روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل التاسع و الأربعون 49 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل التاسع و الأربعون 49 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت التاسع و الأربعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء التاسع و الأربعون

قلبي و عيناك و الأيام

قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة التاسعة و الأربعون

قالت وداد للصبي ذلك وبعدها تابعت أخبارها بأمر رضوى … فصمت الصبي للحظة ثم قال بقلق :
_ لتكون ناوية توافق غيظ فيه ياعمتي ! … مش هتكسب غير الوجع !
قالت وداد ببعض الطمأنينة :
_ مش هكدب عليك وأقولك أني مش خايفة … بس اللي مخليني مطمنة شوية أن عمهم وجيه فاهم كل حاجة … ولمحلي كده من بعيد أنه مش هيخلي حد يغلط تاني … سواء في حق نفسه او في حق غيره … ومبسوطة أنك انت كمان جيت ، أنت أخوهم وهتخلي بالك منهم اكتر مني … أنت شايفني لا بقدر أقوم ولا اتحرك كتير .
فقال الصبي بوعد بعدما أوضحت له عمته لوحة مفاتيح لب المشكلة :
_ ما تقلقيش بالك … خليها تقابل العريس الأول ونشوف هيحصل ايه … وعيني هتفضل عليهم طول الوقت .. اوعدك.
*******
مر منتصف الليل بساعاتٍ ثقيلة على البعض .. والبعض الآخر مرت عليه تلك الساعات أسرع من وقت ارتشاف فنجان صغير من القهوة !
وتملمت ليلى بفراشها ليلًا ، وقد مضت غفوتها بتلك الساعات الفائته في أرق وانزعاج صامت وزفرات ضائقة لا تنقطع .. كأنها ستخرج من حلما جميل اوشكت نهايته على البدء !
يومان من عمرها … بالعمر الفائت كله !
بالعمر التي لا زالت لا تتذكر فيه بعض الأشياء ، وربما لا تريد تذكرها ! …. وحمدت رب العالمين أنها بتلك اليومين لم تزعجها ذاكرتها وتختفي مثل الزئبق! … مثلما حدث قريبًا !
إلى متى ستظل مرعوبة من هذا الاحتمال ؟!
هل من الممكن أن تنسى أنها تزوجت من الرجل الوحيد الذي أحبته ؟!
والأكثر رعب لو نسيته هو ذاته !
يا الله … كم يبدو أن الانسان أضعف من كونه يستطع التذكر شيء عن نفسه حتى لو أراد ورغب !
هناك أشياء بنا لا نستطيع التحكم فيها … كأننا نسير بجسد لا نملكه سوى مؤقتً ! … ولا نملك السيطرة عليه ولو بطرفة عين !
جف ريقها من الخوف واعتدلت وهي تستغفر ربها وتتوسل إليه بصوتٍ خافت ألا يحدث هذا وتنسى من خفق قلبها له … التقطت أنفاسها المشتته بعض الشيء ، ثم نظرت جانبًا تروي عينيها بالنظر له….
تطلعت به بنظرة لم تطرف حتى ! …. ودققت في أدق تفاصيل ملامحه المنحوته بإبداع الخالق وهو نائم بهدوء تام ومضطجع على جانبه الأيسر ، صدقا لم تقابل رجل مثله !
أو ربما لأنها تحبه تشعر بذلك … ولكنه بالفعل مميز هذا الرجل بشيء غامض هي نفسها لم تستطع كشفه حتى الآن.
خلافا عن وسامته الخاطفة لنظر أي امرأة … فهو يملك شخصية ساحرة للنساء … يستطع لفت الانتباه دون مجهود حتى لو هناك الأجمل منه بالقرب !
لاحظت ابتعاد الغطاء سنتيمترات قليلة عن كتفيه، فاقتربت وسحبت الغطاء بهدوء حتى أخفى جسده دون وجهه … فابتسمت ليلى بحنان وهو يتنفس بإرياحية مغمض العينان وكأنه كان يشعر بالبرد ورحب بالدفء أخيرًا.
وبعدها مررت يدها برقة على شعره الناعم الذي ورغم دخوله الأربعين منذ عامين، لم ينتشر فيه الشيب سوى قليلًا ولمن يدقق النظر فقط سيرى.
تنهدت بضيق من شيء تذكرته … شيء مر بعقلها ورسم ذلك الحق بالقرب لزوجته الأخرى ! …. اعترفت ليلى لنفسها أنها لن تتقبل زوجة أخرى له مهما حدث …. ولولا حبها له ما كانت وافقت أبدًا بهذا الوضع…. ومع ذلك من الأنانية والجحود أن تفكر حتى في تفريقهما ! … لن تفعل ذلك مهما تعذبت مشاعرها !

 

والغد .. وما الغد !
غدًا أول يوم عمل … وأول يوم من بياته خارج غرفتهما بقرب امرأة أخرى ! …هذا العذاب بعينه …!!
هكذا صرخ قلبها وهي تنهض من الفراش ببعض العصبية، ومن سريان تلك الموجات الغاضبة بداخلها لم تدري بردائها الخفيف وهي تنهض وتقف أمام النافذة الزجاجية المغلقة بعدما أزاحت عنها الستار الثقيل المتعدد الطبقات.
عقدت ذراعيها حولها ونظرت للفراغ المُظلم الذي ينتظر بلهفة أمل الضحى المشرق …. ثم ابتلعت ريقها بتنهيدة متثاقلة وخصلات شعرها القريب اللون من لون عينيها البندقية يحيط وجهها بحراسة ..
وتاهت بالفكر لدقائق حتى شعرت بأنامل قوية ولكنها رقيقة اللمسة تمر على أعلى كتفيها وتديرها إليه …. فنظرت لعينيه المشاكسة وكأنها تسبح في موجاتها المرتفعة … وكم كان يروقه نظرتها له …. كم يحب تلك اللمعة المميزة عندما تتلاقى أعينهما في صمت ! … ورعشة شفتيها كأنها تريد أن تقول شيء وتتراجع أو تخجل فتصمت… فابتسم وقال لينهي حيرتها:
_ كنت عارف أنك مش هتعرفي تنامي النهاردة !
انتزعت نظرتها من على عينيه كأنها تبترها وقالت بنظرة مشتتة حائرة وبها من القلق ما جعلها على وشك البكاء:
_ في حاجات كتير مخوفاني ومطيرة النوم من عيني …. مش اللي جه في دماغك بس …!
وكانت تقصد بمعني خفي عودته لحياته الروتينيه مع زوجته الأولى جيهان … فخمن عدة أسباب ولكنه تساءل:
_ طب قوليلي إيه اللي مخوفك للدرجة دي ؟!
كادت أن تتحدث بعد لحظة من الصمت الثقيل ، حتى وقعت عينيها على ساعة الحائط التي تشير للثالثة فجرا …. فتراجعت وقالت وهي تتجه للفراش :
_ المفروض تنام عشان تصحى فايق للشغل بدري ..
ولكنها لم تتابع طريقها … بل امسكت يده معصمها فأوقفها … اخفضت ليلى رأسها بمحاولة أن تتحكم في تلك الرغبة الحمقاء في البكاء ولكنها لم تستطع …
فأخذها سريعا بضمة رقيقة، ثم ابعدها قليلا ونظر لعينيها الحمراء الباكية وقال بمحبة حقيقية لا شك فيها :
_ يا ليلى أنا بحبك … مع مين اكون بحبك أنتي … ومحدش هيقدر ياخد مكانك عندي أبدًا …. اعملك إيه عشان تصدقي وتطمني وتبطلي القلق ده !
نظرتها له كان بها خوف أقلقه عليها بحق ! …. كأن هناك شبح يبحث عنها وترتعب منه ! …. فقالت وعينيها مليئة بالارتياع :
_ أنا مصدقة كل كلمة بتقولها …. مش هنكر أن قلبي بيوجعني كل ما بتخيل بكرة والأيام الجاية … واتخيل أن بعد كام ساعة هترجع من شغلك وتروح لجيهان …. بس خوفي الأكبر مش بسبب كده!
وكان يزيل دموع عينيها بأطراف أصابعه حتى تابعت وجسدها بدأ يرتجف بقوة :
_ خايفة أنساك … خايفة في يوم الاقي نفسي معرفكش ! … أنا مرضي النفسي خطير وصعب علاجه … والكارثة أن النسيان في المرحلة دي مش مرتبط بصدمة أو زعل ! ….. ده ممكن يجيلي في أي لحظة … !
اجهشت بالبكاء وهي ترمي رأسها على صدره وتضمها بكل قوتها وتقول :
_ أنا مش عايزة انساك يا وجيه …. مش عايزة انساك.
وكررتها وهي تحاوط خصره بذراعيها بأشد قوتها وتبكي …. فضمها بقوةً مرة أخرى وهمس لها بتأكيد :
_ أطمني … مش عايزك تحطي الاحتمال ده في دماغك وأن شاء الله مش هيحصل كده.
وظلت بين ذراعيه متمسكة به كالهرة المرتعبة حتى نظر لعينيها بعد قليل وقال بابتسامة حنونة :
_ وحتى لو نسيتيني … أنا فاكرك وعمري ما نسيتك ، حتى لو نسيتي يا ليلى … هبدأ معاكي حكاية جديدة … هتحبيني فيها من أول وجديد… ولو نسيتي كل يوم … هفضل افتح معاكي صفحة جديدة لحد ما نوصل لبر الأمان …. وساعتها هنقف وهفكرك بكل الموج العالي اللي قابلنا … لحد ما وصلنا أخيرًا ……مافيش داء من غير دوا … وأنا معاكي مش للنهاية … أنا معاكي لنهايتي وآخر عمري.
رغم دموعها المنفرطة على بشرة وجهها كانت تبتسم !
وعند الصادقين فقط … تصبح الكلمات أدلة واضحة وبرهانً اكيد.
فاتسعت ابتسامة وشاكسها قائلا :
_ بعرف ابدل مزاجك في لحظة …. من العياط للأبتسامة في لمحة! … أنا مُقنع جدًا.
وكان محقا … فقد استطاع رغم كل ما تشعر به أن تطمئن وتبتسم بكل ثقة وأمان … أن يرحل عنها كثير من خوفها من الآت.

 

 

******
وعند بزوغ الشمس ….اجتمعت العائلة حول مائدة الأفطار جميعهم …. وكان الصمت يخيم على الجميع بغير عادة !
نظر الجد حوله وقال بتعجب :
_ هو نعناعة فين ؟!
أجابت حميدة وهي تتحاشى النظر ليوسف الذي كان يبتسم لها واثارت ابتسامته هذه جميع الانظار عليها :
_ أنا خبطت عليه من شوية عشان يجي يفطر ورد قالي ماشي نازل … بس تلاقيه مكسوف ينزل !
قالت جيهان بتلقائية :
_ طب ما تروحيله تاني وتدخلي تصحيه يا حميدة ؟ …
نظر الفتيات الأربعة لبعضهن ثم أجابت جميلة عوضا عن حميدة:
_ لا ما اتعودناش على كده … هو أخونا آه بس مش لدرجة ندخل عليه أوضته يعني وهو نايم! …. مايصحش يا مرات عمي هو مهما كان راجل برضو !
قالت حميدة بقصد وهي تنظر ليوسف نظرات خلفها أشياء كثيرة :
_ رغم أنه اصغر مننا لكن برضو الأصول أصول …
قال يوسف بعتاب وقد فهم قصدها:
_ ما خلاص بقا فهمنا والموضوع عدى هنفتحه تاني !
ابتسم وجيه بمرح وهو ينظر لحميدة …. بينما أرادت ليلى أن تتدخل لتعجبها من كلمات جيهان ولكنها تراجعت … فأن وافقت الفتيات ستضع جيهان في موضع احراج كبير ….فصمتت .
ارتشفت حميدة من كوب ماء أمامها وتجاهلت يوسف وهي تكتم ضحكتها …. فقال جاسر بابتسامة ماكرة لجميلة :
_ جبتي العقل ده كله منين يا جميلة ؟ ….
أجابت وهي مبتسمة لتستفزه:
_ مش هقولك المكان عشان ماتروحش تجيب ! …
كتمت ليلى ضحكتها وهي تنظر لوجيه الذي نظر لفنجان قهوته وبالكاد تحكم بضحكته هو الآخر ….. بينما انتشرت الضحكات بين الجميع سوى جاسر …… نظرت له جميلة بانتصار حتى قال بنظرة متوعدة :
_ لولا أنك بنت عمي كان زمانك لابسة الفنجان اللي قدامك ده في عقلك الجميل ده …
تحدث وجيه بنبرة تحذيرية ونظرة حادة لجاسر :
_ جاسر ؟! …… وبعدين !
كاد جاسر أن يرد بغيظ حتى أوقفه الجد وقال :
_ كفاية بقا تصرفات القط والفار دي ! …… خلينا في المهم .
نظر الجد لأبنه وجيه وقال بهدوء :
_ حاول توصل قبل الساعة ٥ يا وجيه … ماينفعش أقابلهم لوحدي !
وأشار الجد بحديثه على زيارة عاصم وأبنائه الشباب الثلاثة …. فدفع رعد ملعقة شاي صغيرة قد احدثت صوتٍ مزعج ونهض قائلا بعصبية :
_ مش عايز أفطر …. ومش رايح الشغل النهاردة.
ضيق وجيه عينيه عليه للحظة ثم قال :
_ هو كل يوم غياب ! …..
رد رعد بسخرية وهو ينظر لرضوى التي تجاهلته تماما وتتابع طعامها في صمت :
_ ما طول الوقت كنت بشتغل ! …. ما أفتكرش أننا كنا بناخد أجازات خالص ! ….. أظن من حقي أخد كام يوم كده على ما أروق.
ومن نظرات رعد الحادة لرضوى فهم أن الجدال معه سيزيد الأنر سوءً…. فوافق مرغمًا ولكنه قال بتحذير صريح :
_ مافيش مشكلة في الغياب يا رعد ….. بس مش عايز أي مشاكل النهاردة … ولا حد يجيلنا ويمشي مضايق مننا …. الضيف ليه احترامه وواجبه بغض النظر هو جاي ليه.
نظر رعد لعمه وجيه نظرة طالت لدقيقتان ، ثم انتقلت نظرته على رضوى بتهديد واضح لم يمنعه حتى تحذير عمه وقال :
_ في حاجات يا عمي ماينفعش نسكت عليها …. وماينفعش حد ياخدها مننا …. واللي هيقربلها مش هرحمه.
وبعدها غادر المائدة وصعد لغرفته …. اصطبغ وجه رضوى وخاصةً بعدما أصبحت العيون مسلطة عليها ….. فقال جاسر بنفس ابتسامته الماكرة :
_ أيوة زي ما رعد قال كده بالضبط … وهضيف أنا بقا …. واللي هيقربلها مش هرحمه وهضربه…. أنا رايح أوضتي.
وغادر جاسر المائدة أيضا…. فقال آسر وقد نطق أخيرا :
_ أنا بقا اللي هيقربلها مش هرحمه وهضربه وهطرده …
بعد أذنكم …. رايح أوضتي طبعا..
وبعدها غادر أيضا
رفعت سما حاجبيها بتعجب …. فقال وجيه ليوسف :
_ طب وانت ؟!
كتم يوسف ضحكته وقال لعمه وجيه :
_ مقدرش أسيبهم يا عمي …. بعد أذنك.
وغادر يوسف أيضا … وضع وجيه فنجان القهوة من يده ثم ضحك رغما عنه وقال :
_ ربنا يستر على عاصم وولاده من الحيتان دول !
رغم ابتسامة الجد السريعة وارتباك وقلق الفتيات مما يحدث … قال الجد بتوتر :
_ لازم تيجي بدري …. ماينفعش نبان قلالاة الذوق مع الناس حتى لو هنرفضهم !
وعندما سمعت رضوى تلك الكلمات نهض متجهمة الوجه وكأنها تعترض ….واستأذنت عائدة لغرفتها وتبعها الفتيات واحدة تلو الأخرى ….. فأجاب وجيه بموافقة :
_ هاجي بدري …. بس محدش يتكلم مع رضوى خالص دلوقتي … دي زيارة تعارف لسه ، بعد الزيارة لينا كلام تاني… يمكن هو مايعجبهاش وترفضه من نفسها.
وكم تمنى الجد ذلك أن يحدث بالفعل … ولكن مع عناد رضوى فأنه يشك بالأمر.

 

 

********
وبعد أن انتهت وجبة الأفطار وقفت جيهان بردائها المحتشم مثلما نبهها وجيه لتودعه قبل أن يغادر للعمل …. وقد سبقت ليلى لشعورها بأنها ستفعل ذلك …..ووقفت بجانبها ليلى وهي تحمل صغيرتها ريميه …
قصدت جيهان أن تقترب منه وترتب دون حاجة ربطة العنق …وقالت بصوتٍ ناعم متغنج:
_ توصل بالسلامة …
ابعدت ليلى نظراتها عن جيهان وتظاهرت بالحديث مع صغيرتها ….. فقال وجيه مبتسما بعفوية :
_ الله يسلمك يا جي جي …
اتسعت ابتسامة جيهان بنظرة ماكرة سريعة لليلى …. والتفتت ليلى له بنظرة غيظ سريعة … فلما لا يدللها ؟!
هكذا صدح هذا السؤال بعقلها … بينما ادرك وجيه ما شعرت به ليلى ….فربت على ذراع جيهان بابتسامة سريعة ….ثم توجه لليلى مشاكسا الصغيرة بابتسامة لعينين ليلى ذات معنى وقال :
_ ريمو هتوحشني أوي …
مدت الصغيرة ذراعيها ليأخذها وجيه … ثم أخذها بالفعل وضمها بحنان قائلا بابتسامة واسعة :
_ النهاردة هجيبلك لعب كتير أوي وأنا جاي …. بس مش هقولك عليها ….
امتلأت تعابير الصغيرة بالحماس وابتسامة فرحة …. ورقت ليلى لسعادة صغيرتها وقالت بمحبة:
_ توصل بالسلامة يارب .
نظر وجيه لجيهان التي ابتعدت لتصعد غرفتها … والتفت لليلى وهمس بأذنها بخفوت:
_ هتوحشيني جدًا.
ابتسمت ليلى ابتسامة واسعة وهي تنظر له وقد استطاع كالعادة أن ينسيها أي ضيق بأقل كلمات…
وغادر وجيه لعمله مبتسما ومتعجبا مما انعطفت حياته فجأة ! ….. لم يظن للحظة مضت من عمره أنه سوف يكون زوج لأمرأتين !
ويبدو لو دلل واحدة لابد أن يدلل الأخرى بنفس اللحظة وإلا سيكون ظالمًا لا يعرف معنى العدل بنظرهن …
ضحك وهو يجلس داخل سيارته لتلك الخاطرة ….
********
وعند ساعات النهار ظهر الصبي نعناعة وهو يتجول بالمنزل الكبير ….. فأوقفته حميدة بالممر المؤدي للمطبخ وقالت :
_ أنت فطرت ولا لسه يا ولا ؟!
عبس وجه الصبي وقال بتمرد :
_ اسمي نعناعة مش ولا ! …. وبعدين آه فطرت من بدري ، بس كنت بتفرج على البيت …. ده قصر مش بيت !
نظرت حميدة له بضحكة وقالت :
_ لما جينا هنا قولنا نفس الكلام …. وعلى فكرة في جيم هنا ، مش كان نفسك تروح جيم من زمان ؟!
فغر الصبي فاه من الصدمة …. ثم قفز بسعادة وقال :
_ بالحق يابت ! …. هو فين ؟!
أشارت حميدة لباب كبير عن جميع أبواب غرف المنزل جميعها وقالت :
_ هناك أهو …. روح اتبسط شوية …
ركض الصبي للجهة المشار إليها بسعادة …. فقد كان يرى تلك الآلات الرياضية التي يستخدمها الرجال ذو العضلات الضخمة ويتمنى أن يصبح مثلهم …. ولم يطرق الباب حتى بل فتح الباب دون استأذان ….
نظر له جاسر بعدما وضع حمل ثقيل من الحديد وصدره العاري يقطر حبيبات العرق …. فنظر له الصبي بأنبهار وقال:
_ أنت زي اللي بيطلعوا في التلفزيون ! …. هي العضلات دي بتتعمل أزاي ؟!
وفجأة توقف بضيق من نفسه … فقد كان يتذكر كلمات عمته وتحذيرها ولكنه لن يستطع نسيان ما سمعه بتلك البساطة ! …. فقال مقتطب الوجه :

 

 

_ بالأذن … أنا خارج.
كان رعد منشغل بضربات الملاكمة ولم يلتف للصبي بأدنى التفاته ….. وآسر يستخدم آلة يجلس عليها لتقوية عضلات القدم والظهر فلم ينتبه للصبي من الأساس …. أشار جاسر للصبي وقال :
_ لأ تعالى …
وقف الصبي بتردد حتى اقترب منه جاسر وهو ممسك بكوب عصير طازج ويرتشف منه القليل ….ثم قال :
_ لو عايز تتمرن هعلمك …. هو مش أحنا كنا صحاب ولا نسيتنا ؟!
نظر الصبي له بعتاب على ما فعلوا بالريف … ففهم جاسر ما يجول بداخل الصبي فقال بتفهم :
_ أنا عارف أنك زعلان مننا …. بس هفهمك اللي حصل ، لكن اوعدني هتكون معانا !
نظر الصبي له بتردد وقال :
_ لو طلعتوا معاكوا حق هكون معاكم اكيد … بس يعني حق إيه بعد اللي سمعته بوداني ؟!
توقف رعد عن رد الضربات للحامل الرملي وخلع قفاز يديه الثقيلان ، ثم استدار للصبي وهو يجفف جسده بالمنشفة :
_ ما هو اللي سمعته ده جزء بسيط من الحقيقة مش كلها …
واجلس جاسر الصبي على مقعد خشبي مريح ثم جلس قربه وبدأ يتحدث … حتى روى له كل شيء تقريبًا … وكان لابد أن يجعل الصبي بصفهم … فهو يستطع التأثير بشكل ايجابي على الفتيات …. وبعد دقائق طويلة نظر الصبي نعناعة لجاسر بحيرة …. فقال آسر الذي ترك التمارين وانضم للشباب حول الصبي :
_ اعتراض رعد مكنش على رضوى رغم انه ظهر كده بالفعل ….. أنما أنت حتى لو أصغر منا بس شاب وهتحس بينا برضو …. رد الفعل ده بسبب ضغط جدي كل السنين اللي فاتت ….
واستغل رعد أن الصبي بدا عليه الميل لتصدقيهم وأضاف :
_ أنا عايز اتجوزها والقرار ده من قبل ما أعرف أنها بنت عمي …. فأزاي هغير قراري بعد ما عرفت …. أنا بس ماحبتش أنها تتفرض عليا هي كمان .
نظر الصبي له بتعجب ولم يفهم تلك المسألة المعقدة وقال :
_ تتفرض عليك أزاي وأنت عايز تتجوزها من الأول ؟!
ابتلع رعد ريقه وقد تأكد من ظنه بأن الصبي لن يفهمه …. فقال آسر موضحا :
_ هفهمهالك ….. أنت مش عايز تتعلم وتنجح وتتفوق كمان؟
رد الصبي بجدية :
_ ايوة طبعا
فأضاف آسر مضيفا :
_ أنا فاكر أنك قولتلي في البلد أن الاساتذة بيعاملوك وحش وبيضربوك عشان تتعلم ….. ورغم أنك عايز تتعلم لكن ما كملتش بسبب الضغط والاجبار ! … صح ؟
بدأ الصبي يفهم المغزى وأجاب بصدق :
_ صح والله … كل شوية ذاكر واحفظ ذاكر واحفظ … لحد ما بقيت لا عايز أذاكر ولا بحب احفظ !
قال آسر وقد وصل للهدف الأساسي :
_ أهو رعد حصله اللي حصلك بس بشكل مختلف … هو كان عارف أن جدي كالعادة هيجبرنا على الجواز من بنات عمنا زي ما عمل في كل حاجة في حياتنا …. لما ده حصل رعد رفض أنها تتفرض عليه ويحس الاحساس ده تاني …
وقال رعد بصدق معترفا :
_ كنت غبي واتكلمت بشكل ماينفعش بس كان غصب عني ومستعد للأعتذار لحد ما ترضى …. أنما هي زي ما أنت شايف كده !
فهم الصبي الآن كل شيء وقال لرعد بضيق :
_ أنت جيت على اغلب واحدة في البنات وجرحتها!.. والطيب زعله وحش أوي ….. ويمكن أنا فهمت اللي حصل …. بس هي مش هتفهم ده بسهولة …. ما هو محدش بيسيب جرحه بينزف ويروح يطيب جرح غيره يا دكتور ولا إيه ؟
هز رعد رأسه متفهما الخطأ الغبي الذي ارتكبه وقال معترفا :
_ عندك حق … بس أنت مصدقني ؟
تطلع به الصبي لدقائق ثم قال :
_ مش مهم أنا أصدقك …. المهم هي

 

 

*********
عند دخول المساء …وتحديدًا وقت وصول وائل ووالديه وأشقائه الشباب الأثنان ….
استقبلهم الجد رشدي ووجيه استقبال مرحب …. بينما أخذت جيهان وليلى والدة وائل لصالون قريب من الرجال ليتحدثن بحرية أكثر…. حتى أتى جاسر مبتسما وقال لوائل بعد ترحيب مزيف بهم ونظرة وكأنها تضمر شيء:
_ ما تيجي يا شباب نقعد شوية في الجنينة ؟
ضيق وجيه نظرته على جاسر ووجه اليه نظرة تحذيرية بألا يفعل شيء يسبب لهم ولو شيء بسيط من الاحراج! … ولكن يبدو أن جاسر في خططه شيء وينوي تنفيذه بكل الطرق !
ونجح في أخذ الشباب الثلاث للحديقة.
واستقبلهم رعد ويوسف وآسر في الحديقة بنظرات متحدية ….. همس رعد قائلًا :
_ مش هتقابله …
رد يوسف بتحذير :
_ وائل مش سهل زي ما أنت فاكر …. لو داخل على طمع يبقى أنسى أنه يبعد.
ابتسم رعد بسخرية وعينيه تلاحق المقتربين عليهم :
_ اومال داخل على إيه ؟! ….. هما دول بيهم شيء غير الفلوس ولا ناسي سلمى أخته وموضوعها معايا ؟
قال آسر بنفي :
_ سلمى كانت بتحبك يا رعد ما تنكرش !
رد رعد بعصبية :
_ بتحبني … بس اللي شجعوها أهلها … اللي باصين لكل حاجة نملكها …. ودلوقتي التلات فيران دول جايين من ناحية تانية ….. بس والله ما هما طايلين حاجة …
واجتمع الشباب جميعهم بعد مصافحة جافة حول طاولة كبيرة بالحديقة وحولها مقاعد خشبية …. نظر رعد لوائل قائلا ببعض السخرية :
_ منور يا وائل .
شعر وائل وكأنه وقع بفخ من وجوده هنا مع هؤلاء الخبثاء الأربعة …. فقال بثبات وأخفى قلقه:
_ بنورك يا رعد ….مالحقتش اتكلم معاك يوم فرح عمي وجيه !
ضحك رعد باستهزاء وقال :
_ هو أنت كنت بتتكلم غير مع البنات يابني ! … شكلك مالكش في قاعدة الرجالة !
وضحك الشباب سوى وائل ورعد المتشابكة أنظارهما في عدائية ظاهرة ….. فزفر وائل بملل وقال :
_ احنا قاعدين هنا ليه ؟! … تعالوا ندخل نقعد معاهم جوا ! …. وبعدين ماينفعش نتكلم انا والآنسة رضوى هنا كده !
التهبت عين رعد بالغضب ونظر له الشباب الثلاث بترقب ….. بينما أشقاء وائل التزموا الصمت تمامًا ….. فقال رعد بفضب لم يردع ظهوره :
_ أنت مش قاعد مع حد ! ….. لما احنا نوافق عليك نبقى نخليك تقعد معاها !
ابتسم وائل بسخرية وادرك مدى غضب رعد من طلبه للزواج من رضوى تحديدا ….. فأثاره هذا الغضب ليصمم أكثر على الزواج منها … فأجاب بهدوء مستفز :
_ زي ما تحب يا رعد …. أحنا أهل وعيلة واحدة ومش هنختلف ….. تحب تتكلم في ايه دلوقتي؟
يبدو أن وائل يلعب لعبة خطرة … ومثلما قال يوسف عنه بأنه خبيث ليس بالسهل ….. فادرك جاسر من نظرات وائل مدى تلاعبه بالكلمات ….. فنظر لكوب عصير على المائدة وابتسم بمكر … ثم مسك جاسر الكوب ووضعه أمام وائل قائلا :
_ طب أشرب وروق كده يا وائل … على ما اروح اخلي الخدم يحضروا العشا …. أشرب الليمون وأهدا …اهدأ ها …
واتسعت ابتسامة جاسر اتجاه رعد …. وتعجب يوسف من غمزة جاسر لرعد ….ونظر لكوب العصير الذي بدأ يرتشف منه وائل بالفعل …. والعجيب أن رعد كان ينظر له بابتسامة ونظرة ضيقة خبيثة كأنه ينتظر شيء !

 

فطن يوسف وتبين له أن خلف تلك الابتسامة الماكرة التي تتراقص على وجه رعد بخبث لم تكن بالصدفة أو للاشيء … بل تأكد بحدسه أن رعد يخطط لشيء خطير، ويبدو أن جاسر متعاون معه أيضاً أو حتى المصدر الرئيسي لتدبير المكائد، اما آسر يبدو على علم ولكنه غير راضٍ بما يحدث …كالعادة !
زفر يوسف واطلق زفرة حارة حملت ضيق شديد منهم على حجبهم عنه لما يخططون إليه من وراء ظهره!، كأنه أصبح فجأة غريب عنهم ويخشون من إفشاء مخططهم !
وأتت أحدى الخادمات ووضعت أمامهم صينية كبير من المشروبات من نوع عصير آخر على الطاولة …
فأشار لهم آسر بلياقة أن يحتسون المشروب البارد قليلًا … وفي تلك اللحظة وضع وائل كوب شراب الليمون الشبه فارغ وقال شاكرًا :
_ لأ أنا تمام كده.
والذي أكد ليوسف ظنه هو تبدل أسلوب رعد المرحب فجأة وقال لوائل بابتسامة واسعة :
_ لا طبعا ماينفعش … هو احنا بنتقابل كل يوم !
وعلى رغم أن المتوقع من وائل هو الغرابة والتعجب من ترحيب رعد المفاجئ، لكنه استغل ذلك الترحيب وبدأ يرمي النكات، الكثيرة منها المضحك ومنها السخيف.
وبعد ما مضى أكثر من العشر دقائق بدأ يظهر على وائل أعراض غريبة مثل تغير في المزاج المرح إلى التقطيب والضيق الغير مفهوم ! …. وبعض شحوب الوجه والتقلب في جلسته متوتراً …. ثم قال وهو يهب واقفا فجأة :
_ ثواني وراجعلكم …
ولم ينتظر حتى أن يجيبه احدًا فقد ركض تقريبًا للداخل … بدا رعد شاردًا بعض الشيء ولم يبدو عليه أي بوادر انتصار وكأن المتوقع ليست تلك الأعراض فقط!

 

 

 

*******
كان جاسر يجلس على احد الآرائك بالردهة ويضع ساقا على ساق بانتظار الفوضى المخطط لها، فلاحظ خطوات وائل المتسارعة اتجاه حمام الطابق الأرضي …. فرفع حاجبيه ببعض التعجب وظن أن تلك بعض الأعراض الجانبية …فابتسم بمرح .
وخرج وائل بعض قليل ورغم أن شحوب وجه أزداد ولكنه بدا هادئا، يسير بإرياحية اتجاه الحديقة مجددًا …. نظر جاسر لساعة معصمه ولاحظ أنه مر أكثر من ربع الساعة فبدا مستغربًا !
مفعول ذلك القرص لن يستغرق اكثر من ذلك ليظهر نتيجته في الهلوسة … فما الأمر ؟!
بعد دقيقة أتى رعد من الداخل وتبعه آسر ايضا … ووقف أمام جاسر غاضبًا وقال :
_ المفروض أنه كان دلوقتي مهيبر ومش في وعيه … مش معقول تكون دماغه تقيلة للدرجة دي أن الحباية ما تعملش مفعولها !
وقف جاسر بدهشة لم يكن أقل من رعد انفعال وقال :
_ أنا برضو استغربت ! … معقول يكون متعود ياخد البرشام ده عشان كده متأثرش !
قال آسر بثبات قبل أن يعلن عن ما يخفيه :
_ تعالوا نتكلم بعيد عن هنا عشان محدش يسمعنا
نظر جاسر ورعد له بشك من ثباته هذا … ولكنهما رافقوه حتى صالة الجيم وهي أقرب شيء لهم يستطيعون أن يتحدثوا فيه دون أن ينتبه لحديثهم أحد ….
وبداخل صالة الچيم …
وقف آسر متنهدا قبل أن يفصح عما فعله دون معرفتهما :
_ بصراحة كده … أنا محطتش البرشامة اللي انتوا جبتوها معرفش منين ! … أنا حطيت مُلين وبرضو مش هيعرف يقعد على بعضه لأن المُلين ده مفعوله قوي ومش هيرتاح منه غير بعد مش أقل من ٤ساعات … تكون المقابلة انتهت ونفذنا برضو اللي احنا عايزينه.
جن جنون رعد وجره من ياقة ملابسه وهزه بغضب قائلا :
_ أنت بتتصرف من دماغك ؟! …. لو مكنتش موافق كنت أخرج منها وسيبنا نتصرف لكن ما تتصرفش من دماغك وتبوظ كل اللي عملناه بغبائك !
تخلص آسر من قبضة رعد العنيفة وقال له بعصبية :
_ عايز تحطله مخدرات ! …. ما فكرتش في اللي بعد المقابلة ولما عمك عاصم يكتشف اللي حصل لابنه ! … ماهو اكيد مش غبي عشان ده يحصل ومايعرفش أننا اللي وراه ! … ومش هيسكت!
بدا جاسر مفكرًا بحديث آسر وثابتًا … على نقيض رعد الذي تلون وجهه بلون الدم من لهيب الغضب بداخله …فأضاف آسر بتأكيد:
_ والعيلة كلها كانت هتعرف وأولهم رضوى وهتعند معاك أكتر … لأن ببساطة وائل كان هيقنعها بمليون دليل أنه مش بيتعاطى مخدرات … لما اقترحتوا اعترضت وانتوا صممتوا برضو …! مالقيتش حل غير أني انفذ اللي في دماغي واللي برضو مش راضي عنه ! …. لكن مكنش قدامي حل غير كده.
فتح يوسف باب الجيم وظهر على وجهه أنه سمع حديثهم … دخل وأغلق الباب خلفه بعصبية ، ثم التفت إليهم بنظرات تختلج ما بين العتاب والغضب لما فعلوه … فقال لرعد بانفعال :
_ ما اتعلمتش من اللي فات برضو ! …. في وقت عصبيتك بتتعامل بغباء وما بتحاولش تفكر صح ! …
تأفف رعد واستدار لجهة أخرى بنفاد صبر وهو يقول :

 

_ الاستاذ وعظ وصل !
جذبه يوسف من يده لينظر له وقال بعصبية :
_ أنا مش بوعظك أنا يهمني مصلحتك ! … أنا عارف ليه ما قولتليش … لأنك متأكد أني مش هوافقك على الرأي ده ! …. احمد ربنا أن آسر اتصرف كده وإلا كنت هتحطنا كلنا في موقف زي الزفت ! … مع أن برضو هيتشك فينا في كل الأحوال، بس الملين ارحم بكتير من المخدرات ومش هيتسبب في كارثة كانت ممكن تحصل !
شعر جاسر بالغباء من تصرفهم هذا وقال معترفا :
_ احنا اتسرعنا يا رعد فعلًا …. و
وهنا انتهبوا جميعا إلى صوت قرع على الباب ، فذهب يوسف ليفتحه ووجد الصبي يقف قائلا بوجه متوتر :
_ تعالوا بسرعة … وائل تعبان أوي وعمي وجيه عايزكم .
نظر يوسف لهم في غيظ وخرج سريعا خلف الصبي، فقال آسر بقلق وبعض التعجب :
_ ربنا يستر …. بس الملين مش هيوصله للتعب ده يعني!!، ده اقصى شيء ممكن يحصل هيجيله اسهال !
لم يبدو على رعد أي قلق وكأنه تمنى أن يذهب هذا الوائل إلى الجحيم بأي طريقة …
********
الجميع التف حول وائل في الردهة وهو يضع يده على بطنه ويتألم بشدة وأمه تبكي وتنتحب وممسكة به وهو يقول بألم :
_ مش عارف حصلي إيه ؟!…. جاسر ادني كوباية عصير ولما شربتها كأني شربت سم ! …. أنا عمري ما حسيت بالألم ده في معدتي !
رفع آسر حاجبيه بدهشة ونظر لجاسر الذي اسودت عينيه من الغضب لهذه المسرحية المفتعلة … وتمتم رعد بشراسة:
_ مكنش خسارة فيه الحباية ….
فغمغم جاسر بخفوت بنظرة غاضبة لوائل وتتوعده بالانتقام:
_ طب كويس انك جبتها عندي … أنا هعرفك مقامك كويس .. بس مش وقته.
اجتث وجيه نظرته الغاضبة من على جاسر ورعد تحديدًا ، وتقدم إلى وائل قائلًا بهدوء ليطمئنه. :
_ تعالى معايا المستشفى وهتكون بخير ما تقلقش … اكيد ده مالوش علاقة بالعصير احنا مش هنحطلك سم يعني !
تظاهر وائل بالألم الشديد، والتمادي في تمثيله الذي لم يتقنه كثيرًا ولكن بهذا الوقت لن يكذبه احد مهما كان شكه…. وقال

 

معتذرا لوجيه :
_ أنا أسف يا عمي وجيه مش قصدي، بس والله هو ده اللي حصل أنا مش كداب حتى اسأل يوسف وآسر … ورعد كان زهقان عليا ورافض آنسة رضوى تقعد معايا معرفش ليه ! …
ورد عليه أشقائه الأثنان مؤكدان ما قاله شقيقهما وائل….
وتدخل عاصم بعدما انتبه لتلميح إبنه المريب وفهم مغزاه، فقال بعصبية قاصدًا كل كلمة وكأنه يهدد :
_ لأ أنا هاخد أبني واوديه لأقرب مستشفى ما تقلقوش عليه … شكرًا على الضيافة يا دكتور وجيه !
ووضعت تلك الكلمات وجيه بموضع أحراج شديد وموقف لا يحسد عليه، ولم يستطع لأول مرة أن يرد عليه ويضعه عند حده! …. وبعدها وقف الجميع ينظرون بصمت وعلى وجوههم التوتر والريبة مما ستؤول إليه الأمور …. حتى أن الجد لم يبدي أي كلمة من صدمته بما يحدث أمامه ! … وشعوره أيضا بالذنب لكل ما يفعلوه الشباب.
وبعدما غادرت عائلة عاصم جميعها وهو يساندون وائل الذي وكأنه ابتلع سما حقيقيا ويتلوى متوجعا بزيف، خرجت رضوى التي راقبت المشهد كاملا من غرفتها وخلفها الفتيات .. وقفت بالردهة وقالت بعصبية وهي تشير لرعد بتهديد :
_ أنت اكيد اللي ورا اللي حصله ! … وبعدين مين ادالك الحق أنك تقرر أقابله ولا لأ؟! … ده شيء يخصني أنا وبس !
اسودت عين رعد بشعور قاتل من الغيرة والحب والغضب من دفاعها عن رجل آخر حتى تجهل معرفته للآن ! …. ورد عليها بصوتٍ عنيف :
_ مايخصكيش لوحدك القرار ده ! …. وبعدين بدافعي عنه كده ليه! هو أنتي لسه حتى عرفتيه ولا قعدتي معاه ! … ولا أنتي وخداه عند وخلاص المهم أي واحد تستخدميه عشان تنتقمي مني !
وعلى رغم أنه بحديثه بعض الحقيقة ولكنها ارتجفت من الكراهية التي شعرت بها فجأة اتجاهه، فرفعت يدها تصفعه بعدما اعمى الغضب ادراكها بجميع من حولها تمامًا… ولكنه قبض على يدها قبل أن تهوي على خده بصفعه مدوية، وتطلع بعينيها الكحيلة التي يشبه لون حبتها لون العسل الصافي، والواقع فيهما كليًا ، وتمتم في تحذير شرس :
_ ما تفكريش تعمليها تاني ، بما أنك مراتي المستقبلية يعني.
ورافق ارتخاء قبضته على يدها نظرة متلاعبة ماكرة بعينيه تضمر شيء ، فرمته بكل ما في قلبها من غضب ظهر بحدة صوتها وقسوته :
_ ده ابعد حتى من أحلامك ، وكل اللي بتعمله ده ولا يحرك فيا شعرة حتى … وأن كانت المقابلة دي انتهت فمش هتكون الأخيرة … ولا هو هيكون أول واحد يتقدملي !
تدخل وجيه بصوتٍ حاسم بالا يتحدث أحد مجددًا، قاطعا شوط من الصراعات بين رعد ورضوى وتعكر كل شيء بينهما…وقال:
_ لو سمحتي يا رضوى روحي أوضتك دلوقتي …
التفتت رضوى لعمها بنظراتها التي تمتلئ غضب والدموع رافقت كل هذا أيضا …وقالت بدهشة من جملته :
_ يعني أنت يا عمي عجبك اللي عمله؟!
تنهد وجيه بقوة وادركت ليلى وهي تنظر له من بعيد مدى غضبه الذي يخفيه ونخزها قلبها قلقا عليه….. حتى جذب وجيه يد رضوى بلطف وأخذها إلى غرفتها …. وعندما ادخلها ربت على جانب وجهها بنظرة حنونة وقال :
_ أنا حاسس بيكي، ومقدر زعلك وفاهم اللي بتمري بيه …. وعارف برضو أن أي كلام عن رعد دلوقتي مش هتصدقيه …. بس نصيحتي ليكي والنصيحة دي أنا جربتها شخصيًا ومريت بكل أحداثها …. ما ترتبطيش بحد لمجرد العند … محدش هيدفع تمن القرار ده غيرك أنتي … والقرار الصح له مدة ، وممكن على ما تفوقي تكون المدة انتهت وتندمي … والندم مش بيرجع اللي ضاع مننا … بس بيلون حياتنا بالعذاب…. فكري كويس وبهدوء … واوعدك أن رعد مش هيعمل شيء يضايقك تاني.
وربت مجددًا على وجهها بلطف ثم تركها بالغرفة ودخلوا الفتيات لغرفتها واغلقوا الباب عليهن …
عندما خرج وجيه كان أبيه عاد لغرفته، وجيهان كذلك لم تريد التدخل بينهم فصعدت لغرفتها …. بينما ليلى كانت قلقة عليه وأرادت التحدث معه ولو قليلًا فظلت واقفة تنتظره …. ونظر وجيه للشباب الأربعة في نظرة الهدوء ما قبل العاصفة … نظرة لا تنذر بالخير….. فأشر لهم بيده أن يسبقوه لغرفة مكتبه بالمنزل قائلا :
_ تعالوا ورايا .
ذهب الشباب للمكتب خلفه وتبقى ليلى والصبي نعناعة فقط …. فتمتمت بدعاء أن يمر الامر بسلام، حتى قال الصبي بقلق

 

:
_ بأذن الله هتعدي …. بعد أذنك هطلع عند عمتي.
وكان الصبي يستأذن بأدب بكل حركة يخوضها داخل المنزل ….. فتركته ليلى يصعد دون كلمة وجلست على أحد الآرائك بالردهة تفرك يديها ببعضهما في قلق …. على رغم تأكيدها أن وجيه سيتصرف على الوجه الأمثل وبمصلحة الجميع، ولكن سيتحمل الكثير من التوتر والضغوطات حتى تتصلح الأمور بين جميع أفراد العائلة…
وتجهمت عندما تذكرت تعابير وجهه عندما تحدث عاصم بعصبية وأخذ عائلته وغادر !
فنظرت ليلى للمكتب وبداخلها رغبة هائلة للأنفراد به ولو قليلًا، وطمأنته وتبديل عصبيته حتى يهدأ.
********
وقف وجيه أمام الشباب الأربعة في مكتبه … وبدا على وجه رعد تحديدًا التحدي والتصميم ….
تنهد للحظات ناظرا لرعد مفكرا ثم قال بعصبية :
_ عملتله إيه خلاه في الحالة دي ؟!
رد آسر معترفا :
_ أنا حطيتله مُلين يا عمي ، يمكن يحس بشوية مغص بس مش لدرجة أن يحصله كده ! ….
وبعدها قال رعد بنرفزة وغيظ شديد :
_ ده تمثيل انتوا صدقتوه ؟!
سخر وجيه منه وقال ببساطة :
_ لأ طبعا مصدقتش بس هو طلع أذكى منكوا ورماها عليكوا … وبدل ما يطلع خسران خلى شكلكم وحش واتهمكوا باللي جراله… ولو طلب مقابلة تانية طبعا مقدرش أرفض ! …. مكنتش متخيل أنكم بالغباء ده !
تحدث يوسف مدافعا عن نفسه وقال :
_ أنا مكنتش أعرف يا عمي، أنا عرفت بالصدفة والله.
زفر جاسر بغيظ وقال بتصريح قاله من غيظه من وائل وخبثه :
_ أنا كنت هحطله قرص (…) ، كان هيهبر وهيهلوس ومكنش هيبقى طبيعي… بس للحقيقة آسر بدل القرص بمُلين … وبعد اللي قاله الحيوان ده ياريت آسر ما كان بدله … على الأقل كنت شفيت غليلي منه.
اتسعت عين وجيه بصدمة وبلحظة اندفع اتجاه حاسر وجره من ياقة قميصه وهزه بعنف ونظرة شرسة :
_ مخدرات !! …. انت جيبت القرص ده منين أنطق وإلا اقسم بالله ما تقعد هنا لحظة ؟! … أنت بتتعاطى يا جاسر !
صدم جاسر من ظن عمه فيه وقال بنفي ودفاع صادق :
_ بتعاطى إيه يا عمي بس ! … لا والله العظيم هو انا حتى بشرب سجاير لما اتعاطى ! …..
هزه وجيه بشراسه وصاح :
_ اومال عرفت تجيبه منين ؟! …. الحاجات دي مش بتتجاب غير يا من المجرمين يا تحت استشارة الدكتور ولأمراض معينة عشان الألم …. ومستحيل دكتور يديهولك من غير دليل أن حد عندك مريض …. يبقى جيبته منين !
اعترف جاسر وقال ببعض الندم :
_ ده واحد صاحبي أخوه عنده الكبد وبياخد جرعة بسيطة من البرشام ده عشان تسكن الألم … فخدت واحدة منه تحت ضغط كمان … محدش يعرف غيره والله.
نظر له وجيه بعنف محاولا اكتشاف أن كان صادقا أم كاذب …. فدافع رعد عنه وقال بتأكيد :
_ الكلام ده حقيقي وحصل قدامي… يا عمي أحنا مش بتوع الكلام ده وجيبناه لهدف وأهو ما اتحققش اصلا !…
دفع وجيه جاسر بعيدًا عنه وزفر بقوة بعدما شعر بالذعر من مجرد الشك بأن جاسر يتعاطى تلك العقاقير المحذورة والمدمرة….. ولكن غضبه منهم لم يهدأ بعد وصاح بهم :
_ انتوا عارفين لو كان ده حصل كانت النتيجة هتكون ايه ؟! …. عاصم مكنش هيسكت وهيردها بأي شكل وبأي طريقة… ومش هقدر اغلطه لأن لو واحد فيكم اتعرض لموقف زي ده مكنتش هغمض عيني غير لما ارجعله حقه وازيد كمان … احمدوا ربنا أنها جت على اد كده …. عاصم مكنش هيأذيكم انتوا بس ،كان هيتكلم على بنات أخويا كمان ومش هيرحم حد.
اضطربت عينان رعد وبدأ يشعر بالتشتت ووصل الحال به لأن يشعر أنه عاجزا ولا يستطع التفكير بأي طريقة ليحل بها الأزمة ….. فقال يوسف محاولا تهدأت عمه بعض الشيء:
_ وائل كان بيمثل وده واضح وأبوه عارف ومثل هو كمان وعملوا حوار بايخ ….. وعلى فكرة هيطلبوا يجوا تاني وتالت كمان ….. المشكلة دلوقتي أن وائل بكل سهولة هيقول لرضوى وهيأكدلها أن رعد السبب في اللي حصله ، وطبعا بدون نقاش هتصدقه

 

….
هز وجيه رأسه بغيظ منهم بيأس وهتف بعصبية :
_ ضيعتوا كل اللي كنت بفكر فيه بتصرفكم الغبي ده ، ولا انتوا فكركم أني مش عارف أنهم داخلين على طمع ! …. عاصم لما عرف أن حميدة اتخطبت ليوسف من جدكم ، اتقدم لجميلة وسما لولاده التانيين بشكل مباشر … يعني مافيهاش تلميحات تاني ! ….
صرّ جاسر على أسنانه بغضب وقال هاتفا بشراسة :
_ ولاد ال …… محدش فيهم هيدخل البيت ده تاني ! … ومحدش يحاسبني على اللي هعمله !
صاح وجيه بعصبية بوجه جاسر وحذر :
_ اياك يصدر منك أي فعل غبي من افعالك ، أنا كل ما احلها تيجوا انتوا تخربوا كل اللي ببنيه في لحظة ! ….. مين اللي قالك أني كنت هوافق بسهولة كده ! …. ولا أزاي أبقى عارف انهم طمعانين فينا واسلمهم بنات أخويا كده بالساهل ! …. بس الرفض المباشر من غير سبب مش حل … والرفض من غير ما اتكلم مع البنات واخد رأيهم هيخليهم يعملوا نفس اللي بتعمله رضوى …. وزي ما قالت رضوى بالضبط … ده مش هيكون أول عريس يتقدم !
يعني مش هنفضل كده كل ما يتقدم حد ليهم ! ….
قال آسر بعصبية :
_ طب اقولنا نعمل إيه وهنعمله، المرادي هنسمع كلامك ومش هنعمل أي حاجة من دماغنا …. بس اوعدنا انك تحلها.
رفض وجيه وقال ساخرًا فلم يعد الحل سهلًا هكذا بعدما حدث:
_ مع تهوركم ده مقدرش أوعد بحاجة مش مضمونة ! ….. اثبتولي الأول أنكم مش هتتهوروا تاني وتتصرفوا من ورايا …. وشوفوا انا هعمل إيه ! …. وشوفوا لما يوسف اتقدم لها واثبتلها إنه بيحبها وشاريها بجد عملت إيه من غير حتى ما يكلمني….
تقدم رعد خطوتين ووقف أمام عمه وقال باعتذار حقيقي واعتراف بالخطأ:
_ أنا أسف يا عمي على اللي أنا عملته …. حقيقي بتأسفلك ومش عايزك تزعل مني … واوعدك مش هتهور تاني بس عشان خاطري حاول بأي طريقة تحلها …. أنا مش متخيل أنها تكون لغيري ! … يمكن عشان كده بتصرف بعصبية ومن غير تفكير.
جعل أسف واعتذار رعد أن يبدد ويدحض تلك السحابة المظلمة بالغضب بعقل وجيه … فتنهد وجيه ليفرغ صدره من الغضب وقال مؤكدا :
_ يبقى سيبني اتصرف يارعد وثق فيا …. أنا مش عارف انتوا ليه مش متأكدين أني يهمني سعادتكم ومصلحتكم ؟!
انتوا ولادي … يعني مستحيل أكون عارف أن في حاجة ممكن تسعدكم وابعدكم عنها … لكن أنا بتصرف بعقل، لأن في أطراف غريبة ماينفعش اتعامل معاها بعصبية …. كل شيء بأذن الله هيتحل وبرضا الجميع … ومن غير مشاكل لأي حد .
ابتسم جاسر بمكر وقال وهو يضع يديه بجيوبه في ثقة وزهو :
_ يعني هنتجوزوهم يا عمي ؟
ابتسم وجيه رغما عنه له وقال بسخرية :
_ أنت بالذات حلال اللي بتعمله جميلة فيك ! …. لكن للأسف مش هكون مطمن على واحدة فيهم مع حد غريب … انتوا رغم طيشكوا ده بس متأكد أنكم هترتاحوا مع بعض وهتستقروا ….
تنهد جاسر بابتسامته الماكرة وقال بنظرة شاردة قليلا وكأنه ينسج بخياله احلاما تروقه:
_ آه والله … هرتاح معاها أوي أوي أوي يعني.
ضحك الشباب عليه وخاصة عندما تطلع به وجيه بنظرة محذرة رغم أنه أراد بقوة أن يبتسم ..
***********
وبعد أن خرج الشباب من غرفة المكتب … انتظر وجيه لبعض الدقائق مفكرا بالمسألة في ضيق مما سينتج عنه هذا التصرف … وبدأ يفكر في الحلول …. ولكنه خطر بباله فجأة أن الوقت متأخرًا ولا بد أن يصعد لغرفته ليأخذ قسطا من النوم ….
وقد غفل لساعاتٍ أن بدءً من اليوم سينقسم وقته بين زوجتيه …. واليوم مع الأسف سيذهب إلى جيهان ….
زفر بضيق شديد، وكم تمنى أن كان هذا اليوم لحبيبته ليلى …. هي الوحيدة التي تستطع الآن أن تبدل مزاجه السيّئ هذا …. ولكن مع أسف قلبه للواقع لن يستطع تغيير مساره ….
خرج من المكتب وصعد خطوات ثقيلة على الدرج المؤدي للطوابق …. وعندما صعد الخطوات حتى الممر كاد أن ينظر لساعة معصمه بحركة لا إرادية….وجد نفسه فجأة مشدودا بواسطة يد رقيقة استطاعت ايقافه اخيرا بقرب ستارة ثقيلة على أحد الجوانب …
اقتربت منه ليلى بنظرات قلقة، وقالت بلهفة وهي تحسس على جانب وجهه برقة بأحدى يديها:
_ استنيتك تحت كتير عشان اطمن عليك بس اتأخرت …. خوفت من العصبية اللي كانت ظاهرة عليك وقت ما الضيوف مشيوا … أنت بخير ؟
نظر لعينيها القريبة منه جدًا ، وشعر بلمسة يدها الاخرى التي على رغم رقتها ولكنها استطاعت جذبه بتلك القوة والسرعة ! ….. فابتسم ببطء وبمكر وهو يتطلع بعينيها بدقة …. وهنا كأن كل ما حدث منذ قليل لم يكن أو كان منذ زمنً بعيدًا ومضى طي النسيان..
وتعجبت وارتبكت من صمته ونظراته المتنقلة ببطء على عينيها … ولكنها ابتسمت لتلك الابتسامة التي ارتسمت على ثغره ببطء…. فقال بغتةً وبهمس :
_ مكنتش بخير …. بس دلوقتي أنا بكل خير…. تمام جدًا
وقربها اليه بقوة وعاد همسه قائلا بمكر عينيه :
_ في حد عايز يطمن على حد يعامله بالعنف ده؟! … أنا في لحظة لقيت نفسي وكأني هتخطف !
ضحكت بخفوت وقالت بتحدي مرح وعينيها مسلطة على نظرته المتطلعة بها في ثبات :
_ آه هخطفك … والله معرفتش أنام غير لما اطمن عليك.
اتممت اجابتها بصدق دون وجود للمزاح ….فضمها بحنان وهمس بأذنيها قائلا :
_ ده أنتي العيشة معاكي تقصر العمر !
تجمدت ليلى بمكانها وابتعدت ناظرة له بصدمة … حتى ضحك بقوة وظهرت اسنانه البيضاء اللامعة بضحكة نابعة من قلبه

 

صادقة …..وقال مصححا :
_ أقصد الوقت بيعدي معاكي لحظة مهما طال والله! …. تخيلي اليومين اللي فاتوا محستش عدوا أزاي ! …. كأنهم دقيقتين وعدوا من غير ما احس ! …
وكان اصعب ما عليها أن تتركه الآن ولكنها قالت أخيرًا :
_ هقولك تصبح خير قبل ما تقولهالي أنت وتمشي .
جذب يدها بعدما ابتعدت خطوة … ولكنه قربها أكثر من تلك الخطوة وهمس باشتياق :
_ خليكي شوية .
نظرت له بعينان يملأهما اللهفة والعشق … ولكن عندما تذكرت جيهان…عادت قائلة بغصة مؤلمة عالقة بحنجرتها:
_ ماينفعش يا وجيه … أنت مش ليا لوحدي … هتوحشني أوي لحد بكرة.
فهمس مع نظراته التي تحمل من الحب ما يفوق كل ما تتخيله :
_ طب ولما يجي بكرة ؟
قالت مبتسمة :
_ هتوحشني أكتر.
*********

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *