رواية يناديها عائش الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش البارت الثاني والأربعون
رواية يناديها عائش الجزء الثاني والأربعون
رواية يناديها عائش الحلقة الثانية والأربعون
يكفي أن يُحلق قلبي فرحًا كلما رأتكِ عيني لـ “نرمينا ”
********
بعد أن ارتدى كريم ملابسه، ذهب ليفتح الباب و آلاف الأسئلة تحوم بداخله عن هوية تلك الفاتنة و ماذا تريد منه ولماذا تتحدث معه بتلك المياعة وكأنها كانت على علاقة معه يومًا ما !
وجدها تبتسم له و كأنها عشيقته فتساءل ببرود
–مين ؟
ردت بصوتها الناعم
–رودينا.. جارتك في العمارة.. مأجرة الشقة اللي جنبك انهارده
زفر بملل ليقول
–اممم و عايزه إيه برضه مش فاهم !!
استغربت “رودينا” من لهجته الحادة معها، ففي حياتها لم يحدثها رجل بذاك البرود، بل جميعهم يتهافتون لينالوا منها ولو ابتسامة فقط، فكيف له أن يتكلم معها بتلك العجرفة !
قالت بخجل مصطنع
–بصراحة كنت عاوزه من حضرتك طلب
–اتفضلي
–الصالة مفيهاش لمبة.. ممكن تركبلي واحدة ؟
قالتها بـ إبتسامة بريئة أخفت وراءها خطتها الخبيثة.. رد كريم بلامبالاة وهو ينظر في اتجاه آخر كأنه يخبرها أنه لم يفتن بجمالها ولا تعني له شيئًا
–حد قالك إني كهربائي ولا حاجة ؟؟
–عادي يعني.. اللمبة مش محتاجة كهربائي
–خلاص ركبيها أنتِ
قالها وهو ينظر لها بـ اشتمئزاز من ملابسها الغير لائقة ثم أغلق الباب في وجهها و تركها واقفة في حالة من الاندهاش و الصدمة.. عاد ليفتح الباب ثانيةً و أردف بنبرة تحذير
–بقولك ايه يا أستاذه رودينا
هتفت بلهفة
–نعم ؟
–أنا راجل عازب و قاعد لوحدي.. ياريت متخطبيش عليا تاني.. مش ناقص قرف
اتسعت عينيها بعدم تصديق لمعاملته الجافة، أما هو أغلق الباب ثانية وهو يتمتم بغضب
–ايه البلاوي دي.. استغفر الله العظيم يارب أنا ناقص
قرر أن ينزل للحديقة المجاورة؛ لكي يستعيد نشاطه بالركض قليلًا و التمشي.. ارتدى الكاب خاصته و حذاء رياضي “كوتشي” ثم أخذ زجاجة مياة و خرج.
دلفت رودينا للشقة التي استأجرتها لاتمام خطتها الخبيثة.. هاتفت شخص ما و تحدثت معه بنبرة غاضبة لتقول
–ايوه يا باشا.. ابن حضرتك عنيد جدًا.. و شكله كده مش هيقع بسهولة
صمتت للحظات تستمع لأوامره.. أومأت بطاعة
–… تمام.. تمام.. أوامرك يا باشا
******
لم يكن بينه وبين الحديقة سوى بضع خطوات مشي.. كان يضع سماعات الأذن يستمع لبعض الموسيقى الهادئة، رغم سماعه للأغاني خاصة القديمة، إلا أنه يحرص على الصلاة.. وليس معنى أنه ينتظم في الفروض أي أنه متدين !
الصلاة واجبة و مفروضة على كل مسلم ولا علاقة لها بالتدين.
ظل يجوب الحديقة ركضًا و بعد ساعة شعر بالتعب، فجلس على أحد المقاعد الخشبية يشرب المياه..
في تلك اللحظة التي رفع رأسه ليشرب، وقع بصره على فتاتان تجلسان تحت شجرة ظلها ممتد وعدة كُتب أمامهم، يبدو أنهم منهمكون في المذاكرة بجِد.. ما لفت انتباهه تلك الفتاة التي ترتدي نقاب.. تأملهـا للحظات وفي عقله يتخيلها رُميساء.. قال لنفسه ساخرًا
–و أنت إيه اللي يخليك متأكد كده إنها اللي في دماغك !! هو مفيش غيرها اللي لابسه نقاب !
نفض فكرة أنها من الممكن أن تكون ” رُميساء” و نهض ليصافح صديق له كانا قد اتفقا على المقابلة في الحديقة.. جلسا يتحدثان في بعض الأمور التي تخص العمل أو الرياضة، كريم مشجع متعصب لفريق “الزمالك” وهذا ما جعله يغضب على صديقه عندما أهان فريقه؛ فنهض ليذهب غاضبًا، ولكن الأخير اعتذر له وهو يكتم الضحك على وجه كريم المحمر أثر الإنفعـال.
دعاه صديقه للعب كرة القدم مع بقية الشباب فوافق و عند نهوضه لمح تلك المنتقبة و صديقتها المختمرة يحملون كتبهما استعدادًا للذهاب.. الذي جعله يقف مشدوهًا و عينيه لا ترف عنها ” ذراعها المكسور بفعل الحادث ” يتذكر جيدًا أن الكسر في الذراع الأيسر و تلك الفتاة تضع جبيرة في نفس ذات الذراع.. جاء ظنه في محله و رجحت شكوكه أنها بالفعل “رُميسـاء” لم يخونه قلبه، لقد شعر بذلك حقًا..
قال لصديقه قاصدًا الهائه أو ابعاده عنه
–روح أنت دلوقت و أنا خمسة و جاي
–ليه.. في ايه ؟
–مفيش.. هعمل مكالمة كده عالسريع
–تمام مستنيك متتأخرش
لاحظت روان أن ذلك الشاب والذي لأول مرة تراه، منتبه جدًا معهما و عينيه تتابعهما بالأخص؟رُميساء.. تمتمت روان بغيظ وهي تغلق الحقيبة
–مالو الأخ ده.. من ساعة ما جه مركز معانا
تساءلت رُميساء بعدم فهم، لم تكن قد رأته بعد
–مين ؟
اعطته روان ظهرها لتقول
–اللوح اللي ورانا ده
نظرت رُميساء لما تقصده روان بحديثها، ما هي إلا ثوانِ و اتسعت عيناها بدهشة و تسارعت دقات قلبها.. استدارت في الحال لتقول بصوت بدا عليه الخجل و التوتر
–روان يلا نمشي
برغم أن روان تفاجئت من ردة فعلها، ولكنها تغاضت عن ذلك ظنًا بأنها قد خافت بأن يكون شاب طائش يريد التقرب منهما ولم تعلم أنه ذلك المدعو “كريم” الضابط الذي أنقذ صديقتها في الحادث .
قبل أن تذهبا استوقفهما كريم قائلًا بـ إبتسامة طيبة
–لو سمحتي
علمت رُميساء أنه يريد الحديث معها، ولكنها غضبت من ذلك التصرف كونها أخبرته سابقًا أنه غريب عنها ولا يصح حديثهما.. زادت دقات قلبها و شعرت بأن كيانها سيتبعثر إن لم تذهب تـوًا.. بينما روان كعادتها تنفعل و تتعصب من أي شيء لا يرضيها.. و مناداته لهما زادتها غضبًا؛ لذا عزمت أن تلقنه درسًا حتى يكون عبرة أمام الجميع..
صاحت روان و هي تنظر له بحدة
–قسمـًا بالله إن ما بعدت عننا لكون متصلة عالشرطة و هتبقى عبرة للي يسوى و ميسواش.. ايه قلة الأدب دي
لحسن حظ كريم أن صياح الشباب وهم يلعبون الكرة جعل صوت روان غير مسموع البته بالنسبة لمن في الحديقة..
تمنت رُميساء في تلك اللحظة أن تنشق الأرض و تبتلعها، سحبت روان من يدها وهي تترجاها بصوت خفيض
–روان يلا بالله عليكِ.. هنتفضح
“هو اللي هيتفضح.. و هو اللي هيمشي من هنا مش احنا”
قالتها روان وهي تنظر له بكُره و بغض لم تنظر من قبل لأحد مثله هكذا..
حافظ كريم على هدوئه و قال باسمًا
–حضرتك فهمتيني غلط.. أنا مش بعاكس
ردت روان ساخرة
–ايه بتشحت مثلًا !!.. معلش.. مش معانا يكفي والله
كانت رُميساء تشدها من الخلف وهي تترجاها أن يذهبا ولكن روان أصرت أن يذهب هو أولًا؛ حتى لا يتبعهما للبيت و يتعمد مضايقتهما كلما رآهم.
تابعت روان بنبرة تحذير
–لو سمحت خلي عندك دم.. و اتفضل امشي.. أنا حلفت هتصل بالبوليس
ضحك كريم دون أن يتفوه بشيء، بينما رُميساء مالت على أذن روان هامسة
–هتبلغي عنه الشُرطة ازاي وهو واحد منهم
–يعني ايه مش فاهمة ؟؟
–ده كريم يا روان.. الظابط اللي كلمتك عنه
بعد أن سمعت روان تلك الجملة، شعرت بحاجتها للأكسجين و تمنت لو أنها تمتلك طاقية الإخفاء كما في الفيلم المصري القديم، لكانت اختفت من أمامه في الحال..
حاولت روان أن تتنفس بانتظام.. فـ غمغمت بتوتر
–هو أنا قلت حاجة غلط أوي ؟
–لأ.. مسحتي بكرامته الأرض بس
أومـأت روان وبدا شكلها من كثرة التوتر مضحك.. بعد لحظات استجمعت شجاعتها لتقول له
–هو مش معنى إن حضرتك ظابط يبقى ليك الحق تعاكس اللي رايحة و اللي جاية !!
تبسم قائلًا وهو يشير لتلك التي تتخفى وراء روان بخجل
–لأ متقلقيش بنات الناس في عنينا.. أنا شفت رُميساء صدفة و معرفتهاش غير من دراعها المتجبس.. كنت عاوز بس اطمن عليها مش أكتر.. و أنا آسف لو دايقتكم
“قوليلو أنا كويسه الحمدلله.. و يلا نمشي بقى بالله عليكِ أنا حاسة إني هقع من طولي”
قالتها رُميساء بشيء من الخوف، فهي لم يسبق لها وأن وقفت مع رجل غريب..
أردفت روان بجراءة
–رُميساء كويسة و إن كان على الجميل اللي عملته معاها. اعتبره صدقة.. لله.. وبعدين لما بنتنا شغلاك كده مبتجيش تتقدملها ليه ؟؟
صعقت رُميساء مما قالته تلك الحمقاء صديقتها، فقد وضعتها في موقف محرج لا تحسد عليه.. قبل أن يجيبها “كريم” كانت رُميساء قد سحبت روان من يدها رغمًا عنها و هي تتمتم بغضب
— منك لله يا زفته.. الراجل يقول علينا ايه
ظلت روان تضحك عليها طوال الطريق حتى وصلا، انفعلت عليها رُميساء توبخها
–مكنش ينفع اللي أنتِ عملتيه ده يا روان
روان ضاحكة
–اقطع دراعي إن مكنش الظابط ده بيحبك
استدارت لتقول بإبتسامة حالمة حاولت اخفائها
–هو يعرفني عشان يحبني.. ده مشافنيش غير مرة واحدة
–مهو ده الحب اللي من أول نظرة يا سوسو
قالتها روان قاصدة استفزازها و أخذت تضحك بشدة مما جعلت رُميساء تلقي عليها بالوسائد واحدة تلو الأخرى و هي تقول بغيظ منها
–قفلي على السيرة دي ياروان.. احنا داخلين على امتحانات.. نركز في مستقبلنا أهم.. ده مجرد واحد عمل معايا خير و راح لحاله.. خلاص متفكرنيش بيه
–ده على أساس إنك نستيه ؟
–يا بنتي أنتِ محسساني إن لينا مستقبل مع بعض !!
–الله أعلم.. المهم أول بنت تجبوها تسموها روان
–ايه رأيك بقى إني عاوزه أخلف صبيان
–مش مشكلة المهم الظابط ده يبقى ابوهم
–لااا بقى أنتِ مش هتتهدي انهــــارده
توقفت الفتاتان عن الشِجار بعد دقائق على دخول أم رُميساء تنهرهما بنفاذ صبر
— أعمل فيكم ايه بس.. ذاكروا هتمتحنوا بعد بكره.. حـــرام عليكم
أومأت الإثنتان و عادا للمذاكرة، ولكن رُميساء لم تستطيع التركيز بسبب انشغال عقلها في التفكير بـ”كريم”.. أما روان وضعت هدفها نصب عينيها و عزمت على تحقيق حلمها ألا و هو أن تصبح معلمة رياض أطفال.
_______________♡
لقد أحببتُكِ.. أحببتُ فيكِ مزاجيتكِ المفرطة، وتقلباتكِ.. وأخترتُكِ أنتِ آخر واحدة ستدخل قلبي، ولا أرغب بسواكِ. « لقائلها »
******
اليوم الثاني لـ بدر و عائشـة في الفندق.. بعد ما حدث ليلة أمس نام الأثنين بعد الشروق؛ لذلك استيقظا قرابة العصر.. استيقظ بدر قبلها و توضئ ليصلي الفروض التي فاتته.. كان قلبه يعتصر من الحزن على الأيام التي تمر سدى ولم يعد ينتظم بـصلاته، دعا الله في كل سجدة أن يرده إليه ردًا جميلًا..
بعد أن انتهى من الدعاء و كثرة الإلحاح إلى الله أن يعينه على نفسه و يبعد عن قلبه الشعور بثقل العبادة.. ارتكز بظهره على الحائط خلفه و أخذ يسبح على عقد أصابعه.. ثم وجد نفسه يردد لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.. الذِكر الذي يحب أن يردده لسانه دائمًا لعلمه لما له من فضل كبير في حياته.. تذكر ذلك الحديث الذي يقول..
مَنْ قَالَ: ” لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
أي أن الله يغفر لك مئة سيئة ويكتب لك مئة حسنة ويعطيك ثواب عتق عشر رقاب وتكون له سلامة من الشيطان ولايأتي أحد بخير مما فعل إلا من زاد وكُثر بسبب هذا الذكر سهلت العبادة لهم و ثقلت المعصية لبعد الشياطين.
لطالما ردد ذلك الذِكر فيشعر بعدها أنه تركًا أثرًا عظيمًا على قلبه و في نفسه.
نهض ليهز عائشة بلطف لتستيقظ، و كعادتها تنهض بعد عدة محاولات لإيقاظهـا..
قالت و هي تفرك عينيها بتثاؤب
— فين المفاجأة اللي أنت قولتلي عليها
ضحك قائلًا
–طيب قومي اغسلي وشك كده و اجهزي عشان هنتغدا هناك
–هناك فين ؟؟
–لما ننزل هتعرفي.. يلا قومي
نهضت بالفعل وهي متحمسة جدًا من المفاجأة الثانية التي قام بها لأجل سعادتها، ولكن في تلك اللحظة تدعو الله أن يمرّ اليوم بسلام ولا يحدث أي شيء سيء قد يعكر مزاجهما مثلما حدث أمس.
اغتسلت و أردت فستانًا أسود اللون به نقوش بيضاء وله حمالات تحتها بلوزة بيضاء و حجابًا أسود لائم بشرتها البيضاء، بينما بدر ارتدى بنطال جينز أزرق قاتم اللون و تي شيرت بلون السماء أضفى على بشرته القمحية وسامة ملفتة..
اصطحبها في يده ليريها ماذا أعد لها..
قصد بدر ذلك الشاطئ الحافل بالمراكب الصغيرة الترفيهية و اليخوت الرائعة..
عندما وصلا وقفت تطالع المكان المزين بالأنوار الصادرة من المراكب المليئة بالأشخاص قاصدين المرح والاستمتاع بنسيم البحر، التمعت عينيها انبهارًا بجاذبية الشاطئ المزين باليخوت..
أصوات الناس المعبرة عن السعادة تنبع من داخلهم، الضجيج و الصراخ المعبر عن الفرح الذي يفتعله الأطفال أضفى على المكان برمته البهجة، لاسيما تلك الملاهي التي تدلت أرجوحاتها فوق البحر بالإضافة لبعض الأشخاص الذين يرتدون شخصيات كـرتونية كـ “ميكي ماوس” أو “سبونج بوب” و يلهون مع الأطفال..لقد آثار المشهد إعجاب عائـشة بحق، بل كلّ من رآه أعجب به.
ارتسمت على وجهها ابتسامة سعيدة وهي تقول لبدر
–حلوة أوي المفاجأة.. المكان يرد الروح كده.. جميل أوي
“بس مش دي المفاجأة”
قالها باسمـًا بخبث.. نظرت له مستفهمة وجدته يسحبها برفق من يدها متجهين نحو يخت صغير من أجل الترفيه ولكن الوقوف أمامه ومشاهدته وهو يتراقص بفعل المياه من تحته تجعل القشعريرة تدب في جسدك.. سواء أكانت رهبة من رؤيتك له أول مرة أو اعجابًا ببراعة تصميمه.
أشار بدر لليخت الأبيض مردفًا بلهفة
–يلا عشان أنا جوعت
لم تفهم بعد مالذي يحدث.. تساءلت
–هو في ايه.. أنا مش فاهمة حاجة ؟؟
–اليخت ده هنسهر عليه الليلة.. طلبت الغدا فيه و هاخدك جولة عليه أضيع خوفك من البحر.. مفيش حد هيعكر مزاجنا.. الليلة دي هتبقى خاصة.. بتاعتنا احنا وبس
أردفت وهي ما زالت لا تستوعب الأمر
–بلا خاصة بلا جرجيرة.. واحدة واحدة كده و صلّ على النبي و فهمني جبت الفلوس دي كلها منين عشان تأجر يخت و فندق و أكل وكل الهيصة دي.. تاني حاجة بقى أنا مستحيل اركب اليخت ده.. أنت عارف كويس إني عندي فوبيا من البحر و المراكب.. بقولك يا بدر هاتلنا اتنين أيس كريم و تعالى نقعد نهو على الرملة
” نهو !! هي مش كانت هنا !! بقت نهو ؟؟ ”
ضحكت على تعليقه بسخرية عليها ثم قالت مُصرّة
— اسمع إما أقولك.. أنا مش متعتعه من مكاني.. أنا بخاف
“متعتعه !! يابنتي أنتِ بتجيبي الكلام ده منين.. ايه اللغة الغريبة بتاعتك دي ؟؟ ”
قالها ضاحكـًا بشدة عليها ثم أخذها من يدها ليركبا اليخت، استوقفته بترجي
–بدر بالله عليك بلاش.. و بعدين لو عاوزين ادخله يبقى تقولي الصراحة
–عايزه تعرفي ايه يا مغلباني ؟
–جبت الفلوس منين ؟ مهو مش معقول يكون عمك مسلفك كل ده.. ده زياد فرحه قرب يعني هيحتاح مصاريف كتير !!
علم أنها لن يهدأ لها بال إلا إذا عرفت كل شيء.. تنهد قبل أن يقول
— أنا مستلفتش من عمي فلوس و لا حاجة.. أنا كنت محوش مبلغ على جنب.. عشان أبسطك بيه.. أنا صحيح معملتش ليكِ فرح.. بس حبيت أعوضك بحاجة هتفرحك.. عارف إنك بتحبي الفسح و الخروجات..إن شاء الله لما نروح هرجع الورشة و أشتغل ليل نهار عشان أحوش تمن الفرح..أنا مش هرتاح غير إما احققلك كل اللي نفسك فيه
التمعت عينيها بحُب و هي تنظر له لتقول بلهجة عاطفية
— طب وليه مقولتليش من الأول ؟
— بصراحة كنت خايف تقولي اعملي الفرح الأول..و أنا لسه مجمعتش المبلغ اللي يكفي مصاريفه
— طيب أنت ليه مش بتاخد من فلوس المعاش بتاعت بابا ؟
–معاش عمي هيطلع صدقة على روحه كل شهر.. أما أنتِ مسؤولة مني.. بالنسبة لقعدتنا في بيتك.. فأنا قاعد غصب عني والله.. أوعدك بإذن الله قبل السنة الجديدة ما تخلص أكون جهزت شقتنا اللي هنعيش فيها العمر كله
بعد قوله، لم تسع الفرحة قلبها من اعترافاته التي أشعرتها بسعادة لا توصف كالعصفور الذي غادر قفصه فأخذ يرفرف موزعـًا الابتهاج في السماء.. من رآها و رأى ابتسامتها الجميلة عقب كلامه أقسم أن بينها وبين الفرح عقد لا ينصرم.
بدون أن تتكلم شبكت يدها في ذراعه و نظراتها تحثه على التقدم نحو اليخت.. كأنها تريد اخباره بذهاب رهبة البحر عنها وحلول الطمأنينة و الأمان بقلبها بعد اعترافاته الدالة على قوة حبه لها.. لا مفر من الحقيقة، باتت تدرك الآن أنها وقعت في قبضة رجل لا يعرف لقلبها طريق غير الحُب.. رجل يريد اسعادها بأي شكل.. رجل يرتاح قلبه إذا رأى البسمة تزين ثغرها.. رجل خلق ليدللها و يجعلها سيدة قلبه و حبيبته الأبدية دونا عن بقية النساء.. رجل يراها كل النساء بل و أجملهم.
دلف بدر لليخت و سيدته الصغيرة تتعلق بذراعه.. ألقى التحية على الكابتن الذي سيقود ذاك اليخت الرائع.. ثم اتجه نحو غرفة بداخله.. نوافذها من الزجاج المتين تطل على مياه البحر مباشرة، حتى إذا مدت يدك خارجها ستلامس أطرافك المياه.
كانت الغرفة مزينة برقة و كأنها تتهيأ لاستقبال عروسين لقضاء شهر العسل.. الإضاءة حمراء خافتة و في الوسط توجد منضدة عليها الطعام الذي طلبه بدر و كوبان من العصير بالإضافة للشمع الذي أنارهـا.
–ها.. ايه رأيك
لقد كانت الغرفة حقًا في غاية الابداع و التنسيق، أعجبت بها أيّما اعجاب.. لم تقل شيء سوى أنها قبْلته من خده شاكرة اياه على كل ما فعله من أجلها ثم احتضنته فحملها من خصرها و أوقفها على قدميه ليرقصا برومانسية سويًا.. تبادلا النظرات بعشق وما هي إلا دقائق و انفجرت عائشة ضحكًا، في بادئ الأمر تعجب بدر من كثرة ضحكها على اللاشيء ثم ظل يضحك معها وهو لا يفهم ما الذي يدور.. تمالكت نفسها من الضحك لتقول
–خير يارب.. أنا بضحك كده ليه
تركها بدر وهو يشاركها الضحك قائلًا
–ملكيش في الرومانسية
–الصراحة وشي بيكرمش منها
–طب اقعدي خلينا ناكل.. أنا غلطان
قالها وهو يعود للضحك مما فعلته و قطعت لحظتهما الجميلة، بينما عائشة لم تستطيع أن تضع الطعام في فمها من كثرة الضحك كلما تذكرت بدر وهو يراقصها رقصة الوله و الغرام.
حاول اطعامها برقة فلم يستطيع؛ بسبب عودتها للضحك أكثر من ذي قبل..
تمتم بغيظ منها
–ضيعتي علينا الليلة.. أعمل فيكِ ايه بس
–بص يا بدر يا حبيبي.. أنا واحدة بحب الرومانسية بس نفسي بتجز منها ازاي متسألنيش.. و بعدين أنا فكرت إن أنت جايبنا هنا عشان نصطاد و نطلع لنا بتلاتة أربع كيلو سمك مشط نفرح بيه العيلة الكريمة ولا عاوزهم يقولوا علينا ايه.. راجعين ايد ورا و ايد قدام ..
تابعت وهي تنظر لقعطة الجمبري في طبقه
–الجمبري ده طعمه حلو أوي.. اديني الحتة بتاعتك لو مش هتاكلها… مالك يا بدر بتبصلي كده ليه !!!!
كان بدر ينظر لها بقلة حيلة وهي تثرثر كالبلهاء.. وضع يده على خده زافرًا بنفاذ صبر ليقول
–سبحانه اللي مصبرني عليكِ.. هتجننيني قريب
–بدوري.. بمناسبة الجنون عاوزك منك خدمة
–استر يارب.. امممم أوامرك نعم
–بما إننا على يخت قمر زي ده فأنا نفسي أجرب الحركة بتاعت جاك و روز في فيلم تايتانك
–نعم ياختي ؟؟
–ايه مسمعتش !!
–ولما ننقلب احنا الاتنين؟
— لا متخافش أنا همسك نفسي و أنت امسكني
نهض ليميل بجسده عليها هامسًا
–تعرفي.. رغم إن جنانك ده متعب بس بعشقه
–بعلي.. أقسم بالله بعلي
قالتها وهي تجره من يده ليصعدا أعلى اليخت وعندما خرجت من الغرفة و وجدت أنهما وسط البحر.. استدارت لتحضتن بدر بخوف شديدة هاتفة
–ابوس ايدك روحني
تلك المرة كان كثرة الضحك من نصيبه، منذ قليل تكلمت بشجاعة أنها تريد الصعود أعلى اليخت و الآن ترتعش بين ذراعيه كالجبناء.. أي امرأة هذه ! ستجعله يفقد عقله من جنونها قريبًا .
كان الكابتن يقود بالطابق الثاني و في الطابق الذي تواجد به بدر و زوجته لم يشاركهما أحد فيه..انتهز فرصة أنهما وحدها و حملها رغمـًا عنها على كتفه وهي تتوسله أن يتركها.. فأتت كل محاولاتها بالرفض..
أنزلها عند حافة اليخت و أغمض لها عينيها و هو يقف وراءها يمسكها من خصرها باحكام.. ثم ازاح يده فإذا بها تصيح و تصرخ كي ينزلها.. في النهاية أنزلها بدر وهو يضحك عندما وجد الدموع بعينيها..
بعد قليل أنزلهما الكابتن عند جهة أخرى من البحر.. قصد بدر التوجه للسينما فقد حجز تذكرتين لفيلم كرتوني من أفلام ديزني التي تعشقها عائشة..
كانت ليلة لا تنسى بحق كما أخبرها.. أحبت كل شيء قام به من أجلها حتى جنونه و تجاوبه معها راق لها كثيرًا.. الجو المرح الذي وفره لها بدر انساها كل مُر عاشته في حياتها السابقة.. حنان الأم و احتواء الأب الذي افتقدته.. عوضها به بدر بأكثر منه بمراحل فاقت الحُب و مسمياته.
انتهت ليلتهم الجميلة و عادوا للفندق قبل صلاة الفجر.. صعدت عائشة لتنام قليلا قبل استعدادهم للسفر و ذهب بدر ليصلي الفجر جماعة بالمسجد المجاور.
و ها قد استعدا للرحيل من محافظة السحر و الجمال “مرسى مطروح”
أخيرًا بعد سفر دام لسبع ساعات أو أكثر و صلا للحارة.. وصلا تقريبًا الساعة الرابعة و النصف عصرًا و بالطبع استقبلهما الجميع رغم أنهما غابا فقط ليومين و نصف، ولكن الجميع افتقدهما حقًا..
بعد أن سلما عليهم ذهبا لبيتهما ليرتاحا من عناء السفر..
********
في صالة بيت محمد الخياط..
كان يجلس سيف أمام التلفاز يستمع لبرنامج الشعراوي و هو يفسر آيات من سورة البقرة.. و أخذ يسجل ما يصعب عليه في كراس خاصة به؛ حتى إذا نسى تفسير آية يرجع لها في أي وقت.
أما صاحبة الشعر الأحمر القاتم تقف في غرفتها تمشط شعرها و تتأمل ملامحها بدهشة شديدة، أصبحت بشرتها صافية جدًا و عادت رموشها تنبت من جديد و كذلك حاجبيها، حتى أنها لاحظت عودة شعرها ينمو بشكل جيد و كأنها تعافت من مرض السرطان !
أيعقل أن تكون قد تعافت بالفعل !!
لم يتبقى على خروج نتيجة التحاليل سوى أربعة أيام.. ستنتظرهم بفارغ الصبر و هي على يقين أن الله سيشفيها و سيعوض صبرها خيرًا.. كما قال حبيب قلبها ” زياد” عليها أن تحسن الظن بالله و تتفائل الخير دائمـًا.
*****
صوت ضجة تأتي من بيت مجاهد الخياط.. بعد أن جدد المنزل بأكمله، الآن يتم نقل اغراضهم و متعلقاتهم الشخصية التي أحضروها معهم من الخارج.. و زياد يقف مع عامل الدهان في شقته.. و قصي و أشقائه الفتيات قد بدأوا المذاكرة بالفعل..امتحانتهم في السفارة ستكون غدًا.. بينما نورا تصالحت مع والديها و أخبرتهما أنها ستذهب للاعتذار من أبناء عمها غدًا؛ لأنهما متعبون من السفر الآن و بحاجة للراحة.
و بناء على طلب هاجر تم تأجيل حفل الزفاف حتى انتهاء موعد الامتحانات و لصعوبة بعض المواد التي جعلتها في قلق و توتر دائم.. في حين أن قصي كان سيؤجل هذا العام و لكن بعد الحاح الجميع عليه و ألا يضيع تلك السنة هباء.. قرر أن يمتحن و بدأ في المذاكرة باجتهاد و سيقوم بدر بتوصيله لجامعته و انتظاره حتى يخرج.
يُتبع ..
- لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية يناديها عائش)