رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السادس 6 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السادس 6 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم البارت السادس
رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء السادس
رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة السادسة
صرخ نديم برعب شديد ما إن شاهد الدماء تنفجر من جبينها بينما شعرت ليلى بألم شديد و أظلمت عينها اليسرى بسبب تساقط الدماء فوقها حيث حجبت الرؤية عنها تماما ..
لحظات قليلة وسقطت مغمى عليها ليسارع نديم ويتلقاها بين أحضانه بخوف شديد …
هرعت نانسي نحو سيارتها وشغلتها بسرعة وهربت بينما تقدم أحد حراس الفيلا من نديم أثرا لصراخه فوجد هذا المنظر الصادم ليتقدم نحو نديم يسأله بقلق :-
” ماذا حدث يا بك ..؟! ”
صاح نديم به :-
” اتصل بالإسعاف حالا…”
اومأ الحارس برأسه ووجهه مليء بالذعر عليها ليجد نديم يحمل ليلى بين ذراعيه ويتجه الى داخل الفيلا …
أشار نديم الى الحارس الآخر وقد بدأ يستعيد وعيه ويسيطر على نفسه :-
” إتبعني ودعهم يفتحون الباب …”
سبقه الحارس وهو يضغط على الجرس عدة مرات لتفتح الخادمة الباب فتشهق بجزع من المنظر الذي تراه أمامها .. اندفع نديم الى الداخل متقدما نحو صالة الجلوس حيث وضعها على الكنبة ممددا إياها فوقها بتأني ثم طلب من الخادمة أن تجلب له عطرا وبعض المناديل والبن …
سمع صوت والدته تهتف وهي تتقدم نحوهم :-
” ماذا حدث يا نديم ..؟! ما بها ليلى ..؟!”
أجاب نديم دون أن ينظر إليها حيث عيناه ما زالتا مرتكزتين على ليلى :-
” حادث بسيط يا أمي …”
” اتصلت بالإسعاف يا بك ..”
قالها الحارس متقدما منهم لترد صباح بدهشة وقلق :-
” هل حالتها تحتاج الى المشفى يا نديم ..؟!”
أشار نديم الى الحارس بجدية :-
” لا داعي للإسعاف .. لقد تحدثت بعجلة من شدة خوفي …فقط اتصل بالطبيب وأخبره إن جرحها عميق ويحتاج الى خياطة ..”
اومأ الحارس برأسه ثم انسحب خارجا بينما أخذ نديم يربت على وجه ليلى يحاول إفاقتها …
جاءت الخادمة بالعطر وبقية الأشياء فأخذ نديم المناديل الورقية منها بسرعة وأخذ يمسح بها الدماء قبل أن يضع الكثير من البن فوق مكان الجرح …
أخذ بعدها العطر وبدأ يقربه منها عدة مرات علها تفيق ..
أخذت ليلى ترمش بعينيها عدة مرات حتى بدأت تفتحهما تدريجيا بضعف ..
فتحت عينيها أخيرا فتجده أمامها ينظر إليها بخوف شديد وإهتمام صادق ..
” نديم ..!!”
همستها بصوت ضعيف متوله ليأخذ نديم نفسه أخيرا ثم يهتف براحة سكنت أعماقه :-
” الحمد لله إنكِ بخير ..”
ثم هم بالنهوض بعدما انتبه لوضعيته معها وقلقه الذي ظهر بوضوح صريح عليها لكنها قبضت على كفه الذي كان يقرب العطر منها منذ لحظات وهي ترجوه رغم ألمها وضعفها :-
” لا تذهب يا نديم … ارجوك …”
إرتفعت نبضات قلبه بعنف مخيف وملمس كفها الناعم ونبرتها المترجية تضاعفان من شوقه وألمه ..
كم يتمنى البقاء معها في ظرف كهذا لكنه يدرك مقدار خطأ هذا …
” سيأتي الطبيب بعد قليل يا ليلى .. إنه جرح بسيط لا تقلقي …”
قالها برفق محاولا تهدئتها والسيطرة على وضعها لكنها أضافت رغم شعور الألم الذي ظهر بوضوح على ملامحها الناعمة :-
” لا تفعل يا نديم .. أنا أحتاجك …”
” انهض يا نديم … إتركها فربما يأتي زوجها بعد قليل …”
قالتها والدته تحاول تنبيهه على ما يفعله بينما كلمة زوجها جرحت كيان إبنها بأكمله وجعلته يستيقظ من فورة مشاعره الهائجة فدفع كفها وإنتفض واقفا مندفعا خارج الغرفة كمن تلاحقه شياطين العالم بالكامل ..
……………………………………………………………
” أعتذر يا دكتور ولكنني لا أفكر بالإرتباط حاليا…”
قالتها أخيرا بعدما شعرت بعدم قدرتها على الموافقة …
لم تفهم سبب ذلك ولكن هناك شعور قوي داخلها يجعلها ترى إن الموافقة ستجلب لها الحزن والعذاب …
لطالما كانت معجبة بثامر ولطالما وجدته شابا مثاليا مختلفا وذو أخلاق عاليه ولكن في الفترة الأخيرة هناك شيء ما تغير ..
لم تعد كالسابق وما عاد إعجابها مثل الأول …
لقد بدأ إعجابها يخف كليا بينما عقلها لا يفكر سوى بشخص واحد رأت صورته فقط وطُبِعت في ذاكرتها ملامحه وبات يسيطر على أفكارها كليا …
” لماذا يا حياة …؟!”
سألها بنبرة باهتة فردت بإحراج شديد :-
” أعتذر يا دكتور ولكن لا يوجد سبب محدد لذلك … انا فقط لا أفكر بهذا الأمر حاليا …”
اومأ برأسه متفهما ولم يرغب بالضغط عليها رغم رغبته الشديدة لسماع موافقتها لكنها أحبطت جميع آماله برفضها …
ابتسمت حياة بخجل ثم إستأذنت منه وتحركت من مكانها وهي تفكر إنها مجنونة كي ترفض شخصا مثل الدكتور ثامر لكنها حقا لم تستطع فكيف تقبل عرضه وهناك آخر شغل بالها من صورة فقط لا غير …؟!
