Uncategorized

رواية أغلال لعنته الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم إسراء علي

  رواية أغلال لعنته الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم إسراء علي

الحبُ من بعيد يبدو كـ نسيمٍ هادئ يخترق مسامك و يملأها بهجة
و لكن عندما يُصيبك، تكتشف أنه ليس سوى إعصارٍ هائج يسحق عظامك… 
يبدو أنها لم تستعب ما قاله نظرًا لصمتها و ملامحها التي تحجرت، بينما عينيها مُثبتتان عليه، فـ أعاد عُميّر حديثه بـ صوتٍ هادئ شبيه بـ خرير المياه 
-أنا هتقدم لـ
-قاطعته إيزيل بـ جفاف:سمعتك أول مرة… 
لم ينفعل بل أومأ و إنتظرها تتحدث، حتى بـ الفعل تحدثت و هي تحك أسفل عينها اليُسرى
-و المطلوب مني! 
-مط شفتيه و رفع كتفيه قائلًا:مش مطلوب منك حاجة… 
رفعت كِلا حاجبيها بـ سُخرية ثم قالت بـ نبرةٍ أكثر سُخرية و إيذاءًا 
-أومال عرفتني ليه! خايف على مشاعري لما أعرف!… 
سُخريتها لم تُغضبه بل عَلِمَ منها أنها تُخفي حُزنها أو خيبة أملها، بل هتف بـ نفس الهدوء المُثير للغضب 
-بعرفك بـ حُكم العشرة و إنك أُم بنتي
-هتفت بـ صلف و هي تلتقط حقيبتها:و دي شيء ميهمنيش، حياتك الخاصة معدتش تهمني، أهم حاجة متأذيش بنتي… 
نهضت تحت أنظار عُميّر القاتمة، خيبة أمل تُحيط به وَدَّ لو رفضت فـ يجد عُذرًا قويًا يمنعه من الزواج بـ أُخرى و لكنها حطمت آماله، ظل جالسًا و لم ينهض في حين تحركت إيزيل و قبلها هتفت بـ نبرةٍ خالية من المشاعر، جافة كـ حلقها تمامًا
-مبروك مُقدمًا… 
و أخذت أسيل دون حديث و دون أن تترك أسيل لتوديع والدها، و حدق عُميّر بهما حتى رحلتا تمامًا، زفر بـ غضبٍ تملكه هو يخشى على تلك الصغيرة منه و يخشى إفساد ما بناه سابقًا
أراد الفرار و إستغل بـ كُلِ أنانية مشاعر إيزيل ليجعلها طوق نجاته، و شيءٍ بسيطٍ من براعم الأمل أن يعودا و لكن من يخدع؟ لا سبيل لعودتهما
نهض عُميّر ثم قام بـ تنظيف الطاولة من بقايا أسيل و أطفأ أضواء المقهى و رحل، يسير في الطُرقاتِ الخالية ينشد بعض الهدوء و لكن صورة البسكويتة تلوح في الأُفق، ستأُذى و هو يعلم جيدًا ذلك
********************
سارت إيزيل بـ سرعةٍ لا تتناسب مع حذاءها العالي و الصغيرة أسيل خلفها تتذمر قائلة 
-يا ماما براحة مش قادرة أجري… 
تنبهت إيزيل لِما تفعله فـ تباطئت خطواتها ثم قالت مُعتذرة و هي تنظر إلى طفلتها 
-آسفة يا حبيبتي، هنركب العربية أهو… 
بدأت سيارتها تظهر في الطريق و بـ جوارها يقف شخصًا ما، ترددت و خافت أن يكون ذلك القذر من جديد و لكنها أبت أن تكشف ما تشعر به، يكفي تلك الصدمة التي ضربها بها عُميّر مُنذ قليل
كاذبة إن قالت لا تهتم بل هي تهتم و كثيرًا، و كاذبة إن خدعها الأمل بـ طلبهِ لعودتهما تعلم أنه مُستحيل، لا زالت تُكن المشاعر له و هو أيضًا كما إعترف لها إلا أن عودتهما مُجددًا تعني فشلًا جديدًا و هي لا تود ذلك، و لا تود أذية صغيرتها 
إقتربت بـ حذر و ما أن ظهرت هوية الواقف في الظُلمة حتى تنفست الصعداء و محت كُل تعبير مُؤلم و خُذلان على وجهها و رسمت إبتسامة مُتقنة، إبتسامة مليئة بـ الصلف ثم قالت بـ نبرةٍ مُتعجبة 
-أنت لسه ممشتش!… 
إعتدل عُبيدة في وقفتهِ ثم نظر إلى ساعةِ يدهِ و قال بـ رزانة و جدية 
-مينفعش أسيبك ترجعِ فـ وقت زي دا لوحدك
-أشارت إلى السيارة بـ عينيها و قالت بـ لؤم:معايا عربية، اللي إنت كُنت ساند عليها من شوية… 
ضحك و حك مُؤخرة عُنقه بـ حرج ثم قال مازحًا 
-بس أنا ممعيش عربية، توصليني و تاخدي حق الأجرة… 
ضحكت إيزيل ضحكة حزينة و أومأت، لتفتح الباب و تُساعد أسيل على الصعود و التي رحبت بـ عُبيدة، ثم أغلقت الباب و ما أن همت لتصعد مقعدها أوقفها عند مرورها بـ مُقدمة السيارة و أمسك يدها
نظرت إليه إيزيل بـ تعجب و حدة إلا أنه لم يتراجع، بل نظر إلى عينيها بـ قوة و كأنه يخترق روحها و وصل إلى سبب تغيرها ثم سألها
-مالك! 
-رفعت حاجبها و سألت بـ إستنكار:مالي إزاي!… 
إقترب منها عُبيدة و لم يهتز لنبرتها المُتعجرفة بل وضع يده على وجنتها ثم همس دون أن يحيد عن عينيها الغريبتين بـ نظرةٍ لم يعهدها منها أبدًا 
-ضايقك بـ كلمة! 
-جفلت و تراجعت:هو مين!… 
و لم يسمح لها بـ أن تبتعد أكثر، فـ أمسكتها يده جيدًا و هتف بـ قوة جعلت عينيها ترجفان لولهة
-متجاوبيش سؤال بـ سؤال… 
نظرت إيزيل إلى طفلتها التي تُتابع الحوار بـ أعين فضولية فـ حاولت الإبتعاد من جديد و لكنه لم يسمح لها، لتهدر إيزيل بـ غضبٍ
-أسيل شيفانا، عيب كدا
-لم يرف له جفنٍ و رد بـ برود:مظنش إني متخطي حدودي… 
نظرت إلى يدهِ المُمسكة بها بـ حاجبٍ مرفوع، ثم دفعت يده التي على وجنتها و هتفت بـ سُخرية 
-و إيدك بتعمل إيه! 
-أجاب بـ بساطة:ماسكك عشان متقعيش
-زفرت بـ حنق و قالت:الوقت متأخر يا عُبيدة، عايزة أمشي
-مط شفتيه و قال:لما أعرف فيه إيه 
-صرخت:قُلت مفيش
-و في المُقابل قال بـ قوة:كدابة… 
صُدمت من فظاظته و من المُفترض أن ترد و لكن بدلًا من ذلك بدأت عبراتها بـ النزول واحدة تلو الآخرى و كانت هذه أكبر صدمة لها الآن، لماذا تبكي؟ و علي أي شيءٍ تبكي! أأوجعها فكرة مُضي عُميّر في حياتهِ قدمًا دونها! أكانت شديدة الثقة بـ أنه لن يستطيع حُب أُخرى غيرها! تحولت كُل تلك الثقة فيما مضى إلى أسئلة عاجزة عن إيجاد إجابة لها
توسعت عينا عُبيدة و صُدم لبُكاءها المُفاجئ إلا أنه أيقن أن ذلك الشخص هو سبب بُكاءها، شعور غريب من الغضب ضربه لبُكاءها من شخصٍ كان ذا يوم زوجها، ألم تتخطاه! 
لم يعرف عُبيدة ماذا يفعل لمواساتها فـ قال بـ قنوطٍ
-كُل حاجة هتكون بـ خير… 
نظرت إليه مذهولة من بين عبراتها ثم سألت بـ دهشة و هي تمسحها
-تفتكر!… 
مط شفتيه و رفع كتفيه دلالة على جهلهِ فـ ضحكت بـ حُزنٍ، ليمد عُبيدة يده بـ منشفة ورقية ثم قالت 
-متقولش حاجة مش متأكد منها… 
جذبها لتجلس فوق الأرض و تبعته هي بـ هدوءٍ لا يهم إتساخ ثيابها، يكفي ألا تراها صغيرتها، إنتظر تفرغ من تجفيف عبراتها و سألها بـ صوتٍ مُتباعد
-لسه بتحبيه!… 
دُهشت لسؤاله و لكنه سؤال منطقي فـ حين أنها تبكي لمعرفتها بـ زواجهِ من أُخرى و من وجهةِ نظرهِ عودتها بعد مُقابلة طليقها، فـ أجابت بـ إستسلام 
-حتى لو بحبه، إحنا فـ مرحلة مينفعش فيها نرجع
-سألها بـ إصرار:و لو كان ينفع كُنتِ هترجعِ!! 
-أجابت بـ صدقٍ:لو رجعت كُنت هتأذي، كُنا هنأذي بعض، تاني… 
قالت الكلمة الأخيرة في تخاذل و صوتٍ فَقَدَ نغمته، ليقول بـ هدوءٍ و جدية 
-يبقى فكري فـ مُستقبلك يا إيزيل، طالما الندم و الإفتراضات مش هتنفع يبقى نرمي ورا ضهرنا… 
تلاعبت بـ المنشفة بين يديها فـ أكمل عُبيدة و هو ينظر إلى الظلام أمامه 
-لو كان خير مكنش فيه مخلوق على وجه الأرض هيقدر يمنعكوا عن بعض، لو أنتوا قدر بعض… 
لمعت فكرة في رأسها جعلتها ترفع رأسها و تنظر إليه تسأل نفسها 
“ماذا لو لم يكن حقًا قدرُها من البداية؟” 
********************
إرتمت على الفراش خلفها و ظلت مُحدقة بـ شرودٍ أمامها، لقد أذهلها عُميّر بـ حديثهِ و ظنت أنه يُمازحها إلا أن نظرته و نبرته كانت أشد جدية من أي وقتٍ مضى
“عودة إلى وقتٍ سابق”
تراجع عُميّر في جلستهِ لسؤالها المُفاجئ، ربُما لاحظت حوراء زياراته المُتكررة لهم بـ داعٍ أو بـ دونِ واحدٍ، و تخمينًا آخر أن والدها أخبرها فـ قرر المُراوغة قليلًا و هتف بـ صوتٍ ممطوط
-بساندكوا يا حوراء
-ردت حوراء بـ نُزق و ضيق:معرفتك بيا متستدعيش كُل دا، خصوصًا مُعاملتك معايا متدلش إنك بتحبني
-رفع حاجبه و قال بـ هدوءٍ:مُعاملتي ليكِ عشان بتستفزيني، ثم مين قالك إني مش بحبك!…
رفت جفونها في صدمةٍ غير متوقعة و وضعت يدها على فمها فـ صحح عُميّر و هو يضغط على شفتيهِ
-على الأقل زي اُختي الصغيرة…
أصابها الحرج لِما قاله فـ أدارت وجهها بعيدًا، ليتنهد عُميّر و قال بـ نبرةٍ أجشة، ناعمة
-مش قصدي أحرجك يا حوراء، بس أنا فعلًا مش بكرهك
-لوحت بـ يدها و قالت:أيًا كان، أنت مجاوبتش على سؤالي…
تحرك حلقه بـ صعوبةٍ و ضم شفتاه يمتنع عن الرد فـ سألته حوراء بـ وضوحٍ تام تضغط عليه
-كون صريح معايا عشان مش هقبل بـ نُص إجابة أو كدبة…
تلك البسكويتة تضغط عليه، كان يُحارب نفسه طوال الفترة الماضية، أراد الهروب و عدم التفكير  إلا أنها لا تسمح له، تُطارده إما بـ ذكرى جميلة و ناعمة كـ وجنتيها الوردتين الآن إما بـ ظهورها المُفاجئ و المُبعثر لأفكارهِ كما الآن
و ما بين هذا و ذاك، كان حائرًا و مُتشددًا، إما الفرار أو الوقوع في شِباكها و لكنه لا يُريد إيذاءها، يُريدها نقية، شقية كما تعود أن يراها، سيكذب إن قال أنها لا تُحرك شيئًا داخله، شيئًا مجهول لا يعرف هويته، هو يُصدق أنهما لا يليقان بـ بعض ليس منها و لكنه لم يعُد يصلح لأمور الحُب لقد تاب و صام الهوى مُنذ زمنٍ
-طول مُدة سكوتك بـيأكدلي إني على حق، عُميّر عشان خاطري أنا بحاول أصفي أفكاري و أفوق، مش عايزة حيرة، لو عايز تساعدني و  تساندني خليك صريح…
زفر عُميّر بـ عُنفٍ ثم مشط خُصلاتهِ الطويلة و بعثرها ثم قال بـ قنوطٍ غاضب
-حوراء أنا طلبتك من والدك…
تجمدت و كأنها إنفصلت عن العالم أجمعه، و عيناها تعاقبت ما بين الضيق و الإتساع في مُحاولةٍ لتحليل عبارته، صدقًا ما يقول! لقد تقدم لخطبتها! هكذا بـ هذه البساطة!
سُحقًا ماذا يحدث، لسانها شُلَ عن الحديث و ضربات قلبها أصمّتها عن ضوضاء المحيط حولها، و ظلت نظرتها مُعلقة بـ وجههِ غير معلوم المشاعر
الصفير بدأ يهدأ و بدأت تستعيد حواسها فـ همست بـ صدمةٍ كبيرة
-بتقول إيه!
-غمغم بـ صوتٍ أجوف:عارف إنها صدمة، بس دي الحقيقة، هنتخطب قُريب يا حوراء…
كانت هذه القشة الأخيرة التي جعلتها تنهض فجأة دون ردٍ واحد ثم إلتقطت حقيبتها و قالت بـ تعثر دون أن تنظر إليه
-إتأخرت و لازم أمشي…
و تحركت أمامه دون أن يُحرك ساكنًا، و كـ تعثر كلماتها، تعثرت في سيرها و هب لمُساعدتها و لكنها كانت إعتدلت سريعًا و ركضت إلى الخارج
“عودة إلى الوقت الحالي”
لم تتذكر كيف وصلت إلى المنزل و من صادفته في طريقها، فقط صعدت إلى غُرفتها و ظلت جالسة تُحدق من النافذة حتى غيرت وضعتيها مُنذ قليل
طرقات جعلتها تنهض و تجلس، ثم سمحت لـ الطارق بـ الدخول فـ ما كان سوى والدها، إبتسمت بـ شحوب و قالت
-تعالى يا بابا…
أغلق الباب خلفه و إقترب ثم جلس على حافة الفراش رابتًا على رأسها ثم سألها بـ حنو
-عاملة إيه يا حبيبتي! 
-أجابت بـ إقتضاب:كويسة
-بتاكلي كويس…
أومأت دون فتح فمها، فـ تنهد رفعت و قال بـ نبرةٍ عادية لا تنُم عن شيء
-عُميّر كلمني و قالي إنك عرفتِ…
نظرت إليه مطولًا دون أن تنبس بـ بنت شفة، ثم تنازلت و قالت بـ نبرةٍ خفيضة و قانطة
-كُنت ناوي تعرفني إمتى! و لا لما أتجوز!
-تأوه رفعت بـ حُزنٍ و قال:يا بنتي لولا إني خايف عليكِ كُنت قُلتلك من زمان، من أول ما طلب، بس أنتِ كُنتِ شايفة إن الوقت يسمح!
-ضيقت عينيها و سألت:و هو طلبني منك إمتى!
-أجاب بـ إقتضاب:قبل موت والدتك بـ حاجة بسيطة…
 شهقت و وضعت يدها على فمها بـ صدمةٍ، ليقترب رفعت أكثر و إستمر في كذبتهِ التي كانت شبه حقيقية
-بعد موت والدتك خُوفت عليكِ يا حوراء، عشان كدا وافقت على طلبه، على الأقل لو مُت مش هبقى قلقان عليكِ
-صرخت بـ بُكاء:متقولش كدا، حرام عليك…
عانقها رفعت بـ قوة و قبّل رأسها عدة مرات ثم قال بـ نبرةٍ أبوية تفيض عاطفة و حماية
-دي حقيقة فـ حياة كُل واحد، بس مينفعش أسيبك يا حوراء و أنا مش مطمن، و هو كان بيجي عشان اتكلم معاه و أفهم منه…
حاولت حوراء الحديث و لكنه سبقها قائلًا
-طبعًا مفيش حاجة هتم من غير موافقتك…
ربت على خُصلاتهِا و أبعدها عنه يُنهي هذا الحديث و أي مُعارضة قد تخرج منها هاتفًا
-هسيبك تفكري، بس فكري بـ عقلك مش بـقلبك…
قَبّل جبينها ثم ربت على وجنتها و قال بـ إبتسامة حانية
-تصبحِ على خير…
لم تجد القُدرة على الرد، بل فضلت الصمت و بعد خروج والدها إرتمت فوق الفراش من جديد، و ناشدت النوم علها تجد فيه إجابة تُخرجها من حيرتها
**********************
بعد مرور يومين
في المساء 
كانت كِنانة تقف أمام المرآة تتطلع بـ هيئتها و تتحقق للمرة التي فقدت عدها لثوبها الذي ستسقبل به عريسها المُغفل، بـ الطبع مُغفل و هل يعقل لإنسانٍ سويّ الفكر أن يتقدم لسارقة و تلك السارقة سرقت شركته! 
فاجأها أمس صباحًا حينما طلب حضورها إلى المكتب من فورِ وصولهِ، تعلم أن وراء هذا الإستدعاء مُصيبة 
“دلفت إلى المكتب بعدما طرقت طرقات مُهذبة و سمعت صوته يسمح لها بـ الدخول، بـ الطبع بعد الإعتراف تغيرت الكثير من الأشياء، للأسوء من وجهةِ نظرها ألا و أولها هو تهذيبها معه و كان الإستئذان قبل الدخول أولى خطوات تهذيبها 
رفع رأسه ما أن دلفت و سُرعان ما إرتسمت إبتسامة على وجههِ، إبتسامة جعلت قلبها يخفق بـ غرابةٍ، رفعت كفها و ضربت موضع قلبها هامسة بـ حدة
-إثبت، إثبت يخربيتك… 
و كان هو يُشاهدها بـ إستمتاع من فوق نظارته، لمحته كِنانة فـ حمحمت بـ خجل، نزع وقاص نظارته الطبية و أشار لها بـ يدهِ  أن تقترب قائلًا 
-قربِ يا كِنانة 
-همست بـ نزق:كدا حلو
-شاكسها قائلًا:لا مش حلو 
-نفخت و هتفت:لأ حلو، أنت اللي مش واخد بالك… 
إبتسم من زاوية فمه ثم إضجع في جلستهِ و قال مُتأرجحًا في مقعدهِ بـ إستمتاع
-عارفة لو أنا اللي قُمت هيحصل إيه! 
-رفعت حاجبها و تساءلت بـ سُخرية:هيحصل إيه!… 
رغم خوفها مما قد يُقدم عليه إلا أنها ناطحته بـ عناد، و ما أن همَّ بـ النهوض، حتى إنتفضت في وقفتها ثم صرخت و هي تقترب
-متقومش، خلاص أنا جاية
-قهقه وقاص:شاطرة… 
إقتربت كِنانة بـ غضبٍ و وقفت أمام المكتب ثم سألته من بين أسنانِها
-هه أديني جيت 
-لفِ تعالي
-هدرت بـ حدة:لأ كدا كتير… 
هددها بـ نهوضٍ مُزيف فـ صرخت بـ غضب و إلتفت مُذعنة حول المكتب لتقف جواره، ضحك وقاص و قال بـ إريحية
-أيوة كدا إسمعي الكلام عشان منتعبش
-هتفت بـ إشمئزاز:يا ستار، دمك تقيل بجد… 
تلك الفتاة بـ نكهة الليمون و النعناع المُنعشة، شقاوتها و تمردها اللذيذ يُضفيان البهجة على حياتهِ المُملة، إبتسامة جذابة إرتسمت على وجههِ و هتف بـ نبرةٍ أذابها كما الجليد تمامًا في شمسِ صيفهِ الحار 
-أنتِ جميلة أوي يا كِنانة، عشان كدا مكنش سهل أخرج من فخك… 
قصف قلبها داخل ضلوعها حتى بات تنفسها صعب، كيف و متى و لماذا يفعل ذلك، 
كيف يدور بها حول العالم و هما بـ مكانيهما؟ 
و لماذا تتعاقب فصول السنة معه في اللحظة الواحدة؟ 
و متى هي وقعت في عشقِ كلماتهِ و باتت تنتظرها؟ 
كادت أن تبكي و لا تدري لماذا و لكنه يجعلها في حالةٍ يصعُب تفسيرها، أمسك وقاص كِلتا يديها مُلتفًا لها بـ مقعدهِ كي يكون في مواجهة المجنونة ثم سألها بـ نفس الإبتسامة الأخاذة
-مبترديش ليه!… 
حاولت نزع يدها و لكنه تمسك بها كـ العلقة فـ زفرت قائلة و هي تُدير وجهها بعيدًا عنه حتى لا يرى إحمرار وجنتيها 
-معنديش كلام أقوله… 
كان ينظر إليها مبهورًا و كأنه يرى إمرأة لأول مرة، تنهد وقاص الوقت يمر و هي تكاد تفلت منه، فـ حمحم قائلًا بـ نبرةٍ خبيثة 
-عندك فُستان لونه خوخي!… 
إلتفتت إليه مذهولة، غيرُ قادرةٍ على إستيعاب ما تفوه به فـ سألته بـ غباءٍ
-بتقول إيه! 
-أعاد سؤاله بـ قهقه:عندك فستان لونه خوخي!… 
الغباء يرتسم على ملامحها و الأكثر غباءًا سؤاله الذي يلا معنى، حاولت سبه لمُزاحهِ الثقيل و لكن ملامحه المُصرة على الإجابة فـ زفرت بـ حنق و أجابت
-أه عندي، ليه! 
-إتسعت إبتسامته و قال:حلو إلبسيه بكرة الساعة تمانية 
-نعم!!… 
ملامحها كانت على وشك الإنفجار من الغباء الذي يتفوه به، و ذلك الهراء الذي يرمي به، فـ هتف و هو يضحك 
-اللي سمعتيه يا كِنانة 
-هدرت من بين أسنانها:بلاش هزار 
-إرتسمت الجدية على وجههِ و هتف:مش بهزر، إلبسي الفستان الساعة تمانية… 
تراجع وجهها و حاولت التفكير فيما قد يكون و لكن عقلها قد نست كيف تستخدمه، فـ سألته بـ غباءٍ يوازي غباء هُراءه
-ليه! 
-قبض على يدها أكثر و هتف:هزورك أنا و الوالدة شوية
-لم تفهم فـ سألت:ليه! 
-أجاب بـ صبرٍ:و هو اللي بيجيب والدته معاه فـ زيارة بيكون ليه! 
-أجابت بـ بديهية:عشان يتقدم… 
إبتسم وقاص و كأنه نال مُراده، لتتسع عيناها فجأة و تستوعب ما يقصده فـ صرخت رُغمًا عنها من الصدمة 
-أنت جاي تتقدملي! 
-ضحك وقاص بـ قوة و قال:لو عايزة الشركة كُلها تعرف من دلوقتي، أنا معنديش مانع… 
شهقت و ضمت شفتيها عندما إستدركت نبرتها العالية، و كذلك ضربات قلبها ثم هتفت بـ خجل و رفض
-لأ مينفعش إحنا لسه معرفناش بعض
-رد بـ بديهية:و فترة الخطوبة معمولة عشان نتعرف على بعض… 
حسنًا هو مُحق و لكنها لا تزال تخشى تلك الخطوة فـ غمغمت بـ إعتراض 
-لأ يا وقاص مش هينفع، أنا مش مستعدة
-داعبت أصابعه يدها و قال بـ بساطة:منا قُلتلك النهاردة عشان تلحقي تستعدي بكرة
-هتفت بـ عصبية:أنا مبهزرش… 
تفهم وقاص ترددها فـ نهض دون أن يترك يدها ثم قال بـ نبرةٍ بطيئة و مُحببة
-كِنانة! مبدأ الإرتباط مش فـ قاموسي و مش هعمل حاجة حرام، و طالما واثق من مشاعري ناحيتك فـ ليه التردد!… 
أدارت وجهها بعيدًا و عضت شِفاها السُفلى، ليهتف بـ صرامة لطيفة لا تليق سوى بـ وقاص مُحيي الدين
-كِنانة بُصيلي و خليكِ صريحة معايا، إيه اللي مخوفك!… 
لم تلتفت إليه و هو لم يُجبرها بل مد رأسه ليكون في مُحيط بصرها، فـ زفرت و نظرت إليه قائلة بـ تردد
-أ أنا يا وقاص اللي مش واثقة فـ مشاعري… 
لم يغضب بل إبتسم إبتسامة هدأتها بـ غرابة و قال بـ نبرةٍ رزينة جعلت الدفء يسري في جسدها بعد الصقيع الذي ضرب مشاعرها بـ إقتراحهِ
-فاهمك و عارف خايفة من إيه، بس أنا عُمري ما هجبرك على حاجة يا كِنانة و وقت أما تقولي مش عايزاك و فـ قلبك حد تاني هبعد
-أجفلت سائلة إياه:هتتخلى عني بسهولة! 
-لوى شدقه و دار بـ عينهِ ثم قال بـ جدية:لأ طبعًا، أنا بديكِ الأمان عشان توافقِ عليا… 
إبتسمت كِنانة للغرابة فـ تهللت أساريره و أكمل حديثه بـ ثقةٍ و نبرةٍ مُطمئِنة
-حاولي عشاني، و صدقيني فـ ظرف شهر كمان و أنتِ اللي هتسلميني قلبك… 
مطت شفتيها بـ قنوط و لم تجد ما تقوله سوى أذعنت – تحت بند لم تجد مفر- و هي بـ الطبع كاذبة 
-إبقى إركن العربية بره المنطقة بتاعتنا
-قهقه و سألها:ليه الشارع ضيق! 
-أجابت نافية بـ إبتسامة:لأ عشان ولاد الحارة عندنا أشقية و هيدمروها
-أومأ موافقًا:حاضر هركنها بعيد… 
و ما كان عليها سوى أن تبتسم أمامه، من ذاك الذي يدعي الآخر بـ السارق؟ “
و في الوقت الحالي، هي ترتدي ثوبها الخوخيّ و تبرجت مُضيفة إلى ملامحها جمالًا آخر و تتأكد من هيئتها، حسنًا هي لا تهتم بما قاله و أن ترتدي ذلك اللون القميء، و لكنها يجب أن تنال إعجاب حماتها
ها هي تعترف أنها تقبل به في حياتها، لتصرخ صافعة وجهها
-بت يا كِنانة لسه قدامك مرحلة التفكير، أنتِ لسه موافقتيش… 
و سقط قلبها مع صوت جرس الباب الذي يُعلن عن وصولها، سمعت صوت والدها الذي كاد أن يطير من سعادتهِ بعدما أخبرته بـ هذا الخبر و لكنه أخبرها كما تُذكر نفسها الآن
“هنفكر” 
كِلاهما يعلمان أنهما وافقا من قبل أن يأتيا
-خليكِ أنا هفتح، متطلعيش… 
و هل عليها أن تستمع، كـ فتاةٍ تقدم شابٍ رفرف لها قلبه خرجت مُتسللة و من خلف الستار لمحته هو والدته يدخلان، شهقت بـ خجل و لكنها لم تجرؤ على الإختباء و إبعاد ناظريها عن وسامته في حلةٍ رمادية اللون
أجفلت حينما إلتقت نظراتها بـ نظراتهِ و غضبت ما أن رأت إبتسامتهِ المُنتصرة لإرتداءها الثوب الخوخيّ ثم إستطاعت قراءة ما تقوله شفتاه دون صوت 
-تبدين فاتنة… 
ذلك الأرعن…
يتبع…… 
لقراءة الفصل السادس والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *