رواية يناديها عائش الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش البارت الثالث والأربعون
رواية يناديها عائش الجزء الثالث والأربعون
رواية يناديها عائش الحلقة الثالثة والأربعون
يتحدثون عن مجنون ليلى و كأن العشق ارتبط بقصتهم، ولو عرفوا جنوني لأقسموا أنهم لم يدركوا معنى الحُب من قبل. لـ “نرمينـا”
******
غدًا سيبدأ جميع أبطالنا من هم في المراحل التعليمية المختلفة امتحانات نهاية العام الدراسي، إذا اليوم هو آخر فرصة لمذاكرة مادة غد جيدًا؛ لذا على الجميع الدراسة بجِد و التوكل على الله استعدادًا لجولة من الإمتحانات تتنوع ما بين السهل منها و الصعب لمدة شهر.
استيقظ بدر على صوت همهمات و خطوات أقدام يبدو عليها العجلة تأتي من الصالة ذهابا و إيابا.. بالطبع عرف أنها عائشة فعندما استيقظ شعر على الفور بعدم وجودها بجانبه.. نهض ليرى ماذا تفعل ولماذا كل تلك الضجة التي تفتعلها مجنونته، وجدها تجوب الصالة و بيدها كتاب تقرأ منه بعض الكلمات ثم تغلقه و تقوم بترديد ما قرأته حتى تتأكد من حفظها.. أما بالنسبة للضجة التي تقوم بها فعندما تنسى ما حفظته تقوم بركل أي شيء أمامها بعصبية و تضرب بيديها عرض الحائط في مشهد أقل ما يُقال عنه أنه هزلي ساخر.
ضحك بدر بخفوت واقترب بخفة ليقف وراءها ثم شدها اليه ليطبع قبلة صغيرة في رقبتها هامسًا
“صباح الخير”
–يا عم ابعد عني أنت كمان أنا نقصاك عالصبح
قالتها وهي تتنفس بغضب وتنظر للكم الهائل من القوانين الفيزيائية بالكتاب
ضحك ليقول وهو يأخذ منها الكتاب ليطالعه
–استهدي بالله بس.. مالها الفيزياء مفيش أسهل منها
أخذت منه الكتاب بعنف لتصيح بوجه محتقن
–ليك حق ما أنت كنت من أوائل الثانوية.. ليك حق تشمت فيا يا أبو العريف..
بدأت تقلده بتعابير وجه مضحكة
–متخافيش يا عائش هشرحلك كل حاجة نينيني
همتحن بكره يا سي بدر مسخرة ومعرفش ايه اللي في المنهج وانت كل اللي همك قبلات ليل ونهار
انفجر بقهقهات عالية متتالية ليقع على أثرها على الأريكة وهو يضع يده على قلبه ليقول
— ده لو وقف هيبقى بسببك.. مالها القبلات مضايقة سيادتك في حاجة ؟ وايه بدر مسخرة دي !! انتي هتطلعي عليا سمعة يا أم لسان ؟؟ أنا مسخرة يا بت !!!
أخذت ترمقه بغيظ وهو مستمر في الضحك على ملامحها المنكمشة من الغضب.. سهت عيناها قليلًا واستقرت على شعره المنسدل على أكتافه والذي أصبح طوله ملفتًا فهو لم يقم بقص أطرافه منذ شهرين وتركه يطول.. فقالت بنظرات اعجاب
–الناس بتقوم من النوم شعرها منكوش وأنت زي ما يكون بتقوم نص الليل تسرحه وتنام تاني
وجه اصابعه الخمسة أمام عينيها ضاحكًا ليقول
–الله أكبر.. طب قولي ما شاء الله
–لا بجد.. أنت مبتقومش شعرك منكوش زينا ليه ؟
اعتدل في جلسته ليقول بجدية لكن بنبرة مزاح
–اللي بيقوموا من النوم منكوشين دول شعرهم أكرت يا حبيبتي.. انما أنا واحد ربنا خلقني شعري ناعم.. ذنبي ايه
قال جملته الآخيرة وهو يمسد على شعره بغرور بينما عائشة مسدت على شعرها هي الأخرى بعدم فهم متسائلة
–قصدك إني شعري أكرت ؟؟؟
–أنا قلت كده ؟
قالت بفخر وهي تفك ربطة شعرها لينسدل بطوله المموج وراء ظهرها
–ده اسمه كيرلي يا جاهل
أراد استفزازها فقال ببراءة مصطنعة
–ليا واحد صحبي اسمه مسعود كيرلي.. من امتى بقوا يستخدموا اسم ابوه للشعر ؟؟؟
أردفت بدموع حقيقية
–أنت مش عاجبك شعري ؟
نهض سريعا ليضمها اليه قبل أن يدخل في دوامة من النكد لا يعرف متي ستنتهي
–أنا مش عايزك هشة كده.. مش كل كلمة تأثر عليكِ.. أنا عاوز عائشة بنتي القوية اللي لسانها طوله مترين و مبتسكتش لحد يزعلها
تجاهلت كلامه ورددت سؤالها بجدية
–أنت فعلا مش عاجبك شعري ؟
أخذ بضع خصلات من شعرها وقربها لأنفه ليستنشقه كما لو أنه باقة ورود جميلة.. ليقول وهو يقبله
— هتصدقيني لو قولتلك إني بدوب في شعرك ده
تلاشت دموعها على الفور ونمت ابتسامة مشرقة جانب شفتيها لتقول وهي تجذب شعرها منه وتعيده لوراء أذنيها
–أصدقك طبعا.. أي بنت تتمنى يكون شعرها زي شعري.. ده بتوع منتجات الشعر هيموتوا ويعرفوا شعري حلو كده ازاي
ابتسم وهو يهز رأسه بقلة حيلة على سرعة تقلب مزاجها ولكن على أي حال هو يعشقها في جميع الأحوال..
نظر في ساعة الحائط فوجدها التاسعة صباحا قال وهو يتجه للمرحاض
–هتوضى عشان أصلي وانزل اجيب فطار
جلست عائشة بيأس ووضعت الكتاب أمامها على المنضدة قائلة بحزن
— فطار ايه بس دلوقت.. بدر أنت مش مستوعب ليه إني همتحن بكره ؟ طب ساعدني عالأقل !
–ياحبيبتي نفطر وهساعدك والله متقلقيش.. الفيزيا انتي خدتيها في الثانوي يعني مفيش جديد عليكي.. شوية قوانين بسيطة اللي انضافت بس مش صعبة يعني
تأففت بضجر و هتفت بغضب و استياء خائفة من الغد
— مين قالك انها مش صعبة دول كتير وبعدين أنا مكنتش بحضر المحاضرات كلها يعني نص الشرح فاتني.. اوف اعمل ايه بس ياربي..
–كفايا توتر وخوف يا عائشة.. قولتلك هساعدك وإن شاء الله هتحلي بكره كويس…اطمني
تنهدت بيأس دون أن تجيب وعادت تقلب صفحات الكتاب بخيبة أمل، أما هو دلف للمرحاض ليتوضأ..
خرج بدر وافترش سجادة الصلاة ثم صلى وسلم عن يمينه وشماله ولم ينسى أن يدعي لحبيبته بالتوفيق كما اعتاد الدعاء لها دائما قبل أن يدعي لنفسه.
نهض ليقبلها من جبينها قائلا
— قومي يا حبيبتي حضري السفرة كده وأنا هنزل أجيب فطار.. تحبي تفطري ايه ؟
صاحت في وجهه بغضب
–بقولك عندي امتحاان انت مبتفهمش ؟؟؟
وهتفهم ازاي وأنت مكملتش تعليمك ..
تجمد مكانه عندما سمع قولها المُر، فوقع آثاره على قلبه كالسهام تمزقه و بدا الحزن جليا على معالمه، فأخفض رأسه دون مواجهة منه أو رد ثم خرج متألمًا بشدة مما قالته و عكرت به صفو يومه.
عكفت عائشة على نفسها حزينة مما تفوهت به كالحمقاء دون أن تعي للكلمات القاسية الخارجة من فمها.. أخذت تسب وتلوم نفسها بغباء
–ليه كده يا غبية.. هتفضلي دبش معاه كده لحد امتى.. هو ميستاهلش منك كده.. اووف يارب بقى
قامت لتحضر الأطباق وترتبها على سفرة الإفطار.. ثم ذهب لتأخذ دشًا باردًا لتعود للصلاة..
هذا الإستحمام بالذات مختلفًا قليلًا عن أي استحمام آخر؛ لأنها هنا تنظف جسدها بالماء بعد انتهاء دورتها الشهرية كأي فتاة.. تعرف عائشة جيدًا ما عليها فعله فقد تعلمت ذلك من أحد الدروس الدينية التي كانت تحضرها مع هاجر وهي في الإعدادية، ولكن بعض الفتيات يجهلون ماذا يقولون عند الإستحمام من الحيض وما يتوجب عليهم فعله.
قالت عائشة قبل أن تدلف للحمام
–بسم الله الرحمن الرحيم اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث اللهم إني نويت الإستحمام من الحيض.
ثم قامت بالتالي :
ينوي المسلم بقلبه الطهارة من الحدث. يسمّي الله بقول “بسم الله الرحمن الرحيم”. يغسل يديه ثلاث مرات. يغسل موضع النجاسة ويزيلها. ينظّف يديه بالصابون ويغسلها بعد إزالته للنجاسة. يتوضّأ وضوءاً كاملاً كوضوء الصلاة، ومن الممكن أن يؤخر غسل رجليه إلى حين انتهائه من الاغتسال. يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات مع تدليك رأسه حتى يصل الماء إلى أصول الشعر. يفيض الماء على كامل بدنه، فيبدأ من الشق الأيمن، ثم ينتقل إلى الشق الأيسر من بدنه. يدلّك بدنه بيديه أثناء الغسل حتى يضمن وصول الماء إلى جميع المناطق، خاصة في الأماكن التي يصعب وصول الماء إليها مباشرة، وهي: السرة، وأسفل الإبط، وباطن الركبة، وأصابع القدمين، وداخل الأذنين، وغيرها.
والغسل من الحيض كالغسل من الجنابة، وصفة الغسل ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول شعره ، ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه”.
فعلى المرأة أن تنوي الغسل من الحيض ثم تفعل مثل ما ذكر في الحديث، ولا يلزمها نقض شعرها إنما يكفيها أن توصل الماء إلى أصول شعرها لما روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “قلت يا رسول الله إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ وفي رواية والحيضة؟ قال: “لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات”
….
مرّ بدر على بيته ليطمئن على عائلته إذا كانوا يحتاجون لشيء.. دلف للبيت بعد أن ألقى التحية عليهم فكانوا جالسون ثلاثتهم يتناولون الإفطار..
قبْل يد والدته فقابلته بإبتسامة حنونة راضية ثم قبْل رأس أشقائه وجلس وسطهما وهو يحتوي اكتافهما بحنان أبوي اعتادوه منه.. ليتسائل باهتمام
–طمنوني.. عاملين ايه في المذاكرة
قالت هاجر باسمة
–الحمدلله.. أنا مش خايفة من الامتحانات لأني مذاكرة كويس وكنت بحضر طول السنة بس كل اما يقرب فرحي بتوتر أكتر غير كده نتيجة التحاليل بتاعتي كمان يومين وخايفة
طمأنها بدر
–أنا متأكد إن ربنا هيجازيكِ خير على صبرك.. خلي عندك حسن ظن بالله إن اللي جاي كله خير واللي يجيبه ربنا خير
أومأت برّضا
–الحمدلله.. أنا متفائلة خير
التف لسيف منتظرا أنه يخبره عن أحواله.. قال سيف بابتسامة مشرقة كوجه
–أنا عايز أقولك على حاجة هتفرحك أوي
اتسعت ابتسامة بدر لينصت باهتمام شديد
–أنا الحمدلله بقيت بواظب على صلاة الفجر
تدخلت والدتهم لتقول بسعادة
–سيف أخوك ما شاء الله عليه بقى إمامنا أنا و هاجر في صلاة الفجر.. و قصي بيجي ياخده في باقي الصلوات ويروحوا يصلوا في المسجد جماعة
رفع بدر حاحبيه دلالة على الإعجاب الشديد وتهلل وجه بفرحة عارمة ليقول
–ما شاء الله.. ده أحلى خبر سمعته يا حبيب أخوك.. أنت عارف إن اللي بيواظب على صلاة الفجر ده الملايكة بتقول لربنا ايه عليه !
–ايه ؟
–عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ، وَصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهو أَعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ)
” المصدر/ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:632، صحيح
… يعني يا حبيب أخوك تخيل كده لما الملايكة يقول لربنا تركنا سيف الإسلام وهو يصلي ! أنت متخيل إنك تبقى معروف في السماء عند ربنا و الملايكة بالمواظبة على صلاة الفجر !!
لمعت عين سيف بسعادة لا مثيل لها وهو يتخيل اسمه يتردد على لسان الملائكة أمام الله.. يا لها من فرحة لم يشعر بها من قبل !
قال بنظرات امتنان
— الفضل يرجعلك يا بدر.. مش عارف أردلك الجميل ازاي.. كنت هجيب منين صديق و أب زيك يعرفني الصح من الغلط وياخد بايدي لربنا ويسامحني مهما أغلط
ضربه بدر على كتفه بخفة ليقول ممازحا
–جميل ايه يا جزمة أنت !! فيه بين الأب و ابنه جميل !! أنت أغلى من نفسي عليا يا سيف
ضحك ليردف
— أنا من ساعة ما بقت علاقتي بربنا كويسة و أنا حاسس براحة نفسية كنت مفتقد ليها..حاسس كأن الدنيا كلها بتضحكلي…فعلا طول ما الواحد بعيد عن ربنا هيفضل مكتئب وعمره ما هيحس إنه كويس..أنا بقيت بصلي السنن مع الفروض عشان أعوض كل فرض سبته..ندمان أوي يا بدر إني مكنتش مواظب على الصلاة
ربت بدر بمواساة على كتفه
–الحمدلله إن ربنا ردك إليه.. ربنا بيحبك يا سيف.. اوعى تفرط في الحُب ده.. ده يا بخته اللي ربنا يحبه
–بعد ما دقت حلاوة القرب من ربنا عمري ما هسمع لنفسي ولا لشيطاني يبعدوني عن حبيبي.. و أنا بقلب في الفيس من شوية لفت انتباهي بوست صاحبه كاتب..
قَد خاف عُمر بن الخَطاب من جهنم وهو المُبشر بالجنَّة.
فَكيفَ تَأمن أنت، وأنتَ أنت !
–سيدنا عمر رضي الله عنه ربنا بشره بالجنة يعني خلاص ضمن دخولها و مع ذلك كان خايف من جهنم.. احنا بقى ازاي عايشين كده وضاربين الطناش و مش عارفين آخرتنا ايه ؟؟ .. إن الواحد يعيش في غفلة عن الآخرة دي أسوأ حاجة ممكن ربنا يبتلينا بيها.. عشان كده دايما ادعي في سجودي إن ربنا ميكتبنيش من الغافلين
ابتسم بدر على النضج الذي وصله اليه شقيقه حامدا الله في قلبه و داعيا أن يثبته على الإستقامة و يهديه هو أيضا
–ربنا يصلح حالنا جميعا يا سيف و يرزقنا الجنة و نعيمها
ردد الجميع
— آمين
بعد أن اطمأن على أحوالهم ذهب ليشتري الطعام عائدا لعائشة، رغم أنها حرقت قلبه بكلماتها و لكنه حرص على أن يشتري الطعام الذي تحبه، غضبه منها لم ينقص من حبه لها مقدارًا واحدًا.
خرجت عائشة من المرحاض؛ لتصلي و قرأت بضع صفحات من المصحف حتى شعرت بالراحة ثم قامت ثانية لتصلي ركعتين بنية أن يوفقها الله في امتحاناتها، تزامن ذلك مع مجيء بدر.. رآها وهي تصلي فوضع الطعام على المنضدة وهو يطالعها بتعجب شديد حتى انتهت و نظرت له مبتسمة ثم نهضت واتجهت نحوه لتعتذر له عما قالته، ولكنه تساءل مستفسرًا
— أنتِ… أنتِ بتصلي ازاي ؟؟!
–هو ايه اللي بصلي ازاي !
–ازاي و انتي… يعني… مينفعش.. فاهمة ؟
يقصد بدر أنه لا يصح الصلاة إلا عندما تتطهر من الحيض ولكن عائشة لم تفهم ذلك فقالت بحسن نية
–أنا الحمدلله بقيت بواظب على الصلاة.. أنت متعرفش ولا ايه ! من آخر مرة كلمتني عن الصلاة و أنا بقيت بصلي
تلجلج قائلا
–مش ده قصدي
أومأت بعد أن فهمت المغزى من تلميحاته
–ااه فهمت.. منا استحميت
أومأ دون أن يكترث لها فهو لا يزال غضبانًا منها
–تمام.
انتبهت له يخرج رغيف عيش ليصنع سندويتشا له فعلمت أنه لا يريد تناول الطعام معها.. قال وهو يهم بالخروج مجددا
–أنا رايح الورشة.. ساعتين وراجع
لحقت به قبل أن يفتح الباب، لتقف أمامه تمنعه من الخروج قائلة بأسف
–متزعلش مني.. مكنتش أقصد والله.. حقك عليا
قال متحاشيًا النظر لعينيها حتى لا يضعف امامها
–لأ عادي.. أنتِ مقولتيش حاجة غلط.. أنا فعلا مكملتش تعليم.. معلش نصيبك إنك اتجوزتي واحد جاهل أقل منك.. حقك أنتِ عليا
ندمت بشدة على قولها الغليظ الذي لم تقصده بتاتا ولكن خطأها أنها لم تصون لسانها وتروضه ألا ينطق دون تفكير، فأثر الكلمة القبيحة لا يزول، بل يُكسر قلب المرء كسرًا عميقًا.
تنهدت بحزن ثم مدت كفيها لتحاوط وجهه برقة و ترغمه على النظر اليها.. لتقول بنظرات استعطاف
–بدر و الله ما اقصد اجرحك..أنت أجمل حاجة حصلتلي.. متقولش على نفسك كده تاني.. أنا آسفة والله.. أنت عارفني أكتر من نفسي.. لساني سابقني دايما ومش ببقى قصدي ازعل حد.. حقك عليا بقى
تأملها للحظات ببرود ثم أزاح يدها عنه ليقول بسخرية
–مجتش عليكي.. طول عمري ملطشة للكل بسبب إني مكملتش تعليمي.. رغم انك عارفة كويس إنه مش بإيدي.. و أنا كان حلم حياتي أدخل هندسة بس محصلش نصيب.. الظروف مسمحتش.. أنا راضي بقسمة ربنا.. لكن معايرة الناس ليا و كلامهم اللي يسم في الرايحة و الجاية بتخلي الواحد يتمنى الموت في كل ثانية
أدمعت عيناها من آخر جملة قالها و عانقته على الفور لتردف بصوت متهدج على وشك البكاء
–أنا آسفة والله العظيم… أنت مش وحش يا بدر.. احنا اللي وحشين..
ابتعدت وهي تنظر في عينيه هامسة بترجي
–طب اصالحك ازاي ؟ ايه اللي يرضيك و أنا اعمله ؟
قال بمشاعر جافة
–روحي افطري و اقعدي ذاكري و أنا لما ارجع هذاكرلك.. يلا سلام
ابعدها عن طريقه برفق دون أن يأبه للدموع التي انسابت على وجهها، وخرج متجهـًا لورشته.
جلست تبكي على ما حدث، أقسمت لنفسها أنها لن تأكل ولا حتى تذاكر حتى يسامحها ويرضى عنها.. لم تعرف عائشة أنها ستحبه لتلك الدرجة، لم تتوقع يومًا أن تقع في حُب ابن عمها وتبادله العشق عشقًا صادقًا.. تلك الدموع هي أصدق شيء على مرحلة الحُب التي وصلت لها، تلك العنيدة التي لم تكن تهتم لأمره يومًا.. أصبحت لا تطيق الجلوس في مكان ليس موجودا فيه.
جلس بدر على مقعد في ورشته من يراه يظن أنه يتابع العمل ولكنه كان شاردا في حلم طفولته الذي لم يتحقق.. كان من أنبل الطلاب في مدرسته و أذكاهم، لطالما حصل على المراكز الأولى في جميع المراحل.. كان شغوفا بتصليح الآلات والسيارات..حتى أنه رافق والده إلى ورشتهم عند وقت فراغه فكان يقف منتبها لما يفعله بالسيارات حتى شرب المهنة منه وأحب علم الميكانيكا جدًا و قرر أن يصبح مهندس ميكانيكي له شركته الخاصة بتصنيع الآلات و اعادة تجميع السيارات ولكن الحظ لم يحالفه لتحقيق حلمه وفضل مراعاة أشقائه و مساندة والدته عن استكمال تعليمه بالجامعة.. فأصبح الناس يعايرونه بذلك متجاهلين تماما التضحية التي قام بها من أجل عائلته.
…
لم يهدأ لعائشة بال و بدر غاضبا منها.. خطرت لها فكرة فعزمت على تنفيذها.. قامت لتبحث في خزانة ملابسها عن شيء ترتديه سريعا لتذهب له و تجبره على العودة معها.
وجدت عباءة سوداء لم تتردد في ارتداءها، ولكنها ضايقتها قليلا وهي تدخلها بجسدها.. نظرت لنفسها في المرآة بدهشة.. لقد سمنت من الخصر و الأرداف قليلا وجسدت العباءة تفاصل جسدها بدقة..
هتفت بحسرة
–يخربيت كده !! أنا تخنت امتى ؟؟ أنا مكنتش كده !!.. أنت السبب يا بدر.. قعدت تعلف فيا زي ما يكون هنـدبح في العيد
تأففت بضيق و كسلت عن تبديلها ، فالمسافة بين البيت و الورشة ليست بعيدة.. عشر دقائق مشي فقط والجميع في الصباح منشغل بعمله؛ لذا لن يضايقها أحد.. هكذا أقنعت نفسها و بالفعل خرجت متجهة للورشة و للأسف لم تسلم من نظرات الرجال التي افترست جسدها بشهوة.. فأخذت تسبهم بصمت وقررت عدم الاكتراث لهم فالعباءة لم تكن ضيقة تماما ولكن من يدقق النظر يرى تفاصيل جسدها جيدا.
وصلت للورشة ورآها فينحاس الشاب الذي يعمل مع بدر، لم يكن يعلم أنها زوجته ولم يستطيع منع نفسه من النظر اليها.. أقبل عليها متسائلا بابتسامة عذبة
–حضرتك عاوزة حاجة ؟
–بدر فين ؟
–الأسطا بدر موجود.. اقوله مين ؟
–ناديهولي وخلاص
–طب اتفضلي استريحي.. تحبي تشربي ايه ؟
–هو أنا جايه كافيه.. اخلص ناديهولي و بطل بحلقة بدل ما أنسر الشبشب ده على وشك
أومأ بدهشة وهو يتمتم بتعجب و سخرية
–أعوذ بالله.. الوش وش ملايكة و اللسان عاوز قطعه
ذهب ليخبر بدر فقال بابتسامة بلهاء
— يسطا بدر.. في واحدة بطاية كده في نفسها عاوزاك
قطب بدر حاجبيه هاتفا
— واحدة ايه !!
–واحدة جامدة كده و حليوة بس لسانها عامل زي المبرد.. بقولها اتفضلي استريحي راحت شتماني.. المهم هي عاوزاك ضروري
تجاهل ما قاله وهو يفكر في شيء واحد فقط و يدعو أن يخطأ ظنه.. ألا تكون تلك المرأة التي يتحدث عنها هكذا هي عائشة !!
خرج ليتسمر في مكانه وتجمدت الدماء في جسده وهو ينظر لها من رأسها لأخمص قدميها بعينان مفتوحتان على وسعهما من الصدمة، ليتحرك لسانه هاتفا بذهول
–ينهار أبوكِ أسود و مطين !!!!! استغفر الله العظيم و أبوكِ ذنبه ايه في المصيبة اللي خلفها ؟؟؟؟؟
اقتربت لتقول باسمة
–البيت وحش من غيرك… معرفتش أقعد و أنت مش فيه قولت اجيلك
هتف بلفظ بذيء للغاية مكون ثلاثة أحرف لم يلفظ به من قبل ولكن معظم الشباب بل و الفتيات أيضا يقولونه دون حياء.
تراجعت عائشة بضع خطوات للوراء بخوف من ملامح وجه التي صارت مخيفة من شدة الغضب، بينما فينحاس كان يراقب الموقف من بعيد دون أن يفهم شيء ولكن ذلك اللفظ الذي نطق به بدر في تعصب وصل لمسامعه وجعله يقف مذهولا فهو لم يسمعه يقول مثل تلك الشتائم من قبل.
تلجلجت عائشة لتقول بتوتر و خوف
— أنا.. أنا..
قاطعها وهو يأخذها بقوة من ذراعها و يقول بلهجة عنيفة
— ده أنا هطلع*** أنتِ مش هترتاحي غير اما تجننيني
ادخلها السيارة ليخفيها من أعين المارة ثم انطلق بقوة و الغضب يعتريه من تلك العباءة التي ستنفجر من عليها.. بدأت التخيلات تحوم أمام عينيه وهو يتخيل نظرات الرجال الافتراسية و الشهوانية لإمرأته بينما هي أدركت حجم الكارثة التي وضعت نفسها فيها.. أخذت تفرك يديها بتوتر وهي تسمع صوت أنفاسه المتلاحقة بجانبها تكاد تلفح وجهها كالنار….
______
في تلك العمارة التي اشترى الضابط كريم شقة فيها.. يجلس أمام التلفاز يشاهد مباراة لكرة تنس الطاولة و عقله شارد تماما مع تلك الفراشة “رُميساء” التي سلبت عقله وقلبه و جعلته مشتت دائما من كثرة التفكير فيها.. لم يكن يظن أن يفعل به حياء و احتشام فتاة لا يعرفها ولا تعرفه كل ذلك.
طرقات متتالية بقوة على باب شقته و رنات جنونية للجرس.. نهض على الفور ليرى من الأحمق الذي يفعل ذلك في منتصف الليل.
وجدها تلك المدعوة رودينا جارته الحسناء.. علامات الذعر على تملأ وجهها الشاحب.. تسائل بدهشة
–في ايه ؟؟
قالت بخوف
–الحقني يا أستاذ كريم.. في ماس حصل في المطبخ والنار هتاكل الشقة كلها
ركض كريم لداخل شقتها وفور أن خطت قدميه عتبة الباب.. فقد وعيه إثر الضربة التي أخذها على رأسه من رجل ضخم الجثة.. قام رجل آخر بتخديره ثم نقلوه لغرفة نوم تلك الحية رودينا وهي تتابعهم مبتسمة بخبث و لذة الانتصار تلمع في عينيها..
بأمر منها قاموا بنزع ملابسه عنه بالكامل ثم قامت هي بدورها حسب الخطة المرسومة و نامت بجانبه كاشفة عن جزء من جسدها بعد أن وجهت كاميرا تسجيلية عليهما معا.. وبعد أن انتهت من فعلتها الدنيئة.. حفظت الفديو المسجل.. وقاموا الرجال بتلبيسه و حملوه لشقته ليضعوه على الأريكة أمام التلفاز كأن شيئا لم يكن
.. ثم أخذوا مقابل عملهما المال المتفق عليه و ذهبوا، بينما هي هاتفت الشخص الذي شاركها التخطيط و أخبرته بأن كل شيء صار كما يريد.
يُتبع ..
- لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية يناديها عائش)
.
❤️