آخر جمعها به لقاء واحد بالصدفة البحتة .. لقاء جعلها تشعر إن هناك شيء خفي من وراءه فربما القدر يخبئ لها الكثير معه حقا خاصة بعد ذلك الحلم الذي رآته وما زال يسيطر على تفكيرها..
كانت تسير بلا وجهة محددة عندما وجدت مي تقطع طريقها وهي تسألها بسرعة :-
” ماذا قال الدكتور ثامر ..؟! تحدثي هيا ..”
” طلب يدي يا مي …”
قالتها حياة بنفس السرعة لتصرخ مي بسعادة فتوقفها حياة وهي تؤنبها :-
” ماذا تفعلين يا مي …؟! ستفضحيننا..”
ردت مي بلا مبالاة :
” ليس مهما … المهم أخبريني ماذا حدث ومتى الخطبة ..؟!”
” آية خطبة يا مي .. لقد رفضت طلبه …”
اتسعت عينا مي بدهشة فسألتها بعدم تصديق :-
” ماذا …؟! رفضتِ طلبه ..؟! هل تمزحين يا حياة …؟!”
هزت حياة رأسها نفيا لتسألها مي بعدم استيعاب :-
” لماذا ..؟!”
ضمت حياة شفتيها بقوة للحظات ثم فتحت فمها بعدها وتحدثت تخبر صديقتها سبب رفضها الحقيقي ..
…………………………………………………………….
دلف نديم الى شقته بتعب ..
تقدم الى الداخل بعدما أغلق الباب خلفه ورمى بجسده فوق الكنبة التي تتوسط صالة الجلوس ..
أغمض عينيه قليلا ثم فتحها وهو يتذكر ما حدث منذ قليل وكيف قاوم نفسه ورغبته الشديدة في البقاء بجانبها ودعمها ومحاولة تخفيف آلمها …
ما زال يحبها وتلك الحقيقة تقتله بقوة …
لمَ لم ينسها ولمَ لم يكرهها …؟! لمَ عليه أن يظل معلقا بهواها بينما هي خانته وتخلت عنه وطعنته بالصميم …؟!
كم يتمنى لو يتحرر من قيد حبها ، لو يخرج من ظلمات عشقها …
إعتدل في جلسته محاولا السيطرة على مشاعره الهائجة بعدما حدث ورغبته القوية في الكثير من الأشياء التي لا يستطيع فعلها ..
سمع صوت جرس الباب يرن فنهض من مكانه متجها نحو الباب …
فتحه فوجد غالية أمامه تبتسم له بهدوء وهي تقول :-
” من الجيد إنني وجدتكَ هنا … ”
ثم تقدمت نحوه تحتضنه وهي تقول :-
” إشتقتُ إليك يا نديم …”
إحتضنها نديم بدوره وهو يشعر بالحاجة الشديدة لوجود أي أحد بجواره …
إبتعدا عن بعضيهما بعد لحظات فتقدمت وهي تحمل أكياسا معها بعدما وضعتها جانبا ثم حطتها على الطاولة الموضوعة في صالة الجلوس وهي تقول بحماس :-
” لقد جلبت الطعام لكلينا …”
أغلق الباب وتقدم منها ليجدها تقبض على كفه وتجره خلفها حيث جلست معه على الكنبه وقالت :-
” ما أخبارك اذا ..؟!”
رد بفتور :-
” عادي … كل شيء يجري بشكل عادي لا حياة فيه .. “
نظرت إليه بحزن ثم قالت :-
” لا بأس يا نديم … كل شيء في بدايته صعب لكن حتما ستتخطى كل هذا وتخرج من ضيقك …”
منحها إبتسامة باهتة لم تصل الى عينيه بينما أخذت هي تفتح الأكياس وتخرج الأطعمة منها وتخبره أن يتناول الطعام معها …
بدئت يتناولان طعامهما سويا عندما هتف نديم فجأة متسائلا :-
” أخبريني يا غالية … كيف تم زواج عمار من ليلى …؟! يعني هل حدث الموضوع فجأة …”
إبتلعت غالية لقمتها بشكل كاد أن يجعلها تختنق وإلتفتت نحوه تسأله بتوتر :-
” لماذا تسأل ..؟!”
رد وهو يضع طعامه جانبا :-
” يهمني أن أعرف … هل حقا ما قلتيه …؟! هل تزوجته لأجل إنقاذ والدها من الإفلاس …؟!”
أومأت غالية برأسها وهي تجيب بصدق :-
” نعم … لقد أوشك زوج خالتك على إعلان إفلاسه عندما عرض عمار عليه الزواج من ليلى مقابل مشاركته في نصف أسهم شركته …”
” وهي بالطبع لم تتردد لحظة واحدة في الموافقة …”
قالها نديم بتهكم مرير لتهتف غالية بهدوء رغم ألمها الشديد عليه :-
” لا أعلم ما حدث وقتها وكيف وافقت لإنني لم أستطع التدخل … عمار كان صارما معي وهذا سبب عدم تقبلي له منذ ذلك الحين … لكنني أعلم إن ليلى مجبرة على كل هذا … هي لم ترغب بالزواج منه ولن تفعل يوما …”
ردد بصوت هازئ :-
” لم يعد يفيد هذا الحديث يا غالية …”
تنهدت غالية وقالت بصوت جاد :-
” اسمعني يا نديم … رغم إنني قاطعت ليلى بعد زواجها من عمار وإستمريت في إسلوبي الجاف معها حتى الآن ورغم كل شيء لكنها لم تكن سوى ضحية .. لا تلقي اللوم بالكامل عليها يا نديم .. ليلى تعشقك يا نديم … رغم كل شيء هي تعشقك وما زالت تتمنى قربك .. أنا صديقتها المقربة منذ الطفولة وأدرك هذا … لكن ..”
صمتت قليلا تتأمل ملامحه التي تجمدت كليا فأكملت بصراحة :-
” لكنها لم تعد لك … هي الآن زوجة أخيك وعليك تقبل هذا … ليلى ليست لك يا نديم ولن تكون … حتى لو جاء يوم وتركها عمار فهي لم تعد تناسبك بتاتا.. أنت تفهم علي بالطبع ..؟!”
هز رأسه دون رد بينما قبضت غالية على كفه تتوسله :-
” إنساها يا نديم … إنسى ليلى وإبدأ من جديد … أنت تستحق بداية جديدة … ولا تعلم ربما ستجد ما يعوضك عنها وعن كل ما فقدته …”
تشكلت إبتسامة متهكمة على شفتيه وهو يردد :-
” هل تمزحين يا غالية ..؟! بداية جديدة وتعويض جيد وماذا بعد …؟! هل سمعت يوما عن أحدٍ إزدهرت حياته بعد خروجه من السجن ..؟! أنتِ تدركين جيدا ما حلَّ بي يا غالية فلا داعي للكذب وإختلاق مستقبل أفضل لي ..”
نظرت إليه بصمت بينما حمل هو طعامه من جديد وقال محاولا تغيير الموضوع :-
” تناولي طعامك هيا …”
………………………………………………………….
مساءا ..
دلفت صباح الى غرفة ليلى بعدما طرقت الباب وسمحت لها ليلى بالدخول …
إعتدلت ليلى في جلستها ما إن رأت خالتها تتقدم نحوها بينما قالت صباح بسرعة :-
” ابقي كما انتِ يا ليلى … جئت لغرض الإطمئنان عليكِ فقط …”
إستندت ليلى بظهرها على السرير وهي ترد :-
” انا بخير الحمد لله.. لا تقلقي يا خالتي …”
جلست صباح على طرف السرير وهي تقول :-
” الحمد لله على سلامتك يا ابنتي …”
شعرت ليلى بسعادة شديدة من إهتمام صباح بها … سعادة أُضيفت الى سعادتها عندما إستيقظت وتذكرت لهفة نديم عليها وهو يتلقاها بين أحضانه وعندما علمت كيف سارع لمداواتها ومدى خوفه وهلعه عليها من الخادمة …
تلك المشاعر القليلة التي عاشها نديم بسببها أحيت قلبها من جديد …
هي لم يكن لديها أي شك في كونها ما زالت تسكن روحه وقلبه وإنه ما زال يهيم بها كالسابق لكنها كانت تخشى من جفاءه الصريح وقسوته وكتمانه لكل هذه المشاعر …
اليوم وما حدث معها أجبره على إظهار مشاعره التي كتمها منذ خروجه … تلك المشاعر التي إشتاقت لها بشدة … اليوم ظهر حبه وخوفه عليها وكم تمنت لو بقي بجانبها حتى تداوت كليا لكن ما باليد حيلة …
نظرت ليلى الى خالتها وقالت بإبتسامة سعيدة :-
” أشكرك يا خالتي حقا …”
أردفت وهي تتقدم بجسدها قليلا نحوها تقبض على كفها وتهتف بها :-
” لو تدركين مدى سعادتي بقدومك إلي ورغبتك بالإطمئنان علي …”
ربتت صباح بكفها الآخر على يدها وقالت بجدية :-
” مهما حدث ستظلين إبنة اختي يا ليلى ومعزتك غالية عندي …”
نظرت إليها ليلى بإمتنان وقالت بلهفة ظهرت صريحة على ملامحها :-
” أريد أن اشكر نديم أيضا فهو أنقذني أولا ..”
قاطعتها صباح بهدوء :-
” لا داعي للشكر يا ليلى … هو لم يفعل سوى واجبه .. ”
صمتت لوهلة ثم أضافت بجدية :-
” المهم ألا تجعلي ما حدث يؤثر عليكِ او يولد آملا كاذبا داخلك …”
بهتت ملامح ليلى للحظات فسألتها :-
” ماذا تقصدين يا خالتي …؟!”
ردت صباح بنفس الجدية :-
” أقصد إن ما حدث كان طبيعيا … نديم تعامل معكِ مثلما كان سيتعامل مع أي شخص مكانك …”
إسترسلت هذه المرة بقسوة :-
” لا تجعلي ما حدث يجعلك تظنين إنه من الممكن أن يعيد المياه الى مجاريها … أنتِ متزوجة يا ليلى … ونديم أخ زوجك … وهذه العلاقة الوحيدة بينكما ولا وجود لغيرها ..”
أضافت بنفس القسوة :-
” انسي نديم يا ليلى … انسيه تماما … أقول هذا لأول مرة وبصراحة شديدة …لا أريد منكِ أي محاولة للتقرب منه مهما حدث … إبني يحاول أن ينسى الماضي بكل ما فيه ويبدأ من جديد فلا تتسببي في تخريب محاولاته تلك من فضلك ..”
” أنتِ تقسين عليَّ كثيرا يا خالتي …”
قالتها ليلى بدموع حارقة تشكلت داخل مقلتيها فأشاحت صباح وجهها بعيدا عنها وقالت ببرود :-
” أنا أحاول حماية ابني والحفاظ عليه ..”
” تحمينه مني ..؟! مني انا يا خالتي ..؟!”
سألتها ليلى بعدم تصديق لتنظر صباح نحوها مرددة بقوة :-
” نعم منكِ .. حبكِ يؤلمه ، يؤذيه ويدمره .. أنا لا أريد لإبني أن يتدمر أكثر بسببك …”
أردفت غير مبالية بدموعها التي تساقطت على وجنتيها :-
” اتركيه يا ليلى … أنتِ إخترتِ حياتك وتزوجتِ من عمار .. دعيه هو أيضا يعيش حياته ويجد من يعوضه عما عاشه …”
” أنتِ تعرفين إنني كنت مجبرة عل عمار يا خالتي…”
قالتها ليلى بصوت باكي لترد صباح بهدوء :-
” حتى لو … سواء كنتِ مجبرة أو لا .. لقد تحطم قلب ابني وفقد روحه كليا يا ليلى … ”
” وماذا عني ..؟! ألم يتحطم قلبي وأفقد روحي يا خالتي ..؟! ”
” أنتِ من إخترتِ ذلك وعليكِ تحمل خياركِ يا ليلى …”
قالتها صباح بجدية وهي تنظر إليها بقوة شديدة …
نهضت من مكانها أخيرا تهتف بهدوء :-
” لقد قلت ما عندي واتمنى أن تسمعي كلامي وتنفذيه يا ليلى …”
رحلت بعدها تاركة ليلى تبكي كالعادة ولا تجد من يواسيها ..
………………………………………………….
بعد مرور إسبوعين ..
