب الغرفة يفتح ويغلق فلم تلتفت ولكنها شعرت به خلفها بل سمعته يتقدم ويجلس على طرف الفراش .
استشعرت نظراته لها لذا زفرت بقوة ونهضت تتخلى عن إسدالها، متعمدة ألا تلتفت له بينما هو تعمد ألا يلتفت لسواها، ليتساءل بنبرة متعبة تحمل شغفًا كبيرًا :
– إنتِ زعلانة مني ولا إيه ؟
نبرته تضعفها وتشتت قراراتها تجاهه وهذا أسوأ مافي الحب، إنها حديثة العهد في حب هذا الرجل ولكنها باتت خبيرة نسبةً لقوة عشقه ، الحب يضعف ويقوي، يرفع ويهبط، ينعم ويجحم ، يسعد ويحزن ولكنه لا يخذل قط وهذا ما تتمناه .
لقد بلغ حبه في قلبها مبلغ الدمِ للدرجة التي تجعلها تخشى الحياة بدونه وهذا الشعور موحش مع كل هذه الدوائر المغلقة والتي تخنقها وتضيق حولها دون أن تتحرر .
هي تثق بأن الله كافأها بحبه ولكنها بشرية تحمل شكوكًا وظنونًا ليته يمتلك إزاحتهما عنها.
زفرت وتحلت بالجدية المزيفة والتفتت تطالعه فوجدت في مقلتيه صراعات يخفيها بنظرة حبٍ صادقة لذا أسرعت تسأل وهي تتكتف كي لا تظهر تأثرها :
– هتطلقها امتى ؟
استند بذراعيه على طرفي الفراش وأجابها بثباتٍ :
– لما اخد منها حضانة ابني وده هيحصل قريب جدًا لإنها هنا في ملعبي .
ضحكت بسخرية لاذعة وأومأت تجيبه بغيرة لم تستطع حجبها عنه :
– أيوة اخدت بالي من ده ، بس ياترى هتتنازل عن حضانة معاذ في مقابل إيه ؟ ممكن توضح لي ؟
هب واقفًا وخطا نحوها يمد ذراعيه ويحيط كتفيها فحاولت إبعاده وتراجعت خطوة للخلف تردف بتجهم أصابها بعدما استعادت كلمات تلك المرأة على عقلها :
– وضح لي لو سمحت ، عايزة اسمع منك توضيح ، كتير عليا ؟
أتضغط عليه أكثر أم أنها تريد مشاركته ؟ ماذا يفعل ؟ يقف أمامها يطالعها للحظات مرت عليه كدهرٍ من العجز ليردف بعدها بهدوء مبهم :
– هتعامل معاها بطريقتي .
رفعت كفيها تغطي وجهها وتتلوى بين أنياب الضيق فإجابته لم تزدها إلا اشتعالًا برغم أنها تحاول أن تتمالك ولكنه يستحق محاولات كثيرة منها لذا أبعدت كفيها وعادت تطالعه وتبوح موضحة :
– اسمعني يا ثائر ، أنا وانت لحد اللحظة دي جوازنا مش مُعلن ، مافيش غير أهلي واهلك بس ، لحد دلوقتي قدام الناس كلها مارتينا مراتك وهي عارفة ده كويس، علشان كدة جت وقفت قدامي بكل بجاحة وحاولت تتقرب منك وتوقع بينا، يبقى لازم حالًا تفهمني واسمع منك إنت عملت إيه الأيام اللي فاتت معاها، وناوي تعمل إيه الفترة الجاية ، عايزة اسمع منك تفاصيل ، وأهم حاجة لازم تعرفني هتعلن عن جوازنا امتى ؟
بضيقٍ كبير والقليل جدًا من الصبر أجابها بنبرة حادة نوعًا ما وهو يتكتف :
– قلتلك ماحصلش أي حاجة بيني وبينها ومش هيحصل وكفاية كدة يا ديما الموضوع زاد عن حده أوي ، أنا فكرت إن فعلًا عندك ثقة فيا أكتر من كدة بس واضح إن كلامها أثر عليكي .
أيعقل ألا يكون قد فهمها أم أنه يراوغ ؟ لقد اعتادت منه أن يفهم ما تشعر به ولكن يبدو أن كلاهما قد باتا عند مفترق طرق لذا قررت الصمت .
الصمت الذي لا تحب أن تمارسه معه ، الصمت الذي يدرك أنه سيتسبب في شرخٍ بينهما لذا كان عليه أن يجد حلًا بديلًا عن الشرح والتفاصيل التي تريدها من صندوقه الموصود فأسرع يقترب منها فحاولت الابتعاد ولكنه نجح في تقييدها بذراعيه حول خصرها فنطقت بتحشرج وهي على وشك البكاء تحاول تخليص نفسها منه بوهن نسبةً لسيطرته :
– ثائر ابعد .
كان مهيمنًا بعشقه فلم تستطع مقاومته لتجده يعانقها وصدح داخلها صوت الاستسلام حينما مال برأسه عليها واحتواها ولكنها أرادت أن تستمع لصوت عقلها فعادت تقاومه ولم تدرك أن مقاومتها له في هذا الوقت تحديدًا ما هي إلا خصمًا لرغبته في حلبة عشقٍ اعتاد أن يخرج منها منتصرًا، لذا قبض عليها كليًا وسحبها نحو أريكة كبيرة مجاورة لمكانهما يمددها عليها وابتعد قليلًا ليتخلى عن عراقيله فحاولت النهوض والهرب من رغبتها ومشاعرها قبل أن تهرب منه ، ولكنه منعها وعاد يريحها عليها ثم غلفها بنفسه بشكلٍ كامل ودنى منها يهمس برغبة مُلحة ويديه تطوف على خصلاتها المبعثرة يزيحها ليستمتع بالنظر إلى ملامحها المنزعجة وعينيها التي تكشف عن رغبتها الخفية :
– لو عايزاني ابعد استسلمي .
هل يوقعها في فخٍ خبيث ؟ هل تصدق همسه وتستسلم أم تصدق مشاعره وتقاوم ؟ نطقت بمقاومة ضعيفة بعدما طالبها جسدها بالاستسلام له :
– ثائر بلاش كدة .
ضعفها جعله يتفاخر بما يفعله وأدرك أنها على حافة الاستسلام لذا بدأ يوزع قبلاته ولمساته لتخر مستسلمة وبعدما كانت يديها تبعدانه أصبحت ترتكز بضعفٍ على صدره لتردف بآخر درعٍ تبقى لديها :
– خلاص مش هقاوم بس ابعد دلوقتي .
ابتسم وتعلق في مقلتيها وأردف بنبرة منتصرة متباهية بلغة فرنسية :
– انتصرت ولي مكافأة يجب أن أحصل عليها .
حبست أنفاسها وقررت أن تبخل عليه برغم أنها خشيت أن يبتعد ولكنه فاجأها بهجومه وهمساته من بين قبلاته وهو يردد على مسامعها أنها سيدة قلبه الوحيدة لذا ماكان منها إلا أن تقدم له واجب الضيافة .
❈-❈-❈
صباحًا في الإمارات
جلس في شركته يستمع إلى حوارها عبر شاشة التلفاز ، بات مؤخرًا ينتظر برنامجها .
سيدة جميلة تبدو أربعينية ، ترتدي حِلة نسائية أنيقة ومحتشمة وتغطي خصلاتها بغطاء رأس لم يخفِ عنقها ، تبتسم بهدوء ورزانة ولكن عيناها تسردان له قصة مختلفة تشبه مخرج هذا العمل الذي لا يراه ولكنه على يقين بوجوده .
تلهمه الكثير من خلال نصائحها التي تقدمها كل صباح ، وها هو على موعد مع نصيحة جديدة حيث تبتسم وتقول :
– لو لقيت حد بيحب وجودك جنبه ، بيطمن معاك ، بيسمعك وبيحكيلك عن كل تفاصيله ، بيكلمك دايمًا وبيلجأ لك في زعله أو فرحه ، بيضحك أول ما بيشوفك وعيونه بتلمع ، أوعى تسيبه ، اتمسك بيه بكل قوتك لإنك لو خسرته هتكون خسرت الضوء اللي بينور طريقك في الوقت اللي كنت مشغول فيه بجمع الحصى من الأرض .
تنفست بعمق كأنها تتحدث إلى نفسها واسترسلت :
– والعكس صحيح ، لو الطرف الآخر في حياتك مصمم يهمل مشاعرك ويتجاهلها تمامًا ، إنت مش فارق معاه وحاسس إنه ضامن وجودك ، بيستغلك وانت من جواك عارف ده وبتتغاضى علشان المركب تمشي أحب أقولك إنها بتغرق وانت جواها لوحدك ومش واخد بالك ، لازم تحب نفسك وتصلح مركبك أو تسيبه حالًا وتوصل لأقرب بر أمان ، إنت تستاهل تتحب .
زفرت وابتسمت ونظرت في البطاقة التي تحملها بين يديها ثم عادت تنظر نحو الكاميرا واستطردت بابتسامة رسمية وصدق :
– البنات والشباب اللي بيكتبوا كومنت على الحلقات إني عار ع الحجاب وإني بسيء ليه ، براحة شوية يا جماعة مش كدة ، مين قال إني محجبة أصلًا ؟ أنا ولا مرة طلعت وقلت ده وأنا عارفة إن التربون ده أبدًا مش حجاب ، ولا حتى الطرحة البسيطة اللي بتغطي الشعر حجاب ، الحجاب الصح واللي اتفرض علينا هو اللي أنا وبنات كتير نتمنى نلبسه في يوم من الأيام بس حقيقي الموضوع محتاج جهاد نفس وانا بحاول ، ادعولي بدل ما تهاجموني وأنا متأكدة إن الشباب اللي بيهاجموني دول أصلًا وقت صلاة الفجر بيكونوا في سابع نومة ، ياريت كل واحد يخليه في نفسه وماحدش ينظّر على حد خصوصًا في دينه .
استمع لها واكتشف أنه كان يبتسم كأنها تراه ، ليفكر قليلًا ثم التقط هاتفه وقرر مراسلتها عبر صفحتها الخاصة التي حصل عليها، لذا دون رسالة كتب فيها.
( صباح الخير يا أستاذة أسما ، مع حضرتك أستاذ أحمد ذو الفقار صاحب شركة **** اللي مقرها في الإمارات ، كنت حابب اتواصل معاكي بخصوص شغل ، يشرفني إنك تنضمي لينا كواجهة إعلامية للشركة ، لو مافيش مانع ياريت تبعتيلي رقمك وهتواصل معاكي اشرحلك التفاصيل .
أرسل رسالته ووضع الهاتف على مكتبه وشرد يفكر لِم فعل هذا ؟ هل يريد فعلًا واجهة إعلامية للشركة ؟ أم أن لديه شيئًا آخر؟
❈-❈-❈
استيقظت تتحسس مكانه فلم تجده بجوارها ، رفعت جذعها تبحث عنه ثم همست بتحشرج :
– ثائر ؟
ليس هنا ، لقد تعمد أن يستيقظ ويرحل قبل أن تشعر به ، لم ينم بشكلٍ جيد وكل ما يشغل باله كيف يوقع توماس ومارتينا معًا لتنتهي هذه المهمة وينعم معها ومع الصغار بالسلام .
زفر بضيق وأمسكت بجانبي رأسها ثم شردت فيما حدث بينهما أمس ، كيف كسر مقاومتها بتلك السهولة بل جعلها تتعطش للمزيد منه .
ألهذه الدرجة باتت سطوته وهيمنته على مشاعرها كبيرة ؟ حتى أنه لم يخبرها متى سيعلن زواجهما للجميع .
ترفض هذا الضعف ولكنها تشعر أنها قوة من نوعٍ آخر خاصةً معه لذا شردت قليلًا تستجمع أفكارها؛ أعليها أن تمتلك عزيمة قوية وتواجهه أم تمتلك عزيمة أقوى وتتحمله ؟ ولكن إلى متى ؟ ولما لا يبوح بما يؤرقه مهما حاولت استقطابه ؟
زفرت بضيق فليس لديها أجوبة لذا نهضت تتجه إلى الحمام لتغتسل وتبدأ يومها .
مر الوقت حتى خرجت من الغرفة تبحث بعينيها فلم تجد سوى علياء التي ابتسمت لها قائلة بهدوء :
– صباح الخير يا ديما ، واضح إنك كنتِ سهرانة إمبارح .
جلست تجاورها وازدردت ريقها بحرجٍ حاولت إخفاؤه بملامح حزينة تجيبها :
– سهرت شوية فعلًا ، أومال فين معاذ وثائر وبابا أمجد ؟
أجابتها علياء بتريث :
– نزلوا كلهم ، معاذ بدأ دروسه النهاردة وثائر قال هيوصله على درس العربي وأمجد هيجيبه وهو راجع لإن ثائر قال إنه هيتأخر ، عايزه يتكلم مصري بأي طريقة .
لم يلفت انتباهها سوى أنه سيتأخر ولكنها أومأ بصمت لتربت علياء على كفها وتسترسل وهي تنهض :
– تعالي معايا يا ديما .
تعجبت ديما ولكنها نهضت تتبعها حيث غرفتها ، دلفت علياء واتجهت نحو خزانتها تخرج منها علبة خشبية مستطيلة مصنوعة يدويًا بحرفية عالية .
وقفت ديما تطالعها بتعجب فاتجهت علياء تجلس على مقعد جانبي وتشير لديما أن تتبعها ففعلت .
فتحت علياء العلبة التي تحتوي على مجوهرات قد ورثتها وأخرى أهداها إياها أمجد لذا التقطت من بينهم خاتمًا من الألماس ثقيل الوزن صنع بحرفية تتفوق على صناعة العلبة بمراحل ، يتوسطه حجرًا من الياقوت النادر ، مدت يدها نحو ديما تمده لها قائلة :
– ده ليكي .
تصنمت ديما تطالعه بذهول ثم رفعت مقلتيها تنظر إلى علياء متساءلة :
– ليا ؟ علشان إيه ؟
التقطت علياء كف ديما وألبستها إياه لتجده يناسب إصبعها كأنه صنع لها لذا ابتسمت علياء وربتت على كفها تستطرد بحنان :
– الخاتم ده ورث العيلة ، بنسلمه لبعض، وكان المفروض إني اديه لسها بنت أخويا ومرات أحمد الكبير ، بس هي ماتستاهلوش أبدًا علشان كدة فضلت محتفظة بيه ، لما ثائر اتجوزك قالي إنه ماجبلكيش خاتم وطلب مني لما تنزلي مصر البسك الخاتم ده ، أنا وقتها قلتله لما اشوفك واعرفك الأول واشوف تستحقيه ولا لاء ، بس بعد اللي عملتيه إمبارح قدام الحرباية مارتينا علشان ابني وحفيدي أكدتي ليا إنك مش بس تستحقي الخاتم ، انتِ تستحقي أكتر من كدا بكتير وأهم حاجة تستحقي حب ثائر ليكي ، أنا عارفة ابني كويس لما بيحب بيعمل إيه .
برغم السعادة التي نفضت غبار أحزانها من كلمات علياء إلا أنها ركزت مع جملتها الأخيرة فنطقت بغيرة :
– هو حب قبل كدة ولا إيه ؟
ابتسمت علياء عليها وتابعت موضحة :
– لاء ، بس أنا عارفة طبع ابني وشخصيته ، هو عاش عمره كله يدور على الحب وعلى واحدة تفهمه من غير ما يحكي لإن ثائر غير أحمد ، ثائر كتوم جدًا ومش سهل يبوح بحاجة جواه ، ولما اتجوز مارتينا فكرت إنه بيحبها، بس كانت غلطة ، يمكن يا حبيبي بسبب سفره ووحدته والظلم اللي حصله هنا ، المهم إن ابني دلوقتي رجع لوطنه ولقى اللي بيحبها ، وانا عايزاكي مهما حصل أوعي تتخلي عنه ، اسمعي مني وصدقيني أنا عارفة إنك إنتِ كمان بتحبيه أوي ، وعارفة إن اللي قالته مارتينا امبارح واجعك أوي وأنا لو مكانك مش هستحمل بس أوعي تبينيلها إنها انتصرت عليكي ، هو هيطلقها زي ما عمل قبل كدة بس ياخد منها حضانة معاذ وتغور على بلدها ، هي مفكرة إني هسمحلها تاخده وتاخد حفيدي وترجع على فرنسا تاني بس نجوم السما اقربلها وانتِ معايا وهتساعديني ، ماشي يا ديما ؟
هل تعتمد على كلمات علياء وتقبل ؟ هل لديها القدرة لتتحمل الطوفان القادم ؟ هل لديها طاقة لتمر باختبارات عنيفة وهى التي خرجت للتو من تجربة مؤلمة ما زالت تتعافى من أثرها ؟
لم ترد كسر خاطرها وفرحتها لذا أومأت مبتسمة بهدوء تخفي قلقها :
– أنا معاكِ يا ماما وواثقة إن اللي جاي خير بإذن الله.
بادلتها علياء الابتسامة وتنهدت بعمق وارتياح لتستطرد ديما وهي تتحسس الخاتم في إصبعها :
– شكرًا على الخاتم ، بجد فرق معايا جدًا في قيمته المعنوية .
أردفت علياء بخبثٍ ليس لها :
– زي ما قولتلك ثائر كان عايزني ألبسهولك أول ماتنزلي مصر ، بس أنا اللي اتأخرت ، لما ييجي بقى شوفي هتشكريه إزاي .
ابتسمت بخجل فأسرعت علياء تستطرد وهي تنهض وتمسك بكف ديما :
– يالا تعالي نشوف اللي ورانا .
❈-❈-❈
بعد تناولهم للفطور نهض داغر ينوي المغادرة لعمله ولكنه تذكر مكالمة صالح لذا أردف موجهًا نظره لشقيقته التي تجلس على المائدة :
– بقولك إيه يا دينا ، صالح عايز يكلمك ، خدي تليفوني أهو ورني عليه بس بسرعة .
مد يده يناولها إياه فالتقطته منه بوجنتين متوردتين خجلًا ثم تحمحمت وتساءلت بخفوت :
– عايز يكلمني ليه ؟
لمح الحما س في عينيها فابتسم وهز كتفيه ينطق مراوغًا :
– كلميه وهتعرفي .
أومأت له ونهضت تتجه نحو الشرفة وتلتفت لهم تطالعهم لتجدهم جميعهم ينظرون نحوها لذا تذمرت تردف بغيظ :
– اللا ، بصوا قدامكوا في إيه!
ابتسمت منال تهز رأسها بقلة حيلة بينما نظر داغر باستنكار إلى بسمة التي ابتسمت وأطرقت رأسها بصمت .
وقفت دينا في الشرفة وعبثت بهاتف شقيقها وطلبت رقمه بالفعل وانتظرت لثانيتين فقط حتى فتح الخط يردف متلهفًا :
– معك ياخو .
تحمحمت فتهاوى قلبه وعلم أنها هي قبل أن تردف :
– أنا دينا يا صالح .
سقطت القلوب الحمراء من مقلتيه وتبدلت نبرته يجيبها بتوتر :
– كيفك دينا ، شو الأخبار ؟
– الحمد لله .
هكذا أجابته ليتحمحم ويزداد توتره وتبخر كل ما رتبه أمس من كلمات لذا تحدثت هي :
– داغر قال إنك عايز تكلمني .
لعن داغر سرًا برغم سعادته بهذه المكالمة لذا حاول أن يهدأ ويتروى قائلًا بنبرة أقل توترًا :
– ااه ، كنت بدي آخذ رأيك بشغلة ، شو رأيك لو خلينا قراءة الفاتحة الجمعة الجاية ؟
ابتسمت بسعادة والتفتت تنظر نحوهم لتجد نظرات داغر مصوبة عليها يطالعها بخبث وغيظ يشير لها أن تتعجل لذا تجهمت وعادت تلتفت وتردف بهدوء :
– ماشي يا صالح ، موافقة .
انفرجت أساريره وشعر أنه يود لو يوزع فرحته على الجميع ولكنه تأنى يتساءل بقلبٍ متضخم :
– تمام ، محتاجة شي ؟ قولي لا تستحي لو بدك أي شي بيكون عندك اليوم .
تضخم قلبها من كلماته ونطقت بخجل :
– لا شكرًا ، مش محتاجة حاجة تسلم .
أومأ يجيبها :
– الله يسلمك ، وصلي سلامي للخالة منال .
أومأت وأغلقت معه وتحركت تخطو نحو داغر الذي لم يُزِح عينيه عنها وحينما مدت يدها تناوله الهاتف تساءل بترقب وغيرة واضحة :
– قالك إيه ؟
انزعجت بسمة من تسلطه والتفتت تطالعه بنظرة معاتبة فزفر يدعي استسلامه ولكنه كان يريد أن يسمع من شقيقته التي نطقت باستفزاز متعمد :
– ابقى اسأله ياخويا .
تتحول شخصيتها سريعًا فهذه المستفزة لا تشبه الخجولة التي كانت تتحدث منذ لحظات ، وهذه ميزة دينا لذا جز على أسنانه وقرر أن يغادر بعدما ودعهن لتطالعها منال بترقب وتتساءل :
– إيه يا دودو مش هتقوليلي صالح قالك إيه ؟
عبست دينا وأردفت وهي تعاود الجلوس :
– ما أكيد داغر قايلك يا ماما ، صالح كان بياخد رأيي في معاد قراية الفاتحة .
أومأت منال بهدوء فقد أخبرها داغر صباحًا بذلك وكم أسعدها هذا الخبر وتمنت أن تنعم صغيرتها بالحب والتفاهم مع ذلك الصالح .
❈-❈-❈
في الفندق الذي يقيم فيه توماس ومارتينا ، جلسا في البهو يتناولان فطورهما وكم كانت منزعجة ، بصعوبة بالغة هدأت ليلة أمس على عكس توماس الذي يدندن بسعادة وثقة .
نطقت بغيظ من بروده :
– أراك منشرحًا ، هلا قلت لي ماذا سنفعل ؟
زفر وارتشف قهوته يدقق النظر في كل الاتجاهات بعدما درس وفحص المكان جيدًا ثم مال قليلًا وأردف بعبث مبطن بالخبث :
– لا شيء ، سنستمتع الآن وغدًا قبل أن نبدأ المباراة ، قلت لكِ لا تتعجلي الذهاب إليه ، تصرفي بهــــــــــدوء لتحصلي على نتيجة ممتازة .
تطلعت نحوه بعمق ثم ابتسمت ساخرة وتساءلت :
– وأنت كيف ستتصرف بهدوء ؟ كيف ستعلم أخبارًا عنه ؟
شرد قليلًا ثم أردف بهمس مقربًا نفسه منها أكثر :
– يكفي أن أجد مدخلًا لتلك الفرعونية وأعدك أنني سأجعله عبرة لكل أبناء وطنه الحمقى .
راقت لها خطته خاصةً وأنه سيحاول الاقتراب من تلك الديما لذا شردت تفكر ثم عادت تتساءل :
– وكيف سيتم ذلك ؟ ماذا إن لم تستجب لك ؟ أراها متمسكة بمكانتها داخل منزل ثائر .
ضحك وأجابها بغرور أقرب للثقة :
– لدي المؤهلات لأفعلها ، أنا خبير في التعامل مع المصريات ، ولكن فقط أحتاج مساعدتك .
قطبت جبينها مستفهمة تتساءل :
– وكيف ذلك ؟
تنفس بقوة ثم اعتدل على مقعده ووضع ساقًا فوق الأخرى يستطرد بتسلط وعينين ماكرتين :
– فقط كل ما في الأمر أنكِ ستذهبين للعيش في منزل زوجك ، أنتِ زوجته الرسمية وام ابنه لذا فمعكِ كامل الحق في ذلك ، وهناك ستمارسين كيد النساء ، كل ما عليكِ فعله هو تحطيم سعادة المسكينة ديما كي تهيئين لي احتواءها ، فهمتِ ؟
– وماذا بعد احتواءها ؟ كيف ستوقع ثائر ؟
سؤالها نبع من شخصيتها واهتمامها الأزلي بثائر ليبتسم توماس بشرٍ ويردف بتأكيد :
– سيقع وحده لا تقلقي .
لم تفهم جملته لذا قهقه عاليًا فبدأت تدرك مقصده واشتعلت داخلها نيران الانتقام وتوعدت أن تزيح تلك المرأة مهما كلفها الثمن ولتستعمل طريقتها في علاج ثائر من أثر حبها .
❈-❈-❈
في تلك الأثناء وفي مكانٍ خاص حدده صقر .
جلس الأول وخالد وثائر يضعون خطة للإيقاع بتوماس وانتشال جميع المعلومات منه في أسرع وقت وقبل أن تنفذ المخابرات خطتها البديلة .
تحدث صقر بهدوء مستفسرًا :
– والمعلومات دي محتفظ بيها فين ؟
أشار ثائر نحو عقله وأجاب بثبات :
– هنا ، كل المعلومات اللي ممكن نحتاجها موجودة في عقله ، عنده ذاكرة قوية ودي مركز قوته .
ضيق خالد عينيه يفكر ثم أردف بتوقع :
– ممكن يكون فيه شريهة في عقله ؟ ده اهتمال كبير .
نظر ثائر له ومط شفتيه بشك بينما أومأ صقر مؤيدًا ليسترسل خالد متسائلًا :
– وإيه هي نقطة ضأفه ؟
أجابه ثائر بغضب واشمئزاز :
– الستات .
– وتحديدًا اللي جنسيتهم عربية .
قالها صقر مردفًا بدلًا عن ثائر الذي رفض قولها ليشعر أنه على حافة الجنون ولكن جنونه جوفي على عكس خالد الذي نطق بسبابٍ لاذع :
– ابن ال * ، نهايته هتكون ألى إيدي .
رفع صقر حاجبيه يردف بمكر :
– يمكن دي نقطة ضعفه ونقطة قوتنا .
– إزاي ؟
سألها ثائر بتجهم وغضبٍ موقوت فتابع صقر موضحًا :
– مش اللي وصلك ، بس ممكن نستغل ده ونعرف نجيبه ونقرره .
نطق ثائر بجدية مطلقة :
– ابعد عن السكة دي ، سهل نجيبه بس نقرره دي مستحيل ، إنت لسة ماتعرفش توماس كويس أنا اللي عارفه ، واللي هيحصل دلوقتي إننا هنحطوا تحت عنينا كويس جدا هو ومارتينا ، وهنركز مع رحمة لإنه أكيد هيروح لها ، هو كل اللي هيحاول يعمله إنه يوقعني ويشوف أنا ورايا ايه ، لو مسكنا عليه أي مكالمة أو تسجيل بيهدد امننا وقتها هينتهي توماس وانا بنفسي اللي هخلص عليه .
❈-❈-❈
بعد ثلاثة أيام .
قررت بسمة الذهاب للشركة بنفسها اليوم حيث ستجتمع مع أحد المستثمرين الآسيويين .
ارتدت ملابسها الأنيقة وتناولت حقيبتها وهاتفها لتهاتف داغر وتخبره ، انتظرت رده ولكنه لم يجِبها لذا زفرت وقررت إرسال رسالة نصية له تخبره بضرورة ذهابها للشركة .
أرسلتها وخرجت تودع منال وتخبرها بالأمر فأومأت لها وودعتها ولكنها تشعر أن ابنها لن يتقبل هذا الأمر لذا تنهدت بضيق خيفةً من حدوث خلافات بينهما .
على الجهة الأخرى كان هو منغمسًا في عمله مع صالح في موقع المصنع وحينما انتهى توجه إلى الخزنة التي يحتفظ بأغراضه فيها واستل هاتفه يعبث به ليرى مكالمة من بسمة وإشعارًا برسالة نصية .
فتحها وقرأ محتواها لذا تجهمت ملامحه وقرر مهاتفتها ، كانت تقود سيارتها في طريقها إلى الشركة حينما رن هاتفها فأجابت من خلال سماعة الأذن :
– أيوة يا داغر ، قرأت الرسالة ؟
أجابها بنبرة هادئة نوعًا ما تخفي القليل من التسلط والغضب :
– أيوة قرأت بس ليه فجأة رايحة الشركة ، وبعدين ليه تنزلي لوحدك وإنت عارفة إن عمك او ابنه ممكن يتعرضولك ؟
أجابته بتوضيح وعينيها على الطريق :
– ماتقلقش عليا يا حبيبي مش هيقدروا يعملوا أي حاجة معايا ، أنا تواصلت مع شركة حراسة وفعلا هقابل حد منهم النهاردة في الشركة وكله هيبقى تمام .
وجدها تنظم أمورها بدونه ، ألم تعد بحاجته ؟ هل انتهى دوره كـ حامي لها ؟ حتى أنها لم تتحدث معه عما تنوي .
حينما طال صمته علمت ما يفكر به لذا استطردت موضحة :
– إنت الأيام اللي فاتت كنت مشغول جدًا يا داغر وأنا ماحبتش ازودها عليك وعارفة إن في دماغك حاجات كتير ، علشان كدة قلت اتصرف ، مش عايزاك تبقى زعلان ، أوعدك هخلص وارجع علطول .
ترقبت نبرته حيث زفر يجيبها بهدوء يواري به غضبه وحزنه :
– تمام يا بسمة ، سلام .
أغلق ووقف يقبض على الهاتف بقوة ليظهر صالح من خلفه يربت على كتفه ويحاول نزع الهاتف من قبضته قائلًا :
– شوي شوي ياخو الموبايل راح يفقع .
حرره داغر وازدرد ريقه يتنفس بعمق ويشرد للبعيد فتساءل صالح مستفسرًا :
– شو صار ؟
نظر له قليلًا لا يعلم أيخبره أم يصمت ليجد نظرات صالح تحثه على الحديث وهو يوقن أن صديقه هين لين بطبعه لذا أردف يخبره :
– بسمة نزلت الشركة النهاردة واتكلمت مع شركة حراسة علشان يكون معاها حد يحرسها .
شرد صالح قليلًا يفكر ثم عاد يطالعه ويردف برتابة :
– خير ما عملت ياخو ، أكيد عملت هيك عشان شايفتك مشغول هالأيام ، بلكي حبت تزيح من على اكتافك شوي .
عرض عليه الأمر من جهة أخرى فوقف داغر يفكر قليلًا وبرغم اقتناعه بكلمات صالح إلا أن قلبه يرفض حراسة آخرٍ لها ، يرفض أن تهمشه من مسؤولياتها ، يريد أن يهتم بكل ما يتعلق بها بنفسه ولكن هل يستطيع مع كل مشاغله ؟
وقف ينظر لصالح الذي يومئ له وتساءل داخله ، ماذا تريد يا داغر ؟ هل أصبحت أنانيًا أم أنك للتو تتعرف عليها ؟
❈-❈-❈
انشغل ثائر بشكلٍ مضاعف خلال هذه الأيام كي ينهي مسألة توماس سريعًا، ولكنه لم يحصل على شيء مما جعله يصبح أكثر غضبًا وعنفًا لذا ابتعد عن المنزل حتى لا يواجهها وكلما حاولت الاتصال به وسؤاله عن مكانه يخبرها أنه منشغلٌ بافتتاح فرع المجلة ويغلق سريعًا ، في فرنسا كان يكُب غضبه في جولات الملاكمة، ولكن هنا لم تعد هذه الرفاهية متاحة، خاصةً في هذا الوقت لذا فهو يقف على عتبة الانفجار ويتمالك بصعوبة .
هذا العدو ليس سهلًا على الإطلاق فهو لم يترك خلفه أي شيء ، حتى النسخة الورقية من المعلومات التي لديه يحتفظ بها في بلده في مكان لم يصل إليه ثائر طوال السنوات الماضية ، خصم يميزه دهاءه ليتفوق على مارتينا ووالدها في ذلك ، حتى نقطة ضعفه في كثير من الأحيان تتحول إلى نقطة قوة كما حدث مع رحمة التي بات يستطيع تشكيلها كما يريد .
ولهذا فإن ثائر في حالة فوضى داخلية وبين شقي الرحى ومع ذلك يرفض مشاركتها هذا الأمر ، فكيف ينظر في عينيها ويخبرها أن الأمان الذي وعدها به تبدد ؟
انشغاله عنها جعلها تهمل طعامها برغم محاولات أمجد وعلياء ولكن شهيتها أغلقت أبوابها لا إراديًا ، حاولت أن تذهب لترى صغيريها ولكنه رفض بشكلٍ قاطع وأرسل لهما أمس سيارة جاءت بهما إليها وقضت معهما بعض الوقت ثم رحلا عائدين إلى منزل والدتها .
جلست على الفراش تتحدث معهما وتحاول تعويضهما عن غيابها ، لقد ظنت أن عودتها ستكون لهما لذا فهي حزينة كثيرًا ولكنها تبتسم وتردف بوهن من خلال المكالمة المرئية عبر الهاتف :
– يالا يا رؤية لوني الفراشة بالبينك ووريني .
نفذت رؤية ما قالته ولكن مالك كان عابس الوجه حزينًا فنادته متسائلة :
– مالك حبيبي زعلان ليه ؟ يالا خلص الماث .
باغتها بنظرة لومٍ لم تتحملها ونطق بنبرة أكملت عليها :
– ماما إنتِ مابقتيش تحبينا إنتِ كمان ؟ بقيتي زي بابا مش عايزانا صح ؟ عايزة علطول تبقي قاعدة عند أونكل ثائر ومش هتيجي عند تيتا تاني ، علشان كدة أنا مش هاجي عندك تاني أنا كمان .
رصاصة كلمات صغيرها استهدفت قلبها ولم تحتمل أكثر فبكت أمامه تهز رأسها برفضٍ قاطع وتردف :
– لاء يا مالك طبعًا ، ماتقولش كدة أبدًا يا حبيبي إنت واختك أغلى حاجة عندي .
تساءل الصغير متألمًا :
– طيب ليه معاذ يقعد معاكي واحنا لاء ؟
هو محق وعليها أن تقرر في الحال لذا أومأت تردف بحجة مقنعة بالنسبة له :
– لإني بعلمه يتكلم زينا بس وعد مني قريب جدًا هنعيش سوا ومش هبعد عنكم أبدًا مهما حصل .
جاءت منال من خلفهما وجلست لتراها وحينما وجدتها تبكي انزعجت وأردفت بضيق :
– مالك بس يا حبيبتي ؟
التفت مالك ينظر إلى جدته وأردف بصدق :
– أنا زعلتها يا تيتا من غير قصد ، علشان عايزها ترجع تقعد معانا وماتقعدش عند أونكل ثائر ومعاذ وتسيبنا .
انزعجت منال واحتوت الصغير تعانقه ثم أبعدته تردف بتروٍ :
– ماما أصلًا قاعدة هناك الفترة دي علشانكوا انتوا ، إنت عارف إن باباك كان عايز ياخدك إنت واختك تعيش معاه في بيته وطبعًا دي حاجة ماما مش هتسمح بيها علشان كدة اتكلمت مع أونكل ثائر اللي وعدها إنه هيعمل بيت كبير وياخدكوا تعيشوا فيه سوا معاه ومع معاذ وماما قاعدة هناك دلوقتي علشان مامت أونكل ثائر وباباه تعبانين وهي بتساعدهم لحد ما أونكل ثائر يخلص ، وبعدين مش انتوا كنتوا هناك إمبارح ومعاذ كان فرحان جدًا وانت قولتلي انه عايزك تلعب معاه علطول ؟ وكمان أونكل ثائر بيكلمك وقالك على البيت الكبير اللي بيجهزه ؟ طيب زعلان ليه بقى ؟
تفاجأت ديما من كلمات منال وأدركت أن صغيرها يشعر بالغيرة لذا كان عليها أن تتقبل غيرته برغم أن انزعاجها من كلامته لم يزُل تمامًا خاصةً وأنها تشعر بالتقصير معهما وزاد من شعورها هذا تصرفات ثائر الغير مبررة لذا نطقت بعد تنهيدة حارة :
– زي ما تيتا منال قالتلك يا مالك ، أنا هنا لفترة صغيرة وبعد كدة مش هبعد عنكم أبدًا ، خلاص يا حبيبي ؟
ابتسم الصغير وأرضته كلمات جدته ووالدته لذا أومأ وأردف وهو يمسك بقلمه ودفتره :
– ماشي يا ماما ، وأنا هخلص واجباتي كلها .
تحرك يجاور شقيقته فحملت منال الهاتف نحوها وابتعدت قليلًا تسترسل بهدوء :
– هوني على نفسك يا ديما ، مالك غيران عليكي من ثائر مش أكتر ، ودلوقتي كمان شايف معاذ قريب منك ، معلش يا حبيبتي ماتزعليش منه بس حاولي تتكلمي مع ثائر وتلاقي حل .
أومأت باقتناع وتذكرت حفلة شقيقتها لذا أجابتها :
– ماشي يا ماما ، هقفل دلوقتي لإن تقريبًا ثائر وصل ، خدي بالك من نفسك ومن الأولاد .
أغلقت وبالفعل وجدته يدلف الغرفة ويغلق الباب مردفًا بتعب :
– مساء الخير .
– مساء النور .
يتعمد إخفاء وجهه عنها ولكنها بحاجة إلى المواجهة لذا نهضت تتساءل :
– اجهزلك العشا ؟
هز رأسه بلا وهو يخلع حلته ويلقيها جانبًا ثم بدأ يفك أزرار قميصه فاسترسلت مباشرةً :
– طيب أنا بكرة الصبح هروح اقضي اليوم مع الأولاد ، هخرجهم ونغير جو شوية ومعاذ يبقى معانا .
توقعت أن معاذ هو شيفرة قبوله ولكنها مخطئة لأنه نطق دون تفكير ودون أن ينظر لها :
– لاء .
– ليه لاء ؟
تساءلت بها بتأهب وقد فار تنورها فوقف يواجهها ويردف بحدة :
– لاء علشان أنا قولت لاء ، قولتها ميت مرة ومصممة تضغطي عليا، خروج من غيري لاء ، الأولاد كانوا لسة عندك امبارح .
تمسكت بآخر حبل تعقل لديها وقالت وهي تتكتف عندما شعرت بالارتجاف يداهمها :
– تمام تعالى معانا ؟ مش لازم بكرة تروح المجلة .
ضغط بأسنانه على شفتيه وأغمض عينيه يسيطر على طاقة الغضب التي يشعر بها فشعرت بالخوف من هيأته وازداد ارتجافها وانتفضت خفيةً حينما عاد يطالعها بنظرات مشتعلة مسترسلًا بقسوة استهدفتها بالخطأ :
– ديما أنا على أخري ، عدي الليلة علشان مش هيحصل خير ، بلاش تشوفي وشي التاني .
نزع نفسه بعدها يخطو نحو الحمام بينما هي تملكها دوار مفاجيء كأنه جاء راكضًا لينتشلها من غضبه لذا حينما شعرت به ترنحت بضعفٍ فأسرعت تقبض بيدها مستندة على ظهر المقعد لتحاول الجلوس سريعًا ولكن الحظ لم يسعفها فما لبثت أن دنت حتى وجدت نفسها تُسرق من قِبل شيءٍ مجهول جاء بعد ضغطٍ كبير ، أسقطها أرضًا محدثة صوتٍ جلل زلزل كل أركانه حينما سمعه ليدرك أنها سقطت أرضًا فأسرع عائدًا إليها
يلقي بنفسه نحوها وينتشلها ويتحسسها مناديًا باسمها :
– ديما ؟ ديما افتحي عيونك يالا ، ديما كلميني .
بدأ الشحوب يغزو ملامحها ولم تستيقظ لذا نهض شاعرًا بأسفٍ كبير كاد أن ينهيه ولكنه تمالك حتى نهض وانتزع إسدالها وحملها يخرجها من الغرفة ليجد والده في الصالة يطالعه بصدمة فصرخ :
– افتــــــــــح الباب بســـــــــرعة .
أسرع أمجد يفتح له الباب فاندفع خارجًا يستقل المصعد وتبعه أمجد يساعده بعدما طمأن علياء التي ذعرت حينما رأتها .
نزلا للأسفل وأسرع أمجد يفتح سيارته ويستقل مقعد القيادة بينما استقل ثائر الكرسي الخلفي وهو يحتويها ويملس على وجهها الشاحب متفحصًا إياه بعينين آسفتين ليهمس لها بتعبٍ كبير :
– سامحيني ، أنا آسف .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية بحر ثائر 2)