روايات

رواية الأربعيني الأعزب الفصل الثاني عشر 12 بقلم آية محمد رفعت

رواية الأربعيني الأعزب الفصل الثاني عشر 12 بقلم آية محمد رفعت

رواية الأربعيني الأعزب البارت الثاني عشر

رواية الأربعيني الأعزب الجزء الثاني عشر

الأربعيني الأعزب
الأربعيني الأعزب

رواية الأربعيني الأعزب الحلقة الثانية عشر

حاول “عمر” فتح باب الشقة أكثر من مرةٍ، ولكنه لم يستجيب لمحاولته، فعلى ما يبدو بأنها أغلقته من الداخل وتركت المفتاح عالق بالمقبض مثلما تفعل كالمعتاد، فضغط على الجرس مطولًا، ولكنها لم تجيبه، فالتفت يراقب درج العمارة بحرجٍ من وقفته التي طالت لأكثر من نصف ساعة، لم يمل بها من الطرق، ليجدها تجيبه أخيراً من خلف الباب:
_راجع ليه، كنت خليك عندها يومين تلاتة.
كز على أسنانه بغضبٍ من طريقتها الطفولية، ومع ذلك رد عليها بتعجبٍ:
_هي مين دي!
أتاه صوتها المتعصب وكأنها تعارك شياطين العوالم بأكملهم:
_اللي كنت مقضي ليلتك عندها يا دكتور يا محترم.
صوتها العالي جعله ينتفض بوقفته، وهو يراقب الأبواب الموصدة من جواره، ويتمنى بداخله أن لا يخرج أحداً من الجيران ليجده بذلك الموقف المحرج، وحينما تأكد بأن كل شيء على ما يرام، عاد ليرمي بثقل جسده على الباب ليخبرها بصوته المنخفض:
_ليلة أيه بس، افتحي يا إيمان وبلاش هبل، أنا مش قايلك كنت فين إمبارح!
واسترسل بعتابٍ ظنه سيجعلها تلين:
_يعني عايزاني أتخلى عن غيث في موقف زي ده!
طرقت بيدها على الباب بعدوانية كادت بأن تخلع وجهه المستند على طرفه وهي تصرخ بشراسةٍ:
_بطل كدب بقى أنا كلمت عائشة وخالتو إمبارح وقالولي إنك مجتش من الأساس.
انتصب بوقفته فور أن لمح جاره يصعد للأعلى بصحبة زوجته وأولاده، فما أن رأه “عمر” حتى قال بابتسامةٍ مصطنعة:
_نسيت مفتاحي جوه والمدام نومها تقيل.
منحته المرأة ضحكة صفراء واستكملت طريقها للأعلى، بينما اقترب منه جاره ليقترح عليه:
_ما تتفضل معايا فوق لحد ما الأمور تصفى بينك وبين المدام يا دكتور عمر.
احتقنت عينيه بنظرةٍ جعلت الأخير يهرول للأعلى سريعاً، فطرق الباب بعنفٍ كاد بإسقاطه، وهو يصيح غاضباً:
_إفتحي الباب ده، أصل أكسره فوق دماغك.
جابهته بعنادٍ:
_إكسره ميهنيش.
_بقى كده، ماشي يا إيمان.
وتراجع للخلف ثم اندفع بكل قوته تجاهه،ففتحت الباب سريعاً ليقابل الحائط من أمامه، وإرتد أرضاً من قوة اصطدامه، فمرر يديه على كتفيه الأيسر وهو يئن ألماً، فأغلقت الباب من خلفه ثم وقفت تحدجه بنظرةٍ تشفى وانتصار، نهض “عمر” عن الأرض ليسرع تجاهها وهو يردد بوعيدٍ:
_طب ورحمة أبويا وأبوكي مانا سايبك النهاردة.
شعرت بخطورة ما ستواجه، وخاصة بعد أن فقدت حجتها حينما كانت تحتج ببطنها المنتفخة، فكانت تسنتزفه وهي على يقين بأنه لن يقترب منها، هرعت “إيمان” لغرفتها، فحاولت غلق الباب من خلفها، ولكنه كان الأسرع إليها، فقفزت من فوق الفراش لتصل للسرير الصغير الموضوع جوار فراشها، حملت الصغير وهي تشير إليه بتحذيرٍ:
_قرب وشوف ابني هيعمل فيك أيه، هتستقوى عليا ولا هتستقوى عليا!
أدمى شفتيه وهو يردد من بين اصطكاك أسنانه:
_بقى أنا تعملي فيا كده كل يوم والتاني قدام الجيران، أنا مبقتش عارف أودي وشي منهم فين، ومش مضطر أغير الشقة كل شهر والتاني بسبب جنانك!
استحضرت دموعها الزائفة، وهي تشهق بصوتٍ مبالغ به:
_واللي بعمله ده ليه مش من عمايلك السودة، كل شوية تختفي وتخترعلي حجة شكل، ولما أدور وراك ألقيك كداب.
ألقى الوسادة تجاهها وهو يصيح بإنفعالٍ:
_ومين قالك تدوري ورايا، متجوز غفير أنا ولا أيه؟
تفادت الوسادة ببراعةٍ، ثم أجابته بعصبيةٍ:
_أه ما أنت نفسك في كده عشان تدور على حل شعرك.
مرر يديه على جبينه وهو يحارب صداع رأسه القوي، فتمتم بخفوتٍ:
_وصلتيني لحالة صعبة، بقيت حاسس إني محتاج لدكتور نفساني، يكشف عليا وعلى المرضى اللي عندي لإني معتش عندي طاقة..
لوت شفتيها بتهكمٍ:
_شوفت بقى إن المهنة دي مش لايقة عليك، لان الدكتور النفسي المفروض يطون بيتسم بالصبر والهدوء والإتزان وإنت مفيش شرط من دول متحققين فيك.
قلص المسافة بينهما، ليجيبها ببرودٍ خطير:
_مهو ده حصلي من يوم ما شوفت خلقتك السودة دي.
وضعت الصغير على الفراش، ثم وقفت قبالته، لتواجهه بما قال:
_نعم هو أنت كنت تطول، ده أنت حفيت ورايا عشان تتجوزني.
_كنت مغفــــــــل ومعترف بده.
_خلاص إحنا ننفصل وكل واحد يروح لحاله، أنا هتصل بعاصي بجي يخدني.
وحملت هاتفها الموضوع على الكومود ثم كادت بتحرير زر الإتصال، فانتشل “عمر” الهاتف منها وبدى جاداً للغاية وهو يخبرها:
_بلاش نزعجه كل دقيقة بمشاكلنا التافهة.
تحوله السريع جعل الشكوك تتسلل لداخلها، وخاصة بعدم إتصاله بها منذ الأمس، حتى أنها لم يأتي لزيارتها، فاننعقد حاجبها وهي تتساءل بخوفٍ:
_ليه ماله عاصي يا عمر؟
شعر بأن ردة فعله كانت مبالغ بها، وستكشف حتماً ما يخفيه عنها، لذا تهرب من لقاء عينيها وهو يجيبها:
_مفيش بس مشغول شوية في شغله.
تعرفه أكثر من نفسها، طريقته بالتهرب كانت ملحوظة لها، فاقتربت منه ثم قالت بصوتٍ مهزوز يستحضر البكاء في أي لحظة:
_أخويا ماله؟
أمسك “عمر” بيدها المرتعشة بين أصابعه الخشنة، ثم قال:
_مفيش يا حبيبتي هو بس كان تعبان شوية ونقلناه المستشفى بس الدكاترة طمنونا عليه.
جحظت عينيها في صدمةٍ، لتعنفه بحدةٍ:
_تعبان وأنت مخبي عني ولا همك!
ثم تركته وأسرعت لخزانتها، لتجذب جلبابها الأسود سريع الإرتداء، ثم جذبت حجابها وصوتها يتقطع لبكائها:
_أنا كنت شاكة إنك مخبي عليا حاجة، بس مكنتش متوقعة إن الموضوع متعلق بعاصي!
دنا منها عمر ثم قال :
_ممكن ممكن تهدي الاول وتفهميني إنتي رايحة على فين وانتي لسه تعبانة وبالحالة دي!
جذبت حقيبة يدها وهي تجيبه بقهرٍ:
_أمال عايزني أقعد وأسيب أخويا! أنا لازم أشوفه عشان أطمن.
ثم حملت الصغير بين يدها، واتجهت للردهة، فاتبعها “عمر” وهو يحذرها:
_هناخدي الولد معاكي ازاي، مش هينفع يتعرض للهوا وهو مكملش حتى يومين!
استدارت لتقابله بدمعاتها التي تسيل على وجهها،وقد شعرت به يخلق حجج حتى لا تغادر:
_انت ليه مش عايزني أروحله، عاصي جراله أيه بالظبط؟
حزن “عمر” لأجلها، فهو يعلم ما يعنيه عاصي بالنسبة اليها، فحمل عنها الصغير ثم قربها لصدره ويديه تربت على ظهرها بحنوٍ:
_عاصي كويس والله، يعني معقول هيبقى فيه حاجة وهرجع البيت.
وأبعدها عنه ثم قال بلهفةٍ حينما رآها مازالت تبكي:
_دراعه بس مكسور ومتجبس، ولو مش مقتنعة بكلامي هخدك تشوفيه، بس ادخلي الأول اغسلي وشك وفوقي كده وهننزل حالًا
أومأت برأسها، وولجت للداخل لتنفذ ما قاله بهدوءٍ، وحينما عادت إليه وجدته أبدل ثيابه، وجهز الصغير في بطانة زرقاء أحاطت بالحقيبة الموضوع بداخلها، وقد حرص على لفه جيداً حتى يحميه من التيارات التي ستبدو باردة بالنسبة لجسده الهاش، ليغادر بها عمر للقصر بعد أن علم من “غيث” برحيلهما بعد اصرار “عاصي” على ذلك.
*********
عاون “غيث” “عاصي” على إرتداء ملابسه، فصفف الأخير شعره بثباتٍ تام، وكأنه على مدعد مع عشاء عمل خاص، وليس استعداده لمواجهة عدوه، فما أن انتهى حتى هبط للأسفل، فلحق به “غيث” قائلاً بحيرةٍ:
_الناس مستنين منك مكالمة واحدة عشان يلغوا الصفقات المشتركة بينهم وبين قاسم خلدون، ومع ذلك أنت مش مديهم قرار نهائي للي حابب تعمله، أنا نفسي مش عارف إنت في دماغك أيه!
زار شفتيه بسمة خبيثة، فرد عليه دون أن يتطلع إليه:
_كل حاجة في معادها بتبقى أفضل يا غيث.
وإتجه للخارج فدنا منه السائق بالسيارة، ومن ثم فتح بابها ليستقر بالخلف، فلم يتركه غيث تلك المرة وصعد لجواره، فاستكمل “عاصي” حديثه بمكرٍ:
_اللي بيبتديها بالدم بيتوقع إن الرد هيكون بنفس الطريقة، ومبيقاش متوقع غير كده.
تعمق بالتطلع إليه، بنظرةٍ حاولت كشف ما يفكر به، وحينما فشل أشار إليه بضيقٍ:
_مش مرتاحلك.
منحه ابتسامة خبيثة وهو يتطلع من نافذة السيارة للمارة برزانةٍ وثبات مميت.
******
أعلم إنك يا قلبي لست علي ما يرام، فهناك شيء يخنقك من الداخل ودمع يقف علي أطراف الأهداب يؤلمك بلا هَوَادة، فلم يشعر بك أحداً سوى الله ولن يلمح حزنك حتي أقرب الأقرباء، أصبحت يا قلبي تكتم نصف الحديث لأنه أكبر من أن يقال أو يفهم، فكم تمنيت أن تصرخ بأعلى صمتك و تقول «مستحيل العيش دونه» وكلمات أخرى تهمس بشوقك إليه، فكيف أخبرك بأنني أتألم مثلك ويعتصرني بفراق من عشقت، فربما الدمعات هي من تهون ما يشعر كلانا في تلك اللحظة، لا تعلم لما تختطف النظرات تجاه باب المنزل الضخم، وكأنها تتمنى قدومه، بالرغم من أنها لا تصدق بأنه سيفعلها بعدما طاله الآذى، ولكن تظل الأمنيات شيئًا اعتادي بالنسبة لجسد مازال بداخله روح، انهمرت دمعاتها تباعاً حينما وضع المحامي الأوراق من أمامها قائلاً بابتسامةٍ مصطنعة اعتاد رسمها في مناسباته:
_إمضي يا عروسة.
وزعت “لوجين” نظراتها الحائرة بين “قاسم” ومكان الامضاء بعينين غائرتين، ولأول مرة ينتباها ضعف وقلة حيلة لما ستفعله، لم يعنيها أبيها كثيراً فلطالما لم يهتم لأمرها كيف ستهتم هي لأمره، كل ما يعنيها هو ذاك الرجل الشهم الذي ساعدها وفتح لها منزله دون مقابل، كانت تود حمايته من شرٍ عظيم، سيطوله هو وعائلته، مرر قاسم يديه على طول ذراعيها، فانتفضت بفزعٍ، لتتراجع بجسدها بعيداً عن يديه القذرة، فردد ببسمةٍ بدت مخيفة:
_امضي يا حبيبتي مش عايزين نعطل المتر.
تناولت القلم بين أصابعها المرتعشة، وهي تحاول غصب أصابعها على التحرك فتختم إسمها بمثياقٍ سيجمعها به، ولكن لا تعلم لما خفق قلبها بتوترٍ جعلها تشعر بوجود حاميها، فرفعت عينيها تجاه الباب، فوجدته يقف أمامها بشموخه المعتاد، ونظراته الصقرية تحيط من يقف مندهش لجوارها، ألقت “لوجين” قلمها، ثم هرعت تجاهه، لتهمس بعدم تصديق:
_عـاصـي!
خفق قلبه فشوقه لسماع صوتها كان يقتله على البطيء، ناهيك عن سماع اسمه بلحن شفتيها المعسول، خطف “عاصي” نظرة سريعة إليها، قبل أن يعود لمعركته الدامية بينه وبين ذلك اللعين، الذي أشار لرجاله بأن يطوفوا المكان، فكاد أحداهما بأن يبعدها عنه، فلم يكفيه سوى ذراعيه السليم لتحطيم عظامه، فتراجع للخلف عنها بخوفٍ، بينما وقف “غيث” بظهره كالنمر المتأهب بالإنقضاض على فريسته بأي وقت، هبط “قاسم” الدرج القصير الذي يفصله عنه، فوقف مقابله في حربٍ باردة بالنظراتٍ، أنهتها خشونة نبرته الحازمة:
_أنا مش قادر أفهم أنت ليه بتعمل كل ده عشانها، يعني اللي حصلك مدكش ذرة عقل تفكر بيه من اللي ممكن يحصلك.
ابتسامة مثل المرسومة على وجه “عاصي” بالرغم من جمود تعابير وجهه كانت مخيفة بالدرجة التي وترت من يقف أمامه، وخاصة حينما أبعد “لوجين” بيديه ليجعلها تقف من خلفه فاختبئ جسدها الهزيل خلف ضخامته التي بدت مهيبة لها، ناطحه بنظرةٍ شرسة قبل أن يحرر كلماته السامة:
_تصرفاتك الغبية صورتلك إن “عاصي سويلم” جبان ومش هيكون له ردة فعل!
لعق “قاسم” شفتيه بارتباكٍ فشل باخفائه، رغم إنه بموضع قوة فبالنهاية يقف بمنتصف منزله ورجاله يحيطنه، تقلصت المسافة بينهما حتى بات لا يفصلهما شيء، فخرج صوته كفحيحٍ وهو يخبره:
_أنا حذرتك قبل كده وقولتلك أنت اللي بايدك هتكتب نهاية لامبراطوريتك العظيمة.
وابتسم ساخراً وهو يستكمل:
_ما أنت عارف بقى إن عاصي سويلم مبيخلفش بوعد أخده على نفسه.
ثم أشار بعينيه لهاتفه الذي يحمله بين يديه:
_رد على تليفونك.
حدجه بنظرةٍ مشتتة، تحولت لخوفٍ حينما رن هاتفه برقمٍ هام بالنسبة إليه، فتوتر وهو يحاول استدعاء اتزانه ليجيب على المكالمة التي بدت له من البداية تصب لمصلحة من، فرفع الهاتف لآذنيه ليستمع لما استهدفه في مقتلٍ، فجعله يفقد القدرة على تحريك ساقيه، فارتد للخلف ليجلس على المقعد باهمالٍ، وهو يرى شاشة هاتفه تنذره بانتهاء المكالمة التي انتهت من الطرف الأخر، بخطواتٍ واثقة اقترب منه “عاصي” ليضع قدميه على نفس مقعده، ثم مال بجسده تجاهه وهو يردد بتغطرس نبرته الرجولية:
_الصفقة اللي رهنت عليها ودخلت بتقلك بقت تخصني، يعني من الآخر بقيت على الحديدة ده لو بقيت تملكها.
ثم استكمل بنظرةٍ احتقار إليه:
_إسمك اللي فخور بيه ده أنا مسحته من السوق، ومبقاش فيه اللي تغامر بيه يا قاسم باشا، عشان بعد كده تتعلم تلعب صح مع أسيادك.
ثم انتصب بوقفته وهو يستطرد بصرامةٍ:
_الدرس ده هيعلمك تختار عدوك صح، لإن النتيجة أحياناً بتكون قاضية..
وتركه واتجه ليقف جوار رفيقه وجوارها، فرفع يديه ليشير إلى من تتطلع إليه بذهولٍ وصدمة، ليقول ممازحاً إياها:
_مش يالا نمشي ولا عجبك قعدتك مع الملزق ده.
رسمت ابتسامة على شفتيها أشرقت شمس عينيها التي تخفيها بين أهدابها، فاتبعت “غيث” للخارج، ولكنهم توقفا حينما استمعوا لصوت “عاصي” يتحدث:
_نسيت أقولك إن الصفقة اللي بينا لسه زي ما هي، عشان تعرف بس إني كريم وبديك فرصة تعوض خسايرك، ومن المفترض انك تكون ذكي وتستغلها كويس وتكسب رضايا عنك وده هيحصل لما تحضر فرحي أنا ولوجين وتباركلنا بقلب صافي.
وغمز له بخبثٍ قبل أن يغادر من أمام عينيه، ليتركه في صدمة وعدم استيعاب لما تمكن من فعله، فقد غلبه بكل ما تحمله معنى الكلمة، وجعله عاجزاً، يواجه صدمة تلو الأخرى باستسلامٍ وانكسار.
*******
لم تختلف صدمة “غيث” عن صدمة “لوجين” التي استمعت لإعلانه الصريح بالزواج منها، بدت حائرة للغاية، ولكنها لا تنكر سعادتها بأن حصنها المنيع عاد ليحميها من جديد، توقف السائق أمام المشفى التي تقبع به “عائشة”، بعد أن وجهه”غيث” فهبط ليتجه للداخل، كاد “عاصي” بتتبعه فاستوقفته “لوجين” وهي تسأله بدهشةٍ:
_عملت كده ليه؟ أنت مش مجبر تتجوزني بعد اللي حصلك.
ابتسم “عاصي” ثم ضرب كف بالأخر وهو يردد بحيرةٍ:
_بجد مش مصدقك، لسه من شوية بنقذك من الملزق ده وبرضه مش عاجبك اللي عملته!
أطبقت على شفتيها بقوةٍ وهي تتحكم في دموعها، ثم قالت بصوتٍ مختنق:
_وهتفضل لحد أمته تنقذني منه ومن شره؟
منحها نظرة عميقة قبل أن يقترب منها، ليخبرها بصوته الرخيم:
_لحد أخر نفس خارج مني، وقتها بس ممكن يقدر يأذيكي.
ثم تابع بمعسول كلماته التي سكنت جوارحها فكانت أعظم دواء:
_ويمكن يخاف من شبحي اللي أكيد هيلاحقه فمش هيكون عنده اختيار تاني غير إنه يسيبك.
انغمست بكلماته التي اشعلت رغبات حبها تجاهه، فرفعت حاجبها وهي تتساءل بدهشةٍ وهي تراه يتعمق بالتطلع لها:
_في أيه!
تعلقت عينيه بعينيها لحظاتٍ بدت كاندماج الشمس والقمر معاً، وإحتضان النيران لحباتٍ الثلج فانصهرت خصائصه، فخرج صوته الرخيم يخبرها :
_بحب الحياة المختلفة اللي عيونك بتعكسها، وجوايا رغبة إني أشوف أكتر من كده.
ثم جذبها إليه ليردد بهمسٍ ساحر:
_وبعد جوازنا هيكون لينا عالمنا الخاص
ابتسمت بعدم تصديق لما تستمع إليه لتمتم ساخرةٍ:
_مش قادرة أصدق إن اللي واقف قدامي هو نفسه ” عاصي سويلم” الكئيب، يمكن أكون بحلم وهفوق من الحلم ده بعد وقت قصير!
هز رأسه نافياً وهو يخبرها بمكرٍ:
_متقلقيش مش هخليكي تفوقي أبداً منه.
ضمت شفتيها معًا بارتباكٍ، فعبثت بخصلات شعرها المتطايرة بفعل الهواء، ومن ثم شغلت عينيها بالتطلع جانباً، فتساءلت باستغرابٍ:
_إحنا ليه جينا هنا، أنت كويس!
أجابها وهو يتحرك تجاه باب المشفى:
_هنطمن على “عائشة” وهنرجع القصر على طول.
اتبعته وهي تطرح سؤال أخر:
_ليه مالها؟
رد عليها بهدوءٍ بعدما ضغط على الطابق الذي يود الصعود به بالمصعد:
_ولدت.
ابتسمت بفرحةٍ ثم قالت بمرحٍ:
_هي متفقة مع إيمان ولا أيه؟
منحها ابتسامة زادت وسامته:
_يمكن.
أخفضت نظراتها عنه سريعاً، فما أن توقف المصعد حتى اتبعته لغرفتها، وعينيها تتلهف لرؤية الصغير، فما أن ولجت للداخل حتى وجدت الجميع، فأسرعت “إيمان” تجاه أخيها، وهي تردد بصوتٍ مبحوح:
_عاصي، أنت كنت فين قلقتني عليك روحتلك البيت ملقتكش!
انتقلت نظراته على “لوجين” وهو يجيبها ببسمةٍ هادئة:
_كنت بجيب عروستي.
انستاها كلمته اصابة يدها، فرددت بفرحةٍ:
_عروستك!
تدخل “غيث” بحديثهما حينما قال بمزحٍ:
_نفس صدمتي لما عرفت إن أخيراً عاصي قرر يقطع العزوبية ويتجوز.
نهضت “سمية” عن مقعدها ثم أسرعت لتقف جواره، قائلة بفرحة اتنقلت بنبرتها:
_الف مليوون مبروك يا حبيبي.
منحها ابتسامة هادئة:
_الله يبارك فيكي يا خالتو.
واتجهت للوجين، فوضعت الصغير بين يدها وهي تضمها لصدرها:
_مبروك يا حبيبتي.
اتنقلت نظرات “عاصي” المندهشة من تغير خالته لتلك الدرجة، فرفع “غيث” كتفيه بقلة حيلة، ومازال يقف جوار زوجته، فتحرك تجاه الشباب، بعدما ابعدته “إيمان” لتجلس جوار رفيقتها، حتى “لوجين” وقفت لجوارها لتحتضنها بحبٍ وتبارك لها ما منحها الله به، مال عمر على كتفيه ليهمس بمشاكسةٍ:
_يعني لا كده عاجب ولا كده عاجب نقتل الولية يعني!
لكزه “غيث” بقوةٍ، فتعالت ضحكاته هامساً بمكرٍ:
_لا إحنا عندنا عريس ولازم نفوقله بدل حركات العيال دي.
انتقلت النظرات تجاه “عاصي” الذي أشار لهم بتحذيرٍ:
_حواراتكم دي تبعد عني بدل ما وعهد الله ما أعمل فرح خالص!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الأربعيني الأعزب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *