روايات

رواية في حي الزمالك الفصل السادس عشر 16 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل السادس عشر 16 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت السادس عشر

رواية في حي الزمالك الجزء السادس عشر

رواية في حي الزمالك الحلقة السادسة عشر

 تَأْثِير 🦋✨🤎

أخذت أفنان تتأمل الرسالة وقد ابتسمت ابتسامة واسعة حتى شعرت بآلم في فكها، لم تستوعب هي كونها مراقبة من الجميع وخاصة نوح، أما عن رحيم فوقف خارج القاعة يتأمل وجه أفنان السعيد من خلال الفتحة الصغيرة في باب القاعة.

“خلاص خلصنا نرجع لشغلنا كله يبصلي هنا.” صدح صوت نوح الغاضب يرج أرجاء القاعة لتنتفض أفنان من موضعها وهي تنظر نحوه بإستياء لصراخه الغير مبرر، أكمل نوح الشرح لتبدأ أفنان في تناول فطورها بنهم بينما تحتسي المشروب المثلج، كان يشعر نوح بنيران تشتعل داخل قلبه فهو لم يرى أفنان سعيدة لهذه الدرجة عند حصولها على شيء ما من أحدهم.. أو ربما فعل فلقد كانت تحمل تعابير الوجه ذاتها حينما إبتاعها الدمية التي كانت تتمناها في عيد مولدها التاسع.

“كده أحنا خلصنا الشرح والمرة الجاية هنحل أسئلة عاللي شرحته ياريت كله يذاكر مفهوم؟” سأل نوح بنفس النبرة الحادة ليومئ الجميع بينما لم تهتم أفنان لأن ترفع عيناها نحوه.

“اتفضلوا عالمعامل.” تحرك الجميع من موضعه وكان آخر من فعل هو أفنان كالعادة.

“حلو الدونتس مش كده؟ الله يرحم.” علق نوح بسخرية بينما تسير أفنان نحو الخارج، تقف وتستدير لتنظر نحوه بإزدراء.

“اه حلو، عايز أيه يعني؟”

“لا مفيش بقول يعني بعد ما كنا بنجيب سندوتشات فول بقى بيجلنا دونتس.”

“مش فايقالك على فكرة، لَخص!”

“متمشيش بعد العملي، هوصلك ونتكلم.”

“بص يا نوح لو كلامك معجبنيش وحسيت فيه بذرة إهانة.. بعيداً عن أني هسيبك وأمشي طبعاً بس همسح بكرامتك المنطقة الصناعية كلها تمام؟” أردفت أفنان بنبرة جادة هي ترفع سبابتها في وجه نوح مُحذرة إياه، ابتسم نوح بسخرية غير مُهتم بتهديدها.

اتجهت أفنان إلى القاعة وهي تبحث بعينيها عن رحيم لكنها لم تجده لذا اتجهت إلى داخل المعمل لتجد أنه ليس هناك كذلك، لكن سمعت فجاءة صوت نداء بهمس يُشبه خاصة الذي يُصدره الجميع عند النداء على قطة.

“بست.. بِس بِس.” إلتفتت أفنان لتجدد رحيم يقف في أحد الممرات التي لم تنتبه لها من قبل، تبتسم ابتسامة واسعة وتتجه نحوه وهي تسأل:

“أول مرة أشوف الحتة دي والمكاتب.. وبعدين ثواني.. إيه بتبسبسلي ليه شايفني قطة؟”

“ما أنا لو نادهتك بإسمك والناس خدت بالها هتتخانقي معايا.” فسر رحيم لتنظر نحوه بإبتسامة واسعة قبل أن تقول:

“فاهمني أنت يا رحيم.”

“بحاول بكل طاقتي والله.. عشان فعلًا حابب افهمك أكتر وأكتر.”

“تصدق أول مرة أخد بالي من حاجة..”

“أيه هي؟” سأل رحيم بحماس لتأخذ أفنان نفسًا عميقًا ثم تقول بمزاح:

“أنك شاطر في الكيميا والكلام الحلو.”

“وهو أنتي اصلًا بتديني فرصة؟ ده أنا كل لما أتكلم بتحرجيني!” أردف رحيم بنبرة من طفح كيله لكن نبرته كانت أقرب إلى المزاح.

“مش بيبقى قصدي..” أردفت لينظر نحوها رحيم بحاجب مرفوع لتحمحم وتُعلق وهي تحاول ألا تبتسم قائلة:

“يعني مش طول الوقت بصراحة.. عمتًا متزعلش يا سيدي حقك عليا.”

“مبزعلش منك اصلًا.”

“طيب خلاص كفاية سهوكة بقى عشان نفسي بتجذع.” اردفت أفنان حينما بدأت تشعر بالتوتر من كلمات رحيم الحُلوة.

“بتج.. بِت أيه؟”

“لا بقولك أيه مش وقته.. أنا هبقى أجمعلك مصطلحاتي كده في قاموس وتبقى تحفظهم مع نفسك بقى.”

“فكرة حلوة بس مش أحلى من صاحبتها.” قال رحيم بصوت منخفض وبنبرة لعوب لتنظر نحوه أفنان من الأعلى إلى الأسفل ثم تتنهد وتغادر متجه نحو المعمل، كان المعظم قد توجه إلى الداخل بالفعل عدا أفنان التي اتجهت نحو الداخل ولحقها رحيم مباشرةً فنظر الجميع نحوهم بشك وقد رأت بعض الفتيات يهمسن، تتجاهل أفنان نظرات الجميع وتذهب لتجلس في مقعدها ومن داخلها تسب رحيم واليوم الذي رأته فيه في حي الزمالك!

“بس خلاص كفاية كلام يلا يا دكاترة عشان نشتغل.”

“دلوقتي كفاية كلام.” تمتم فتى بصوتًا منخفض لكن رحيم استطاع سماعه، لذا استدار نحوه بغضب وصاح موبخًا إياه قائلًا:

“بتقول حاجة؟ سَامّعني.”

” كنت بقول نبدأ شرح.”

“لا هو أنا اللي أقول أمتى نبدأ مش أنت.” اردف رحيم بنبرة هجومية قليلًا لتنظر نحوه أفنان بنظرة مغزاها أن يهدأ ليصمت هو لثوانٍ ويأخذ نفسًا عميق قبل أن يُرخي عضلات وجهه.

“طيب دلوقتي أنا عايزكوا كده تفكروني أحنا خدنا أيه المرة اللي فاتت.” سأل رحيم ليبدأ الجميع في التحدث بعشوائية فيُغمض رحيم عيناه بإستياء ثم يقول:

“شباب شباب.. احنا مش في nursery ‘حضانة’ حد واحد بس يتكلم.” أنهى رحيم جملته وعلى الفور رفعت أفنان وفتى وفتاة أيديهم ليُجيبوا.. نظر رحيم طويلًا نحو أفنان لكنه في النهاية أشار للفتاة الآخرى لتجاوب بدلًا عنها.

أجابت الفتاة بدقة متذكرة كل ما أشار إليه رحيم في المرة السابقة لينظر نحوها ويبتسم ثم يُردف:

“براڤو عليكي كل اللي قولتيه مضبوط، ده انتي طلعتي شاطرة اوي.. شكلك هتنافسي كويس على الجايزة اللي في آخر التدريب.” ابتسمت الفتاة ابتسامة واسعة، بالطبع فمن سيتم مدحة من شخصًا كرحيم يجب عليه أن يشعر بالإطراء، نظرت نحوه الفتاة وصدر منها ضحكة صغيرة ثم علقت قائلة:

“شكرًا يا دكتور وبعدين ده بسبب مجهودك وشرحك يعني.”

” دكتور رحيم، بعد إذنك هروح التواليت!” استأذنت أفنان وهي تتحدث بنبرة حادة ثم اتجهت نحو الخارج غير منتظرة ردًا من رحيم وأثناء سيرها دفعت الفتاة بخفة بواسطة كتفها.

“أيه ده حسبي!”

“معلش أصلي مشوفتكيش.” قالت أفنان بلا مُبالاة وهي تتجه نحو الخارج وتصفع الباب بعصبية، اتجهت أفنان إلى دورة المياة لتقوم بغسل وجهها بالمياه الباردة علها تُطفئ الغضب اللا مُبرر الذي تملكها.. نظرت إلى نفسها في المرآة وهي تهمس مُحدثة نفسها قائلة:

“أيه يا أفنان الجنان اللي أنتي فيه ده؟ كل ده عشان قال أنها هي اللي هتقفل الامتحان؟ طب وايه يعني ما في داهية المكافئة..” حاولت أفنان أن تُقنع ذاتها أن هذا هو سبب الغضب لا أن رحيم قد فضل فتاة آخرى عليها ووقف يمدحها أمام الجميع بل وأمامها هي شخصيًا، فليس من حقها أن تغضب على أي حال.

جففت أفنان يديها بواسطة منديل ورقي وقامت بضبط وشاحها ثم اتجهت نحو الخارج، دلفت إلى المعمل لتجد أن الجميع يرتدون معاطفهم البيضاء بالفعل عدا هي.

“البالطو يا دكتور.” تحدث رحيم فجاءة من خلف أفنان لتنتفض من موضعها ثم تنظر نحوه بإستياء وتقول:

“هلبسه والله حاضر بس الصبر.”

“أفنان! أتكلمي بطريقة أحسن من كده لو سمحتي.” وبخها رحيم لكن بنبرة منخفضة راغبًا في عدم سماع أحدًا آخر، نعم لقد أغضبته نبرتها لكن هذا لا يعني أن يقوم بإحراجها أمام الجميع.

“أسفة..”

“خلاص حصل خير، يلا أقفي مكانك عشان نبدأ شغل.” أومئت أفنان ووقفت في موضعها ولأول مرة تقريبًا تلوم نفسها على التحدث مع أحدهم بحدة، فرحيم ليس كأي شخصًا آخر فأخلاقه تلك تُجبرها على احترامه..

سار الشرح والعمل بصورة سلسة وكان رحيم يعاملها بلطف هي وسائر المُتدربين وتلقائيًا قفز إلى عقلها كيف كان يعاملها نوح بحقارة أمام الجميع لمجرد أنه غاضبًا منها بل وبلا سبب أحيانًا لكن ها هو رحيم يتعامل وكأن شيئًا لم يكن بالرغم من تحدث أفنان إليه بفظاظة.

“دكتورة أفنان! Watch out ‘احذري’ كنتي هتحرقي إيدك.” صاح رحيم فجاءة وهو يهرول نحوها.

“أنا.. أسفة سرحت بس.. دماغي مصدعة شوية.” قالت أفنان وهي تُمسك برأسها لينظر نحوها رحيم بقلق ويسألها قائلًا:

“تحبي تاخدي Break ‘راحة’ ؟”

“لا أنا كويسة..”

“متأكدة؟” كان القلق باديًا على نبرته لتبتسم أفنان ابتسامة صغيرة.

“اه..”

“عالعموم احنا مش هنطول النهاردة يا شباب كلكوا باين عليكوا الإرهاق.” تحدث رحيم بنبرة التعميم لكن أفنان كانت تعلم جيدًا أنه قال ذلك فقط من أجلها..

“أحنا كده خلصنا وتقدروا تتفضلوا يا شباب.” قال رحيم بعد نصف ساعة تقريبًا، غادر الجميع المكان بالفعل ومن ضمنهم أفنان فهي لم تشعر بأن مزاجها جيد للتحدث مع رحيم أو المزاح معه فعلى الأغلب ستتحدث بسخف وسينتهي الأمر بشجار ولكن ذلك لم يحدث مع نوح فلقد كان ينتظرها بالقرب من السُلم، اتجهت ناحيته وهي تزفر بضيق قبل أن تقول بإرهاق:

“أيه رأيك نأجل كلامنا عشان بجد مش رايقة خالص.”

“الكلام اللي هقوله مش هينفع يتأجل يا أفنان.” تحدث بنبرة جادة غير مُباليًا بما تقوله أفنان.

“أرغي يا نوح ومتزعلش من أسلوبي اتفقنا؟”

“كده كده متعود على أسلوبك اللي زي الزفت متقلقيش.” اردف نوح لتنظر نحوه أفنان بحده وهي ترفع أحدى حاجبيها.

“لَخص يا نوح بقولك مش رايقة!”

“هسألك سؤال وهسيبك تمشي.. أيه علاقتك برحيم يا أفنان؟”

“وأنت مالك يا نوح؟ ده يخصك في أيه يعني؟”

” أفنان لآخر مرة بسألك أيه علاقتك باللي اسمه رحيم ده؟” سأل نوح بنبرة هجومية وهو يصيح.

“أيه آخر مرة يعني؟ هتعمل أيه مش فاهمة؟”

“أنتي بجد ساذجة لدرجة أنك فاكرة أن واحد زي رحيم ممكن يبصلك! فوقي لنفسك يا أفنان!”

“نوح حاسب على كلامك!” صاحت أفنان في وجهه وهي ترفع سبابتها مُحذرة إياه.

“غبية ومُغفلة بجد.. ده آخره يتسلى بيكي شوية ويرميكي!”

“أنا استاهل ضرب الجزمة أني عملالك قيمة وواقفة أتكلم معاك.” قالت بوجه ممتعض ثم استدارت لترحل متجاهلة وجوده.

“احنا مش في فيلم عربي، ابن الباشا عمره ما هيحب بنت الجنايني يا أفنان، مش لازم أفسر هو هيبقى عايز منها أيه وبمجرد ما هياخده مش هيعبرها تاني، وأظن الوضع وقتها مش هيعجبك.. ولا أنتي ليكي رأي تاني؟” قال نوح بنبرة استفزازية وبصوتًا عالٍ نسبيًا، كادت أفنان أن ترحل لكنها عادت أدراجها ووقفت تنظر إلى داخل عين نوح قبل أن ترفع يديها وتصفعه.. فتح نوح ثغره وأتسعت عيناه من الصدمة، غادرت أفنان المكان بخطوات واثقة وهي تتجه نحو الأسفل بواسطة السُلم.

“عارف أنا كنت ناوي أتخانق معاك عشان بتتكلم على لساني وبتشوه صورتي قدام أفنان بس اعتقد أن القلم اللي خدته منها كان رد كافي.”

“أنت أيه اللي دخلك حياتنا؟!” سأل نوح بإستنكار وهو يركض نحو رحيم ويضم قبضته راغبًا في لكمه لكن قبضة رحيم كانت أسرع وأقوى.

“أنت اللي أيه بيدخلك بيني وبين أفنان؟!”

“أفنان دي تخصني من قبل ما يجي اليوم الأسود اللي شافتك فيه!” صرخ نوح بتلك الكلمات بعد أن استقام وهو يترنح نسبيًا من آثر اللكمة، نظر نحوه برحيم بتسأول وهو يضم عيناه محاولًا فهم مقصد نوح من تلك الكلمات.. استغل نوح تلك الثواني وركض نحو رحيم في محاولة للكمه ولكن قبل أن يصل إليه كانت الحراسة الخاصة برحيم تحول بينهم ويمسكون بنوح بقوة.

“بتتحامى في الأمن يا جبان؟! تعالالي هنا راجل لراجل.”

“أنت عارف كويس يا نوح أني لو مسكتك محدش هيعرف يخلصك من ايدي ولكن أنا هسيبك احترامًا للمكان اللي احنا فيه واحترامًا لأفنان اللي أكيد مش هتبقى مبسوطة لما تعرف اللي حصل دلوقتي ده.” اردف رحيم ثم اتجه نحو المصعد وضغط على الزر، دلف إلى الداخل وقبل أن يغلق الباب بثوانٍ أضاف رحيم:

“خلاص سيبوه.” اتجه رحيم إلى خارج الشركة مُسرعًا بحثًا عن أفنان لكن لم يجدها في الأرجاء لذا توقع أنها قد رحلت بالفعل، ذهب رحيم لإحضار سيارته لعله يجدها أثناء قيادته حول الشركة.

أما عن أفنان فقد غادرت قبله بمدة قصيرة.. تهرول في الشارع بأعين باكية ونبضات قلب متسارعة لا تُصدق ما قاله نوح لها بالأعلى.. لأول مرة تشعر أفنان بهذا الكم من الغضب تجاه نوح، تحاول كتم شهقاتها بصعوبة.. تشعر وكأن العالم كله جاثمًا على صدرها حتى بات التنفس امرًا مؤلمًا بالنسبة إليها.

“ازاي وصلنا لكده؟!” همست لنفسها بصوتًا مكتوم، عقلها يأبى استيعاب ما قاله نوح قبل قليل.. هل حقًا يتحدث عنها بتلك الطريقة؟! وكأنها فتاة ليل أو فتاة بلا كرامة وشرف.. كيف لنوح الذي كان يُدافع عنها في صغرهم أن يتحدث إليها بتلك الطريقة؟ لقد ترك نوح ندبة داخل قلب أفنان وآلاف الإعتذارات منه لن تستطيع أن تُعيد الأمور إلى سابق عهدها..

قطع بكاءها صوت بوق سيارة عالٍ لتلتفت سريعًا وهي تنوي أن تسُب ايًا كان قائد السيارة لكنها وجدته هو.. رحيم، تمسح دموعها سريعًا ثم تقترب من السيارة لتسمع ما يود قوله.

“اركبي العربية نروح نقعد في حتة ونتكلم.”

“مش هركب.” قالت بنبرة حازمة ليأخذ نفس عميق ثم يُردف:

“يلا يا أفنان please ‘من فضلك’.”

“قولتلك مش هركب يا رحيم وبجد معنديش ذرة طاقة للخناق والجدال دلوقتي.”

“طيب بصي هطلبلك حد يجي يوصلك على مكان كافية مش بعيد أوي عن هنا وقابليني هناك تمام؟”

“تمام..” اردفت بقلة حيله فلا طاقة لها للجدال الآن، وقفت على جانب الطريق تنتظر وصول السيارة.

“بصي أنا حطيت location ‘الموقع الجغرافي’ الكافية، خدي بالك من نفسك ماشي؟” قال لتنظر نحوه بأعين فارغة وتكتفي بالإيماء، يعبس وجه رحيم فقد كان ينتظر منها أن تمازحه أو أن تسخر مما تقوله لكنها لم تفعل ذلك.. لم تكن كعادتها.

وصلت السيارة بعد ثلاثة دقائق وتأكد رحيم من أن السائق يعرف الطريق جيدًا وتأكد من أنها مُرتاحة داخل السيارة، انتظر انطلاق السيارة التي هي في داخلها اولًا ثم لحقها هو.

لم تستغرق الكثير من الوقت حتى وصلت إلى الوجهة التي اختارها رحيم، مقهى ومطعم فاخر وإن كان يبدو شبابيًا إلى درجة كبيرة لكنه مازال ذو ذوقًا رفيع وأسعار باهظة غالبًا.

فور توقف السيارة غادر رحيم خاصته واتجه نحو الآخرى ليفتح الباب لأفنان بنُبل.

“شكرًا.. تسلم.”

“عفوًا، يلا؟”

“لا استنى ثواني أنا لسه مدفعتش.”

“تدفعي أيه بس؟! انزلى، تقدر تتفضل حضرتك.” سألها رحيم بسخرية واستنكار وهو يبتسم ابتسامة جانبية ثم يُشير لأفنان بأن تبتعد عن السيارة.

“ايه طب فاهمني طيب؟”

“أنا اصلًا طالب من ال App وعامل أن ال Payment ‘طريقة الدفع’ تبقى من ال credit card ‘بطاقة الإئتمان’.”

“اه.. تمام..”

“عارفة أنا زعلان أوي وأنتي مش بترخمي عليا ولا بتهزري معايا زي الأول.. أنا عايز أفنان القديمة.”

“قديمة أيه يا ابني ما أنا كنت بهزر من ساعتين عادي.” علقت بسخرية وقد زين شبح ابتسامة ثغرها لينظر نحوها بإبتسامة واسعة ويقول:

“ايوا كده هو ده اللي أنا عايزة، يلا اتفضلي.. Ladies first ‘السيدات اولًا’.” دلفت أفنان نحو الداخل ليلفحها نسمات الهواء الباردة بسبب المُكيف، تنظر بعيناها إلى الطاولات حتى تجد واحدة شبه منعزلة وتكفي لفردين فتتجه إلى هناك مباشرة.

سحب رحيم أحدى الكراسي بنُبل سامحًا لأفنان بالجلوس لكنها ظنت أنه يسحبه لنفسه لذا ذهبت إلى الجهة الآخرى فوقف ينظر نحوها بدون استيعاب.

“في حاجة؟ ما تقعد.” قالت ليقهقه بقوة ثم يجلس على مقعده، يُمسك بقائمة الطعام والمشروبات ويسألها قائلًا:

“تحبي تشربي ايه؟ ولا أقولك ممكن ناكل أحسن.”

“مليش نفس..”

“تاكلي grilled chicken ‘دجاج مشوي’ ولا steak ‘لحم’؟” سأل رحيم متجاهلًا ما قالته لتنظر نحوه بإمتعاض وتُردف:

” يا دكتور أنت مش سامعني ولا أيه؟ بقولك مليش نفس بجد…”

“بصي يا أَفي كونك زعلانة ده شيء ملوش علاقة بالأكل.. أنا عارف كويس أحساس الجوع الرخم ده اللي بتحاولي تقاوميه لمجرد أنك المفروض زعلانة.” أوضح رحيم بنبرة واثقة وهادئة وكأنه قد أختبر كثيرًا الشعور الذي يتحدث عنه.

“أَفي؟” سألت أفنان وهي تَضم حاجبيها بإندهاش مع إبتسامة صغيرة زينت ثغرها.

“اه ده nickname ‘اسم للتدليل’ لإسم أفنان من تأليفي.” فسر لها رحيم لتبتسم ابتسامة بلهاء ثم تُردف بنبرة مُرتفعة:

“الله!!! ده حلو أوي بجد أول مرة حد يقوله.”

“هو Style الدلع أوربي شوية يعني فمش هتلاقي حد بيقوله، بس هو لايق جدًا عليكي.”

“جميل أوي بجد ومختلف.. المهم طب خلاص بقى سيبك من موضوع اسمي ده دلوقتي وقولي أنت جايبني هنا ليه؟” ابتسم رحيم ابتسامة واسعة عندما انتبه لوجه أفنان الذي كسته الحمرة وهي تحاول تغير مجرى الحديث، صمت لثوانٍ ثم حمحم وهو يُقلب في قائمة الطعام قائلاً:

“ها Chicken ‘دجاج’ ولا Steak ‘لحم’؟”

“أنت هتاكل أيه؟”

“اه عشان تجيبي زي وكده؟” سأل رحيم بسخرية وهو ينظر إلى قائمة الطعام لتنظر نحوه ببلاهة لثوانٍ قبل أن تُجيبه قائلة:

“لا عشان اجيب عكسك.”

“ياربي عالغلاسة! عموماً أنا هاكل Steak ‘لحم’ ياستي.”

“تمام وأنا هاكل فراخ.” أشار رحيم للنادل والذي أتى على الفور ليدون طلباتهم، اعتدل رحيم في جلسته ثم قال بنبرة هادئة وهو ينظر نحوها بدفء:

“بصي عشان أكون صريح معاكي.. أنا سمعت جزء كبير من الكلام اللي الحيوان اللي اسمه نوح ده قاله، وبصراحة كنت هتدخل لكن معملتش كده لسببين.. اولًا: احترامًا لخصوصيتك وأني المفروض مكنتش اسمع اصلًا، ثانيًا: عشان أنا واثق تمامًا أنك قادرة تجيبي حقك من غير أي مساعدة مني.”
وضح رحيم بصدق ليظهر شبح ابتسامة على ثغر أفنان فقد راق لها كثيرًا الطريقة التي يُفكر بها إن كان صادقًا بالطبع، فلقد منحها شعورًا بالثقة بالنفس بإستخدامه لتلك الكلمات.

“شكرًا أنك إنسان مُتفهم.. لحد دلوقتي يعني.” تحدثت بجدية في بداية جملتها ثم أنهت بسخرية ونصف ابتسامة.

“ليه متوقعة الأسوء مني؟”

“مش منك.. بس إذا كان في ناس قريبة مني أوي وعشرة عمر وفي الآخر عملوا حركات مش تمام هتيجي عليك أنت ياللي لسه عرفاك من كام يوم؟” تحدثت بإبتسامة مُصطنعة لكنه لم يتكبد عناء النظر إلى ثغرها بل نظر إلى داخل عيناها التي ارتسمت داخلها كل تعابير الحزن والخيبة..

“كلامك يُعتبر منطقي لكنه مش صح One hundred percent ‘مئة في المئة’ يعني، وبعدين وثواني وأنتي كنتي قريبة من نوح ده ليه؟ تعرفيه منين اساسًا؟ ليه بتتكلموا كأنكوا تعرفوا بعض من سنين؟!”

“بس بس اهدى كده، أنت سيرة نوح بتعفرتك ليه كده؟” سألت وهي تقهقه متناسيه تمامًا الجو الدرامي الذي ساد قبل دقيقة واحدة.

“بتعمل ايه؟” سأل بدون فهم لتضحك ثم تصمت وهي تحاول أن تُرتب أفكارها لكي تجد معنى مناسب للكلمة ثم تُفسر مُردفة:

“بتخليك متعصب مش على بعضك كده..”

“يا أفنان متّوهنيش أبوس ايديك.. جوابي على سؤالي بس.”

“أيه أبوس ايديك دي؟ هو أنا والدتك! ما علينا المهم يعني أصل نوح يبقى قريبي.” تحدثت بمزيج من الإستنكار والسخرية مُقتبسة جملة من فيلم كوميدي شهير على الأغلب لم يشاهده رحيم من قبل.

“نعم ياختي!”

“أعوذ بالله! أنت ليه قلبت من السَبتيه فجاءة كده!”

“قريبك ازاي يعني؟ لا فهميني، ها قولي.”

“يا ابني ثواني.. أبلع ريقك كده واديني فرصة أجاوب الله!” صمتت لثوانٍ وهي تتحاشى النظر إلى عينيه لا تدري كيف تُخبره بذلك، أخذت نفسًا عميقًا ثم أردفت:

“نوح يبقى ابن خالتي.”

“نعم؟!!!! أنتِ بتستهبلي؟! يعني اللي كنتِ سهرانة عنده في بيته ده كان نوح؟!!!”

صاح رحيم بإستنكار ودهشة بنبرة صوت مرتفعة لينظر الجميع نحوهم ولا تعي أفنان بنفسها سوى وهي تَدس قطعة من الخبز التي وُضع كمقبلات أمامهم في فم رحيم لكي يصمت، ودعنا نتفق على أمرًا ما، يمكننا أن نجد العديد من الفروقات بين الرجال لإختلاف المستوى الإجتماعي، التربوي، المادي ولكن حينما يتعلق الأمر برجلًا آخر يتحول الرجال جميعًا إلى صندوق نفايات ناطق.

“هتفرج علينا المكان! وبعدين ثانية واحدة.. أيه كنت سهرانة عنده دي؟ الناس هتفهمنا غلط منك لله يا أخي!!” صاحت أفنان وهي توبخه بنبرة مرتفعة قليلًا، نظر نحوها بإستياء ثم أضاف:

“ومقولتيليش الموضوع ده ليه من بدري؟”

“عشان أنت مسألتش! وأساسًا هقولك ليه؟ أحنا مكناش قريبين من بعض اصلًا!”

“يعني دلوقتي بقينا قريبين؟” سأل لتصمت أفنان لثوانٍ لا تعلم الإجابة لذا أطلقت تنهيدة طويلة وهي تقول:

“مش عارفة..” ساد الصمت لدقيقة تقريبًا بينما شرد رحيم في الإتجاه الآخر.

“شيء سيء أوي أن الشخصية ال toxic ‘السامة’ تبقى جزء من عيلتك..” تحدث رحيم بنبرة صادقة وهو يتكأ على كرسيه مائلًا نحو الخلف قبل أن يُخرج علبة سوداء فاخرة من حوزته، لم تعرف أفنان ماهيتها لكن حينما فتحها أدركت أنها ليست سوى عُلبة تحوي لفافات تبغ لكنها باهظة الثمن وكأنه من المُحتم أن تكون الأدخنة التي ستقتحم رئة الأغنياء مُختلفة عن خاصة العامة، ياله من هراء فكلاهما مُضر على أي حال!

“مكنتش أعرف أنك بتدخن.” علقت بخيبة وهي تعتدل في جلستها ليُشعل السيجارة بواسطة قداحته السوداء الصغيرة التي اتخذت هيئة سلاح ناري، يسحب نفسًا عميق قبل أن يتقدم بجسده نحوه للأمام ويقترب منها قليلًا ثم يقول بنبرة جادة وهو ينظر إلى داخل عيناها العسلية:

“لو عايزاني أبطل تدخين هبطل.” ارتبكت معالم أفنان من جملته وشعرت بنبضات قلبها تتسارع قبل أن تُحمحم ثم تُردف:

“أنت لو هتبطلها يبقى عشان نفسك.. صحتك مش عشاني يعني..”

“وأنا مش مُستعد أبطلها غير عشانك، أعتقد أنتِ الدافع الوحيد اللي ممكن يخليني أعمل حاجة زي كده..” قال بنبرة لطيفة وتعابير وجه مُعبرة عن ما في جوفه قبل أن يأخذ نفسًا آخر من لفافته.

” أيه ده في أيه؟ الموضوع كبر أوي.. أنا قولت كومنت واحد مش أكتر..” علقت بتوتر وهي تضحك ضحكة غير مُبررة بينما تتحاشى النظر نحوه، لم يُعلق بل صمت قليلًا وكأنه يُفكر.

” عارفة.. كان نفسي اتخانق معاه وأضربه بعد اللي قاله، وده عكس طبيعتي تمامًا أنا شخص مُسالم في العادة مش ضعف ولكن بحس أن الإسلوب والطريقة الحيوانية في حل المشكلات هو شيء بشع، لكن عشانك النهاردة.. كنت مستعد أعمل حاجة عكس طبيعتي.. هو أنتِ بتعملي فيا أيه؟ ازاي ليكي كل التأثير ده عليا؟!”
لم تدري أفنان بما تُجيبه وقد غادرتها كل الكلمات.. كان ينظر بخضرواتيه إلى داخل عينيها كانت نبرته صادقة وتعبيراته كذلك.. كانت كلماته حُلوة ونبرة صوته عذبه، لم تكن لتؤمن أفنان بفكرة “المثالية” فلا يوجد شيئًا أو شخصًا في تلك الحياة يحمل كل الصفات المرغوبة ولا يحوي غلطة واحدة لكن هو..
كان مثاليًا.. وهذا أكثر ما يُخيفها..

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (فب حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *