رواية جبر السلسبيل 2 الفصل الثالث 3 بقلم نسمة مالك
رواية جبر السلسبيل 2 الفصل الثالث 3 بقلم نسمة مالك
رواية جبر السلسبيل 2 البارت الثالث
رواية جبر السلسبيل 2 الجزء الثالث
رواية جبر السلسبيل 2 الحلقة الثالثة
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
لعلّ في الخفايا أعذارًا لا تدري شيئًا عنها، گ لهفتي عليك، و إشتياقي لك، فأجعل لي دومًا نصيبًا من حُسن ظنك إن صادف يومًا لم تجد فيه عُذرًا يبرر لك أفعالي التي جرحت فؤادك، و تأكد أن روحي كانت ترتجف خوفًا من فقدانك يا عزيز قلبي فتركتك مجبرة غير مخيرة حتى لا أرى فيك سوءً يقتلني..
و بعد فراقنا أصبحت بين ليلة وضحاها إمرأة عجوز أهلكها الضعف ، دون أن تذبل بصيرتي، و لا شاب شعري لكنه قلبي تعلوُه التجاعيد بغيابك..
أصبحت في أشد لحظات ألمي و حزني لا أصرخ ، أفكر في أمرٍ واحد فقط ، هو كيف سأقضي ما تبقى من عمري و أنا سبب كل هذا الخراب في قلبك!
أعترف لك أنني آسفة على أعوام مضت ما كنت أعرفك فيها..
……………….. صلِ على الحبيب….
كانت “سلسبيل” ممسكة بطرف حجابها تضغط به على جرح جبهتها الذي تدفق منه الدماء بسبب خوفها الشديد، كلما حاولت النهوض تسقط جالسة مكانها ثانيةً، قدميها ترتعش بقوة، و جسدها الضعيف يتهاوي يمينًا و يسارًا، لكنها تقاوم بأقصى ما لديها حتى لا تفقد وعيها،
جف حلقها تمامًا، و انسحبت روحها منها حين لمحت سيارة توقفت قريبًا منها بها مجموعة من الشباب وقعت عينيهم عليها أثناء سيرهم،
دب الرعب بأوصالها و إذداد إرتجاف جسدها أكثر حين رأتهم يهبطوا من سيارتهم، و يهرولوا نحوها..
أصبحت لا تعطي الأمان لأحد بعدما سُرق منها هاتفها، و قد ظنت أن هذه المرة سيسرقوها هي، فتراجعت للخلف زاحفة على كلتا يديها مرددة بصراخ مذعور..
“ابعدوا عني.. عايزين مني أيه.. سبوني في حالي حرام عليكم”..
“أهدي.. متخفيش.. إحنا هنساعدك محدش هيأذيكي”.. نطق بها أحدهم و هو يمد يده لها بزجاجة من المياة، و جثي على ركبته أمامها أرضًا مكملاً برجاء..
“خدي نفسك بس و بلاش خوفك الزايد ده عشان جرحك مينزفش أكتر.. و لو تحبي نوديكي المستشفى!! “..
قطعت “سلسبيل” حديثه صائحة بصوتٍ متحشرج بالبكاء تقول بصعوبة..
” لا مش هروح معاكوا أي مكان.. سبوني في حالي و أمشوا في طريقكم.. أنا هفضل هنا”..
نظروا لبعضهم بأسف، و عادوا النظر لها بشفقة، مقدرين حالة الذعر التي تُسيطر عليها، و معاها كل الحق، بعد ما رأته في حياتها من ألم و قسوة من أقرب الأقربون لها، فماذا سيفعل بها الغريب؟!،
” طيب لو حافظة رقم تليفون حد من قرايبك قولي لنا عليه و إحنا نتصل بيه يجي لك هنا”..
قالها شاب منهم و هو يخرج هاتفه من جيب سرواله،
ظهر بريق أمل على وجهها، و أعتصرت عقلها المشوش لعلها تتذكر رقم “عفاف” لكنها لم تتذكر سوي رقم الرجل الذي لا تريد التحدث إليه حتى لا تفتح مجال للعودة بينهما ثانيةً ..
” عبد الجبار ” رقمه الوحيد المحفور في ذاكرتها، بل هو نفسه موشوم بأعمق نقطة بقلبها..
أبتسمت إبتسامة يملؤها الوجع تزامنًا مع انهمار عبراتها على وجنتيها بغزارة دون بكاء، و مدت يدها الصغيرة التي تنتفض بوضوح تجاه الهاتف، فأعطاه الشاب لها على الفور بعدما قام بفتحه..
نظرت له بامتنان قبل أن تلتقطه منه، و أجهشت ببكاء مرير و هي تضغط على الأرقام مدونة رقم من كان و ما زال دومًا منقذها،
بكاءها و شهقاتها الحادة كانت تقطع نياط القلوب، جاهدت للسيطرة عليها بشق الأنفس حتى أنها كادت أن تموت خنقًا حتى لا يوصل له،
لا تريده أن يستمع لإنهيارها هذا بالوقت الحالي، أخذت نفس عميق قبل أن ترفع الهاتف على أذنها بعدما ضغطت على زر الإتصال، تنتظر بنفاذ صبر سماع صوته الذي اشتاقته حد الجنون..
……………………. سبحان الله وبحمده…….
“عبد الجبار”..
عقب سماعه لصوت “عفاف” تصرخ بأسم “سلسبيل” قفز من مقعدة، و جلس مكان سائقه خلف المقود بطرفة عين، و قاد بأقصى ما لديه من سرعة قبل حتى أن يستمع لباقي حديثها..
“سلسبيل يا عبد الجبار بيه كانت بتكلمني في التليفون و هي ماشية في الطريق و فجأة صرخت و الخط فضل مفتوح لكن هي مبتردش .. فضلت أنا على التليفون عماله أصرخ عليها لحد ما الخط أتقفل.. حاولت اكلمها تاني بس التليفون أتقفل خالص بقاله أكتر من ساعة.. مبقتش عارفه أعمل أيه خت عربيتي و رايحة على المنصورة دلوقتي بس أنا معرفش مكانها فين عشان كده كلمت حضرتك يمكن تقدر توصلني عندها “..
كان يستمع لحديثها الذي أنتزع قلبه من مكانه نزعًا، لكم المقود بقبضة يده أكثر من مرة بكل ما أُتي من قوة، و صاح بصوته الأجش قائلاً..
” كيييف.. كيف چدها هملها تخرچ.. كييييف”..
” هي خرجت هربانة من جدها و كانت جيالي يا عبد الجبار بيه لأنها سمعتهم بيتكلموا أنهم عايزين يرجعوها لأبوها.. فخافت و كلمتني قالتلي ههرب و أجي أعيش معاكي يا دادة عفاف”.. قالتها “عفاف” ببكاء من شدة تأثرها بما يحدث مع” سلسبيل “، ما قالته كان بمثابة سكب الزيت على النيران المتآججة بقلب ذلك العاشق،
ربااااه!!!!
كاد أن يُصاب قلبه بنوبة توقفه عن الخفقان و هو يتخيل مدى ذعرها من والدها عديم الرحمة الذي رأه هو بعينيه مرات متعددة..
“اقفلي.. هوصلها و هحددك أقولك على مكانها يا عفاف “.. قالها “عبد الجبار” بصوتٍ مخيف، و ثقة شديدة لا يعلم مصدرها، لكنه على يقين أن قلبه سيقوده إلى طريقها..
ليصدح صوت رنين هاتفه المخصص لها هي فقط، لا أحد يعلم هذا الرقم غيرها..
“سلسبيل!!!!”.. نطق بها بقلب ملتاع، و أنفاس متهدجة كادت أن تنقطع من شدة رعبه عليها..
جاهدت هي حتى تحرك شفتيها و تتحدث إليه، لكن حدة بكاءها لم يسعفها، و أيضًا إذا نطقت إسمه سيشعر بلهفتها عليه، فرفعت عينيها الغارقة بالعبرات و مدت يدها لصاحب الهاتف الذي أخذه منها و تحدث هو بدلاً عنها قائلاً ..
“السلام عليكم.. حضرتك في بنت هنا تقريبًا عاملة حادثة و!!!”..
“مَراتي.. سلسبيل.. حُصلها ايييه”.. صرخ بها “عبد الجبار” بهياج، و قد فقد عقله في تلك اللحظة حقًا..
“متخفش حضرتك.. أطمن هي كويسه الحمد لله.. و إحنا حاولنا نساعدها و نوديها المستشفى بس هي رافضة خالص.. فعرضنا عليها تتصل بحد من أهلها فتصلت بيك”..
أخيرًا ألتقط” عبد الجبار ” أنفاسه المسلوبة حين أخبره من يحدثه أنها بخير، و برغم كل ما يحدث هذا إلا أن قلبه تراقص فرحًا بعدما تأكد أن” سلسبيل ” مازالت تراه هو كل أهلها..
” قولي المكان فين بالظبط و إني هكون عندكم في دقايق”..
بالفعل أملاه الشاب العنوان بالتفصيل تحت أنظار”سلسبيل ” التي تهللت أساريرها دون أدنى إرادة منها..
…………………….. سبحان الله العظيم……
“جابر”..
كان بطريق العودة لمنزله بعدما أبتاع أغلى و أجمل اللوحات و الألوان المخصصة لمجال الرسم، هواية “سلسبيل ” المفضلة،
رغم أنه على علم أن قلبها ملك غيره، و لن يستطيع أن يجبرها على تقبل عشقة لها، لكن كل ما يهمه الآن أن يسعدها، و يرى الإبتسامة على ملامحها الحزينة..
و قد عقد عزمه على البقاء بجوارها، لن يمل و لن يكل عن محاولة التقرب منها، سيضحي بالغالي و النفيس لأجلها..
فهي معه بعد كل تلك السنوات من الفراق، جمعهما القدر ثانيةً و هو لن يُضيع الفرصة هذه المرة..
انتبه لصوت رنين هاتفه، فأسرع بالرد و قد زحف القلق إلى قلبه دون معرفة السبب..
“أيوه يا جدي أنا جاي في الطريق.. في حاجة حصلت و لا أيه؟!”..
أتاه صوت “فؤاد” الباكي يتحدث بصعوبة و تعب ظاهر بوضوح بنبرة صوته..
“سلسبيل.. سلسبيل هربت يا جابر يا ابني”..
صرخ “جابر” بصدمة قائلاً..
“هربت!!!!! إزاي و لييييييه.. مين اللي خوفها خلاها تهرب يا جدي؟!! “..
قال ” فؤاد” بغضب.. ” مش وقت اسأله دلوقتي.. و ألحق بنت خالتك دي متعرفش حد في البلد هنا ولا معاها فلوس خالص “..
“طيب مشيت منين و لا راحت فين و معاها تليفون و!!”.. كان يصيح بها “جابر” لكنه ابتلع باقي حديثه، و جحظت عينيه على أخرها حين لمح سيارة” عبد الجبار ” التي مرت من أمامه بسرعة الرياح، و كأنه يعلم و جهته و مقصده، لم يفكر مرتين و إنطلق خلفه بنفس مستوى السرعة حتى أصبحوا بجانب بعضهما على الطريق..
بعد مرور دقائق قليلة لا تتخطى أصابع اليد الواحدة توقف “جابر” بسيارته أمام “سلسبيل” الجالسة أرضًا تُصارع دوارها، و في نفس اللحظة توقف “عبد الجبار” أيضًا بسيارته بعدما دفع سيارة “جابر” للخلف حطم وجهتها تمامًا حتى أصبح هو الواقف أمام زوجته مباشرةً يتطلع له من خلف المقود بأعين تقدح شررٍ..
قفزوا أثناتهما خارج سيارتهما بنفس اللحظة، يهرولان نحو “سلسبيل” التي زاد فزعها و شحوب وجهها من هيئتهم التي لا تُبشر بالخير أبدًا..
“بعد يدك عنِها!!”.. كان هذا صوت “عبد الجبار” الذي قبض على ذراع “جابر” قبل أن يلمس “سلسبيل” و دفعه بلكمة قوية بعيدًا عنها بعنف، ليأخذ “جابر” وضع الإستعداد لرد الكمة له التي لن تتوقف إلى هذا الحد، بل سينتهي بهما الأمر إلى معركة دامية..
أدركت “سلسبيل” خطورة الوضع، أصبحت أمام خيارين أصعب من بعضهما، مع من سوف تذهب؟!..
هي واثقه أن “عبد الجبار ” لن يتركها تذهب برفقة “جابر” هذه المرة إلا في حالة واحدة فقط، ألا و هو جثة هامدة..
تحاملت على نفسها و قررت إنهاء تلك المعركة قبل حتى أن تبدأ، انتصبت واقفة بجسد يترنجح بشدة بسبب ضعف بنيتها، أخذت نفس عميق، و سارت بخطوات متعثرة كادت أن تسقط أرضًا على وجهها، لكنها ألقت بثقل جسدها على ظهر “عبد الجبار” ملتفة بكلتا يديها حول خصره تقيد حركته و تمنعه من السير نحو غريمه الذي شلته الصدمة ، و بقي واقف يحملق بها بنظرات يملؤها الألم ..
بينما تسمر “عبد الجبار” من فعلتها هذه التي أثلجت قلبه المُتيم بها عشقًا..
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية جبر السلسبيل 2)