رواية أسد مشكى الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى البارت الحادي والعشرون
رواية أسد مشكى الجزء الحادي والعشرون

رواية أسد مشكى الحلقة الحادية والعشرون
يقف في الشرفة الخاصة به وهو يضم يديه خلف ظهره يراقب بلاده من الشرفة بعدما ترك سالار ليرتاح بعض الوقت، ينظر للبلاد بأعين تلتمع بنظرة غريبة، ومن ثم ابتسم بسمة جانبية يهمس بصوت خافت :
_ يومًا ما مشكى، كما نهضتي سابقًا سيحدث مجددًا…
فجأة سمع صوت خطوات خلفه وصوت أحد رجاله يتحدث بصوت محترم جاد ببضع كلمات مقتضبة :
_ مولاي، لقد …الملكة الآن في سجن المملكة ذهبت لزيارة ذلك الرجل الذي أودعته بنفسك البارحة ولم نستطع عصيان أوامرها..
ولم يستدر له أرسلان وهو مايزال يحدق بالمكان أمامه في هدوء شديد وعقله يدور في نقطة بعيدة عما يتحدث بها الحارس :
– ذلك الرجل هو أخوها، وتنفيذ طلباتها هو افضل ما تفعلونه يا بني فهي الملكة، لها ما تريد طالما نستطيع فعله .
صمت الرجل ولم يتحدث بكلمة، ثم هز رأسه على الرغم أن أرسلان لم يكن يبصره من الأساس يهمس بصوت منخفض :
_ أنا أردت فقط إعلامك مولاي فهذا واجبي أن اجعلك على علم بكل ما يدور في القصر، وأيضًا لأن السجون خطيرة على جلالة الملكة لذا جئت أخبرك فقط، سوف ارحل ائذن لي .
ابتسم أرسلان بسمة ساخرة وهو يسمع جملته حول خطورة السجون على زوجته العزيزة التي كانت تقضي يومها كله بين طرقات السجون مع اخطر المساجين، حسب ما علم من جلال، المرأة كانت تجلس وجهًا لوجه مع أعتى المجرمين وأكثرهم اختلالًا، تجلس معهم وتكون محظوظة إن خرجت ببضع كدمات، بعدما تترك جثة المسجون خلفها يجاهد لالتقاط أنفاسه .
_ سلمى كانت حنونة عاطفية تمامًا كوالدها، لكنها ورثت من عائلة والدتها العمل وباقي الخصال التي تمتلكها، لم يكن رائف راضٍ البتة عن عملها، لكنه اضطر للموافقة رضوخًا لزوجته التي كان يحبها، وكذلك سلمى لم تعترض في الحقيقة الفتاة كانت تمتلك طرقها السحرية في إقناع المجرمين بما تريد، طرق سحرية تتركهم خلفها ممددين ارضًا في بركة من الدماء بعدما تطحن رؤوسهم بالجدران.
ولم يتعجب أرسلان حديث جلال، ربما كان سيتعجب ويُصدم لو لم يبصر بعيونه ما تفعله زوجته حين الغضب .
ابتسم بسمة واسعة وهو يتحرك من أمام النافذة صوب السجون يشمر اكمامه بهدوء :
_ نعم السجون خطيرة كثيرًا، على الجميع عدا هذه المرأة ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قتل الأسد والده ليتسلم حكم الغابة……. قتل أرسلان والده ….قتل والده ؟؟؟
جملة الرجل والتي كان يرددها بشكل هستيري اخذت تتكرر في عقلها وهي تحاول استيعاب ما قيل منذ ثواني بينما اتسعت أعين خالد بقوة ينظر صوب سلمى يهتف بصوت خافت مرتعب :
– سول اخرجيني من هذا المكان وأقسم بالله الواحد الأحد أن أحسن التصرف، والله سأفعل، فقط اخرجوني من هنا وابعدوني عن هذا المختل، هذا اسوء ممن كنتِ تعالجيهم .
كان يتحدث بكلمات كثيرة متراصة وهو يلتصق بالقضبان ينظر بأعين فضولية صوب المتحدث، بينما سلمى فقط تحدق بالرجل بصدمة كبيرة والاخير لم يتوقف :
_ لا أحد نجى منه، فالاسد إن جاع أكل رفيقه يا فتاة فاحذري منه .
اتسعت أعين خالد بقوة وهو يستمع لكلماته، فمد يده يجذب طرف ثوب سلمى يهمس لها بصوت خافت :
_ دعينا نرحل من هنا سلمى، اخرجينا من هذا المكان المخيف، لقد …تعلمت الدرس اقسم بربي لن افعل شيء ولن المسك يومًا مجددًا …
كان يتحدث بينما سلمى في عالم آخر لا تعي ما يحدث.
لهذا لم يكن يحب الخوض في أحاديث تخص حياته السابقة ؟؟ لكن والده؟؟ هو حتى حينما ذكرته نهرها عن ذكره بالسوء ولم يتحدث بكلمة واحدة عنه بل أخذ يشكر به .
ابتسمت بعدم تصديق تحاول تجاهل جذب خالد لطرف ثوبها وهي تتنفس بشكل سليم تقنع عقلها أنه ربما محض تراهات ينطق بها ذلك الرجل والذي يبدو أن فترة سجنه في هذا المكان تغذت على عقله تقريبًا .
فجأة انتفض جسدها وانتفض خالد صارخًا برعب حين سمع صوت أرسلان يجذب يبده بعيدًا عن ثوبها ملتصقًا بجدران السجن بعيدًا عنه وهو يمسح يده في ثوبه وكأنه يبعد عنه لمسات سلمى، تحت أعين أرسلان الذي لم ينطق سوى بكلمة واحدة فقط ” مولاتي ”
كلمة واحدة أوقفت قلب خالد وجمدت سلمى بارضها وجعلت الرجل الذي كان يتحدث منذ ثواني يصمت بسرعة متراجعًا لركن السجن بصمت .
نظر أرسلان بتعجب لتصرفات خالد، لكنه لم يعلق وهو يتحرك صوب سلمى التي ظلت واقفة مكانها دون أن تستدير له يهمس بعدم فهم :
_ جلالة الملكة ؟؟ هل من خطب ؟؟
أغمضت سلمى عيونها ولم تتحدث بكلمة أو حتى تستدير له ولم يمنحها أو يمنح عقلها فرصة التفكير حتى في أخذ ردة فعل أو تحديد رد لما يحدث .
تنفست بصوت مرتفع ولم تكد تستدر له حتى سمعت خالد يتحدث بريبة وصوت شبه منخفض :
– ابتعدي عنه سلمى ..
نظر له أرسلان بشر ليبتلع الاخير لسانه وهو يشير له أنه صمت، بينما أرسلان حدق به في ضيق شديد، يعود بنظراته صوب سلمى التي لم تنظر له منذ دخل ليتعجب ما يحدث :
_ سلمى ؟!
أغمضت سلمى عيونها وهي تتنفس بصوت مرتفع تحاول رسم ملامح طبيعية على وجهها، في الوقت الذي تحدث فيه هو بعدم فهم :
_ سلمى ؟؟ ما بكِ ؟؟
اقترب خالد من القضبان يتحدث بشجاعة لحظية سرعان ما تتلاشى حينما يرمقه أرسلان بنظرة حادة :
_ ما بها هي ؟؟ بل ما بك أنت أيها المختل ؟! قتلت والدك وتدعي الفضيلة عليّ وتعاقبني لأنني عانقت أختي ؟! أوف من البشر أوف، أي نوع من البشر أنت ؟؟
توقفت أنفاس أرسلان فجأة عن الخروج وهو يشعر بضربات قلبه تتسارع وملامحه شحبت بقوة وهو يرى سلمى تستدير تنظر له بترقب لرد، لكن أي رد قد تنتظر وهي تبصر شحوب بشرته واتساع عيونه ؟؟ أي رد وقد وشت نظراته بكل شيء؟؟
اتسعت عيون سلمى حينما أبصرت الحقيقة تلوح بين نظراته، بينما هو فقط كان يشعر بالصدمة، ما الذي أخرج تلك الأحاديث من بئرها الذي دفنها به منذ سنوات .
اقتربت سلمى خطوة من أرسلان حين أبصرت شحوب وجهه وارتجاف جسده بشكل مريب وقد بدأت عروقه تنفر وهو ينظر لها بنظرات سوداء ليس وكأنها هي من أطلقت تلك الكلمات عنه .
اقتربت منه خطوات قليلة تمد يدها له تتمسك بمرفقه وهي تهمس له :
_ أرسلان..
رفع أرسلان عيونه لها ينظر لها بأعين حمراء لتبصر بها وجعًا جعلها تشهق وقد علت ابتسامة مرعبة وجهه، ينظر حوله ثواني قبل أن يجذب يده من بين أناملها بهدوء شديد متحركًا صوب الخارج دون كلمة واحدة تاركًا خلفه سلمى تشعر بقلبها يكاد يتوقف من مقدار الوجع الذي تسرب من أرسلان لها .
راقبته يرحل تاركًا إياها بقلب يرتجف من الوجع والرعب عليه، بينما صوت خالد يتردد حولها من بعيد وهو يلتصق بوجهه بالقضبان يردد ببسمة واسعة وراحة كبيرة :
_ هل رحل ؟؟ هل يمكنك اخراجي من هنا سول ؟؟ اخرجيني قبل أن يعود ذلك الرجل الـ … أوه مهلًا سول إلى أين ؟؟ سول …سول إلى أين ؟؟
كان يصرخ بصدمة وهو يراقبها تركض بسرعة مرعبة صوب خارج السجن تاركة إياها مكانه دون كلمة وصرخاته تتبعها وهو يناديها :
_ سول ؟؟ ماذا عني يا فتاة؟؟ تبًـــــــــــــــا لكم اخرجوني من هذا المكان العفن كادت الحشرات تنتهي من استعمار شعر قدمي، أوف منكم ……
ـــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت من تجهيز نفسها للتحرك، ولم تحتج الكثير من الوقت لذلك، إذ لم تكن تمتلك من الثياب سوى ما ترتدي، لكن كل ذلك لم يكن سببًا في حزنها أو تعاستها خاصة في مثل هذه اللحظات التي تستعد فيها للعودة إلى بلادها .
اتسعت بسمتها تراقب هيئتها والتي رغم شحوبها إلا أنها احبتها، تمني نفسها بلقاء قريب من والدها، استدارت صوب نازين التي كانت تراقبها بهدوء شديد دون أي ملامح .
_ إذن نازين هل أنتِ جاهزة ؟؟
_ لماذا ؟؟
رمشت توبة بعدم فهم :
_ للعودة للبلاد نازين .
هزت نازين رأسها بهدوء شديد وهي تقول بكل بساطة :
– أنا بالفعل في البلاد سمو الأميرة، ألا تتذكرين ؟؟ هذه بلادي .
_ لكن …لكن نازين، هنا …لا أحد لكِ هنا، لذا تعالي معي سنسكن سويًا في قصر ابي و….
نفت نازين برأسها ترفض بكل جوارحها أن تبتعد عن بلادها بعدما عادت لها بعد كل هذه المدة، ورغم ذلك تحدثت بصوت خافت :
_ لا يمكنني أنا آسفة، ثم أنا لست ….
صمتت ولم تتحدث بما يدور بعقلها والذي كان نية واضحة منها في العودة للجحر وانهاء انتقامها، ويبدو أن توبة أبصرت بكل سهولة نيتها المبيتة بالعودة لتتحرك صوبها متحدثة بقلق :
_ نازين أنتِ لن تفعلي ما يدور بعقلك الآن صحيح ؟؟
رفعت نازين عيونها لتوبة التي امسكت ذراعيها وهي تنظر بعيونها تتحدث بجدية وقوة رافضة أن تلقي نازين بنفسها في هذه الهوة السحيقة ولا تصدق أنها اخرجتها منها بالفعل :
_ لا يمكنك فعل ذلك نازين، تخطي الأمر، تخطي ما حدث لقد أخبرت أرسلان وسالار عن الجحر وهم سيبحثون ويجدونه، وما هي إلا أيام ونتخلص من كل ذلك، أيام فقط ونتخلص من أنمار، لذا أنسي رجاءً أنسي وتعالي للعيش معي وتخطي كل ذلك ؟!
ابتسمت لها نازين بسمة لا معنى لها :
_ اتخطى ؟؟ أوه حقًا ؟؟ اتخطى قتلهم أبنائي أمام عيوني وقتل زوجي ؟! اتخطى هدم منزلي وحياتي وتحويلي من امرأة لم يبصرها رجل لغانية تتنقل من بين ذراعي هذا لذاك ؟؟ اتخطى أنني أصبحت أخشى الاصطدام بامرأة عادية مخافة أن الوثها بقذارتي ؟؟ أنا..
صممت تتحدث ببسمة مقهورة من بين دموعها تشير لنفسها بعجز شديد :
– أنا… أنا أخشى حتى مصافحتك، أخاف أن الوثك أنا…..لم أعد صالحة للعيش، أصبحت …
صمتت تتحدث بوجع من بين دموعها:
_ أصبحت أُوصف بكلمة كنت أخجل من سماعها صدفة حتى، أصبحت وصف تستحي النساء من ذكره ويشمئز الرجال من نطقه، أنا لم أعد تلك الفتاة البريئة أو المرأة الصالحة التي كنت عليها .
بُهتت توبة وسقطت دموعها دون شعور وهي تحاول التحدث بكلمة تهون بها عليها، تفتح فمها للتحدث بكلمة فيعود العجز يعلو ملامحها وتغلق فمها مجددًا .
_ لكن أنتِ لم ….. أنتِ لم تكوني مع رجل و….لقد اخبرتيني أن….
صمتت ولم تدري ما يجب قوله في حين أن نازين أبعدت عيونها عن توبة تهمس بصوت منخفض :
_ سوف اعود لمنزلي، سأعود لأجلس هناك على اطلال عائلتي وحياة مضت، على عمر ضاع هباءً منثورًا .
ختمت حديثها تتحرك مبتعدة عن توبة التي كانت تراقبها بأعين باكية لا تستطيع التحدث بكلمة وقد أصمتتها نظرات نازين.
أما عن نازين فتحركت بين طرقات القصر شاردة لا تبصر سوى ذكرياتها ولا تسمع سوى اصوات ماضيها البعيد، ماضيها السعيد .
ماضيها الذي سُحبت منه وأُلقيت بين غياهب حياة أخرى، حياة اضطرت أن تتأقلم عليها بصعوبة كي تنجو من بين أيديهم، تتساءل إن كان سيأتي يوم وتبصر انتقامها مشهدًا حيًا أمام عيونها ؟؟
أغمضت عيونها وقد أعادت لها حدائق مشكى التي شاهدتها في طريقها، ذكريات قديمة بمثل الدمار، ذكريات جعلت القلب يرتجف .
صوت حبيب الطفولة ينحني على ركبتيه أمامها يحمل بين يديه اسورة ذهبية ينظر في عيونها بكل الحب :
_ إذن صاحبة المقام العالي، هل تقبلين بي زوجًا لكِ ؟!
رفعت نازين حاجبها بسخرية :
_ أولست بالفعل ؟؟ أنا حامل بطفلك الاول أيها الحالم .
نهض عن ركبتيه ينفضهما بضيق وقد أفسدت هي اللحظة التي يخطط لها منذ أيام طوال، يرفع يده يضرب جانب رأسها بمزاح وخفة :
_ تبًا لعقلك نازين افسدتي لحظتي المميزة للأحتفال بذكرى زواجنا، هيا لنعد للمنزل .
ختم حديثه ولم يكد يتحرك حتى سمع صوت ضحكاتها تنطلق في المكان وهي تمسك يده بسرعة تنتزع منه الاسورة ترتديها، تهمس له بالاعتذار وهو وكأنها فرصته التي انتظرها منذ سنوات إذ بدأ يتدلل عليها، وهي تقبلت دلاله بكامل الرضا والحب ..
ومن بعد تلك النظرات المحبة والعاشقة منها، لم تبصر نازين سوى دمار وركام وجثث، ولم تسمع سوى اصوات صارخة وبكاء وعويل مرتفع، تبصر مشهد وقوفها أمام حطام منزلها وهي تراقب ما حدث لعائلتها، قبل أن تُسحب قسرًا مع العديد من النساء لتكون سبية توارثها أنمار من المنبوذين فأصبحت راقصته المفضلة، ولم تكن فخورة بالأمر، لكنها كانت فخورة بما وصلت له، مكانة تؤهلها للأنتقام منه وتحطيمه أشلاء، فقط تنتظر تلك الفرصة التي ستمنحها لها الحياة …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ نزار سامحني ارجوك، أنا آسف، أنا السبب بكل هذا، رددت لك دينك عليّ بدمارك.
_ ما الذي سنفعله الآن سيدي ؟؟ أين سنذهب ؟؟ جنود سفيد وآبى منتشرين بكل مكان في المملكة لا يمكننا العودة ولا يمكننا التعمق أكثر.
_ فقط اذهب حيث ارشدتك، دعنا نختفي به قبل أن يهجم علينا جنود آبى ويتعرفون عليه .
كانت جمل مترامية تمر جوار أذن نزار وهو يشعر بجسده يتأرجح ويتحرك حركات غير منتظمة تزامنًا مع حركة العربة التي كان جسده ملقى بها .
حاول تحريك أصابعه ولم يستطع، الوجع الساكن بكل خلية داخل جسده جعله عاجزًا حتى على التعبير عن وجعه، سقطت دمعة من جانب عيونه وقد بدأت أصوات ذلك اليوم تعود لرأسه، اصوات صرخات وأصوات بكاء واستنجاد، شعب بأكمله كان يُباد عن بكرة أبيه ولم يساعد أو يتحرك خطوة واحدة لأجلهم، كله كان بسببه هو أولًا وأخيرًا، المُلام الوحيد في كل ذلك .
فجأة شعر بتوقف العربة دون مقدمات، ومن ثم سمع صوتًا يعلو في المكان أصوات تهليل، وأصوات تحية وأصوات سعيدة .
حاول فتح عيونه بصعوبة، لكن لم يستطع .
فجأة توقفت كل الحركة حوله وتوقفت ضربات قلبه بالتزامن، وجسده بأكمله ينتفض محاولًا التغلب على اوجاعه وعجزه وقد زادت دموعه بقوة وهو يسمع صوته يعلو في المكان والذي شعر من الضوضاء حوله أنه كان في السوق، صوته الذي اشتاق له وهو يحدثه، اشتاق لكل شيء به …
والده الحبيب ……
في نفس الوقت الذي كانت تعبر به عربة نزار السوق وهو ممدد داخل الصندوق الخلفي بينما الوليد يجاور السائق في الأمام ملتحفًا بلثامه، أبصر توقف الحركة حوله حين سمع صوت التهليل من شعب سبز يبصر مرور خيول كثير ومن بينهم خيل للملك إيفان والملك آزار.
_ شعب سبز العزيز، كم يعز عليّ أن دخلت بلادكم مدخل المعتدي، ووالله لولا الظلم الواقع بكم، ما تعديت حرمات بلادكم، ولا وطأتها قاصدًا إرهابكم، سبز كانت وما ستزال مصدرًا لسلام وخير الممالك، وحتى يعود لنا الملك بارق بخير ستكون البلاد تحت حكمي وبإشراف مباشر من قِبل القائد زُبير .
ختم حديثه يشير صوب أحد الرجال جواره والذي كان هو نفسه القائد الثاني لجيوش سبز بعد أصلان، هز زبير رأسه يحيي الجميع بهدوء شديد، ثم أكمل آزار حديثه :
_ كل شيء سيعود لما كان عليه وسيتم تأمين الحدود وتمشيط البلاد، لذا تفائلوا بالله خيرًا، غدًا تعود سبز كما كانت وأفضل .
ختم حديثه ليبدأ شعب سبز بالتهليل، وايفان يراقب الجميع بهدوء شديد، لم يتحدث ولم يتدخل بكلمة واحدة ويتعدى وجود الملك آزار.
وحينما انتهى أومأ آزار للجميع مودعًا، ثم تحرك بسرعة كبيرة مع الجميع صوب القصر الخاص بسبز، وخلفه الكثير من الحراس .
كل ذلك كان أسفل أعين نزار الذي استفاق واخيرًا يبصر بصعوبة من بين الضباب الذي يحيط بعقله وعيونه خيال والده يرحل من النافذة الصغيرة، يرفع يده بصعوبة وهو يحاول مناداته، لكن انتصر الوجع وسقط جسده مجددًا في العربة دون حركة مستسلمًا لغيبوبته التي اتضح أنها ستطول وكان آخر ما سمعه هو صوت الوليد وهو يتحدث للسائق :
_ هيا تحرك ……..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حركة السيف العنيفة كادت تدحرج رأسه أسفل أقدامه لتتسع أعين سالار بقوة وصدمة مما حدث، فأرسلان كاد يقطع رأسه للتو، ابتسم بعدم تصديق :
_ هل تمزح معي ؟؟ كدت تقطع رأسي للتو أرسلان ؟؟
تنفس أرسلان بصوت مرتفع وقد بدأ العرق يظهر على وجهه يهمس بصوت حانق من تذمر سالار :
_ أنت لست مبتدئًا لتقتلك ضربة كهذه سالار، وأنا لست احمقًا لأصيبك بضربة قاتلة، ثم ها أنت حي تُرزق، إذن لا داعي لكل تلك التذمرات.
اتسعت عيون سالار أكثر بعدم تصديق، ثم وفي ثواني كان يرد الضربة لأرسلان باعنف منها وبشكل جعل الأخير يتراجع بسرعة قبل أن يسقط ميتًا على يد سالار، بينما الأخير نظر له بشر :
_ نحن لسنا بحرب لترفع سيفك في وجهي بهذه الطريقة أرسلان، حين طلبت قتالي أدركت أن هناك ما يزعجك، لكن ليس لدرجة التعامل معي بهذه الطريقة حتى كدت تقتلع رأسي.
تنفس أرسلان بصوت مرتفع وهو يزيد من قبضته على السيف الخاص به، ثم رفع عيونه لسالار الذي ابتسم له بهدوء واستفزاز جعل الأخير يرفع سيفه وقد بدأت شياطينه تستغل الوضع لتخرج، وقد كان سالار خير اختيار لامتصاص كل شر أرسلان في هذه اللحظة .
افضل شخص يمكنه الخروج حي بعد مواجهته، شخص يجيد الصمود أمامه…
بدأت المعركة بينهما تزداد شراسة وقد تجمع بعض الجنود يشاهدون بفضول شديد، إذ كانت تلك واحدة من اشرس القتالات التي تنشأ بين اثنين .
الملك أرسلان والقائد سالار، اثنين من اشرس محاربي الممالك في قتال مباشر مشتعل، مشهد لن يحب أحد تفويته .
وقد كانت هي من بين المتفرجين، تقف على بُعد صغير متسعة الأعين فاغرة الفاه مصدومة الملامح مما ترى، كان هذا القتال والذي يسميه البعض من حولها بالتدريب ظلمًا، أعنف من الحروب التي ابصرتها في هذا المكان، إذ كادت تنتهي بعض الضربات بقطع أحد أجزاء أحدهما .
ونعم أدركت في هذه اللحظة أن ما حدث قبل ثواني كان بمثابة تخطي منطقة شائكة في حياة أرسلان.
بدأت تراقبه بأعين مرتعبة وهي تدعو الله أن يتوقف عن جنونه لمرة واحدة حتى .
الرجل لم يبرأ بعد من جروح الليلة الماضية والتي كانت شنيعة.
بينما الأخير كان يقاتل سالار وكأنه يود الخروج من هذا القتال تاركًا إياه أشلاء، وسالار لم يحرمه لذة القتال إذ أخذ يرد له الضربة بعشرة .
وفجأة ومن بين الضربات المتقاذفة التي كان أرسلان يتبادلها مع سالار ابصرها تقف وتراقبه من بعيد بأعين متسعة مرتعبة، نظر لها طويلًا بملامح غير مفسرة وقد استطاع شيء وللمرة الأولى صرف أنظاره عن قاتل يخوضه، الشيء الذي جعل بسمة سالار تتسع أكثر وأكثر خاصة حين أبصر اتساع نظرات أرسلان وهو يرمي سلمى بنظرات مشتعلة محذرة لم تلتقط منها رسالته، حتى قرر وللمرة الأولى أن يتخلى عن قتال وينسحب وأمام سالار .
فاتسعت أعين سالار بشدة مبتسمًا بعدم تصديق وهو يبصر أرسلان يرفع كفه في الهواء ملقيًا سيفه ارضًا يردد بهدوء قبل التحرك :
_ أنت تفوز .
وكانت هذه الكلمات أكثر كلمات مرعبة قد يسمعها سالار في حياته إذ أخذ ثواني طويلة امتدت لدقائق حتى استوعب ما قيل :
_ ماذا ؟! أنا افوز ؟؟
راقب بعيونه أرسلان الذي تحرك صوب سلمى وهو يمسك يدها بحنان يميل قليلًا يرفع لها طرف فستانها، وهو يساعدها على التحرك بسهولة هامسًا لها بكلمات لم تصل لسالار الذي ابتسم بسعادة كبيرة وهو يردد :
_ عساها تكون فرحة عمرك يا أخي.
أما عند أرسلان والذي بمجرد أن ابصرها تقف بين الجنود دون إدراك، حتى هرول صوبها، وحين وصل ابصرها تبتسم له بتردد وهي تميل قليلًا كي ترفع طرف ثوبها وتتحرك صوبه براحة، لكنه منعها بسرعة يميل قليلًا بنصف جسده يرفعه له، ثم أمسك يدها يسحبها بهدوء شديد ونبرته خرجت جامدة بعض الشيء :
_ لا تفعلي، هيا تعالي معي.
نظرت له بعيون متوسلة تحاول التحدث، لكنه لم يتحدث بكلمة، بل فقط تحرك معها يساعدها في الحركة بهدوء وهو يهمس لها بنظرات جادة حنونة :
_ سوف أرسل لكِ امرأة تساعدك في تقصير ثوبك بعض الشيء، فلا يجوز أن تتخطى كاحلك بهذا الشكل، ولا تميلي يومًا سلمى حتى لو كان بتحية لأحدهم.
نظرت له بتعجب، ولم تدرك سوى وهي تهز رأسها موافقة حديثه وهو تحرك معها بهدوء تحت أعين الجميع ونظرات سالار المبتسمة تراقب أرسلان وهو يدعو الله داخل صدره أن تكون زوجته عوضًا لكل حزن أبصره في حياته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى واخيرًا من تمشيط الأسواق وقد امسك خمسة رجال كانوا مندسين بين الشعب، ابتسم براحة واخيرًا حين أبصر الجنود يتحركوا مع الخائنين، يشعر بالراحة الشديدة لأنتهاء مهمته، تبقى فقط العودة لمتابعة التدريبات الخاصة بالرماية والاطمئنان على تيم، ومن ثم التحرك صوب مخدع زوجته العزيزة يطمئن قلبه عليها .
يشتاقها ويشتاق رؤيتها مبتسمة تتحرك بكل براءة بوجه بشوش مشرق كعادتها، تحمل بين يديها قطة صغيرة تتحرك بها بين الاسواق و….
فجأة توقف عقله عن الأفكار حينما استوعب فجأة أن تلك الأفكار التي تدور داخل عقله لم تكن مجرد خيالات وآماني، بكل كانت واقعًا يبصره أمامه في تلك اللحظة .
فاطمة الآن تتحرك في السوق تحمل بين يديها قط صغير وهي تدور بين الجميع تنظر لهذا وذاك، شعر بأنه سيسقط في أي لحظة من شدة صدمته، ما الذي تفعله تلك المرأة هنا ؟! كلما غفل عنها وجدها تصول وتجول في ملكوت الله .
هل يربطها بخصره جوار سيفه فيضمن بذلك عدم تحركها دون علمه ؟!
وفجأة ومن حيث لا يعلم انتفض من صدمته على صوت صراخ أحد الرجال بوجه فاطمة التي كانت تضم القطة لصدرها بخوف وكأن الرجل على وشك التحول وتناولهما سويًا .
تغمض عيونها بقوة وخوف :
_ أنا آسفة لم أقصد، سوف …سوف اعوضك اقسم لك، لقد … أنا لم انتبه .
اشتعل غضب الرجل والذي كان نابعًا من قلة حيلته، وقد أسقطت الفتاة الطعام الذي اشتراه بصعوبة لأجل عائلته ارضًا، صرخ بضيق وحنق منها :
– وماذا أفعل باعتذارك ؟؟ اطعم صغاري أسفك ؟؟ املئ بطونهم بكلماتك ؟!
نزلت دموع فاطمة بخوف منه وهي تنظر حولها وقد بدأ بعض الأشخاص يتدخلون يحاولون المساعدة وتهدئة الرجل وتهدئتها هي نفسها، حتى بدأ التوتر يعلو داخلها من تجمع الكل حولها، ومالت بسرعة محاولة استدراك خطئها ودموعها تهبط بقوة برعب مما يحدث، تجمع الطعام بيد واليد الأخرى تضم لها الهرة بقوة بسبب توترها، حتى كادت الأخيرة تختنق فقاومت ضمة فاطمة ونتج عن تلك المقاومة بعض الجروح التي نتجت بسبب أظافرها لتصرخ فاطمة وهي تلقي القطة بعيدًا عنها وقد بدأ الخوف والتوتر والرعب يعلو داخل صدرها والاختناق يملئ صدرها وبشدة، حتى شعرت بالمكان حولها يضيق والجميع ينظر لها فازداد بكائها وهي تهتف باسم امها .
_ أمي… اريد العودة لأمي… أريد أمي .
وقد يبدو ذلك المشهد مريبًا للبعض، فتاة بالغة تجلس ارضًا تبكي وتنادي والدتها، لكن فاطمة في هذه اللحظة كانت تشعر بالرعب والوحدة فترجم عقلها خوفها لحاجة إلى والدتها أو مساند .
لم يكن طلبها طفوليًا بقدر ما كان احتياجًا للشخص الوحيد الذي يتذكره عقلها في لحظات ضعفه .
وفجأة من بين جميع الأجساد أبصرت جسده يدفع الجميع جانبًا وقد صدح صوته مرتعبًا وهو يتحرك لها ركضًا :
_ فاطم، فاطم عزيزتي ما بكِ ؟؟ ما الذي ….ما الذي حدث ؟!
وكغريق عثر على قشته التي ستكون سببًا لنجاته تعلقت به فاطمة وهي تهتف من بين دموعها تتمسك به بسرعة منهارة بالبكاء:
_ يا المعتصم ….
ضم المعتصم رأسها بسرعة له وهو ينظر لها بفزع يربت عليها بسرعة يحاول تدارك انهيارها وبكائها :
_ تنفسي …تنفسي عزيزتي، تنفسي فاطمة .
حاولت فاطمة التحدث، وهو ما يزال يحاول تهدئتها :
_ فقط اهدئي لا تتحدثي، لا بأس أنا هنا .
كان الجميع يتابع ما يحدث بعدم فهم وقد تعرف البعض على هوية المعتصم لتبدأ الهمسات تعلو بينهم عن هويته وهوية تلك الفتاة، ضم المعتصم رأس فاطمة له أكثر يرفع عيونه للجميع:
_ اعتذر إن تسببت زوجتي بالخطأ في أي ضرر لأحدكم، وأنا على كامل استعداد لدفع أي تعويض .
بدأت الهمسات تعلو أكثر حين أوضح هو هوية فاطمة، ثم نهض يساعدها لتنهض يجذبها جواره:
_ هي لم تقصد أي أذى هي فقط كانت تحاول المساعدة.
ختم حديثه، ثم دس يده في جيبه وهو يبحث عن بعض العملات الذهبية، ومن ثم مدها للرجل يحاول أن يبتسم له بسمة صغيرة :
– تفضل يا عم اتمنى أن يعوضك هذا المبلغ عما حدث .
نظر الرجل للقطع الذهبية بين أنامله ومن ثم نظر لفاطمة، و قبل أن يتحدث بكلمة، أبصر المعتصم يمنحه ظهره دون اهتمام، وقد منح كامل اهتمامه لها هي فقط يبتسم لها بلطف شديد :
_ مرحبًا فاطم، تستطيعين التحرك أم اساعدك يا صغيرة ؟؟
ختم حديثه يمنع نفسه بصعوبة من تدليلها أكثر وحملها بين ذراعيه على مرأى الجميع، وحينما رفعت له عيونها، ابتسم لها بسمة أكثر اتساعًا .
_ إذن ؟!
نظرت فاطمة حولها بتردد :
_ أريد العودة للمنزل .
مد لها يده يساعدها للتحرك، ثم تحرك بها بين الجميع، حتى وصل صوب الحصان الخاص به، يساعدها لتصعد عليه، ومن ثم صعد خلفها يعطي حصانه الأمر بالتحرك عن طريق نغزة صغيرة في خصره، ومن ثم ضم جسد فاطمة له بقوة كي لا تسقط عن الحصان، والأخير تجلس متسعة الأعين مصدومة مما يفعل المعتصم .
_ إلى أين ؟!
_المنزل …
_ لكن هذا ليس طريق منزلي؟!
تنهد المعتصم يدرك أنها كانت في طريقها للعودة لمنزلها، عقلها عنيد لا يستسلم ولا يقتنع البتة بالأمر، عليه التحدث مع الملكة ليستكملا علاجها ..
_ منزلك حيث أكون فاطم..
حركت فاطمة عيونها ببطء حتى ثبتتها عليه تشرد في ملامحه، وهو أكمل طريقه بكل هدوء وبساطة وهو يزيد من ضمها مخافة أن تسقط من بين يديه يتحرك بحصانه بسرعة كبيرة قاصدًا القصر وتحديدًا جلالة الملكة …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ جلالة الملكة.
كانت أول كلمة ينطق بها أرسلان بعدما وصل للشرفة يتوقف أمامها وهو يضم كفيه خلفه وكأنه يمنع نفسه من العودة ركضًا صوب سالار ويستكمل قتاله.
أما عنها فابتسمت بكل هدوء تدرك حالة الغضب والصراع الظاهرة بوضوح على وجهه :
_ مولاي .
زفر أرسلان بصوت مرتفع وهو يرفع عيونه محدقًا بها متحدثًا بجدية :
_ لم يكن عليكِ الوقوف بهذا الشكل في الخارج بين الرجال، خروجك بهذا الشكل واقترابك من ساحة القتال والتي هي منطقة رجال من الأساس، وقوفك بين الرجال، كل ذلك اشياء تغضبني فعلتيها بوقت واحد، بسبب ما حدث اضطررت للمرة الأولى أن انسحب من معركة أمام سالار و…..
وفجأة توقف عن الحديث حين ابصرها تقترب منه بشكل جعل عيونه تتسع بشكل مريب وهو يراها تقف أمامه مباشرة تبدد أي مسافة بينهما :
_ المعذرة منك جلالة الملك لكنني قلقت عليك وقد سمعت الجميع يتحدث فجأة عن نشوب معركة في الخارج، فخفت أن تؤذي نفسك، ثم مولاي أنا لم أكن أقف جوار الرجال بهذا الشكل الذي تصفه، وإن فعلت فبلا قصد، اعتذر منك ..
نظر لها أرسلان ثواني، ثم هز رأسه بهدوء ومن ثم زفر يحاول أن يهدأ، ينظر ارضًا، ومن ثم رفع عيونه لها :
_ اسمعيني سلمى، أنا لست متحكمًا ولست متجبرًا، وأدرك جيدًا كيف يجب أن أتعامل مع من يخصني من النساء، لستُ احمقًا أو لا أفقه شيئًا فيما يتعلق بالنساء، أنا من ربيت كهرمان، لذا أعلم جيدًا أي نوع من التعامل عليّ إظهاره مع النساء، لكنني ورغم كل ذلك التفهم الذي قد أظهره ستأتي لحظات يتسيد بها رجل الكهف داخلي.
نظر داخل عيونها بينما هي تسمعه مبتسمة دون رد، ليعتبر صمتها موافقة منها على حديثه :
_ لذا احذري ما يغضبني سلمى، لا أحب بأي شكل من الأشكال أن يقترب أحدهم من نسائي، ولولا أن إيفان صديقي المقرب والله ما سمحت له بسرقة جوهرتي الغالية.
صمتت ثواني تستمع له باهتمام شديد، تظهر له انصاتًا، وربما يكون الوقت مناسبًا لعناد من طرفها وفرض لرأيها ووجهة نظرها، إلا أنها لم تفعل، بل كل ما صدر منها، هو ابتسامة صغيرة، ومن ثم أمسكت طرف ثوبها وهي تنتوي الانحناء برقي، لكنه كالعادة أمسكها من كتفها يتحدث بهدوء :
– لا تفعلي رجاءً.
رفعت عيونها له بعدم فهم، ولم تكد تستفسر منه عن سبب أفعاله تلك، حتى وجدت يده ترتفع بهدوء تمسك طرف الحجاب الخاص بها، يعيد ترتيبه بهدوء شديد وإتقان ادهشها، ليبتسم هو بسمة صغيرة .
بينما هي تراقبه وتراقب تصرفاته وتقسم داخل صدرها، أن هذا الرجل الذي يشع لطفًا وحنانًا ما كان أن يرتكب جرمًا ببشاعة قتل والده، تلك الحقيقة التي لا تدرك صدقها من عدمه والتي تؤرق مضجعها .
الأمر يرعبها، هل يعقل أنه قد فعلها؟؟ هل يعاني من خللًا قد يكون سببًا لدفعه صوب هذه الحقيقة ؟؟
بللت شفتيها وهي تحاول إيجاد مدخلًا لذلك الأمر، وهو وكأنه أبصر ما تود قوله واضحًا على ملامحه، إذ اختفى فجأة كل تعبير كان يعلو وجهه، وهمس بكلمة واحدة وضعت سورًا فاصلًا لكل ما تفكر به داخل عقلها :
_ لا.
فتحت عيونها له وقد ازدادت ضربات صدرها تهمس خلفه بريبة :
_ لا ؟؟
وقبل نطق سؤالها التالي قاطعهم أحد الجنود وهو يتحدث بجدية :
_ مولاي آسف للمقاطعة لكن موكب الأميرة توبة سيتحرك ..
نظرت سلمى صوب الجندي الذي وحينما انتهى من كلماته تحرك بهدوء شديد وكأنه أبلغ رسالته وانتهى دوره، عادت بنظراتها صوب أرسلان الذي رفع عيونه لها يتحدث بصوت منخفض :
– سأتحرك صوب سبز لأجل تأمين موكب الأميرة وكذلك لحضور اجتماع الملوك هناك، وتفقد الأوضاع الحالية للممالك و….
ولم تمنحه فرصة حتى لإكمال حديثه مقاطعة إياه بسرعة كبيرة :
– خذني معك ..
رمش أرسلان بعدم فهم :
– ماذا ؟!
– ماذا ماذا ؟! خذني معك اود الخروج قليلًا منذ جئت لك أخرج سوى مرات قليلة وهذا شيء عظيم على امرأة لم تكن تمكث في منزلها سوى مرات قليلة وتقضي باقي وقتها متنقلة هنا وهناك .
رفع حاجبه وهو ينظر لها باستنكار، لا يتقبل أن يتحرك مع زوجته بين الممالك في مثل هذه الظروف والتي ستجعله يتحرك بعدم راحة وتحفز دائم، وهذا ما لا يحبه، ويبدو أن سلمى أدركت ما يدور داخل عقله، لكن لا ليس هذه المرة، لن تتركه يسافر لحراسة امرأة أخرى ولو كانت تشعر داخلها أن هذه المرأة لا تشكل خطرًا عليها، لكنها فطرة وضيق لا تستطيع التخلي عنهم .
لتعلو ملامح الرقة وجهها سريعًا تتحدث ببسمة هادئة:
_ جلالة الملك.
_ تدللي .
اتسعت بسمتها تكمل بهدوء رجاءً سيكون هذا أول طلب أطلبه منك، ألم تخبرني في رسالة الشيخ قبل عقد القرآن أن القادم سيكون بمشيئتي ؟! فلا ترد لي طلبًا وأنت سيد الكرم مولاي .
اغمض أرسلان عيونه بقوة وهو يمسح وجهه، ثم فتحها يراقب نظراتها الرقيقة و…نعم نفسها الشخصية التي تستخدمها معظم الوقت .
_ تجهزي سآمرهم بتجهيز موكب لكِ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رفع القوس في الهواء وهو يحركه صوب الهدف الخاص به، يراقبه بأعين متفحصة والجميع حوله، ومن ثم ما هي إلا ثواني حتى كان السهم يصيب الهدف .
أنهى المعتصم ضربته بهدوء، ثم ألقى بالسهم للرجل خلفه دون كلمة يشير له بعيونه أن يصيب الهدف كما فعل، وقد زاد حمل التدريب على أكتافه منذ أُصيب تيم بضربة قاسمة.
_ هيا أرني قدرتك .
تحرك الرجل وتوسط الساحة أمامه كما فعل وارتص العديد من الرجال جواره، رفعوا السهام أمام أعين المعتصم، وحينما سمعوا كلمته انطلقت السهام كالسيل ليصيب بعضها الأهداف ويخطأ البعض، لكن نسبة النجاح هذه المرة كانت مبهرة لتتسع بسمة المعتصم وبشدة، يحرك عيونه بينهم بفخر شديد :
_ هذا ما أحب رؤيته كل يوم، احسنتم يا رجال، عبدالملك تولى أمر الاشراف عليهم ريثما انتهي من تفقد الجيش .
ختم كلماته وهو يراقب أحد الرجال يتحرك ليتولى أمر الاشراف على الرماة، بينما هو تحرك صوب الجيش الأول يتفقد أحواله، وفي طريقه عادت له ذكرياته القديمة مع فاطمة وهي توقفه في كل مكان صارخة باسمه ” يا المعتصم ” ..
تنهد بصوت مرتفع وهو يشعر بوجع داخل صدره، الأمس كانت مجرد فتاة صغيرة تلتصق باذياله، فتاة تهرب من والدتها لتأتي وتزعجه بحمل مسؤوليتها والسير خلفها في كل مكان لحمايتها، واليوم أضحت زوجته الصغيرة التي فقدت سائر أفراد أسرتها بشكل مرعب، والتي يحمل مسؤوليتها بطيب خاطر ولا يؤرقه لو ظل يحملها المتبقي من عمره، على أن تكون بخير حال …
وجع كبير لأجلها، يقتله رؤيتها تعاني، يؤلمه رؤيتها تكافح للأحتفاظ بذكرى قريبة دون التألم من ذكريات بعيدة، يؤلمه مراقبة معاناتها .
وصل صوب منطقة القتال يراقب الرجال يتدربون بقوة وخشونة كما اعتادوا وهو يقف جانبًا يرتدي ثيابه التي اعتاد التدرب بها يراقب بأعين حريصة كل شيء حتى انتبه لشيء جعل عيونه تضيق وهو يميل برأسه يراقب ذلك الرجل والذي كان يندمج مع الجنود في التدريبات والقتال .
غامت عيونه بشكل مريب وهو يبتسم بسمة صغيرة يتحرك بين الرجال، حتى توقف خلف ذلك الرجل تحديدًا يضم يديه لصدره يراقبه بهدوء ودقة جعلت الرجل نفسه يتوتر وهو ينظر للمعتصم الذي هز رأسه له :
_ لا تهتم بوقوفي أكمل تدريبك أنا فقط أحببت هذه البقعة لأجل الشمس المتسلطة عليها .
ابتلع الرجل ريقه مبتسمًا بسمة صغيرة وهو يكمل تدريبه بيد مرتعشة يحاول أن يشغل نفسه بما يفعل، لكن التوتر كان قد زاد ليمنعه استكمال تدريبه، لذا استقام وتحرك بعيدًا عن ذلك المكان يقف في مكان آخر، والمعتصم توقف ثواني يراقبه بعيونه وحينما استقر الرجل على رقعة ما تحرك هو بهدوء وذهب للوقوف خلفه كما فعل سابقًا، يتحدث بهدوء شديد حين أبصر نظرات الرجل المتعحبة :
_ الشمس ازعجتني قليلًا، أكمل كما أنت ولا تهتم رجاءً.
وهكذا بدأت اجراس القلق والريبة تعلو وتعلو داخل عقل الرجل وقد بدأ فمه يجف والعرق يتصبب منه وبشدة، وكل ذلك تحت انظار المعتصم والذي ابتسم بسمة زادت توتره .
حتى ترك ما يفعل وهو ينظر حوله ثواني قبل أن يقرر التحرك خارج الساحة بالكامل وكل ذلك تحت انظار المعتصم والذي اشتدت ملامحه يهتف بصوت جهوري :
_ لا اعتقد أنني سمحت لأحد بالتوقف عن التدريبات والرحيل .
توقفت أقدام الرجل وقد بدأ الارتجاف يظهر على جسده بالكامل، والجميع نظر بتعجب صوب المعتصم والذي يتحدث بطريقة غير معتادة منه وقد كان هو اليد اللينة في التدريبات والملك هو الشديد في العادة .
ابتلع الرجل بقايا ريقٍ جف لشدة توتره وهو يستدير ببطء يبصر الجميع يحدقون فيه بترقب :
_ أنا كنت …كنت سأ…سأذهب لارتشاف بعض قطرات المياه واعود.
رفع له المعتصم حاجبه وهو يشير بطرف عيونه على قارورات المياه المرتصة أسفل إحدى الأشجار :
_ يمكنك ارتشاف ما تريد من المياه هناك .
نظر الرجل صوب المياه، ثم هز رأسه بتوتر شديد وهو يتحرك صوبها، تحت نظرات الجميع الغير مدركة لما يفعل المعتصم، بينما الأخير يراقب الرجل يبتلع المياه بيد مرتعشة متوترة ومرتعبة، ليتحرك بهدوء صوب جدار السيوف يجذب منه سيفًا يردد بصوت اظهره عاديًا :
_ عندما تنتهي من ارتشاف المياه لاقني في منتصف الساحة للقتال، اود أن أرى إلى أي درجة وصلت في تدريباتك .
فجأة غص الرجل بقوة وهو يسعل بشكل ملحوظ وقد أحمر وجهه بقوة، يراقب المعتصم وقد أخذ ينفذ حديثه متحركًا صوب الساحة يحرك السيف بين قبضته والجميع يتابع .
بينما الرجل ترك زجاجة المياه وهو يبصر أحد رفاقه في التدريب يتحرك صوبه مبتسمًا يمنحه سيفًا وهو يردد :
_ هيا يا رجل ارفع رؤوسنا أمام القائد، لقد كنت رائعًا في تدريباتك هيا أره ما وصلت له سيكون قتالًا ممتعًا.
ارتجفت يده وهو يلتقط السيف يحدق به في رعب جلي وكأنه سيتحول لوحش ويلتهمه، وفي الواقع الوحش الحقيقي في هذه اللحظة لم يكن سوى المعتصم والذي كان ينتظر بشغف وشر في منتصف الساحة .
وحينما أبصر منه ترددًا هتف بصوت مسموع حاد :
_ هيا اقترب ما بك ؟؟
اقترب منه الرجل مرتجفًا، يجفف عرقه وحينما توسط الساحة حتى أبصر المعتصم يستعد بشكل مبالغ به على القتال المعتاد مع المتدربين .
_ هيا أرفع سيفك .
رفع الرجل سيفه وهو يتخذ وضعية استعداد مدركًا أن المعتصم لن يتهاون معه في القتال وهذا ما يظهر جليًا على ملامحه في هذه اللحظة .
_ هل أنت جاهز ؟؟
ولو استطاع الرجل النطق في هذه اللحظة لصرخ بملء فاهه بكلمة ” لا ” مدوية، لكن العجز والتوتر منعوه من ذلك ولم يبدي ردة فعل سوى هزة صغيرة من رأسه أعطت للمعتصم شارة البدء، وما هي إلا ثواني وكان الجحيم .
لم يعي الرجل سوى بضربة قوية أصابت ذراعه بجرح، وبجسده ممدًا ارضًا وسيف المعتصم يكاد يقسم رقبته نصفين والجميع حوله يحدقون بصدمة كبيرة مما يفعل المعتصم فلم يكن الاخير يومًا بهذه القسوة أو التجبر ذلك .
المعتصم أُستبدلت روحه بأرسلان، فها هو ألقى سيفه، ثم انقض على الرجل يسحبه من ثيابه بعنف شديد وقد انكب عليه بالضرب دون أن يستوعب أحدهم جرمه أو ما ارتكبت يديه، فهذا الشاب لم يفعل شيء منذ وطأت اقدام المعتصم المكان ليعاقبه بهذا الشكل .
اشتعلت الأجواء وشعروا جميعًا بالقلق الشديد مما يفعل المعتصم لدرجة أن أحدهم هرول بعيدًا عن الساحة يستنجد بالملك قبل أن يقتل المعتصم الرجل، وقد التف حوله الباقيين يحاولون الإحالة بينهم، لكن المعتصم كان شرسًا يدفع الجميع ويكمل قتاله .
عند أرسلان :
كان يقف أمام سالار في الساحة الأمامية للقصر يستعدون للتحرك :
_ لا أود التأخر في سبز، سأنتهي من الاجتماع واعود، سأترك المعتصم هنا كي لا أترك البلاد دون مشرف لحين عودتي .
ابتسم له سالار يردد بهدوء ومازالت نظرته ممتلئة خبث مما حدث قبل ساعات قليلة، يتحدث بهدوء شديد :
_ نعم لا تقلق على البلاد في يد المعتصم فهو تلميذي في النهاية، خُلق للقيادة، وسيكون أكثر يد أمينة تترك لها البلاد في غيابك .
تشنجت ملامح أرسلان:
– ربما كان تلميذك، لكنه جاء لبلادي وتشرب من خبراتي ومهاراتي .
ضحك سالار بسخرية لاذعة وكاد يستنكر حديث أرسلان ويعترض بجمل عديدة، لولا اقتراب أحد الجنود المهرولين له وهو يصرخ برعب :
_ مولاي … القائد في ساحة التدريب يكاد يقتل أحد المتدربين ضربًا .
اتسعت أعين سالار بقوة، بينما تشنجت ملامح أرسلان وهو يهرول بسرعة كبيرة مرتعبًا مما يمكن أن يكون أذهب تعقل المعتصم لدرجة أن يتهجم على أحد المتدربين؟؟
بينما سالار يراقبه يهتف بصدمة :
_ نعم تشرب مهاراتك وخبراتك حتى شبع وأصبح مثلك أرسلان.
ختم حديثه يتحرك بخطوات سريعة خلف أرسلان.
وبمجرد أن اقترب من ساحة القتال حتى سمع صوت صرخات جنونية، لكن المشهد الذي ابصره كان أشد جنونًا.
المعتصم منكب على أحد الرجال بالضرب حتى كاد يخرج روحه بين يديه، وارسلان يجذبه بعيدًا يحاول إبعاده بصعوبة .
_ يا المعتصم اكظم غيظك يا أخي ما بك ؟! توقف يا المعتصم .
لكن المعتصم في هذه اللحظة لم يكن يرى سوى الدمار والخراب والدماء …ودموع فاطمة، حياتها التي تدمرت بسببه وبسبب جماعته.
دمروا صغيرته وخربوا حياتها بالكامل، والآن يحيون دون أي شعور أو سوء، يصرخ بكل الوجع داخله :
_ تحيا بيننا وتأكل معنا وتعيش آمنًا أيها القذر، وتطعننا في الظهور يا خسيس، تخفي حقيقتك ونسيت أن القذارة تعلن عن نفسها، منذ متى ونحن نرسم وشوم كهذه على أجسادنا ونرتعش لذكر القتال ؟؟
نظر له أرسلان بعدم فهم ليجذب المعتصم الرجل والذي كان مدمى الملامح، رفع الرجل أمام الجميع يزيح أطراف اكمامه مظهرًا أمام الجميع الوشم الكبير والذي كان يملئ ذراعه وقد ابصره أثناء ادعاءه التدريب .
وحينما ابصره أرسلان نزع يده بهدوء عن المعتصم وكأنه يمنحه اذنًا بإكمال ما بدأه، وفي لحظة انقلبت الأمور رأسًا على عقب، أبتعد الجميع عن المعتصم والذي كان في هذه اللحظة ينتقم لزوجته فيه .
نظر سالار صوب أرسلان وكأنه يخبره بالتدخل، لكن أرسلان هز كتفه بهدوء يحرك حاجبيه، ثم أشار صوب المعتصم يتحدث بهدوء شديد :
_ نعم المعتصم هو أكثر يد أمينة اترك بها البلاد .
ختم حديثه ببسمة جانبية، أما عن المعتصم فعندما انتهى ابتعد عن الرجل وهو يجذبه يلقي به صوب الرجال يأمرهم بنظراته أن يأسروه ويتحركوا به نحو السجن.
كل ذلك يراقبه أرسلان وهو يعقد ذراعيه لصدره يراقب ما يحدث ببسمة صغيرة، تحت أعين سالار الذي مسح وجهه يتنهد بصوت مرتفع :
_ أحسنت الإختيار بالفعل بأن أرسلت لك المعتصم .
رفع المعتصم عيونه صوب الجميع وقد بدأ عقله يستوعب ما يحدث يتنفس بصوت مرتفع، قبل أن يبتسم بسمة صغيرة يهتف بصوت هادئ لا يوحي البتة بأنه هو نفسه الشخص الذي كاد يقتل أحدهم ضربًا منذ ثواني .
_ السلام عليكم يا قائد، عسى أن يكون نهارك سعيدًا .
ابتسم له سالار بسمة متسعة وهو يربت على كتفه مرحبًا :
_ هو كذلك لرؤيتك يا المعتصم، سعيد لرؤيتك بخير حال وأنك ما زلت تحتفظ ببعض تعقلك بعد كل هذه الفترة التي قضيتها مع أرسلان هنا.
نظر له أرسلان بطرف عيونه قبل أن يتحرك ليتفقد زوجته وجاهزيتها :
_ أوه نعم، يبدو أن المعتصم نجح فيما فشلت أنت به سالار .
وبهذه الكلمات أنهى أرسلان وجوده في الإرجاء، تاركًا سالار يستوعب معنى كلماته مبتسمًا بعدم تصديق يردد دون أن يتمكن من كبت كلمته :
_ لعنة الله على الكافرين …..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ساعات وداخل مملكة سبز …
ارتص الشعب على جانبي الطريق حينما وصلت لهم اخبار عودة الأميرة الغائبة منذ مدة طويلة، الجميع يتهامس عن غيابها وعودتها .
توبة والتي كانت دائمًا أكثر النساء تواضعًا مع شعبها، تشاركهم الاحتفالات وتتنقل بينهم دون حراسة في أغلب الوقت، اختفت دون خبر واحد عنها والآن وصلت لهم اخبار لا يعلمون من نشرها أولًا، أنها كانت مُختطفة واليوم تحررت …
وعندما داخل الموكب الذي كانت تشاركه زوجة أرسلان، تلك الفتاة الهادئة الغامضة والتي كانت تشعر بها وكأنها تخترق ما تخفيه، شعرت بهدوء مخيف وهي ترفع عيونها صوب سلمى تهمس :
_ انرتي سبز .
ابتسمت لها سلمى بسمة محايدة ولم تحدد بعد مشاعرها تجاه تلك المرأة، مرات تشعر نحوها بالخطر ومرات تشعر بالأطمئنان .
_ تُنار البلاد بأهلها سمو الأميرة، حمدًا لله على سلامتك .
ابتسمت لها توبة تهز رأسها بهدوء، ثم حركت رأسها بهدوء تبصر حدود سبز وقد اقتربت، لكن وأثناء ذلك أبصرت طرف أرسلان والذي على عكس عادته كان قد تخلف عن مقدمة الموكب يسير بالقرب منهم وكأنه يأبى أن يبتعد خطوة واحدة فيستغل أحدهم ذلك ويقترب من موكبها .
_ يبدو أن الملك يحبك كثيرًا .
رفعت سلمى عيونها صوب توبة تنظر لها بعدم فهم، لتحرك الأخيرة عيونها صوب أرسلان الذي يلاحقهم بحصانه، تهمس ببسمة واسعة :
_ لم أر يومًا الملك مهتمًا بشخصٍ ما بهذا القدر عدا كهرمان، حسنًا حتى كهرمان كان يترأس موكبها، لا أدرك مقدار قلقه هذا، لكن هذه المرة المرة الأولى التي يتخلف بها عن قيادة الموكب مع القائد سالار .
عادت سلمى بنظراتها صوب أرسلان تشرد به مبتسمة تتذكر صباح اليوم حينما خرجت من المبنى الخاص بالغرف وتوجهت له حيث كان يتفقد الموكب، وتوقفت أمامه بثوب من اللون الاخضر مع غطاء وجه ولأول مرة تضعه، كان ثوبًا تقليديًا بامتياز تختص بها نساء سبز.
تتحرك متهادية به صوب جسد أرسلان والذي كان يعيطها ظهره، وحينما توقفت خلفه رفعت كفها بتردد تضعه على كتفه ليتسدير أرسلان بسرعة يبصر أمامه امرأة ترتدي ثياب مشكى التقليدية وتضع غطاء وجه، لا يبصر لها ملامح، بل وقد تجرأت لتحرك يدها تتمسك بمرفقه وهو فقط ينظر لها بتشنج قبل أن يبعد يدها عنه يهتف بصوت مصدوم :
_ ما بكِ يا امرأة ؟؟
رفعت سلمى حاجبها بصدمة من كلماته، بينما الأخير عاد للخلف ينظر للمرأة مستنكرًا يرفض أن تلمسه، لتتسع بسمة سلمى أسفل الغطاء وهي تتحرك صوبه تمسك يده تهمس بصوت خافت :
_ لا تخبرني أن مجرد غطاء صغير جعلك تجهل هويتي جلالة الملك .
اتسعت أعين أرسلان وقد تعرف على صوتها، يحرك عيونه على جسدها بعدم تصديق، قبل أن يرفع عيونه لها يهمس بصوت غير مصدق :
_ سُليمى ؟؟
اتسعت بسمة سلمى تهمس :
_ هل اعجبك ثوبي ؟؟
تنفس أرسلان بصوت شبه مسموع يبتسم بسمة واسعة سعيدًا بما يرى، غطت ملامحها وكل شيء بها، مد يده يرفع كفها بهدوء يضعها على مرفقه حيث انتزعها منذ ثواني يضغط عليها بصوت سعيد :
_ محظوظ الثوب بكِ سليمى.
ختم كلماته وهو يهتف بصوت قوي وما تزال عيونه معلقة بها رغم أنه لا يبصر وجهها :
_ أقيموا الهودج فقد وصلت الملكة ….
مال عليها يهمس بصوت منخفض :
_ سأكون على مقربة منكِ طوال الرحلة إذا ما احتجتي لشيء فقط أخبريني، حسنًا حُلوتي ؟؟
_ جلالة الملكة هل أنتِ بخير ؟؟
انتفض جسد سلمى والتي كانت ما تزال عالقة في تلك اللحظة التي نطق بها ذلك اللفظ التحببي، نطقه لتلك الكلمة ” حُلوتي ” جعلها تشهق وهي تنظر له بصدمة، لا تكاد تخرج من صدمتها حتى الآن .
وفى بوعده ولم يتركها لحظة واحدة طوال الرحلة .
ابتسمت وهي تنظر صوب توبة تهتف بصوت خافت :
– آسفة فقط شردت بعض الشيء.
_ كنت فقط أخبرك أننا وصلنا، هيا سنهبط هنا .
ومن بعد تلك الكلمة ابصرتها سلمى تهبط عن العربة، وحينما كادت تلحقها هي تفاجئت بأرسلان يهبط عن حصانه ويتحرك صوبها يمد لها يده وهو يبتسم بهدوء بعدما انحنى لها نصف انحناءة :
_ دعيني أساعدك سليمى .
مدت سلمى كفها تضعها بكفه وهي تهبط بهدوء، ثم جذبها أرسلان تسير جواره وهي تعبر من بوابة سبز التي كان يقف خلفها إيفان وآزار، اتسعت ابتسامة سلمى وهي تشعر بأرسلان يهيمن عليها في رسالة واضحة للجميع، ولم تكد تصدر أي انحناءة لترحب بالجميع، حتى وجدت يد أرسلان تمنعها بحركة خفية وهو ينظر أمامه مبتسمًا للجميع بهدوء، يحرك رأسه مرحبًا بهم .
وفي هذه اللحظة لم تتذكر سوى جملة واحدة نطقتها قبل أيام طويلة، جملة ما يزال صداها مسموعًا في رأسها وكأنه قد آن أوان تحقيق أكثر أحلامها استحالة .
كلماتها والتي ظنتها يومًا حلمًا ورديًا حتى أن موزي سحر منها، أضحت اليوم حقيقة وواقعًا، وهي تبصر تتجسد في أرسلان.
“يحق لي الحصول على رجلٍ وسيم راقٍ حنون وشاعري، يحبني وكأن لا نساء غيري، ويدللني وكأن الدلال لم يُخلق لسواي، رجل ينحني له العالم، وينحني هو لي . ”
رفعت عيونها صوب أرسلان تحدق به من أسفل الغطاء وهي تشعر بضربات قلبها تزداد بقوة كبيرة، تبعد عيونها بسرعة كبيرة حين ابصرته يستدير لها، ليبتسم الاخير بهدوء :
_ دعينا نحصل لكِ على غرفة لترتاحي .
في اللحظة التي كان يتكلم بها كان الترحيب بتوبة على أشده.
فبمجرد أن خرجت من العربة حتى ارتفع صوت أحد رجال والدها ذوي المكانة المرتفعة وهو يهتف بنبرة جهورية :
_ سمو الأميرة توبة، أميرة سبز تدخل للقصر، أظهروا الاحترام لأميرتكم يا رجال …
ارتجف جسد توبة وهي تشعر بالدموع تنهمر من عيونها دون شعور، كادت تفقد الامل في عودة بلادها، وكادت تشعر أن لا عودة لها ولا نهضة لشعبها، لكن إرادة الله فوق الجميع، لولا كرم الله عليها وعلى والدها، والملوك ما عادت سبز من قبضة ذلك الوسخ الذي كانت تتخذه زوجًا سابقًا..
تنفست وهي تبعد الدموع عن عيونها ترفع وجهها صوب الجميع لتبصره يتوسطهم جميعًا ” الملك آزار” النسخة الكبيرة من نزار، وعند هذه النقطة ارتجف صدرها وهي تبصر بسمته ، ليقارن عقلها بسمته تلقائيًا ببسمة ولده، يشبهه بكل شيء عدا أن نظرات نزار ربما تتسم ببعض الهدوء والحنان، أما نظرات آزار تتسم بالحدة والبطش أحيانًا .
أما عن آزار فتعجب شرودها به، ورغم ذلك ابتسم لها بسمة واسعة حنونة، يتحرك صوبها ليستقبلها :
_ سمو الأميرة، مرحبًا بعودتك .
مالت له توبة نصف ميلة تهتف بصوت منخفض هادئ ونبرة مختنقة بالكثير من المشاعر :
_ جلالة الملك آزار….
_ منذ متى تناديني بجلالة الملك توبة ؟؟
رفعت له توبة عيونها دامعة بقوة وهي تهمس :
_ كيف أبي يا عم ؟؟
ابتسم لها آزار بسمئة مطمئنة يشير بعيونه صوب الجميع يحاول صرف نظرها عن الأمر في الوقت الحالي :
_ بخير، فقط رحبي بالباقيين، ومن ثم ننشغل بأخبار العجوز بارق.
ضحكت من بين دموعها وهي تستدير صوب إيفان الذي كان يتابع حالتها بدقة وهدوء وكأنه يبحث بها عن أي خدش قد يدفعه للتحرك وإعلان حرب مبكرة .
_ جلالة الملك إيفان، مرحبًا بك في سبز .
وكان رد إيفان تحية صغيرة وبسمة صغيرة كعادته، ثم استقام يردد بصوت ذو نبرة هادئة :
_ مرحبًا بكِ سمو الأميرة انرتي البلاد بعودتك.
هزت رأسها تهمس بصوت منخفض مختنق بالدموع :
_ اشكركم، لن انسى صنيعكم ما حييت .
ختمت كلماتها ثم نظرت صوب آزار بلهفة :
_ أبي، هل …هل يمكنني رؤيته عم آزار ؟!
_ بالطبع عزيزتي، هيا تعالي معي نلقي التحية على العجوز بارق ريثما يستقر الجميع، ومن ثم نرى ما سنفعل .
نظرت توبة للجميع حولها، ثم تحركت مع آزار بهدوء شديد في حين أن نظرات إيفان تحركت صوب أرسلان، وقبل أن ينطق أحدهم بكلمة تحرك صوبه بهدوء ولهفة شديدة، ليبتعد أرسلان عن سلمى وهو يتلقى ترحيب رفيقه بمشاعر دافئة يربت على ظهره بهدوء وسعادة:
_ مرحبًا بك إيفان .
ربت إيفان بقوة على ظهر أرسلان وهو يتذكر خطاب أرسلان له والذي أخبره به أن هناك ما يؤرق رفيقهم، حرك يده بحنان على ظهره يهتف مبتسمًا :
_ مرحبًا بك كذلك يا أخي، إنها لمدة منذ رأيتك آخر مرة، لم تعتد غيبتك الطويلة أرسلان.
ابتسم له أرسلان وهو يبادله العناق، ثم ابتعد عنه يراقبه بهدوء ومن ثم همس بصوت خافت وهو يبحث حوله عن شقيقته :
_ لم تحضر معك جوهرتي ؟؟
رفع له حاجبه، ثم ردد لاستفزاز :
_ أي جوهرة تلك يا فتى لا جواهر لك عندي عزيزي، ولا امتلك من المجوهرات شيئًا ..
مال عليه يهمس بصوت منخفض لم يصل لغيره :
_ فقط كهرمانتي الغالية هي ما امتلك من الجواهر، ولا أعتقد أنها تخصك بأي شكل من الأشكال .
اشتعلت أعين أرسلان بشدة وقد شعر بنيران تزداد داخل صدره شيئًا فشيء يرفع قبضته ليحطم بها فك إيفان الذي يتفنن في إشعال غيرته على صغيرته ويلعب على أوتار تلك الحقيقة المؤلمة والتي تفيد بأن جوهرته أصبحت مع شخص آخر..
لكن وقبل رفع قبضته استطاع سالار اللحاق بها وهو يمسك بسرعة مبتسمًا :
_ لا عزيزي ليس هنا وليس وأنا موجود، قسمًا برافع السموات بلا عمد، إن أبصرت من أحدكم أي تصرف اهوج لاحطمن عظامه ولا فدية له عندي بأي شكلٍ .
ختم حديثه وهو ينظر لهما بتحذير شديد اللهجة ليتراجع إيفان للخلف يرفع يده في الهواء مبتسمًا بسمة صغيرة :
_ أنا لم اتحدث بكلمة، هو من ثار فجأة بلا سبب .
نظر له سالار بسخرية وهو يبعد أرسلان للخلف :
_ أشك في هذه الحقيقة إيفان، هيا أرسلان تحرك لزوجتك وخذها لترتح، ومن ثم عد لنرى ما يمكن أن نفعله .
نظر أرسلان بشر لايفان ولولا وجود زوجته في المحيط، لاراه كيف يتحداه ويستفزه بهذه الطريقة المزعجة، لكن صبرًا هناك قاعة اجتماعات ستجمعهم هذا المساء ويقسم حينها أنه لن يمرر له أي كلمة لا تعجبه .
استدار صوب سلمى والتي كانت تقف جانبًا تراقب المحيط بانبهار وسعادة، ربما لانتشار زهور كثيرة في المكان وقد تميزت سبز بذاك لتربتها المثالية في الزراعة .
اقترب منها يهمس بهدوء شديد وحنان جعل أعين إيفان تتسع وملامحه تتشنج وهو لم يستوعب بعد كلمة سالار التي نطق بها منذ ثواني ( زوجته ؟!) نعم علم من سالار وخطابه ما حدث، لكن عقله لم يألف بعد الأمر، وإن كانت كلمة زوجته تلك أثارت تعجبه فتصرفات أرسلان تلك أثارت صدمته وهو يراه يتحرك مع زوجته بكل هدوء وحنان ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقدمت بخطوات مرتعشة داخل الغرفة تشعر أن قلبها سبقها ورفرف صوب جسده المسطح، ارتجفت بأعين التمعت بالدموع، دموع لطالما سقطت في غيابه شوقًا له وقد استبد بها اليأس مصورًا لها حياة خالية من ظل والدها الحبيب .
وصلت للفراش ولم تشعر بأحد معها داخل الغرفة، لم تدرك وجود آزار معها حتى، والذي بمجرد أن شعر بحاجتها للأنفراد بوالدها حتى انسحب بهدوء للجميع تاركًا إياها تروي ظمأ شوقها .
أما عنها فبمجرد أن وصلت له أمسكت طرف ثوبها وهي تميل جزئيًا كما كانت تفعل طوال حياتها، تردد بصوت مرتعش باكٍ :
_ السلام عليكم جلالة الملك، عسى يومك سعيدًا أبي.
ولم يصل لها رد للمرة الأولى، لتترك طرف ثوبها تميل عليه تمسك كف يده والتي تجعدت لعمره ولمرضه، تقبلها بقوة وقد بللتها ذرات دموعها وهي تستند عليها هامسة بصوت موجوع :
_ أبي…
ومن بعد تلك الكلمة لم تمتلك المزيد من القوة لتكمل جملة، إذ انفجرت في البكاء بقوة وهي تجلس ارضًا جوار فراشه تبكي على يده؛ بكاء حكى له بشاعة ما أبصرته بعده، وسوء ما واجهته بدونه، مشاعر وحزن كبير تزاحموا داخل صدرها حتى شعرت للحظات أن الشهقات تخنقها ولم تعد تستطيع التنفس بشكل طبيعي .
ارتفع صوت شهقاتها وانفاسها وهي تهتف من بين بكائها بكلمة واحدة لم يمتلك الفؤاد سواها :
_ أبي…. أبي…ارجوك …
واستمر الأمر دقائق طويلة لم تعرف عددها وقد أخذت دموعها تقص لبارق سوء ما رأت في الأيام السابقة وبشاعة المشاعر التي اضطرت أن تتعامل معها، لياليها المظلمة في ذلك المنزل الصغير وهي تتضرع لله، لحظات الرعب أن يقتحم أحدهم المنزل عليها ينتزعها من مكانها الآمن الوحيد، واخيرًا مشاعر الأمن والطمأنينة القليلة التي كانت تحياها بوجوده، قبل أن ينبذه كبريائها ونفورها المصطنع ليرحل آخذًا معه كل ما أحضر من الأمن والسلام اللحظي .
استكانت على صدر والدها تهتف كلمات مرتجفة :
_ أرجوك عد لي، والله لم أعد اتحمل، فضت وفاض كيلي أبي، عد واخرجني من كل ذلك الألم، انقذني من نفسي، ارجوك لا أريد أن أواجه العالم دونك، لا أريد أن……
صمتت تهمس بصوت موجوع وقد آلمتها الحقيقة وبشدة :
_ لا أريد أن تجرفني تيارات حبٍ آخر ميؤوس به، وأخشى أن يكون هذه المرة أعنف من المرة السابقة، ساعدني أبي لا أريد….لا أريد أن أحبه……………..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى مما يفعل وهو يخرج من السجن وداخلة شعور كبير بالراحة، ولأول مرة يشعر أن راحته تتمثل في إيذاء الآخرين، لكن ذلك الرجل تحديدًا جاءه في لحظة يأس ووجع أخرج به كل ما يكمن في صدره .
ابعد خصلات شعره عن وجهه وهو يخرج من المبنى بأكمله يتحرك صوب الساحة مجددًا ليكمل تدريبات الجيش، يحاول أن يبعد تفكير عن ذلك الرجل وعن فاطمة وعن كل ما يمكن أن يتسبب في …….
_ يا المعتصم .
توقفت أقدامه وتوقف قلبه ثواني عن الخفقان يحتفل في صمت قبل أن يعود ويعلو صخبه مجددًا يستمتع بذكر اسمه منها، استدار يبصرها تقف بعيدًا عنه في نفس المكان الذي كانت تراقبه منه سابقًا، نفس الوقفة ونفس البسمة تحمل معها طبقًا والذي يكاد يقسم أنه طبق حلوى أعدته هي له .
اتسعت بسمته وهو يتحرك صوبها، شيء لم يكن يمتلك حقًا في فعله سابقًا، بل كان يفكر بالهرب سريعًا بمجرد رؤيتها .
تحرك حتى وصل لها لتتسع بسمة فاطمة وهي تعاجله بمد طبق الحلوى سريعًا تهتف بسعادة كبيرة:
_ هذا لك .
نظر لها المعتصم ببسمة واسعة ولم يهتم بالحلوى بقدر ابتسامتها التي جعلتها حلوة أكثر من الحلوى ذاتها :
_ السلام عليكم فاطم، أنتِ بخير عزيزتي ؟!
كان يقصد ما حدث بالسوق قبل ساعات، فمنذ عاد لها قضى نصف ساعة تقريبًا يربت عليها بحنان وهو يتلو عليها بعض الآيات حتى نامت وخرج هو .
والآن ها هي أمامه تقف بنفس البسمة المشرقة التي سبق وخطفت بها قلبه .
_ أنا بخير شكرًا لك، لقد اعددت لك هذه الحلوى لاشكرك على مساعدتي، أنت حقًا رجل صالح ذو مروءة يا المعتصم .
اتسعت عيون المعتصم قليلًا :
_ أوه لا داعي للشكر فاطمة، عزيزتي هذا واجبي .
_ لا ليس كذلك أنت ساعدتني وهذا يعني لي الكثير .
تشنجت ملامح المعتصم يردد كلماتها داخل عقله بعدم فهم :
_ ليس كذلك؟ ماذا تعنين أنتِ ؟؟ فاطمة هذا واجبي أنتِ زوجتي إن نسيتي .
نظرت له فاطمة ثواني لتتسع عيون المعتصم وهو يندفع لها برعب يهتف بصدمة كبيرة :
_ ماذا وتفكرين كذلك ؟! فاطمة هل نسيتي ؟؟ أنا زوجك المعتصم ؟؟
رفعت فاطمة عيونها له بهدوء ومن ثم رسمت نفس البسمة الهادئة اللطيفة :
_ نعم أتذكر، لكن هذا لا يمنع أن آتيك واشكرك على كونك رجل صالح ذو مروءة .
تنهد المعتصم بضيق شديد من كلماتها والتي تشعره أنه مجرد رجل عرض عليه مساعدة أو ما شابه :
_ رجل صالح ؟؟ متى سأرتقي للزوج الصالح فاطمة ؟!
نظرت له فاطمة بعدم فهم، ليزفر الاخير وهو ينتزع منها طبق الحلوى بضيق شديد، يخشى أن يرفضه فتذهب حزينة ومن ثم تنس ما حدث وتظن أنها صنعته لغيره فيفقد هو حقه بحلواه الخاصة .
_ اعطني هذه الحلوى وتحركي من هنا فاطمة.
هزت فاطمة رأسها تسلمه الحلوى ببسمة واسعة، وملامح بريئة جعلته يشعر بالدناءة لمعاملتها بهذا الشكل لذا زفر مرة أخرى بقوة معترضًا :
_ لا تنظري لي بهذا الشكل رجاءً.
نظرت له فاطمة ببسمة لا تفهم ما يقصد :
_ أي شكل هذا ؟!
هنا وأعلن المعتصم استسلامًا ليجذب يدها معه بسرعة وهو يتحرك بها سريعًا بعيدًا عن الأنظار يهتف بصوت خافت لكن وصل لها :
_ تلك النظرة التي تجعلني اشعر برغبة عارمة في فعل اشياء قد يصنفها عقلك الصغير باشياء في غاية الوقاحة .
فجأة دخل بها غرفته والتي لم تبصرها منذ ذلك اليوم الذي ساعدها به وبقيت بها ساعات يتوقف جانبًا يراقب نظراتها المتعجبة :
_ اشياء في غاية الوقاحة؟؟
هز رأسها وهو يترك طبق الحلوى جانبًا ومن ثم دون لحظة تفكير واحدا ابتسم يجذبها لاحضانه بقوة كبيرة :
_ نعم كأخذك بين أحضاني كل ثانية وكل لحظة فاطم .
وفاطمة غابت كل استفساراتها واعتراضها داخل أحضانه والتي شعرت بها كقطرات غيث بعد سنوات جفاف .
ورغم كل الأصوات في رأسها التي كانت تحرض على العصيان والانتفاض بعيدًا عن أحضانه، إلا أن حزب المؤيدين كانت أصواتهم هي الأعلى في هذه اللحظة، لتبتسم فاطمة وهي تهمس بصوت منخفض :
_ هذا مريح يا المعتصم .
اتسعت بسمة المعتصم حتة تحولت بضحكة يقبل رأسها بحنان شديد :
_ أخبرتك أن هذا هو الدواء، داومي عليه وستصبحين بخير حال عزيزي .
اغمض عيونه بتمني وكم يأمل أن تكون بخير حقًا :
_ إن شاء الله ستكونين فاطم…
وكل ما كان يدور في عقله في هذه اللحظات هو ترقبه لعودة سلمى كي يطالبها بمساعدة عاجلة لزوجته والتي بدأت حالتها تتراجع أكثر وأكثر، هو يخسر زوجته لصالح الماضي واوجاعه……..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أين أنا ؟؟ لماذا احضرتني هنا ؟!
اندفع جسد الوليد صوب نزار وهو يردد براحة شديدة :
_ نزار جيد أنك بخير يا أخي، لقد كنت أموت رعبًا عليك، هل تشعر بأي تعب ؟!
رفع نزار عيونه بصعوبة صوب الوليد :
_ أين أنا ؟؟ وماذا الذي حدث ؟؟
تنفس الوليد وهو يجلس جواره يدفع جسده ليريحه مجددًا ثم، أخذ يطمئن على جروح جسده :
_ جن جنون أنمار وقرر التخلص منك، وبصعوبة شديدة استطعت إخراجك من الجحر واحضارك هنا .
ابتلع نزار ريقه بصعوبة بسبب جفاف حلقه:
_ هنا أين ؟؟
_ سبز .
رفع عيونه له بصدمة وهو يهمس بصوت خافت، يبصر مشاهد ظنها أضغاث احلام، ولا يعلم إن كانت واقعًا حتى أو لا :
_ أبي…لقد أبصرت ابي، ما الذي ….ما الذي يحدث هنا ؟!
تنهد الزائد تمهيدا طويلة وهو يهتف بصوت خافت :
_ حدث الكثير والكثير، لقد احتل والدك سبز واعلنها جزئًا من آبى لحين عودة الملك بارق بخير، كما أن جيش أنمار تقهقر للجحر بعد هزيمة نكراء من جيوش مشكى وجيش والدك، واخيرًا أعاد الملك أرسلان الأميرة توبة لسبز واليوم فقط وصلت بخير .
أخبار كثيرة مرت على عقله، يحاول أن يستوعبها، لكن عقله وقلبه توقفوا عند كلمة واحدة وهي :
_ توبة هنا في سبز ؟؟؟؟؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وربما تعد هذه مجرد هدنة وتمهيد لأهوال قادمة، فخذوا نفسًا عميقًا واستعدوا ….
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أسد مشكى)