وقفت حياة في المطبخ تعد طعام الإفطار لوالدها الذي أصر على الذهاب لعمله منذ يومين بعد تحسن صحته …
بالرغم من رفضها الشديد في بادئ الأمر ومحاولاتها لمنعه عن ذلك لكنه أصر وبقوة وفي النهاية إضطرت للقبول خاصة عندما شعرت بنفسيته تستاء بسبب بقاءه في المنزل وحيدا أغلب الوقت …
حملت صحن البيض ووضعته في الصينية ثم اتجهت نحو الطباخ وحملت إبريق الشاي بعدما أطفأت النار تحته …
صبت لهما الشاي وحملت الصينية بعدها تتجه الى الخارج لتجد والدها على أتم الإستعداد للذهاب كعادته في اليومين السابقين …
ابتسمت وهي تتقدم نحوه وتضع الصينية على الطاولة أمامه وتقول :-
” تفضل الفطور يا أبي ..”
” سلمت يداكِ يا حياة ..”
قالها فاضل وهو يتناول كوب الشاي خاصته ويرتشف منه القليل …
جلست حياة بجانبه وبدأت تتناول طعامها وعندما إنتهيا من تناول إفطارهما ودعها والدها ورحل فورا بينما حملت هي الصينية ونظفت الصحون جيدا قبل أن تخرج بدورها من المنزل متجهة الى الجامعة …
كانت تسير بخطوات سريعة قليلا نحو موقف الحافلات ..
صعدت إحدى الحافلات التي سوف توصلها الى منطقة قريبة من جامعتها حيث تكمل بقية الطريق سيرا على الأقدام …
بعد مدة من الزمن ليست بقصيرة وصلت حياة الى الجامعة فإتجهت بسرعة الى قاعة المحاضرات كي لا تتأخر عن المحاضرة الاولى …
كانت تسير بسرعة شديدة عندما إصطدمت بأحدهم فرفعت وجهها لتجده ثامر …
شعرت بالإحراج فأخذت تعتذر بشدة حينما إبتسم لها بهدوء وهو يقول :-
” حسنا يكفي لا داعي لكل هذا الإعتذار ..”
ردت بخجل :-
” حسنا …”
همت بالتحرك لكنه أوقفها يسألها بإهتمام :-
” كيف حال والدك الآن ..؟!”
أجابت وهي تخفض بصرها قليلا :-
” بخير الحمد لله … أصبح أفضل بكثير حتى إنه عاد يمارس عمله …”
هم بالحديث محاولا إطالة الحوار معها عندما رن هاتفها فحملته وأجابت عليه لتصيح فجأة عندما أخبرها شاب إن والدها أغمي عليه وتم نقله الى المشفى …
” ماذا حدث يا حياة ..؟!”
سألها ثامر بفزع لتجيب بصوت مرتجف باكي :-
” أبي في المشفى …”
ثم ركضت مسرعة خارج الجامعة يلحق بها ثامر الذي أوقفها يخبرها إنه سيوصلها الى المشفى بنفسه فوافقت بسرعة على عرضه وركبت السيارة معه حيث إتجها سويا الى المشفى التي أخذت عنوانها من المتصل ..
…………………………………………………………….
كان نديم يقف خارج الغرفة التي إستقر بها فاضل بعد تحسن حالته يجري إتصالا مع والدته يخبرها بتحسن وضعه ويطمأنها عليه …
كان قد ذهب مبكرا الى والدته حيث طلبت رؤيته وما إن وصل الى الفيلا حتى وجد فاضل منهك القوى وعلى ملامحه يسيطر التعب …
لحظات قليلة كان يسأله عن حاله وأغمي عليه ليقله مع أحد حراس الفيلا الى المشفى ..
” لا تقلقي يا أمي .. سأبقى معه حتى تأتي ابنته وأطمئن من الطبيب عليه مرة أخرى …”
قالها نديم بصوت جاد عندما انتبه الى حياة التي تتقدم راكضة نحوه وخلفها ثامر فهتف بسرعة :-
” حسنا سأغلق الآن …”
أغلق الهاتف بعدها بينما توقفت حياة أمامه لاهثة تسأله بإنفاس مقطوعة :-
” ماذا حدث لأبي ..؟! كيف هو وضعه ..؟!”
أجابها نديم محاولا تهدئتها :-
” اهدئي يا آنسة … والدك بخير وهو بوضع أفضل الآن …”
” أين هو ..؟! أريد أن أراه ..”
قالتها بتوسل وعينين باكيتين ليقول نديم بسرعة وهو يشير الى الباب جانبه :-
“هو في الداخل .. ادخلي إليه وإطمئني …”
دلفت مسرعة الى الداخل بينما نظر نديم الى ثامر مستغربا قليل لكنه رحب به :-
” اهلا تفضل ..”
عرف ثامر عن نفسه :-
” انا ثامر حمدان … أستاذ حياة في الجامعة …”
هز نديم رأسه بتفهم وقال بهدوء :-
” اهلا وسهلا بك …”
سأله ثامر بفضول لم يستطع منعه :-
” هل أنت قريبها …؟!”
أجاب نديم بنفس الهدوء :-
” لست قريبها ولكن بيني وبين عمي فاضل معرفة قديمة …”
اومأ ثامر برأسه متفهما ثم قال :-
” ماذا قال الطبيب ..؟! هل وضعه خطير لا سامح الله …؟!”
أجاب نديم بجدية :-
” يحتاج الى فحوصات دقيقة كي نعرف مدى خطورة وضعه … سيقوم الطبيب بجميع الفحوصات اليوم ..”
” ستكون الفحوصات سليمة ان شاءالله …”
آمن نديم على دعائه ثم عاد ينظر أمامه منتظرا خروج حياة كي يخبرها بضرورة الفحوصات …
خرجت حياة بعد لحظات وهي تهتف بصوت باكي :-
” ماذا قال الطبيب ..؟! إنه فاقد الوعي تماما ….”
هتف نديم محاولا بث الطمأنينة داخلها :-
” هو ليس فاقدا للوعي يا انسة … إنه فقط نائم بسبب الأدوية التي أخذها …”
أضاف بجدية :-
” الطبيب يقول إنه يحتاج الى فحوصات دقيقة للإطمئنان عليه …”
أكمل بنفس الجدية :-
” أخبرته أن يقوم بجميع الفحوصات المطلوبة اليوم كي نطمئن عليه بأسرع وقت …”
نظرت حياة إليه للحظات وهي تفكر إن والدها تم نقله في مشفى خاص وبالطبع الفحوصات ستكلف الكثير وهذا شيء يفوق قدرتها …
أرادت أن تطلب منه أن يتركها تتصرف بشأن الفحوصات حتى تدبر المبلغ اللازم على الأقل لكنها شعرت بالإحراج من وجود ثامر …
إضطرت حياة الى الصمت حتى يذهب ثامر وتتحدث معه …
نظرت حياة الى ثامر وهي ترسم إبتسامة شاحبة على ثغرها وقالت بإمتنان :-
” أشكرك حقا يا دكتور على توصيلك لي … ”
رد ثامر وهو يبتسم بصدق :-
” لا تقولي هذا يا حياة … لم أقم سوى بواجبي .. ”
أردف بعدها :-
” شافى الله والدك وعافاه من كل مرض …”
آمنت على دعائه وأكملت :-
” شكرا حقا يا دكتور …”
شعر ثامر بإنه لا داعي من وجوده بعد الآن فقال بتردد :-
” إذا إحتجتِ لأي شيء فلا تترددي بالتواصل معي … أعرف الكثير من الدكاترة بحكم مجال عملي يستطيعون مساعدتك في علاج والدك ..”
شكرته حياة ممتنة فتحدث أخيرا :-
” حسنا سأذهب الآن … سأتواصل معك مساءا واطمئن عليه …”
رحل بعدها تاركا حياة مع نديم حيث نظرت إليه وقالت :-
” أشكرك حقا يا بك على ما فعلته مع والدي حتى الآن … أنا سأتولى بقية الأمور …”
شعر بشيء ما من وراء حديثها فسألها بتعجب :-
” ماذا تقصدين بحديثك هذا يا آنسة ..؟! أخبرتك إن طبيب العائلة سيتولي كل شيء ويتصرف بالشكل المطلوب بشأن حالته …”
ردت بجدية سيطرت على محياها الرقيق :-
” لا داعي لذلك … أنا سأتصرف بشأن وضعه وأقوم بالفحوصات المطلوبة له …”
سألها بعدم فهم :-
” ما الفرق إذا …؟! لماذا لا تريدين أن يجري طبيبنا الفحوصات له لا أفهم ..؟!”
وضعت حرجها جانبا وهي تخبره :-
” لإن المستشفى هنا غالية وتكاليف الفحوصات عالية جدا وأنا لا أملك التكاليف حاليا …”
هز رأسه مرددا بعدم تصديق :-
” أنتِ تمزحين بالطبع … آية تكاليف بالله عليكِ ..؟! هل طلب أحدهم منكِ التكاليف ..؟! أنا سأتصرف بكل شيء … ”
قاطعته بضيق شديد :-
” عفوا .. انا ابنته وأولى منك بذلك … أشكرك على ما قلته وتنوي فعله لكن إترك لي هذا الأمر من فضلك …”
تكلم وقد بدأ يفقد صبره الطويل :-
” اسمعيني يا آنسة الموضوع لا يحتاج المماطلة أبدا … والدك في وضع مزري ويحتاج الى رعاية جيدة وفحوصات سريعة وهذا لن يتوفر في مستشفى حكومي إعتيادي أبدا ..”
ردت بتأكيد :-
” لن أضعه في مشفى حكومي .. سأضعه في مشفى خاص ولكن بعدما أجمع تكاليف المشفى ..”
” وهل سننتظر حتى تجمعي حضرتكِ تكاليف المشفى ونترك والدكِ يعاني من تبعات مرضه …؟!”
قالها بغضب مكتوم فصمتت ولم تستطع الرد وهي تشعر بالألم على والدها لتسمعه يكمل بقوة :-
” اتركي والدك هنا من فضلك فالجميع سيهتم به ويقوم برعايته بالشكل المطلوب …”
نظرت إليه بعدم رضا وقالت :-
” لا أستطيع .. انا لن أقبل أن يتعالج والدي بالإحسان ..”
أضافت بعدها بصوت رصين :-
” أنا سأتدبر أمر تكاليف المشفى بنفسي ..”
قاطعها بشدة :
” افعلي ما تشائين ولكن المهم حاليا أن يجري العم فاضل فحوصاته اليوم كي نطمئن عليه ..”
وأمام شدته وإصراره لم تستطع سوى القبول مرغمة …
…………………………………………………………….
أغلقت صباح الهاتف مع نديم بعدما أنهت مكالمتها معه فوجدت ليلى تقف عند الباب تنظر إليها بصمت غريب …
” ماذا يحدث يا ليلى ..؟! لماذا تنظرين إلي هكذا …؟!”
سألتها صباح بتعجب فتقدمت ليلى نحوها وجلست بجانبها وقالت بهدوء :-
” أريد التحدث معك خالتي … ”
ثم أضافت بضعف :-
” أحتاج إليكِ بشدة …”
شعرت صباح بالقلق عليها فسألتها :-
” ماذا يحدث يا ليلى ..؟! تحدثي …”
نظرت ليلى إليها بملامح شاحبة وردت :-
” أنا متعبة للغاية يا خالتي .. متعبة ولا أجد من يريحني قليلا من تعبي …”
شعرت صباح بالشفقة نحوها وتأنيب الضمير أيضا فهي قست عليها كثيرا رغم كونها تعرف مدى حبها لإبنها …
تحدثت صباح محاولة دعمها :-
” ما بكِ يا ليلى …؟! ممَ متعبة يا ابنتي ..؟!”
” أشتاق لنديم يا خالتي .. أشتاق إليه كثيرا وأحتاجه كثيرا …”
كانت تتحدث بصوت مبحوح وعينين حمراوين …
هتفت صباح بجدية :-
” لا تفعلي يا ليلى … لا تفعلي يا ابنتي … ألم أطلب منك نسيانه …؟! تجاوزه …؟! ألم نتفق على هذا ..؟!”
هزت رأسها نفيا بعنف وهي تردد بصعوبة :-
” حاولت .. أقسم لكِ إنني حاولت مرة وإثنان وثلاثة لكنني لم أستطع …. نديم هو روحي يا خالتي والمرء لا يستطيع العيش دون روحه ..”
” كلا يا ليلى … تستطعين ذلك … أنتِ فقط من تصرين على عدم التجاوز … اسمعيني يا ليلى … اسمعيني من فضلك … النسيان والتجاوز هو الحل الأفضل لكم جميعا … أنتِ إمرأة متزوجة ولديكِ زوجكِ ..”
قاطعتها ليلى بصوت باكي :-
” أنا مجبرة على ذلك وأنتِ تعلمين هذا جيدا …”
أومأت صباح برأسها وهي تضغط على كفها تخبرها :-
” أعلم إنكِ مجبرة ولكنكِ إخترتِ هذا … إخترتِ أن تنقذي عائلتك من الإفلاس مقابل الزواج من عمار .. ”
نظرت ليلى إليها بألم وهي تتمنى لو تخبرها الحقيقة …
سمعت صباح تكمل :-
” كان الخيار أمامك يا ليلى … إنقاذ عائلتك والتخلي عن نديم او انتظاره وترك عائلتكِ لمصير الإفلاس … وأنتِ إخترتِ وعليكِ أن تتحملي نتيجة اختيارك …”
إبتسمت ليلى بألم وهي تقول :-
” كلا يا خالتي … أنا لم يكن لدي حرية الإختيار كما تظنين … أنا كان أمامي خيار واحد لا غير …”
أردفت بشرود لحظي :-
” ليت الأمر كان يتعلق بإفلاس عائلتي حقا .. لكن الأمر أصعب من هذا بكثير .. سأخبرك يا خالتي … سأخبرك فأنا لم يعد بمقدوري التحمل … ”
سألتها صباح بتوجس :-
” ماذا تقصدين يا ليلى …؟!”
نظرت ليلى إليها بملامح متوجعة وقالت برغبة شديدة بمشاركة أوجاعها وألامها مع أحدهم :-
” لقد هددني عمار يا خالتي … هددني بحياة نديم .. ”
إنتفضت صباح من مكانها تصيح بعدم تصديق :-
” ماذا تقولين انتِ ..؟!”
هزت ليلى رأسها وهي تنهض من مكانها بدورها مؤكدة ما تقوله لتكمل :-
” عمار هو من تسبب بسجن نديم … نعم يا خالتي .. هو من لفق له تلك التهمة وهو من هددني بقتله داخل السجن اذا رفضت الزواج منه ولم يكتفِ بهذا فهو ما زال يهددني بقتله إذا ما طلبت الطلاق …”
حل الصمت المطبق بينهما وصباح سيطر الوجوم على ملامحها للحظات بدت لها طويلة حتى تحدثت أخيرا بهدوء مريب :-
” كنت أعلم … ربما لم أسمعها صريحة لكنني كنت أعلم إنه المتسبب بكل هذا … ”
هتفت ليلى بعدم تصديق :-
” كنت تعلمين حقا يا خالتي …؟! أنا لا أصدق …”
” بلى صدقي يا ليلى … لست غبية كي لا أدرك إن عمار هو من تسبب بحبس ولدي … نديم لا أعداء لديه سواه … ”
أطلقت تنهيدة طويلة وقالت :-
” لطالما كان عمار يكرهه ويحقد عليه ولطالما خفت من كرهه هذا … كنت أعلم داخلي إنه يضمر له شرا مخيفا ولكن ماذا بوسعي أن أفعل …؟! عندما حدث ما حدث أدركت إنه وراء ذلك وحاولت سرا أن أجد أي شيء يثبت هذا لكنه كالشيطان يعرف جيدا كي يبعد نفسه عن الصورة تماما … هل تظنين إنني لم أحاول مرارا كشف حقارته ونذالته لكنني أفشل في كل مرة ..؟!”
” عمار ..!! إنه شيطان حقير لا يمتلك إحساس ولا ضمير …”
قالتها ليلى بحقد نابع من أعماقها بينما وجدت صباح ترجوها :-
” المهم لا تخبري أحدا بهذا .. لا أريد لأي أحد أن يعلم الحقيقة…”
” لقد كتمت هذا السر داخلي فأنا لا أضمن ردة فعل نديم تجاهه عندما يعلم إنه وراء حبسه خاصة إنه لا يوجد لدي دليل ملموس على ذلك ولكن أنا حقا لم أعد أستطيع الإستمرار مع عمار … أشعر بإنني سأموت كبتا إذا بقيت معه أكثر …”
” اسمعيني يا ليلى … انا لا أستطيع أن أجبرك على البقاء مع عمار مهما حدث ولكن كما أخبرتك مسبقا إبتعدي عن إبني ولا تحشريه فيما بينك وبين عمار .. ”
” لا أرغب بذلك طبعا ولكن …”
توقفت عن حديثها للحظة ثم أكملت :-
” ولكن الى متى سأبقى هكذا ..؟! نديم يكرهني وأنا …”
قاطعتها صباح بقوة :-
” نديم لا يجب أن يعرف أي شيء يا ليلى … أي شيء .. هل فهمتِ ..؟!”
أومأت ليلى برأسها دون رد وهي تشعر بالإختناق الشديد وألم قوي يكبل قلبها وروحها المملوئين بالحسرة ..
…………..:………………………………………………
دلف عمار الى شقته التي وضع أخته بها منذ إسبوعين ..
إستقبلته مربيتها بترحيب وهي تخبره إنها نائمة في غرفتها فطلب منها إيقاظها لرؤيتها …
تقدم الى صالة الجلوس وجلس عليها متأملا الشقة الفارهة التي إختارها خصيصا لتبقى جيلان بها عندما وجد جيلان تتقدم نحوه بعدما ألقت التحية بإقتضاب …
نهض من مكانه يهم بإستقبالها وهو يهتف :-
” لم أكن أعلم إنكِ تستيقظين بسرعة هكذا …”
ردت وهي تجلس على الكرسي المقابل له :-
” إستيقظت منذ مدة وبقيت في سريري ..”
” كيف حالك ..؟!”
سألها بجدية لتلوي فمها بإبتسامة متهكمة وهي ترد :-
” رائع …”
نظر إليها وسأل من جديد :-
” هل تحتاجين شيئا ما ..؟!”
صاحت وقد بلغ ضيقها منه ذروته :-
” كلا لا أحتاج … وإذا جئتَ لأجل هذين السؤالين المعتادين فلا تتعب نفسك لإنني لا أحتاج شيئا منك وبإمكانك أصلا أن تسأل هذين السؤالين عن طريق الهاتف ..سيكون أسهل لك حقا ..”
صدح صوته بصرامة :-
” لا ترفعي صوتك اولا .. ثانيا لا تتحدثي بهذا الإسلوب مرة أخرى معي وإلا …”
قاطعته وهي تنهض من مكانها بعصبية :-
” وإلا ماذا ..؟! ماذا ستفعل مثلا ..؟!”
أردفت بنبرة حزينة :
” أنا لا أفهم لماذا جلبتني عندك طالما إنك لا تنوي البقاء معي … ؟! أنا لا أراك سوى مرة كل اسبوع … تزورني لدقائق معدودة وترحل … طالما إنك مشغول الى هذه الدرجة لماذا طلبت تولي مسؤوليتي ..؟!”
رد مستنكرا :-
” انا لا أفهم سبب كل هذا الحديث …هل تحملي مسؤوليتك يكمن في البقاء بجانبك طوال اليوم ورعايتك .. هل قصرت معكِ في شيء منذ مجيئي ..؟! هل طلبتِ مني شيء ولم أجلبه لكِ ..؟!”
ردت بقوة :-
” هل تظن إن رعايتي تقتصر على تنفيذ طلباتي فقط … سأكررها من جديد .. طالما إنك مشغول لدرجة كبيرة ولا وقت لديك لي ، لماذا لم تتركني في منزل والدي ..؟! ”
قاطعها بتهكم :-
” أترككِ هناك كي يتحكم أعمامك وأبنائهم بكِ … هل كنتِ سترتاحين حينها ..؟! ”
تكونت الدموع داخل عينيها وهي تشعر بمدى وحدتها وقلة حيلتها …
هي لم تكن تريد منه الكثير … كانت تريد منه اهتمام … حب أخوي صادق … كانت تريد أن يعوضها فقدانها لوالديها وهي ما زالت في هذه السن الصغيرة …
لكنها فوجئت بلا مبالاة صريحة منه فهو تركها في هذه الشقة الراقية ولم يقم بزيارتها سوى مرتين حيث يسألها عن أحوالها وإحتياجاتها ويتركها …
سائقه يجلب لها طلباتها وهو لا يفعل شيئا صغيرا حتى يثبت أهتمامه …
هي تجلس وحيدة بين جدران الشقة مع مربيتها تحارب فراغها ومللها بالكثير من الأشياء لكنها تفشل فلا يوجد شيء قادر أن يلهيها عن كل هذا …
نظرت إليه بتخاذل فوجدته يزفر أنفاسه وهو يهتف بضيق :-
” اسمعي لا مزاج لدي لسماع المزيد …أنا لست كوالدك الذي كان يدللك ويراعيكِ في كل شيء … انا عمار يا جيلان ولست فارغا لصرف وقتي في زياراتك التي لا داعي لها من الأساس … لقد وضعتك في مكان رائع وأتابعك يوميا وأتأكد دائما من عدم إحتياجك لأي شيء … ماذا تريدين أكثر …؟!”
ألقى كلماته الأخيرة بقسوة ورحل غير مهتما بدموعها التي سقطت أمامه …
قاد سيارته متجها الى أحد المطاعم حيث سيقابل شريكه في العمل هناك …
وصل الى المطعم ودلف الى الداخل متجها نحو الطاولة التي حجزها لهما مسبقا ..
أثناء سيره رأها تجلس مع ابن عمها ذلك الغليظ الذي لا يحبه وهو يمسك كفها ويربت عليها برفق …
شعر بالغصب يتكون لا إراديا داخله فحاول السيطرة على أعصابه وهو يتقدم نحوهما ملقيا التحية عليهما ببرود ..
” اهلا عمار ..”
قالها أكرم بهدوء وهو يتوقف مكانه لتحيته بينما تأملته مريم بنظرات باردة دون رد ..
” كيف حالك يا مريم …؟!”
سألها عمار وهو يتمعن النظر إلى ملامحها فردت بلا مبالاة وهي ترتشف من عصيرها :-
” بخير …”
إلتفت عمار نحو أكرم يسأله :-
” ماذا تفعلان هنا ..؟! يعني من الغريب أن أراكم سويا …”
أجاب أكرم بهدوء :-
” جئنا لتناول الغداء هنا بعدما إنتهينا من بعض الأعمال …”
اومأ عمار برأسه متفهما ثم إنسحب بعدها متعذرا بقدوم شريكه …
…………………………………………………………
خرجت حياة من عند الطبيب بعدما أخبرها بالتفاصيل التي تخص حالة والدها الصحية …
كانت تشعر بالألم والإنهاك الشديد فحالة والدها متردية كليا وربما فقدانه سيكون قريبا ..
جلست على احد الكراسي بوهن وهي تحاول أن تستوعب ما قاله الطبيب …
لا يوجد شيءٍ ثابت … رئتاه ضعيفتان ومشاكله التنفسية صعبة ..
جسده خائر القوى ومن الصعب أن يتحمل وضعه هذا طويلا …
سقطت دموعها على وجنتيها وهي تفكر إن ما سمعته حطم روحها كليا …
والدها الحبيب والشخص الوحيد المتبقي لديها سيتركها ويرحل …
كيف ستعيش بدونه وكيف سوف تستطيع تجاوز رحيله …؟!
سيطرت على دموعها بصعوبة وهي تقرر النهوض من مكانها والذهاب الى والدها للإطمئنان عليه فلا يجب أن تتركه وحيدا ..
ذهبت الى الغرفة التي يقطن بها واطمأنت عليه حيث وجدته نائما بسلام رغم التعب الذي يظهر على خطوط وجهه المرهقة بوضوح …
قبلته من جبينه تدعو لها بالشفاء وخرجت من الغرفة تتجه الى الإستعلامات تحاول الإستفسار عن المبلغ الذي دفعه نديم لأجل فحوصات والدها ورعايته …
إستطاعت أن تعرف أسعار الفحوصات وتكلفة الليلة الواحدة في المشفى فوجدته مبلغا ضخما لكنها أصرت على تسديده …
إتجهت بسرعة الى المنزل وقررت أن تبيع بعض القطع الذهبية الخفيفة التي كانت تمتلكها وهي تتمنى داخلها أن تكفي المبلغ المطلوب …
………………………………………………………………
في صباح اليوم التالي ..
إستيقظ نديم من نومه بصعوبة على صوت رنين هاتفه …
نظر الى ذلك الرقم الغريب الذي يرن عليه وأجابه فيأتيه صوت رقيق يقول :-
” صباح الخير نديم بك ..”
أجاب متسائلا :-
” صباح النور … من معي …؟!”
جاءه الجواب سريعا :-
” أنا حياة … حياة ابنة فاضل …”
قاطعها بسرعة :-
” اهلا حياة …كيف حال العم فاضل ..؟! ”
ردت بجدية :-
” بخير الحمد لله … إستيقظ مبكرا وهو بحالة جيدة … أنا فقط أريد رؤيتك يا بك ..”
” حسنا .. سآتي الى المشفى ظهرا حتى أطمئن على العم فاضل ..”
قاطعته بجدية :-
” لا داعي لأن تتعب نفسك .. أنا أريدك في أمر بسيط … أنتَ موجود في الفيلا ، أليس كذلك …؟!”
أجاب بهدوء :-
” كلا ولكن سأذهب إليها الآن لرؤية والدتي … تعالي هناك إذًا أردت ..”
” سآتي إذا …”
قالتها حياة بهدوء ثم ودعته وأغلقت الهاتف لينظر نديم الى الهاتف بإستغراب من إصرارها على رؤيته …
نهض وقررر أخذ حماما سريعا كي يتنازل إفطاره بعدها ويذهب الى والدته ..
وبالفعل انتهى من حمامه وإفطاره ثم غير ملابسه وسارع في الذهاب الى هناك حيث لم يستطع رؤية والدته البارحة بسبب إنشغاله بوضع فاضل …
إستقبلته والدته بسعادة شديدة وهي تحتضنه بشوق …
جلس معها في صالة الجلوس حيث أخذت تسأله عن أحواله وتحاول الإطمئنان على وضعه …
بعد مدة جاءت الخادمة وأخبرتهم بقدوم حياة فطلب منها نديم أن تجلبها الى صالة الجلوس …
غادرت الخادمة فسمع والدته تسأل :-
” ماذا تريد إبنة فاضل منك يا نديم ..؟!”
أجاب :-
” لا أعلم يا أمي .. تقول إنه تريدني بموضوع هام وطلبت رؤيتي فأخبرتها إني سأكون هنا …”
دلفت حياة على إستيحاء وألقت التحية عليهم فنهضت صباح من مكانها وهي تستقبلها بإبتسامتها الهادئة :-
” اهلا ابنتي .. تفضلي اجلسي …”
ابتسمت حياة بخجل وردت :-
” أشكرك يا هانم .. لا داعي للجلوس فأنا مستعجلة .. لقد جئت لأجل نديم بك …”
ثم نظرت الى نديم وقالت بعدما أخرجت الأموال من حقيبتها ومدتها نحوه :- ” تفضل يا بك … هذه تكاليف المشفى …”
لم يأخذ نديم الأموال منها وإنما ظل ينظر إليها ببرود قبل أن يقول :-
” ألم ننهِ هذا الأمر منذ البارحة … ؟!”
أجابت بهدوء :-
” كلا لم ننهِ … أنت دفعت أموالا لعلاج وفحوصات والدي وها أنا أرد لك ما دفعته …”
تدخلت صباح في الحوار اقول :-
” يا ابنتي لا داعي لأن تفعلي هذا … فاضل غالي علينا جميعا وهو قريب منا للغاية … ”
قاطعها نديم :-
” لحظة يا أمي .. لقد إنتهينا من هذا الموضوع منذ البارحة وأخبرتك إنني المسؤول عن كل هذا …”
” ولكنني لم ولن أوافق … انا لن أقبل أن تتكفل بمصاريف علاج والدي مهما حدث … انا ابنته ومسؤولة عنه … ”
قالتها حياة بعناد لتهتف صباح بتعقل :-
” يا ابنتي ونديم أيضا بمثابة ابنه ..”
” كلا هذا ليس صحيح … ارجوكِ افهميني انتِ يا هانم .. انا لا أقبل بهذا … ”
صاح بها نديم بنفاذ صبر :-
” انا لا أفهم سبب عنادك هذا … لمَ تصرين على ذلك ..؟! أنتِ تحتاجين تلك الأموال ..”
توقف عن صياحه وهو يلاحظ تلك الدموع التي تراكمت داخل مقلتيها فهي لم تتوقع أن يصرخ بها هكذا بينما نهرته والدته بصوت منخفض …
رمت حياة الأموال على الطاولة وإندفعت خارجة من المكان تتابعها أنظار نديم الذي لم يصدق كيف إنفعل عليها هكذا حتى سمع والدته تخبره أن يذهب خلفها ويصحح هذا الموقف السخيف الذي وضعه بها ..
…………………………………………………………………..
كان يجلس في مكتبه يتناول مشروبه الكحولي بصمت وشرود تام …
ينظر الى صورتها الموضوعة على الطاولة أمامه حيث تسير عيناه من جديد على تفاصيلها التي لا يجد من تفوقها فتنة وجمالا …
لا يعلم لمَ هي بالذات لكنه يدرك إنها إحتلت مكانا داخله من الصعب أن تصل إليه سواها …
هي وحدها من تفردت بهذا وتميزت عن الجميع به …
هو عمار الخولي الرجل القاسي المتسلط الذي لا يمتلك قلبا ولا ضميرا …
هو هكذا في نظر الجميع وهو بالفعل لا يمتلك ضميرا … قاسيا متسلطا وهذا واقعه الذي يفتخر به .. لكنه يمتلك قلبًا … قلبا أدرك وجوده عندما سقطت عيناه عليها … هي وحدها دونا عن الجميع … هي مريم …
صاحبة الدقة الأولى ومالكة قلبه الذي لم يظن إنه يمتلكه يوما …
قلبه الذي أدرك وجوده داخله بسببها ..
و هو عمار الخولي الذي قتل عشقه في مهده لأجل غايته المنشودة ..
إنتقامه الذي سعى إليه طويلا وفضله على عشق يدرك جيدا إنه يكبله بقسوة …
عشق لا يظن إنه سيختفي يوما .. عشق كُتِبَ لواحدة فقط من فازت به …
هي وحدها مريم ولا ينبض قلب عمار لأي واحدة سواها ..
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية حبيسة قلبه المظلم)